نصت المادة (284) قانون عقوبات عراقي على أن (يعاقب بالحبس كل من قبض بحسن نية عملة نقدية أو ورقة نقدية مقلدة أو مزورة أو مزيفة ثم تعامل بها بعد أن تبينت له حقيقتها.

المقصد الاول : أركان الجريمة

تتكون أركان جريمة قبول عملة مزيفة بحسن نية ثم التعامل بها من ثلاثة أركان:

الركن الأول : الركن المادي .

الركن الثاني محل الجريمة .

الركن الثالث الركن المعنوي

الركن الأول : الركن المادي

تقوم الجريمة على شكل معين من أشكال الترويج وقد عبر المشرع عن ذلك بالتعامل بالعملة بعد علمه بعيبها . ولذلك فليست جميع صور الترويج تصلح أساساً للركن المادي في هذه الجريمة وإنما الصورة التي تأخذ شكل التعامل فقط ، وهو ما يكون بالاتفاق بوضعها تحت تصرف الغير ويستوي أن يكون التعامل مشروعاً أو غير مشروع . ويعتبر من قبيل التعامل الوضع في الحساب الجاري في بنك من البنوك أو تسليم العملة لبنك أو لمكتب بريد لتحويل المبلغ إلى الخارج أو إلى شخص في الداخل . وفي تلك الفروض يكون التعامل قد تم بقبول العملة المزيفة على إنها صحيحة حتى ولو اكتشف عيبها بعد ذلك وقبل إجراء التحويل(1). ولذلك نجد أن بعض التشريعات قد عاقبت كل من وقع في يده عملة على أنها صحيحة ولم يسلمها إلى السلطات الرسمية خلال مدة معينة من وقت تحققه من حقيقتها تعتبر جريمة امتناع ، إذ يوجب عليه القانون أن يبلغ عن مصدرها ، أن كان عالماً به كما هو الأمر في قانون أرغواي (المواد 360 و 369) وفنزويلا (المادة 491 عقوبات). ومثال ذلك أيضاً القانون الإيطالي ينص على عقاب من قبل عملة مزيفة باعتبار أنها صحيحة وكانت قيمتها في مجموعها لا تقل عن (20 ليرة) ولم يسلمها للسلطات خلال ثلاثة أيام أو كان يعلم بتزييفها ولم يشر إلى مصدرها وكان يعلم به (المادة 694)(2). لذلك نجد أن تجريم هذا السلوك جاء نتيجة عدم إقدام الجاني بما يمليه الواجب القانوني، بشأن تسليم العملة المزيفة إلى السلطات ، فاحتفاظه بالعملة على الرغم من عدم دفعها في التداول ، يدل على انه ينوي التعامل بها في الوقت المناسب .

الركن الثاني : محل الجريمة

إن محل هذه الجريمة هي العملة المعدنية أو الورقية المقلدة أو المزيفة أو المزورة والتي تماثل العملات المعدنية والورقية المتداولة في العراق ، الوطنية منها والأجنبية على وفق (المادة 284) من قانون العقوبات ، مع ملاحظة أن العملات في هذه الجريمة يجب أن تكون متداولة في العراق ولم تخرج بعد من نطاق التداول القانوني .

الركن الثالث : الركن المعنوي

يقوم الركن المعنوي على القصد الجنائي بعنصريه العلم والإرادة فيتعين أن يكون الجاني عالماً بان العملة التي يتعامل بها معيبة أو غير صحيحة ، إما لكونها مقلدة أو مزيفة أو مزورة . كما يجب أن تتجه إرادته إلى التعامل بها ينقلها إلى الغير على أنها صحيحة . أما الشك في صحة العملة مهما كان قدره ودفعها إلى التعامل رغم ذلك فلا يكفي لتوافر القصد الجنائي الذي تقوم عناصره على اليقين . ولا مجال هنا لتطبيق نظرية القصد الاحتمالي الذي ينصرف إلى النتيجة المتوقعة ، أما الشك هنا فينصرف إلى الموضوع المادي للسلوك ومن ثم ينفي عنصر العلم ، فالقصد الاحتمالي والقصد المباشر يتفقان في عنصر العلم ، ويختلفان فقط في درجة الإرادة بالنسبة إلى النتيجة(3). والقصد الجنائي يلزم توافره منذ بدء السلوك المتمثل في التعامل ، أما وقت تلقي الجاني للعملة المقلدة أو المزيفة فالمفروض انه كان حسن النية أن يكون قد تلقاها على أنها صحيحة ثم اكتشف عيبها قبل التعامل بها

أما إذا كان الجاني بعد أن علم بتزييف العملة التي قبلها بحسن نية ، وعمد إلى بيعها لأغراض ثقافية أو علمية أو صناعية أو تجارية ، وليس التعامل بها ، ففي هذه الحالة يتم تطبيق المادة 285 عقوبات عراقي والخاصة بترويج العملة المشابهة للعملة الحقيقية .

المقصد الثاني : موقف التشريعات من هذه الجريمة

هذا الفعل يعتبر من صور دفع العملة المزيفة في التداول ، وتجب في هذه الحالة التفرقة بين ثلاث حالات لترويج العملة المزيفة .

الحالة الأولى : حالة من يأخذ عملة مزيفة ، بحسن نية ، ولم يكشف تزييفها ويدفعها في التداول بسوء نية.

الحالة الثانية : حالة من يأخذ عملة مزيفة ، ثم يكتشف تزييفها فيتخلص منها بدفعها في التداول بسوء نية.

الحالة الثالثة : حالة من يأخذ عملة مزيفة بسوء نية أي وهو يعلم بأنها مزيفة ثم يدفعها في التداول بسوء نية(4).

وهذه الحالة الأخيرة اخطر صور دفع العملة في التداول وهي التي سبق بيانها عند الكلام عن الترويج ، فالحالة الأولى ، فالدفع في التداول لا يكون جريمة لانتفاء القصد الجنائي ، ومع ذلك فإننا نجد المشرع الفرنسي قد نص على هذه الحالة في الفقرة الأولى من المادة (135) بقوله (ان الاشتراك المنصوص عليه في المواد السابقة (الخاصة بالترويج) لا ينطبق على من قبل عملة مزيفة باعتبار أنها صحيحة ثم دفعها إلى التداول(5) . كما نصت المادة (163) عقوبات فرنسي بعدم العقاب على هذا الفعل بقولها (يوقف تطبيق العقوبات المنصوص عليها ضد من استعمل عملة معدنية أو أوراق البنكنوت مزيفة في الحالات التي لا يعلم فيها الشخص ان الشيء الذي استعمله مزيف) .

أما الحالة الثانية فتفرض أن الجاني يتلقى في التعامل عملة مزيفة ثم يعلم بعد ذلك بعيبها فيسعى إلى التخلص منها باستعمالها لذلك يعتبر مسؤولاً عن تعامله بها بعد أن وقف على زيفها أي عرف بأنها مزيفة ، على خلاف الحال في جرائم الترويج الأخرى حيث يعلم الجاني بتزييف العملة من وقت تسلمها ، ولهذا فان من ينخدع بعملة ويقبلها على أنها صحيحة ثم يتبين أنها مزيفة ومن ثم يتعامل بها فانه بلا شك اقل خطورة من مرتكب أفعال الترويج الأخرى ، لأنه يهدف إلى التخلص من ضرر إصابة ، فهو يريد أبعاد ضرر عليه دون ذنب جناه ، فبدلاً من أن يوقف تداول العملة التي وقعت بين يديه كما هو الواجب فانه يعمل على دفعها في التداول ويتسبب في إلحاق الضرر بغيره أيضاً . إذ يكون مدفوعاً بذلك الشعور الطبيعي الذي يسوق الإنسان ليدفع عن نفسه ضرراً حل به فالتعامل بهذه الصورة لا يريد إيقاع غيره في اكثر من تلك الخديعة التي كان هو ضحيتها من قبل ويعوض لنفسه خسارته ولذلك أطلق بعض الفقهاء على هذا النوع من السلوك بالتخلص من العملة المزيفة(6). ولذلك نجد أن غالبية التشريعات ومنها المشرع العراقي قد نص على تجريم هذا الفعل في مادة منفصلة ، وكذلك نصت على توقيع عقوبة اقل على مرتكبي هذه الجريمة، فقد نصت المادة (284) عقوبات عراقي (يعاقب بالحبس كل من قبض بحسن نية عملة معدنية أو ورقية نقدية مقلدة أو مزيفة أو مزورة ثم تعامل بها بعد أن تبينت له حقيقتها) .

كذلك نص القانون اليمني في المادة (204) عقوبات (أو حازها بقصد التعامل بها أما من قبل بحسن نية عملة مصطنعة أو مزيفة ثم تعامل بها بعد علمه بحقيقتها فيعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة اشهر أو بالغرامة ). كذلك نصت المادة (242) من قانون العقوبات السويسري في الفقرة الثانية على استثناء من هذه الحالة هي حالة من يأخذ العملة باعتبار أنها صحيحة . وبعد أن يكتشف تزييفها يضعها في التداول ، وعاقب عليها بالحبس أو الغرامة ، كذلك الحال في قانون العقوبات اليوناني في المادة 210 ، إذ نصت على الترويج في مادة واحدة مكونة من فقرتين الأولى تشمل فعل الترويج الأصلي والثانية تشمل حالة من يدفع العملة في التداول بعد إن قبلها بحسن نية وعرف تزييفها (7). أما المشرع الفرنسي فعندما نص على تجريم هذا الفعل في المادة (135) عقوبات فرنسي أحال في ذلك على نصوص الترويج (م132 ، 133، 134 فرنسي) حيث نصت المادة (135) الفقرة (2) على استثناء هذه الجريمة من الترويج وان هذا الاستثناء يكون عذراً قانونياً ، ولقد أثير في الفقه الفرنسي نقاش حول طبيعة هذه الجريمة وسبب الخلاف يكمن في المادة (135) عقوبات فرنسي وردت عقب المواد الخاصة بجنايات استعمال العملة المزيفة وان المشرع فرض لها عقوبة الغرامة نظراً إلى ظروف ارتكابها وكان محل الشبهة عندهم ان الفعل في هذه الجريمة لا يفترق عن الفعل المادي في الجنايات التي تناولها المشرع بالنص في المواد التي سبقتها فقالوا عما إذا كان نوع العقوبة قد تأثرت به طبيعة الجريمة فأصبحت جنحة أم أنها ما زالت جناية على الرغم من العقوبة المخففة لها ، إذ يرى فريق من الفقه(8) .أن الفعل المنسوب إلى المتهم يعد ترويجاً والقصد الجنائي فيه يتمثل بالعلم والتزييف ونية الغش متوافرة ولكن المشرع أدرك أن سلوك الجاني في هذه الحالة أخف كثيراً من سلوك المروج في الأحوال الأخرى ولذلك اقترنت هذه الجناية بعذر قانوني هبط بالعقوبة إلى الحد الذي قدره المشرع.

كما اعتبر فريق آخر من الفقه السويسري هذا الفعل عملاً لا أخلاقياً اكثر مما هو إجرامي وذلك بسبب تجرد الجاني من القيم والاعتبارات الإنسانية أو عدم التضحية من اجل الغير(9). ويرى جارسون ، أن القضاء والفقه متفقان على أن إحدى النقود المزيفة على أنها صحيحة والتصرف فيها بعد العلم بتزييفهما يجعل الجريمة مقترنة بعذر قانوني وهو حسن نية الجاني عند اخذ النقود المزيفة ، ولكنه عذر استثنائي متى ثبت تتغير به طبيعة الفعل فتصبح جنحة ، ويرتب جارسون على رأيه بعض النتائج التي استخلصها من أحكام محكمة النقض. وهذه النتائج أن اعتبار حسن النية عند تلقي هذه النقود عذراً قانوني ، يجعل عبء إثباته على الجاني ، وان محكمة الجنح هي المختصة دائماً بالنظر في توافر شروط الترويج المنصوص عليها في المادة (133) عقوبات فرنسي، وإذا اعترض على ذلك بأنه يحتمل في بعض الصور أن الجاني لم يكن حسن النية عند تناول النقود المزيفة من أول الأمر ، فهذا نادر لا يعتد به ، لأن الغالب في هذه الجريمة أن يكون الجاني لا علاقة له بالمزيف ، ويقتصر إجرامه في جملته على جنحة بسيطة وان القانون يأبى إحالة هذه الجريمة إلى محكمة الجنايات بوصف إنها تزييف ثم يؤدي نظر الدعوى في النهاية إلى الحكم بغرامة بسيطة(10). ويرى (جارو) أن استعمال النقود المزيفة التي تلقاها الجاني بحسن نية بادئ الأمر هو جنحة من نوع خاص ، وذات طبيعة مستقلة عن الجرائم الأخرى التي اعتبرها الشارع جنايات ، ويجب لذلك أن تطبق عليها سائر القواعد التي تطبق في شأن الجنح ، فتسقط الدعوى العمومية فيها بانقضاء ثلاث سنوات وكذلك من حيث قواعد الاختصاص والشروع ، وهو يستبعد أن يكون الفعل جناية اقترنت بعذر قانوني. أما الرأي السائد في الفقه الفرنسي(11) . فيعدّ هذه الجريمة جناية ترويج ولكنها مصطحبة بعذر مخفف للعقوبة . ويبدو أن الرأي الذي ذهب إليه جارو يتفق مع ما جرى عليه العمل في القضاء والذي أشار إليه في نوع العقوبة التي فرضها لهذه الجريمة وفي تقديرها نسبة قيمة النقد المستعمل ، وعلى هذا الرأي جرى العمل به في فرنسا ومصر .

وقد ثار خلاف في مصر أيضاً حول طبيعة الجريمة الواردة في المادة (204) عقوبات مصري ومنشأ هذا الخلاف أن الغرامة التي يحكم بها قد لا تبلغ أحياناً الحد المقرر كعقوبة الجنحة ، وكان ذلك الخلاف قد حسم بتعديل من خلال إصدار القانون المرقم (29) لسنة 1982 الذي رفع عقوبة الغرامة في هذه الجريمة إلى مائتي جنيه بدلاً من عشرين جنيهاً لتصبح جنحة في كل الأحوال(12). وفي التشريع العراقي كانت هذه المشكلة قائمة أيضاً بمقتضى المادة (163) عقوبات بغدادي ، حيث تعتبر الجريمة موضوع البحث مخالفة إذا كانت الغرامة المفروضة لا تزيد على خمس ليرات ، وجنحة إذا كانت تزيد على هذا المقدار وفقاً للمادتين (6 و 9) من القانون المذكور(13). إلاّ أنه في ظل القانون الحالي فان هذه المسالة محسومة ، إذ تعدّ نموذجاً قانونياً مستقلاً عن نموذج الترويج فهي جنحة حيث فرض لها المشرع عقوبة الجنحة من أول الأمر وفقاً للمادة (23) عقوبات عراقي التي تحدد نوع الجريمة بنوع العقوبة الأشد . ولكننا نرى بأن الجريمة موضوع البحث هي جناية رافقها عذر قانوني مخفف استوجب النزول بها من عقوبة الجناية إلى عقوبة الجنحة بدليل أن تخلف هذا العذر يعيد إلى الجريمة حالتها الأصلية فلو ثبت علم الجاني بالعملة ابتداءً لأنطبق النص الخاص بجناية الترويج . ومن جانب آخر فإن استبدال العقوبة الأصلية بعقوبة أخف لا يغير من نوع الجريمة طبقاً للمادة (24) عقوبات.

_______________________

[1]- د. مأمون سلامة ، المصدر السابق ، ص354.

2- د. عادل حافظ غانم ، المصدر السابق ، ص320.

3- د. مأمون سلامة ، المصدر السابق ، ص325.

4- د. عادل حافظ غانم ، المصدر السابق ، ص314.

5- يعتبر الفقه والقضاء الفرنسي ما جاء بنص المادة (135) عذراًَ قانونياً عاماً ، ويستفيد منه الشخص الذي استلم عملة مقلدة أو مغبرة أو مموهة على أنها صحيحة ما دام لم يعلم ولا لحظة واحدة بتزييف القطع المروجة – الحكم الصادر في 23 أبريل سنة 1956 جوزي كلاسير نقلاً عن د . عادل حافظ غانم المصدر السابق هامش رقم 1 ص315 .

6- د. محمد محي الدين عوض ، التزييف في القانون السوداني ، بحث منشور في موسوعة القضاء والفقه للدول العربية ، ج17 ، المصدر السابق ، ص959 ،

7- د. عادل حافظ غانم – المرجع السابق ص315

-8 Louis Lambert، Op. Cit.، p. 854.

-9 Logoz، Op. Cit ،. 506.

0[1]- د. محمود إبراهيم إسماعيل ، المصدر السابق ، ص494.

1[1]- د. عادل حافظ غانم ، المصدر السابق ، ص 316 .

2[1]- انظر د. رؤوف عبيد ، جرائم التزييف والتزوير ، ط 4 ، المصدر السابق ، ص33.

3[1]- انظر الأستاذ جبرائيل البناء ، المصدر السابق ، ص14 ، والأستاذ رشيد عالي الكيلاني ، المصدر السابق ، ص256.

المؤلف : نجيب محمد سعيد الصلوي
الكتاب أو المصدر : الحماية الجزائية للعملة

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .