الضمان العام للدائنين ووسائل المحافظة عليه:

المواد (307 – 322):

يعرض نص المادة (307) للضمان العام للدائنين، ويقصد به أن لكل دائن أن يستوفي حقه جبرًا عن المدين بالتنفيذ على أمواله، وعمومية الضمان تظهر من ناحيتين: ناحية أموال المدين فللدائن أن ينفذ على أي مال يوجد في ذمة المدين وقت التنفيذ، سواء أكان موجودًا وقت نشوء الحق الذي يراد استيفاؤه جبرًا أو وُجد في ذمة المدين بعد نشوء الحق، ولا يستثنى من أموال المدين إلا الأموال التي لا يجوز الحجز عليها، كما تظهر العمومية من ناحية أن الضمان مقرر لكل الدائنين. ويتساوى الدائنون في هذا الضمان بمعنى أنه إذا اشترك عدة دائنين في التنفيذ على مال للمدين ولم يكفِ المتحصل من بيعه للوفاء بكل ديونهم فيقسم بينهم قسمة الغرماء، ولكن هذه المساواة لا تكون إلا بالنسبة للدائنين العاديين، أما بالنسبة للدائنين الذين لهم حقوق تخولهم التقدم، كالرهن أو الامتياز، فيستوفون حقوقهم كل بحسب مرتبته، فإن بقي شيء اقتسمه الدائنون العاديون. ونص المشروع مطابق لنص قانون التجارة الحالي (المادة 220).

أولاً: استعمال الدائن حقوق مدينه (الدعوى غير المباشرة):

تعرض المادة (308) وكذلك المادة (309) لحق الدائن في استعمال حقوق مدينه باسم هذا المدين، وهو ما يُطلق عليه في الاصطلاح السائد، وإن كان غير دقيق الدعوى غير المباشرة، فإن كان الغالب أن يكون استعمال حق المدين برفع دعوى باسمه فإنه يكون أيضًا باتخاذ إجراء آخر، مثل تسجيل عقد اشترى به المدين عقارًا، أو قيد رهن يضمن حقًا لمدينه قِبل الغير، أو تجديد قيد الرهن، أو إعلان حكم صدر لمصلحة المدين، أو الطعن في حكم صدر ضده، أو قطع التقادم الساري ضد المدين.

ونص المادة (308) موافق للأحكام الواردة في المادة (221) من قانون التجارة الحالي مع شيء من التعديل في الصياغة روُعي فيه على وجه الخصوص:

أولاً: تجنب نص المشروع عبارة (ولا يكون استعمال الدائن لحقوق مدينة مقبولاً …) إذ توحي هذه العبارة بأن ما ورد بعدها شرط لقبول الدعوى، في حين أنه مشروط لجواز استعمال الحق، فعدم استعمال المدين حقوقه إذا كان من شأنه أن يؤدي إلى إعسار المدين أو زيادة إعساره من الشروط الموضوعية. ولهذا آثر المشروع في الفقرة الأولى أن يجعل شرط عدم استعمال المدين حقوقه وكذلك شرط أن عدم الاستعمال يؤدي إلى الإعسار أو زيادة الإعسار باعتبارهما شرطين موضوعيين.

ثانيًا: أفرد المشروع الفقرة الثانية للنص على عدم الحاجة إلى إعذار المدين، وهو حكم عام يشمل كل صور استعمال الدائن حقوق مدينه، سواء كان ذلك برفع دعوى أو دون رفع دعوى. وللنص أيضًا على وجوب إدخال المدين إذا كان استعمال الحق برفع دعوى، وهذا الواجب بالذات هو الذي يترتب على الإخلال به عدم قبول الدعوى، كما روُعي في الصياغة التي جاء بها المشروع تفادي صياغة النص الحالي بوجوب إدخال المدين في الدعوى بصيغة توحي أن استعمال الدائن لحقوق مدينه يكون دائمًا برفع دعوى، وهو غير صحيح، لذلك بدأ المشروع العبارة الخاصة بهذا الحكم بالقول (ولكن إذا رُفعت دعوى…).

وتعالج المادة (309) آثار استعمال الدائن حق مدينه وقد اكتفى المشروع بالنص على الفكرة التي تنبني عليها تلك الآثار وهي أن القانون يعتبر الدائن نائبًا عن مدينه. والنتيجة المنطقية لهذا هي أن يبقى الحق كما هو للمدين الذي يكون له حرية التصرف فيه، كما أن من يستعمل الدائن الحق ضده يستطيع أن يدفع بكافة الدفوع التي له قِبل المدين. وكل ما يترتب على استعمال الحق فإنه يكون للمدين فإذا حُكم في دعوى مثلاً بدين لمصلحة المدين دخل في ذمته هو وبالتالي لا يستأثر به الدائن الذي رفع الدعوى، وقد روُعي عدم مجاراة قانون التجارة الحالي فيما ضمنه بالمادة (222) من أن (كل فائدة تنتج عن استعمال هذه الحقوق تدخل في أموال المدين، وتكون ضمانًا لجميع دائنيه)، فهذه نتيجة لازمة لما نص عليه من أن الدائن يُعتبر في استعماله حقوق مدينه نائبًا عنه، وهو ليس النتيجة الوحيدة كما ذُكر من قبل. هذا بالإضافة إلى أن تلك العبارة، تنقصها الدقة، فهي وإن كانت تواجه الفرض الغالب في العمل وحيث يترتب على استعمال الدائن حقًا لمدينه أن يُدخل شيء ما في أموال المدين، فثمة فروض يقتصر استعمال الدائن فيها لحقوق مدينه على دفع خطر كان يتهدد ذمة المدين فلا يترتب عليه إدخال شيء في أموال هذا المدين، كما لو قطع الدائن التقادم الساري ضد مصلحة المدين أو جدد قيد رهن يضمن دينًا للمدين ضد الغير.

ثانيًا: دعوى عدم نفاذ التصرفات:

وتعرض المواد من (310 إلى 313) للشروط التي يجب أن تتوفر حتى يستطيع الدائن أن يطلب عدم نفاذ تصرف مدينه في حقه، وهذه الشروط هي:

أولاً: فيما يتعلق بحق الدائن الذي يطعن في تصرف مدينه فإنه يُشترط أن يكون الحق مستحق الأداء، وهو ما صرحت به المادة (310).

ثانيًا: فيما يتعلق بتصرف المدين الذي يطعن فيه الدائن فإنه يُشترط أن يكون ضارًا بالدائن، وهو ما صرحت به المادة (310) أيضًا ويترتب على هذا الشرط أن الدائن لا يستطيع أن يطعن في تصرف المدين إذا كان هذا التصرف سابقًا على وجود حق الدائن، كما يترتب عليه أن الدائن لا يستطيع أن يطعن في تصرف المدين فيما لا يجوز الحجز عليه، ويعتبر تطبيقًا لهذا الشرط ما صرح به النص من اشتراط أن يكون التصرف قد ترتب عليه إعسار المدين أو زيادة إعساره، وأنه وإن كان هذا يغني عما أضافه النص من أن التصرف المطعون فيه قد أنقص من حقوق المدين أو زاد في التزاماته، وهو ما يعبر عنه بأن يكون التصرف مفقرًا إلا أن النص حرص على تلك الإضافة للإفصاح صراحةً عن أن التصرف المفقر لا يقتصر على التصرف الذي ينقص من حقوق المدين بل يشمل كذلك التصرف الذي يزيد في التزاماته.

ثالثًا: وفيما يتعلق بالمدين المتصرف والمتصرف إليه، فإنه يشترط لعدم نفاذ التصرف في حق الدائن غش المدين وعلم المتصرف إليه بهذا الغش، إن كان التصرف معاوضة. وقد وضع المشروع قرينة على غش المدين فيكفي أن يثبت الدائن أن المدين كان يعلم وقت التصرف أنه معسر حتى يفترض فيه الغش أي نية الإضرار بالدائن، ولكنها قرينة بسيطة يستطيع المدين أن يثبت عكسها كما وضع قرينة بسيطة أخرى فيما يتعلق بإثبات علم المتصرف إليه بغش المدين فيكفي أن يثبت الدائن أن المتصرف له كان يعلم أن المدين معسر أو أنه كان ينبغي عليه أن يعلم بذلك حتى يفترض أنه يعلم بالغش (المادة 311).

وإذا تصرف خلف المدين إلى خلف آخر، فإن كان التصرف الأول معاوضة والثاني معاوضة فيشترط لعدم نفاذ التصرف أن يكون الخلف الثاني يعلم غش المدين كما يعلم أن الخلف الأول كان يعلم بهذا الغش، وإن كان التصرف الأول تبرعًا والثاني معاوضة فلا يشترط إلا علم الخلف الثاني بعسر المدين وقت تصرفه للخلف الأول (المادة 312).

وثمة صورتان من صور توالي التصرفات، لم يصرح النص بحكمها إذ يمكن استخلاص هذا الحكم من نص الفقرة الثانية من المادة (311)، وهي صورة ما إذا كان التصرف الأول تبرعًا والثاني تبرعًا، وكذلك إذا كان التصرف الأول معاوضة والثاني تبرعًا، فيكفي إعمال الفقرة الثانية لنصل إلى أنه لا يُشترط لعدم نفاذ التصرف أي شرط يتعلق بالغش أو العلم به في الصورة الأولى، وعدم اشتراط شرط جديد في الصورة الثانية.

تبقى مسألة إثبات أحد شروط عدم نفاذ التصرف وهو شرط إعسار المدين، فإذا كان الأصل أن الدائن هو الذي يقع عليه الإثبات، إلا أنه يكفي أن يثبت ما في ذمة المدين من ديون، وعلى المدين إذا أراد أن يثبت أنه موسر أن يثبت أن لديه من المال ما يساوي ما عليه من ديون أو يزيد عليها وهو ما نصت عليه المادة (313).

وقد استمد المشروع أحكام دعوى عدم نفاذ التصرفات بالمواد السابقة من قانون التجارة الكويتي (223 – 225) ومصادره التشريعية في القوانين العربية المادة (238) مصري وما بعدها والمادة (239) سوري وما بعدها والمادة (241) ليبي وما بعدها، مع تعديل في الصياغة وترتيب الأحكام اقتضته الملاءمة.

وتعرض المادة (314) لمن يستفيد من الحكم بعدم نفاذ التصرف، ومنه يتضح أن عدم النفاذ لا يكون بالنسبة للدائن الذي رفع الدعوى وحده ولكن يمتد إلى الدائنين الآخرين الذين صدر التصرف إضرارًا بهم، أي من كانوا يستطيعون التمسك بعدم نفاذ التصرف في حقهم ولو لم يشتركوا في الدعوى، وهم السابقة ديونهم على التصرف.

ويتفق هذا الحكم مع ما تنص عليه المادة (226) من قانون التجارة الكويتي والمواد المقابلة بمصادرها في التشريعات العربية، وأجرى المشروع تعديلاً طفيفًا في الصياغة

وتعرض المادة (315) لحق المتصَرف إليه في التخلص من الدعوى وحكمها يقابل حكم الفقرة الثالثة من المادة (227) من قانون التجارة الكويتي. ولم يرَ المشروع ما يدعو إلى النص على الأحكام التي أوردتها هذه المادة في الفقرتين الأولى والثانية لأنها محض تطبيق للقواعد العامة ولا تحتاج إلى نص بشأنها.

هذا ويختلف النص الذي جاء به المشروع عن النص الوارد في القانون الكويتي (المادة 227/ 3) والنصوص العربية الأخرى المقابلة إذ لوحظ على تلك النصوص أنها تقتصر على مواجهة الفرض الذي يكون فيه المتصرف إليه مشتريًا، ولم يدفع الثمن، وتقرر أن له أن يتخلص من الدعوى بإيداع الثمن. والواقع أن التخلص من الدعوى لا يحتاج إلى أكثر من إيداع قيمة المال المتصرف فيه بغض النظر عن كون المتصرف إليه مشتريًا أم لم يكن كذلك، فقد يكون متبرعًا إليه ويرغب في الاحتفاظ بالمال لسبب ما فيودع ما يساويه من قيمة، وكذلك فإن كان مشتريًا فلا معنى لاشتراط عدم دفعه الثمن للبائع، فإيداع قيمة المال هو الذي ينتفي معه شرط الضرر أيًا كانت ظروف المتصرف إليه.

وجاءت المادة (316) بنص مماثل في عمومه للمادة (228) من قانون التجارة ويعرض لحالات خاصة من تطبيقات دعوى عدم نفاذ التصرفات وهي:

أولاً: الحالة الأولى هي حالة ما إذا كان التصرف هو تفضيل دائن على آخر دون حق، بأن يعطيه تأمينًا خاصًا، وقد حرص المشروع على النص على هذه الحالة بالذات لأن إعمال القواعد العامة في دعوى عدم نفاذ التصرفات يثير الشك في انطباقها عليها إذ قد يُقال إن إنشاء الرهن لا يتضمن إنقاصًا من حقوق المدين ولا الزيادة في التزاماته، فورد النص قطعًا لهذا الشك ويترتب على ذلك وجوب التمييز بين فرضين، فإذا كان التصرف معاوضة كما لو قدم المدين رهنًا لأحد دائنيه في مقابل مد الأجل أو حط جزء من الدين، فيشترط غش المدين وعلم المتصرف إليه بهذا الغش وفقًا للقواعد العامة، أما إذا كان التصرف تبرعًا بأن أعطى المدين الرهن دون أي مقابل، فلا يُشترط الغش ولا علم المتصرف إليه بإعسار المدين: كما هو الشأن في التبرعات. هذا وقد عدل المشروع في صياغة الفقرة الأولى من المادة (228) من القانون القائم التي تواجه هذه الحالة وذلك حتى يتسع النص لكل تصرف بتفضيل دائن على غيره إذ أن النص الحالي لا يواجه إلا الفرض الذي يكون فيه المدين غاشًا، ومن ناحية أخرى فإن النص الحالي يقول في بيان أثر الطعن في التصرف، أنه لا يترتب عليه إلا حرمان الدائن من هذه الميزة، وهذا لا يعني أكثر من عدم نفاذ التصرف في حق الدائن.

ثانيًا: إذا وفى المدين المعسر أحد دائنيه قبل حلول الأجل أو بعد حلوله. وهنا أيضًا حرص المشروع تمشيًا مع القانون الحالي على بيان حكم الوفاء وجواز الطعن فيه، لأن ترك الأمر للقواعد العامة يثير الشك إذ أن الوفاء لأحد الدائنين قبل غيره ليس فيه إنقاص لحقوق المدين أو الزيادة في التزاماته، على أنه يجب التفرقة بين الوفاء قبل انقضاء الأجل، والوفاء بعد انقضائه.

فإذا وفى المدين أحد دائنيه قبل انقضاء الأجل، كان لكل من الدائنين الآخرين أن يطعنوا بعدم نفاذ التصرف وفقًا لأحكام التبرعات، أي دون حاجة إلى اشتراط غش المدين الموفي وعلم الدائن المستوفي بإعسار المدين. أما إذا كان الوفاء بعد حلول الأجل فلا يجوز الطعن بعدم نفاذه إلا في حالة التواطؤ بين المدين والدائن الذي استوفى حقه، وهو شرط أشد مما تقتضيه القاعدة العامة.

ثالثًا: الحق في الحبس:

وتعرض المادة (318) للحق في الحبس وبيان شروطه وحكمها يقابل نصوص المواد (230 و231 و232) من قانون التجارة الحالي.
وقد آثر المشروع الاكتفاء بوضع القاعدة العامة، دون سرد لبعض تطبيقاتها، وذلك على خلاف مسلك قانون التجارة الحالي الذي حذا حذو القانون العراقي، إذ بدأ بالنص في المادة (230) على حق البائع في حبس المبيع حتى يستوفي الثمن وحق العامل في حبس الشيء الذي يعمل فيه إلى أن يستوفي أجره، ثم بعد ذلك عمم الحكم على كل المعاوضات المالية حيث يكون لكل من المتعاقدين أن يحبس المعقود عليه وهو في يده حتى يقبض البدل المستحق، ثم عرض في المادة (231) لحق من أنفق على ملك غيره مصروفات وهو في يده في حبسه حتى يستوفي ما هو مستحق له. وبعد ذلك عاد فوضع القاعدة العامة في المادة (232) بصيغة تتسع لما سبق أن قرره في المادتين (230 و231). ونظرًا إلى أن تلك التطبيقات تحكم قاعدة عامة واحدة، فإن المشروع لم يفردها بأحكام خاصة. وقد أورد المشروع تلك القاعدة بالمادة (318) بفقرتها الأولى على وجه يتفق مع ما تقرره المادة (232) من القانون الحالي والمادة 246/ 2 مصري والنصوص التي نقلت عنه، وذلك بعد إجراء التعديلين التاليين:

فأولاً: صرح المشروع بأن يكون حق الدائن الذي يحق للمدين أن يُحبس حتى يستوفيه مستحق الأداء وهو حكم مسلم حتى في ظل النصوص التي لم تصرح به ومع ذلك آثر المشروع أن يصرح به.

وثانيًا: في بيان صلة التزام المدين بالتزام الدائن اكتفى المشروع بالنص على الارتباط بينهما، في حين أن النصوص العربية وكلها متأثرة في ذلك بالنص المصري، تتطلب وجود رابطة سببية بين الالتزامين، وهو حكم غير صحيح، ولعله وُجد في نص القانون المصري، ومن بعده في التشريعات العربية الأخرى، نتيجة خطأ في ترجمة عبارة النص الأصلي الذي كتب بالفرنسية للمشروع التمهيدي للقانون المصري، فقد تُرجمت عبارة a l”coyasion أي بمناسبة بكلمة (بسبب) في النص العربي. فإذا كانت السببية هذه تتحقق عندما ينشأ الالتزامان من عقد ملزم للجانبين، فإن نطاق الحق في الحبس لا يقتصر على دائرة هذه العقود، فقد يكون خارج نطاق الروابط العقدية.

أما الفقرة الثانية من مادة المشروع، والتي تقابل الفقرة الثانية من النص المصري، والمادة (231) تجارة كويتي، فقد صيغت بطريقة مختلفة ذلك أن النص المصري، ومن بعده النصوص العربية الأخرى، قد أوردت الحكم الخاص بحق حائز الشيء أو محرزه في حبس الشيء حتى يسترد المصروفات باعتباره تطبيقًا أورده المشروع على وجه الخصوص، وفي نهاية النص يقرر عدم جواز الحبس إذا كان الالتزام بالرد ناشئًا عن عمل غير مشروع، والواقع أنه يكفي النص على هذا الحكم الأخير فيكون مؤدى ذلك أنه استثناء من القاعدة العامة في الحبس أو بتعبير آخر نكون بصدد شرط هو أن يكون وجود الشيء في يد حائزه أو محرزه بسبب مشروع. ولهذا صيغت الفقرة الثانية على نحو لا يبرز أن المشروع يضع تطبيقًا خاصًا، ولكن للإفصاح بأن الحبس في هذا الفرض غير جائز ما دام الالتزام بالرد نشأ عن عمل غير مشروع.

وتعرض المادة (319) لما يترتب على الحابس من التزامات بسبب حبسه الشيء، فعليه أن يقوم بالمحافظة عليه، وأن يقدم حسابًا عن غلته، وتفريعًا على الالتزام بالحفظ، إذا كان الشيء المحبوس يُخشى عليه من الهلاك أو التعييب أن يطلب من المحكمة الإذن له في بيعه كما يكون له في حالة الاستعجال أن يبيعه دون إذن، وينتقل الحق في الحبس في الحالين من الشيء إلى ثمنه. ونص المشروع لا يختلف عن أحكام الفقرتين الثانية والثالثة من المادة (233) من قانون التجارة إلا في أنه أضاف جواز البيع دون استئذان في حالة الاستعجال، وهو حكم لم تنص عليه التشريعات العربية المقارنة برغم أنه قد يحدث في العمل ألا يتسع الوقت للحصول على إذن المحكمة كما لو أن أمين النقل كان يحبس نوعًا من الفاكهة أو الخضروات التي لا تحتمل التأخير إلى حين الحصول على إذن القضاء وإلا تلفت.

وقد أفرد المشروع الحكم الخاص بأن حق الحبس في ذاته لا يعطي الحابس حق امتياز على الشيء المحبوس بمادة مستقلة، هي المادة (320) على خلاف قانون التجارة الحالي، الذي يجمع بينه وبين التزامات الحبس في المادة (233) السابقة، وقد حذا المشروع في تقرير الحكم الذي أخذ به حذو القانون الحالي وقوانين البلاد العربية الأخرى ما عدا القانون الأردني الذي ينص على أن الحابس أحق من باقي الغرماء في استيفاء حقه.

وتعرض المادة (321) لحلول ما قد يستحق عند هلاك الشيء المحبوس أو تلفه من مقابل أو تعويض، حلولاً عينيًا، وهو نص لا مقابل له في القانون الكويتي ولا في قوانين البلاد العربية الأخرى فيما عدا القانون السوداني (المادة 232).

هذا مع ملاحظة أن قانون التجارة الكويتي، والقوانين العربية الأخرى قد طبقت فكرة الحلول العيني في حالة خاصة وهي عندما يكون الشيء المحبوس مما يُخشى عليه الهلاك أو التلف، وحيث يكون للحابس أن يحصل على إذن المحكمة في بيعه، وينتقل الحق في الحبس من الشيء إلى ثمنه، وهو ما قرره المشروع في المادة (319) فرئُي تعميم حكم هذا الحلول العيني على الحالات الأخرى التي يهلك فيها الشيء المحبوس أو يتلف ويترتب على ذلك استحقاق مقابل أو تعويض يلتزم به من أهلك الشيء أو أتلفه وفقًا لأحكام المسؤولية التقصيرية، أو مبلغ التأمين الذي تلتزم به الشركة المؤمنة أو ما تدفعه الدولة نظير استملاك المال المحبوس، فليس ثمة مبرر لقصر الحلول العيني على حالة بيع الشيء الذي يُخشى عليه الهلاك أو التلف دون غيرها من الحالات.

ونص المشروع لا يختلف عن نص القانون السوداني إلا في أنه استبدل عبارة (إلى ما يُستحق بسبب ذلك من مقابل أو تعويض) بعبارة (إلى ما يحل محله) الواردة في النص السوداني، لأن الحلول في المعنى الفني للمصطلح هو الأثر الذي يرتبه القانون على الاستبدال الذي يعني وجود مال في الذمة بدلاً من مال آخر خرج منها، وبالتالي فالحلول في الفرض المنصوص عليه هو انتقال الحق في الحبس إلى مال البدل.

بقي أن انتقال الحق في الحبس من الشيء إلى ما يستبدل به، يثير مسألة كيف يمارس صاحب الحق في الحبس حقه على المال الذي حل محله، خاصة والغالب أن يكون مبلغًا من النقود، وقد رئُي تنظيم هذه المسألة بالنسبة للرهن الحيازي، عندما ينتقل حق الدائن المرتهن إلى ما يستبدل بالشيء المرهون على أثر الهلاك أو التلف، والاكتفاء هنا بالإحالة إلى أحكام الرهن الحيازي.

وتعرض المادة (322) لحالة خاصة من الحالات التي ينقضي فيها الحق في الحبس بعد وجوده وهي حالة خروج الشيء من يد الحابس، فالحق في الحبس ينقضي في حالات أخرى لا تحتاج إلى نص بشأنها، منها أن يقوم الدائن بالوفاء بالتزامه نحو الحابس، أو يقدم تأمينًا كافيًا للوفاء بهذا الالتزام. كما ينقضي الحق في الحبس بالنزول عنه صراحةً أو ضمنًا كما لو طلب الحابس بيع الشيء جبرًا على مالكه ليستوفي حقه من ثمنه فلا يكون له عندئذ أن يمتنع عن تسليم الشيء إلى الراسي عليه المزاد تمسكًا بحقه في الحبس.

والأصل كما تقرره المادة (322) أن الحبس ينقضي بخروج الشيء من يد الحابس، وقد آثر المشروع ألا ينقل العبارة المقابلة بقانون التجارة الحالي التي تتكلم عن زوال الحيازة، إذ أن الحبس لا يقتضي بالضرورة أن يكون الحابس حائزًا بالمعنى الفني لمصطلح الحيازة، ولهذا تكلم النص المصري عن الحيازة أو الإحراز.

على أنه إذا خرج الشيء من يد الحابس دون علمه أو رغم معارضته فله، وفقًا لنص الفقرة الثانية أن يطلب استرداده خلال ثلاثين يومًا من وقت علمه بخروج الشيء من يده وقبل انقضاء سنة من وقت خروجه وهذا الحكم متفق مع نص القانون الكويتي والقوانين العربية الأخرى.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .