المعايير الدولية لحقوق الإنسان والعدالة الجنائية

من المعلوم أن احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية أصبح في عالم اليوم من احد أهم مقاييس دولة الديمقراطية وسيادة القانون ،بمعني أن الدولة التي تحترم هذه الحقوق وتوفر الضمانات الكافية لها هي دولة التقدم والاستمرار ،خصوصا بعد أن أصبح الفرد(الشخص العادي) احد أشخاص القانون الدولي العام.

وتتجلي هذه الأهمية بصورة اكبر وأوضح في مجال العدالة الجنائية كون الفرد يكون خلالها عرضة لإجراءات استثنائية تمس بحريته الشخصية مثل الاستجواب والتوقيف والعقاب ،ولهذا نجد أن المجتمع الدولي قد أولى حقوق الإنسان في مجال العدالة الجنائية عناية خاصة من خلال إقراره للعديد من المعايير الدولية الهادفة إلى كفالة حقوق الأفراد وحرياتهم في مجال العدالة الجنائية.

ومن هنا تأتي أهمية توفير معايير حقوق الإنسان الدولية ،وتزداد هذه الأهمية في مجال العدالة الجنائية .

وعليه سوف أتطرق للمعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان والعدالة الجنائية من خلال المحاور التالية:-

•1- المعايير الدولية لاحترام حقوق الإنسان في ظل العدالة الجنائية

•2- مدي التزام الأردن في تطبيق التزاماته القانونية الدولية في مجال العدالة الجنائية وحقوق الإنسان وامتثاله للمعايير الدولية المعمول بها

•3- التحديات التي تواجه تنفيذ معايير حقوق الإنسان على الصعيدين الدولي والمحلي

•4- الرؤية المستقبلية لحقوق الإنسان وفقا للمعايير الدولية.

المحور الأول:-المعايير الدولية لاحترام حقوق الإنسان في ظل العدالة الجنائية.
من المعلوم أن دعائم العدل تقوم على احترام حقوق الإنسان وهذا ما أكده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ديباجته التي جاء فيها( …. أن الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم من حقوق متساوية وثابتة يشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم فمن حق الإنسان أن يتمتع بحقوق أساسية لايجوز للتشريعات الوضعية أو لممارسات الحكام أن تخالفها أو تعتدي عليها أو تنتقص منها..)

ومن خلال استعراض كافة المواثيق الدولية والإقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان يمكن إيجاز المعايير الدولية في ظل العدالة الجنائية بما يلي:-

أولا:-

حق المتهم في محاكمة عادلة:-

المحاكمة العادلة هي المحاكمة التي تستوجب مقاضاة المتهم بشأن الاتهام الموجه إليه إمام محكمة مستقلة محايدة منشأة بحكم القانون يتاح له من خلالها الدفاع عن نفسه مع تمكينه من مراجعة الحكم الصادر ضده من قضاء أعلى درجه وهذا الحق يتفرع عنه عدة حقوق تشكل معايير دولية كونها وردت في كافة المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان وهي على النحو التالي:-

•1- علانية المحاكمة:-

الحق في النظر العلني للدعاوي الجنائية مكفول في المعايير الدولية وقد كفلته:

•- المادتان 10و11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

•- المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية

•- المادة 36 من مجموعة المبادئ الخاصة بحماية الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن لعام 1988

•- المادة 67 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية

•- المادة 20 من نظام محكمة يوغسلافيا السابقة

•- المادة 19 من نظام محكمة رواندا.

•2- شفوية إجراءات المحاكمة:

أي يتوجب أن تدور إجراءات المحاكمة جميعا بصوت مسموع حتي ولو كان لهذه الإجراءات أصل ثابت ومكتوب وهي ضمانة لحق المتهم في محاكمة عادلة لان ذلك يمكنه من الإلمام بالأدلة المقدمة ضده ويتيح له بسط دفاعه

وهذا مانص على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية كما نص علية الإعلان العالمي في المادة 11 ونص عليه العهد الدولي في المادة 14 كما تطرقت له المادة 6 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

•3- المواجهة بين الخصوم:-

ويقصد به تمكين أطراف الدعوي الجنائية من حضور جلسات المحاكة وتقديم كل منهم ما لديه من أدلة وتمكين الآخرين من الاطلاع عليها ومناقشتها وتقديم ما يعتقدون انه داحض لها

وهذا ما كفلته المواد (8و10و11) من الإعلان العالمي والمادة 14 من العهد الدولي.

•4- المساواة بين الخصوم إمام القضاء :-

ويقصد بهذا المبدأ المعاملة بغير تمييز بمعني أن تخلو القوانين من التمييز وان يبتعد مطبقي ومنفذي القانون عن أي تمييز بين إنسان وأخر

وهذا ما نصت عليه المادة 10 من الإعلان والمبدأ(1) من المبادئ الأساسية المتعلقة باستقلال القضاء.

•5- الحق في محاكمة دون تأخير لامبرر له:-

حيث أن العدالة البطيئة هي نوع من أنواع الظلم ،وعلية فان العدالة التي تكفلها المعايير الدولية هي العدالة الناجزة الفعالة وهذا ما أشارت إليه المادة 14 من العهد والمادة 67 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية

•6- افتراض البراءة:-

أي أن الإنسان بريء إلى أن تثبت إدانته بحكم قطعي

وأشار لهذا المعيار المادة 11 من الإعلان والمادة 14 من العهد

ثانيا:- معايير تتعلق بالمتهم:-

والتي يمكن إيجازها بما يلي:-

•1- ضمان حق المتهم في المحاكمة حضوريا

•2- ضمان حق المتهم في حضور جلسات الاستئناف

•3- ضمان الحق في عدم الإكراه على الشهادة على النفس أو الإقرار بالذنب

•4- ضمان حق المتهم في الاستعانة بالترجمة إذا كان لايدرك لغة العمل في المحكمة

•5- حق المتهم في استبعاد الأدلة المنتزعة نتيجة التعذيب أو غيره من ضروب الإكراه

•6- حق المتهم بمناقشة الشهود

•7- حق المتهم بالدفاع عن نفسه بواسطة محام

•8- حظر تطبيق القوانين الجنائية بأثر رجعي أو محاكمته عن نفس الجرم مرتين

هذه الحقوق هي ضمانات متعلقة بالمتهم وهي معايير دولية كرستها المواثيق والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان مثل الإعلان والعهد والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية

ثالثا:-

المعايير المتعلقة بالقاضي:-

والتي يمكن إيجازها بما يلي:-

1. طرح النزاع امام القضاء والقاضي الطبيعي
2. الحق في المساواة امام القانون و المحاكم(المواد2و3 و26 من العهد) والمادة 7 من الإعلان
3. الحق في محاكمة المتهم امام محكمة مختصة مستقلة ونزيهة ومشكلة وفق أحكام القانون.

رابعا:- المعايير المتعلقة بالحكم:-

•1-ضمان حق المتهم في عدم توقيع عقوبة عليه ألا بعد حكم بالإدانة(المادة 15 من العهد )

•2- تسبيب الأحكام

•3- ضمان حق المتهم في الطعن بالأحكام الصادرة بحقه(المادة 14 من العهد)

المحور الثاني:-مدي التزام الأردن لالتزاماته القانونية الدولية في مجال العدالة الجنائية وحقوق الإنسان وامتثاله للمعايير الدولية المعمول بها:
لقد ورد النص على حقوق الإنسان في الأردن بموجب الدستور الأردني والتشريعات الوطنية خصوصا الجزائية منها والتي يستدل من خلالها التزام الأردن بالمعايير الدولية من حيث النص والتطبيق العملي وعليه يمكن تفصيل ذلك على النحو التالي:-

•1- مصادقة الأردن على كافة المواثيق والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان حيث كان من أوائل الدولي المصادقة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وصادق على العهدين الدوليين لحقوق الإنسان بتاريخ 28/5/1975 ونشرا في الجريدة الرسمية بتاريخ 15/6/2006

•2- مصادقة الأردن على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية بتاريخ 13/12/1992 ونشرها في الجريدة الرسمية بتاريخ 15/6/2006

•3- أنشاء هياكل وطنية لمراقبة حالة حقوق الإنسان(المركز الوطني لحقوق الإنسان) بموجب القانون رقم 75لسنة 2003 والذي باشر إعماله بتاريخ1/6/2003 والذي اصدر أكثر من تقرير حول حالة حقوق الإنسان وتضمنت هذه التقارير في بعض فصولها حقوق الإنسان والعدالة الجنائية

•4- مراجعة العديد من التشريعات الوطنية بما ينسجم مع ماورد في المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان مثل قانون العقوبات حيث تم تعديل المادة 208 من قانون العقوبات بموجب القانون رقم 49 لسنة 2007 المتضمن ملاحقة الموظف الرسمي الذي يثبت عليه ممارسة التعذيب لغايات انتزاع الإقرار والمعلومات

•5- ممارسة المحاكم الاعلي درجة وخصوصا التمييز والاستئناف دورها بفسخ الأحكام الجزائية أذا كانت الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى تنطوي على أي إخلال بقواعد المحاكمة العادلة واستبعاد الأدلة المنتزعة بالقوة والإكراه

•6- ممارسة محكمة العدل العليا لدورها في حماية حقوق الإنسان من حيث إلغاء القرارات الادراية الصادرة عن الحكام الإداريين بموجب قانون منع الجرائم إذا كانت تنطوي على تعسف باستعمال السلطة أو مخالفة القانون

•7- الرد على كافة التقارير الدولية حول حقوق الإنسان خصوصا الصادرة عن منظمة العفو الدولية ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان

•8- تثقيف وتوعية القضاة وأعضاء النيابة العامة بحقوق الإنسان من خلال عقد الدورات وورش العمل وإدخال مادة حقوق الإنسان ضمن المنهاج الدراسي لحقوق الإنسان للمعهد القضائي الأردني

•9- مراعاة حق الدفاع عن المتهم وتعيين محام للدفاع عن المتهم في بعض القضايا إذا كانت ظروفه المادية لاتسمح له بذلك

•10- إدخال مفاهيم العدالة الجنائية للأحداث من حيث المشاركة بالتعديلات المقترحة على قانون الأحداث بما يسمح لاستخدام التدابير البديلة للعقوبات السالبة للحرية ومن خلال استخدام التقنيات الحديثة عند اخذ إفادات الأطفال

•11- توفير الضمانات الكفيلة بحماية الشهود وضحايا الجريمة كون الشهود والضحايا من أطراف الدعوي الجنائية

•12- إصدار مدونة سلوك للقضاة والتي تضمنت الكثير من معايير حقوق الإنسان نذكر منها المادة 9 التي تنص على علنية المحاكمة والمادة 10 التي تنص على ضرورة مناقشة الأدلة المقدمة في الدعوي والمادة 22 التي تنص علي المساواة بين الخصوم

•13- ولكون القاضي الطبيعي هو الحارس للحقوق والحريات يحرص الأردن على استقلال القضاء وهذا ما تكرر في خطب العرش السامي وكتب التكليف للحكومات المتعاقبة وعلى ارض الواقع تم إلغاء سلطة وزير العدل بانتداب القضاة ويجري حاليا العمل على أقرار بعض الأنظمة الهادفة الى الاستقلال المالي والإداري للمجلس القضائي

•14- التنسيق في بعض البرامج مع المركز الوطني لحقوق الإنسان من اجل حماية حقوق الإنسان وحرياتهم

•15- إجراء بعض التعديلات على القوانين الجزائية بما يضمن التخفيف من حالات التوقيف وإضافة المزيد من الضمانات للفرد عند القبض عليه (المادة 100 المعدلة بموجب القانون رقم 16 لسنة 2001) وافتراض قرينة البراءة بموجب المادة 147 من نفس القانون المعدل

•16-إلغاء عقوبة الإعدام في بعض الجرائم بموجب القانون رقم 41 لسنة 2006 الذي استبدل العقوبة الواردة في قانون العقوبات من الإعدام الى المؤبد وكذلك القانون رقم 45لسنة 2006 الذي استبدل العقوبة الواردة في المادة 9 من قانون العقوبات العسكري من الإعدام الى المؤبد وكذلك القانون رقم 43 الذي استبدل العقوبة الواردة في المادة 12 من قانون المفرقعات الى المؤبد .

•17- علما انه لم تجري في الأردن ومنذ تأسيس الدولة الأردنية الحديثة أية حالة إعدام تعسفي أو إعدام خارج نطاق القانون أو إعدام حدث

•18- إنشاء مكتب لحقوق الإنسان لدي مديرية الأمن العام لتلقي شكاوي الأفراد ضد العاملين لدي الأمن العام عند وجود حالة انتهاك لحقوق الإنسان

وفي الختام نجد أن الأردن يلتزم بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان في ظل العدالة الجنائية من حيث النص والتطبيق

المحور الثالث:- التحديات التي تواجه تنفيذ معايير حقوق الإنسان على الصعيدين الدولي والمحلي والرؤية المستقبلية :-
أن التحديات التي تواجه حقوق الإنسان في عالم اليوم دوليا ومحليا فرضتها متغيرات كثيرة خصوصا في الفترة الأخيرة بعد تنامي أعمال الإرهاب على صعيد العالم اجمع والتي عانت منها دول كثيرة ومنها الأردن بعد التفجيرات التي لحقت بالفنادق الأمر الذي دفع بالدول إلى أقرار تشريعات جديدة لمقاومة الإرهاب ترتب على بعضها التضييق على حقوق وحريات الأفراد

ومن ضمن التحديات التي تواجه حقوق الإنسان في مجال العدالة الجنائية أحالة بعض القضايا إلى محاكم خاصة واستثنائية وفي ذلك خروج عن المبدأ الداعي إلى محاكمة الأفراد أمام القاضي الطبيعي (القضاء العادي النظامي)

أي أن اكبر التحديات التي تواجه حقوق الإنسان في ظل العدالة الجنائية هي عملية الموازنة بين الحرية والأمن وأيهما يتوجب تقديمه على الأخر

ومن ضمن التحديات التي تواجه حقوق الأفراد وحرياتهم وجود أنماط جرميه جديدة كالجريمة المنظمة وجرائم غسيل الأموال أو الجرائم العابرة للحدود الأمر الذي يترتب علية اختلاف الإجراءات من دولة لآخري

وكذلك نجد في بعض البلدان بقاء بعض الأشخاص بدون محاكمة ولمدد طويلة وبدون تهم توجه لهم

وللأنصاف أقول بهذا الصدد أن الأردن تجاوز الكثير من التحديات المشار إليها أعلاه حيث أن الدستور الأردني والتشريعات الجزائية تنص على انه لايجوز توقيف أي فرد الاسندا للقانون وبموجب نص قانوني ويقوم أعضاء النيابة العامة والتفتيش القضائي بدورهم بالتفتيش على أماكن التوقيف للتأكد من عدم توقيف أي شخص خلافا للقانون أو دون سند قانوني.

إما عن الرؤية المستقبلية لحقوق الإنسان في مجال العدالة الجنائية فعلي الصعيد الدولي أري ضرورة الموازنة الدقيقة بين الحرية والأمن أي أن لايجوز بأي حال من الأحوال أن يكون ضبط الأمن على حساب حقوق الأفراد وحرياتهم

وعلى الصعيد المحلي أتمني على الجهات المختصة في الأردن أن تقوم بمراجعة شاملة للتشر يعات الوطنية بما ينسجم مع المواثيق والاتفاقيات الدولية ومنها مراجعة النص الوارد في المادة 22 من قانون التنفيذ الهادف إلى حبس المدين أيفاء لدين تعاقدي كون ذلك يتناقض مع نص المادة (11)من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المصادق عليه من قبل الأردن

كما أتمني مراجعة قانون مراكز الإصلاح والتأهيل المهني رقم 9لسنة 2004 بما ينسجم مع المعايير الدولية لمعاملة السجناء وكذلك المادة13 من قانون محكمة الجنايات ألكبري رقم 19 لسنة 1986 التي تحرم الأفراد درجة من درجات التقاضي

وفي الختام أتمني مستقبلا أن يتم وضع النصوص الواردة في المواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والنصوص الواردة في التشريعات الوطنية خصوصا في مجال العدالة الجنائية موضع التطبيق العملي بحيث لايكون هناك فجوة بين النص والتطبيق ، وإعطاء القضاء الدور الأكبر كونه هو الحارس الطبيعي للحقوق والحريات