حوالة الحق :

تُرسي المادة (364) الأصل العام في حوالة الحق على نحو ما يقرره قانون التجارة الحالي بالمادة (277) منه – نقلاً عن المادة (303) مصري والتشريعات العربية التي أخذت عنه (303 سوري، 290 ليبي، 362 عراقي) – وحاصل ذلك أن الحوالة ترد بصفة عامة على كافة الحقوق الشخصية، وأما محل الحوالة فإنه يكون في الأغلب الأعم التزامًا بمبلغ من النقود، ويمكن أن يكون محلها التزامًا بعمل كاستيفاء منفعة العين المؤجرة بمقتضى حق المستأجر في مواجهة المؤجر، على أن مبدأ حوالة الحقوق الشخصية لا يجري على إطلاقه إذ أن للطرفين الاتفاق على عدم جواز الحوالة كما يحول دونها أن يكون الحق نافيًا بطبيعته لمكنة الانتقال إلى دائن آخر كما هو الشأن في العقود التي يُنظر فيها إلى شخصية المتعاقد الذاتية وكذلك قد ينص القانون صراحةً على عدم جواز الحوالة لاعتبارات معينة، وتورد المادة (365) واحدًا من التطبيقات لهذه الحالة الأخيرة فتقضي بأنه لا تجوز الحوالة في الحق إلا في القدر القابل منه للحجز وهو حكم نقله المشروع عن المادة (279) من قانون التجارة الذي أخذه بدوره من المادة (304) مصري والتشريعات العربية التي نقلت عنه، وما لم يوجد أحد تلك الموانع التي تحول من حوالة الحق فإنه يكفي لانعقاد الحوالة التراضي بين المحيل والمحال له ودون حاجة إلى رضاء المدين الذي يصبح محالاً عليه بمجرد انعقاد الحوالة بين طرفيها. ومع ذلك فإن الحوالة إذا انعقدت صحيحة فإنها لا تُنفذ ولا تُعتبر حجة على المدين أو الغير إلا بتوفيته إجراءات معينة تكفلت ببيانها المادة (366) من المشروع – بما يطابق المادة (279) من قانون التجارة والمأخوذة في أصلها من المادة (305) مصري والمواد المقابلة بالتشريعات العربية التي سارت على نهجها – ومؤداها أن الحوالة لا تُعتبر حجة على المدين إلا بقبوله لها ويكون هذا القبول حجة على الغير إذا كان ثابت التاريخ، فإذا لم يصدر من المدين قبول للحوالة فإنها لا تنفذ في حقه أو في حق الغير إلا إذا أُعلنت إلى المدين وفقًا للأوضاع المقررة في قانون المرافعات.

وتعطي المادة (367) للمحال له الحق في اتخاذ الإجراءات التحفظية حتى قبل أن تصبح الحوالة نافذة بالنسبة للمدين والغير ويتفق ذلك مع الحكم المقرر بالمادة (280) من قانون التجارة الحالي مع تعديل طفيف في الصياغة، ولا يعدو هذا الحكم أن يكون تطبيقًا للقاعدة العامة في تخويل الدائن اتخاذ الإجراءات التحفظية ولو كان حقه معلقًا على شرط واقف أي معدومًا على خطر الوجود. فيثبت ذلك من باب أولى للمحال له ولو لم يكن حقه نافذًا. وقد أخذ القانون القائم بهذا الحكم من المادة (306) من القانون المصري والمواد المقابلة في التشريعات العربية المقارنة. وتعين المادة (368) مدني الحق الذي تنقله الحوالة إلى المحال له فتقرر أن الحق ينتقل إلى المحال له بما يلازمه من صفات وما لحقه من توابع وما يضمنه من تأمينات وهي تقابل المادة (281) من قانون التجارة ولا تختلف عن حكمها إلا في استبعاد الفوائد مما تشمله الحوالة التزامًا بالقاعدة الأساسية التي انتهجها المشروع بحظر الفوائد عملاً بأحكام الشريعة الإسلامية ولم ينقل النص ما يجري به القانون الحالي من أن الحوالة تشمل الأقساط اعتبارًا بأن القواعد العامة تقتضيه دون حاجة إلى نص خاص عليه.

وتتطابق المادتان (369 و370) من المشروع مع المادتين (283 و282) على التوالي من قانون التجارة مع المخالفة في الترتيب مراعاةً لمنطق الأمور والحكم الذي تنص عليه المادة (369) تمليه طبيعة الحوالة وحكمها في انتقال الحق من المحيل إلى المحال له فإن ذلك يضع على عاتق المحيل الالتزام بتمكين المحال له من الحق الذي انتقل إليه فيكون عليه أن يمده بكافة ما يلزم من الوسائل لإثبات ذلك الحق، والحكم الذي تقرره المادة (370) نتيجة منطقية لانتقال الحق بذاته إلى المحال له، فيمكن للمحال عليه – تبعًا لذلك – أن يتمسك قِبل المحال له بالدفوع وأوجه الدفع التي كان يمكنه أن يتمسك بها قِبل المحيل وذلك بمراعاة أن الوقت الذي تصبح فيه الحوالة نافذة في حق المدين – سواء بقبوله لها أو بإعلانها إليه – يعين الحد الفاصل بين الدفوع وأوجه الدفع التي يكون للمدين أن يتمسك بها وبين ما عداها مما يمتنع عليه الاحتجاج به، وقد استمد القانون الحالي حكمه ذاك من المادة (312) من القانون المصري والقوانين العربية التي سارت على منواله.

وتعرض المواد (371 و372 و373) من المشروع لضمان المحيل للحق المحال به والأحوال التي يتحقق فيها هذا الضمان مع بيان لمداه في كل حالة ويتفق المشروع في ذلك مع ما يجري به قانون التجارة في المواد (284، 285، 286) وإنما أدخل المشروع تعديلات لفظية تحقيقًا لصياغة أفضل في المواد التي جاء بها، هذا وقد جعل المشروع في المادة (373) رجوع المحال له بالضمان على المحيل وفقًا للمادتين (371 و372) محدودًا كأصل عام فيما سبق أن دفعه مع المصروفات مستبعدًا الفوائد التي يضمها القانون الحالي مما يوجب رده، وإلى ذلك وضع المشروع استثناءً ملائمًا من ذلك الأصل الذي أخذ به فاستحدث بالفقرة الثانية من المادة (373) حكمًا يقضي بأن المحال له حسن النية يكون من حقه الرجوع أيضًا بالتعويض عما يلحقه من الضرر إذا كان المحيل يعلم وقت الحوالة بعدم وجود الحق المحال بذمة المدين الأصلي.

وجاء حكم المادة (374) من المشروع متفقًا مع ما تنص عليه المادة (378) من قانون التجارة الحالي مع تعديل لفظي لا يمس جوهر القاعدة المقررة به وهي ضمان المحيل لأفعاله الشخصية سواء كانت الحوالة معاوضة أو تبرعية، واعتبار كل شرط بعدم الضمان باطلاً ولا أثر له. هذا وينص القانون الحالي في المادة (288) التالية على أنه (تبرأ ذمة المدين إذا لم يقبل الحوالة ووفى المدين للمحيل قبل أن يعلم بها، ومع ذلك لا تبرأ ذمته بهذا الوفاء إذا أثبت المحال له أنه كان يعلم وقت الوفاء بصدور الحوالة). وقد رأى المشروع ألا ينقل هذا النص لأنه يتضمن حكمًا تفصيليًا يغني عنه تطبيق القواعد العامة بشأنه وهو نفس النهج الذي اتخذه التشريع المصري إذ أن المشروع التمهيدي للقانون المدني كان قد وضع هذا النص ضمن أحكامه بمادته (432)، ورئي حذفها في المراحل النهائية لإعداد المشروع لما رئي من عدم وجود حاجة إليها.

وتواجه المادتان (375 و376) أحكام التزاحم على الحق المحال في صورتين الأولى هي التزاحم بين محال له ومحال له آخر وتعالجه المادة (375)، والصورة الثانية هي التزاحم بين محال له ودائن حاجز أو دائنين حاجزين وتعالجه المادة (376)، ولم يأتِ المشروع بجديد في الأمرين عما ينص عليه قانون التجارة الحالي في المادتين (389 و290) والقانون المصري الذي نقل عنه، وإنما أدخل المشروع تعديلات لفظية في الصياغة التي وضعها تجعل المعنى المقصود أكثر وضوحًا، وحكم الصورة الأولى بين لا لبس فيه وليس يعدو أن يكون تطبيقًا للقواعد العامة في تصرف السلف في منقول معين إلى خلف ومن بعده إلى خلف آخر إذ تكون الأفضلية للأسبق منهما في الاستخلاف وبمراعاة أن السبق لا يتحدد هنا بتاريخ صدور كل من الحوالتين وإنما يثبت السبق للحوالة التي أصبحت نافذة في حق الغير قبل الحوالة الأخرى، وغني عن البيان أن التزاحم في تلك الصورة لا يوجد إلا إذا اتحد المحل في الحوالتين فإذا تلقى المحال له جزءًا من الحق وتلقى المحال له الآخر الجزء الباقي فإن كلاً منهما يرجع بما أحيل به بغير تزاحم.

وتعرض المادة (376) للتزاحم بين الحوالة والحجز في فرضين: الأول أن يكون الحجز أسبق في تاريخه من الوقت الذي أصبحت فيه الحوالة نافذة، بأن يقع الحجز تحت يد المدين (المحال عليه) وفي تاريخ لاحق لذلك يصير إعلان الحوالة إلى المحال عليه أو يقبلها قبولاً ذي تاريخ ثابت، وعندئذٍ يكون الحجز قد توقع على الحق المحال وهو ما زال على ملك المحيل ومن ثم فإن الحوالة التي تجيء بعد ذلك لا تضره وإنما تعتبر بمثابة حجز ثانٍ ويزاحم صاحبها الحاجز الأول ويقسم المال بينهما قسمة غرماء، أما الفرض الثاني الذي تواجهه المادة فإنه يعرض كالفرض السابق أن الحجز وقع أولاً ومن بعده جاءت الحوالة النافذة وإنما أعقب ذلك توقيع حجز ثانٍ على ذات الحق في تاريخ لاحق للتاريخ الذي أصبحت فيه الحوالة نافذة، وإذ كان هذا الحاجز المتأخر يقف على قدم المساواة مع الحاجز الأول – وفقًا للقواعد العامة – فيكون له أن يزاحمه، ولكن الحجز المتأخر يجب ألا يكون بذي أثر على الحوالة التي صارت نافذة في تاريخ سابق على توقيعه إذ أن الحوالة من شأنها نقل الحق من المحيل إلى المحال له من تاريخ نفاذها فتجب كل حجز لاحق لذلك التاريخ، وعلى هذين الأساسين، يصير تقسيم الدين قسمة غرماء بين الحاجز المتقدم والمحال له والحاجز المتأخر ثم يؤخذ بعد ذلك من نصيب الحاجز المتأخر ما يستكمل قيمة الحوالة.

حوالة الدين:

يجدر التنويه بادئ ذي بدء إلى أن قانون التجارة الحالي قد استمد أحكامه في حوالة الدين بصفة عامة من الفقه الإسلامي محتذيًا في ذلك الخصوص حذو القانون العراقي ومقتفيًا أسلوب هذا القانون في التنسيق بين الأحكام وفي صياغة النصوص وقد رأى المشروع الأخذ في تقنين هذا الفصل بمأخذ قانون التجارة والقانون العراقي وفي حدود ما التزماه من أحكام الفقه الإسلامي وإنما بمراعاة ما توجيه الأصول التشريعية من التوفيق بين المصطلحات الفنية في هذا الفصل وبين كافة ما يقابلها من المصطلحات السارية في أبواب المشروع وفصوله الأخرى والمنقولة بذاتها من قانون التجارة الحالي، ومع ما استلزمه ذلك من تعديل في صياغة بعض المواد صياغة جديدة تجعلها أدنى إلى الوضوح والدقة ودون إخلال بجوهر حكمها المقصود منها، ولم ينقل المشروع من مواد القانون الحالي ما يغني عنه تطبيق القواعد العامة دون لبس أو تردد، كما وجد من الملائم تنقية بعض المواد الأخرى من أحكام فرعية بها لا يوجبها المقام.

وعلى تلك الأسس السابقة فقد صيغت المادة (377) من المشروع المقابلة للمادة (291) تجارة والمادة (339) عراقي صياغة جديدة تلتزم بالمعنى المقصود ولكن دون نقل لعبارات هاتين المادتين أو لما بهما من مصطلحات رأى المشروع التجاوز عن استعمالها في أبوابه الأخرى واستعاض عنها بمصطلحات مقابلة استقرت في القوانين الحالية والأعراف القضائية، وتقرر المادة (377) بفقرتها الأولى القاعدة الأساسية في حوالة الدين وهي أنها تؤدى إلى نقل الدين من ذمة المدين الأصلي إلى ذمة شخص أخر هو المحال عليه، ولازم ذلك ومؤداه أن الدين لا ينتقل وحده إنما تنتقل معه المطالبة أيضًا، وهو ما يحدد مصدر المشروع في هذا الخصوص بعد أن اختلفت بشأنه الآراء في الفقه الإسلامي، فقد تمشى المشروع مع القانون الحالي في اعتماد رأى الأمام أبي حنيفة وأبي يوسف فيما قالا به من أن حوالة الدين تنقل الدين والمطالبة معًا، وذلك على خلاف آراء أخرى لدى الأحناف حيث يقول محمد أن تلك الحوالة تنقل المطالبة دون الدين ويقول زفر إنها لا تنقل الدين ولا المطالبة وإنما تضم ذمة إلى ذمة في سداد الدين، وعلى خلاف الآراء في بقية المذاهب التي تتجه في مجموعها إلى إقرار نوع واحد من الحوالة هو الحوالة المقيدة إذ يشترط لصحة الحوالة عندهم أن يكون المحال عليه مدينًا للمحيل. وقد أبانت الفقرة الثانية من المادة (377) المعنى المقصود بكل من نوعي الحوالة المطلقة والمقيدة، وتجنبت في صياغتها ما يشوب النص المقابل في القانون الحالي من تفصيل وإسهاب لا محل لها. وتتفق المادة (378) من المشروع مع المادة (292) من قانون التجارة في الحكم وإن خالفتها خلافًا طفيفًا في الصياغة.

أما المادة (379) فإنها تقابل المادة (293) من قانون التجارة وجاءت بتعديل في حكمها إذ تنص مادة قانون التجارة على أنه (يصح عقد الحوالة بين الدائن والمحال عليه، ويلزم المحال عليه بالأداء، ولكن ليس له الرجوع على المدين الأصلي إلا إذا أقر المدين الحوالة) وهو نص منقول عن المادة (341) من القانون المدني العراقي، والبادي أن صياغتها التزمت بما يراه جمهور الحنفية من أن الحوالة إذا تمت دون أمر من المحيل بأن كانت قد انعقدت بين الدائن والمحال عليه مباشرة ولم يقرها المحيل، فلا يكون للمحال عليه أن يرجع على المحيل بشيء ما، لقولهم إنه في هذه الصورة تنعقد الحوالة صحيحة ويعتبر المحال عليه متبرعًا (المادة 778 من مرشد الحيران والمادة 681 من المجلة، والزيلعي جزء 4 ص 173 وابن عابدين جزء 4 ص 305، ص 307 وابن نجيم جزء 6 ص 351)، وتوفيقًا بين تلك القاعدة وبين الأصل المقرر في القوانين الوضعية والمعتمد بهذا المشروع من أنه يجوز للغير الوفاء بدين المدين ولو بغير علمه أو رضاه فقد رُئي النص بالمادة التي جاء بها المشروع على أن المحال عليه لا يكون له الرجوع على المدين الأصلي طبقًا لأحكام الحوالة في حالة عدم إقرار هذا المدين للحوالة، ليكون باقيًا للمحال عليه في هذه الصورة حقه في الرجوع على المدين المذكور طبقًا لقواعد الإثراء بلا سبب إن لم يصرح بأنه كان متبرعًا. وهو ما يقول به بعض الفقهاء المسلمين (الدسوقي على الشرح الكبير للدردير جزء 3 ص 296). ولم يجد المشروع وجهًا لنقل ما تنص عليه المادتان (294 و295) من القانون القائم من أنه يُشترط لصحة الحوالة أن يكون المحيل مدينًا للمحال له وإلا كان العمل وكالة، ومن أنه يشترط في المحال به أن يكون معلومًا وتصح به الكفالة، وذلك أن تلك الأحكام هي تطبيقات واضحة للقواعد العامة.

وتعرض المادة (380) من المشروع لما تعرض له المادة (296) من قانون التجارة مع التعديل فيها لأحكام الصياغة، وذلك أن النص الحالي يجري بأنه (إذا قبل المحال له الحوالة ورضي المحال عليه بها، برئ المحيل من الدين ومن المطالبة معًا، ويكون للمحال له حق مطالبة المحال عليه) وذلك في حين أن المفروض أصلاً أن حوالة الدين لا تقوم ولا تنعقد إلا إذا كان المحال عليه طرفًا فيها، ومن ثم فإن الحوالة إذا ما تم عقدها والمحال عليه طرف فيها بحكم اللزوم، فإن تطلب رضاء المحال عليه بعد ذلك لسريانها في حقه يكون تزيدًا لا يقتضيه المقام، وهو ما تلافاه المشروع في النص الذي جاء به مع التعديل في الصياغة على مقتضى الحال.
وأورد المشروع المادة (381) مقابلاً لما تنص عليه المادتان (297 و298) من قانون التجارة الحالي (المنقولتان عن المادتين 347 و348 عراقي) على أن المشروع لم يرَ محلاً لمحاكاة المادة (297) فيما أوردته من تمثيل وشرح لما يصح أن يكون وصفًا في الدين فمن الملائم ألا يردد التشريع بين أبوابه وفصوله شروحًا وتفصيلات عن أصول عامة وأساسية وإن التزم بوضعها مع ما لها من أحكام وآثار في مكانها المناسب بين النصوص، كما أن المشروع وقد أرسى في النص الذي وفق إليه القاعدة الأساسية بأن الدين المحال، يلازمه في تحوله من المدين الأصلي إلى (المحال عليه) كافة التأمينات الخاصة التي كانت تضمنه، لم يجد وجهًا بعد ذلك لمجاراة المادة (298) من القانون الحالي فيما استطردت إليه بقولها: (فإذا أحال الراهن المرتهن بالدين على آخر أو أحال المشتري البائع بالثمن على آخر لم يسقط حق المرتهن في الرهن ولا حق البائع في حبس المبيع أما إذا أحال المرتهن غريمًا له على الراهن فإن حقه في الرهن يسقط ولا يكون رهنًا للمحال له، وكذا إذا أحال البائع غريمًا له على المشتري بالثمن سقط حقه في حبس العين المبيعة) ذلك أن الشطر الأول من هذه الفقرة هو تطبيق بين للقاعدة أما شطرها الخير فانه استطراد لا يقتضيه المقام للتدليل على استبعاد القاعدة فيما لا تنعقد فيه العلاقة على أساس من حوالة دين مضمون بتأمين خاص، بأن كان المدين الأصلي الذي حول دينه إلى المحال عليه هو بذات الوقت دائن للمحال عليه بدين مضمون بتأمين خاص كرهن أو حق في الحبس، فإن ذلك المدين الأصلي إذ يحول الدين الذي عليه قبل دائنه فإنه ينقل هذا الدين كما هو إلى المحال عليه أي بغير تأمين خاص يضمنه، لأن الضمان الخاص القائم في العلاقات بين الأطراف لم يكن ضمانًا للدين المحال به، وإنما هو ضمان لدين آخر ذلك الدين الذي كان للمدين الأصلي (المحيل) بذمة المحال عليه وانقضى بينهما قصاصًا، بسبب الحوالة.

وجاء المشروع في المادة (382) بحكم يتفق مع حكم المادة (299) من قانون التجارة الحالي مع ضبط الصيغة على وجه أدق، فينص الشطر الأول من المادة (382) على حق المحال عليه في التمسك بما كان للمحيل من دفوع متعلقة بذات الدين وهو ما يغني عما يضيفه نص القانون الحالي من عدم أحقية المحال عليه في التمسك بالدفوع الخاصة بشخص المحيل، وكذلك ينص الشطر الثاني من المادة على حق المحال على في التمسك بالدفوع المستمدة من عقد الحوالة وهي بذاتها الدفوع التي يعبر عنها نص القانون الحالي بأنها الدفوع الخاصة بشخصه هو(شخص المحال عليه). ولم يرَ المشروع موجبًا لنقل الحكم الذي تنص عليه المادة (300) من القانون الحالي ذلك أنها ترد انقضاء الدين الذي انتقل إلى المحال عليه للأسباب العامة في انقضاء الديون كافة. وتعرض المادة (383) لحكم يتفق مع الحكم الذي تقرره المادة (302) من قانون التجارة الحالي مع صياغتها صياغة جديدة أقرب إلى ما يجري به الأسلوب التشريعي ولكن دون مساس بجوهر القاعدة كما استمده النص الحالي من الفقه الإسلامي وتقضي الفقرة الأولى من المادة التي أتى بها المشروع بأن الحوالة المقيدة تبقى قائمة ومنتجة لآثارها إذا ما برئ المحال عليه من الدين الذي عليه للمحيل بسبب عارض بعد انعقاد الحوالة، ومن ثم فإذا أحال البائع دائنه على المشتري مقيدًا بثمن البضاعة المبيعة، ثم احترقت هذه البضاعة أو تلفت قبل تسليمها إلى المشتري أو ردت بعيب أو خيار ما ولو بعد التسليم فإن الثمن يسقط عن المشتري ولكن الحوالة لا تبطل لأن الدين الذي قيدت به كان قائمًا عند عقدها (الموسوعة الفقهية نموذج 3 بند 292 الفتاوى الهندية 3/ 306 – والبحر الرائق 6/ 275) وتقضي الفقرة الثانية بأن الحوالة المقيدة تبطل إذا سقط الدين الذي قيدت به عن الحال عليه بسبب سابق على انعقادها ولا دخل للمحال عليه فيه، وعلى ذلك فإنه إذا أحال البائع دائنه على المشتري بثمن المبيع ثم استحق المبيع للغير فإن الحوالة تكون باطلة وذلك أنه قد تبين أن الحوالة علقت بمعدوم حكمًا إذ قيدت بدين لم يكن له وجود قط ويعود الدين على المدين الأصلي وهو المحيل (الموسوعة الفقهية نموذج 3 بند 281 – البحر الرائق 5/ 275 وابن عابدين على الدر 4/ 293)، وتقابل المادة (384) من المشروع ما تقرره المادة (303) من قانون التجارة ولا تختلف عنها في الحكم وإنما أدخل المشروع تعديلاً في الصياغة جعلها أدنى إلى الدقة والملاءمة.

وتعرض المادة (385) من المشروع لحكم الحوالة المقيدة بعين مودعة إذا ما هلكت الوديعة بغير خطأ من المودع أو استحقت للغير، ويرجع ذلك الحكم في أصله إلى الفقه الإسلامي، ويؤسسه الفقهاء المسلمون على أن فوات الأمانة بغير تعدٍ ممن هي عنده كالوديعة إذا احترقت أو سرقت من شأنه إنهاء الحوالة فتبرأ ذمة المحال عليه ويعود الدين على المحيل، وأنه إذا استحقت العين المقيدة بها الحوالة في يد الوديع فإن الحوالة تبطل لما تبين من أن العين التي قيدت بها غير مملوكة للمحيل فتفقد الحوالة أساسها (المادة 787/ 2، 788/ 2 مرشد الحيران، 694 من المجلة). وقد أورد قانون التجارة ذلك الحكم بالمادة (304) بالنص التالي: (إذا أحال المدين غريمه على الوديع حوالة مقيدة بالعين المودعة عنده فهلكت الوديعة قبل أدائها بلا تعدٍ من الوديع بطلت الحوالة، واستحقاق الوديعة للغير مبطل للحوالة كهلاكها) وهو بذلك ينص على بطلان الحوالة سواء كانت العين المقيدة بها هلكت بلا تعدٍ من الوديع أو كانت قد استحقت للغير، ولعله جاء متأثرًا فيما أورده بالمشهور في الفقه الإسلامي من أن (استحقاق الوديعة مبطل للحوالة كهلاكها)، (الموسوعة الفقهية 4 ص 187 – وابن عابدين على الدر 4/ 293)، وإذ كان هلاك العين المقيدة بها الحوالة مؤداه في المصطلحات القانونية انفساخ الحوالة أو انحلالها خلافًا لحالة استحقاق تلك العين للغير، لذلك فقد آثر المشروع أن يعتمد في صياغته للمادة المقترحة وفي خصوص حالة هلاك العين تعبيرًا أكثر دقة وملاءمة وهو (ترتب على ذلك انفساخ الحوالة).

وجاءت المادة (386) من المشروع مطابقة لما تنص عليه المادة (305) من قانون التجارة الحالي، مع تعديل مناسب في الصياغة، ويرجع ذلك الحكم في أصله إلى المادتين (787، 788) من مرشد الحيران والمادة (695) من المجلة، وموسوعة الفقه الإسلامي على أن العين المغصوبة التي قُيدت بها الحوالة إذا لحقها الهلال لسبب طارئ كما لو ضاعت أو سُرقت فإن الحوالة تبقى كما هي ومطالبة المحال عليه متوجهة كما كانت من قبل التلف لأن الحوالة قيدت بشيء موجود فعلاً، فلا يضير ارتفاعه الطارئ لأن الشيء المضمون إذا هلك وجب مثله على ضامنه والمغصوب مضمون على الغاصب – الزيلعى جزء 4 ص (173) وابن عابدين جزء 4 ص 307) أما إذا استحقت العين المقيدة بها الحوالة وهي في يد الغاصب فإن حكمها لا يختلف عن الحكم في حالة استحقاقها وهي في يد الوديع، إذا يترتب عليه بطلان الحوالة. وفي خصوص مسألة رجوع المحال له على المحيل، اختلفت المذاهب بل وتعددت الآراء في المذهب الواحد، فالراجح عند الحنفية أن للمحال له الرجوع على المحيل إذا تَوِيَ الدين على المحال عليه أي تعذر الوصول إليه عنده بسبب إفلاسه أو موته مفلسًا أو جحده الحوالة دون أن تكون هناك بينة عليه، ويرى جمهور الشافعية رفض التوى أي عدم جواز الرجوع إطلاقًا استنادًا إلى أن شرط الرجوع عند التوى منافٍ لمقتضى العقد فيبطُل والأصح عندهم أنه يُبطل الحوالة أيضًا، أما المالكية فيقولون بجواز الرجوع إذا شرط في العقد وهو مقتضى ما يقرره الإمامية في الشروط عامة من أن كل شرط ليس بمحظور شرعًا ولا يؤدي إلى الجهالة بالمشروط يعتبر شرطًا صحيحًا نافذًا، ورأي المالكية هو السائد لدى فقهاء العصر كما يتفق مع الأصل في التشريعات الحديثة بأن العقد شريعة المتعاقدين، وقد أخذ به قانون التجارة الحالي بالمادة 306/ 1، وحذا المشروع حذوه فنقل حكم تلك الفقرة إلى المادة (387) مع تعديل أكثر ضبطًا ودقة في الصياغة، على أن المشروع لم يورد ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة (306) بقولها (أما مجرد تعذر استيفاء الدين من المحال عليه ولو بأمر المحكمة فلا يوجب بطلان الحوالة وعود الدين على المحيل) إذ أن هذا الحكم ليس إلا ترديدًا زائدًا للحكم الوارد في الفقرة الأولى من المادة (الموسوعة الفقهية نموذج 3 بند 289 وما بعدها – المغني لابن قدامه 2/ 58 والفروع 2/ 484).

كذلك لم يجد المشروع وجهًا لإيراد نص على غرار نص المادة (307) من قانون التجارة الذي يقضي بأن الحوالة المشروطة بعدم براءة المحيل تعتبر كفالة عادية يثبت بها حق المحال له في الرجوع على أي من المحال عليه والمحيل، ذلك أن هذا الحكم تطبيق بين للقواعد العامة في القانون. وجاء المشروع بالمادتين (388، 389) مقابلاً للمادتين (308 و309) من قانون التجارة الحالي المأخوذتين أصلاً من المادتين (359 و360) مدني عراقي ومصدرهما ما سنته المجلة في المادتين (691 و698) من أحكام الفقه الإسلامي في الخصوص الذي وردتا فيه، وتنص المادة (691) من المجلة على أنه (إذا أحال المحيل بصورة مطلقة ولم يكن له دين عند المحال عليه، رجع المحال عليه بعد الأداء على المحيل، وإن كان له دين يتقاص بدينه بعد الأداء) ويقول صاحب درر الحكام (جزء 2 ص 34) تعليقًا على المادة (698) من المجلة أنه (إذا لم يكن للمحيل مطلوب عند المحال عليه وعلى تقدير أن الحوالة أجريت بأمر المحيل فطبقًا للمادة (698) يرجع المحال عليه به على المحيل بعد الأداء، وإذا كان له مطلوب بذمة المحال عليه يتقاصان بعد الأداء).

وعلى هدْي ما تقدم وضع المشروع المادتين اللتين اقترحهما وهما تنصبان على الحوالة المطلقة التي تكون بالاتفاق مع المدين الأصلي أو بإقراره وهو ما حدا بالمشروع إلى تعديل صياغة المادة (388) (المقابلة للمادة 308 تجاري) على وجه يقطع في ذلك المعنى كيلا تختلط بحكم الحوالة التي لا يقرها ذلك المدين والمنصوص عليه بالمادة (379) من المشروع، ويُقصد بما أوردته المادة (388) أنه إذا لم يكن المحال عليه مدينًا للمحيل، فليس له الرجوع على المحيل إلا بعد أن يؤدي الدين المحال به إلى المحال له، ويكون رجوعه بقدر المحال به، ودون نظر إلى ما أداه، وأساس الرجوع أنه يفي دين المحيل بأمره (ابن عابدين رد المحتار جزء 4 ص 307) وأما الحكم الذي أوردته المادة (389) فيقضي أن المحال عليه وإن كان مدينًا للمدين الأصلي بدين أو عين، فإن التزامه بموجب الحوالة بالوفاء إلى المحال له لم يتقيد بهذه العين أو ذاك الدين، فيبقى حق المدين الأصلي المحيل في طلب الدين أو العين إلى حين قيام المحال عليه بالوفاء إلى المحال له، فإن أوفى إليه يُجرى القصاص بين ما أداه وبين ما للمحيل عنده (المرجع السابق).

ويتفق حكم المادة (390) مع ما تنص عليه المادة (310) من قانون التجارة القائم وإنما استبعد المشروع ما أورده القانون الحالي من تفصيلات وشروح، وذلك الحكم الذي نقله المشروع إنما يمليه ما للحوالة المقيدة من ماهية متميزة بتعيين العنصر الذي يستوفي منه المحال له دينه إذ يتحدد في دين معين بذمة المحال عليه أو في عين بذاتها عنده، ومن ثم فلا يكون للمحيل بعد انعقاد حوالة من هذا القبيل أن يطالب المحال عليه بالمال الذي قيد وفاء الحوالة به لدى المحال عليه، اعتبارًا بأن الحق فيه قد انتقل إلى المحال له. ويؤسس الأحناف هذا الحكم على أن الحوالة المقيدة تُسقط حق المدين الأصلي (المحيل) في المطالبة، وتمنع الوفاء إليه لأن حقه صار كالمرهون، والمعتبر في بقية المذاهب أن الحوالة المقيدة تبرئ المحال عليه من دين المحيل لأن حقه صار للمحال عليه (الموسوعة الفقهية نموذج 3 بند 260، وبند 261 – فتح القدير 5/ 451، وابن عابدين على الدر 4/ 294، ونهاية المحتاج 4/ 413 وما بعدها) ولم يجد المشروع وجهًا إلى النقل عما تنص عليه المادة (310) في فقرتها الثانية من أنه (ولو أعسر المحيل قبل أداء المحال عليه الدين، فليس لسائر الغرماء أن يشاركوا المحال له) اعتبارًا بأنها تقرر حكمًا يتفرع عن الأصل المقرر بالفقرة الأولى بانتقال الحق في المطالبة بما قيدت به الحوالة من المدين الأصلي إلى المحال له، وهو ما يتفق أيضًا مع رأي زفر حيث يرى أن للمحال له امتيازًا على المال المقيدة به الحوالة عند المحال عليه، لأن حق الغرماء تعلق مال المحيل، وما للمحيل عند المحال عليه صار أجنبيًا عن هذا المال بدليل أنه لا يستطيع أخذه حال حياته، فيكون كذلك بعد وفاته (البابرتي على هامش فتح القدير جزء 5 ص451 وابن الهمام جزء 5 ص 451).

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .