أبحاث قانونية في حجية المحررات العرفية و الرسمية للإثبات في المادة العقارية

مقال حول: أبحاث قانونية في حجية المحررات العرفية و الرسمية للإثبات في المادة العقارية

حجية المحررات العرفية و الرسمية للإثبات في المادة العقارية

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

بقلم ذ محمد رياض

طالب باحث بكلية الحقوق مراكش
إن أهمية الاثبات بالكتابة تظهر في الحالة التي يقدم فيها الأفراد على ابرام تصرفات قانونية ، بحيث تقتضي مصحتهم أن يعدوا الدليل أولا، تفاديا لما قد يطرأ فيما بعد بشأن نزاعات تتعلق بتلك التصرفات المبرمة سابقا .فأهمية هذه الوسيلة ترجع إلى إمكانية تهيئتها مقدما، فتقلل من احتمالات النزاع وتيسر حسمه خاصة أنها لا تتعرض للتغيير بمرور الزمن ، وتسهل كشف أي تزوير فيها بعكس باقي الوسائل المقررة قانونا.

والملاحظ أن المشرع لم يعرف الكتابة ، بل اكتفى فقط بالنص في الفصل 417 من قانون الالتزامات و العقود على أن:

“الدليل الكتابي ينتج من ورقة رسمية أو عرفية، ويمكن أن ينتج أيضا من المراسلات والبرقيات… ومن كل كتابة أخرى، مع بقاء الحق للمحكمة في تقدير ما تستحقه هذه الوسائل من قيمة حسب الأحوال، وذلك ما لم يشترط القانون أو المتعاقدان صراحة شكلا خاصا.”

ويستخلص من ذلك أن الأوراق التي تعد دليلا كتابيا هي إما أوراق رسمية أو أوراق عرفية.

سنحاول في موضوعنا هذا الوقوف عند حجية كل من المحررات العرفية و الرسمية في الإثبات ( المطلب الأول )، ثم بعد ذلك نتطرق لإشكالية توثيق التصرفات العقارية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: حجية المحرر الرسمي و العرفي في الإثبات

إن الحديث عن المحررات الرسمية و العرفية يكتسب أهمية كبيرة في الحياة اليومية ، فالأمر يتعلق بمدى قدرة هاته الأوراق في عملية الإثبات .

الفقرة الأولى: المحرر الرسمي

ينص الفصل 418 من ق ل ع على أن:

” الورقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد وذلك في الشكل الذي يحدده القانون .

وتكون رسمية أيضا:

-الأوراق المخاطب عليها من القضاة في محاكمهم.

-الأحكام الصادرة من المحاكم المغربية والأجنبية، بمعنى أن هده الأحكام يمكنها حتى قبل صيرورتها واجبة التنفيذ أن تكون حجة على الوقائع التي تثبتها”.

وأضاف الفصل 419 من نفس القانون، في فقرته الأولى أن :

“الورقة الرسمية حجة قاطعة، حتى على الغير في الوقائع والاتفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها في محضره وذلك إلى أن يطعن فيها بالزور”.

من خلال هذين الفصلين يتضح أن الورقة حتى تكون رسمية لا بد أن تستجمع جملة من الشروط وهو ما يكسبها حجية قاطعة في الاثبات ، و هذه الشروط هي :

أولا : أن تكون صادرة من موظف عمومي[1] :

و حتى تكتسي الورقة صفة الرسمية ، لابد أثناء تحريرها أن يثبت فيها الموظف العمومي الوقائع التي وقعت تحت نظره وبمشهد منه خاصة بالتصرف الذي يوثقه، فيثبت حضور الأطراف المتعاقدة وما قام به كل منهم وحضور الشهود أمامه مع ذكرهم بأسمائهم، وتاريخ تحريرالورقة ، وتلاوته الصيغة الكاملة للورقة ومرفقاتها مع بيان الأثر القانوني المترتب عليها ، وقيام الأطراف والشهود بتوقيعها، وغير ذلك من الوقائع والأقوال والبيانات التي تلقاها في شأن التصرف القانوني الذي تشهد به الورقة. هذا ولا يشترط في الورقة أن تكون مكتوبة بخطه بل يكفي أن تكون موقعة بإمضائه.

ثانيا : أن يكون لهذا الموظف صلاحيـة التوثيق :

يجب أن يكون الموظف مختصا بنوع الورقة التي يحررها وألا يوجد مانع قانوني يحول دون مباشرته لعمله، بحيث إذا نزع منه الاختصاص وقت تحرير الورقة وهو عالم بذلك كانت الورقة المحررة باطلة والعكس صحيح. كما يشترط أن يكون الموظف مختصا من حيث مكان تحرير الورقة وذلك مرتبط بالجهة التي يعمل فيها على اعتبار أن قانون الوظيفة العمومية أو القوانين الخاصة تحدد لكل موظف حدود اختصاصه[2].

ثالثا : أن تكون الورقة في الشكل الذي يحدده القانون:

يجب أن تكون الورقة مشتملة على جميع البيانات والأوضاع التي أوجب القانون توافرها فيها. إذ نجد القانون يستلزم أوضاعا يجب مراعاتها في تحرير الأوراق الموثقة أو العقود الرسمية منها أن تكون الورقة مكتوبة بلغة معينة وبخط واضح دون إضافة أو كشط أو أن يذكر فيها اسم الموثق ولقبه ووظيفته إلى غير ذلك من الأوضاع والقواعد.

هكذا فان الورقة لا تكون رسمية إلا إذا استجمعت الشروط المذكورة ، وتخلف أي منها يؤدي إلى بطلان الورقة الرسمية وبالتالي فقدانها لحجيتها في الإثبات، بحيث لا يكون لها إلا قيمة الورقة العرفية[3].

أما بخصوص حجية الورقة الرسمية في الإثبات، فلقد نص المشرع في الفصل 419 من قانون الالتزامات و العقود على أن الورقة الرسمية :

” ..حجة قاطعة،حتى على الغير في الوقائع والاتفاقات التي يشهد الموظف العمومي التي حررها بحصولها في محضره وذلك إلى أن يطعن فيها بالزور.
إلا أنه إذا وقع الطعن في الورقة بسبب إكراه أو احتيال أو تدليس أوصورية أو خطأ مادي، فإنه يمكن إثبات ذلك بواسطة الشهود وحتى بواسطة القرائن القوية المنضبطة المتلائمة دون احتياج إلى القيام بدعوى الزور.
ويمكن أن يقوم بالإثبات بهذه الكيفية كل من الطرفين أو الغير الذي له مصلحة مشروعة”.

كما أن مقتضيات الفصل 420 من نفس القانون كانت واضحة من حيث اعتبار الورقة الرسمية حجة في الاتفاقات والشروط الواقعة بين المتعاقدين وفي الأسباب المذكورة فيها وفي غير ذلك من الوقائع التي لها اتصال مباشر بجوهر العقد، وهي أيضا حجة في الأمور التي يثبت الموظف العمومي وقوعها إذا ذكر كيفية وصوله لمعرفتها. وكل ما عدا ذلك من البيانات لا يكون له أثر.

وتجدر الإشارة إلى أن حجية الورقة الرسمية تثبت لنسختها الأصلية؛ ذلك أن قواعد التوثيق تقضي بحفظ أصول المحررات الموثقة ويسلم الأطراف صورا رسمية منها فقط. فقد نص الفصل 440 من ق ل ع على أن النسخ المأخوذة من أصول الوثائق الرسمية والوثائق العرفية لها نفس قوة الإثبات التي لأصولها إذا شهد بمطابقتها لها الموظفون الرسميون المختصون بذلك في البلاد التي أخذت فيها النسخ. ويسري نفس الحكم على النسخ المأخوذة عن الأصول بالتصوير الفوتوغرافي.

الفقرة الثانية: المحرر العرفي

بمفهوم المخالفة للفصل 418 من قانون الالتزامات و العقود المغربي يمكن القول بأن المحرر العرفي أو الورقة العرفية هي تلك التي يقوم بتحريرها الأفراد فيما بينهم دون تدخل الموظف العمومي. و على خلاف الأوراق الرسمية التي تعتبر كلها معدة للإثبات، فإن الأوراق العرفية على نوعين: أوراق عرفية معدة للإثبات تكون موقعة ممن هي حجة عليهم، و أوراق غير معدة للإثبات ولكن القانون يجعل لها حجية في الإثبات إلى مدى معين.

ولا يشترط في صحة الورقة العرفية المعدة للإثبات إلا توقيع من هي حجة عليه. التوقيع الذي يكون عادة بالإمضاء ، ويجوز أن يكون بالختم أو ببصمة الأصبع. فالتوقيع إذا هو دلالة خطية وتعبير صريح عن الإرادة بالتراضي على مضمون العقد، لذلك فهو يوضع عادة في آخر الورقة حتى يكون منسحبا على جميع البيانات المكتوبة الواردة فيها[4]. أما إذا كان العقد مذيلا بالبصمة فإنها لا تشكل إمضاءا يلزم صاحبه ولا تكتسب قوة إثباتية [5]، وإنما يصح اعتمادها كبدايـة حجـة يتعين تقويتها بالشهادة أو القرائن القوية لتكتسب قوتها الثبوتية. فالورقة العرفية تستمد حجيتها من التوقيع وحده، وبذلك فالورقة العرفية غير الموقعة لا تصلح للإثبات إلا إذا كانت مكتوبة بخط المدين.

و يمكن أن تكون الورقة العرفية مكتوبة بخط المدين أو بخط أي شخص أخر شرط أن تكون موقعة من المدين ، وله أن يكتبها بأية لغة كما يجوز أن تكون الكتابة باليد أو بالطباعة.

و نشير هنا إلى أن الفصول من 433 الى 439 من قانون الالتزامات و العقود قد نصت على بعض أنواع المحررات غير المعدة للإثبات جعلت لكل منها حجية وفقا لشروط خاصة منصوص عليها قانونا، منها الرسائل والبرقيات ودفاتر التجار والدفاتر والأوراق المنزلية والتأشير على سند الدين.

فالمراسلة هي الكتابة المتضمنة قضايا خاصة يتبادلها أشخاص معينون وتودع الى شخص أو الى إدارة البريد لإيصالها إلى شخص معين. و تشمل الكتب العادية والمضمونة وبطاقات البريد والبرقيات. أما دفاتر التجار فهي دفاتر اوجب القانون على كل تاجر أن يمسكها بطريقة تكفل بيان مركزه المالي بدقة وبيان ماله وما عليه من الديون المتعلقة بتجارته.أما الدفاتر والأوراق المنزلية فهي تشمل كل ما يدون من أعمال الشخص البيتية ومعاملاته مع الغير من بيع وشراء وغيرها من الأمور، وقد تدون هده الأمور في شكل دفاتر أو على أوراق منفصلة عن بعضها[6].

أما بخصوص حجية الورقة العرفية، فقد نص الفصل 424 من ق ل ع على أن:

” الورقة العرفية المعترف بها ممن يقع التمسك بها ضده أو المعتبرة قانونا في حكم المعترف بها منه، يكون لها نفس قوة الدليل التي للورقة الرسمية في مواجهة كافة الأشخاص على التعهدات والبيانات التي تتضمنها وذلك في الحدود المقررة في الفصلين 419 و 420 عدا ما يتعلق بالتاريخ كما سيذكر فيما بعد”.

و في نفس هذا السياق ذهبت محكمة النقض إلى أن “الثابت بمقتضى الفصل 424 من قانون الالتزامات والعقود ان الورقة العرفية المعترف بها ممن يقع التمسك بها ضده او المعتبرة قانونا في حكم المعترف بها يكون لها نفس قوة دليل الورقة الرسمية في مواجهة كافة الاشخاص على التعهدات التي تتضمنها وذلك ما لم يطعن فيها بسبب الاكراه أو الاحتيال او التدليس او الصورية او الخطأ المادي”[7].

المطلب الثاني : اشكالية توثيق التصرفات العقارية

لقد عرف التنظيم العقاري بالمغربي تطورات مهمة خصوصا على المستوى التشريعي ، و هذا التطور يأتي في سياق مراجعة شاملة للتشريع العقاري، قصد تبسيط أنظمته وتسهيل مهام المكلفين بمنازعاته، سواء تعلقت بالملكية وروافدها من استحقاق وقسمة واسترداد الحيازة، أم بحقوق الانتفاع كالسكنى والكراء الطويل الأمد والسطحية والرهون وغيرها.

و من جملة القوانين التي سنها المشرع المغربي استجابة لتلك الضرورة الملزمة :
– القانون 14.07 المغير والمتمم بمقتضاه ظهير 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري.

– القانون 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية .
– القانون 32,09 المتعلق بمهنة التوثيق .وقبله قانون 16.03 المتعلق بخطة العدالة.

– القانون 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الانجاز.

– القانون 18.00 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية.

و لقد أعلن المشرع هذه المرة بشكل واضح على موقفه باستناده على ” الكتابة و التوثيق ” كخيار استراتيجي قانوني ذا أبعاد و مضامين اقتصادية و اجتماعية مهمة[8].

الفقرة الأولى : شكلية الكتابة في إطار القانون 18.00 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية

أولا : تعريف الملكية المشتركة

يراد بالملكية المشتركة ، أن يتملك عدة أشخاص بالاشتراك فيما بينهم مبنى مقسم إلى طبقات ، أو شقق ، أو محلات، و المقسمة إلى أجزاء يضم كل جزء منها جزءا مفرزا و حصة في الأجزاء المشتركة[9].

فحق المالك يضم جزءا مفرزا ، وحصة في الأجزاء المشتركة ، فهو حق موحد ، و من هنا يختلف عن حق الملكية العادي .

ثانيا : شكل العقد

لقد حدد المشرع طبيعة العقد و شكله ، وذلك في المادة 12 من القانون المذكور ، والتي تتلخص قواعدها فيما يلي :

أوجب المشرع أن يحرر تحت طائلة البطلان عقد شراء مسكن في اطار الملكية المشتركة في :

· محرر رسمي؛

· بموجب عقد ثابت التاريخ، يتم تحريره من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية منظمة يخول لها قانونها تحرير العقود؛

· ضرورة توقيع العقد و التأشير على جميع صفحاته، من الأطراف، و من الجهة التي قامت بتحريره سواء كان موثقا أو عدلا أو مهنيا .

· تصحيح الامضاءات في العقود العرفية لدى رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التي يمارس المحامي بدائرتها إن تولى تحريرها ، أو لدى السلطات المحلية إن تولى تحريرها مهني مقبول .

إن الملاحظ من هذه القواعد أن المشرع قد ميز بين نوعين من الكتابة بخصوص توثيق المعاملات الواقعة على العقار المشمول بنظام الملكية المشتركة:

– الكتابة الرسمية أو المحررات الرسمية: وهي التي يحررها إما الموثق العصري طبقا لأحكام ظهير 4 ماي1925م المعدل و المتمم بالقانون 32.09 ، أو العدلان طبقـا لأحكـام القانون 03-16 المنظم لخطة العدالة مع وجوب توقيع الأطراف على العقد إلى جانب الموثق العصري العدلي كخروج عن الأصل.
– الكتابة العرفية الثابتة التاريخ: شرط توقيعها ممن هي حجة عليه طبقا لأحكام الفصل 426 من ق ل ع .

و نشير هنا إلى أن المشرع قد حدد بشكل دقيق المهنيين المقبولين لتحرير العقود العرفية الخاصة بهذا النوع من البيوع ، و هم :

· المحامون المقبولون للترافع أمام المجلس الأعلى؛

· باقي المهنيين الآخرين الذين سيتم تحديد شروط قبولهم بمقتضى نص تنظيمي.

الفقرة الثانية: شكلية الكتابة في القانون رقم 44.00 المتعلق ببيع عقار في طور الإنجاز

عرف الفصل الفصل 1-618 من قانون الالتزامات و العقود بيع العقار في طور الإنجازبقوله :

” يعتبر بيعا لعقار في طور الإنجاز كل اتفاق يلتزم البائع بمقتضاه بإنجاز عقار داخل أجل محدد كما يلتزم فيه المشتري بأداء الثمن تبعا لتقدم الأشغال..”

و تعتبر عملية بيع العقار في طور الإنجاز من التصرفات القانونية المركبة التي تستلزم إبرام عقد تمهيدي أولي على أن يتمم في وقت لاحق بالموافقة على العقد النهائي الذي يؤكد هذه العملية .و أتساءل هنا عن طبيعة شكلية هذين العقدين؟ وعن من له صلاحية توثيقهما؟

إن العقد الابتدائي يعد بمثابة أول خطوة إيجابية لتأكيد العلاقة التعاقدية بين البائع والمشتري، ويعتبر من العقود المؤقتة التي تبرم لغاية محددة ينتهي بانتهائها، والملاحظ أن الفقه انقسم بخصوص مسألة تكييف هذا العقد، فقد اعتبره البعض صورة من صور الوعد الملزم للجانبين، وقد أطلق عليه البعض الآخر هذه التسمية تمييزا له عن عقد البيع المقيد في السجل العقاري[10]، في حين هناك من اعتبر العقد الابتدائي مجرد وسيلة قانونية للاحتفاظ بالحق في إبرام العقد النهائي[11] . و حيث أن العقد الابتدائي ليس غاية في حد ذاته، بل وسيلة قانونية مؤقتة ، فإنه قد يتحول إلى عقد نهائي ينقل الملكية للطرف المشتري إذا ما أدى المستحقات المترتبة في ذمته بمقتضى الاتفاق التمهيدي[12].

أولا : أنواع المحررات في التصرفات الخاضعة للقانون رقم 00-44

ينص الفصل 3 – 618 من القانون المذكور على أنه : “يجب أن يحرر عقد البيع الابتدائي للعقار في طور الإنجاز إما في محرر رسمي أو بموجب عقد ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية منظمة ويخول لها قانونها تحرير العقود وذلك تحت طائلة البطلان..”

و الأمر هنا لا يخلو من صورتين :

· المحرر الرسمي، طبقا للفصل 418 ق ل ع

· المحرر الثابت التاريخ، شريطة أن يكون كاتبه مهنيا مأذونا له، وأن يخضع المحرر للإجراءات التي تثبت تاريخه .

ثانيا :صلاحية توثيق العقدين

إن شعور المشرع بأهمية العقود المتعلقة ببيع العقارات في طور الإنجاز، دفعه الى أن يخص مسألة إثبات هذه العقود بقواعد صارمة تهدف إلى إضفاء المزيد من القوة الإثباتية لهذه الاتفاقات، فنجده يستعمل صيغة الوجوب في ضرورة إثبات كل العقود الابتدائية والنهائية لبيع العقار في طور الإنجاز بالكتابة الرسمية أو بموجب عقد ثابت التاريخ محرر من طرف مهني ينتمي لمهنة قانونية منظمة يخولها قانونها الأساسي تحرير هذه العقود تحت طائلة البطلان.

و من جهة أخرى ، فقد نص الفصل 489 من قانون الالتزامات والعقود على أن الكتابة هي للإثبات وليست شكلية في البيوع، وفي هذا الإطار أصدرت استئنافية طنجة قرارا جاء في إحدى حيثياته: ” وحيث أن إثبات البيع الذي ينصب على عقار يطبق بشأنه الفصل 489 قانون الالتزامات والعقود خصوصا وأن المدعى عليه ينكر وقوعه وأن إثبات وقوعه بسلوك الطريق التي اختارها المستأنف لا تستقيم مع المقتضيات القانونية لما فيه من مخالفة لمقتضيات الفصل المشار إليه..”[13].
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أضاف المشرع فقرتين لمضمون الفصل 3-618 خول بمقتضاهما لوزير العدل صلاحية تحديد لائحة سنوية بأسماء المهنيين المقبولين لتحرير هذه العقود مع إمكانية إدراج أسماء المحامين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض ضمن هذه اللائحة، وذلك طبقا للمادة 24 من القانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة .

الفقرة الثالثة: شكلية الكتابة في القانون رقم 51.00 المتعلق بالإيجار المفضي إلى التملك

أولا : تعريف عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار

لما كان عقد الإيجار المفضي إلى التملك وليد حاجات اجتماعية وقانونية الغاية منه حماية

وضمان العلاقة التعاقدية فان تعريف هذا النوع من العقود كان ومازال يثير نقاشا قانونيا

سواء على مستوى الفقه أو على مستوى القضاء أو على مستوى التشريع.

و لقد عرف المشرع المغربي هذا العقد ضمن المادة الثانية من قانون 51.00 كما يلي :

” يعتبر الإيجار المفضي إلى تملك العقار كل عقد بيع يلتزم البائع بمقتضاه تجاه المكتري

المتملك بنقل ملكية العقار أو جزء منه بعد فترة الانتفاع به بعوض مقابل أداء الوجيبة

المنصوص عليها في المادة 8 من هذا القانون وذلك إلى حلول تاريخ حق الخيار “.

و يرى بعض الباحثين أن المشرع من خلال هذا التعريف اعتبر هذا العقد نوعا من عقود البيع و

بالتالي يمكن القول على انه نوع من أنواع البيوع العقارية، لكن السؤال الذي يطرح: لما لم

يدرج بقانون الالتزامات و العقود شأنه في ذلك شان عقد بيع العقارات في طور الانجاز ؟

ثانيا : توثـيـق عـقـد الإيجار الـمـفـضي الى التملك

1. التوثيق الرسمي:

تنص المادة 4من قانون الإيجار المفضي إلى تملك العقار على أنه:

” يجب أن يحرر عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار بموجب محرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ يتم من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية ومنظمة يخولها تحرير العقود، وذلك تحت طائلة البطلان”.
فمن خلال هذه الفقرة يتضح أن عقد الإيجار المشار إليه أعلاه يتعين أن يحرر بمقـتضى محرر رسمي أو ورقة رسمية. و والمحرر الرسـمي كما أشرنا سابقا هو الورقة التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد، وذلك في الشكل الذي يحدده القانون.

و تجدر الإشارة إلى أن العقد المعني، يخضع للتحرير الرسمي بداية ونهاية أي سواء تعلق الأمر بعقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار أو البيع النهائي الخاص بالإيجار المفضي إلى تملك العقار. وقد نصت المادة 16 على هذه المقتضيات حيث لا يتم إبرام عقد البيع النهائي إلا بعد أداء المبلغ المتبقي من ثمن البيع المتفق عليه في عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار .فيبرم هذا العقد وفق الكيفية التي تم بها إبرام عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار، كما هو مبين في المادة 4 من هذا القانون.

ونشير هنا الى أن المشرع خصص المادة 7 من قانون الإيجار المفضي إلى تملك العقار للبيانات التي يجب أن تضمن بهذا العقد.

2. التوثيق العرفي:

يستفاد أيضا من نص المادة 4 من قانون 51.00 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار، أنه يجوز للمتعاقدين توثيق عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار بمقتضى محرر ثابت التاريخ وهو المحرر العرفي، وهذا الجواز مقيد بأمرين، أن يكون الكاتب مهنيا مأذونا له، وأن يخضع المحرر المكتوب للإجراءات التي يثبت بها تاريخه.

و إذا كان المبدأ السائد فيما يمكن تسميته بالمحرر العرفي أن يسمح لأي كان ولو تمثل في أحد المتعاقدين بكتابة المحرر بشرط توقيع هذا المحرر من قبل المتعاقدين، فإن القانون 51.00 اشترط في الكاتب أن يكون مهنيا ممتهنا لمهنة قانونية، وأن تكون هذه المهنة منظمة بقانون يسمح بكتابة المحررات التعاقدية.

الفقرة الرابعة: طبيعة عقد البيع المنصب على العقارات المحفظة

ينص الفصل 489 من قانون العقود والالتزامات على ما يلي:

” إذا كان المبيع عقارا أو حقوقا عقارية أو أشياء أخرى يمكن رهنها رهنا رسميا وجب أن يجري البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ، ولا يكون له أثر في مواجهة الغير إلا إذا سجل في الشكل المحدد بمقتضى القانون”.

و لقد تضارب الاجتهاد القضائي في تفسير و تحديد معنى هذا الفصل ، و هكذا ذهبت بعض الاجتهادات القضائية إلى القول بأن عقد بيع العقار المحفظ هو بيع شكلي في حين ذهب البعض الآخر إلى اعتبار هذا البيع في هذه الحالة رضائيا.

أولا : الاجتهاد القائل بشكلية عقد البيع

هذا الاتجاه اعتمد أساسا على عبارات الفصل 489 من ق ل ع التي تتطلب لصحة البيع وتحت طائلة بطلانه شكليات خاصة تتجلى فيما يلي:

· الكتابة: “أن يجري البيع كتابة”.

· ثبوت التاريخ: ” في محرر ثابت التاريخ”.

· التسجيل: ” إلا إذا سجل في الشكل المحدد بمقتضى القانون”[14].

وبالإضافة إلى ذلك فإن هذا الاتجاه ارتكز فيما ذهبت إليه على بعض مقتضيات القانون العقاري المغربي وبالخصوص على الفصلين 66 و 67 من ظهير 12 عشت 1913 بشأن التحفيظ العقاري، ذلك أن الفصل 66 ينص على أن :

” كل حق عيني متعلق بعقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إلا بتسجيله وابتداء من يوم التسجيل في الرسم العقاري من طرف المحافظ على الأملاك العقارية. ” في حين أن نص الفصل على” أن الأفعال الإرادية والاتفاقات التعاقدية الرامية إلى تأسيس حق عيني أو نقله إلى الغير او الاعتراف به أو تغييره أو إسقاطه لا تنتج أي أثر ولو بين الأطراف إلا من تاريخ التسجيل…”

في هذا السياق هناك حكم صادر عن ابتدائية الدار البيضاء[15] قضت فيه بشكلية عقد البيع و في نفس هذا الاتجاه ذهبت محكمة الاستئناف بالرباط[16] في قرار لها صادر بتاريخ 12/6/4 .

ثانيا : الاجتهاد القائل برضائية عقد البيع

اعتبر هذا الاتجاه أنه لا يمكن تأويل الفصل 489 من ق ل ع بمعزل عن سابقه وهو الفصل 488 من ق ل ع والذي ينص على أنه:

” يكون البيع تاما بمجرد تراضي عاقديه، أحدهما بالبيع والآخر بالشراء، وباتفاقهما على المبيع والثمن وشروط العقد الأخرى”

مبرزا أن هذا المقتضى القانوني هو الأصل الذي أقر رضائية عقد البيع.

هناك بعض الاجتهادات القضائية ، منها مثلا قرار محكمة الاستئناف بالرباط[17] الذي قضى:

“أن البيع في القانون الإسلامي يمكن إثبات وجوده بشهادة الشهود إلا أنه حسب عرف قار في المغرب فإن بيعا عقاريا يتم بالكتابة، وشهادة الشهود لا تكون مقبولة في هذا الميدان إلا إذا كانت هناك ظروف استثنائية تبرر هذا القبول”.

و قد ذهبت في هذا الاتجاه قرار محكمة النقض الفرنسية [18] في قرار لها يقضي بأن :

” يكون البيع العقاري تاما بتراضي الأطراف على المبيع والثمن، وإن معاينة هذا الاتفاق لا تخضع حسب القانون إلى أي شكل مكتوب محدد”[19].

ثالثا : الفصل 489 من قانون الالتزامات و العقود ، و إشكالية المادة 4 من مدونة الحقوق العينية

إن تحرير العقود العقارية لم يكن منظما من قبل تنظيما محكما ينتفي معه كل غموض وكان الفصل 489 من ق ل ع م هو الذي ينظم كيفية تحرير العقود العقارية والجهة المخول لها تحرير هذه العقود.

” إذا كان المبيع عقارا أو حقوقا عقارية أو أشياء أخرى يمكن رهنها رهنا رسميا وجب أن يجري البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ، ولا يكون له أثر في مواجهة الغير إلا إذا سجل في الشكل المحدد بمقتضى القانون” .

لقد كان هذا الفصل مثار جدل بين رجال الفقه والقانون حول العبارة الواردة فيه وهي “وجب ان يجري البيع كتابة” والتي كانت توجب ان يحرر البيع العقاري وجوبا في محرر كتابي وهو ما يعرف بالشكلية في القانون، لكن الاشكال الكبير هو سكوت المشرع عند عبارة ” كتابة ” ولم يحدد ما المقصود بالكتابة في هذا الفصل مما ترك المجال واسعا لكل الجهات والفئات المختصة وغير المختصة المهنية والغير مهنية وكانت النتيجة كثرة الاشكالات والمشاكل التي تثيرها العقود المحررة من طرف غير المهنيين او ما يسمى بالعقود العرفية لا على حقوق الناس ولا على مستوى الاقتصاد الوطني ككل ،وبالتالي ارتفع صوت المتدخلين في هذا القطاع من موثقين وعدول موثقين وبعض الفئات الاخرى ذات الصلة من قبيل الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية ومصلحة التسجيل والتنبر ومصلحة الضرائب والاساتذة الباحثين المهتمين بالتوثيق والعقار ونادوا بإلغاء الفصل 489 من ق ل ع تحقيقا للعدالة وحفظا لحقوق المتعاقدين وتكريسا لمبدأ الامن القانوني، وبالفعل بدأ المشرع ينهج سياسة التغير في تحرير العقود بدأ من العشرية الاخيرة من القرن الماضي إذ صدرت عدة قوانين توجب أن تنصب بعض المعاملات العقارية في قالب رسمي من هذه القوانين القانون 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الانجاز حيث نص في الفصل 3-618 على وجوب ان يحرر هذا العقد في محرر رسمي والقانون 18.00 و 51.00 كل هذه القوانين ضيق فيها المشرع من سلطة محرري العقود في مؤسسة التوثيق الرسمي او للمحامي المقبول للترافع امام محكمة النقض.

إلى أن حسم المشرع في هذا الجدل بصدور القانون 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية وأقر نظرية رسمية العقود.
جاء في الفصل 4 من القانون 39.04 :
” يجب ان تحرر – تحت طائلة البطلان – جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية او بإنشاء الحقوق العينية الاخرى او نقلها او تعديلها او اسقاطها بموجب محرر رسمي او بمحرر ثابت التاريخ … “

وعليه لم يعد من الآن اشكال حول النقاش القائم فأصبح التوثيق الرسمي هو الوحيد المؤهل لتحرير العقود العقارية أو انشاء الحقوق العينية العقارية أو نقلها أو تعديلها وهو اتجاه لا شك ان له مجموعة من الايجابيات منها طبعا اقتصار تحرير هذه العقود على مجموعة وفئة معينة مؤهلة ومكونة تكوينا فقهيا وقانونيا ولها دراية وعلم بتقنيات تحرير العقود ومن جهة اخرى هذه الخطوة ستساهم تعزيز الاقتصاد الوطني والمساهمة في خزينة الدولة[20] .

[1] ينص الفصل 224 من مجموعة القانون الجنائي على أنه : “يعد موظفا عموميا ، في تطبيق أحكام التشريع الجنائي ، كل شخص كيفما كانت صفته، يعهد إليه، في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة و لو مؤقتة بأجر أو بدون أجر و يساهم بذلك في خدمة الدولة ، أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية ، أو مصلحة ذات نفع عام..”

[2]المعطي الجبوجي : القواعد الموضوعية و الشكلية للإثبات ، ص 57

[3]ادريس العلوي العبدلاوي : وسائل الاثبات في التشريع المدني المغربي ص 70 – 71 .

[4]عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، المجلد 2، الاثبات، ص 114 وما يليها .

[5] المعطي الجبوجي ،القواعد الموضوعية و الشكلية للإثبات ص 61 .

[6]ادريس العلوي العبدلاوي : وسائل الاثبات في التشريع المدني المغربي ، ص90 – 95

[7]. قرار عدد 345 صادر بتاريخ 02/07/2013 . منشور بالعدد الاخير من مجلة القضاء والقانون (164 لسنة 2014).

[8] محمد الخضراوي : اشكاليات توثيق التصرفات العقارية و متطلبات التنمية : قراءة في القانون 44.00 .مقال منشور بموقع وزارة العدل .

[9] المادة الأولى من القانون 18.00

[10]الطاهر القضاوي، الوعد بالبيع، دراسة مركزة في العقار، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- الرباط، صفحة 152.

[11]عمر اليوسفي العلوي، بيع العقار في طور الإنجاز، رسالة لنيل دبلوم الماستر المتخصص في المهن القانونية والقضائية بجامعة محمد الخامس السويسي، السنة الجامعية 2008-2009، صفحة 18 .

[12]فقد ورد في الفصل 16-618 من قانون الالتزامات والعقود ما يلي: ” يبرم العقد النهائي طبقا لمقتضيات الفصل 3-618 المشار إليه أعلاه، وذلك بعد أداء المبلغ الإجمالي للعقار، أو الجزء المفرز من العقار محل عقد البيع الابتدائي”.

[13]قرار صادر عن استئنافية طنجة بتاريخ 20/06/1989 عدد 126/88/5

الأستاذ نور الدين الجزولي ، مقال بعنوان :عقد بيع العقار المحفظ بين الشكلية و الرضائية . [14]

[15]الصادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بتاريخ 26/1/1935

[16]وتجدر الإشارة إلى أن الحكم والقرار أعلاه غير منشورين ولكن أشار إليهما الأستاذ جون جاك بيرتران بمناسبة تعليق له على قرار بمجلة المحاكم المغربية لسنة 1951 ص301 و302 .

[17]قرار 12/5/1925 منشور بمجموعة قرارات هذه المحكمة 1925 ص227.

[18]الغرفة المدنية بتاريخ 2/5/1949 منشور بجريدة المحاكم المغربية 25/10/1949 ص155.

[19]تجدر الاشارة هنا الى أن هذه القرارت و الأحكام أعلاه بمناسبة موضوع ” شكلية البيع في العقار المحفظ” قد أوردها الأستاذ نور الدين الجزولي في مقال له منشور في عدد من المواقع منها موقع www.startimes.com .

[20] ذ محمد حداوي ، موثق عدلي : تكريس مبدأ الأمن القانون من خلال القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية- قراءة في بعض مقتضياتها .

بقلم ذ محمد رياض
طالب باحث بكلية الحقوق مراكش

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.