التحكيم العقاري
د . عبد المحسن بن محمد المحرج
محامي ومستشار قانوني
تتجه كثير من الدول والمؤسسات والمنظمات نحو التخصص في أغلب مجالاتها ؛ إيماناً منها بأن التخصص من مكامن القوة والجذب ، وعلى مستوى الأفراد ، فالمتخصص في مجال ما ، له حظوة وأولوية فيما يظهر من فرص .

وعن عنوان مقال اليوم ، فإنه يجدر ابتداءً أن أوضح للقارئ الكريم ، أن طرق الفصل في النزاعات متعددة ، فالقضاء هو الطريق الأبرز ، حيث يلجأ الأطراف إلى الجهة العدلية الرسمية في الدولة ؛ لعرض النزاع عليها وطلب الفصل والإلزام بأحكامها ، والطريق الثاني هو التحكيم ( بشرط أو مشارطة ) والشرط ما يكون باتفاق الأطراف السابق لحدوث النزاع ، والمشارطة اتفاقهما اللاحق لحدوث النزاع ، وهو (قضاء أهلي) يتفق الأطراف على اختيار محكم بينهما وفق نظام محدد ، ولا يجوز للقضاء الرسمي أن ينظر في نزاع بين أطراف اتفقوا على شرط التحكيم وتمسكوا به، مالم يكن موضوع النزاع مما لا يجوز التحكيم فيه ، وفق المادة الثانية من نظام التحكيم السعودي ، وهذا الطريق طريق معتبر لدى كثير من الدول ، فإذا صدر حكم التحكيم وسلم من الطعن بالبطلان ، فلا يمكن الاستئناف عليه وكان لازم التنفيذ، وقد صدر آخر نظام للتحكيم في المملكة العربية السعودية عام 1433هـ ثم صدرت لائحته التنفيذية عام 1438هـ .

ويظهر التحكيم على نوعين ، التحكيم المؤسسي : وهو الذي يتم عن طريق هيئات أو منظمات أو مراكز دولية أو وطنية ، لها قواعدها الخاصة ولوائحها التي تتبع فيها المناهج المعتبرة عالمياً ، وهذا النوع من التحكيم هو السائد في منازعات التجارة الدولية ، ومن أشهر هذه المراكز في المملكة: المركز السعودي للتحكيم التجاري الموافق على إنشائه بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 257 وتاريخ 14/06/1435هـ .

والتحكيم الحر : وهو الذي يتفق فيه أطراف النزاع على الآلية والإجراءات ، ويجوز لهم اعتماد قواعد لمركز بعينه كما جاء في المادة الخامسة من نظام التحكيم ، فالمرونة سمة ظاهرة في هذا النوع .

وعند استصحابنا لمقدمة المقال عن أهمية التخصص ، وربطه بمجال التحكيم ، نتحفز للبحث أكثر عن مزايا التحكيم المتخصص ، ونسعى لرسم منهج جاد قابل للتنفيذ ؛ يخلق لنا مكانة مرموقةً بنا بين مراكز التحكيم الدولية الرائدة ، فالتخصص يقرّب الجودة ، و عامل السرعة مؤثر في جذب المستثمر ، وكلاهما يرفعان من مستوى التنافسية في الاقتصاد .

لقد أظهرت مؤشرات وزارة العدل حجم تدفق القضايا في المحاكم ، فدعاها ذلك لتشكيل لجنة تبحث الأمر و ترفع التوصيات للحد من هذا التدفق ، وهذا يلفت الأنظار نحو الطرق البديلة في تسوية المنازعات ، ولو تتبعنا حياة الدعوى العقارية في المحاكم لوجدناها تمر بمرحلة مهمة وهي : الاستعانة ببيوت الخبرة ، حين يطلب ناظر الدعوى الرأي من الخبير العقاري في مجاله ، فيستغرق هذا الأمر مدة طويلة تؤثر على مؤشرات الإنجاز والأداء ، وفي ذات الوقت يصعب على القاضي أن يسير في الدعوى دون هذا الرأي الذي سيبني عليه في حكمه .

ولقد تعددت مجالات التحكيم وتنوعت ، فمن تحكيم عقاري وآخر رياضي وثالث هندسي وغيرها ، وفي هذا المقال نحن في سياق الحديث عن التحكيم العقاري الذي أتفاءل كثيراً بنجاحه في بلدنا المبارك ؛ لأن القطاع العقاري في بلدنا له ثقل واضح ، والاستثمار فيه أصبح أكثر احترافية ، ثم الخلاف في بعض صوره وارد ، لكن يحسن التنبه إلى قيد مهم ورد في نظام التحكيم ، بأن المحكّم الفرد يجب أن تتوافر فيه جملة من الشروط من أهمها حصوله على شهادة جامعية في العلوم الشرعية أو النظامية ، أما إن كانت هيئة التحكيم مكونة من أكثر من محكم فيكتفى توافر هذا الشرط في رئيسها كما ورد في المادة الرابعة عشرة من نظام التحكيم ، وهذا يعني أن الخبراء العقاريين سيكون لهم مكان مهم ومؤثر في التحكيم العقاري ، وتواجدهم سيحسم الرأي المرتبط بالخبرة في وقت وجيز .

ولقد سررتُ كثيراً بإنشاء مركز للتحكيم العقاري تابع للهيئة العامة للعقار ، آمل أن يسهم في تخفيف العبء الواقع على المحاكم ، كما أن العمل على صياغة دليل إجرائي للتعامل مع طلبات التحكيم العقاري سيرفع سقف الشفافية في السوق العقاري .

وختاماً فلن ننجح دون تتضافر للجهود ، ويُنتظر من الهيئة العامة للعقار الشيء الكثير ، باستقطاب الكفاءات من الخبراء الشرعيين والقانونيين والعقاريين ؛ لدمج مدخلات الأعراف العقارية مع الصياغة النظامية الصحيحة المتوافقة مع نظام التحكيم السعودي ولائحته التنفيذية ، فنظفر بقرارات تحكيمية مجوّدة ، تكسب ثقة المستهدفين من (التحكيم العقاري) .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت