التعاقد بالعربون يتضمن اتفاقين متميزين

يرى بعض الفقهاء أن التعاقد بالعربون يتضمن اتفاقين متميزين أولهما الاتفاق على التعاقد مقترنا بشرط واقف، أو فاسخ بحسب قصد المتعاقدين، والثاني اتفاق على تعيين ثمن لاستعمال الحق في العدول يلتزم بمقتضاه من يستعمل هذا الحق أن يدفع مبلغا يوازي قيمة العربون ويعتبر هذا الاتفاق الأخير باتا أيا كانت طبيعة الشرط المقترن به العقد فإذا استعمل أي من المتعاقدين حقه في العدول تحلل من التعاقد ووجب عليه دفع ما يوازي قيمة العربون وإلا فلا يجب عليه.

قد يتجه الرأي بناء على ذلك إلى تكييف التعاقد بالعربون بأنه يتضمن اتفاقين متميزين أولهما الإتفاق على التعاقد مقترنا بشرط فاسخ أو واقف بحسب قصد المتعاقدين، والثاني اتفاق على إنشاء إلتزام بدفع ما يوازي قيمة العربون مقترنا بشرط عكس الشرط الأول، أي شرط واقف إذا كان الأول فاسخا، وشرط فاسخ إذا كان الأول واقفا، فإذا كان الشرط فاسخا للتعاقد فإنه إن تحقق انعدم التعاقد وبالتالي تحقق الشرط الواقف للإلتزام بالعربون، وأصبح العربون واجبا في ذمة من عدل، وإن تخلف الشرط الفاسخ تحقق التعاقد واعتبر ذلك تخلفا للشرط الواقف للإلتزام بالعربون، وانعدم هذا الأثر الأخير حيث يعتبر العربون جزءا من الثمن.

أما إذا كان الشرط واقفا للتعاقد، فإن تحقق نفذ التعاقد بأثر رجعي أي من لحظة التعاقد لا من لحظة تحقق الشرط، وتحقق في نفس الوقت الشرط الفاسخ للإلتزام بالعربون فأصبح هذا الإلتزام لا وجود له واعتبر كأن لم يكن، أما إذا تخلف الشرط الواقف انعدم التعاقد و أصبح كأن لم يكن، وفي نفس الوقت تخلف الشرط الفاسخ للإلتزام بالعربون وأصبح هذا الإلتزام مستحق الأداء نهائيا في ذمة من عدل.

الإنتقاد : ولكن يعترض على هذا بأنه وإن كان هذا التكييف يستقيم في حال اعتبار العدول شرطا فاسخا للتعاقد إلا أنه لا يستقيم في حالة اعتبار عدم العدول شرطا واقفا للتعاقد لأن الالتزام بالعربون يعد حينئذ مقررا في ذمة كل من الطرفين تحت شرط فاسخ هو عدم العدول ويقتضى ذلك أنه يجوز لكل من الطرفين منذ إبرام العقد أن يطالب الآخر بقيمة العربون على أن يرده إذا تحقق عدم عدول، وتأييد التعاقد وهو أمر غير مستساغ بالإضافة إلى أنه مخالف لقصد العاقدين.

على ضوء ما تقدم فإنني أنضم إلى الرأي الذي نادى به الدكتور السنهوري، من اعتبار العربون محلا بديلا في إلتزام بدلي، تبرأ ذمة المدين – سواء كان بائعا أو مشتريا – من محل إلتزامه الأصلي في العقد المدفوع فيه العربون إذا تنازل عن العربون إذا كان هو المشتري المدين و الرافض لإتمام التعاقد، أو رده ورد مثله للطرف الآخر إذا كان المدين و الرافض لإتمام التعاقد هو البائع.

فالمدين في عقد البيع مثلا قد يكون البائع، و قد يكون المشتري، ومحل التزام البائع هو التسليم، و نقل الملكة، و الضمان، وهذه محال أصلية لكن لها بديل واحد هو العربون. و يمكن بالعربون الوفاء بالالتزام بعدم تنفيذ المحل الأصلي، و تنفيذ المحل البديل، و النتيجة صحيحة هي انقضاء التزام المدين.

و هذا الالتزام البدلي مصدره الإتفاق الصريح الوارد في العقد من أن الهدف من العربون إعطاء الحق للطرفين في العدول عن العقد، أو إتفاقهما الضمني إذا سكتا عن ذلك، إذ يفهم من هذا السكوت أنهما أحالا إلى نص الفقرة الأولى من المادة 72 مكرر التي تعطي دلالة عدول للعربون. أما إذا اتفق الطرفان صراحة على أن العربون جزء من ثمن المبيع، وأن دفعه كان بقصد البتات في العقد، أو استشف القاضي ذلك من النية المشتركة للمتعاقدين فلا محل للقول بالالتزام البدل ن إذ أن الالتزام عندئذ التزام بسيط محله تنفيذ العقد.