عدم دستورية تحصيل مستحقات البنوك بالحجز الإداري

القضية رقم 41 لسنة 19 ق “دستورية ” جلسة 9 / 5 / 1998
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 9مايو سنة 1998 الموافق 13 المحرم سنة 1419ه
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: حمدى محمد على والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله.
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 41 لسنة 19 قضائية “دستورية “
المقامة من
السيد / حسين محمد أحمد عثمان
ضد
1- السيد / رئيس مجلس الوزراء
2- السيد / رئيس مجلس إدارة بنك التنمية الصناعية المصرى
3- ورثة المرحوم محمود أحمد أنور الحداد وهم :
أ- إيمان عبد الحميد فهمى الباجورى عن نفسها وبصفتها
ب- جمال عبد الحميد الصلحاتى
4- السيد / رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر
5- السيد / وزير التعمير بصفته
” الإجراءات “
بتاريخ 6 مارس سنة 1997، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالباً الحكم بعدم دستورية الفقرة (9) من المادة الأولى من قانون الحجز الإداري رقم 308 لسنة 1955 وكذلك مادته الثانية .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها. ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
” المحكمة “
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع- على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل في أن المدعى كان قد أقام الدعويين رقمي 273 لسنة 1995، 275 لسنة 1995 مدنى مركز الجيزة ضد المدعى عليه الثاني بصفته وكذلك ورثة المرحوم/ محمود أحمد أنور طالباً في الدعوى الأولى الحكم برفع الحجز عن ممتلكاته المتمثلة في حق انتفاعه بالأرض المبينة بصحيفة تلك الدعوى وما عليها من مبان يملكها وإلغاء أمر الحجز الإداري الصادر بتاريخ 5/1/1995؛ وفى الدعوى الثانية الحكم بتثبيت ملكيته لحق الانتفاع بالعقار المذكور وبإلغاء إجراءات الحجز الإداري التي تمت عليه. وأثناء نظر الدعويين- بعد ضمهما- دفع المدعى بعدم دستورية الفقرة (9) من المادة الأولى من قانون الحجز الإداري رقم 308 لسنة 1955، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه وخولته رفع الدعوى الدستورية ، فقد أقامها.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي ، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية التي تُدعى هذه المحكمة لحسمها، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان النزاع الموضوعي يتعلق بقيام بنك التنمية الصناعية بتوقيع حجز على أموال يملكها المدعى إعمالاً للبند (ط) من المادة الأولى من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري التي تجيز اتباع إجراءات الحجز الإداري التي بينها هذا القانون لاستيفاء المبالغ التي تستحقها البنوك التي تساهم الحكومة في رؤوس أموالها بما يزيد على نصفها، وكان المدعى قد دفع أثناء نظر دعواه الموضوعية التي طلب فيها الحكم ببطلان إجراءات الحجز التي وقعها بنك التنمية الصناعية على الأموال التي يملكها، بعدم دستورية البند (ط) من المادة الأولى من قانون الحجز الإداري ؛ وكان نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بنطاق الدفع المبدى أمام محكمة الموضوع، فإن المسائل الدستورية التي تُدعى هذه المحكمة للفصل فيها والتي تتصل بها مصلحته الشخصية المباشرة ، إنما تتحدد على ضوء الأحكام التي تضمنها هذا البند دون نص المادة الثانية من هذا القانون التي أقحمها المدعى في صحيفة دعواه الدستورية .
وحيث إن المدعى ينعى على البند (ط) المطعون عليه، مخالفته للمواد (40، 64، 65، 68) من الدستور، وذلك من الوجوه الآتية :
1- أن هذا البند لا يخول البنوك جميعها حق اتخاذ إجراءات الحجز الإداري للحصول على مستحقاتها التي أخل مدينوها بإيفائها في مواعيدها، وإنما منح هذا الامتياز لفئة من بينها، هي تلك التي تساهم الحكومة في رؤوس أموالها بأكثر من نصفها.
2- أن إجراءات الحجز الإداري تعتبر امتيازاً استثنائياً مقرراً لجهة الإدارة ، ولضرورة تحصيل أموالها، فلا يجوز أن ينقل المشرع هذا الامتياز إلى غيرها، وإلا كان ذلك منافياً مبدأ الخضوع للقانون.
3- أن حق التقاضي مؤداه: أن يكون اقتضاء الحقوق من خلال السلطة القضائية التي تُعْمِل نظرتها المحايدة فصلاً فيما يثور من نزاع بشأنها. ولا كذلك إجراءات الحجز الإداري التي يكون بها الدائن خصماً وحكماً في آن واحد.
وحيث إن النظام المصرفي في مصر تتولاه أصلاً شركات مساهمة تعتبر من أشخاص القانون الخاص، وتباشر نشاطها وفقاً لقواعد هذا القانون.
وهى باعتبارها كذلك لا يقارن التبرع أعما لها، ولكنها تتخذ منها طريقاً إلى إنماء مواردها. وسواء كانت الدولة تملك أموالها بكاملها أو كان نصيبها فيها غالباً، فإن ملكيتها هذه لا أثر لها على طبيعة عملياتها أو طرق إدارتها، فلا تماثل خدماتها المصرفية في بنيانها، تلك التي تقدمها جهة الإدارة لمواطنيها في مجال انتفاعهم بالمرافق التي تقوم عليها، وتنهض على تسييرها. وإنما تكون علاقتها بعملائها في الحدود ذاتها التي تحكم النشاط المصرفي الخاص.
وحيث إن الأصل في الحقوق التي يقتضيها أصحابها جبراً من المدينين بها، هو أن يكون حملهم على إيفائها من خلال وسائل التنفيذ التي رسمها قانون المرافعات المدنية والتجارية ، وقوامها أن التنفيذ قسراً لاقتضائها يلحق أصلاً بالمدين بها آثاراً خطيرة لا يجوز أن يتحملها، إلا إذا كان بيد دائنه- وقبل البدء في التنفيذ- سند به؛ وهو ما يعني أن الحق في التنفيذ لا يوجد بغير سند تنفيذي .
وحيث إن قانون الحجز الإداري – وعلى ما تنص عليه المادة (75) منه- يعتبر استثناء من القواعد التي تضمنها قانون المرافعات المدنية والتجارية في شأن التنفيذ الجبري ، ذلك أن القواعد التي رسمها قانون الحجز الإداري لإجراءاته، تعتبر أصلً يحكمها، فلا ينظمها قانون المرافعات المدنية والتجارية إلا في المسائل التي لا نص عليها في قانون الحجز الإداري ، وبما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون. وقد تمثل الخروج على القواعد التي حددها قانون المرافعات المدنية والتجارية للتنفيذ الجبري ، فيما تنص عليه المادة الثانية من قانون الحجز الإداري ، من أن إجراءات هذا الحجز يجوز اتخاذها بناء على أمر مكتوب صادر من الوزير أو رئيس المصلحة أو المحافظ أو المدير أو ممثل الشخص الاعتباري العام حسب الأحوال، أو من ينيبه كل من هؤلاء في ذلك كتابة ؛ بما مؤداه: أن تتخذ جهة الإدارة بنفسها- ومن أجل الحصول على مستحقاتها- قراراً باقتضائها يكون معادلاً لسند التنفيذ بها جبرا؛ ومتضمناً تحديداً من جانبها للحقوق التي تدعيها سواء تعلق الأمر بمصدرها أو بمقدارها؛ وهو ما يعني أن يكون تقديرها- وقد أفرغ في شكل قرار صادر عنها- سنداً تنفيذياً.
وحيث إن من المقرر، أن المرافق العامة إنما تتوخى إشباع أغراض بذواتها تقتضيها خصائص نشاطها التي تقدر معها الجهة التي أنشأتها- وسواء أكان تقديرها صائباً أو مخطئاً- أن أشخاص القانون الخاص لا يقوون على مباشرة الأعمال التي تنهض بها، أو ينفرون منها، أو قد يديرونها وفق نظم لا تلائمها. ومن ثم تقرر هذه الجهة – وهى بالضرورة من أشخاص القانون العام- تنظيمها بما يكفل سريان نظام قانوني خاص عليها، سواء في شأن علاقتها بالعاملين فيها؛ أو على صعيد عقودها؛ أو قواعد مسئوليتها؛ أو طرق محاسبتها، أو الجهة القضائية التي تنفرد بالفصل في منازعاتها.
وكلما تعلق الأمر بأموال هذه المرافق، فإن إدارتها تغاير أوضاع الدومين الخاص وطرق تنظيمها. ذلك أن ماليتها تضبطها معايير جامدة تحول دون مجاوزة تقديراتها، أو استخدامها في غير الأغراض المرصودة عليها.
وحيث إن ذلك مؤداه: أن مفهوم المرفق العام، إنما يتحدد أصلاً بالنظر إلى طبيعة الأعمال التى يتولاها la notion matérielle، سواء أكان الانتفاع بها حقاً للمواطنين في مجموعهم أم كان مقصورا على بعضهم. ويفترض وجود هذا المرفق، عددا من العناصر، أرجحها أن الأعمال التى ينهض بها، ينبغي أن تتصل جميعها- من جهة غايتها- بالمصلحة العامة ؛ وأن يكون إشباعها مكفولاً أصلاً من خلال وسائل القانون العامles procéde de droit public؛ ومقتضياً تدخلاً من أحد أشخاص هذا القانون، سواء قام عليها ابتداء، أو عهد بها إلى غيره.
بيد أن شرط المصلحة العامة وإن كان كامنا في فكرة المرفق العام، ويعتبر مفترضاً أولياً لوجوده، إلا أن هذا الشرط ليس كافياً، ذلك أن المشروع قد يكون اقتصادياً متوخياً إشباع أغراض لها صلة وثقى بهذه المصلحة ، ولا يعتبر مع هذا مرفقاً عاما. وإنما يكون المشروع كذلك إذا استهدفها، وكان تحقيقها قد تم من خلال تدخل أحد أشخاص القانون العام إيجابياً في الشئون التي يقوم عليها. وليس لازماً أن يكون هذا التدخل عن طريق الاستغلال المباشر.
وحيث إن إعمال هذه العناصر على ضوء القضاء المقارن، يؤكد اطراده على أن الأعمال التى تفقد اتصالها بالمصلحة العامة étrangére à l”intêret public، وكذلك تلك التي تكون ربحيتها le but lucratif غرضاً مقصوداً أصلاً من مباشرتها، لا تعتبر مرفقاً عاماً، على تقدير أن هذه المرافق لا تباشر نشاطها أصلاً إلا من خلال خضوعها لقواعد القانون العام. وحتى عند من يقولون بأن هذا القانون ليس بالضرورة قانون هذه المرافق، وأن من الأفضل التركيز على لجوئها إلى وسائل القانون العام فيما تتولاه من الأعمال، فإن إدارة أموال الدومين الخاص la gestion domaniales تظل نائية بطبيعتها عن مفهوم المرفق العام، بالنظر إلى هذه الأموال مشبهة – في خصائصها ونظامها القانونى – بالملكية الخاصة ، وأن إدارتها لا تتم أصلاً إلا بوسائل القانون الخاص التى تلائم أغراض استخدامها واستثمارها.
وحيث إن ذلك مؤداه، أن المرفق العام لا يكون كذلك إلا بالنظر إلى موضوع الأعمال التى يباشرها l”objet de service ؛ ومردودها rentabilité؛ ونظم إدارتها Fonctionnement، وأن ما يعتبر معياراً مادياً لهذا المرفق le sens materiel ou objectif إنما يتصل بطبيعة الأعمال التى يؤديها، ولايجوز بالتالى أن تختلط بالجهة التي تقوم على إدارتها le sens organique ou formel، فقد تكون شخصاً عاماً، أو يعهد بها إلى أحد أشخاص القانون الخاص.
وحيث إن الأعمال التي تقوم عليها البنوك بوجه عام- ويندرج تحتها بنك التنمية الصناعية – وهو الجهة الحاجزة – تعتبر جميعها من قبيل الأعمال المصرفية التي تعتمد أصلا على تنمية الادخار والاستثمار وتقديم خدماتها الائتمانية لمن يطلبها. وأعما لها هذه- وبالنظر إلى طبيعتها- تُخْضعها لقواعد القانون الخاص، وهى تباشرها بوسائل هذا القانون ولو كان رأس ما لها مملوكاً- كلياً أو جزئياً- للدولة ، إذ لا صلة بين الجهة التي تملك أموالها، وموضوع نشاطها؛ ولا بطرائقها في تسييره؛ وليس من شأن هذه الملكية أن تحيل نشاطها عملاً إدارياً، أو من فصلاً عن ربحيتها باعتبارها غرضاً نهائياً تتغياه، بل هو مطلبها من تنظيمها لأعمالها وتوجيهها لها.
وحيث إن القواعد التي تضمنها قانون الحجز الإداري، غايتها أن تكون بيد أشخاص القانون العام وسائل ميسرة تمكنها من تحصيل حقوقها- وعلى الأخص تلك التي تقابل أعمالاً بذلتها أو تدابير اتخذتها- فلا يتقيد اقتضاؤها جبراً عن مدينيها بالقواعد التي فصلها قانون المرافعات المدنية والتجارية في شأن التنفيذ الجبري ، وإنما تعتبر استثناء منها، وامتيازاً مقرراً لصالحها يجعلها دائماً في مركز المدعى عليه. ذلك أن قرار جهة الإدارة بإسناد ديون تدعيها إلى آخرين، يفيد أن قولها بوجودها وتحديدها لمقدارها، يعتبر سندا تنفيذيا بها، يغنيها عن اللجوء إلى القضاء لإثباتها، فلا يبقى مركزها مساوياً لمركز مدينيها، بل يكون قرارها بالديون التي تطلبها منهم، سابقاً على التدليل عليها من جهتها duu privilège préalable ، وناقلاً إليهم مهمة نفيها.
وحيث إن الطبيعة الاستثنائية لقواعد الحجز الإداري ، تقتضى أن يكون نطاق تطبيقها مرتبطاً بأهدافها، ومتصلا بتسيير جهة الإدارة لمرافقها، فلا يجوز نقل هذه القواعد إلى غير مجالها، ولا إلباسها ثوباً مجافياً لحقيقتها، وعلى الأخص بالنظر إلى أن الديون التي تدعيها تعامل بافتراض ثبوتها في حق من تراهم ملتزمين بها أو مسئولين عنها.
وإذا جاز هذا الافتراض في شأن ديون تطلبها جهة الإدارة لنفسها، وتقتضيها بوسائل استثنائية في طبيعتها، تجاوز بها ما يكون مألوفاً من صور التعامل في علائق الأفراد بعضهم ببعض، إلا أن بسطها وتقرير سريانها في شأن ما ينشأ عن العمليات المصرفية التي تباشرها البنوك من ديون تدعيها قبل عملائها – والأصل فيها التحوط لأدلتها، وتهيئتها وتوثيقها؛ وتكافؤ أطرافها في مجال إثباتها ونفيها- مؤداه: إلحاق نشاطها- في هذا النطاق- بالأعمال التي ينهض عليها المرفق العام، واعتبارها من جنسها. وإخضاع تحصيل الديون التي تطلبها من عملائها – ودون مقتض- لقواعد تنافى بصرامتها، مرونة عملياتها وتجاريتها، واطمئنان عملائها إليها فيما يحصلون عليه من ائتمان منها.
وحيث إن النص المطعون فيه، يكون بذلك مخالفا لنص المادة (65) من الدستور، ذلك أن مبدأ الخضوع للقانون المقرر بها، يفترض تقيد أشخاص القانون الخاص في مجال نشاطها المصرفي بقواعد ووسائل هذا القانون دون غيرها، فلا يكون الخروج عليها إلا لضرورة، وبقدرها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية البند (ط) من المادة الأولى من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .