الغلط في الأسباب الذاتية المؤدية لفقدان الإدراك أوالإرادة :

نتناول في هذا المقام حالة الغلط في أسباب فقدان الإدراك والإرادة لجنون أو عاهة في العقل ، أو لحالة السكر أو التخدير التي نتجت عن مواد مسّكرة أو مخّدرة أعطيت للفاعل على غير علم منه بها :

أولاً – الغلط في حالة الجنون أو العاهة العقلية

الجنون (( مرض يفقد المريض قدرته على إدراك العلاقة بين العالم الحقيقي وأفكاره الذاتية ، ويعجزه عن التمييز والتفكير بوضوح فيقبل في يسر أفكاراً غير مألوفة ويتعرض للهذاء ، وتبدو أعراض الجنون في صورة هلوسة أو تخيلات أو هذيان أو انفعالات متغيّرة أو تغيرات في الإرادة )). أو هو (( اضطراب في القوى العقلية بعد تمام نموّها ، يؤدي إلى اختلاف المصابين به في تصوّراتهم وتقديراتهم عن العقلاء )) (1) . والحق ، أن معظم الكتّاب لم يهتم أو ربما لم يهتد إلى الفارق الكبير بين مفهوم العاهة العقلية ومفهوم الجنون ، إذ ينبغي التمييز بين ( العاهة العقلية ) نفسها لكونها مرضاً يصيب القوى الذهنية بالخلل والاضطراب، و( الجنون ) بوصفه مظهراً قانونياً جنائياً للإصابة بها ، بحيث يرتب عليه القانون أثراً محدداً مقتضاه عدم قيام مسؤولية المصاب بتلك العاهة متى كان من شأنها القضاء على أحد شرطي المسؤولية وهما ( سلامة الإدراك والإرادة ) . ويطلق على هذا المظهر برمّته (( الجنون )) اصطلاحا (2). والعاهة العقلية طبقاً لمضمونها القانوني الجنائي هي (( اضطراب عقلي أو نفسي أو عضوي ذو أصل مرضي ذاتي ، يصيب السير الطبيعي للقوى والملكات الذهنية على نحو يفضي إما إلى فقد الإدراك أو الإرادة أو فقدهما معا ، أو إلى مجرد الإنتقاص من أحدهما أوكليهما (3) . أما الجنون بوصفه مظهراً قانونياً جنائياً فهو (( مظهر من مظاهر اضطراب عقلي أو نفسي أو عضوي ، يكون من شأنه الإفضاء إلى فقد الإدراك أو حرية الاختيار أوكليهما معا ))،أو هو (( أحد مظاهر العاهة العقلية المؤدية إلى فقد الإدراك أو حرية الاختيار )) (4 ). وبعبارة موجزة ، فإن الجنون يحيط بأنواع المرض العقلي كلها ، سواء اتخذ شكل الإضطراب العقلي أم الضعف الخطير في الملكات بكل ما يتضمنه هذا الضعف من صور . ولا يقيم القانون فرقاً بين الأنماط المختلفة لعدم سلامة العقل بالنسبة لمعيار المسؤولية الجنائية ، فأي منها يكفي أن يكون مانعاً من المسؤولية إذا سبّب فقدان المعرفة المطلوبة بموجب القانون أو أفضى إلى الفهم غير الصحيح أو المغلوط للحقيقة . وعليه يؤدي الجنون إلى عجز المجنون عن الإدراك أو المعرفة أو العلم بكنه أفعاله ، فيؤدي إلى نتيجتين :- الأولى ، عدم القدرة على معرفة ماهية الفعل ونوعه . و الثانية ، عدم القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ . والقول بأن أيّاً من هاتين النتيجتين تكون كافية لمنع المسؤولية إنما يقوم على أساس منطقي معقول ، لأن مَن لا يعرف على وجه الحقيقة ماذا يفعل ، لا يكون في وضع يجعله قادراً على تمييز صواب فعله من خطئه ، فالشخص المجنون الذي يقطع يد طفلة معتقدا على سبيل الغلط أنه يقطع شجرة ، فهو لا يعرف بالتأكيد طبيعة فعله ونوعه ، وهو من باب أوْلى لا يعرف صواب أو خطأ فعله (5) . فيلازم ذهنه الغلط الدائم فيتوهم غير الحقيقة ويتصوّر صحتها . وحالات الخلط و التشوش الذهني المؤدية إلى الوقوع في الغلط بطبيعة الفعل عادة ما نجدها في حالات الجنون الشديد ، حين يكون الغلط منصباً على الفعل المحظور بوصفه أحد مكونات الركن المادي لا الوسيلة التي لا تعد كذلك . فلو إن مجنونا قتل آخر ظانّاً – على سبيل الغلط – أنه قتله بسهم ، على حين كانت وسيلته في القتل هي البندقية ، فلا يتعلق هذا الغلط بطبيعة الفعل أو نوعه،ومن ثم لا قيمة له في منع قيام المسؤولية الجنائية ، بخلاف ما لو ذبح هذا المجنون شخصاً بسكّين ظاناً أنه ينشر جذع شجرة ، فهو لم يكن يعرف حقيقة طبيعة فعله أو نوعه على الرغم من معرفته بأنه يستعمل سكيناً ، ولا يمكن لأحد أن يدّعي بأن معرفته بأنه يستخدم سكّينا ترقى إلى معرفته بطبيعة الفعل ونوعه المتمثل بقتل شخص آخر ، فمن غير الجائز الا رتفاع بالوقائع إلى مثل هذه الدرجة العالية من الذهول والخلط التي تســــــــمح بقــــــــــــــــول ذلك (6) . ولا يقتصر العلم الحقيقي على الفعل المادي والحركة العضلية فقط وإنما يمتد إلى نتائجه وظروفه أيضاً ،ومن ثم ينبغي للمجنون أن يكون علمه مشوشاً يشوبه الغلط في كل ذلك للقول بامتناع مسئوليته ، فالفعل في جريمة القتل العمد عبارة عن سلسلة سببية تبدأ بحركة عضلية أو امتناع وتنتهي بوفاة الضحية . وقد يعلم المتهم ( المجنون) انه يقوم بعمل ما على جسد شخص ما ومع ذلك لا يتوقع بأن يكون الموت نتيجة فعله ، كما لو أن مجنوناً قطع يد طفل لكي يعلّمه درساً ما ، ونتيجة لهذا الفعل مات الطفل ، فبالرغم من أن موته كان محتملاً ، إلاّ أن هذا المجنون لم يكن يتوقعه إذ إن قصد الإيذاء وإن كان متوافرا لدى المجنون إلاّ أنه وبسبب جنونه لم يكن يتوقع الموت نتيجة لفعله ، الأمر الذي قد يدرأ المسؤولية الجنائية عنه بصدد الوفاة . ولمّا كان الفعل الجرمي يتضمن الظروف التي ترافقه بقدر الاتصال به من الناحية القانونية ، فإن الغلط في هذه الظروف المصاحبة للفعل المادي يكوّن غلطاً في الفعل نفسه ، ولذلك إذا اقدم مجنون على قتل آخر معتقدا بسب جنونه انه في مقام الدفاع الشرعي عن النفس فإنه لا يعد عالماً بطبيعة فعله و نوعه (7) . و يقتضى التنويه إلى أن حالات الغلط من وجهه النظر الطبية لا يقتصر وجودها على نطاق أوهام المجانين و هذيانهم ،إنما توجد أيضا في حالات التشوش و الخلط الذهني و غيرها . إذ يمكن أن يرتكب الفعل في حالة الغيبوبة الناجمة عن مرض مفاجئ ينتاب المريض ، و إن هذا المريض يمكن أن يدرك الملامح المركزية لفعله و لكنه يبقى غير مدرك كنه أفعاله، و بسب ظاهرة الانفصال هذه فإن الفعل لا يمكن تذكّره عند عودة المريض إلى حالته الطبيعية ، الأمر الذي يعنى أن فقدان الذاكرة يقوم دليلاً على أن الفعل قد تم في حالة الغيبوبة . غير أنه قد توجد بعض الحالات التي يكون فيها فقدان الذاكرة مزيّفاً ، أو يكون الإدراك فيها واضحاً وقت ارتكاب الفعل ولكن تذكّر التفاصيل والظروف قد يكون غير واضح .ولهذا لا يكون المتهم قادراً في حقيقة الأمرعلى التذكّر ، فيمكن أن يرتكب المجنون فعلاً جرمياً خلال فقدان ذاكرته ومن دون هذيان . والخلاصة ، أنه يجوز عدّ الإنسان مسؤولاً جزائيا عن فعل أو ترك ، على الرغم من اختلال عقله ، إنْ لم ينجم عن ذلك الاختلال العقلي اختلال وغلط في فهم الفعل ومعرفة طبيعته ونتائجه وظروفه(8) .

وهكذا يتضح بأن القانون رسم للمجنون معنىً أوسع من المعنى الذي رسمه له علم الطب . فكلمة المجنون ( Madness ) التي تعني في علم الأمراض العقلية زوالاً كاملاً للقوىالعقلية ناجماً عن مرض متعاظم كالشلل العام، تعني في مجال القانون الجنائي على حد قول البروفيسور دي فابرس( De Vabress ) الاختلال العقلي بمختلف أشكاله. ويعني الاختلال العقلي (( انعدام أهلية الفهم )) وعدم ممارسة قوة الإرادة على النحو الذي يمارسه الشخص الاعتيادي (9). وقد نص المشرع الجنائي الأردني في المادة (92 ) من قانون العقوبات على ذلك بوضوح قائلاً : – (( 1- يعفى من العقاب كل من ارتكب فعلاً أو تركاً إذا كان حين ارتكابه إياه عاجزاً عن إدراك كنه أفعاله أوعاجزاً عن العلم عليه بأنه محظور ارتكاب ذلك الفعل أوالترك بسبب اختلال في عقله )) . والمادة (33) من قانون العقوبات اليمني بقولها : (( لا يُسأل من يكون في وقت ارتكاب الفعل عاجزاً عن إدراك طبيعته ونتائجه بسبب :- 1- الجنون الدائم أو المؤقت أو العاهة العقلية )) . وكذلك المادة (10) من قانون العقوبات السوداني بقولها : (( لا يعد مرتكباً جريمة الشخص الذي لا يكون ، وقت ارتكاب الفعل المكوّن للجريمة ، مدركاً لماهية أفعاله أو نتائجها أو قادراً على السيطرة عليها بسبب :-

أ – الجنون الدائم أو المؤقت أو العاهة العقلية )) . وبعد ، فإنه من خلال الإطلاع على صفات ومواصفات وطبيعة فئات المجرمين والتعرّف على أسباب إجرامهم – بقدر ارتباط وتعلق هذه الفئات بحالة الجنون – وجدنا أن الغلط المذهل في التفكير والتقدير ثم الخطأ في التصرف لا يظهر إلاّ في المجرمين الذهانيين ( Psychotics ) الأمر الذي نتناوله بالبحث دون الفئات الأخرى . فالمجرمون الذهانيون ، هم المجرمون المصابون بلوثة عقلية تجعلهم بعيدين عن الواقع ، ويعانون من هلوسات سمعية وأوهام خيالية وغيرها من التصوّرات التي لا تمت بصلة إلى الواقع ، فقد يظن الذهاني – على سبيل الغلط – أنه شخصية دينية أو تاريخية أو سياسية مهمة أو مشهورة ، وقد يعتقد أو يتصوّر أشياء لا يتصوّرها غيره ، لأنها غير موجودة في الحقيقة . وعلى هذا، فإنه يقوم بارتكاب جريمته بناءً على الهلوسات والأوهام التي تدور في ذهنه ، فمثلاً يقدم على قتل أسرته لتصوره بأنهم قد ارتكبوا أخطاء تمس شرفه أو إنهم سوف يتصرفون على هذه الشاكلة مستقبلاً – خلافا للحقيقة – وقد أعطــــــى الباحث ( Gwynn Natter ( ثلاث خصائص للشــــــــــــــــخص الذهاني :-

الأولى : تشويه الحقيقة بصورة كلية ( غلط في التفكير والتصوّر ) والثانية ، الحالة المزاجية غير المستقرّة والغريبة والمرفوضة . أما الثالثة ، فهي فقدان القدرة على التعامل مع الآخرين(10) .

والشخص الذهاني يسمى بالمجنون حين يتصرف بصورة غير عقلانية ، وهو يصنف أحيانا تحت مرض ( الشيزوفرينيا ) أو مرض ( البارانويا) وكما يأتي :-

1- الشيزوفرينيا ( الفصام) -( Schizophreina )

يعد من اخطر الأمراض العقلية الوظيفية واعقدها ،وذلك لمجهولية أسبابه . ومن بعض صفات المصاب به ( الابتعاد عن الحقيقة ) ، فضلا عن التدهور التدريجي في بناء الشخصية ، والميل إلى الصمت والخجل الشديد والحساسية المفرطة ، ( والميل إلى الخيال وتجاهل الواقع ) (11) . ويعد هذا المرض كذلك في مقدمة الأمراض التي تدفع بصاحبها إلى الجريمة ، وفيه تنفصم مركبات الشخصية بصورة عامة ويختل الجانب الانفعالي بصورة خاصة . وشخصية المريض تكون في حالة تبلد وعدم اكتراث ،و يكون الشخص بعيدا عن عالم الحقيقة والواقع ولا يكون لديه أي توافق بين تفكيره وانفعاله ، إذ تكون صلة المصاب بالعالم الخارجي الحقيقي منقطعة إنما ضعيفة جدا ، فهو يرتكب الجريمة ثم لا يلبث إن يعود سريعا إلى هدوئه ثانية ويرتبط بعالم الواقع (12) .

2- البر انويا ( جنون العقائد الوهمية ) –) Paranoia )

وهي حالة يعاني المصاب فيها من أفكار تتسلط عليه فلا يمكنه مقاومتها ، كأن يعتقد بأنه ضحية اضطهاد أو إنه نبي أو يتقمص شخصية تاريخية معروفة ، وهذا النوع من الجنون يدفع إلى ارتكاب الجرائم تحت تأثير الأفكار المتسلطة عليه (13). وإن الجرائم التي يرتكبها المصابون بهذا المرض تكون في الغالب وليدة هذاءات العظمة والاضطهاد والصراع اللاشعوري والانهيار العاطفي ، إذ يظن المريض – على سبيل الغلط – بأن شخصاً ما يضطهده ، ثم سرعان ما يحاول التخلص من تلك المخاوف غير الحقيقية القائمة في ذهنه دون الواقع ، وذلك من خلال إيذاء ذلك الشــــــــــخص ولو كان ذلك بقتله (14) .

وفي قضية من القضاء الإنكليزي ، أن شخص يدعى ( دانيال ماكناتن ) أقدم على إطلاق النار على سكرتير السيد ( روبرت بيل ) ويدعى ( إدوارد دراموتد ) ظنّاً أنه السيد بيل نفسه . ولدى النظر في قضيته ادعى(ماكناتن )أنه كان واقعاً تحت تأثير هذيان الجنون ( Delusion Insanity) أو ما يسمى بجنون العقائد الوهمية ( البارانويا ) ، وقدّم دليلاً طبياً على ذلك ، فقرر المحلفون أنه غير مذنب بسبب الجنون ، ثم سُلّم إلى المستشفى بالطريقة الاعتيادية تسليماً مدنياً لخطورته . وان معيار ( ماكناتن ) هذا يتضمن ما يأتي :-

1. إنه يصار إلى تطبيقه فقط في حالة وجود نقص في التمييز أساسه مرض العقل ، وراثيا كان أو مكتسباً .

2. إذا تسبب نقص التمييز هذا في جعل المتهم عاجزاً عن فهم أو أدراك ما كان يفعل ، فيشوب تصرفه غلط يفضي إلى خطأ ، فلا يمكن عدّه مذنباً ولا يُسأل عن الجريمة ، حتى وإنْ كان مدركاً لما يفعل فلا يعد مذنبا ، إذا كان نقص التمييز هذا قد سبب عدم إدراكه أو عدم معرفته أن فعله خاطئ .

3. إذا علم أن المتهم تحت تأثير هذيان الجنون فهو من حيث المسؤولية في مقام ما لو كانت هذه الأوهام حقيقية (15) . يبقى إن نقول بصدد معيار المنع الكلي للمسؤولية الجزائية ، بأن هناك عدة معايير للمنع الكلي للمسؤولية الجزائية بشأن حالة الجنون والعاهة العقلية ، يمكن تقسيمها إلى تقليدية وحديثة . أما المعايير التقليدية ، فقد انفرد بصياغتها القضاء الجنائي الأنكلوسكسوني ، الذي استلزم لانعدام مسؤولية المصاب عقليا عن الجريمة التي ارتكبها أن يفقد كامل إدراكه و( فهمه ) لواقع الأمور حوله ، وأن يفقد القدرة تماما على التمييز بين الخير والشر ، وان تكون تصرفاته هوجاء وعنيفة . أما المعايير الحديثة ، فكان أبرزها معيار ( ماكناتن ) – (Mcnaghten test ) . الذي يطلق عليه جانب من الفقه إسم المعيار العقلاني ( Rational test) ، أو معيار الخطأ والصواب ، ويقرر القضاء الإنكليزي أنه لكي يمكن تقرير عدم مسؤولية الفاعل بسبب العاهة العقلية ، يجب أن يثبت بأنه كان يعاني وقت ارتكابه الجريمة من عاهة عقلية يتعذر عليه معها (( العلم )) بطبيعة وصفه الفعل الذي ارتكبه ، أو أنه إذا استطاع ذلك فإنه (( لا يعلم )) علماً صحيحاً أو لا يعلم بان ما يقوم به هو (( فعل خاطئ )) . ويرى القضاء الأسترالي (( إن المقصود بالفعل الخاطئ هو عدم قدرة الفاعل على التقدير العقلاني للأمور قياسا على ما يفعله الشخص الاعتيادي السليم في تفكيره ))(16). أما المعيار الحديث الآخر فهو المعيار النفسي ((أو معيار فقد الإدراك أو حرية الإدراك )) ، الذي تدين له أغلب التشريعات التي اعتنقته ، فقد عبّر عنه الأستاذ (لوفاسير) بصورة واضحة إذ قال أنه يتعذر عدّ مجرد إصابة مرتكب الجريمة بالعاهة العقلية بصورها المختلفة معياراً للقول بامتناع المسؤولية الجنائية ،إنما يتعين التثبت من أن الشخص كانت له القدرة على (( فهم )) الموقف وإدراكه وقت الجريمة ، وان باستطاعته التصرف كما يجب عادة في ظل هذا الموقف ، بمعنى يجب التثبت – تمهيداً لتقرير حالة امتناع المسؤولية بسبب العاهة العقلية – من أن الفاعل كان وقت ارتكاب الجريمة إما فاقداً إدراكه أو حريته في الاختيار أو كليهما معا (17).

ويشار إلى أن المشرع العراقي نص في المادة ( 60 ) من قانون العقوبات على أنه : (( لا يُسأل جزائياً من كان وقت ارتكاب الجريمة فاقد الإدراك أو الإرادة لجنون أوعاهة في العقل أما إذا لم يترتب على العاهة في العقل … سوى نقص أو ضعف في الإدراك إنما الإرادة وقت ارتكاب الجريمة عدّ ذلك عذرا مخففاً )) .

ثانيا – الغلط في حالة السكر أو التخدير

لا يمكن إعفاء الفاعل من المسؤولية الجنائية إذا تناول مادة مسكّرة أو مخدرة إلاّ إذا وقع ذلك رغما عنه أو على غير علم منه بها ، على نحو لا يمكن معه عدّه مخطئا في تناول المادة التي كانت سبباً في وقوع حالة السكرأو التخدير ، أما إذا غلط في المادة التي كانت موضوعة أمامه فتناولها على أنها مشروب اعتيادي فإذا هي مسكّر أو مخدر شديد التأثير ، فلا يمكن عدّه مخطئا مادام قد ثبت اتخاذه الحيطة اللازمة وتصرف تصرف الرجل المعتاد لو كان في مثل حالته وظروفه (18) . بمعنى أن المشرع يفترض في هذه الحالة أن يكون تصرف الفاعل حين يقدم على تعاطي مواد مسكّرة أو مخدرة مجرداً من الخطأ ، ويتحقق ذلك حين يقع الفاعل في غلط فيتناول المادة المسكّرة أو المخدّرة وهو جاهل بطبيعتها وآثارها ، فيكون غلطه هذا غير راجع إلى خطا قوامه الإهمال أو التقصير ، ومعيار ذلك أن شخصاً معتاداً لو وضع مكانه كان سيقع مثله في الغلط نفسه . ولقد قررت محكمة التمييز الجزائية السورية في هذا السياق بشأن هذا الشرط (( إنه يجب أن يكون تناول المدعي عليه للكحول قد حصل بسبب طارئ أو قوة قاهرة ، أي أن يكون في مطلق الحالات خارجا عن إرادته ولم يكن منه مختاراً ، كأن يكون مثلا قد وقع في غلط بين دواء مسكّر ، أو إن يكون قد أرغم قسراً على تناوله )) (19) . أو كما لو تناول أحد المدعوين في حفلة ما قدحا قدّم له على أنه عصير ، فإذا به في الحقيقة مسكر أو مخدّر ، ثم يرتكب جريمته في ظل فقدان إدراكه و إرادته وعدم أدراك كنه أفعاله . ومناط الإعفاء من المسؤولية أن ينعدم العلم وتنعدم المعرفة لدى الفاعل حدّاً يفقد معه الإدراك والإرادة تماماً ، وتخفف المسؤولية بقدر الضعف في الملكات المذكورة. أما المشرع اللبناني فقد حدّد في الفقرة الأولى من المادة ( 235 ) من قانون العقوبات شروط امتناع المسؤولية ، بان يكون السكر أو التسّمم ناتجاً عن سبب طارئ أو قوّة قاهرة ، وأن يفضي ذلك إلى فقدان الوعي أو الإرادة ، وان يكون ذلك معاصراً لإرتكاب الفعل الجرمي . وهكذا ، يقرر المشرع اللبناني الأمر نفسه الذي يقرره المشرع السوري، إذ قصد بالسبب الطارئ تجرد المتهم عند تصرفه من الخطأ لدى تناوله المسكّر أو المخدر ، وذلك عند غلطه بطبيعة هذه المواد وآثارها غلطاً لا يشوبه إهمال ولا يعتريه تقصير أو أية صورة من صور الخطأ، إذ لو أن شخصاً اعتيادياً كان في مثل مكانه وظروفه لوقع مثله في الغلط نفسه . أما المقصود بالقوة القاهرة هنا فهو أن يكون تناول المادة المسكّرة أو المخدرة قد حصل تحت تأثير إكراه مادي أو معنوي أواستجابة لضرورة معينة كعلاج مرض أو التهيّؤ لجراحة . والذي يجمع بين حالتي السبب الطارئ والقوة القاهرة ، أن حدوث السكر والتخدير يكون متجرداً من الخطأ (20) . ولو ألفينا المادة (60) من قانون العقوبات العراقي لوجدناها تعالج هذه الحالات بقولها :

(( لا يُسأل جزائياً من كان وقت ارتكاب الجريمة فاقداً الإدراك أو الإرادة… بسبب كونه في حالة سكر أو تخدير نتجت عن مواد مسكرة أو مخدّرة أعطيت له قسراً أو على غير علم منه بها …. أما إذا لم يترتب على …. المادة المسكرة أو المخدرة أو غيرها سوى نقص أو ضعف في الإدراك أو الإرادة وقت ارتكاب الجريمة عدّ ذلك عذراً مخففاً )).

ويتضح من هذا النص إن المشرع العراقي قد اشترط لكي يصار إلى الإعفاء من المسؤولية الجزائية لفقد الإدراك أو الإرادة بسبب السكر أو التخدير أو تخفيفها ، أن تكون حالة السكر أو التخدير قد نجمت عن مواد مسكّرة أو مخدّرة أعطيت لمرتكب الجريمة عنوة دون رضاه ، أو أنه تعاطاها (( على غير علم منه بها )) وبأن من شأنها أن تسكّره أوتفقده وعيه ، كأن يتناول حبة أو قرصا أو اكثر معتقداً – على سبيل الغلط –إنها من العقاقير المسكنة أو الخافضة للحرارة فإذا بها حبوب أو أقراص مخدرة (21) . وفي كل الأحوال ، يشترط في السكر أو التخدير المانع للمسؤولية الجنائية أن يكون قد حصل بغير إرادة الشخص ، ويتحقق ذلك في حالة الإكراه المادي أو المعنوي، أو في حالة الاضطرارأو الغلط العلاجي ، أو في حالة الغلط في ذات المسكّر أو المخدّر (22) . أما في الشريعة الإسلامية ، فإن (( فهم خطاب الشارع )) على الوجه الصحيح شرط من شروط صحة التكليف ، إذ إن قدرة المكلف على فهم خطاب الشارع هي مناط الامتثال لأوامره ، ومن لا يستطيع الفهم لا يستطيع الامتثال . وإنّ (( العقل )) شرط آخر من شروط التكليف ، فهو أداة الفهم والتفكير ، وبه يمكن للإنسان أدراك مقصود الشارع وبزواله ينتفي أعظم مقوم من مقومات الإنسان ، فلا يصح تكليف بلا عقل (23). وفي الشريعة إذا حصل الإسكار رغماً عن الشخص نتيجة الغلط فيكون عليه الديّة والأروش عن الإصابات التي يحدثها في الأشخاص حال سكره ، وذلك لعدم وجود شخص آخر غيره يمكن تحميله مسؤولية هذه الإصابات (24) .

___________________________________

1- د. ضاري خليل محمود – أثر العاهة العقلية في المسؤولية الجزائية – ط/1 – دار القادسية للطباعة/ بغداد – 1982 – ص 42 .

2- المصدر والموضع السابق .

3- المصدر السابق –ص 50 .

4- المصدر السابق – ص 53 .

5- د. كامل السعيد-شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات-ط1-الناشر الدار العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع-عمان/الأردن-2002 – ص 589 وص 595 وما بعدها .

6- المصدر السابق- ص 598وما بعدها .

-H.Oppenheimer-The criminal responsibility of Lunatics- London-Sweet- 7

and- Mqxwell-1909-P.142-143.

146 – 8- -William C. Sullivan – Crime and insanity- London – 1924 –p .99. 145

and،p.152

نقلا عن د. كامل السعيد – المصدر السابق- ص 602 – 605.

9- Royal Commission on Capital punishment -1949 1953 –London – Her Majesty`s stationery office – 1973 – p 412

نقلا عن د. كامل السعيد – ص 587 .

10- د.فتحية عبد الغني الجميلي-الجريمة والمجتمع ومرتكب الجريمة-دار وائل للنشر-عمان/الأردن-2001 –ص167 ومابعدها.

11 – د. ضاري خليل محمود-أثر العاهة العقلية في المسؤولية الجزائية –ط1-دار القادسية للطباعة-بغداد-1982– ص 77 .

12- عبد المحسن السالم-العوارض الوجوبية والتقديرية للمسؤولية التأديبية للموظف العام/مقارنة بعوارض المسؤولية الجنائية في التشريعين العراقي والمصري-ط1-مطبعة عصام-بغداد-1986 – ص 168 .وينظر د. فتحية عبد الغني الجميلي– ص 168.

13- عبد المحسن السالم-العوارض الوجوبية والتقديرية للمسؤولية التأديبية للموظف العام/مقارنة بعوارض المسؤولية الجنائية في التشريعين العراقي والمصري-ط1-مطبعة عصام-بغداد-1986ص 169 .

14- د. فتحية عبد الغني الجميلي – ص 168 وما بعدها .

15- -Lafave and Scott : Criminal Law – West published – St paul Minnessota- 1979-p . 274 .

نقلا عن د. كامل السعيد – المصدر السابق – ص 582 – 584 .

16- د. ضاري خليل محمود – أثر العاهة العقلية – ص 101 .

17- المصدر السابق – ص 109 .

18- د. محمد زكي أبو عامر ود.عبد القادر القهوجي-قانون العقوبات اللبناني/القسم العام-الدار الجامعية للطباعة والنشر-بيروت-1984– ص 164 .

19- عبد الوهاب حومد – الحقوق الجزائية العامة – ط/6 – المطبعة الجديدة / دمشق – 1963 – ص 550 .

20- د. محمود نجيب حسني-شرح قانون العقوبات اللبناني/القسم العام-المجلد الأول-ط3-منشورات الحلبي الحقوقية-بيروت/لبنان-1998 – ص 690 – 692 ، وص 692 هامش رقم (1) .

21- عبد المحسن السالم-العوارض الوجوبية والتقديرية للمسؤولية التأديبية للموظف العام/مقارنة بعوارض المسؤولية الجنائية في التشريعين العراقي والمصري-ط1-مطبعة عصام-بغداد-1986– ص 175 .

22- د. علي حسن الشرفي-شرح قانون الجرائم والعقوبات اليمني/القسم العام-ج/1 النظرية العامة للجريمة-ط3-1997– ص 349 .

23-د. محمد مسعود المعيني – الأكراه وأثره في التصرفات الشرعية –ط/ 1 – مطبعة الزهراءالحديثة – العراق / الموصل / 1985-ص 177- 179 .

24- د. علي حسن الشرفي – المصدر السابق – ص 349 وما بعدها .

الغلط في الأسباب الخارجية المؤدية لفقدان الإدراك أو الإرادة :

نتناول في هذا المقام حالات الغلط في أسباب فقدان الإدراك أو الإرادة نتيجة الإكراه ، أو الضرورة ، أو صغر السن ، تباعاً على وفق الترتيب المنصوص عليه في قانون العقوبات العراقي في المواد ( 62 – 65 ) منه :

أولا – الغلط في حالة الإكراه

الإكراه لغة ، هو القسر . وفي النطاق القانوني ، هو حمل شخص على إتيان فعل معين لا يقبله حكمه المتعقل فيما لو تركت له أرادته المعتبرة من الوجهة القانونية (1) .

وينقسم الإكراه إلى : إكراه مادي أو طبيعي ، وإكراه معنوي أو نفسي ، كما يأتي :-

1- الإكراه المادي ( أو القوة القاهرة ) :

هو (( محو إرادة الفاعل على نحو لا تنسب إليه فيه غير حركة عضوية أو موقف سلبي مجردين من الصفة الإرادية )) (2) . أو هو (( كل قوة مادية توجه إلى الشخص فلا يستطيع مقاومتها ، ومن شأنها أن تعدم اختياره وتؤدي به إلى ارتكاب الجريمة )) (3) .

2- الإكراه المعنوي :

وهو ضغط صادر عن إنسان ما على إرادة آخر لحمله على توجيهها إلى السلوك الإجرامي . أو هي كل قوة معنوية توجّه إلى الشخص ، فلا يستطيع مقاومتها ويكون من شأنها إضعاف الإرادة لديه إلى درجة تحرمها الاختيار وتؤدي به إلى ارتكاب الجريمة ويقع عادة بطريقة التهديد (4) . وهناك من يرى بأنه لا مجال للتفريق بين الإكراه المعنوي وحالة الضرورة ، من حيث أنه لا يشترط بان يكون الخطر حقيقياً في الحالتين ، فكلاهما يعتمد على أسس نفسية مردّها إلى التأثير على حرية الإرادة . إذ قد يبلغ الاعتقاد الخاطئ- المشوب بالغلط – حدّاً ينفي عنها حريتها . ولا تنتفي المسؤولية الجنائية العمدية وغير العمدية في كلتي الحالتين إلاّ إذا كان الاعتقاد مبنياً على أسباب معقولة ومستنداً إلى حجج مقبولة ،وكان صاحب الاعتقاد حسن النيّة (5) . كما أن الإكراه المعنوي وحالة الضرورة كليهما يؤثر في حرية الإختيار بما يضيّق من مجال الإرادة ، وإن كان أثر الأول أكثر تضييقاً لحرية الاختيار مما هو عليه الحال في نطاق حالة الضرورة ، بل إن غالبية الفقه العربي يعد حالة الإكراه المعنوي صورة من صور حالة الضرورة التي قد تقوم أحيانا بفعل الطبيعة ، فكلاهما تكون القوة فيه متجهة إلى المجال النفسي للإنسان دون المساس بجسمه، فتعمل على تضييق حرية الاختيار على نحو يضيق وينقص من الإرادة حدّاً يفقدها قيمتها القانونية ، وبالتالي كلاهما يعد من أسباب موانع المسؤولية (6) . ومهما يكن الأمر ، فان شروط الإكراه المادي هي الشروط المتطلبة في الإكراه المعنوي نفسه، إذ يتطلب في النوعين : –

أولا – وقوع الإكراه على المكره يفقده حرية الاختيار لحظة ارتكاب الجريمة .

ثانيا- إن يكون الإكراه من الجسامة بحيث يفقد الإختيار لدى الجاني تماماً ، فلا يمكنه مفاداة إرتكاب الفعل الجرمي .

ثالثا – أن لا يكون في مقدور الجاني توقع سبب الإكراه ليسعى إلى ملا فاته (7) .

وان الغلط يرد على هذه الشروط ، على الرغم من أن هذا الغلط يمكن تصوّره عادة في نطاق الإكراه المعنوي دون المادي ، بالنظر للطبيعة المعنوية للأول .

وهكذا ، فإن الأصل في حالة الإكراه المعنوي ( وحالة الضرورة أيضاً ) أن يكون الخطر الذي يهدّد الحق حقيقياً . بيد انه طبقا للقواعد العامة في الغلط يصح أن يكون ذلك الخطر وهمياً ويرتب الأثر نفسه الذي يرتبه الخطر الحقيقي ، متى قامت أسباب معقولة تدعو الشخص بحسب مشاعره الفردية الاعتيادية المألوفة في حياته اليومية أن يتمثل وجود الخطر كأنه يعتقد بقيامه جدّيا . وإذا كان شرط(( حلول الخطر أو وقوع الإكراه )) من الشروط الموضوعية التي يتعين أن تكون أمراً واقعياً حقيقياً ، فإنه يصح أيضاً الاعتقاد الوهمي لحلول هذا الشرط الموضوعي إذا ما بني على أسباب معقولة مقبولة استنادا إلى القواعد العامة . ثم يتعين أن لا تكون النظرة التي يجب أن ينظر بها إلى هذا الشرط نظرة موضوعية مجردة ، وإنما ينبغي مراعاة الطابع الشخصي أيضا ، بأن يقام وزن للطابعين معا ، فينظر إلى طبيعة الخطر بصفته ظرفاً مادياً ، والى أثر هذا الظرف في نفسية الفاعل ، مع مراعاة ظروف جنس الفاعل سنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شانه التأثير على المجال النفسي له (8) .أما شرط (( جسامة الخطر )) ، فإنه يختلف في الإكراه عنه في حالة الضرورة . وهذا يعني أن الخطر في حالة الضرورة أقل مما يتطلبه الخطر في الإكراه المادي والمعنوي ، إذ يتعين أن يبلغ الخطر درجة من الجسامة في حالتي الإكراه بحيث يعدم الإرادة أويضيّقها إلى أبعد مدى .أما في حالة الضرورة فلا يتعين أن يكون الخطر جسيماً إلى هذه الدرجة ، لأن الإرادة في حالة الضرورة تكون سليمة وقائمة ، الأمر الذي يكفي معه أن تكون درجة الخطر متناسبة مع الجريمة بما يضمن تحقيق غاية النص . وإن جسامة الخطر مسألة نسبية ، لذلك ينبغي النظر إليها عند وضع معيار لتحديد هذه الجسامة من خلال زاويتين :

الأولى ، موضوعية ، بأن توضع الظروف المادية كما أحيط بها الفاعل موضع الاعتبار.

أما الثانية، فهي شخصية، تتعلق بنفسية الفاعل الذي ( اعتقد ) بأن هذا الخطر كان على جانب من الجسامة ، الأمر الذي دفعه إلى الإقدام على فعله ، مع مراعاة أحواله وظروفه الخاصة والملابسات المحيطة به كافة وقت ارتكاب الجريمة .وهذه الزاوية الشخصية تسمح بالإعتداد بالخطر الوهمي في توافر حالة الإكراه المعنوي ،إذا توافرت أسباب معقولة تدفع الفاعل إلى ذلك الاعتقاد المغلوط (9) .

يبقى أن نقول بأن أغلب التشريعات الجنائية لا تأخذ بالاعتبار حالة (الإيحاء الأدبي) ،مسوغاً للقول بوجود الإكراه المعنوي ،بيد انه على الرغم من ذلك يمكن أن نتصور انسياق الفاعل إلى ارتكاب الجريمة بدافع الإيحاء الأدبي ،ولاسيما المتعلق بحالات يظن فيها الفاعل أنه يدافع عن شرفه وعرضه.وهنا قد يلتبس عليه الأمر فيوقعه هذا الإلتباس في ((الغلط))، لأنه قد لا يطيق في تلك اللحظة مناقشة الأمر، وتبين الحقائق كما هي ، وهنا لا يمكن استبعاد المسؤولية الجنائية، لأن القانون يتطلب من الإنسان أن يكون مسيطراً على عواطفه قادراً على كبح جماحها ، وأن لا يركب هواه بلا مسوّغ من دون تثبّت . أما الفقه الفرنسي الحديث والقانون الجنائي الإيطالي في المادة ( 90) منه ، فقد قررا عدم العقاب على هذا النوع من الجرائم لكونها تستمد كيانها القانوني من الطابع الشخصي للمسؤولية الجنائية ، لأن العاطفة في حالات معينة قد تجر إلى هبوط حاد في الإرادة وإلغائها بصفة مؤقتة .

والخلاصة ، إن وجود حالة الميل والانفعال لا يعني استبعاد المسؤولية الجنائية ولا تنقص من الأهلية الجنائية شيئاً . أما إذا بلغت هذه الحالة من الحدّة والشدّة والتأثير ما يجعلها تبدو وكأنها حالة مرضية ، فإن الفاعل في هذه الحالة يواجه عجزاً حقيقياً في الإدراك يبلغ مبلغ القوة المعدمة للإرادة (10) . وفي الشريعة الإسلامية ، تعد (( القدرة )) من شروط التكليف ، إذ يشترط في المكلف أن يكون قادراً على الامتثال ، لأن سبب التكليف هو الابتلاء والامتحان ، ولايعقل الابتلاء أو الامتحان إلاّ إذا كان الفعل مقدورا للمكلف مع اختياره في الإمتثال وعدمه ، ليكون إما مثاباً وإما مُعاقباً بما كسب . وعليه فلا يصح التكليف بالمستحيل أو عادةً ، ولا تكليف بما لا يدخل في علم الإنسان و إرادته ، وقال تعالى (( لا يكلف الله نفساً إلاّ وسعها )) – البقرة 2/ 286 ، وقوله سبحانه (( لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها)) – الطلاق 65 /2 . وهذه الآيات تدل على عدم وقوع التكليف بما لا يطاق مع كونه يقع خارج نطاق قدرة المكلف ، فلا يوصف بالتقصير عند عدم الامتثال للمستحيل . أما الأمور الشاقة التي يمكن للنفس أن تطيقها فلا تكون حائلاً دون التكليف إذا كان الأمر ضرورياً ، كالجهاد في سبيل رفعة الأمة والدين . أما إذا كانت المشقة نتيجة ظرف طارئ، فقد رخّص الشارع للمكلف في هذه الحالة ما يخفف عنه هذه المشقة ويرفعها عند الإكراه ، كالإفطار في السفر وإجراء كلمة الكفر . وإن الإكراه يعدم الإرادة تماما أو يضعفها إلى ما يعادل إعدامها ، لذلك فهو يمنع التكليف ، لأن شرط التكليف القدرة ، ولا قدرة للمكلف في هذه الحالة(11) ، فقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم (( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )) (12) . وكذا جاء قانون العقوبات العراقي في المادة (62) منه قائلا :- إنه (( لا يُسأل جزائياً من أكرهته على ارتكاب الجريمة قوة مادية أو معنوية لم يستطع دفعها )) .

ثانيا – الغلط في حالة الضرورة

الاضطرار إلى الشيء هو الاحتياج الشديد إليه ، والاضطرار معناه بلوغ درجة الخشية من الضرر ، سواء قامت تلك الخشية على علم يقيني أم ظن غالب ، وهي تفيد معنى الالتجاء . وهذه يعني أن الشخص يكون في حالة ضرورة إذا تيقن من أنه مطوّق بمخاطر جسيمة تهدده بضرر بليغ ، أوغلب على ظنه ذلك (13) .

وحالة الضرورة هي (( أن يجد الشخص نفسه أو غيره مهدداً بضرر جسيم على وشك الوقوع لا يمكن التخلص منه إلاّ من خلال ارتكاب المضطر لجريمة معينة )) (14) .أو هي أن يجد الإنسان نفسه أو غيره في ظروف تهدده بخطر لا سبيل لمفاداته أو تلافيه إلا بارتكاب جريمة ، وهي عادة ما تكون ثمرة قوى طبيعية وليست وليدة عمل الإنسان (15) ، أو هي وضع مادي للأمور ينشـأ بفعل الطبيعة أو بفعل الإنسان موجه إلى إنسان ، ينذر بضرر جسيم على النفس ، يتطلب دفعه ارتكاب جريمة ضد إنسان برئ (16) . ومن النظر إلى هذه التعريفات نلاحظ أن توهم قيام الخطر وقيام فعل الضرورة على أساسه هو أمر جائز ، لأن مرجع رد الفعل هنا هو نفسية الفاعل وليس حقيقة الواقع . ويستوي في نظر القانون أن يكون الخطر الذي تصوّره الشخص ولم يتسبب فيه جسيماً ومحدقاً ، ويهدد النفس أو المال ، حقيقياً أو وهمياً ، مادام اعتقاد الفاعل بوجوده كان يستند إلى أسباب معقولة تماماً مثلما هو الحال في الدفاع الشرعي (17) ،ولنا في ذلك تفصيل آت .

وحالة الضرورة تستلزم بعض الشروط لقيامها ، يتعلق جانب منها ( بالخطر ) وجانب آخر ( بالفعل ) . أما شروط الخطر فهي :-أولاً – وجود خطر جسيم ، لأن الجريمة التي ترتكب توجه إلى شخص برئ ، فليس الشأن فيها كحالة الدفاع الشرعي حيث يوجّه الدفاع نحو شخص معتدٍ ، فلا يشترط القانون للدفاع أن تكون الجريمة التي قد يتعرض لها المدافع فيه على درجة من الجسامة .وثانيا – أن يكون الخطر حالاً( محدقاً ) .وثالثا – أن يكون الخطر مهدداً النفس أوالمال.ورابعا-أن لا يكون لإرادة الشخص دخل في حلول الخطر .

أما شروط الفعل فهي :- أولا – أن يكون الفعل لازما للتخلص من الخطر .وثانيا – أن يكون الفعل هو الوسيلة الوحيدة للتخلص من الخطر ، أي لا يكون في استطاعة الشخص دفع الخطر بطريقة أخرى . وثالثا –أن يكون الفعل المرتكب متناسبا مع جسامةالخطر (18) . وهكذا ، فإن الغلط قد يرد على بعض حالات هذه الشروط كما يأتي :-

الحالة الأولى – الغلط المتعلق بشرطي الخطر الجسيم والحال

يمكن للفاعل أن يعتقد على سبيل الغلط – خلافاً للحقيقة والواقع – قيام خطر جسيم حال وشيك محدق يتهدّده أو يتهدّد غيره يتعين درؤه ، ويتصوّر واهماً أنه في حالة ضرورة تستدعي ذلك ، في حين لا يكون هناك خطر على الإطلاق في الواقع وإنما خُيّل للفاعل قيامه . وهذا ما يسميه فقهاء القانون الإنكليزي ( بالاعتقاد في قيام الضرورة ) . ومثال على ذلك أن يشاهد شخص دخاناً متصاعداً من شقة جيرانه ويتصادف ذلك مع سماعه صراخا آتياً من المكان نفسه ، فيهم مسرعاً ويكسر باب الشقة لينقذ ساكنيها متوهّماً وجود حريق في الداخل ، ثم يتبين أن الدخان المتصاعد ليس إلاّ دخاناً طبيعياً لشواء الطعام وإن الصِياح كان من الأم على أطفالها العابثين (19) . وإن حكم الخطر التصوّري يقتضي الرجوع إلى القواعد العامة حول الغلط في الإباحة ، إذ يعد الخطر جسيماً وحالاً إذا كان الاعتداء المهدد به كبيراً من حيث القوة والأثر ، وعلى وشك الوقوع أو كان الاعتداء قد بدأ ولم ينته بعد . والأصل على وفق القواعد العامة أن يكون الخطر حقيقياً وجديّاً ، فالخطر الوهمي لا يستقيم معه القول بأن الخطر كان جسيما وشيكاً ، وعليه لا يصلح الخطر الوهمي أساسا لحالة الضرورة ، بيد أن ذلك لا يكون لازماً بصورة مطلقة ، إذ قد يكون الخطر وهمياً ومع ذلك يكون محل اعتبار القانون ، وذلك إذا كان الفاعل لديه أسباب معقولة وجدية بحسب الظروف والملابسات التي كابدها تدعوه إلى الاعتقاد بحلول الخطر . وإن الرجل الاعتيادي كان من شأنه أن يقوم في ذهنه الاعتقاد نفسه لو أنه وجد في ظــــــــــــــــروف الفاعل عينها (20) . وعليه ، فالأصل أن الإباحة الظنية لا تتساوى مع الإباحة الفعلية بسبب الطبيعة الموضوعية لأسباب الإباحة ، إلاّ إن هذه المساواة تنعقد مادامت الإباحة الظنية مستندة إلى أسباب معقولة . وسبقت الإشارة إلى تنازع المدرسة الإيطالية والمدرسة الألمانية في مدى جواز امتناع المسؤولية وفي أساس امتناعها في هذه الحالة ، إذ ربطت المدرسة الإيطالية ربطاً مباشراً بين الغلط في الإباحة والقصد الجرمي ، وهي تفرّق بين الجرائم العمدية وغير العمدية في ذلك ، فتقول أن الغلط في الإباحة في الجرائم العمدية يعد كالغلط الجوهري في الوقائع ، ومن ثم فهو يصلح لانتفاء المسؤولية الجنائية لتخلف القصد الجرمي بناءً عليه . وتقول إن الغلط في الإباحة يعد مانعاً للمسؤولية في الجرائم العمدية حتى لو كان اعتقاد الفاعل غير مبني على أسباب معقولة . أما في الجرائم غير العمدية فلا تمتنع المسؤولية إلاّ في الأحوال التي يثبت فيها أن اعتقاده في الإباحة كان مبنيا على أسباب معقولة ، متى تخلّفت قامت مسؤولية الفاعل غير العمدية . أما المدرسة الألمانية ، فهي تنكر قيام صلة بين الغلط في الإباحة والقصد الجرمي ، وترى أن الغلط في الإباحة لا يصلح أساساً للدفع بانتفاء المسؤولية كلها ما لم يثبت أن اعتقاد الفاعل بقيام الضرورة كان مبنياً على غلط حتمي يقع فيه الإنسان الاعتيادي ، إذ الغلط في الإباحة على وفق هذه المدرسة يأخذ حكم الغلط في القانون ، فلا تنتفي المسؤولية إلاّ في الأحوال التي يكون فيها الغلط مجرّدا عن الإثم أو الخطأ . وعليه لا ينفي الغلط في الإباحة القصد الجرمي ، لأن الفاعل أراد الواقعة محل التجريم ،إنما غلطه تعلّق بصفة عدم المشروعية لهذه الواقعة ، وهو أمر لا يؤثر في قصده الجرمي ، إذ لو كان مؤثراً لأمكن الدفع بانعدام القصد الجرمي في حالة الغلط في قواعد قانون العقوبات . هذا إلى جانب أن عدم المشروعية لا يصح أن يكون عنصرّاً في الجريمة ، لأنها ليست إلاّ وصفاً لما يعد جريمة، ومن التناقض أن يعد الشيء الواحد (( كّلاً)) و (( جزءاً )) في الوقت عينه والوضع نفسه (21) . وبعد فإنه يكفي أحيانا أن يكون الخطر في حالة الضرورة وهمياً وليس حقيقياً حالاً محقق الوقوع ، وذلك إذا ما كان من شأن الظروف والملابسات إدخال الروع والرهبة والخوف الهائل في نفس الفاعل تأسيساً على أسباب معقولة ومسوّغات مقبولة تجعل الفاعل وأي شخص اعتيادي في مثل ظروف الفاعل أن يتردّى في الاعتقاد نفسه بقيام الخطر ودنوّه منه . والحق ، أن هذا الشرط بقيوده أكثر لزوماً في حالة الضرورة منه في حالة الإكراه المعنوي ، فصحيح أن الحادث في حالة الضرورة قد يهز بدرجة كبيرة مشاعر الإنسان الاعتيادية المألوفة في حياة الشخص اليومية ، ولكن هذه المشاعر لا تكون منعدمة كلياً ، وإنما هي قائمة مع قيام الإرادة ، ولا سيما إذا كان الخطر الجسيم الوشيك ينذر بوقوعه على شخص لا تربطه بالفاعل أية رابطة سوى المروءة ، الأمر الذي ينبغي معه أن يكون الخطر وشيكاً حقاً يهدد شخصاً بصورة جديّة . وقلّما يقبل الدفع بالخطر الوهمي ، وذلك لتعذّر الإثبات ،على حين يضيق في حالة الإكراه المعنوي الخطر المهدد لحرية الاختيار ، ومن ثم للإرادة بدرجة قريبة من سلب هذه الإرادة ، فيستوي في تلاشيها أن يكون الخطر حقيقيا أو وهمياً ، لأن الفرد لا يستطيع التدبّر ومناقشة الحلول أو تبين الأمر مع انعدام مشاعر وإرادته ، على حين يكون في حالة الضرورة متّسع كبير للتفكير المتّزن يمليه عليه موقفه في هذا المجال الواسع ، وبذلك له أ ن يختار الانحراف الأفضل الذي يقبله القانون (22) .

الحالة الثانية – الغلط المتعلق بشروط فعل الضرورة

وهذه الشروط تتعلق بكون ( الفعل ) لازماً للتخلص من الخطر ، وأن يكون هو الوسيلة الوحيدة للتخلص من الخطر ، وأن يكون متناسباً مع الخطر الجسيم . وشرح الشرط الثالث ( شرط التناسب ) يغني عن شرح الشرطين الأولين ، لكونه نتيجة حتمية لتوافرهما ، ولكونه يتضمنهما ، وهكذا كان الأمر كما يأتي : –

1- مفهوم التناسب

التناسب هو الموازنة الصحيحة بين الأضرار (23) . ويعني أن تكون الجريمة المرتكبة أهون ما كان يمكن للفاعل أن يرتكبه بحسب ما كان في متناوله من الوسائل . وهكذا ، قد يغلط الفاعل في كيفية تحقيق التناسب ، فيسئ تقدير الأمر ثم يستخدم وسيلة لا تستلزمها الضرورة ، أو قد يوغل في استخدام الوسيلة ويفرط في شدّة تأثيرها بقدرٍ يفوق بكثير ما تستلزمه الضرورة لدرء الخــــــــــــــــــــــــطر(24) . والتناسب بين الأضرار في حالة الدفاع الشرعي يكتسب طابعاً نسبياً ، على حين يكتسب التناسب في حالة الضرورة طابعاً مطلقاً . وجانب كبير من الفقه يجمع على القول إن التناسب في الدفاع الشرعي هو تناسب في الوسائل وليس تناسبا بين الأضرار ، فكلما كان فعل الدفاع لازماً – كيفاً وكمّاً – لدرء الخطر، كان الفعل مباحا طبقا واستناداً لحق الدفاع الشرعي ، إذ إن وسيلة حل الصراع وهي فعل الدفاع تحقق معنى التناسب بمجرد التزام الفاعل القدر اللازم فقط لمفاداة الخطر ، إذ إن (( الكيف )) يتحقق بمجرد ثبوت لزوم الفعل لدرء الخطر ، ويتحقق معنى (( الكم )) بمجرد مطابقة فعل الدفاع للقدر اللازم ، لدرء الخطر ، فإذا كان الفعل لازماً من ناحية الكيف ولكنه تجاوز القدر اللازم فإن ذلك يعني انتفاء أحد الشروط الأساسية للدفاع الشرعي . ومتى توافر هذان الشرطان فلا يُسأل الفاعل عن التناسب الموضوعي بين الأضرار حتى لو كانت المصلحة التي تم التضحية بها هي الحياة ، والمصلحة المُنْفَذة هي المال أو العِرض ، كما لو اختلى شخص بامرأة وحيلةً أراد اغتصابها أو هتك عرضها فلم تجد وسيلة لدرء الاعتداء إلاّ بأن تدس له السم في الطعام فيتناوله ويموت (25) . وفي حالة الضرورة – تماماً كما في حالة الدفاع الشرعي –لا يختلف مفهوم التناسب كثيراً ، فهو دائماً يعني الموازنة الصحيحة بين الأضرار ، ويتحقق معنى التناسب حتى لو كانت المقارنة والموازنة المجردة بين الأضرار تقدم نتائج عكسية ، فرجل الإطفاء يضحي بحياته ولو كان المنزل المحترق خالياً من ساكنيه ، وإلى هذا الحد يتّفق الدفاع الشرعي مع الضرورة ، ولكنهما يختلفان في أن التناسب في حالة الضرورة ليس أمراً مفترضاً أو تلقائياً ، بل إن الفاعل ملزم بتحقيق التوازن الصحيح بين المصالح المتصارعة . وهذه نتيجة طبيعية ولازمة بالنظر لطبيعة الضرورة التي هي مشروعية ضد مشروعية ، ومن ثم يتوقف مشروعية السلوك الجرمي الضروري أساساً على إقامة الموازنة السليمة بين الأضرار ، إذ إن الفاعل يُسأل لا عن الوسائل فقط كما هو الحال في الدفاع الشرعي ، إنما أيضاً عن أهداف وغايات الفعل الضروري . ولذلك يقال إن التناسب بين الأضرار في حالة الضرورة يكتسب طابعاً مطلقاً وليس نسبياً ، فالإطلاق هنا ينصرف إلى معنىً محدد مفاده التزام الفاعل في حالة الضرورة لا بشروط وسيلة الحل فقط – كما هو الحال في الدفاع الشرعي – بل يلتزم أيضاً بشروط غائية تتمثل في إقامة التوازن بين المصالح المتصارعة (26) .

2- حكم الموقف غير الواقعي للفاعل

إن الفاعل في سبيل حل الصراع بين المصالح على نحو أو بآخر قد يتصرف تصرفاً أساسه الاعتقاد الزائف بأنه في تصرفه يحقق التناسب بين الأضرار ، في حين لا يكون هذا التناسب قائماً في الوقائع ، وقد يحصل العكس تماماً فينصرف الفاعل متوهماً بأنه في ذلك إنما يرتكب جريمة معاقب عليها ، على حين يعد فعله مباحاً نظراً لقيام التناسب الواقعي بين الأضرار ثم قيام حالة الضرورة .وهكذا، تعكس كلتا الحالتين موقفاً لا واقعياً للفاعل ، الموقف الأول، ناجم عن ( غلط) في الموازنة أو التناسب بين الأضرار ( غلط في التناسب )، والموقف الثاني، ناجم عن ( جهل ) بقيام التناسب ( غلط في عدم التناسب ). وفيما يأتي تفصيل هاتين الحالتين :-

الحالة الأولى – الغلط في التناسب وحكمه

تفترض حالة الخطر التصوّري أن الخطر لا وجود له في الموضوع الخارجي ( أو في الواقع ) لكونه محض تخيّل أو تصوّر لدى الفاعل . أما حالة الغلط في التناسب ، فهي تفترض قيام الخطر حقيقة بعناصره كافة في الواقع الخارجي وليس في تصوّر الفاعل فقط ، بيد أن الفاعل حين يتصرف فانه يعتقد بأنه يحل الصراع بين المصالح على الوجه الصحيح ، على حين يتصدّى هو في الواقع للصراع من الوجهة الخاطئة ، إذ هو بدلا من إنقاذ المصلحة الأكبر في القيمة والاعتبار على حساب المصلحة الأقل ، طبقا لمبدأ التسلسل التدريجي ، فإنه على العكس تماماً يقوم بإنقاذ المصلحة الأقل على حساب المصلحة الأكبر . والحق، أن هذا النوع من الغلط يتمثل في الموازنة الخاطئة بين الأضرار من الفاعل . ومثال ذلك حالة الطبيب الذي يقتل ألام إنقاذاً للطفل عند تعسّر الولادة ، أو ربّان السفينة الذي يضحي بالمسافرين إنقاذاً للبضائع عند تعرض الباخرة للغرق . وأغلب الفقه والقضاء يعوّل على الضابط الموضوعي في الحكم على هذه الحالة ، فالغلط في التناسب يؤدي إلى قيام المسؤولية الجنائية الكاملة عن السلوك الإجرامي المتخذ في مثل هذه الحالة ، إذ إن الفاعل بمخالفته لمبدأ التسلسل التدريجي بين المصالح إنما يقلب المعايير التي وضعها النظام القانوني للموازنة بين الأضرار . ومقتضى ذلك أن قانون العقوبات لم يضع حلاً منسّقاً لصراع حالة الضرورة ، معتمداً في ذلك على تقدير فاعل الجريمة وموازنته بين الأضرار ، ولمّا كان الفاعل – وهو القاضي الفوري لصراعات الضرورة – قد فشل في أداء المهمة التي عهدها القانون إليه ، فإن السلوك الصادر عنه يعد جريمة تستحق العقاب لا مناص .وهذه نتيجة حتمية ومنطقية وعادلة لطبيعة الضرورة التي هي مشروعية ضد مشروعية ، فالضرورة قبل كل شيء هي موازنة سليمة بين الأضرار (27) . وصفوة ما تقدم ، أن دفاع الضرورة وإن كان (ذاتياً ) فيما يتعلق بالوقائع ، إلاّ أنه ( موضوعيا ) فيما يتعلق بالقيم ، وإنّ اختيار القيم لا يترك تقديره إلى الفاعل بصفة نهائية مطلقة مادام قاضي الموضوع له في النهاية الكلمة الأخيرة الفاصلة في تقدير القيمة التي يجب أن تعلو على الأخرى ، ولكن إمكانية تخفيف العقاب على الفاعل مع ذلك ما تزال ممكنة .

الحالة الثانية – الغلط في عدم التناسب وحكمه ( الجهل بالتناسب )

تقوم حالة الغلط في عدم التناسب أو الجهل بقيام التناسب في صورتين :-

الأولى – أن يتصرف الفاعل بسوء نية في الموقف بدافع الإنتقام أو النكاية و التشفّي وليس بدافع الإنقاذ ، كمن يرى شخصين متعلّقين بخشبة في الماء لغرض النجاة وإن أحدهما كان غريمه فيزيحه من فوقها انتقاماً وهو لا يعلم أنه بذلك ينقذ الشخص الآخر المتعلق بها لكونها لا تتحمل الاثنين معا ، أو كمن يكسر زجاج غرفة جاره بدافع التشفّي معتقداّ أنه يسبب له ضرراً مادياً فيظهر لاحقاً أن فعل الكسر أنقذ جاره من الاختناق من دون أن يعلم أو يريد .

أما الثانية – فأن يتصرف الفاعل بحسن نية في الموقف معتقداً على سبيل الغلط عدم قيام التناسب ثم عدم قيام حالة الضرورة . كما لو قامت إحدى القابلات بإجهاض إمرأة حامل لقاء أجر متفق عليه ، وهي تعتقد أن الحمل يسير على نحو طبيعي ، ثم يظهر أن استمرار الحمل كان يمكن أن يفضي إلى موت محقق للأم ، فيكون تصرف الفاعل ناجماً عن توهمه بأن السلوك الذي ارتكبه غير مشروع قانوناً ، على حين يكون هذا السلوك في الحقيقة مباحاً في القانون نتيجة قيام التناسب بين الأضرار (28) . والحكم في حالة الاعتقاد بعدم قيام حالة الضرورة الناتجة عن التناسب الفعلي بين الأضرار – خلافا للحقيقة – على وفق الرأي الراجح هو : أن الغلط في عدم الإباحة في حالة الضرورة ، سواء أكان في الصورة الأولى أم الثانية يتساوى مع الإباحة الفعلية ، لأن الأصل في أسباب الإباحة أنها موضوعية ، ومن ثم لا يؤثر الموقف اللاواقعي للفاعل في حقيقة قيام السبب المبيح ، هذا فضلاً عن أن محاسبة الفاعل عن الغلط في التناسب على وفق معيار موضوعي تستلزم محاسبته على وفق المعيار نفسه في حالة اعتقاده بعدم قيام التناسب (أو جهله بقيام التناسب )،ولا سيما إن الموقفين يردان إلى أصل واحد وهو الموقف غير الواقعي للفاعل (29) . والحقيقة ، أن تطلب شرط التناسب ، لم نجده في التشريع الجنائي العراقي ، إلاّ في حالات محددة هي حالة التجاوز ( أو عدم التناسب ) في الدفاع الشرعي ( في المادة /45 من قانون العقوبات )، وحالة التناسب في حالة الضرورة ( في المادة / 63 من قانون العقوبات ) ، إذ إن المشرّع العراقي في المادة (45 ) عدّ التجاوز (أو عدم التناسب ) في الدفاع الشرعي جريمة عمدية إذا كان المتجاوز متعمّداً ، وعدّه جريمة غير عمدية إذا كان حصيلة إهماله ،و أجاز للمحكمة أن تحكم بعقوبة مخففة ، أي بعقوبة الجنحة بدلاً من عقوبة الجناية ، وبعقوبة المخالفة بدلاً من عقوبة الجنحة .أما بالنسبة لحالة الضرورة فقد نصت المادة ( 63) من قانون العقوبــات على أنه (( لا يُسأل جزائياً من ارتكب جريمة ألجأته إليها ضرورة وقاية نفسه أوغيره أو ماله أو مال غيره من خطر جسيم محدق لم يتسبب هو فيه عمدا ولم يكن في قدرته منعه بوسيلة أخرى وبشرط أن يكون الفعل المكوّن للجريمة متناسباً والخطر المراد اتّقاؤه ولا يعتبر في حالة ضرورة من أوجب القانون عليه مواجهة ذلك الخطر )).والنص لم يبين بوضوح الحكم في حالة عدم التناسب في حالة الضرورة ، إلاّ أنه بيّن أن حالة الضرورة لا تقوم إلا بشروط معينة وردت في النص من بينها شرط التناسب ، الأمر الذي يعني أن 0عدم قيام التناسب بين فعل الضرورة والخطر يلغي حالة الضرورة ، ويظل الفاعل مسؤولا عن فعله إن كان عمدياً أو غير عمدي ، ويسوّغ للمحكمة،عدّ هذه الحالة أو تلك ظرفاً قضائياً مخففاً .

ثالثا – الغلط في حالة صغر السن

إن الملكات الذهنية للإنسان تمر بمراحل نمو عمريه تسير مع مراحل نمو أعضاء جسم الإنسان وسائر غرائزه . ولذلك يعد فاقداً الإدراك والتمييز في مرحلة عمرية معينة لا يكون فيها مسؤولا عمّا يأتيه من أفعال ، ثم ينتقل إلى مرحلة التمييز إلاّ أنه تمييز ناقص فيسأل مسؤولية مخففة ، ثم بعد ذلك يبلغ النضج واكتمال التمييز أو الإدراك وعندئذ يصبح الإنسان مسؤولاً مسؤولية كاملة عن أفعاله (30) . ونحن نروم دراسة الغلط في حالة صغر السن بصفته مانعا للمسؤولية وليس بصفته عذرا مخففا للعقوبة في حالة تحقيقه للمسؤولية الجزئية . وذهبت معظم التشريعات إلى تحديد السن التي لا يكون فيها الإنسان مدركاً مميزاً ثم لا يكون مسؤولا عن أفعاله التي قد يكون بعضها جرمياً . فقد حدّدت الشريعة الإسلامية سن التمييز بسبع سنوات لا يكون الفرد مسؤولاً إلاّ إذا بلغها . وحدّد القانون المدني العراقي سن التمييز بسبع سنوات أيضاً في المادة ( 97/ 2 ) منه ، وهذا ما سار عليه قانون العقوبات العراقي في المادة (64) منه إذ يقول :- (( لا تقام الدعوى الجزائية على من لم يكن وقت ارتكاب الجريمة قد أتم السابعة من عمره ))، بيد أنه بعد صدور قانون رعاية الأحداث رقم (76) لسنة 1983 صار سن التمييز تسع سنوات ، إذ نصت المادة (47) منــــه على (( أولا – لا تقام الدعوى الجزائية على من لم يكن وقت ارتكاب الجريمة قد أتم التاسعة من عمره )) ، وبذلك فإن عدم بلوغ التاسعة من العمر يجعل الإنسان غير مسؤول جنائياً . وإن عدم بلوغ تمام التاسعة يعد قرينة قانونية قاطعة على عدم إدراك ( أو تمييز) الصغير لا تقبل إثبات العكس ، ولو ثبت أنَّ أدراك الصغير قد سبق سنه وإن ملكاته الذهنية قد نضجت قبل أوانها . مما يعني بأن فقد الإدراك قبل تمام التاسعة مفترض قانوناً افتراضاً قاطعاً لا مجال بعده للبحث أو المناقشة (31) . ويلاحظ أن أغلب التشريعات الجنائية الحديثة كالقانون السوفييتي ( سابقاً ) والقانون الفرنسي ، تجعل المسؤولية الجنائية عند سن الثالثة عشرة ، على اعتبار أن الإنسان حتى بلوغه سن الثالثة عشرة هو صغير لا تجوز مساءلته جنائياً لعدم تكامل وعيه بسبب عدم نضج الأعضاء الخاصة بالقوى الذهنية فيه (32) . أما قانون العقوبات اليمني فقد نص في المادة ( 37 ) على أنه (( يعتبر الشخص مسؤولاً مسؤولية جنائية تامة إذا بلغ الخامسة عشرة من عمره ، وإذا كانت سن المتهم غير محققة قدّرها القاضي بالاستعانة بخبير ))، فإذا ارتكب الفاعل جريمة وكان عمره الحقيقي أقل من العمر المحدد في القانون لقيام المسؤولية الجنائية سواء عدم تمام التاسعة ( كما في القانون العراقي ) أم الثالثة عشرة ( كما في القانون الفرنسي وغيره )، وكان يعتقد على سبيل الغلط بأن سنه أكثر من ذلك ، سرى عليه مانع المسؤولية الجنائية على الرغم من غلطه ، وذلك لأن هذا الغلط قد انصب على وصف يقوم لدى الجاني ويدل على عدم نضجه النفسي ، أي عدم إدراكه أو تمييزه ، ومن ثم لا شأن له بصوغ الكيان الموضوعي للجريمة التي ارتكبها ، بمعنى أنه لا يدخل ضمن عناصرها ، إذ إن هذه الأسباب أو الظروف المتعلقة بالأهلية الجنائية هي أسباب وظروف نص عليها المشرع وقصد أن يخاطب بها القاضي وحده ، ولم يترك للمتهم دوراً في هذا التكييف أو الوصف ، ولا سيما أن عناصر الأهلية الجنائية ليست من بين العناصر الموضوعية ( المادية ) للجريمة ، ولذلك لا يعد علم الجاني علماً صحيحاً بها شرطاً لإثبات خطورته على المجتمع أو عدم اكتمال نضجه النفسي وبلوغه الجسمي ، ومن ثم لا يكون لغلطه أثر في عدم مسؤوليته (33) . وكذا الأمر فيما لو أن الفاعل ارتكب جريمة ما وكان عمره الواقعي أكثر من العمر المحدد في القانون لقيام المسؤولية الجنائية ،واعتقد على سبيل الغلط بأن سنّه أقل من ذلك ، فإنه لن يكون بمنجى من المسؤولية الجنائية على الرغم من غلطه،للأسباب نفسها التي ذكرناها ، من حيث أن المشرع لا يتطلب العلم بعناصر الأهلية الجنائية ومنها الإدراك أو التمييز الذي مناط اكتماله وقيام المسؤولية باكتماله مرهون بسن محددة قرّرها القانون بوصفها قرينة قاطعة لا تقبل العكس ولا صلة لها بعلم الجاني أو غلطه .يبقىأن نقول أن القاضي في محكمة الأحداث هو الذي يحدد عمر الجاني ( الحدث ) بناءً على وثيقة رسمية . أما في حالة عدم توافرها ، أو في حالة كون العمر المثبّت فيها يتعارض مع ظاهر الحال على وفق تقدير القاضي ، فعلى المحكمة أن تحيله إلى الفحص الطبي لتقدير عمره بالوسائل العلمية ، وهو ما نصّت عليه المادة (4) من قانون رعاية الأحداث العراقي رقم ( 76 ) لسنة 1983 . وهو الأمر الذي نصت عليه أيضاً المادة (65) من قانون العقوبات العراقي بقولها (( يثبت السن بوثيقة رسمية ولقاضي التحقيق والمحكمة أن يهملا الوثيقة إذا تعارضت مع ظاهر حال الحدث ويحيلاه إلى الفحص الطبي لتقدير عمره بالوسائل الشعاعيةأو المختبرية أو بأية وسيلة فنية أخرى )). وهكذا ، فالمحكمة أو قاضي التحقيق له أن يقرر قيام المسؤولية الجنائية وتطبيق العقاب على الفاعل ، أو العكس ، طبقا لما يثبت لديه من خلال الوثيقة الرسمية أو لجنة الفحص الطبي ، ولا يتوقف في ذلك على اعتقاد الحدث بحقيقة سنه خلافاً للواقع على سبيل الغلط .

________________________

1- د. ذنون أحمد الرجبو – النظرية العامة للإكراه والضرورة – مطبعة مخيمر / القاهرة – 1969 – ص 1 .

2- د. محمود نجيب حسني-شرح قانون العقوبات اللبناني/القسم العام-المجلد الأول-ط3-منشورات الحلبي الحقوقية-بيروت/لبنان-1998– ص 700 .

3 – د. علي حسين الخلف ود.سلطان الشاوي-المبادىء العامة في قانون العقوبات-مطابع الرسالة-الكويت-1982– ص 375 . وينظر د. ماهر عبد شويش الدره-الأحكام العامة في قانون العقوبات-دار الحكمة للطباعة والنشر-الموصل/العراق-1990 – ص 428 .

4 – د. محمود نجيب حسني – المصدر السابق –ص 704 . وينظر د. علي حسين الخلف ود. سلطان الشاوي – ص 376 ومابعدها ود. ماهر عبد شويش – المصدر السابق – ص 429 .

5 – د. كامل السعيد-شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات-ط1-الناشر الدار العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع-عمان/الأردن-2002– ص 560 .

6- د. ذنون أحمد الرجبو – المصدر السابق –ص 21 وما بعدها وص 25 وما بعدها .

7- د. علي حسين الخلف ود. سلطان الشاوي – المصدر السابق – ص 375 – 378 .

8- د. ذنون أحمد الرجبو-النظرية العامة للاكراه والضرورة-مطبعة مخيمر-القاهرة-1969- ص193-وص199 ومابعدها.

9- المصدر السابق- ص203-ص206

10- المصدر السابق- ص 218 وما بعدها .

11 – د. محمد سعود المعيني-الاكراه وأثره في التصرفات الشرعية-ط1-مطبعة الزهراء الحديثة-العراق/الموصل-1985– ص 175 – 179 .

12- ينظر في تخريج الحديث وإسناده ص من الرسالة .

13- د. علي حسن الشرفي-شرح قانون الجرائم والعقوبات اليمني/القسم العام-ج/1 النظرية العامة للجريمة-ط3-1997– ص 365 ، وينظر الفرق بين( الحاجة ) و ( الضرورة ) في المصدر والموضع ذاته .

14- د. أكرم نشأت ابراهيم –القواعد العامة في قانون العقوبات المقارن-ط1-مطبعة الفتيان-بغداد-1998– ص 242 .

15- د. علي حسين الخلف ود. سلطان الشاوي – المصدر السابق – ص 381 .

16- د. رمسيس بهنام-نظرية التجريم في القانون الجنائي-معيار سلطة العقاب تشريعيا وتطبيقيا-منشأة المعارف-الأسكندرية-1971– ص 985 .

17 – د. أكرم نشأت ابراهيم – المصدر السابق – ص 242 وما بعدها . وينظر د. محمد زكي أبو عامر ود.عبد القادر القهوجي-قانون العقوبات اللبناني/القسم العام-الدار الجامعية للطباعة والنشر-بيروت-1984- ص 176 وما بعدها .

18 – د. علي حسين الخلف ود. سلطان الشاوي – ص 384 – 396 .وينظر د. ماهر عبد شويش – المصدر السابق – ص 445 -447 .

19 – د. ابراهيم زكي أخنوخ-حالة الضرورة في قانون العقوبات-الناشر دار النهضة العربية-القاهرة-1969– ص 180 وما بعدها. وينظر د. رمسيس بهنام – النظرية العامة للقانون الجنائي – ص 994.

20-د. علي حسين الخلف ود. سلطان الشاوي – المصدر السابق – ص 386 . وينظر د. ماهر عبد شويش – المصدر السابق – ص 440 ود. محمود نجيب حسني- شرح قانون العقوبات اللبناني – ص 717 – 720.

21- د. ابراهيم زكي أخنوخ – المصدر السابق – ص 182-185 . وينظر الرأي الراجح في الفقه الذي يؤيد النظرية الألمانية التي تقضي بأن امتناع المسؤولية في حالة الغلط في الاباحة ، تماماً كما في حالة الغلط الحتمي في القانون ، يقوم على أساس (( الغلط المجرد عن الاثم )) وهو ذلك الغلط الحتمي الذي يتردى فيه أي إنسان اعتيادي نتيجة الظروف الشاذّة التي حالت دون التكوين الطبيعي لإرادته . المصدر نفسه- ص 184 وما بعدها .

22- د. ذنون أحمد الرجبو – المصدر السابق – ص 235 وما بعدها .

23- د. ابراهيم زكي أخنوخ – المصدر السابق –ص 225 .

24- د. رمسيس بهنام – النظرية العامة للقانون الجنائي – ص 100 وما بعدها .

25- ينظر الرأي الآخر في مؤلف : د. كامل السعيد – المصدر السابق – ص 568 هامش رقم (1) .

26- د. ابراهيم زكي أخنوخ – المصدر السابق – ص 225-230 .

27- المصدر السابق – ص 256- 258 .

28 – المصدر السابق – ص 259 وما بعدها .

29 – المصدر السابق – ص 262 ، وتنظر الأسباب الأخرى في ص 262 ايضاً . أما الآراء المتعددة التي قيلت في الموضوع فتنظر في ص 260 وما بعدها .

30 – د. ماهر عبد شويش الدره-الأحكام العامة في قانون العقوبات-دار الحكمة للطباعة والنشر-الموصل/العراق-1990، ص 448 .

31- المصدر والموضع السابق .وينظر د. علي حسن الشرفي-شرح قانون الجرائم والعقوبات اليمني/القسم العام-ج/1 النظرية العامة للجريمة-ط3-1997– ص 327 وما بعدها .

32- أما التشريع الجنائي التونسي فقد جعل سن امتناع المسؤولية أقل من الثانية عشر . و ينظر د. علي حسين الخلف ود. سلطان الشاوي – المصدر السابق – ص 398 . وينظر في المصدر نفسه موقف التشريعات الأخرى – ص 398 هامش (2) .

33- د. محمد زكي محمود-آثار الجهل والغلط في المسؤولية الجنائية-دار الفكر العربي للطباعة والنشر-1967– ص 312 وما بعدها . وينظر للمزيد في تفصيل الموضوع : القاضي فريد الزغبي-الموسوعة الجزائية-المجلد الثالث/في الحقوق الجزائية العامة(الضابط المعنوي والفعل الجرمي)-ط3-دار صادر للطباعة والنشر-بيروت-1995ص 392- 396 .

المؤلف : مجيد خضر احمد عبد الله
الكتاب أو المصدر : نظرية الغلط في قانون العقوبات

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .