الولاية في دولة الإمارات

إعادة نشر بواسطة محاماة نت 

تعرّف “الولاية” بأنها “تنفيذ القول على الغير شاء أم أبى”، ولم يكن مفهوم “الولاية” متداولاً في المجتمع الإماراتي إلى ما قبل ظهور أصوات خليجية في “تويتر” تطالب بإسقاط ولاية الرجل عن المرأة، فلفتت تلك الأصوات أنظار بعض المهتمين بقضايا المرأة في الإمارات، حتى ظهرت مؤخراً مطالبات بإسقاط ولاية الرجل عن المرأة في الإمارات!

وأثارت هذه المطالبات في “تويتر”، وعلى محدوديتها، حفيظة الكثيرين، وحدث نوع من القيل والقال بين قلة قليلة أيدت تلك الدعوات، وأكثرية من الإماراتيين أبدت تعجبها من تلك المطالب.. وأعتقد أن هناك سوء فهم بين الطرفين، ومن المهم مناقشة القضية بهدوء بعيداً عن الشد والجذب الذي يحدث في “تويتر”، حيث لا يُتاح للمرء هناك بسط فكرته، وتنتهي الحوارات فيه غالباً بالمزيد من الشد والجذب.

هناك في رأيي ثلاثة أسباب لسوء الفهم في هذه القضية، الأول أن مفهوم “الولاية” غير مطروح كما ذكرت في بداية المقال في الفضاء الإماراتي، وحين يطالب بعض الأفراد بإسقاط “الولاية” (وهي غير موجودة كمفهوم) فمن البديهي أن تثير هذه المطالب تعجب الآخرين، إذ كيف يمكن المطالبة بإسقاط شيء لا وجود له أساساً؟!
وفي المقابل، من طالبوا بإسقاط “الولاية”، لم يفطنوا إلى أنهم فعلاً يدعون إلى إسقاط شيء لا وجود له كمفهوم، وإن كانت “الولاية” موجودة فعلياً كتطبيق، ذلك أن “الولاية” مفهوم وتطبيق، مثل مفهوم “التأمين”، فالتأمين مفهوم، ويجد هذا المفهوم تطبيقاته على الأرض على شكل قوانين تختص بالتأمين، وعقود تأمين، وشركات تأمين.

كان يمكن تفادي ذلك اللغط باقتصار المطالبة بتعديل بعض القوانين، التي هي في الواقع تطبيقات لمفهوم “الولاية”، لكن لم يحدث أن طرحت تلك القوانين على طاولة النقاش باعتبارها من تطبيقات “الولاية”، رغم أنها كذلك في الواقع، بمعنى أن مرجع المادة القانونية هو مفهوم “الولاية”، كما في اشتراط قانون الأحوال الشخصية الإماراتي موافقة ولي المرأة على زواجها، فهذا الشرط مصدره مفهوم “الولاية”.

والسبب الثاني في سوء الفهم هو أن “الولاية” المعمول بها في بعض المجتمعات الخليجية، ليست هي “الولاية” المعمول بها في الإمارات، ذلك أن “الولاية” غير منضبطة في مسائل معينة، ففيها جانب شرعي، وفيها جانب اجتماعي، وفيها جانب إداري، ومن ثم فهي تختلف من مجتمع إلى آخر، وقد تختلف في المجتمع الواحد بين زمن وآخر.

وإذا شئنا ضرب الأمثلة على كل ذلك، سنجد أن إعطاء الولي حق طلب فسخ الزواج لعدم التكافؤ يدخل في مفهوم “الولاية”، وهنا المصدر شرعي، لكن ليست المذاهب الفقهية كلها متفقة على حق الولي في طلب الفسخ، ومن ثم قوانين الزواج في هذه الدول أو تلك تختلف بحسب المذهب الفقهي الذي استمدت منه قانونها.

وإذا جئنا إلى اشتراط موافقة ولي المرأة على حصولها على رخصة القيادة، سنجد أن هذا الاشتراط مصدره مفهوم “الولاية” عند من يشترطون هذا الشرط، لكنه شرط غير مستمد من الشرع، بل هو اجتهاد إداري من الجهة التي تصدر تراخيص القيادة، إذ ليس في الشرع أي شيء عن رخصة قيادة السيارات.
وهكذا يتوسع مفهوم “الولاية” وتزيد تطبيقاته، أو يضيق المفهوم وتقل تطبيقاته بين مجتمع وآخر، وحين يعتقد أفراد في هذا المجتمع أن “الولاية” المعمول بها في قوانينهم هي نفسها “الولاية” المعمول بها في قوانين غيرهم، أو حين يعتقد أفراد في هذا المجتمع أن من يطالبون بإسقاط “الولاية” في مجتمعهم إنما يتحدثون عن “ولاية” في مجتمع آخر، فإن الجميع يقع ضحية سوء الفهم.

والسبب الثالث في سوء الفهم في رأيي أن “الولاية” المعمول بها على نطاق محدود في الإمارات، لم تمنع المرأة الإماراتية من الحصول على حقوقها السياسية والاجتماعية، وهذا ما يراه أولئك الغاضبين من دعوات إسقاط “الولاية”، وفي المقابل، يرى المطالبون بأن “الولاية” يمكن استغلالها من بعض الأهالي، وتكون سبباً في التضييق على بناتهم.

وعند هذه النقطة يرد الفريق الأول بأن المشكلة إذن في بعض الأهالي وليس في القوانين ذات الصلة بالولاية، ومن ثم تكون دعوات المطالبة بإسقاط “الولاية” غير ذات معنى، ويرد الفريق الثاني بأن القوانين يفترض أن تحمي الفتيات من تعسّف ذلك النوع من الأهالي، وعدم إتاحة الفرصة لهم باستغلال “الولاية”، ولا سبيل لمنعهم من استغلال “الولاية” إلا بإسقاطها عنهم.