عقد البيع العقاري
د . عبد المحسن بن محمد المحرج
محامي ومستشار قانوني

يحظى العقار باهتمام كبير في كثير من الدول ، فتصاغ من أجله الأنظمة والتشريعات ، وتُعقد لشأنه المؤتمرات ؛ فهو من أثقل الأموال وزناً وأعمقها تأثيراً في الاقتصاد .

ولقد مر معنا في مقال سابق الحديث عن أهمية التوثيق وتباين الدول في مناهجها ، خصوصاً فيما يتم على العقارات من تصرفات ، وبيع العقار من أخطر التصرفات ؛ إذ تنتقل الملكية وتنشأ الالتزامات ، وتوثيقه لدى الجهات الرسمية هو أسلم طريق ، خصوصاً إذا كان المنظم ينتهج طريقة (تطهير العقار من الالتزامات السابقة) عند توثيق البيع لدى الجهات الرسمية ، ويصعب القول بأن طريقة التسجيل العيني مانعة من طروء المطالبات ؛ لأن الدول تختلف مناهجها في التوثيق بشكل عام ، فالأمر لا ينحصر في توثيق البيع فقط ، بل يمتد إلى طريقة تعامل القضاء مع الدعاوى التي تعترض هذه التملكات .

في هذا المقال سأدون جملةً من النقاط التي أرى أهمية مراعاتها عند التبايع الذي يتم بين الأفراد فيما بينهم أو مع الشركات ، وهو اجتهاد ناتج عن ممارسة شخصية من خلال تعاملات عقارية عدة ، آمل أن يستفيد القارئ منها عند حاجته لتوقيع عقدٍ لبيع عقار :

1- تثبّت من صحة تمثيل الطرف الآخر ، ومن أنه يحمل صلاحية تخوله إتمام هذا الإجراء ، وأن مستند تمثيله للغير سارٍ وسليم (كالوكالات مثلاً) .

2- يجب أن يتضمن عقد البيع وصفاً دقيقاً للعقار المباع (مساحة ، أطوال ، شوارع ، حدود ، طوابق ، موجودات … وغيرها) وهذا يستدعي التثبت من جملة من المستندات المهمة ، فعلى سبيل المثال :
الأرض الخام : الصك + القرار المساحي

العقار المبني : يضاف إليها الفسوحات والتراخيص والمخططات وشهادات إتمام البناء وشهادة الدفاع المدني ..

للوحدات الصغيرة : محضر اللجنة الفنية من الأمانة لضبط البيع عند فرز الوحدات .

جميع ماذكرته هو على سبيل المثال ؛ لاختلاف الاشتراطات بحسب نوع العقار واستخدامه .

3- لا غنى للمشتري عن الشخوص على العقار ومعاينته قبل التوقيع ، فالمختص يُدرك أهمية المعاينة وأثرها الكبير على مسائل العيوب التي يترتب عليها القدح بالغبن والغرر ، ولهذا يحرص بعض الباعة على التأكيد كتابياً بأن المشتري قد عاين وفحص العقار بطريقته .

4- عند صياغة بند (العربون) يجب أن نبتعد عن الإيهام والخلط ، فالعربون شيء والقيمة من العقار شيء آخر ، هذا عند الاتفاق ابتداءًا ، وعند تمام البيع فيكون العربون جزءاً من القيمة ، ولأنه عربون فيجب أن يكون بمبلغ معتدل ، وقد كثرت الدعاوى في المحاكم بسبب هذا الخلط الذي يكون فيه إجحاف على طرف من الأطراف .

5- أتْقِن صياغة (بند الثمن) فالبيع الحال بثمن مكتمل ليس كبيع مقسّط ، ولقد تيسرت طرق الدفع ، فالشيكات المصرفية والحوالات هي في حكم القبض المباشر ، وعند اضطرارك لاستلام دفعات عن طريق سندات لأمر فمن المهم أن تأخذ الرأي القانوني الدقيق في النموذج المكتمل للسند .

6- البيع (ثمن ومثمن) ، والمثمن في بعض العقود العقارية لم يُبدأ به بعد أولم يكتمل ، كمسكن لدى مطوّر عقاري ، فمن الخطأ أن يستوفي المطوّر كامل الثمن ولمّا ينتهي بعد ، حينها يقدّر أهل الخبرة المتبقي ، ويُحجز ما يقابله من الثمن ، منعاً من حدوث خلافٍ بين الأطراف .

7- يحسن بالبائع النص على جميع الضمانات في عقد البيع ، خصوصاً ما يتعلق بمرحلة التأسيس (كمواد السباكة ومواد الكهرباء) والمنقولات الثقيلة (كالمصاعد مثلاً) ، وضمانات العزل … ، فهذا يعزز الثقة لدى المشتري ، ويمكّنه من الاستفادة من هذه الضمانات .

8- من أخطر البنود التي يُغفل عنها أو تكتب بطريقة هزيلة : موعد الإفراغ ! ، وقد مر معنا أن أسلم طريق هو الإفراغ لدى الجهات الرسمية ، ما لم نضطر بسبب طبيعة المبايعة إلى كتابة عقد تفصيلي يتضمن شروطاً والتزامات يصعب إدراجها لدى كاتب العدل في ضبط المبايعة ، وهذا استثناء ، أما الأصل فيكون بحسم المبايعة ابتداءًا لدى كاتب العدل ، لكن وبما أن هذا المقال جاء في حدود المبايعات التي تتم خارج كتابات العدل ، لذا فإن صياغة بند الإفراغ يجب أن تكون دقيقة ، فالعربون هو إظهار للجدية والرغبة ، لكنه لا يعني تمام البيع ، وإنما البيع يقع عند إكمال الثمن والإفراغ في الوقت المتفق عليه ، ما لم يكن التأخير بفعل من البائع ، وهنا تبرز أهمية طرق التواصل بين الأطراف في الإشعارات والمواعيد ، وعلى البائع أن يدرك أن باذل العربون هو الأحق في مدته فلا يتعاقد مع غيره ولو قدّم قيمةً أعلى .
وآمل أن ييسر الله لي في وقت قريب كتابة مقال عن هذا الموضوع الشائك (بيع العربون) .

9- ماذا عن بيع العقار المؤجر؟

أ- من المهم الاطلاع على العقود الإيجارية والتثبت من صحة الأرقام ومنطقيتها ، وذلك بالاستعانة بأهل الخبرة ، فمن المؤسف ما يقوم به قلّة من الملاك بتقديم عقود إيجارية مبالغ فيها (بتواطؤ) من مستفيدين ؛ لرفع القيمة الإجمالية للعقار ، وعند تمام الشراء يتفاجئ المالك الجديد بهذه الحيلة، وبالتالي يكون قد خُدع في القيمة الإجمالية للعقار .

ب- قد يشتري البعض سكناً ويشترط البائع البقاء فيه مدة محددة ، وهذا شرط جائز ورد حكمه في السنة كما في حديث جابر -رضي الله عنه- عند البخاري ، عندما اشترى منه النبي صلى الله عليه وسلم بعيره : (قال : بعنيه ، قلت : هو لك يا رسول الله ، قال بعنيه قد أخذته بأربعة دنانير ، ولك ظهره إلى المدينة) ، وفي العقار ، فإني أنصح بأن يتم الإفراغ للمشتري، ويُكتب بين الطرفين اتفاق لاحق (بأي تكييف يرتضيانه) لتحرير مسألة البقاء في العين بعد البيع ، سواء كانت هبة أو أجرة ، المهم أن يتملك المشتري الأصل ويُفرغ له ، وتضبط مدة بقاء البائع ، فهذا أحفظ للحقوق .

10- تنوّع الناس في اختياراتهم وأفهامهم مظنة حدوث النزاع والخلاف ، وهنا تأتي أهمية الدقة في صياغة بند (فصل الخلاف) ، فلدينا أكثر من أسلوب لحلّها : فالقضاء ، والتحكيم ، والوساطة (وقد تكلمت عنها في مقال مستقل) ، كلها طرق تنتهي من خلالها النزاعات ، وتحديد الأسلوب الأنسب للواقعة يعود لعوامل مختلفة ، يقدرها المختص .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت