المشروعية هي مدى اتفاق التصرف مع احكام القانون , و هى الميزان الاساسى للحكم على اى تصرف , ما اذا كان صحيحا , ام كان خاطئا , و معيبا , فإذا كان التصرف مطابق لاحكام القانون , او على الاقل لا يخالفه فى اغراضه و مراميه و اهدافه و روحه التى استدعت تشريعه , كان التصرف مشروعا , ام اذا كان التصرف مخالف لاحكام القانون , كان التصرف معيبا و غير مشروع واجب الابطال و الالغاء .

و السؤال الذى يطرح نفسه .. هو هل من سلطة المحكمة ان توجه اللوم و النقد و التجريح , فى اسباب حكمها , لسلطة الاتهام .

الواقع ان محكمة النقض ارست عدد من المبادىء القانونية الاساسية المنظمة لحدود العلاقة بين محكمة الجنايات و النيابة العامة , اذ استقرت منذ بواكير احكامها على عدم جواز ان ترمى محكمة الجنايات النيابة العامة فى احكامها بأوصاف ماسة بها , او ان تقوم بتعييب عملها سواء ما تعلق بالتحقيق او الادعاء , لما فى ذلك من خروج من المحكمة عن حدود دورها القضائى , و ما يمثله هذا التعييب من اهدار لاستقلال النيابة عن المحكمة التى تنظر الدعوى اذ قضت محكمة النقض بأنه ليس للقضاء على النيابة العامة اى سلطة تبيح له لومها او تعييبها مباسرة بسبب طريقة سيرها فى اداء وظيفتها , فاذا كان لدى القضاء شبهة فى هذا السبيل فليس له إلا ان يتجه فى ذلك الى النائب العام المشرف مباشرة على رجال النيابة العمومية او الى وزير العدل الرئيس الاعلى للنيابة , على ان يكون هذا التوجه بصفة سرية , رعاية للحرمة الواجبة للنيابة العامة

( محكمة النقض , نقض جنائى , جلسة 31/3/1932 , مجموعة القواعد القانونية , ج 2 , ق 342 , ص 492 )

كما قضت محكمة النقض بأن ليس لمحكمة الجنايات ان ترمى النيابة العامة فى حكمها بأنها اسرفت فى الاتهام , و انها اسرفت فى حشد التهم , و كيلها للمتهم جزافا

( محكمة النقض , نقض جنائى , جلسة 16/5/1932 )

و قضت بأنه ليس للقضاء على النيابة العامة اى سلطة او اشراف يبيح له لومها او تعييبها او المساس بها فى اى شأن من شئون مباشرة اختصاصاتها , و من ثم فإن المحكمة تقضى عملا بنص المادة 105 من قانون المرافعات بحذف ما ورد فى الحكم من عبارات ماسة بالنيابة العامة

( محكمة النقض , نقض جنائى , جلسة 9/10/1986 , احكام النقض , س 37 , ق 136 , ص 714 )

و بناء على ذلك , فإن ذات المبادىء التى ارستها محكمة النقض فى هذا الصدد هى التى يجب ان تحكم العلاقة بين النيابة الادارية و المحكمة التاديبية , للتماثل بين المركز القانونى للنيابة العامة فى الدعوى الجنائية و المركز القانونى بين النيابة الادارية فى الدعوى التأديبية , اذ وفقا للمادة 197 من الدستور فان النيابة الادارية هيئة قضائية مستقلة , اوضحت المذكرة الايضاحية للقانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن اعادة تنظيم النيابة الادارية و المحاكمات التأديبية ان النيابة الادارية تقوم بالنسبة للموظفين بمثل ما تقوم به النيابة العامة لسائر المواطنين , و هو ذات ما اكدته المحكمة الادارية العليا منذ بواكير احكامها اذ قضت بأن النيابة الادارية تقوم بالنسبة للموظفين بمثل ما تقوم به النيابة العامة لكافة المواطنين

( المحكمة الادارية العليا – الطعن رقم 1230 لسنة 9 ق جلسة18 / 4 / 1967 )

كما قضت فى ذات السياق بأن النيابة الإدارية تمارس الإختصاصات التى خولها لها المشرع بوصفها ممثلة للمجتمع و للدولة حماية لسيادة القانون و رعاية لمفهوم الصالح العام ممثلاً فى كفاية حسن أداء الموظفين العموميين و من فى حكمهم لأعمال وظائفهم – تمارس النيابة الإدارية هذه الإختصاصات على إستقلال أساس ذلك أن النيابة الإدارية هيئة قضائية مستقلة

(الطعن رقم 3677 لسنة 33 ق- إداريه عليا- مكتب فنى 34 صفحة رقم 403 بتاريخ 7/1/1989)

و قضت كذلك بأن المشرع استهدف للنيابة الادارية ان تكون هيئة قضائية مستقلة قوامة على الدعوى التأديبية نيابة عن المجتمع و منزهة عن الهوى ذات اختصاص اصيل ومطلق وغير مقيد بالتحقيق فى كل ما يتصل بعلمها من وقائع تشكل مخالفات مالية أوادارية وهو اختصاص اوكله القانون للنيابة الادارية وهى هيئة قضائية مستقلة عن الادارة فى مباشرة رسالتها طبقا للقانون واختصاصها وولايتها تتولاها بنص القانون

( المحكمة الادارية العليا – الطعن رقم 2582 لسنة 33 ق- إداريه عليا- جلسة 27 / 5 / 1989 ) ,

و استقرت على ان دور النيابة الادارية فى الدعوى التأديبية يتطابق مع دور النيابة العامة فى الدعوى الجنائية

( المحكمة الادارية العليا – الطعن رقم 254 لسنة 46 ق- إداريه عليا- جلسة1/ 2 / 2001 )

و بناء عليه نرى انه للمحكمة التاديبية مطلق الحرية فى ان تكون عقيدتها فى الدعوى كيفما يترأى لها , فتأخذ بما تطمئن اليه من الادلة و تطرح ما تتشكك فيه , دون معقب عليها فى ذلك , طالما لم يشوب حكمها فساد فى الاستدلال او تعسف فى الاستنتاج و هو ما تستظهره محكمة الطعن , لكن فى المقابل لا يجوز ان يرد بالحكم التأديبى عبارات مباشرة ماسة بالنيابة الادارية , تتضمن لوم و تقريع لها , او تعييب لعملها , لما فى ذلك من مساس باستقلال النيابة الادارية عن سلطة الحكم فى الدعوى , فاللوم و التقريع لا يكون الا من متبوع لتابع له , و هو ما لا يتحقق بين المحكمة التأديبية و النيابة الادارية , و يتنافى و مبدأ الفصل بين جهة الادعاء و جهة الحكم فى الدعوى , فليس للقاضى ان يلوم الخصوم و من بينهم النيابة , حسبما بينت محكمة النقض فى احكامها المتواترة , و قد طعنت النيابة الادارية امام المحكمة الادارية العليا على حكم تضمن عبارات ماسة بها , و ينتظر ان تحذو المحكمة الادارية العليا حذو محكمة النقض فى هذا الصدد , و تؤكد ذات المبادىء المستقر عليها فى قضاء محكمة النقض .

بقلم المستشار الدكتور اسلام إحسان

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .