التنفيذ الجبري :

يعرض المشروع في المادة (280) للقاعدة العامة في أثر الالتزام الذي يتلخص في وجوب تنفيذه، والأصل أن يقوم المدين مختارًا بتنفيذ التزامه، وهذا التنفيذ الاختياري ينظمه المشروع في الباب الخاص بانقضاء الالتزام تحت عنوان الوفاء. فإذا لم ينفذ المدين اختيارًا أجبر على التنفيذ إذا كان الالتزام مدنيًا، وهو الأصل الذي تنصرف إليه كلمة التزام إذا وردت من غير وصف، واستثناءً من هذا الأصل إذا كان الالتزام طبيعيًا، فلا يجبر المدين على تنفيذه. والقاعدة التي وردت في المادة (280) موافقة لما قرره قانون التجارة الحالي في المادة (197) مع اختلاف في صياغة الفقرة الأولى حيث صرح المشروع بأن الجبر في التنفيذ يكون إذا لم ينفذ المدين الالتزام باختياره، وهو حكم مسلم ولا يحتمل الشك حتى في ظل النص الحالي الذي اكتفى بالقول (ينفذ الالتزام جبرًا على المدين) وذلك نقلاً عن القانون المصري. وقد أُريد بتعديل الصياغة والتصريح بهذا الحكم المسلم أن يكون النص أكثر وضوحًا. ويعرض المشروع في المادة (281) لوجود الالتزام الطبيعي. وبدهي أن يرجع أولاً إلى نصوص التشريع، فإذا لم يوجد نص يقرر في حالة خاصة وجود التزام طبيعي، فالقاضي هو الذي يقدر ذلك.

وقد اكتفى نص المادة (198) تجاري، شأنه في هذا شأن القانون المصري (المادة 200) والقوانين التي نقلت عنه (السوري والجزائري)، بترك التقدير للقاضي دون أي توجيه من المشرع اللهم القيد الخاص بعدم قيام التزام طبيعي يخالف النظام العام، وهو قيد ربما أمكن عدم النص عليه لبداهته. وحاول المشرع الليبي أن يخطو خطوة في سبيل إرشاد القاضي فنص على أن يقدر القاضي، عند عدم النص، ما إذا كان هناك التزام طبيعي (يقوم على أساس واجب أدبي أو اجتماعي). وهو توجيه محدود الفائدة أما المشرع الأردني فيبين معنى الالتزام الطبيعي، أو الحق الطبيعي على نحو ما قيل فيما يسمى النظرية التقليدية، فبعد أن نص في الفقرة الأولى من المادة (313) على أن ينفذ الحق جبرًا على المدين به عند استحقاقه متى استوفى الشرائط القانونية، نص في الفقرة الثانية على أنه (فإذا افتقد الحق حماية القانون لأي سبب فلا جبر في تنفيذه ويصبح حقًا طبيعيًا يجب في ذمة المدين)، كما نص في المادة (314) على أنه: (إذا أوفى المدين حقًا طبيعيًا فقد حماية القانون …).

وهذه فكرة ضيقة في تحديد حالات الالتزام الطبيعي، ذلك أن الاتجاه الحديث هو عدم حصر هذه الحالات في الالتزامات التي حال مانع قانوني دون أن تكون التزامات مدنية يجبر المدين على تنفيذها سواء كان المانع قد حال دون نشوء الالتزام كتخلف شرط شكلي في العقد أو كان قد حال دون بقاء الالتزام كما هي الحال بالنسبة للالتزام الذي لم تسمع الدعوى به لمرور الزمان، وإنما يمتد نطاق الالتزامات الطبيعية إلى واجبات خلقية منذ نشأتها ولكن درجة الوجوب فيها أقوى من درجة الوجوب في الواجبات الخلقية العادية فيرتفع إلى مستوى الوجوب الذي يرتب بعض الآثار القانونية. وقد آثر المشروع أن يبين للقاضي الضابط الذي يقف عنده وهو ما إذا كان هناك التزام طبيعي، فنص على أن (يُقدر القاضي، عند عدم النص، متى يُعتبر الواجب الأدبي التزامًا طبيعيًا، مراعيًا في ذلك الوعي العام للجماعة)، فالقاضي وهو على علم بأحكام الالتزام الطبيعي يقدر ما إذا كان الواجب الخلقي يرتفع في ضمير الجماعة إلى مستوي هذا الالتزام الطبيعي بأحكامه التي نُص عليها في القانون، أم لا.

وتعرض المادة (282) التي تطابق المادة (199) من قانون التجارة الحالي، للأثر الأول من آثار الالتزام الطبيعي وهو حكم الوفاء الاختياري، وذلك بالنص على أنه (لا يسترد المدين ما أداه باختياره قاصدًا أن يوفي التزامًا طبيعيًا، ولا يُعتبر متبرعًا بما أداه)، فنظرًا إلى أن الالتزام الطبيعي، برغم عدم إمكان الجبر في تنفيذه لانتفاء عنصر المسؤولية فيه، هو التزام قائم في ذمة المدين وعليه واجب الوفاء به، فإن وفاه باختياره فهو يوفي بدين مستحق، ويرتب المشروع على ذلك نتيجتين، الأولى أن الموفي ليس له أن يسترد ما وفاه، والثانية هي أن الموفي لا يعتبر متبرعًا بما وفى به، ذلك أن الدائن قد استوفى حقًا له والمدين وفى بما يجب عليه، على أنه يشترط لهذا – بالإضافة إلى ضرورة توفر مقومات الالتزام الطبيعي أن يكون الموفي عند الوفاء عالمًا بأن التزامه هو التزام طبيعي أي أنه غير مجبر على الوفاء ومع ذلك قصد الوفاء به مختارًا، فإذا وفى وهو يعتقد أن الالتزام التزم مدني، أو أُكره على الوفاء، كان وفاؤه غير صحيح وجاز له أن يسترد ما وفاه، ومن ناحية أخرى فإذا كان الالتزام الذي وفى به لم يصل إلى درجة الالتزام الطبيعي وقصد الموفي المتبرع بما وفى طبقت أحكام التبرعات.

أما الحكم الوارد في المادة (283) وهو أن الالتزام الطبيعي يصلح سببًا لالتزام مدني، فالمقصود به مواجهة الفرض الذي يتعهد فيه المدين بالتزام طبيعي بأن يفي بهذا الالتزام، وهو يعلم أنه غير مجبر على الوفاء، فالمسلم أن تعهده يعتبر صحيحًا ويترتب عليه أن يصبح ملتزمًا بالتزام مدني يجبر على الوفاء به، وقد اختلف الرأي في أساس تحول الالتزام الطبيعي إلى التزام مدني، فقد قيل بفكرة تجديد الالتزام بتغيير الدين، وقيل أن الالتزام الطبيعي يقوم بدوره السبب في نشوء الالتزام المدني وهو التصوير الذي أخذ به نص قانون التجارة الحالي وتبناه المشروع، وهنا أيضًا لا يعتبر تعهد المدين تبرعًا، ما دام أنه قد قصد بالتعهد وفاء الالتزام الطبيعي.

أولاً: التنفيذ العيني:

وتضع المادة (284) المبدأ العام في التنفيذ العيني الجبري، وما يرد عليه من استثناء بما يتفق تقريبًا مع نص المادة (201) من قانون التجارة الحالي مع بعض التعديل في الصياغة. أما الفقرة الثانية من المادة ففيها تعديل في الصياغة من ناحتين: الأولى، أن نص المشروع فضل عبارة (جاز للمحكمة أن تقصر حق الدائن على ….)، على العبارة الواردة في النص الحالي وهي (جاز له أن يقتصر على دفع تعويض …) والناحية الثانية، وهي تعديل في الحكم، أن المشروع لم يرَ وجهًا لما يشترطه النص الحالي من أن يكون التعويض نقديًا، فقد يرى القاضي أن يستجيب لطلب المدين بالتعويض العيني، خاصةً إذا لم يعترض على ذلك الدائن، كما لو كان محل الالتزام تسليم أشياء من نوع معين بأوصاف محددة وتبين أن الحصول عليها يرهق المدين، ويمكن أن يُسلم أشياء أخرى تؤدي للدائن نفس الغرض أو على وجه قريب دون أن يلحقه من ذلك ضرر جسيم.

وعرض المشروع لبيان كيف يكون التنفيذ في صور الالتزام المختلفة، مبتدأ بالالتزام بإعطاء أي نقل حق عيني، ثم الالتزام بعمل ويقصد به الالتزام بعمل إيجابي غير الإعطاء، ثم الالتزام بالامتناع عن عمل. وفيما يتعلق بالالتزام بالعمل على نقل حق عيني، لم يضع المشروع نصًا مقابلاً لنص المادة (202) من قانون التجارة الحالي التي تنص على أن: (الالتزام بنقل الملكية أو أي حق عيني آخر ينقل من تلقاء نفسه هذا الحق، إذا كان محل الالتزام شيئًا معينًا بالذات يملكه الملتزم وذلك دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالتسجيل) وعلة الاستبعاد أنه لا يوجد في الفرض الذي يتناوله النص التزام في حقيقة الأمر، وإنما ينتقل الحق بقوة القانون كأثر مباشر للسبب الذي من شأنه أن ينقل الحق. هذا مع ملاحظة أنه قد ورد في المشروع عند بيان أسباب كسب الملكية نص يقرر أن التصرف القانوني ينقل الملكية والحقوق العينية الأخرى إذا كان المتصرف هو صاحب الحق المتصرف فيه.

ولذلك اقتصر المشروع، فيما يتعلق بالالتزام بالعمل على نقل حق عيني، على نص المادة (285) التي تواجه حالة الشيء المعين بنوعه، وحكم النص يوافق حكم المادة (203) من قانون التجارة الحالي مع شيء من التعديل في الصياغة. وعرض المشروع بعد ذلك إلى الالتزام بعمل، والمقصود هو العمل الإيجابي، وتمهيدًا للنصوص الخاصة بتنفيذ هذا الالتزام في صوره المختلفة، نص المشروع في المادة (286) وهي مطابقة للمادة (204) من قانون التجارة الحالي، على قاعدة تتعلق بوجود صورتين من صور الالتزام بعمل، هما الالتزام بالتسليم، والالتزام بالمحافظة على الشيء، إذ يوجد كل منهما متفرعًا عن الالتزام بنقل حق عيني.

وتقابل المادة (287) من المشروع نص المادة (205) من قانون التجارة الحالي مع شيء من التعديل، وبخاصة أن المشروع لم ينقل العبارة الواردة في صدر النص الحالي وهي: (إذا التزم المدين أن ينقل حقًا عينيًا أو أن يقوم بعمل، وتضمن التزامه أن يسلم شيئًا …) إذ توحي هذه العبارة أن حكم النص يقتصر على بعض صور الالتزام بالتسليم في حين أنه يشمل كل صور هذا الالتزام، وهو ما صرحت به المذكرة الإيضاحية لمشروع النص المصري وهو أصل النص الكويتي. وعن الالتزام بعمل فإنه إما أن يكون تنفيذه مما لا يقتضي تدخل المدين شخصيًا، وإما أن يكون التنفيذ يقتضي تدخل المدين بشخصه والحالة الأولى هي الأصل وتعتبر الثانية استثناءً، ولهذا بدأ المشروع بالحالة الأولى، في المادة (288) وذلك على خلاف قانون التجارة الحالي الذي قدم الحالة الثانية (المادة 206) على الحالة الأولى (المادة 207).

ونص المادة (288) مطابق لنص المادة (207) من قانون التجارة، وأكثر القوانين العربية الأخرى (المصري، والسوري، والعراقي، الليبي). ولم يرَ المشروع وجهًا لما ذهب إليه القانون الجزائري إذ استبعد حكم الفقرة الثانية الخاصة بحق الدائن في التنفيذ على نفقة المدين دون إذن القاضي في حالة الاستعجال، كما لم يرد المشروع الأخذ بمسلك القانون السوداني الذي استبعد إذن القاضي مكتفيًا بإخطار المدين، وعدم إخطاره في حالة الاستعجال. كما أن حكم القانون الأردني لا يختلف عن نص المشروع إلا في أنه يذكر الضرورة بدلاً من الاستعجال، وقد آثر المشروع أن ينص على الاستعجال لأنه يتضمن معنى الضرورة.

ويلاحظ في النهاية أنه إذا كان النص خاصًا بالالتزام بعمل الذي لا يقتضي تنفيذه تدخل المدين شخصيًا، فالنص لم يذكر هذا لأن تقدير ما إذا كان التنفيذ ممكنًا دون تدخل المدين موكول للدائن فهو الذي يقرر ما إذا كان يكتفي بتنفيذ الالتزام على نفقة المدين دون تدخله، ولهذا فقد كان المشروع التمهيدي للنص المصري، وهو الأصل التاريخي للنص، يقول (في الالتزام بعمل إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه، ولم يكن ضروريًا أن ينفذه بنفسه جاز للدائن…) ثم رئُي حذف عبارة (ولم يكن ضروريًا أن ينفذه بنفسه) لأن الدائن هو صاحب المصلحة فيجب أن يُترك له التقدير فيما إذا كان المدين يجب أن ينفذ الالتزام بنفسه أم لا.

وتعرض المادة (289) للتنفيذ العيني عندما تسمح طبيعة الالتزام بأن يقوم حكم القاضي مقام التنفيذ، كما لو كنا بصدد بائع امتنع عن تنفيذ التزام بالتصديق على إمضائه في عقد البيع تمهيدًا لتسجيل العقد، وكذلك إذا امتنع الواعد بالتعاقد، بعد أن أظهر الموعود له رغبته في التوقيع على العقد الموعود به. ويختلف نص المشروع عن نص قانون التجارة الحالي (المادة 208) في أنه لم يخصص الحكم بعبارة (في الالتزام بعمل).

وفي النصوص السابقة التي عرض فيها المشروع للالتزام بعمل، كان المقصود هو الالتزام بتحقيق غاية، سواء في ذلك الالتزام بتسليم شيء أو الالتزام بإنجاز عمل آخر مثل إقامة مبنى، أما نص المادة (290) فيعرض للالتزام بعمل إذا كان واجب المدين يقتصر على بذل عناية، سواء كانت هذه العناية تتمثل في حفظ شيء أو في إدارته، أو كانت في القيام بعمل آخر مثل التزام الطبيب بالعلاج أو المحامي بالدفاع عن موكله. وفي هذا النوع من الالتزامات بعمل يكون المدين قد وفى بالتزامه إذا بذل العناية المطلوبة منه، والأصل في العناية التي تتطلب من المدين، وهي التي قررها النص، هي عناية الشخص العادي، ولكن قد ينص القانون على درجة من العناية أكبر أو أقل من عناية الشخص العادي، كما في التزام المستعير بحفظ الشيء المعار والتزام الوديع غير المأجور بحفظ الشيء المودع، كما قد يتفق على درجة خاصة من العناية تختلف عن عناية الشخص العادي، فإذا قام المدين بالعناية المطلوبة منه فلا يكون مسؤولاً ولو لم تتحقق الغاية التي قصد إليها الدائن لأن المدين لم يلتزم بتحقق هذه الغاية، على أنه إذا كان خطأ المدين يعتبر غشًا أو خطأ جسيمًا، فإنه يكون مسؤولاً في جميع الأحول أي حتى ولو اتفق على إعفائه من المسؤولية.

ونص المادة (290) موافق لنص المادة (211) من قانون التجارة الحالي والنصوص العربية المختلفة، مع قليل من التعديل في الصياغة. وتعرض المادة (291) لتنفيذ الالتزام بالامتناع عن عمل، أو كما يقال أحيانًا، العمل السلبي، وهو الالتزام بالامتناع عن عمل كان من حق المدين أن يقوم به لولا وجود الالتزام، كالالتزام بعدم فتح محل تجاري من نوع معين في مكان معين أو الالتزام بعدم التمثيل على مسارح معينة، فإذا أخل المدين بالتزامه بأن قام بالعمل الذي وجب عليه أن يمتنع عنه، وكانت الأعمال التي قام بها المدين مما يمكن إزالتها، مثل غلق المحل التجاري، أو هدم البناء الذي أُقيم على خلاف الالتزام، كان للدائن أن يطلب من المحكمة الحكم بالإزالة، وله أن يطلب ترخيصًا من القضاء في أن يقوم بهذا الإزالة على نفقة المدين مع عدم الإخلال بحقه في التعويض، والأعمال التي للدائن أن يطلب إزالتها وفقًا لهذا النص هي، كما يتضح من الأمثلة المذكورة الأعمال المادية.
وذلك النص مطابق لنص المادة (210) من قانون التجارة الحالي.

وتعرض المادة (292) لما يسمى الغرامة التهديدية أو التهديد المالي، وهي وسيلة غير مباشرة لحمل المدين على التنفيذ العيني، يُلجأ إليها إذا كان التنفيذ العيني يقتضي أن يقوم به المدين شخصيًا إما لأنه غير ممكن أو لأنه يكون غير ملائم إلا إذا قام به المدين نفسه وقد يكون الدائن في ذات الوقت حريصًا على التنفيذ العيني.

والغرامة التهديدية التي يحكم بها القاضي ليست تعويضًا عن الضرر، وإنما هي وسيلة لتهديد المدين لحمله على التنفيذ، ولذلك لا يراعي القاضي في تقدير ما يحكم به التناسب مع الضرر بل يراعي ما يراه كافيًا لتهديد المدين، ولذلك إذا رأى أن ما حكم به لم يثنِ المدين عن إصراره على عدم التنفيذ فإنه يمكنه إعادة النظر والزيادة في مقدار الغرامة. وما دامت الغرامة هي مجرد تهديد للمدين فالحكم بها يكون حكمًا وقتيًا وليس واجب التنفيذ، وتنتفي علة وجوده إذا اتخذ المدين موقفًا نهائيًا إما بالتنفيذ أو الإصرار على عدم التنفيذ فيعيد القاضي النظر في حكمه ليفصل في الموضوع، فإن كان المدين قد نفذ فالقاضي لا يحكم عليه إلا بالتعويض عن التأخير في التنفيذ وإذا أصر المدين على عدم التنفيذ فيحكم القاضي بالتعويض عن عدم التنفيذ ويراعي القاضي في الحالتين ما لحق الدائن من ضرر، كما يراعي ما يكون قد بدا من المدين من عنت.

ونص المادة (292) موافق لنص المادتين (211 و212) كويتي، ولا يختلف عنهما إلا في الصياغة، فقد استبدل المشروع عبارة (جاز للدائن أن يطلب الحكم بإلزام المدين …) بعبارة (جاز للدائن أن يحصل على الحكم بإلزام المدين …) كما استبدل لفظ المحكمة بلفظ القاضي، وكذلك نص الفقرة الثالثة من المادة لا يختلف عن نص المادة (212) كويتي إلا في بعض الألفاظ، فقد استبدل عبارة (عدم التنفيذ) بعبارة (رفض التنفيذ) واستبدل لفظ المحكمة بلفظ القاضي.

ثانيًا: التنفيذ بطريق التعويض:

تعرض المادة (293) للقاعدة العامة في التنفيذ بطريق التعويض أي للمسؤولية عند عدم التنفيذ أو التأخر فيه، وهي تقابل المادة (162) من قانون التجارة الحالي، مع بعض التعديلات على النحو الآتي:

أولاً: نص قانون التجارة الحالي ورد تحت عنوان المسؤولية العقدية في الباب الخاص بآثار العقد. وقد آثر المشروع وضع النص مع النصوص الخاصة بتنفيذ الالتزام لأن حكمه لا يقتصر على الالتزام الناشئ من العقد وإنما ينصرف إلى الإخلال بأي التزام ولو لم ينشأ عن عقد، فإذا أخل الفضولي مثلاً بالتزامه بحفظ المال الذي في يده بسبب الفضالة وإدارته، سرى عليه حكم النص.

ثانيًا: نص قانون التجارة الحالي لم يصرح بركني الضرر والسببية بين الضرر والخطأ، فآثر المشروع التصريح بهما وذلك في عبارة (… بتعويض الضرر الذي لحق الدائن بسبب ذلك …) والتصريح برابطة السببية بين الخطأ والضرر على هذا الوجه يستبعد احتمال أن تُفهم العبارة الأخيرة من النص وهي (… ما لم يثبت المدين أن عدم التنفيذ أو التأخير كان لسبب أجنبي لا يد له فيه) على أن المقصود بها هو نفي السببية بين ركني الخطأ والضرر، في حين أنه يقصد بها أن المدين له، برغم عدم التنفيذ – أن يُثبت أنه ليس منسوبًا إليه، وبالتالي فهو غير مقصر.

ثالثًا: رُئي الجمع بين التعويض عن عدم التنفيذ والتعويض عن التأخير فيه، في صيغة واحدة، في حين أن النص الحالي يضع الحكم بالنسبة للتعويض عن عدم التنفيذ ثم يقول بعد ذلك (وكذلك يكون الحكم إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه).

وتواجه المادة (294) ما يسمى الخطأ المشترك، وهي تقابل نص المادة (218) من قانون التجارة الكويتي، بعد تعديلها بما يجعل النص مقصورًا على حكم حالة (الخطأ المشترك) بالمعنى الفني لهذا المصطلح. ذلك أن اشتراك خطأ الدائن مع خطأ المدين في إحداث الضرر إذا فُهم بالمعنى اللغوي يحتمل ثلاثة فروض: أن يستغرق خطأ المدين خطأ الدائن وفي هذا الفرض تبقى مسؤولية المدين كاملة فيلتزم بتعويض الضرر كله، والفرض الثاني أن يستغرق خطأ الدائن خطأ المدين، وفي هذا الفرض نكون بصدد حالة من حالات السبب الأجنبي الذي يجعل المدين غير مسؤول أصلاً، والفرض الثالث هو ألا يستغرق أحدًا الخطأين الآخر، وهذا هو الخطأ المشترك بالمعنى الفني الذي يراد مواجهته بنص خاص حيث يحكم على المدين، بعد إنقاص التعويض بالقدر الذي يقابل خطأ الدائن.

ونص قانون التجارة الحالي يفيد أن المشرع واجه فرضين من الفروض الثلاثة المشار إليها، وهما الفرض الخاص بعدم استغراق أحد الخطأين للآخر وحيث يحكم بإنقاص التعويض، والفرض الخاص باستغراق خطأ الدائن لخطأ المدين وحيث لا تحكم المحكمة بأي تعويض، والفرض الأخير لا يحتاج إلى نص خاص وتحكمه المادة (295). وتقابل المادتان (295 و296) أحكام الفقرتين الأولى والثانية من نص المادة (219) من قانون التجارة الكويتي، وتتفق مع الأحكام الواردة فيها، ولكن رئُي إفراد الحكم الوارد في المادة (295) بنص خاص لأنه يتعلق بصحة الاتفاق على صورة من صور تشديد المسؤولية على المدين، في حين أن المادة (296) والتي تقابل الفقرة الثانية من المادة (219) تجاري تواجه الاتفاقات على الإعفاء من المسؤولية.

أما الحكم الوارد في الفقرة الثالثة من المادة (219) تجاري والخاص ببطلان كل شرط يقضي بالإعفاء من المسؤولية المترتبة على العمل غير المشروع، فقد رئُي أن مكانه المناسب هو مع النصوص الخاصة بتلك المسؤولية. وتعرض المادة (297) لضرورة الإعذار حتى يستحق التعويض وهي تقابل المادة (214) من قانون التجارة، وتختلف عنها: أولاً في عبارتها الأخيرة حيث تقول: (ما لم يقضِ الاتفاق أو ينص القانون على غير ذلك) فقد رئُي اعتبار حالة الاتفاق على عدم الإعذار من الحالات التي لا يلزم فيها الإعذار، بدلاً من الحكم الحالي الوارد في المادة (215) من قانون التجارة وهو اعتبار الاتفاق السابق إعذارًا إذ يقول النص بصدد بيان كيف يكون إعذار المدين (… كما يجوز أن يكون مترتبًا على اتفاق يقضي بأن يكون المدين معذرًا بمجرد حلول الأجل دون الحاجة إلى إنذار)، وثانيًا لم ينص المشروع على العبارة الواردة في النص الحالي وهو (… ولو كان سبق تحديده مقدمًا باتفاق بين المتعاقدين …) لأن التعويض في هذه الحالة، والمقصود هو الشرط الجزائي، هو تعويض يصدق عليه النص دون حاجة إلى تصريح بذلك، كما أن القاعدة الخاصة بضرورة الإعذار تسري على التعويض الاتفاقي.

وتعرض المادة (298) لكيفية الإعذار، والوسيلة الأولى التي يتحقق بها هي الإنذار وهو ورقة رسمية توجه من الدائن إلى المدين، عن طريق مندوب الإعلان، يطلب فيها الدائن من المدين تنفيذ التزامه. ويقوم مقام الإنذار أي ورقة رسمية يتبين منها أن الدائن يريد أن يقوم المدين بتنفيذ التزامه بشرط أن تعلن إلى المدين، مثل صحيفة الدعوى أي التكليف بالحضور أمام المحكمة وكذلك إعلان السند التنفيذي الذي يسبق التنفيذ. وكما يكون الإعذار بالإنذار أو ما يقوم مقامه فإنه يتفق في العقد على أن يكون الإعذار بوسيلة أخرى كخطاب مسجل أو برقية فإذا كان من الجائز أن يتفق على عدم ضرورة الإعذار فمن باب أولى يجوز الاتفاق على طريقة معينة للإعذار لأن القاعدة التي تستوجب الإعذار ليست من النظام العام. وتقابل المادة (298) الحكم التي تنص عليه المادة (215) من قانون التجارة مع تعديل أدق في صياغتها وحكمها.

وتقابل المادة (299) نص المادة (216) من قانون التجارة الحالي وتختلف عنه من النواحي الآتية:

أولاً: أضاف نص المشروع الحالة ( أ ) التي تعتبر الاتفاق مقدمًا على أن يكون المدين مخلاً بالتزامه بمجرد عدم الوفاء به عند حلول الأجل اتفاقًا على عدم ضرورة الإعذار. وذلك بعد أن استبعد المشروع هذه الحالة من نص المادة (298) التي تبين كيفية الإعذار، على خلاف نص المادة (215) من القانون الحالي، فالواقع أن مثل هذه الاتفاق يغني عن الإعذار وليس طريقة من طرق الإعذار.

ثانيًا: آثر المشروع في الحالة (ب) ألا يذكر العبارة الواردة في نص المادة (216) من قانون التجارة والتي تبدأ بالقول (وعلى الأخص …) وذلك اكتفاءً بالقاعدة العامة التي تسبقها. كما أضاف نص المشروع عبارة (أو غير مجدٍ) بعد عبارة (غير ممكن) وفي هذا يتفق المشروع مع نص القانون المصري والقوانين التي نقلت عنه.

ثالثًا: عدل المشروع تعديلاً لفظيًا في الحالتين (د)، (هـ) المقابلتين للحالتين الواردتين في نص قانون التجارة برقمي (3 و4).
وتعرض المادة (300) للأصل العام في تقدير التعويض، أو التعويض القضائي، حيث تقدره المحكمة وفقًا للضوابط التي وضعها المشروع وحكمها يقابل المادة (163) من قانون التجارة الذي وضعه المشرع تحت عنوان المسؤولية العقدية مع آثار العقد، وكان من نتيجة هذا أن قصر النص الضوابط التي وضعها لتقدير التعويض على حالة الالتزام الناشئ عن العقد، ولم يرَ المشروع أن يساير هذا الاتجاه لأن هذه الضوابط هي الواجبة الاتباع أيًا كان مصدر الالتزام ولهذا وضع النص مع النصوص الخاصة بالتنفيذ بطريق التعويض كما فعل المشرع المصري والقوانين الأخرى التي حذت حذوه.

هذا والضرر الذي يلحق الشخص بسبب عدم تنفيذ الالتزام، قد يكون ماديًا وقد يكون أدبيًا، والتعويض عن الضرر المادي، وهو ما يصيب المضرور في مصلحة مالية، لا يحتاج إلى نص، أما التعويض عن الضرر الأدبي، وهو يصيب الشخص في مصلحة غير مالية، فقد كان محل شك، وأخذت المادة (301) بمبدأ التعويض عن الضرر الأدبي اطرادًا مع قانون التجارة الكويتي (المادة 217). ثم أحالت إلى المادتين (231 و232) الواردتين مع أحكام المسؤولية التقصيرية وتعرضان لمن يجوز الحكم له بالتعويض عن الضرر المتمثل في الألم بسبب الموت، والأحوال التي يجوز فيها أن ينتقل التعويض ممن يستحقه ابتداء إلى غيره.

وتضع المادة (302) مبدأ جواز الاتفاق مقدمًا على تقدير التعويض الذي يستحق عند إخلال المدين بالتزامه، وهو المعروف بالشرط الجزائي أو التعويض الاتفاقي، وخلافًا لقانون التجارة (المادة 164/ 1)، حرص المشروع على أن ينص في صدر النص الذي وضعه على المجال الذي يصح فيه الاتفاق مقدمًا على مقدار التعويض، وهو حالة ما إذا لم يكن محل الالتزام مبلغًا من النقود. ذلك أنه إذا كان محل الالتزام هو دفع مبلغ من النقود، فيكون الاتفاق على التعويض عند إخلال المدين بالتزامه هو اتفاق على فائدة أما إذا لم يكن محل الالتزام مبلغًا من النقود، فالاتفاق على تقدير تعويض يلتزم به المدين عند إخلاله بالتزامه يعتبر صحيحًا عند جمهور فقهاء المسلمين ولا يبطل إلا عند الشافعية. وتناول المشروع في المادتين (303 و304) ما يترتب على وجود الاتفاق على تقدير التعويض من نتائج.

ويتضح من حكم المادة (303) أن الاتفاق يُبقي على ركن الضرر فلا يحكم بالتعويض إذا لم يترتب على إخلال المدين بالتزامه أي ضرر بالدائن، ولكن يظهر أثر الاتفاق على تقدير التعويض فيما يتعلق بركن الضرر في مجال الإثبات، إذ يترتب عليه افتراض حصول ضرر مساوٍ لما قدره المتعاقدان، فلا يكلف الدائن بإثبات وجود الضرر، كما أن من يدعي من الطرفين أن الضرر الواقع فعلاً يقل أو يزيد عما هو متفق عليه، فعليه عبء إثبات ذلك. فإذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر، فيكون أحد أركان المسؤولية قد تخلف وبالتالي لا تحكم المحكمة بأي تعويض. أما إذا لم يثبت المدين ذلك، ولكنه أثبت أن الضرر الحادث أقل من التعويض المتفق عليه، فيجوز للمحكمة أن تخفض التعويض في حالتين: الحالة الأولى، إذا أثبت المدين أن التقدير الاتفاقي للتعويض كان مبالغًا فيه إلى درجة كبيرة، فلا يكفي أن يثبت أن الضرر الواقع فعلاً أقل من المتفق عليه، والحالة الثانية أن يثبت المدين أن الالتزام قد نفذ في جزء منه، ذلك أن المفروض أن التقدير الاتفاقي كان لعدم التنفيذ الكلي، وكلا الحكمين المقررين في النص، وهما عدم الحكم بأي تعويض إذا ثبت عدم حصول الضرر، والحكم بتخفيض التعويض، يتعلق بالنظام العام وبالتالي فكل اتفاق على خلافه باطل لا أثر له.

وقد استمد المشروع حكم تلك المادة من قانون التجارة الكويتي (164/ 2) ومن مصادره التشريعية من القوانين العربية مع تعديل الصياغة على وجه أكثر دقةً وضبطًا. وتعرض المادة (304) للحالة التي تبين فيها أن الضرر قد جاوز قيمة التعويض المتفق عليه، ولما كان المفروض أن الضرر مساوٍ لما قدره المتعاقدان، فإنه إذا ادعى الدائن أنه قد لحقه ضرر يزيد عن المتفق عليه كان عليه إثبات ذلك، وفي هذه الحالة لا تحكم المحكمة بزيادة التعويض لموجهة الزيادة في الضرر إلا إذا أثبت الدائن أن المدين قد ارتكب غشًا أو خطأ جسيمًا، ويرجع هذا الحكم على أن الاتفاق على تقدير التعويض مقدمًا يتضمن اتفاقًا على الإعفاء من المسؤولية عما يجاوز التعويض المتفق عليه من ضرر، والأصل أن هذا الاتفاق يعتبر صحيحًا ويُعمل به إلا في حالة غش المدين أو خطئه الجسيم. ويتفق حكم تلك المادة مع الحكم المنصوص عليه بالمادة 164/ 2 من قانون التجارة الكويتي.

وقد سار المشروع على استبعاد نظام الفوائد، سواء كانت اتفاقية أو قانونية، في مقابل انتفاع المدين بمبلغ من النقود أو جزاء التأخر في الوفاء بالنقود، في كل موضع يكون فيه محل الالتزام مبلغًا من النقود. وحتى لا يحمل السكوت عن النص على الفوائد محل تركها للاجتهاد أو في الأقل حتى لا يثور الشك حول مدى صحة الاتفاق على فائدة، رئُي وضع نص المادة (305) التي تقرر بطلان الاتفاق على الفائدة، ظاهرة كانت أو مستترة. وإذا كان النص على بطلان الاتفاق الذي يلزم بفائدة لا يثير مشاكل في معاملات الناس تستحق الوقوف عندها، فتبقى مسألة قد يؤدي السكوت عنها إلى تأثير سيئ في النشاط الاقتصادي فيحجم الكثيرون عن ائتمان غيرهم، وهذا المسألة هي: ما الحكم إذا تأخر المدين بمبلغ من النقود عن الوفاء، وبخاصة إذا كان قادرًا ؟

وهذه المسألة هي التي عرض لها نص المادة (306) الذي أُريد به تحقيق شيء من الحماية للدائن الذي أخل المدين بثقته فيه، وبمقتضى هذا النص يجوز للمحكمة أن تحكم على المدين المتأخر بالتعويض، وذلك بمراعاة ما يلي:

أولاً: لا يعتبر المدين متأخرًا على النحو الذي يمكن معه الحكم بالتعويض إلا بعد إعذاره، وقد يبدو أن المشروع يشدد على المدين بأكثر مما هو متبع في نظام الفوائد حيث لا تستحق الفوائد إلا من وقت المطالبة القضائية بها، ولكن حكم المشروع قد روُعي فيه أولاً أن الحكم بالتعويض لا يكون إلا حيث يكون المدين قادرًا على الوفاء، وثانيًا لأن المشروع يهدف إلى حمل المدين على الوفاء دون أن يلجأ الدائن إلى الالتجاء إلى القضاء خاصة والخطر الذي يراد حماية الدائن منه، والفرض أن المدين مقتدر، هو حرمان الدائن من النقود في الفترة ما بين وقت استحقاق الدين والوقت الذي يتمكن فيه من استيفاء حقه بالتنفيذ على أموال المدين.

ثانيًا: يجب أن يثبت الدائن قدرة المدين على الوفاء، وتراعي المحكمة في ذلك طبيعة الأموال التي يملكها المدين والوقت اللازم لتدبير المبلغ المطلوب منه.

ثالثًا: لا يكون للدائن الحق في التعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب تأخر المدين في الوفاء أيًا كان هذا الضرر، بل لا بد كما يقول النص أن يكون الضرر غير مألوف، وهو ما يعني أن يكون ضررًا غير عادي له صفة الاستثناء، فلا يكفي مجرد حرمان الدائن من مبلغ من المال كان سيستثمره كما يستثمر الناس عادة أموالهم، ويمكن التمثيل للضرر غير المألوف بحالة ما إذا كان الدائن قد اعتمد على أنه سيستوفي حقه في موعد استحقاقه وارتبط بناءً على ذلك بصفقة يلتزم فيها بمبلغ يُستحق في موعد استحقاق الدين الذي له أو بعده بقليل، وبسبب عدم وفاء مدينه وبالتالي عدم وفائه بما عليه فُسخ العقد الذي تمت به الصفقة وحكم عليه بالتعويض، وكذلك حالة ما إذا كان الدائن قد اعتمد على المبلغ الذي لم يفِ به المدين ليفي دينًا عليه، ولما تأخر المدين تأخر الدائن في الوفاء بما عليه وانتهى الأمر بالحجز على منزله وبيعه جبرًا.

رابعًا: عندما تحكم المحكمة بالتعويض، لا تلتزم في ذلك بالقواعد العامة في تقدير التعويض، أي ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب بل تراعي، كما يقول النص، مقتضيات العدالة الأمر الذي يفتح الباب أمام القاضي ليُدخل في اعتباره كافة الظروف الخاصة بطرفي النزاع.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .