تحريك الدعوى العمومية وممارستها في الجرائم الجمركية

يرتكز مبدأ الشرعية على أنه متى كانت النيابة العامة هيئة فنية مهمتها مباشرة سلطة الاتهام ومتى كانت لا تختص في الفصل في الدعاوي الجنائية فإن دورها يقتصر على تحريك الدعوى العمومية ومتابعتها أمام القضاء، كما أن مبدأ الملاءمة يخول النيابة العامة سلطة تقديرية في استعمال حقها إيجابا أو سلبا في تحريك الدعوى العمومية، بالرغم من اجتماع العناصر القانونية للواقعة الإجرامية ونسبتها إلى متهم معين.

لقد نصت مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة في الفصل 248 على أنه يمكن متابعة الأفعال المخالفة للقوانين والأنظمة الجمركية المنصوص عليها في المدونة بجميع الطرق القانونية مع مراعاة أحكام هذا الباب، وهي مقتضيات عامة في هذا الفصل وهكذا في حالة ارتكاب الجنح الجمركية من الطبقة الأولى المنصوص عليها في الفصل 279 ومنها:
أولا: استيراد أو تصدير المخدرات والمواد المخدرة ومحاولة استيـرادها أو تصديرها بدون رخصة أو تصريح، وكذا استيرادها أو تصديرها بحكم تصريح أو غير مطابق.
ثانيا: الحيازة غير المبررة بمفهوم الفصل 181 أعلاه للمخدرات والمواد المخدرة داخل دائرة الجمارك.
ثالثا: كل خرق للأحكام المتعلقة بحركة وحيازة المخدرات والمواد المخدرة داخل دائرة الجمارك.
رابعا: وجود مخدرات أو المواد المخدرة في مستودع أو مخازن وساحات الاستخلاص الجمركي.
ففي هذه الحالة يتولى تحريك الدعوى العمومية النيابة العامة أو الوزير المكلف بالمالية أو مدير الإدارة أو أحد ممثليه المؤهلين لذلك، وهذا ما نص عليه الفصل 249 من مدونة الجمارك. وأضاف المشرع كذلك إلى جانب هذا الفصل أي تحريك الدعوى العمومية من طرف الجهات التي تم ذكرها الفصل 281 الذي ينص على الجنح الجمركية من الدرجة الثانية وهما:
أولا: التهريب المعرف به في الفصل 282 بعده.
ثانيا: كل زيادة غير مبررة في الطرود وبصفة عامة كل زيادة في العدد تثبت عند القيام بإحصاء في المستودع أو في المستودع الصناعي الحر.
ثالثا: وجود بضائع في المستودع لا تستفيد من نظام المستودع لسبب غير سبب عدم صلاحيتها للحفظ.
رابعا: خرق مقتضيات الجزء الثامن من هذه المدونة والمتعلق بالضرائب غير المباشرة.
خامسا : خرق مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 46 أعلاه.
سادسا: خرق مقتضيات الفصل 56 أعلاه.
سابعا: كل عمل أو مناورة تنجز بطرق معلوماتية أو إلكترونية ترمي إلى إتلاف واحد أو أكثر من المعلومات المختزنة في النظم المعلوماتية للإدارة عندما يكون الغرض من هذا الإتلاف هو التملص من رسم أو مكس أو الحصول بصفة غير قانونية على امتياز معين.
ثامنا: استيراد أو تصدير البضائع المحظورة المشار إليها في البند (أ) مـن (1) من الفصل 23 أعلاه، المنجز عن طريق مكتب الجمرك إما بدون تصريح مفصل أو بحكم تصريح غير صحيح أو غير مطابق المقدمة.
تاسعا: وجود بضائع في مخازن وساحات الاستخلاص الجمركي الواقعة خارج الحظائر الجمركية للموانئ والمطارات والتي تقصى من هذه المخازن والساحات الجمركية طبقا لأحكام الفقرة (3) من الفصل 63.
ويتم تحريك الدعوى العمومية إما من طرف النيابة العامة أو الوزير المكلف بالمالية أو مدير الإدارة أو أحد ممثليه في هذه الحالات الفصل 281 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة التي ذكرناها ويعتبر هؤلاء طرفا في المسطرة ويمكن أن يتدخلوا كمستأنفين وجاءت الفقرة الثانية من الفصل 249 من مدونة الجمارك لينص على أنه لا يمكن في حالة ارتكاب المخالفات الجمركية المنصوص عليها والمحددة في الفصول 285 و294 و297 و299 بعده، تحريك الدعوى العمومية إلا بمبادرة من الوزير المكلف بالمالية أو مدير الإدارة أو أحد ممثليه المؤهلين لذلك.

وهما الجرائم المتعلقة باستيراد وتصدير البضائع المحظورة وعدم القيام داخل الآجال القانونية المحددة بإيداع التصريح التكميلي وعدم تقديم البضائع الموضوعة بمخازن وساحات الاستخلاص الجمركي وكذلك وضعها تحت نظام العبور والوثائق الجمركية…

ففي هذه الجنح اشترطت مدونة الجمارك لتحريك الدعوى العمومية ضد مرتكبي هذه الجنح أن تكون هناك مبادرة من الوزير المكلف بالمالية أو مدير أحد ممثليه المؤهلين لذلك، ويتم تحريك الدعوى العمومية إما عن طريق الاستدعاء المباشر، الذي يوجه للظنين والمتضمن للبيانات المشار إليها في الفصل 37 و38 و39 من قانون المسطرة المدنية من حيث شكليات الاستدعاء.
ويتم الاستدعاء بواسطة كتابة الضبط أو البريد المضمون أو بواسطة السلطة الإدارية.
ويمكن تحريك الدعوى العمومية عن طريق إحالة الظنين على النيابة العامة في حالة التلبس استنادا إلى المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية وتتحقق حالة التلبس إذا ضبط الفاعل أثناء ارتكابه الجريمة أو على إثر ارتكابها.
وبعد إحالة القضية على المحكمة يمكن للإدارة أن تعين من يمثلها في الجلسة ويعرض ممثلها القضية على المحكمة ويودع طلباتها حسب الفصل 250 من مدونة الجمارك.

أما إذا توفي مرتكب فعل مخالف للقوانين والأنظمة الجمركية قبل إيداع شكاية أو قبل صدور حكم أو قرار نهائي أو قبل إبرام المصالحة، يحق للوزير المكلف بالمالية أو ممثله أن يطلب من رئيس المحكمة الابتدائية بواسطة ملتمس مصادرة الأشياء محل النزاع القابلة تطبيق هذه العقوبة عليها (الفصل 51 من مدونة الجمارك).
ولكن أمام هذه النصوص القانونية الخاصة المنظمة لتحريك الدعوى العمومية في مجال المخالفات الجمركية استوقفتنا بعض الإشكاليات خاصة في الفصل 249 من المدونة حيث أن الصياغة القانونية المستعملة في الفقرة (أ) من نفس الفصل جاءت فضفاضة وغير دقيقة، بالنظر إلى عبارة أو من يمثله” بحاجة إلى تحديد، لأننا لا نفهم هل التمثيل جاء بناء على تفويض اختصاص أو سلطة لأحد ممثلي المدير العام لإدارة الجمارك أو من ينيبه، أم أن الأمر يتعلق فقط بإسناد مهمة التمثيل للإدارة القانونية في مكان ارتكاب الجريمة الجمركية؟
ويثور الإشكال الثاني في الفقرة “ب” حول عدم قيام الدعوى العمومية إلا بمبادرة من الوزير المكلف بالمالية أو مدير الإدارة أو أحد ممثليه المؤهلين لذلك.
مما يقتضي الأمر تدخل المشرع بالتعديل أو لبيان نوع التمثيل وحدوده ونطاقه بالنسبة لمن ينيبه المدير العام للجمارك، فضلا على بيان شكل المبادرة المتخذة وضوابطها تجاه النيابة العامة.
أما بخصوص الاختصاص فإن الجنح والمخالفات الجمركية ترفع إلى المحاكم المختصة وفقا للقواعد القانونية العادية، غير أن المحاكم المرفوعة إليها الدعوى قبل فاتح ماي 1984 تظل مختصة وفقا للنصوص المطبقة قبل هذا التاريخ.

ويتوقف منح السراح المؤقت في حالة التلبس على تقديم ضمانات وهي وديعة نقدية أو في شكل شيكات مصادق عليها إلى صندوق قابض الجمارك وإما على تقديم كفيل مليء الذمة يضمن أداء العقوبات المالية المستحقة (الفصل 53 من مدونة الجمارك).

وما أثارنا في إطار الدعوى العمومية التي تحركها إدارة الجمارك هو موقف الاجتهاد القضائي المغربي وعلى رأسه المجلس الأعلى حول موضوع رفض طلب مما يوازيه رفض الدعوى المرفوعة من طرف إدارة الجمارك، وهذا القرار هو عدد 673 بتاريخ 1983 في القضية الجنائية عدد 10121 ذلك أن الطاعن بالنقض السيد (فلان)… عاب على محكمة الاستئناف بأكادير التي حكمت عليه بأدائه تعويضا لإدارة الجمارك، مبلغه 600.000 درهم عن محاولة تصدير المخدرات بأن طلب إدارة الجمارك غير مقبول لأنه منصب على شيء محظور غير مقبول لأنه منصب على شيء محظور وممنوع قانونا.

فرفض المجلس الأعلى طلب النقض المذكور معللا وجهة نظره في الدفع المثار بقوله “حيث إنه من جهة أولى إذا كان العارض لم يدن من أجل ترويج العملة فليس معنى هذا أنه لا يمكن الحكم عليه وفقا طلب إدارة الجمارك والمتعلق بتصدير بضائع محظورة التي هي الشيرة والتي وقع الحكم عليه من أجلها، كان على أن كون هذه البضائع التي كان العارض يحاول تصديرها إذا كانت أيضا ممنوعة، فإن قانون مدونة الجمارك المطبق في النازلة لم يستثن هذه الحالة بل أقحمها بصريح العبارة في الفصل 284 من المدونة المذكورة إذ ورد فيه “يقصد بالاستيراد أو التصدير المشار إليهما في (2) من الفقرة 281 أعلاه استيراد بضائع محظورة أنجز عن طريق مكتب للجمارك” وأنه إذا كان القرار لم يعلل قبول طلب إدارة الجمارك فإن الحكم بالقبول معناه قبول مذكرة إدارة الجمارك والتي هي معللة أحسن تعليل” وهذا القرار يبرز بوضوح استقراء المجلس الأعلى إلى أواخر سنة 1983 على قبول الإدانة من أجل محاولة تصدير المخدرات دون تصريح بذلك لإدارة الجمارك حسبما يقضي به قانون مدونة الجمارك لسنة 1977 وحتى قبل تعديله.( قرار المجلس الأعلى عدد 673 بتاريخ 28 أكتوبر 1983، قضية جنائية عدد 10121)