برامج التعليم والتدريب المدنية والعسكرية ودورها في التربية على قواعد القانون الدولي الإنساني

الدكتور جبابلــــة عمــــار، أستاذ محاضر – ب –

كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد الصديق بن يحي – جيجل –الجزائر.

ملخص
تعتبر برامج التعليم والتدريب أهم الوسائل الواعدة بتحسين تنفيذ القانون الدولي الإنساني واحترامه على أرض الواقع، ذلك أن الجميع الوسائل الأخرى مقضي عليها بالفشل مالم تقترن بالتعليم والتدريب، فأنى يدرك أحد الجنود مثلا أن الأوامر الصادرة إليه يقتل أسرى الحرب أو مدنيين عزل هي أوامر غير مشروعة مالم يكن قد تلقى تعليما وتدريبا على ذلك.

Abstract Education and training programs are the most promising means of improving the implementation of international humanitarian law and respecting it on the ground. All other means are doomed to fail unless accompanied by education and training. For example, a soldier recognizes that orders issued by him kill prisoners of war or unarmed civilians, Had received education and training.

مقدمة

من الأمور التي يكاد يتفق عليها أنه لا يمكن تصور تربية على قواعد القانون الدولي الإنساني من دون تعليم لها وتدريب عليها، لذلك كانت برامج التعليم والتدريب المدنية والعسكرية على قواعد القانون الدولي الإنساني، وسيلة مهمة إن لم نقل أهم وسيلة تؤدي إلى تحقيق هذه النتيجة.

والواقع أن برامج التعليم والتدريب تعتبر أهم الوسائل الواعدة بتحسين تنفيذ القانون الدولي الإنساني واحترامه على أرض الواقع، ذلك أن الجميع الوسائل الأخرى مقضي عليها بالفشل مالم تقترن بالتعليم والتدريب، فأنى يدرك أحد الجنود مثلا أن الأوامر الصادرة إليه يقتل أسرى الحرب أو مدنيين عزل هي أوامر غير مشروعة مالم يكن قد تلقى تعليما وتدريبا على ذلك([1]).

لأجل ذلك ونظرا لأهمية هذا الموضوع أردنا أن نسلط الضوء على هذه البرامج، من خلال معرفة وسائلها والقائمين عليها، من أجل تقييم الجهود المبذولة في هذا المجال، على المستوى الدولي عموما وموقع الجزائر خصوصا من هذه الجهود، والخروج بتوصيات تخدم هذا الموضوع، وذلك وفق الخطة التالية:

المبحث الأول: مفهوم برامج التعليم والتدريب على قواعد القانون الدولي الإنساني.

المبحث الثاني: الجهات المستهدفة ببرامج التعليم والتدريب والآليات المستحدثة في مجالها.

المبحث الثالث: الجهود الدولية في مجال برامج التعليم والتدريب

المبحث الأول: مفهوم برامج التعليم والتدريب

للوقوف على مفهوم برامج التعليم والتدريب على قواعد القانون الدولي الإنساني لابد من التطرق أولا إلى التعريف بها ثم إلى طبيعتها الإلزامية وذلك في مطلبين على النحو التالي:

المطلب الأول: التعريف ببرامج التعليم والتدريب.

طبقا للقاعدة المعروفة في مختلف التشريعات والنظم القانونية الداخلية فإنه ” لاعذر لأحد بجهل القانون”، أي أنه لا يمكن لأي شخص أن يدعي عدم معرفته بالقاعدة القانونية، لكي يتهرب من الجزاء الموقع عليه جراء مخالفتها، إلا أن الجهل بقواعد القانون الدولي الإنساني ذو طبيعة خاصة تختلف عن الجهل بفروع القانون الأخرى، ذلك أنه قد يؤدي إلى معاناة إنسانية وخسائر في الأرواح البشرية، هذه المآسي التي يمكن تفاديها إذا كان هناك علم بقواعد القانون الدولي الإنساني الذي يحظرها ووضعه موضع التنفيذ([2]).

غير أن هذا لا يتأتى إلا إذا كانت هناك برامج للتعليم والتدريب على قواعد هذا القانون، في وقت السلم والحرب معا وللمدنيين والعسكريين على حد سواء.

وعليه في غياب تعريف جامع مانع لبرامج التعليم والتدريب سواء كان فقهي أو اتفاقي فإنه يمكن أن نعرفها بأنها :“وسيلة من شأنها نشر ثقافة القانون الدولي الإنساني لدى أوساط المدنيين والعسكريين وفي وقت السلم والحرب معا من أجل الحد أو التخفيف من المآسي التي تسببها النزاعات المسلحة”.

المطلب الثاني: الطبيعة الإلزامية لبرامج التعليم والتدريب.

إذا كانت برامج التعليم والتدريب بالأهمية بمكان من أجل احترام قواعد القانون الدولي الإنساني والتقيد بأحكامه، فإنها فضلا عن ذلك تعتبر إلزاما قانونيا قد تقرر في العديد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالقانون الدولي الإنساني، وبالتالي فهو يقع على عاتق الدول الأطراف التي صادقت أو انضمت إلى هذه الاتفاقيات.

وتعتبر اتفاقية جنيف المتعلقة بتحسين حال المرضى والجرحى من أفراد القوات المسلحة لعام 1906، أول اتفاقية تنص على برامح التعليم والتدريب كإلزام قانوني وذلك بموجب المادة 26 منها، تليها بعد ذلك اتفاقية لاهاي الرابعة الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907 في مادتها الأولى، ثم جاءت اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949،متضمنة لمادة مشتركة تقضي بإلزامية برامج التعليم والتدريب المدنيين والعسكريين([3])، كما أوردت المادة 25 من اتفاقية حماية الممتلكات الثقافية في حال النزاع المسلح لعام 1954 حكما مماثلا، وفي الأخير تجدر الإشارة إلى البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، الذي طور وأكد هذا الإلزام وذلك حسب ماجاء في نص المادة 83 الفقرة 1:” تتعهد الدول الأطراف بالقيام زمن السلم وكذا أثناء النزاع المسلح بإدراج دراسة (الاتفاقيات والبروتوكول) ضمن برامج التعليم العسكري وتشجيع السكان المدنيين على دراستها “.

والملاحظة الهامة التي يمكن أن نسجلها هنا أن البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 تضمن صمتا لافتا للنظر عن جميع الأمور المتعلقة بالتنفيذ والنفاذ([4])، والحكم الوحيد بشأن هذا الموضوع يرد في المادة 19 ونصها الكامل “ينشر هذا البروتوكول على أوسع نطاق ممكن”، وهذا ما نرى أنه غير كاف على الأقل إذا قارناه بما ورد في البروتوكول الإضافي الأول، خصوصا إذا علمنا أن الطرف المتمرد في النزاعات المسلحة غير الدولية مسؤول بدوره على تنفيذ هذا الالتزام اتجاه المدنيين والعسكريين الخاضعين لسلطته([5]).

ولعل هذا ما يفسر ما ذهب إليه معهد القانون الدولي الإنساني (بسان ريمو) بإيطاليا الذي اجتمع بتاريخ 07 أفريل 1990 في شكل مائدة مستديرة هي الرابعة عشر من نوعها، من أجل دراسة مشكلات تطبيق القانون الدولي الانساني وتسيير الأعمال العدائية في زمن النزاعات المسلحة غير الدولية، والتي من بينها مشكلة احترام تطبيق قواعد القانون الدولي الانساني في مثل هذه النزاعات([6]).

وكحل لهذه المشكلة الأخيرة شدد مجلس المعهد على وضع برامج لنشر وتدريس القانون الدولي الانساني المطبق في النزاعات المسلحة غير الدولية وصرح بمايلي([7]):

– ضرورة تدريس قواعد القانون الدولي الانساني المتعلق بتسيير الأعمال الحربية في إطار التدريب العسكري والتي لا يجب التمييز في تطبيقها بين طبيعة النزاع إن كان دوليا أو غير دولي.

– تدريس القانون الدولي الانساني المتعلق بالأعمال الحربية والإصرار بأن تكون هذه القواعد معروفة لدى جميع الأطراف في النزاع المسلح غير الدولي.

– نشر قواعد القانون الدولي الانساني المتعلق بالأعمال الحربية، لا يجب أن يقتصر فقط على القوات المسلحة بل يجب أن يشمل كذلك الأوساط المدنية.

وفي الأخير نخلص إلى أن برامج التعليم والتدريب على قواعد القانون الدولي الانساني، هي بمثابة إلزام قانوني اتفاقي يقع على عاتق الدول الأطراف، وهو يستهدف جهتين أساسيتين هما: القوات المسلحة بالدرجة الأولى والسكان المدنيين بمختلف فئاتهم ووظائفهم بالدرجة الثانية. وهذا ما سنحاول دراسته فيما يلي على النحو التالي:

المبحث الثاني: الجهات المستهدفة ببرامج التعليم والتدريب والآليات المستحدثة في مجالها.

سنحاول التطرق إلى الجهات المستهدفة ببرامج التعليم والتدريب في ( الفرع الاول)، ثم إلى الآليات المستحدثة في مجالها في ( الفرع الثاني)

المطلب الأول: الجهات المستهدفة ببرامج التعليم والتدريب.

تستهدف برامج التعليم والتدريب فئة القوات المسلحة (أولا) وكذلك فئة المدنين ( ثانيا)، وهو ما سنتطرق له على النحو التالي:

أولا: القوات المسلحـة.

يحتوي القانون الدولي الانساني على عدد كبير من القواعد القانونية التي تحكم وتضبط سلوك المقاتلين أثناء العمليات العسكرية وتهدف إلى الحد من آثار العنف المترتب عنها،فهي تمنع توجيه العمليات العسكرية إلى المدنيين وكل ما يأخذ حكمهم ممن لا يشاركون في القتال أو أخرجوا منه لأي سبب كان، إضافة إلى ذلك القواعد التي تحظر استخدام أسلحة معينة لأنها تسبب آلام لا مبرر لها أو لأنها تتجاوز فكرة الضرورة الحربية .

هذه القواعد يجب على القوات المسلحة أن تكون على علم ودراية تامة بها، بل إذا كانت هناك مؤسسة معينة من بين مؤسسات أية دولة يتعين عليها الالتزام بمعرفة هذه القواعد، فلابد حتما أن تكون القوات المسلحة هي هذه المؤسسة([8]) وذلك نتيجة للمشاركة المباشرة في العمليات القتالية. خصوصا وأن ذلك يعتبر –كما سبق أن بينا- التزاما قانونيا واتفاقا جرى تقنينه في العديد من الاتفاقيات الدولية([9]) المتعلقة بالقانون الدولي الانساني، والتي لطالما كررت في نصوصها عبارة “بصفة خاصة وعلى الأخص”، إشارة منها إلى أن هذه القواعد موجهة بشكل خاص إلى القوات المسلحة.

والواقع أن برامج التعليم والتدريب في صفوف القوات المسلحة قد أصبح لها انتشارا وجد واسع في دول العالم ([10]) حيث أصبح للعديد منها كتيبات عسكرية إرشادية تحتوي على ملخصات للمبادئ الأساسية في القانون الدولي الانساني وإن كان مضمون هذه الكتيبات يتباين باختلاف الرتب العسكرية([11]).

وقد أثارت هذه المسألة نقاشا فقهيا، فهناك من الفقهاء([12]) من يرى أن التعليم والتدريب على قواعد القانون الدولي الانساني يختلف باختلاف الرتب العسكرية إذ يكفي تعليم الجنود بعض مبادئ القانون الدولي الانساني، في حين يجب أن يكون لدى الضباط وكبار القادة معرفة تامة بجميع أحكامه، ورغم وجاهة هذا الرأي لأن الجنود في الأول والأخير يتلقون التعليمات من كبار القادة أثناء سير العمليات القتالية والتي تكون تحت إشرافهم.

إلا أن هناك جانب آخر من الفقه ([13])، يرى أن فئة الجنود هم أكثر حاجة إلى التشبع بهذه الأحكام لأنهم هم المتواجدون فعلا في ساحة القتال، ولذا كان من الضروري أن يكون لكل أفراد القوات المسلحة بمختلف مستوياتهم معرفة كاملة بالمحاور الكبرى للقانون الدولي الانساني، وإن لم يكن أمرا سهلا فهو في نفس الوقت ليس أمرا مستحيلا كما أنه أمر مفيد قد يؤتى أكله في بعض الأحيان.

والحقيقة أن التعليم في الوسط العسكري سواء كان وفق الرأي الأول أو الثاني، غير كاف لوحد لضمان احترام قواعد القانون الدولي الانساني أثناء سير العمليات العدائية، مالم يقترن بتدريب يجسد المعلومة على أرض الواقع وهذا ما ذهبت إليه دولة جنوب إفريقيا في دليلها العسكري([14]).

إن الجمع بين التعليم والتدريب سوف يعطينا نتيجة غاية في الأهمية يمكن أن نسميها “ردة فعل عسكرية إنسانية آلية ” إن صح التعبير، أي تخلق عند الجندي أثناء سير العمليات القتالية تطبيقا تلقائيا وآليا لقواعد القانون الدولي الانساني، وبدون ذلك لا يمكن أن نتصور أبدا أن يمسك الجندي السلاح بيد وقانون النزاعات المسلحة بيد أخرى، من أجل ضمان احترامه خصوصا مع التوتر الذي يصيب الجندي في أغلب الأحيان أثناء القتال.

ثانيا: المدنييـن.

إذا كان التعليم والتدريب على قواعد القانون الدولي الانساني في الوسط العسكري يغلب عليه إلى حد ما، طبيعة السهولة من ناحية، أنه يتم في الثكنات والمعاهد الحربية، فإنه على خلاف ذلك، يعتبر التعليم والتدريب على قواعد القانون الدولي الانساني في الأوساط المدنية بالغ الصعوبة والتعقيد، وذلك من ناحية أنه يتم إلى شرائح مختلفة في المجتمع من حيث اللغة والدين وحتى المستوى الثقافي، وهذا ما يفقدها التجانس الذي تتوفر عليه الأوساط العسكرية مما يحتم تنويع أساليب التعليم والتدريب بحسب طبيعة كل فئة من الفئات([15]).

وتعتبر برامج التعليم والتدريب على قواعد القانون الدولي الانساني في الأوساط المدنية، كذلك التزاما قانونيا واتفاقيا نصت عليه العديد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالقانون الدولي الانساني([16])، فهو كذلك التزام يقع على عاتق الدول الأطراف فيها.

ولعل هذا ما يفسر أن العديد من الدول ينص دليلها العسكري على ضرورة تعليم المدنيين قواعد القانون الدولي الانساني([17]).

ولكي تكون برامج التعليم والتدريب نافعة وتؤتي أكلها في الأوساط المدنية، فلا بد كما ذهبت إليه المادة 83 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977: ” أن تتم على أوسع نطاق ممكن “، وأن تشمل على الأقل الأوساط المدنية التي حددها القرار رقم 21 المتعلق بنشر القانون الدولي الانساني في النزاعات المسلحة والصادر عن المؤتمر الدبلوماسي المتعلق بتأكيد وتطوير القانون الدولي الانساني في النزاعات المسلحة (1974-1977) والتي تتمثل فيما يلي([18]):

1-كبار الموظفين في الدولة :وهم يأتون في مقدمة الجهات المعنية بنشر المعرفة بقواعد القانون الدولي الانساني باعتبارهم المسؤولين عن تنفيذ هذا القانون سواء في زمن السلم أو زمن الحرب .

2- الجامعات والمعاهد العليا: ويأتي في مقدمتها كليات الحقوق وإن لم تكن هذه الأخيرة هي المعنية الوحيدة بدراسة القانون الدولي الانساني إذ يمكن إدراج بعض موضوعاته للتدريس في كليات العلوم السياسية والعلوم الاجتماعية والطبية.

3- المدارس الابتدائية والثانوية :وذلك في الحدود التي يمكن استيعابها من طرف التلاميذ كالاقتصار على المبادئ الكبرى الأساسية ويمكن لتقريب الفهم الاستعانة بالكتيبات المصورة وأفلام الفيديو والمسرحيات وغيرها .

4- الأوساط الطبية: وهذا نظرا للدور الكبير الذي تلعبه في مساعدة ضحايا النزاعات المسلحة .

5- وسائل الإعلام: بمختلف أنواعها المسموعة والمرئية والمقروءة التي يجب أن يتوفر لدى العاملين في مجالها قدرا من المعرفة بقواعد القانون الدولي الانساني، تسمح لهم بنقل الأحداث وتقييمها بصورة موضوعية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن وسائل الاعلام تعتبر بدورها وسيلة ممتازة لنشر المعرفة بقواعد القانون الدولي الإنساني، فتعليم وتدريب الإعلاميين على قواعد هذا القانون، سيتيح لهم إعداد وتنشيط برامج إعلامية في هذا المجال أو القيام بحصص وأشرطة تتناول مواضيع القانون الدولي الانساني سواء كان ذلك على طريق الإذاعة أو التلفزيون، وهذا ما تؤكده التوصية الأولى من إعلان القاهرة لعام 1999 والتي جاء فيها دعوة جميع الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977 إلى تعزيز جهودها الرامية إلى نشر أحكام هذا القانون وحث أجهزة الإعلام على المشاركة الفعالة في وضع خطط التوعية وإصدار النشرات المتخصصة والمبسطة التي تساعد في الوقوف على مضمون هذا القانون ومراميه، وهو ما تم تأكيده مرة أخرى في اجتماع الخبراء العرب بشأن متابعة تنفيذ إعلان القاهرة لعام 2001 ([19]).

والملاحظة التي يعتبر السكوت عليها ليس من ذهب أن اتفاقيات لاهاي وجنيف، أغفلت ذكر وسيلة هامة لنشر المعرفة والتعليم بقواعد القانون الدولي الانساني وهي دور العبادة ولعل تبرير ذلك هو المنهج العلماني الذي يفصل الدين عن الدولة، غير أنه في مجال القانون الدولي الإسلامي يلعب المسجد دورا مهما في تعليم المسلمين أحكام دينهم والتي من بينها تلك الأحكام التي تتعلق بآداب القتال وأحكامه([20]).

وخلاصة القول أن برامج التعليم والتدريب على قواعد القانون الدولي الانساني أمر ضروري ومفيد لكل من القوات المسلحة والأوساط المدنية على حد سواء، ولاشك أن إعداد القائمين على هذه البرامج من العاملين المؤهلين والمستشارين القانونيين يعد دعامة قوية لهذه البرامج وضمان لفعاليتها وهو ما سنحاول تبيينه فيمايلي:

المطلب الثانـي: الآليات المستخدمة في مجال برامج التعليم والتدريب.

وتتمثل هذه الآليات المستحدثة في العاملين المؤهلين (أولا) والمسشارين القانونيين (ثانيا)، وهو ما سنبينه فيمايلي:

أولا: العاملــون المؤهلـــون.

وهي فكرة جديدة تم النص عليها لأول مرة في المادة السادسة من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977([21])، التي تعود إلى مشروع قرار تقدمت به اللجنة الطبية لإمارة موناكو لسنة، 1964 وقد تم عرضه في المؤتمر الدولي العشرين للصليب الأحمر المنعقد في فينا سنة 1965 أين صدر عنه القرار رقم، 22 الذي طالب فيه بضرورة العمل على تكوين مجموعة من الأفراد قادرين على العمل في مجال تنفيذ القانون الدولي الانساني، وهذا ما تم تكرار الدعوة إليه مرة أخرى في الدورة الأولى لمؤتمر الخبراء سنة 1971 وكذلك في الدورة الثانية له عام 1972([22]).

وبناءا على جملة من الآراء والاقتراحات التي قامت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بجمعها أعيد عرض ودراسة هذا المشروع في المؤتمر الدبلوماسي لتأكيد وتطوير القانون الدولي الانساني المنعقد في الفترة الممتدة ما بين 1974-1975 في دورتيه الأولى والثانية ليتم قبوله بالإجماع تقريبا وتمت على إثرها صياغة نص المادة 06 في البروتوكول الإضافي الأول([23])، وبالرجوع إلى هذه المادة الأخيرة نجدها لا تقدم أي تعريف للعاملين المؤهلين، غير أن مشروع القرار الذي تقدمت به اللجنة الطبية القانونية لإمارة موناكو نص على أنهم: “مجموعة من المتطوعين الأطباء والمحامين والموظفين في الخدمات الطبية الذين يمكن توفيرهم للدول الحامية وللجنة الدولية للصليب الأحمر حينما يكون ذلك ضروريا “([24])

ويعتبر إعداد العاملين المؤهلين من صميم الولاية الوطنية، وهذا ما تبينه الفقرة الثانية من المادة 06 من البروتوكول الأول، التي أوجبت على الأطراف السامية المتعاقدة في زمن السلم، أن تتعاون مع الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر في مختلف البلدان من أجل العمل على إعداد أفراد مؤهلين بهدف تطبيق اتفاقيات جنيف وبروتوكوليها، خاصة فيما يتعلق بنظام الدولة الحامية، وتكون الولاية الوطنية في هذا الشأن للدولة،

إضافة إلى ذلك ما دعا إليه القرار 21 الصادر عن المؤتمر الدبلوماسي لتأكيد وتطوير القانون الدولي الانساني في فقرته الثانية من ضرورة قيام الدول الموقعة إلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان النشر الفعال لقواعد القانون الدولي الانساني في النزاعات المسلحة ومبادئه الأساسية وذلك عن طريق إعداد زمن السلم لموظفين مؤهلين وقادرين على تعليم القانون الدولي الانساني وتيسير تطبيقه([25]).

أما فيما يخص واجبات الأشخاص المؤهلين فإنه يجري اختيارهم في زمن السلم وذلك للقيام بمهامهم في زمن النزاعات المسلحة والتي تتمثل فيمايلي([26]):

1- المساهمة في نشر أحكام القانون الدولي الانساني وفق لما جاء في المادة 83 من البروتوكول الأول .

2- مساعدة السلطات الحكومية عن طريق اقتراح التدابير الوطنية اللازمة لتنفيذ القانون الدولي الانساني.

3- مساعدة الحكومات في موائمة نصوصها التشريعية مع قواعد القانون الدولي الانساني واقتراح التدابير اللازمة لذلك .

4- متابعة كل تطور في مجال القانون الدولي الانساني وإبلاغه للسلطات المختصة في الدولة .

ثانيا: المستشاريـن القانونييــن.

تم استحداث نظام المستشارين القانونيين لأول مرة بموجب المادة 82 من البروتوكول الاضافي الأول لعام 1977 التي تنص:” تعمل الأطراف المتعاقدة دوما، وتعمل أطراف النزاع أثناء النزاع المسلح على تأمين توفر المستشارين القانونيين عند الاقتضاء، لتقديم المشورة للقادة العسكريين على المستوى المناسب بشأن تطبيق اتفاقيات هذا البروتوكول وبشأن التعليمات المناسبة التي تعطي للقوات المسلحة فيما يتعلق بهذا الموضوع”

وتعتبر السويد من أوائل الدول التي تطبق هذا النظام ويشغل المستشارين القانونيين في ألمانيا مركزا مهما في الجيش الألماني، ولا تقتصر وظيفتهم على تقديم المشورة القانونية بل تمتد إلى القيام بمهام تتعلق بالتأديب العسكري، كما يوجد بالجيش الهولندي مستشارون قانونيون في كافة المستويات إبتداءا من اللواء([27]).

ويمكن اختيار المستشارين القانونيين من الأفراد المدنيين أو العسكريين لأن كل اختيار فيه سلبيات وإيجابيات من حيث المعرفة بالجانب النظري والجهل بالجانب التطبيقي أو العكس([28]).

وعلى العموم يمكن القول أن الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف والبروتوكوليين الإضافيين لعام 1977، يجب أن تحرص على توفير الخبرة والكفاءة لدى قواتها المسلحة، وذلك بدعمها بمستشارين قانونيين لمساعدة القادة على الاطلاع بمهامهم كاملة وتقديم الرأي والمشورة عند الحاجة.

وسنحاول فيما يلي تسليط الضوء على الجهود الدولية المبذولة في مجال برامج التعليم والتدريب على قواعد القانون الدولي الانساني وذلك على النحو التالي

المبحث الثالـث: الجهود الدولية المبذولة في مجال برامج التعليم والتدريب.

لقد توصلنا من خلال ما سبق أن التعليم والتدريب على قواعد القانون الدولي الانساني هو إلتزام قانوني اتفاقي، لذا لا شك من أن هناك جهود دولية كبيرة ترمي إلى نشر المعرفة بقواعد القانون الدولي الانساني، وهو ما يؤكده العدد الكبير من القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة أو لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ومجلس الأمن والتي تدعوا في مجموعها إلى نشر قواعد هذا القانون في صفوف القوات المسلحة وأحيانا في صفوف المدنيين([29]).

وبناءا عن ذلك وتجنبا للإطالة سوف نقتصر دراستنا فيما يخص الجهود الدولية بتسليط الضوء على الجهود التي تبذلها اللجنة الدولية للصليب الأحمر وجهود الدول عموما والدولة الجزائرية خصوصا وذلك على النحو التالي:

المطلب الأول: جهود اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

تبذل اللجنة الدولية للصليب الأحمر جهودا كبيرة في مجال التعليم والتدريب على قواعد القانون الدولي الانساني وتتخذ في ذلك أساليب مختلفة، كعقد المؤتمرات والندوات والمحاضرات والدورات التدريبية كما تصدر في حدود إمكانياتها المئات من المنشورات بمختلف اللغات، لهذا فإن فريق اللجنة الحكوميين الدولي في المؤتمر الدولي السادس والعشرين للصليب الأحمر أكد على الدور المنتظر من اللجنة الدولية وأوصى بأن” تسهر اللجنة في إطار مهمتها الرامية إلى نشر القانون الدولي الانساني على التعاون بقدر الإمكان مع غيرها من الهيئات المعنية وعلى الأخص مع الاتحاد الدولي وأجهزة الأمم المتحدة ووكلائها المتخصصة والمنظمات الإقليمية”([30])

ووعيا منها بهذه المسؤولية ولضرورة التعاون من أجل نشر المعرفة بقواعد القانون الدولي الانساني أقامت اللجنة علاقة تعاون وثيقة مع الفدرالية الدولية لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر وكذا الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر في مختلف البلدان للتآزر وضم الجهود في ميدان التعريف بقانون جنيف، كما قامت بتنظيم العشرات من الندوات بقصد تكوين ملائم للأشخاص المناط بهم تعليم القانون الدولي الانساني وذلك بالتعاون مع جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر المعنية([31]).

وقد تفعل دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر أكثر في مجال التعليم والتدريب على قواعد القانون الدولي الانساني منذ إنشائها لدائرة الخدمات الاستشارية سنة 1996، حيث أوكلت لها اللجنة مهمة تعزيز عمل الدول في مجال تنفيذ القانون الدولي الانساني على المستوى الوطني، مع الارتقاء بمستواه([32])، وهو ما أحدث طفرة كبيرة في برامج نشر القانون الدولي الانساني والتدريب على أحكامه، ففي عام 1999 استهدف قسم الخدمات الاستشارية فئات عديدة ذات صلة بتطبيق القانون الدولي الانساني على الصعيد الوطني، كان من بينها القضاة والدبلوماسيين والبرلمانيين وأعضاء اللجنة الوطنية وبالإجمال القطاعـات

الحكومية المعنية بإنفاذ القانون الدولي الانساني على الصعيد الوطني([33]) .

وقد نظمت دائرة أو قسم الخدمات الاستشارية منذ إنشائها إلى غاية 2007 أكثر من 70 حلقة دراسة إقليمية ووطنية حول تنفيذ القانون الدولي الانساني([34])، إضافة إلى أن اللجنة الدولية نظمت كذلك مجموعة من البرامج تهدف إلى إدراج قواعد القانون الدولي الانساني ضمن المقررات الدراسية لكبرى الجامعات في العالم وذلك بهدف تعزيز فهم القادة وصناع القرار في المستقبل لقواعد القانون الدولي الانساني، حيث توصلت الجنة إلى إبرام اتفاقات شراكة مع مؤسسات تعليمية في حوالي 130 دولة، كما ساعدت اللجنة في أنتاج وتوزيع المواد التعليمية بشكل قرر فيه المجلس التنفيذي للجنة الدولية أن يزيد في عام 1994 من الجهود التي تستهدف التعريف بقانون جنيف بين الشباب، وقد تم منذ ذلك الحين إعداد برنامجين واسعي النطاق للشباب في مراحل التعليم أحدهما للمدارس الثانوية والآخر للابتدائية([35]).

وفي الأخير يمكن القول أن الجهود التي تبذلها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مجال التعليم والتدريب على قواعد القانون الدولي الانساني لا تعفي الدول من التزاماتها التي ترتبها عليها الاتفاقيات الدولية، كما لا تعفيها من المسؤولية المترتبة عن تقصيرها في هذا المجال.

وعليه سوف نحاول التطرق لجهود الدول في مجال برامج التعليم والتدريب على قواعد القانون الدولي الانساني على وجه العموم ونختم بجهود الجزائر في ذلك على وجه الخصوص على النحو التالي:

المطلب الثانـي: جهود الدول في مجال برامج التعليم والتدريب.

في هذا المجال لابد أن ننوه بدولة الكويت التي قامت بإنشاء المركز الاقليمي لتدريب القضاة وأعضاء النيابة العامة في مجال القانون الدولي الانساني، وكذلك دولة الإمارات العربية المتحدة التي أنشأت المركز الاقليمي لتدريب الدبلوماسيين في مجال القانون الدولي الانساني وقد قدم لنا التقرير السنوي الخامس صورة إيجابية عن الجهود التي تبذلها بعض الدول العربية في مجال التعليم والتدريب غلى قواعد القانون الدولي الانساني وعليه سوف نحاول ذكر بعضا من هذه الجهود على النحو التالي([36]):

أولا- مملكـــة البحريــــن:

عقدت العديد من الدورات التدريبية والندوات التوعوية بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر لنشر مفاهيم ومبادئ القانون الدولي الانساني لكل من أعضاء السلطة القضائية وأعضاء السلكي الدبلوماسي والقنصلي.
تنظيم جامعة البحرين ممثلة بكلية الحقوق فيها العديد من ورش العمل حول تطبيق القانون الدولي الانساني حيث تدرس مادة القانون الدولي الانساني كمادة اختيارية في الكلية .
ثانيا- الجمهـــورية التونسيــة:

حرصت تونس على تكثيف جهودها في مجال نشر أحكام القانون الدولي الانساني على الصعيد العسكري وكذلك على الصعيد المدني، فعلى المستوى العسكري قامت وزارة الدفاع الوطني بتونس بمايلي:

تدريس القانون الدولي الانساني في جميع الكليات والمعاهد العسكرية بدءا من الطلبة الضباط فالضباط من مختلف المستويات والرتب.
إدراج مادة القانون الدولي الانساني في برامج التكوين ومراكز التدريب وفي البرامج التطبيقية على مستوى الوحدات.
عقد دورات متخصصة للضباط في مجال القانون الدولي الانساني.
أما على الصعيد المدني :

فإلى جانب جهود الجمهورية التونسية في نطاق تكوين مجموعة من إطاراتها وكفاءاتها في هذا المجال من خلال تشريكها في دورات التدريب التي نظمتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر سواء المخصصة منها للقضاة والخبراء الحكوميين وكذلك للمدرسين على مستوى المعاهد الثانوية والجامعية، قامت الوزارات المعنية بهذا المجال ولا سيما منها وزارات العدل وحقوق الإنسان والتربية والتكوين والتعليم العالي والبحث العلمي والشؤون الخارجية بعديد المبادرات لوضع برامج وخطط للتعريف بالقانون الدولي الانساني، كما تسعى هذه الوزارات إلى إدماج القانون الدولي الانساني ضمن برامج مؤسسات التعليم والتدريب التابعة لها من خلال إدراجها ضمن مواضيع رسائل التخرج والتخصص بالنسبة للطلبة وبالنسبة للملحقين القضائيين، وتوجد كذلك العديد من برامج النشر التي تتم بالاشتراك مع جمعية الهلال الأحمر وبعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتونس.

ثالثا- دولــة قطــر:

إدراكا منها بأهمية نشر القانون الدولي الانساني قامت من خلال مركز الدراسات القانونية والقضائية تابع لها:

تنظيم دورة تدريبية في مجال القانون الدولي الانساني في الدوحة خلال الفترة 13-15 ماي 2008 بالتعاون مع البعثة الإقليمية للجنة الدولية للصليب الأحمر في دول مجلس التعاون الخليجي وجمعية الهلال الأحمر القطري، الذي شارك فيها أكثر من مائة متدرب ومتدربة من القانونيين العاملين في وزارات الدولة ومؤسساتها ومنظمات المجتمع المدني، وتضمنت الدورة التعريف بمبادئ القانون الدولي الانساني والمعاهدات الدولية التي تستند إليها مبادئه والفئات المشمولة به، وكذلك القضاء الجنائي الدولي فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب خلافا لأحكامه.
في أعقاب العدوان على غزة نضمت وزارة العدل من خلال مركز الدراسات القانونية والقضائية أيضا ندوة بتاريخ 02 فبراير 2009 تحت عنوان “العدوان الإسرائيلي على غزة في ضوء القانون الدولي الانساني ” استضافت فيها الدكتور عبد الحسين شعبان مدير المركز الوثائقي للقانون الدولي الانساني وعضو المكتب الدائم لاتحاد الحقوقيين العرب .الذي قدم محاضرة حول هذا الموضوع، ثم جرت مناقشات واسعة شارك فيها عدد كبير من المختصين وقد حضيت الندوة باهتمام إعلامي واسع وجرى نقلها بواسطة قنوات عديدة من بينها قناة الجزيرة والقناة الفضائية القطرية فضلا عن التغطية الصحفية الواسعة.
رابعا- دولــــة الكويــــت:

في ظل حرصها على نشر وزيادة الوعي بأحكام القانون الدولي الانساني وتدريب المتعاملين بأحكامه تم إنشاء اللجنة الوطنية الدائمة للقانون الدولي الانساني بموجب قرار وزير العدل رقم 244 سنة 2006 وقد عنيت بجملة من الاختصاصات من بينها تعزيز تنفيذ أحكام القانون الدولي الانساني بدولة الكويت والتنسيق مع كافة الجهات ذات الصلة بالتنفيذ على المستوى الوطني .

عقدت عدة دورات وندوات بالتعاون بين اللجنة الوطنية للقانون الدولي الانساني ومعهد الدراسات القضائية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وكان من أهمها الندوة التي عقدت بمعهد الكويت للدراسات القضائية تحت عنوان القانون الدولي الانساني الفترة من 05-09 مارس 2007 وقد حضرها كافة المخاطبين بأحكام القانون الدولي الانساني والمهتمين به من رجال القضاء والنيابة العامة والعسكريين والقانونيين .
ولعلنا نكتفي بهذا الحد من الأمثلة حول جهود بعض الدول العربية في مجال برامج التعليم والتدريب على قواعد القانون الدولي الانساني (1) والتي عكست اهتماما متزايدا بكافة أنشطة تعليم القانون الدولي الانساني والتدريب عليه وهو ما يدفعنا للتساؤل حول موقع الجزائر من هذه الجهود العربية ؟ هذا ما نحاول تبيينه فيما يلي:

المطلب الثالث: جهود الجزائر في مجال التعليم والتدريب على قواعد القانون الدولي الانساني.

لقد كانت جهود الجزائر في مجال التعليم والتدريب على قواعد القانون الدولي الانساني في أوساط المدنيين أقل ما يقال عنها أنها ضئيلة ولا ترقى إلى مستوى دولة كالجزائر التي عرفت أكبر ثورة شهدها العالم في القرن الحادي والعشرين أين واجهت فيها أعتى قوة استدمارية هي فرنسا وحلفائها وضربت أروع مثال في خوض معركة التحرير بقيادة جبهة التحرير الوطني التي التزمت وطبقت قواعد القانون الدولي الانساني ضد هذا العدو الغاشم.

ولعل تأخر الجزائر في هذا المجال له ما يبرره، فلقد عانت الجزائر من عشرية سوداء كانت تعصف بالبنية التحتية للدولة، بدليل أنه لم يكن في الجزائر في ذلك الوقت أي مقر للجنة الدولية للصليب الأحمر، غير أنه مع استقرار الوضع الأمني في الجزائر ورفع حالة الطوارئ التي أعلنت حوالي عشرية كاملة، وانتهاج سياسة السلم والمصالحة الوطنية بدأت الجزائر تدخل في عهد جديد وأخذت تبذل جهودا معتبرة في مجال التعريف بقواعد القانون الدولي الانساني وذلك لتدارك النقص الذي عرفته في هذا المجال خصوصا بعد اعتماد مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الجزائر العاصمة عام 2002.

أخذت الجزائر تعود إلى الساحة الدولية لتصنع لنفسها موقعا في مجال نشر المعرفة بقواعد القانون الدولي الانساني، فشاركت في المؤتمر الاقليمي الأول للبرلمانيين العرب حول القانون الدولي الانساني المنعقد بدمشق في نوفمبر 2005، والذي تم فيه حث جميع الدول المشاركة ودعوة البرلمانات العربية إلى الإسراع في إنشاء لجان وطنية تعنى بتنفيذ ونشر القانون الدولي الانساني وإعداد برامج خاصة بنشر القانون الدولي الانساني في أوساط البرلمانيين والعاملين به من القوات المسلحة كما شاركت الجزائر في الدورة التدريبية المخصصة للقضاة وأعضاء النيابة العامة في مجال القانون الدولي الانساني في مركز الكويت للدراسات القانونية والقضائية وكان لها حضور بالدورة التدريبية للدبلوماسيين العرب المنعقدة في المركز الاقليمي المخصص لتدريب الدبلوماسيين العرب بدولة الإمارات العربية المتحدة للفترة ما بين 19و22 نوفمبر 2006([37])، كما استضافت الجزائر في الفترة الممتدة ما بين 25 و29 مارس 2006 الاجتماع السادس لمسؤولي إدارات التشريع في الدول العربية بهدف تنسيق الجهود العربية لمراجعة التشريعات الوطنية ومواءمتها مع القانون الدولي الانساني كما ينبغي الإشارة إلى الدور الكبير الذي لعبته الجزائر في انطلاق عمل مركز الدراسات القانونية والقضائية ببيروت، بموجب قرار صادر عن مجلس وزراء العرب الذي انعقد في الجزائر في دورته التاسع عشر وتم تكليف هذا المركز بعقد دورتين لنشر القانون الدولي الانساني وا%D