دراسة و بحث في التفريق القضائي بين الزوجين للعيب

التكييف وأثره في القانون تشريعاً وتطبيقاً
(دراسة في التفريق القضائي بين الزوجين للعيب)

علي أحمد صالح المهداوي (*)

الملخص

التكييف عملية اجتهادية يراد بها إدراك الوقائع على ما هي عليه في حقيقتها، يعقب ذلك تبيّن الأنظمة القانونية التي تندرج تحت مظلة حكمها تلك الوقائع سواء بالتشريع أو التطبيق. فالتكييف على العموم يعني: التعرّف، وبالطرق العقلية، إلى الواقع على ما هو عليه لتحديد ما يجب في هذا الواقع من حكم شرعي أو قانوني للانتقال به مما هو كائن إلى ما يجب أن يكون عليه في ضوء مقاصد هذا التشريع أو ذاك. وبالتالي فإن التكييف بهذا المعنى سابق لأيّ تطور في حياة الأفراد والشعوب والأمم، وفي القوانين التي تحكمها. بل هو شرط في تحقق التغيّر والتطوّر من حيث أن التغيّر والتطورّر يعني الانتقال من واقع إلى واقع آخر يفترض فيه أنه أفضل من سابقه، واللازم من ذلك معرفة الواقع السابق على ما هو عليه وهو التكييف، ثم معرفة ما يجب أن يكون عليه، ثم تحديد وسائل هذا الانتقال، وتنفيذها بالفعل ليحصل هذا الانتقال بالفعل. وإذا كان يراد بالتكييف الكشف عن الواقع فإنّ المراد بالتفسير الكشف عن الحكم الشرعي أو القانوني من خلال النظر السليم في نصوص التشريع، وإقامة الأحكام والنظام على أرض الواقع لتحقيق مقاصد التشريع يتوقف على الأمرين معاً. وقد انصبّ البحث في هذا المقام على بيان ماهية التكييف، وضرورته، ووظيفته، التفريق القضائي بين الزوجين للعيب، مبيّنين آراء فقهاء المسلمين في نطاق هذه العيوب، وأثرها في الحكمة المتوخاة من تشريع الزواج، والأحكام المترتبة على وجودها، لننزل بطريقة البحث هذه الحكم الكلي إلى أحد جزئياته لتتضح صورة موضوع البحث بجانبيه النظري والتطبيقي.

المقدمة

من المسلّم به أنه حيثما قام مجتمع وجد القانون (أو الشرع)، من حيث إنّ وظيفة القانون تنظيم العلاقات، والعلاقة تستلزم لقيامها وجود أكثر من طرف(شخص)( ).
والتنظيم ليس غاية في ذاته بل هو وسيلة لتحقيق غاية، وقد تعرف الغاية بـ (مقاصد التشريع حكمه التشريع، غاية القانون، أهداف القانون..) وهي مصالح معتبرة بعرف هذا القانون أو ذاك، يجمعها عموماً القول : إنّها المصالح العامة والمصالح الخاصة، وإن حصل تفاوت فيما بينها في اعتبار بعض المصالح أو إلغائها، أو في أفراد المصالح العامة أو الخاصة، أو في ترتيب أفراد المصالح من حيث الأولوية أو قوة الاعتبار( )وبالتالي في كيفية رفع التعارض، أو في تعداد أقسام المصلحة( ).

وإذا كان القانون مجموع الخطابات الموجّهة إلى المحكومين وهي التي تعرف بأنها : القواعد العامة المجرّدة الملزمة التي تحكم سلوك الأفراد وعلاقاتهم في المجتمع سعياً نحو تحقيق حكمة التشريع( )، وهذه القواعد لا تكفي من حيث هي خطابات لتحقيق وظيفة القانون وغايته ما لم تترجم على أرض الواقع من خلال :
• قبول وامتثال المخاطبين بهذا القانون له طواعية لعدالته بحسب نظرهم.
• قيام السلطة التنفيذية بتطبيقه تطبيقاً حسناً.
• الأداء النزيه من قبل القضاء في القضايا والنزاعات المثارة أمامه .
• حسن الرقابة على دستورية القوانين، وعلى أعمال السلطة التنفيذية .
على أنّ مصطلح القانون الذي هو القواعد العامة الموصوفة بما ذكر آنفاً له إطلاقان. إطلاق بالمعنى الأخص، ويراد به التشريع. وإطلاق بالمعنى الأعم، ويراد به مجموع القواعد التي تشكل التشريع والمصادر الرسمية للقانون في بلد معيّن وفي زمن معيّن().

أهمية البحث ومنهجيته:

من المعلوم أنّ الوقائع غير متناهية أمّا النصوص الشرعية أو القانونية فهي متناهية، وبالتالي لا يتصوّر إيراد نصّ لكل واقعة، لكان لا بدّ من توسيع نطاق القانون. وتوسيع نطاقه قد يتأتى من خلال تفسير النصوص، أو من خلال خلق القاضي لمبادئ قانونية يتوقف عليها حسم النزاع المعروض أمامه، أو من خلال تكييف الواقع أو الواقعة، لتضمّ بذلك الوقائع غير المتناهية إلى النصوص أو القواعد الشرعية أو القانونية المتناهية( ).
ولا شكّ أن معرفة الواقع أمر سابق على معرفة الحكم فيه( ). فالحكم فرع التصوّر، بمعنى أن تصوّر الواقع وهو العلم به سابق على إصدار الحكم فيه، وقد يتفرّع ذلك على قاعدة أنّ العلم تبع المعلوم. فكأنّ كلّ واقعة تعرض حالها مستدعية إيقاع حكم يصلح فيها ولا يصلح في غيرها مما يغايرها في جانب أو أكثر. ومن هذا الاعتبار كان التكييف سابقاً على التشريع من حيث عمل المشرّع (القانوني)، وسابقاً لإيقاع الأحكام على الوقائع من حيث عمل القاضي والفقيه. ومن هنا ظهرت أهمية التكييف من حيث إنّه أحد ضرورات أو لوازم أعمال القانون؛ تشريعاً وتطبيقاً على أرض الواقع.

وفي هذا البحث أتعرّض من غير إسهاب إلى ماهية التكييف، ضرورته، وظيفته، تمييزه عمّا يشتبه به، مشفعاً ذلك ببيان أثر التكيف في اختلاف الأحكام الشرعية في مسائل قانونية، خاصة المدنية منها، على سبيل العرض الموجز، وقد أتعرض لها في هوامش البحث. ثمّ أتوسع نسبياً في البحث في التفريق القضائي بين الزوجين بسبب العيب وأثر التكييف في اختلاف الأحكام الفقهية فيه، مشفعاً ذلك باتجاهات مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد في هذا الصدد، وهو الذي وضع مع مذكرته الإيضاحية ما بين سنة 1959-1961 لغاية الوحدة بين الإقليمين المصري والسوري. لغرض التعريف به من وجه، ولكونه من حيث هو جهد فقهي يشكل، بتقديري، مشروعاً لقانون أحوال شخصية موحد على صعيد عربي وإسلامي.

واختيارنا لهذا التطبيق مبنيّ على خطورة هذا العيب في تهديده لحكمة الزواج، وعلى كون أثر العيب ثابتاً في نطاق المعاملات المالية، وهي مجال تخصصنا الدقيق، بوجه مقارب لما نحن بصدد عرضه من حالة تفريق بين الزوجين. وذلك في الأمرين مبني على مبدأ الاستصحاب، بل على أحد أنواعه على وجه التحديد وهو : استصحاب صفة معتبرة في الحكم. والصفة هنا هي السلامة من العيوب، فكان الأصل هو خلو محل التصرف من العيوب. فإن ظهر خلافة تبيّنا ما يأتي :

‌أ- تأثر الرضا سلباً بهذا العيب. فالرضا لم يصرف إلى محل معيب بل انصرف إلى محل سليم.
‌ب- اختلال التعادل بين الالتزامات المتقابلة لأطراف العلاقة، فأحد الأطراف سيلزم بما لم يرض به، وبأكثر من التزامات الطرف الآخر.
‌ج- تأثر الحكمة سلباً، وهي المصلحة المتوخاة من تشريع هذه الاسباب (التصرفات). فالأسباب ما شرّعت إلاّ لتحقيق مصلحة لا لجلب مفسدة . وفي ضوء ما تقدم يكون تقسيم البحث على النحو التالي:

الفصل الأول : في ماهية التكييف وتمييزه من التفسير.
الفصل الثاني : في التفريق القضائي للعيب وأثر التكييف في اختلاف الأحكام الفقهية فيه.
الخاتمة : تتضمن نتائج البحث والتوصيات.

الفصل الأول: ماهية التكييف وتمييزه من التفسير

لغرض استيفاء البحث في هذا الموضوع أقسّم الفصل إلى مبحثين؛ أخصص أولهما في ماهية التكييف وضرورته ووظيفته، وأخصص الثاني في تمييز التكييف من التفسير.

المبحث الأول : ماهية التكييف، ضرورته، ووظيفته

التكييف – في اللغة – مصدر كيّفه إذا ذكر أو أدرك كيفيته أو صفته، والتشبيه مصدر شبّهه إذا جعله مثل غيره في صفة( ). وهذا البيان أفاد فارقاً دقيقً بين التكييف والتفسير تأتي على بيانه لاحقاً إن شاء الله تعالى، وقال رجال القانون في بيان التكييف إنّه :
• تحديد طبيعة العلاقة القانونية المتنازع فيها وردّها إلى نظام قانوني( ). وعرف أيضاً بأنه:
• تحليل الوقائع والتصرفات القانونية تمهيداً لإعطائها وصهفها الحق ووضعها في المكان الملائم من بين التقسيمات السائدة في فرع معين من فروع القانون( ),
وظاهر أن تحديد طبيعة الواقعة وضمّها إلى نظام قانوني أمر لاحق على تحليل الواقعة القانونية، ولا شك في كون هذا التحليل وهذا التحديد اجتهاداً من حيث إنه إعمال النظر في أمر مجتهد فيه؛ أي ظني، وهو الذي لم يقم على حكمه دليل قطعي من نصّ قطعي الدلالة أو إجماع فقهي، ولذلك أبرز آخرون هذه الحقيقة بالقول أن التكييف هو :
• العملية الذهنية المتمثّلة في إنزال حكم القانون على الواقع، أو إدراج الواقعة في طائفة محددة، أو حتى بيان القاعدة القانونية الواجب إمالها على الواقعة المطروحة( ).
وقد يصوّب بعضهم نظره إلى الغاية من القيام بهذه العملية الذهنية والحكمة من غيجابها فيعبّر عن ذلك بالقول :
• إنّ التكييف القانوني للوقائع مجرد اختيار للقالب الذي يتطابق مفهومه المجرّد مع الخصائص القانونية المنبعثة من هذه الوقائع كما أثبتها القاضي( ).

وإذا كان التكييف من حيث حقيقته عملاً ذهنياً غايته إثبات عموم حكم القانون وسيادته على الواقع فإنه لا يقتصر على عمل القاضي، وهو ما اقتصرت عليه التعريفات المذكورة، بل يتعداه إلى المشرع والفقيه بل وأطراف العلاقة. وسيأتي بيان ذلك قريباً. وقد يكون ما حملهم على ذلك هو كثرة ممارسة القضاء للتكييف وديمومة العمل به من حيث إنّه يلزم للوصول إلى الحكم القانوني في الوقائع لإيقاعه عليها العلم بذلك الوقائع وبحقيقتها أولاً.وبعد؛ فأرى في التكييف أنّه:

الكشف عن حقيقة الواقعة القانونية لإسناد حكم القانون(أو الشرع) فيها ، والكشف يستلزم التحليل وتحديد صفة الواقعة، ونحو ذلك مما ذكر في التعريفات السابقة لأنها من وسائل الكشف . والواقعة القانونية الواردة في التعريف هي على معناه الأعم الشامل للتصرف القانوني والواقعة المادية وهي التي تشتمل على : الأفعال المادية والوقائع الطبيعية.
وقولي (الإسناد حكم القانون فيها) لبيان علة التكييف المتمثلة في إضفاء حكم القانون على الوقائع أو ضمّ الوقائع إلى نظام قانوني، والمؤدّى واحد. فشمل ذلك ضرورة التكيف في إعمال حكم القانون تشريعاً وتطبيقاً.

محل التكيف :

يمكننا القول إنّ محل التكييف يتنوّع بتنوع متعلّق الحاجة إلى بيان حكم القانون (أو الشرع) في الواقعة، فهو : “قد ينصبّ على واقعة معينة كحادثة يراد معرفة ما إذا كانت تكون عملاً مادياً ضاراً أم لا تكونه. كما أنه قد ينصبّ على مسألة قانونية كحق الحضانة يراد معرفة ما إذا كان أثراً من آثار الزواج أم من آثار الطلاق أم أنه يقع في نطاق الولاية على النفس. وقد يتناول التكييف قاعدة موضوعية مثل تكييف القاعدة التي تحظر إجراء الوصية بالشكل العرفي الخطّي أهي تتعلق بشكل الوصية أم تتعلق بأهلية الموصي”( ). والجامع في ذلك كما ذكرنا، وهي علّة التكييف التي يرتبط بها وجوداً وعدماً، والحاجة إلى بيان أو كشف الحكم في الوقائع. والحاجة في هذا المقام لا تتنوع في ذاتها ولكن يتنوع متعلقها؛ فقد يكون حادثة أو واقعة إرادية أو فعلاً مادياً أو واقعة طبيعية أو مسألة أو قاعدة قانونية. ولما كانت الوقائع غير متناهية والنصوص القانونية (أو الشرعية) متناهية، وأنّ كل جزئية بحاجة إلى بيان حكمها الشرعي كان التكييف غير مختصّ بفرع دون فرع آخر من فروع القانون، بل وجوده عام في جميعها سواء في ذلك الموضوعية منها والإجرائية( ).

ضرورة التكييف :

وأما من حيث ضرورة التكيف فإنّ تحقيق القانون، والعبور من الواقع إلى القانون يجري عن طريق عملية التكييف، فهو عملية أولية لازمة لإخضاع التصرف أو الواقعة القانونية للنص القانوني الذي يحكم هذا التصرف أو تلك الواقعة. ومن هنا كان الخطأ في التكييف – في حدود عمل القضاء – مسألة قانونية تخضع دائماً لرقابة المحكمة العليا( ). وأنّ خطورته تكمن في أنّ النتيجة تختلف باختلاف الوصف القانوني للمسألة المتحصّل من إعمال التكييف( )، لأنه عمل اجتهادي كما تقدم، والعمل الاجتهادي ميدانه كل واقعة لم يرد بشأنها دليل قطعي الدلالة، وبالتالي فهو محل اختلاف، وذلك لتفاوت الأنظار واختلاف المقاصد .

وظيفة التكييف، ومن له صلاحية القيام به :

لما كان التكييف عملاً اجتهادياً فإنّ صلاحية القيام به لا تقتصر على القاضي فحسب، بل تمتد لتشمل كل من يحتاج الواقع إلى نظره للكشف عن حكمه؛ كالفقيه وأطراف العلاقة القانونية أو والنزاع فضلاً عن المشرّع. فالقاضي يكيّف المراكز التي تطرح عليه والحكم الذي يصدره بناء على تحديده لطبيعة الواقعة أو العلاقة وضمّها إلى نظام قانوني، فسلطة تكييف الوقائع تعني سلطة تطبيق القانون. والأشخاص يكيّفون تصرفاتهم القانونية وموضوع التصرّف، وفي القوانين الإجرائية يجد هذا الأمر مستنده وفي حدود القضاء في نطاق القانون الخاص في مبدأ المساواة بين الخصوم ومبدأ المجابهة بالدليل المتفرّع عنه .

فيقع على الأطراف عبء تكييف ادعاءاتهم، ويقتصر دور القاضي على فحص مشروعيته، وأما الفقيه والمشرع فيملكان تكييف ذلك كلّه، وبعبارة أخرى يملكان تكييف كل ما يصلح أن يرد عليه التكييف( ). ولو عرضنا ذلك من وجه آخر أو بعبارة أخرى لقلنا، إنّ التعرّف إلى الواقع سابق على التعرّف إلى الحكم من حيث إنّ الواجب معرفة الواقع أولاً ليتسنى للناظر معرفة الواجب في الواقع من ثمّ، لأنّ الواجب في الواقع هو في حقيقته ما يصلح له هذا الواقع من حكم شرعي أو قانوني يقوم به النظام وتتحقق به المقاصد( )، بل إنّ في تقسيم القواعد القانونية إلى : قواعد تقريرية وقواعد تقويمية ما يقرر هذا المبدأ ويؤكده. فإذا جمعنا أو ربطنا القواعد التقريرية، وهي التي تتعلق بتقرير ما هو واقع فعلاً على وجه الدوام والاستقرار بغاية القانون أو حكمه التشريع، نتج لنا القواعد التقويميمة، وهي القواعد التي تتحدد نهجاً لسلوك الأفراد في المجتمع أو تبيّن ما يجب أن يكون عليه سلوكهم. فالمشرع إذن يحتاج إلى التعرّف إلى حقيقة الوقائع المراد حكمها بتشريع قانوني فكأن التكيف سابقاً على إنشاء التشريع. أما القاضي والفقيه وأطراف العلاقة فهم مفترقون إلى التكييف لضمّ الوقائع إلى قاعدة قانونية، وليس في ذلك سلطة تشريع بل سلطة تطبيق للقانون.

على أنّ قواعد التعرّف إلى معلوم معيّن يقتضي بحسب القواعد العقلية النزول من الأعم في التصوّر إلى الأخص. فلزم الناظر في الواقعة القانونية أن يتنزل فيها إلى ما هو أخص من مفهوم الواقعة القانونية لغرض التحديد والتعيين، فيحدد هذه الواقعة؛ هل هي من قسم التصرفات القانونية أم من قسم الواقعة المادية ؟ ثمّ يتنزل بعد ذلك إلى ما هو أخص فينظر الواقعة إن كان تصرفاً قانونياً؛ هل هي عقد أم هي إرادة منفردة؟ وإذا كانت عقداً ينتقل إلى أنه من طائفة العقود المساماة أم هو عقد غير مسمى؟ ويسبق هذا ضرورة التعرّف إلى ماهية العقد ومشروعيته من حيث كونه عقداً صحيحاً أو فاسداً، وقد يكون باطلاً. وقد يكون العقد المشروع مركباً، وقد يكون هذا التركيب مثاراً للجدل لكونه مجملاً بحق غير المشرّع مما يتطلب تدخله للبيان( ). وإذا كانت الواقعة واقعة مادية، هل هي فعل ماديّ أم واقعة طبيعية؟ وإذا كانت فعلاً مادياً هل هي من أفراد الفعل النافع أم من أفراد الفعل الضار؟
ومن هنا كانت وظيفة التكييف الأساسية هي :

“تعيين الوقائع وموضوعها وطبيعتها، وهي دعائم يقوم عليها التشريع وكذلك النظر الفقهي في التشريع؛ ولذلك نراها تفرض في النزاعات القضائية كمسلّمة مستقلة عن إرادة الخصوم والقاضي، فالقاضي لا يمكنه قانوناً أن يقبل تكييفاً خاطئاً ولو اتفق عليه أطراف الخصومة. على أنّ للتكييف في نطاق الخصومة ثلاث وظائف؛ فهو أولاً أساس ادعاءات الأطراف، ثم إنّه بعد ذلك يعدّ أساس القرار القضائي، ويمكن أن يكون أيضاً التكييف المنازع في القرار (الإداري أو القضائي) موضوعاً للخصومة”( ).

المبحث الثاني : تمييز التكييف من التفسير

التفسير في اللغة :

الكشف والإظهار والتوضيح. وفي الاصطلاح : لا يخرج عن المعنى اللغوي، وغلب في تفسير القرآن، والمراد به، كما قال الجرجاني: توضيح معنى الآية، وشأنها، وقصتها، والسبب الذي نزلت فيه، بلفظ يدل ّعليه دلالة ظاهرة( ). ومن اللازم لتطبيق أية قاعدة قانونية على العلاقات القائمة في المجتمع، وما يجدّ فيها من الوقائع تحديد مضمون القاعدة، أي المعنى المراد منها وليس المعنى المراد منها سوى الحكم ونطاقه وشروطه. وهي مرحلة سابقة على مرحلة تطبيق القانون، وذلك هو التفسير( ). فالتفسير بعبارة أخرى هو إعمال النظر في النصوص الشرعية أو القانونية للكشف عن الحكم المقصود للمشرّع كلما قصرت عبارات النص عن هذا البيان أو الكشف بظاهرها. والكشف عن الحكم الشرعي قد يكون بإزالة غموض نصّ، أو بتحديد نطاقه أو تبيّن أفراده من خلال تخصيص عام أو تقييد مطلق، وقد يكون من خلال توسيع نطاق الحكم كما هو العمل بالقياس( ). وسنأتي على بيان ذلك قريباً.
ولذلك كان للتفسير عند القانونيين معنيان: ضيق وواسع وهو بمعناه الضيق: إزالة غموض النص أيّاً كان سبب الغموض. أمّا المعنى الواسع له فيراد به : إزالة غموض النص، وإكمال نقصه، وتعديل اضطرابه، ورفع التعارض بينه وبين نصّ آخر( ).

موازنة بين التفسير والتكيف :

لقد تبيّن لنا في المبحث السابق أنّ متعلّق التكييف هو الواقع، والذي هو مجموع الوقائع القانونية من تصرفات قانونية ووقائع قانونية غير إرادية؛ أفعال مادية ووقائع طبيعية. وأنّ حقيقة وظيفة التكييف أنه وسيلة الكشف عن صفة الواقع لحكمها بقاعدة قانونية تشرّع في ضوئها أو لضمّها إلى نظام قانوني معيّن.والتفسير سواء أكن تشريعياً أم قضائياً أم فقهياً هو وسيلة المفسّر للكشف عن الحكم الشرعي أو القانوني لإيقاعه على أرض الواقع. إلاّ أنّ التفسير يفارق التكييف في أنّ متعلّقه النصوص الشرعية وليس الواقع، فاشتركا في الوظيفة والغاية.

أما اشتراكهما في الوظيفة فمن حيث أنهما وسيلتا كشف، وأما اشتراكهما في الغاية من حيث أنّ المنتهى هو إيقاع الحكم الشرعي أو القانوني على الواقعة بحسب ما كان مراداً للمشرّع أو بما يحقق مقاصد التشريع. ويفارق التفسير التكييف من حيث نوع وسيلة الكشف. فوظيفة التفسير الكشف عن مراد المشرّع وذلك يكون بالكشف عن صفة الخطاب الشرعي أو القانوني من كونه خطاباً؛ عاماً أو خاصاً( )، وإذا كان عاماً فهل هو مخصوص( ) ؟ وقد يكون اللفظ خاصاً يراد به العام( )، وإذا كان اللفظ خاصاً، فهل هو مطلق أم مقيد( ) ؟ ومن حيث وضوح أو خفاء دلالة اللفظ أو النص هل هي دلالة قطعية أم ظنية أم غامضة( )؟ ومن حيث علّة الحكم هل هي متعدية حتى يجوز القياس فيها، وهو الأصل في العلل،أم قاصرة لا يجوز إجراء القياس بموجبها( ). بينما وسائل التكييف في الكشف عن حقيقة الواقعة وصفتها هي عادةً تحليل الواقعة إلى عناصرها المكونة لها، والكشف عن رابط يربط الأسباب التيي تضمنتها الواقعة للتعرّف، يقيناً أو ظناً، إلى حقيقة أنها أفضت إلى أثر معلوم في الواقعة أو نتيجة معلومة، فهي طرق عقلية في دراسة الواقع وفي الكشف عن حقيقة الواقعة المنظورة.
ورغم التباين في محل التفسير والتكييف إلاّ أن ذلك يمثل حالة تكامل في عملية تشريع الأحكام وتطبيقها على أرض الواقع، فلا يمكن فصل أحدهما عن الاخر، ذلك أن اللازم لهذا التشريع والتطبيق سعياً نحو تحقيق مقاصد التشريع معرفة الواقع ومن ثمّ تحديد الواجب في الواقع( ).

ومعرفة الواقع وظيفة التكييف، ومعرفة الواجب في الواقع تدخل في نطاق وظيفة التفسير. وغالباً ما يكون ذلك للانتقال بالواقع مما هو كائن إلى إلى ما يجب أن يكون عليه .
والأصل أنّ الحاجة قائمة عند النظر لتبيّن الحكم الشرعي في الواقعة إلى التكييف والتفسير معاً، إذا حملنا المراد من التكييف على مطلق تبيّن الواقع، ومن التفسير على مطلق التعرّف إلى الحكم المراد للمشرّع. وهذا هو الأصل .

أما إذا قيدّنا المراد من التكيف بتبيين حقيقة وصفة الواقعة غير الواضحة في ذلك، وقيّدنا التفسير بإزالة غموض النص فقط، فإنّ الحاجة قد تقع إلى أحدهما دون الآخر، كأن تكون الواقعة ظاهرة في صفتها وانتسابها إلى هذا النظام القانوني أو ذاك، ولكن النص الذي يحكمها غير واضح في دلالته، فتظهر الحاجة هنا إلى التفسير دون التكييف، وقد ينعكس الأمر فتظهر الحاجة إلى التكييف دون التفسير .

الفصل الثاني: التفريق القضائي بين الزوجين للعيب وأثر التكييف في اختلاف الأحكام الفقهية فيه

تمهيد :

أحكام الشريعة معلّلة بتحقيق مصالح العباد، وهذا ما يثبت باستقراء نصوص وأحكام الشريعة الإسلامية، وبإجماع الأمة( ).
وميزان المصالح شرعي موضوعي وليس شخصياً ذاتياً، فالشرع اعتبر ما به صلاح العباد في معاشهم ومعادهم من المصالح، وألغى ما يحقق نفعاً لشخص وفئة قليلة على حساب ضرر المجتمع، أو ما يغلّب مصلحة دنيوية مادية على مصلحة دينية، أو يغلّب مصلحة خاصة مرجوحة على مصلحة خاصة راجحة، وهكذا( ).

والمصالح على نوعين؛

  • أحدهما، إيجابي، وهو جلب منفعة،
  • والثاني: سلبي، وهو درء مفسدة (مضرة) ( ).

وبحثنا ينصبّ على النوع الثاني، درء المفاسد أو المضار المتمثلة بالأثر السلبي للعيب على الحياة الزوجية. على أنه لا يلزم من وحدة العلة وحدة السبب المفضي إليها، فقد تتنوع الأسباب ويبقى حكمها واحداً لوحدة علة حكمها، ذلك أنّ الحكم مرتبط بعلته يدور معها وجوداً أو عدماً، لأنها هي الباعثة على تشريعه، أو الموجبة له، على اختلاف في التعبير عنها عند علماء أصول الفقه الإسلامي( ).
والضرر( ) الذي يظهر أو يعلم بعد إبرام عقد الزواج، قد يكون سببه عيباً مادياً أصاب الزوج أو الزوجة يتعذر أو يتعسر معه الاستمرار بالحياة الزوجية بما يحقق الحكمة منها من التناسل أو السكينة والمودة والرحمة.
وقد ينتفي العيب المادي ويظهر عيب معنوي أخلاقي، أو تباين حادّ وتنافر في الطباع بين الزوجين مما يورث شقاقاً ونزاعاً يترتب عليه ما ترتب على السبب الذي قبله من تعسر الاستمرار بالحياة الزوجية بما يحقق حكمها. وقد يتحقق الضرر بإعسار الزوج عن القيام بالتزاماته المالية من النفقة ودفع المهر وقد يكون الضرر مادياً ومعنوياً سببه غياب الزوج أو فقده أو ما في حكمهما، كالهجر والحبس.

التفريق للضرر بسب العيب :

تتمايز العقود فيما بينها بتمايز حِكَمِها أو الغايات المترتبة عليها، وهي تراد لغاياتها إذ العقود وسائل، فهي غير مرادة لذاتها بل لغيرها. فعقد الزواج مراد لتحقيق التناسل لحفظ النوع البشري، ولتحقيق التكامل بين الزوجين، والذي يعبّر عنه بالسكينة والمودّة والرحمة وهو ما جاء به النص القرآني( ). وعقد الزواج عقد رضائي من حيث أن الأصل في العقود الرضائية، ورضا كل طرف من أطرافه رضاً منه بالعمل لتحقيق غاية هذا العقد، وليس رضاءً قاصراً على إبرام العقد بإكمال صيغته فقط. فأمكن، بناء على ذلك، استصحاب عدم الرضا متى قام سبب في أحد الأطراف يعطل حكمة العقد أو يضعف جانبها، وهوا ما نسميه بـ (العيب)، ولم يعلم به الطرف الآخر.
وبالتالي كان قبول من ثبت له الخيار بهذا العقد مع وجوب العيب بالطرف الآخر وعلمه به رضاء إضافياً، نقطع به استصحاب حكم عدم القبول لقيام الدليل على ما يخالفه . والشرع أو القانون لا يتدخل بمنع انعقاد العقد للعيب لأنّ بناء العقد لم يختل من حيث توافر أركانه، ولأنّ حكم التفريق للعيب جاء مراعاة لمصلحة خاصة بمن ثبت له الخيار، وهو أولى به، فله استعماله أو الامتناع عن استعماله.

ولما كان في إنشاء الزواج وديمومته مراعاة لمصلحة عامة من حيث أنّ الأسرة نواة المجتمع وتمساكها عماد تماسكه، حاول الشرع التضييق من نطاق العمل بالتفريق للعيوب. فذهب رأي فقهي إلى محاولة إغلاق أي باب يفضي إلى توسيع هذا النطاق الضيق بظنه بالقول أن لا خيار في غير العيوب المذكورة في كتب فقه الأقدمين، من حيث إنّ حكم الخيار قاصر على ما ذكر فيها من العيوب,، وبالتالي لا يجري القياس عليها. بينما ذهب أنصار الرأي الآخر إلى القول بعدم قصر التفريق على ما ذكر من العيوب عند المتقديمن، من حيث إن هذه العيوب جاءت بصيغة التمثيل لا الحصر، لأنّ الجامع فيها أنّ مصالح النكاح لا تقوم معها أو تختلّ بها، وبالتالي هي معللة بالضرر الفاحش، أو بالضرر بسبب العدوى، أو بالضرر المعنوي لعدم القدرة على الوطء، ومن ثم جاز القياس عليها( ). وبهذا الاتجاه أخد (المشروع) في المادة 106/أ منه ونصّها:
“إذا وجد أحد الزوجين في الآخر علة مستحكمة من العلل المنفردة أو المضرة، كالجنون والبرص والجذام، أو التي تمنع حصول المتعة الجنسية كالعنة والقرن ونحوهما……، جاز له أن يطلب فسخ الزواج، سواء أكانت تلك العلة موجودة قبل العقد أم حدثت بعده”.

ومن خلال ذلك نجد أنّ العيب بالوصف المذكور معيب للرضا، مخلّ بتوازن الالتزامات المتقابلة لأطراف العقد، مخلّ بحكمة الزواج أو معطل لها فيتعذّر أو يتعسّر معه الاستمرار بالحياة الزوجية. وذلك له بعد سلبي على طرفي العلاقة التعاقدية وعلى نسلهما حال إلزامهما بهذه العلاقة المختلة مع رفض القبول بها، وعلى المجتمع الذي تمثل الأسرة فيه نواته. ولو تحققنا لوجدن أنّ مردّ كل هذه الآثار أمر أصاب الواقع وتعلّق بأحد أطراف العقد أو بكليهما ألا وهو العيب، رغم أن العقد مكتمل البناء بأركانه وشروط انعقاده وصحته ونفاذه. وإدراك هذا الواقع بهذه الآثار وما يلزم فيه من أحكام للانتقال به إلى ما يجب أن يكون عليه الزواج هو عملية تكييف.

وهذه العيوب منها ما يخصّ به الرجال، ومنها ما تخصّ به النساء، ومنها ما هو مشترك بينهما، وفي ضوء ذلك نقسم هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث .

المبحث الأول : التفريق للعيوب القاصرة على الزوج 

العيوب التي إذا أصابت الزوج جاز للزوجة طلب التفريق من القاضي بسببها هي : الجَبّ، والعنّة، باتفاق الفقهاء، واختلفوا في عيب الخصاء. معللين ذلك بأن : “عامة مصالح النكاح يقف حصولها على الوطء،فإنّ العفة عن الزنا والسكن والولد لا يحصل إلاّ بالوطء ولهذا يثبت الخيار”( ).

المطلب الأول: الجَبًُّ

الجّبُّ، معناه القطع، والمجبوب: من استؤصل ذكره وخصياه( ). وهو كذلك عند الحنفية والمالكية( ). وعند الشافعية والحنابلة، هو من قطع ذكره كله أو بعضه من بقاء ما لا يمكن الوطء به( )، وهو مخل بالاستمتاع (الوطء) الذي هو مقصود أصلي في النكاح.
والواقع في هذه الجزئية لا ينصلح بغياب المقصود الأصلي. ولما كان المجبوب لا أمل له بتغير حاله لفقده لآلة الجامع، لم يؤذن للقاضي بتأجيل المجبوب سنة كما في حالة العنين الذي سنتبين أحكامه في المطلب القادم، “لأن التأجيل في العنين لرجاء الوصول، وذلك في المجبوب لا يوجد، فالمقطوع من الآلة لا ينبت، فلهذا فرّق بينهما في الحال”( ). فكان الفيصل في اختلاف حكمهما هو إمكانية أداء حق الزوجة بالوصول إليها، وهو متعذر في المجبوب ومرجو حصوله في العنين.
وإذا ثبت كون الزوج مجبوباً قبل الدخول إما بإقراره أو بثبوته بعد التحري من أهل الخبرة ثبت للزوجة خيار التفريق. وأما إصابته بالجب بعد الدخول فمحل خلاف بين الفقهاء من حيث ثبوت خيار الزوجة به، فذهب الحنفية والمالكية والحنابلة في أحد الوجهين إلى أن لا خيار لها، لأنّ حق الزوجة في الوطء يحصل بمرة واحدة، وما زاد على ذلك لا يجب على الزوج قضاء ويجب ديانة( ). وفي ذلك تقييد لحق الزوجة في الاستمتاع.

وذهب الشافعية والحنابلة في الوجه الآخر إلى ثبوت الخيار للزوجة مطلقاً، لأن الجّبّ يورث اليأس من الوطء، واستدامة الوطء، بعقد النكاح حق للزوجة كما هو حق للزوج( ). فكان اختلافهما في ضمّ واقعة استدامة وطء الزوجة إلى نظام الواجب ديانة أو الواجب قضاء، وهو عملية تكييف، سبباً لاختلاف الأحكام الفقهية بهذا الصدد. وبالاتجاه الأخير أخذ (المشروع) في المادة 106/ج ونصها: “على أنّ حق الزوجة في طلب الفسخ للعلة المانعة عن المتعة الجنسية لا يسقط بحال”.

وفي ضوء ما تقدم تبيّن لنا أنّ إيجاب الخيار لها لما في الجبّ من تفويت حقها في الاستمتاع، وقد ثبت لها عدم قدرته على أداء حقها المذكور وهو حق خالص لها فكان لها الخيار. وثبوت الخيار في نطاق العقود عموماً يعني أنّ العقد قد ضُمّ إلى نظام العقد غير اللازم – لطرف واحد – بعد أن كان قبل العيب لازماً لطرفيه. وظاهر أنّ مصدر هذا الخيار أو سببه ليس طبيعة العقد لأنّه عقد لازم من حيث الأصل، وليس سببه اتفاق الطرفين، بل مصدره الشرع الذي جعل من اختلال تعادل الحقوق أو الالتزامات المتقابلة سبباً لظهور خيار التفريق وهو الذي أختلف في صفته؛ هل هو تطليقه بائنة أم فسخ للعقد؟، سنورد أقوال العلماء في ذلك قريباً. فإذا ثبت الخيار للزوجة فهل تثبت الفرقة بين الزوجين باختيارها أم يتوقف على حكم حاكم؟ والجواب عن ذلك مبني على تكييف الواقعة. وبيانه الآتي:

ذهب عامة الحنفية والمالكية والحنابلة والشافعية، على الأصح، عندهم إلى أنّ التفريق يتوقف وقوعه على حكم حاكم، لأن هذه الفرقة أمر مجتهد فيه، فهي محل نظر وتحرّ وبذل جهد في تحرير سببه، والقاضي أهل لذلك بخلاف الزوجة. وهذا ما نهجه (المشروع) في المادة 72/أ ونصها “فسخ الزواج في جميع الأحوال يتوقف على قضاء القاضي، ولا يثبت حكم له قبل القضاء”.
بينما ذهب الإمامان أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة – في غير رواية الأصول – والشافعية في القول الصحيح المقابل للأصحّ عندهم( ) إلى أن الفرقة تقع بنفس اختيار الزوجة، لأنها تملكه كمن خيرها زوجها في تطليق نفسها فطلقت نفسها، فلا تتوقف الفرقة على حكم حاكم( ) وهذا الراي هو ظاهر الرواية عند القاضي في شرحه لمختصر الطحاوي، وقيل إن ظاهر الرواية يفيد أن :

“إن تخيير المرأة من القاضي هو تفويض الطلاق إليها، فكان اختيارها الفرقة تفريقاً من القاضي من حيث المعنى لا منها، والقاضي يملك ذلك لقيامه مقام الزوج، وهذه الفرقة تطليقه بائنة لأنّ الغرض من هذا التفريق تخليصيها ممن لا يتوقف منه إيفاء حقها دفعاً للظلم والضرر عنها وذا لا يحصل إلاّ بالبائن” بينما هي فسخ عند الشافعي وفي ذلك اختلف الأمر( ).

وعليه فصفة الفرقة بالجَبّ طلاق بائن عند الحنفية والمالكية؛ لأنّ الواجب على الزوج أحد أمرين، “فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، “ومعلوم أنّ استيفاء النكاح عليها مع كونه محرومة الحظ من الزوج ليس من الإمساك بالمعروف في شيء، فتعيّن عليه التسريح بالإحسان، فإن سرح بنفسه، وإلا ناب القاضي منابه في التسريح” ( ) وعد الطلاق بائناً ليتحقق دفع الظلم عنها؛ لأنه إذا كان رجعياً، أمكن مراجعتها فبقي الظلم عليها. والنكاح الصحيح النافذ اللازم لا يحتمل الفسخ عندهم. والملاحظ أنّهم عللوا الحكم الموجب للتفريق بالضرر النازل بالزوجة بسبب العيب إلاّ أنّ الفرقة تقع عندهم بحكم القاضي حقيقة لا باختيار الزوجة من حيث لأنها تملك خيار التفريق ابتداءً.

أما الشافعية والحنابلة فقد عدّوا هذه الفقرة فسخاً وليس طلاقاً، لأنه ردّ لعيب فكان فسخاً كردّ المشتري، واحتجوا بالحديث الذي يدل ظاهره على الفسخ وهو أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام، ردّ امرأة لأنه رأى بياضاً في كشحها( ) وهذا ردّ لعيب.

وأرى أنّ المتحصّل مما ذكر اتجاهات أربعة مردّها الاختلاف في التكييف :

  • أحدها : يرى توقّف وقوع الفرقة على قرار القاضي، مكيّفين قراره بالكاشف عن الحكم لا المنشئ له، بمعنى أنّ دور القاضي هو التثبّت من وقوع سبب الفرقة وشروط تحقق الخيار واستعماله. ويمكن القول إنّ هذا الرأي مبنيّ على اعتبار ثبوت خيار الزوجة شرعاً في هذا المقام إلاّ أنّ وقوع الفرقة بالفعل مترتب على واقعة مركبة من استعمال الزوجة لخيارها وصدور قرار قضائي به. ولما كانت الواقعة المركبة لا تتحقق إلاّ بالأمرين معاً كان تاريخ وقوع الفرقة هو تاريخ صدور القرار القضائي بخصوصها.
  • الثاني: يرى أنّ الفرقة يملكها القاضي لرفع الظلم عن الزوجة، مكيّفين ذلك على أنّ القاضي يقوم مقام الزوج في هذا المقام حال امتناعه عن التسريح بإحسان لما للقاضي من الولاية العامة. وبالتالي جاز له بموجب ما ذكر تفويض الزوجة بإيقاع الفرقة بإرادتها، كما هو الحال في تفويض الزوج زوجته في تطليق نفسها. وهذا التكييف ربط خيار الزوجة من حيث مصدره بالولاية العامة للقاضي وهي التي بموجبها يقوم مقام الزوج، مبتعداً من هذه الحيثية عن الاتجاه السابق، واللازم لهذا التكييف أنّ الفرقة تقع من تاريخ استعمال الزوجة لخيارها الثابت لها بموجب التفويض المذكور.
  • الثالث : يرى أنّ الفرقة تقع باختيار الزوجة دون توقف على حكم حاكم، مكيّفين ذلك على أنه حق مقرر شرعاً لها تحقق سببه فملكت استعماله من غير قيد، كحقها في تطليق نفسها بإرادتها عندما يخيّرها أو يفوّضها زوجها تطليق نفسها.
  • الرابع : يرى أنّ الفرقة فسخ، مكيّفين ذلك بأنه وسيلة يملكها المتعاقد لدفع الضرر عنه والناشئ من حالة عدم التعادل في الالتزامات المفضي إلى اختلال الرضا بالعقد كما في ردّ المبيع للعيب.
    وننبّه وبحسب ما ورد في أول المطلب، إلى أنّ الجبّ علّة كافية لإيقاع الفرقة فلم يعط للقاضي، عند من يعلّق وقوع الفرقة على قراره، سلطة تقديرية في عدم الحكم بموجبها حال ثبوتها.

المطلب الثاني : العُنّة عدم القدرة على إتيان النساء مع وجود الآلة( ).

وسمي المصاب بذلك عنيناً لأنّ ذكره يسترخي فيعينّ يميناً وشمالاً ولا يقصد للمأتي من المرأة ( ). ويطلق المالكية على هذا المعنى مصطلح (الاعتراض)، ويطلقون العنّة على صغر الذكر بحيث لا يسمح بالإيلاج( ). والعنّة تكون لمانع، فعدم انتشار الذكر قد يكون لمرض عضوي أو نفسي، أو لضعف، أو لسحر( ). ولكنه مع استمراره عيب مخل بمقصود النكاح أيّاً كان سببه.

وعيب العنّة حال استمراره يمنع لزوم النكاح لوقوع الخلل في تقابل الحقوق والالتزامات التي يوجبها العقد، والخلل هنا قد وقع على الأداء الذي هو محل التزام الزوج تجاه زوجته، ومع قدرتها على أداء ما التزمت به ثبت لها الخيار بين البقاء مع زوجها أو طلب التفريق. فإذا طلبت التفريق وثبت للقاضي وجود علّة العنّة في الزوج لم يفرق بينهما في الحال بل يؤجلها سنة رجاء زوال العلة خلالها ومن ثم حصول الوطء. وفي هذا محاولة للكشف عن حقيقة هذه الواقعة هل هي علة موجبة للحكم أم هي عارض، والعارض طارئ لا دوام له. وهذه كما هو ظاهر مسألة تكييف . وبهذا أخذ (المشروع) في المادة 107 ونصها: “إذا كانت العلل المذكورة في المادة السابقة غير قابلة للزوال تفسخ المحكمة الزواج للحال دون إمهال. وإن كان زوالها ممكناً تؤجل المحكمة القضية مدة مناسبة لا تتجاوز سنة، فإذا لم تزل العلة خلالها وأصرّ طالب الفسخ، فسخت المحكمة الزواج”.

وعلّة التأجيل لسنة هو أنّ الأبدان تختلف نشاطاً وضعفاً باختلاف الفصول الأربعة، فـ”العجز عن الوصول يحتمل أن يكون خلقه ويحتمل أن يكون من داء أو طبيعة غالبة من الحرارة أو البرودة أو الرطوبة أو اليبوسة، والسنة مشتملة على الفصول الأربعة، والفصول الأربعة مشتملة على الطبائع الأربع، فيؤجل سنة لما عسى أن يوافقه بعض فصول السنة، فيزول المانع، ويقدر على الوصول”( ).
وبالتأجيل سنة مضى قضاء عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود رضي الله عنهم، وكان قضاؤهم بمحضر من الصحابة، رضى الله عنهم، ولم ينقل أنه أنكر عليهم أحد منهم، فيكون إجماع”( ) سكوتياً. واختلف في بدء السنة( )، وهل هي سنة شمسية أو قمرية؟ روي عن أبي حنيفة أنها سنة شمسية؛ لأنّ الفصول الأربع لا تكتمل إلا بالسنة الشمسية لأنها تزيد على القمرية بأيام، فيحتمل زوال العارض في هذه الأيام ( ).

فإذا انتهت السنة لم يفرق القاضي بينهما إلا بشرطين،

  • أحدهما : إصرار الزوجة على طلبها التفريق بينهما،
  • والثاني: ثبوت عدم وصول الزوج لها بالوطء خلال السنة، والعلة في التفريق هو ما ذكر في الجَبّ من دفع الضرر والظلم عن الزوجة. وصفة الفرقة هنا هي صفة الفرقة في الجبّ والاختلاف فيها من حيث كونها طلاقاً بائناً أو فسخاً هو نفسه أيضاً.
    إلا أنّ العنّة تفترق عن الجبّ في كونها علّة غير مستقلة أو غير كافية لإصدار القرار القضائي بالفرقة بمجرد رفع الدعوى والتحقق من حصول العيب بالزوج، وذلك لأمل زوال العيب، بخلاف الجبّ الذي لا أمل بزواله. كذلك يثبت بينهما فرق آخر يتعلّق بعمل القضاء، يتمثّل في لزوم إقحام القضاء لإثبات الفرقة بالعنّة، بينما ذلك في الجبّ محل خلاف .

المطلب الثالث : الخِصاء

الخصيّ، من سُلَّت خصيتاه وبقي ذكره، هذا عند جمهور الفقهاء، وعند المالكية هو من قطع ذكره ذون أنثييه( )، ومن كان هذا حاله سمي مجبوباً عند الجمهور، وبالتالي يأخذ حكمه الوارد ذكره في المطلب الأول، وأبرز أحكامه التفريق في الحال دون تأجيل وذلك لانقطاع الرجاء بالوطء لعدم وجود الآلة.

واختلف الفقهاء في الخصاء في كونه عيباً يبيح التفريق على قولين، بناؤهما على الاختلاف في تكييف واقعة الخصاء، هل حقيقتها بقاء قدرة الذكر على الانتشار معه أو عدم قدرته على ذلك. ويترتب على هذا التكييف نتيجةً له الحكم بأنّ الخصاء يخلّ بحق الزوجة في الوطء أم لا يخلّ به.
فمن رأى أنّ الخصاء يمنع الوطء أو يضعفه إلى درجة كبيرة، بحيث لا يستطيع الزوج الخصيّ معه وطء زوجته، قال بأنه عيب يبيح التفريق بعد التأجيل لمدة سنة؛ لأن حال الخصيّ حال العنين فيأخذ حكمه( ) ومبناه الخيار كما سبق، وبهذا حكم عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حيث بعث رجلاً على السقاية فأتاه فقال تزوجت امرأة، فقال : أخبرتها أنك عقيم لا يولد لك؟ قال : لا، قال فأخبرها وخيّرها( ).

وأرى أن هذه الرواية افادت فضلاً عن مسألة القدرة على الوطء أنّ العقم من الزوج، بمعنى أنه لا يولد له، لسلّ خصيتيه، عيب يبيح للزوجة طلب التفريق من زوجها إذا كانت لا تعلم بهذا العيب وقت العقد، لأنه مخلّ بمقصود أصلي في النكاح.
ومن رأى أنّ الخصاء يمنع النسل لكنه لا يمنع الانتشار والوطء، بل هو يقويه لأن الزوج لا ينزل ماءً بجماعه فلا يعتريه ضعف أو فتور لذلك، قال بأنه ليس بعيب مبيح للتفريق لأن عدم الإنجاب لا يضر بالاستمتاع( ). وأرى تعقيباً على تخريجهم الذي مفاده أنّ الاستمتاع يملكه الزوج السليم لأن بمقدوره، والإنجاب لا يملكه لأنه ليس بمقدوره، فلم يكن التزاماً عليه لزوجته وبالتالي لم يكن حقاً لها، فروعي هذا الأمر في الحكم عندهم، أنّ الزوج سواء أكان سليماً أو غير سليم لا يملك حصول؛ الولد لأنه ليس بمقدوره، إلاّ أن السليم يملك سببه وهو بمقدوره على خلاف غير السليم فافترق الأمر. فالزوجة تأمل من السليم حصول الولد ولا تأمله من الخصي. والتناسل أحد المقاصد الرئيسة في النكاح. وأضيف أيضاً أن الخلاف بين الرأيين في حكم الخصيّ شكلي وليس جوهرياً لأنه لا ينصب على معنى واحد .

وبعد؛ فإنّ تكيف الفقهاء لواقعة الخصاء من حيث كونها عيباً موجباً للتفريق أو ليست كذلك، مقصور على إمكانية تحقق الوطء من عدمه، على اعتبار أنّ غالب مصالح الزواج واستدامته تتوقف على الوطء، وأنّ الوطء حق للزوجة وهو التزام على الزوج قضاء أو ديانة أو الاثنين معاً بحسب ما ذكر سابقاً من خلاف فقهي بهذا الشأن.

المبحث الثاني : التفريق للعيوب القاصرة على الزوجة

العيوب التي تختص النساء بالإصابة بها دون الرجال وهي على العموم :

الرتق( )، والقرن( )، والعفل( )، والإفضاء( )، والاستحاضة المستدامة، أما الأمراض الحديثة كالإيدز والزهري وغيرهما مما تصاب به النساء والرجال فسيأتي الكلام بخصوصها في العيوب المشتركة .

وقد اختلف الفقهاء بخصوص هذه العيوب في أمرين :

  • أحدهما: هل يقع بها التفريق، بمعنى هل يملك الزوج خيار التفريق كما تملكه الزوجة في العيوب التي تصيب الزوج أم لا يملك ذلك؟.
  • والثاني: هل يملك الزوج خيار التفريق – عند من يقول به – بجميع العيوب المذكورة، أم يقتصر حقه على بعضها؟
    أما بخصوص الأول فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز التفريق بعيوب النساء، فالزوج والزوجة سواء في هذا الحق، أي خيار التفريق للعيب. على اعتبار أنّ مبنى ذلك عدم التعادل بين الالتزامات المتقابلة لطرفي العلاقة التعاقدية، وحكم الخيار مرتبط بذلك، وبهذا الاتجاه أخد (المشروع) في المادة 106/أ منه وقد مرّ ذكرها.

بينما ذهب الحنفية إلى قصر خيار التفريق للعيب على الزوجة دون الزوج، لأنه يملك الطلاق فيستطيع مفارقتها به، بينما هي لا تملك الطلاق فسبيلها طلب التفريق منه للعيب لدفع الضرر عنها( ).
وهذا خلاف فقهي مبني على اختلاف تكييف التفريق؛ هل هو حق لمن وقع عليه الضرر ينقلب العقد بموجبه غير لازم؟ أم هو وسيلة رفع أو دفع الضرر، تدرؤه الزوجة عن نفسها بواسطة القاضي، خاصة عند الحنفية، والزوج يملك درؤه عن نفسه بنفسه بواسطة الطلاق، فلا حاجة تدعو عندئذ لتعليقه على حكم حاكم؟
ولا يخفى أنّ آثار التفريق بناء على استعمال خيار التفريق للعيب تختلف عن آثار إنهاء العلاقة الزوجية بالطلاق، وهي التي ستكون أشدّ على الزوج، وليس من مجال لبحث ذلك في هذا الموضوع. أما بخصوص الأمر الثاني : فقد ذهب المالكية إلى أنّ العيوب التي يقع بها الخيار هي : الرتق، والقرن، والعفل، والإفضاء،. ووافقهم عليها الحنابلة. ولم يجز الشافعية التفريق بعيبي العفل والإفضاء( ).

وذهب بعض الشافعية والحنابلة إلى جواز التفريق بعيب الاستحاضة وبقبول أخرى منفّرة( ). ومبنى هذا الخلاف الخلاف في تحديد موجب الحكم؛ هل هو تعطّل حكمة الزواج والتي مبناها الوطء أم تعرّضها للخلل والنقصان؟
أما (المشروع) فقد أطلق مفهوم العلة المبيحة لطلب الفسخ قضاءً من العدد، وقيّدها بوجوب كونها مستحكمة ومنفرة أو مضرة حسب ما قرره في المادة 106/أ منه . والذي يُلاحظ في هذه العيوب أنّ ما يمكن علاجه خاصة مع تطور علوم الطب ووسائله لا يجوز التفريق به لانتفاء علّة الحكم؛ لأن هذه الأحكام تدور مع عللها وجوداً وعدماً. مع ملاحظة أنّ القواعد تقضي بعدم إلزام الزوج نفقات العلاج إلا أن يكون متبرعاً لأنّ من حقه استيفاء منفعة المحل كاملة بالعقد لا بغيره.

المبحث الثالث: العيوب المشتركة

وهي ما يمكن قيامها بالزوج أو بالزوجة على السواء، وتقدم أن الحنفية لا يُملّكون الزوج خيار التفريق للعيب لأنه يملك الطلاق، وبالتالي يبقى رأي الجمهور الذي يبيح للزوج والزوجة.
وهذه العيوب وردت على سبيل الحصر على رأي، وعلى سبيل المثال على رأي فقهي آخر. ورجّح الرأي الثاني لأنّ النظر منصرف، لا إلى ذات المرض، بل إن العلة الموجبة لإباحة حكم الخيار فيه، وهو كون الحياة الزوجية لا تستقيم مع قيام العيب واستمراره، وقد تقدم الكلام في ذلك. والعيوب التي بحث فيها الفقهاء هي :
الجنون، والجذام( )، والبرص( )، وقطع الأطراف أو بعضها، والعرج، والشلل، والطرش، والخرس، والعمى، وبخر الفم والصنّان، والباسور، والناسور.

ويرى جمهور الفقهاء جواز التفريق بعيب الجنون، والجذام، والبرص، لأن الجنون لا يحصل مقصود النكاح معه. وأما البرص والجذام فلأنهما عييان منفران ومعديان( )، ولما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تزوج بإمرأة من بني غفار، فلما دخل عليها ووضع ثوبه وقعد على الفراش أبصر بكشحها بياضاً فانحاز على الفراش ثم قال: خذي عليك ثيابك ولم يأخذ مما آتاها شيئاً( ) واستدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام : “لا عدوى ولا طيرة ولا هامّة ولا صفر، وفرّ من المجذوم فرارك من الأسد”( )، والفرار من المجذوم يدل على جواز فسخ النكاح أو الفرقة بهذا العيب.

وبناءً على ذلك انقلب حكم العقد من عقد صحيح لازم لطرفيه، إلى عقد صحيح غير لازم لطرف واحد، لظهور الخيار بسبب العيب، على أساس قاعدة: إنّ الأصل سلامة المحل بخلوّه من العيوب. والسلامة صفة مستصحبة حتى يقوم الدليل على خلافها، وقد قام. ووافق الإمام محمد بن الحسن من الحنفية الجمهور بجواز التفريق بهذه العيوب إذا أصابت الزوج، أما إذا أصابت الزوجة فللزوج مفارقتها بالطلاق( ).
أما الإمام أبو حنيفة وأبو يوسف، فذهبا إلى عدم جواز التفريق بهذه العيوب مستدلين على ذلك بما يأتي :

  • 1. أنّ فوات جميع ثمرات العقد بالموت قبل الدخول أو عقيب العقد لا يوجب فسخ النكاح، ففوات بعضها بهذه العيوب لا يوجب الفسخ من باب أولى( ).
    وأرى أنّ هذا قياس مع الفارق، فموت الزوج أو أحد أسباب انتهاء العقد مع أنّ الضرر لم يلحق بالزوجة بالفعل بسبب انتهاء العقد سواء بالموت قبل الدخول أو عقيب العقد. بينما العقد قائم في حالة العيب الملحق بالزوج الحي، وضرر الزوجة قائم مستمر، لأنها محبوسة لصالحه، إن لم نبح لها الفرقة عنه.
  • 2. أنّ الضرر في هذه العيوب غير دائم لقابليتها للزوال، فإن لم تكن قابلة للزوال فهي كالعمى وسائر العيوب التي لا يفسخ النكاح بها عندهما.
    أقول: ليس كل ضرر موجب للفرقة، بل الموجب منها للفرقة هو الضرر الذي لا تستقيم معه الحياة الزوجية. مع ملاحظة أن إدراك هذه العلة في الواقع مسألة إدراك للواقع، أي مسألة تكييف، وهو تكييف مسند إلى جهة أو سلطة تشريع الأحكام من حيث تشريع الحكم بحقّه، وهو تكييف مسند إلى جهة الفقه والقضاء من حيث إيقاع الحكم بموجبه بعد إدراك وقوعه على حقيقته على أرض الواقع.

ولما لم يكن كل عيب موجب للفسخ أو الطلاق، اختلفوا في التفريق بالعيوب التي لم يرد ذكرها فيما تقدم، فقد قال بعض الحنابلة يجوز التفريق بسبب عيب بخر الفم والصنان والباسور والناسور، والقرح السيالة في الفرج، لأنها تثير النفرة، وتعدي بنجاستها( )، ولا يرى الشافعية في الراجح من المذهب التفريق لهذه العيوب( ).
ومضى القول أنّ العيوب التي تتم معالجتها لا يجوز التفريق بها لانتفاء علة الحكم. أما العمى والطرش والخرس وقطع اأطراف فهي عيوب غير مخلة بمقصود النكاح عند جمهور العلماء، وهم فقهاء المذاهب الأربعة( ).

وذهب إلى ثبوت حق التفريق حق التفريق بها فقهاء؛ منهم : القاضي شريح والزهري، حسب ما ذكره ابن القيم وانتصر لرأيهم، لأنها لا تقل خطراً عن العيوب الأخرى، ولأنها تُعدّ مشروطة عرفاً( ) بحسب رأي هذا الفريق من الفقهاء.
ولكي يثبت الخيار لطالب التفريق يشترط عدم ثبوت رضاه بالعيب لا صراحة ولا دلالة وإلا سقط حقه بالخيار، ولزم العقد، وهذا ما سار عليه (المشروع) في المادة 106/ب ونصها : “ويسقط حقه في الفسخ إذا علم بالعلة قبل العقد أو رضي بها بعده”.
يُعدّ رضاه دلالة إذا كان عالماً بالعيب وسكت عنه أو قام بما يدل على رضاه كوطء الزوج لزوجته المصابة بعيب يبيح التفريق، إلا في مسألة العنين فإن المالكية – ويسمون العنّة بالاعتراض – والشافعية يبيحون للزوجة طلب التفريق لعنّة زوجها وإن علمت بعنته قبل العقد، لأنّ العنة تحصل في حق إمرأة دون أخرى وفي نكاح دون نكاح( ).

وأرى أنّ ذلك لا يشكّل رضاً بالعيب؛ لأنّ الرضا به يحصل حال العلم به وباستمراره والقبول به رغم ذلك. وبعد، ففيما تقدم نجد أنّ تدخّل القضاء للتفريق أمر ضروري للتثبت من وجود العيب أولاً، وكونه من العيوب المبيحة للتفريق ثانياً، وأن شروط المطالبة بالتفريق متوافرة في طالب التفريق ثالثاً، ثم توقف الحكم بالتفريق بعد ذلك على صدور القرار القضائي به وثبوته من تاريخ الحكم أو من تاريخ استعمال الخيار أمر محتمل للخلاف .
وأخيراً فإن هناك اليوم أمراضاً حديثة لم يتكلم عنها الفقهاء لعدم ظهورها في زمانهم وفي مقدمتها مرض (الإيدز)( ) والسارس( )، وكذلك الزهري وغيره، فإذا أصيب به أحد الزوجين فهل يجوز للزوج الآخر أن يطلب التفريق؟
قد تقدم أن الحنفية لا يجيزون للزوج طلب التفريق ويجيزونه للزوجة، لأن الزوج يملك حق الطلاق، أما الجمهور فإنهم يجيزون طلب التفريق لكل من الزوجين، وتقدم أيضاً أن الفقهاء انقسموا فريقين بشأن العيوب التي يجوز بسببها طلب التفريق: فريق المضيقين الذين يرون الاقتصار على العيوب التي ذكرت في كتب الفقه، وفريق الموسعين الذين يرون القياس عليها والاعتداد بكل عيب لا تستقيم به أو معه الحياة الزوجية، وهو الراجح، وبه أخذ (المشروع) في المادة 106/أ منه وقد مرّ ذكرها.
وتأسيساً على ما تقدم فإنه يجوز لكل من الزوجين على رأي الجمهور طلب التفريق إذا ثبت أن الزوج الآخر مصاب بالإيدز أو بأي مرض حديث تتوفر فهي العلة التي تجيز التفريق.

وتأكيداً في بيان ما مضى في هذا الفصل فإنّ مما دخل نطاق التكييف أمكن إيراده موجزاً في التالي :

  • 1. إدراك أنّ العيب سبب موجب للضرر متى أخلّ بحكمة تشريع الزواج. وهذا نوع تخصيص لعموم الضرر مدركه، أي المخصص، الواقع.
  • 2. أنّ من الضرر ما يتسامح فيه شرعاً أو عرفاً، وهو ما لا يخلّ بحكمة الزواج .
  • 3. ولما كان من العيوب ما يخلّ وجوده أو استمراره بمقصود النكاح، ومنها ما لا يخلّ به كان المعيار في ذلك موضوعياً وليس شخصياً.
  • 4. والعيوب المخلّة بمقصود النكاح هي التي تخلّ بميزان التعادل في الحقوق والالتزامات المتقابلة التي يرتبها العقد على أطرافه.
  • 5. أنّ هذا الخلل في ميزان تقابل الحقوق والالتزامات وفي مقصود العقد يؤثر حتماً في صفة العقد، وهو ما حصل فعلاً في نطاق بحثنا هذا فقلب العيب العقد من كونه لازماً لطرفيه، إلى كونه غير لازم لطرف واحد، وهو الطرف غير المعيب، مراعاة لحقه.
  • 6. أنّ صفة التفريق محتملة كونها طلاقاً بائناً أو فسخاً، ولذلك وقع الاختلاف فيها.
  • 7. خيار التفريق هل هو حق يثبت لمن لا سبيل له إلى إنهاء العقد بغير هذا الخيار، وهي الزوجة، أم هو خيار يثبت لكل من قام سببه بحقه؟ مسألة محتملة للخلاف.
  • 8. وقوع أثر خيار التفريق هل يتوقف على إرادة من له الخيار بإعلانه رغبته باستعمال الخيار أم يتوقف الأمر على قرار القضاء. مسألة محتملة للخلاف أيضاً.
  • 9. العيوب التي ذكرت عند المتقدمين من الفقهاء هل يجري القياس فيها أم لا يجري؟ وهذه مسألة تفسير كما تقدم في الفصل الأول المراد منها توسيع نطاق دائرة الحكم ليشمل كل حادثة أو واقعة غير منصوص على حكمها تشترك في الواقعة المنصوص على حكمها في علّة الحكم، وبالتالي في الحكم، إلاّ أن إدراك العيوب غير المنصوص عليها وعظم خطرها وتهديدها لحكمة الزواج، مسألة تكييف .
  • 10. وفي كل ما تقدم نجد أنّ المسائل متوقف إدراك حقيقتها وصفتها وحكمها على النظر. وتقدم في الفصل الأول أنّ التكييف، وكذلك التفسير، عملية اجتهادية. ولما كان التكييف كذلك أمكن وقوع الاختلاف في نتائجه كلما تعدت الأنظار في الكشف عن حقيقة واقعة منظورة لها، وتنوعت زوايا النظر، وتفاوتت قوة ملكة العقول في إدراكها الحقائق على ما هي عليه في الواقع.

خاتمة البحث

وأذكر فيها النتائج والتوصيات.

أولاً: نتائج البحث :

ونوردها تفصيلاً في النقاط التالية :

  • 1. أنّ الوقائع غير متناهية بينما النصوص الشرعية أو القانونية متناهية، ولا بدّ من ضمّ جميع الحوادث تحت مظلّة الأحكام، وذلك يستلزم الاجتهاد ضرورة.
  • 2. مبنى الاجتهاد السليم على دعامتين ورابطة. إحدى الدعامتين تتمثل في معرفة الواقع، وتتمثل الثانية في معرفة الشرع وطرق الاستنباط. وأما الرابطة فتتمثّل في أنّ هذا الواقع يقتضي هذا الحكم دون سواه من الأحكام لتحقيق مقاصد الشرع، وبعبارة أخرى؛ إنّ كل واقع يفتقر في إصلاحه إلى أحكام معينة دون باقي الأحكام الشرعية. واللازم من ذلك؛ أنّ الاجتهاد ماضٍ لحاجة كلّ واقع إلى إصلاح وفق منهج الأحكام، وأنّ تعطيله تعطيل للإصلاح وإخلال بالبناء.
  • 3. التكييف عملية اجتهادية يحتاج إليها كل مختصّ بإصلاح الواقع، خاصة علماء ورجال الشريعة والقانون سواء في ذلك المنتسبون إلى السلطات الثلاث؛ التشريعية والقضائية والتنفيذية. ولما كانت حقيقة التكيف إدراك الواقع على ما هو عليه وما يقتضيه انصلاحه، أي ما يجب أن يكون عليه، فإن طرق بلوغ هذا الإدراك هي الطرق العقلية من : تصوّر وتصدق وبناء المقدمات وترتيبها وربط بعضها ببعض للوصول إلى النتائج الصحيحة .
  • 4. أما التفسير فهو نظر ينصبّ على النصوص الشرعية أو القانونية لتوسيع نطاق الأحكام فيها. ومن هنا فارق التفسير التكييف مع قيام التلازم بينهما في إقامة الاجتهاد السليم في حكم الواقع.
  • 5. وبناءً على ما ذكر فإنّ معيار الإصابة في الاجتهاد إصلاح الواقع. وإصلاح الواقع يعني إقامة المصالح الشرعية بميزانها الشرعي. فالمصالح الشرعية علل الأحكام الشرعية بحسب استقراء النصوص الشرعية وأحكامها وبموجب إجماع الأمة. وهذا هو معيار ما يجب أن يكون عليه القانون ليوصف بالعدل.
  • 6. أن الحكم مرتبط بعلته وجوداً وعدماً، وأنّ الحكم يندفع بحكم آخر إذا كانت علّة الحكم الثاني أقوى من الأوّل ولم يمكن رفع التعارض إلاّ بإهدار إحدى المصلحتين. وهذا هو معيار النظر السليم والاجتهاد القويم. وقد مرّت بنا تطبيقات فقهاء المسلمين لهذا المبدأ في موضوع الفصل الثاني.
  • 7. وعقد الزواج سبب شُرّع لتحقيق غاية كبقية الأسباب، وغايته المودة والرحمة والسكينة والنسل، فإن أفضى إلى ما يناهض هذه الحكمة أو يعارضها كان العقد صورة بلا معنى أو مادة بلا روح.
  • 8. وإذا انتفت العلّة أو انقلبت ثمرة السبب من مصلحة إلى مفسدة أو اختلت العلة وضعفت، كان درء المفاسد أولى بالاعتبار من استمرار صورة عقد يضعف عن تحقيق حكمته. ففي الإبقاء عليه مصحلة موهمة ومفاسد محققة، ولا اعتبار بالموهوم أمام المحقق، مع ملاحظة أنّ درء المفسدة مصلحة (بالسلب).
  • 9. وميزان المصالح شرعي منضبط بضوابط موضوعية، لئلا تقع الأحكام عموماً وفي نطاق موضوع البحث البالغ الأهمية خصوصاً رهينة اعتبارات وأهواء شخصية فلا يجمعها عندئد جامع ولا يضبطها ضابط من حيث النطاق والمشروعية.

ثانياً: التوصيات :

وفي ضوء ما تقدم في هذا البحث أرى ضرورة مراعاة وتنفيذ ما يأتي :
1. إقامة مناهج علمية، ومقررات دراسية، تبيّن أصول النظر السليم في الواقع، وفي النصوص الشرعية، وكيفية الربط بين الشرع والواقع لإصلاح الواقع في ضوء ضوابط المصلحة.
2. إلزام المختصين بتشريع القوانين وتطبيقها وبموجب نصوص قانونية قاطعة في دلالتها بضرورة الاجتهاد في كل واقعة وفي ظلّ ما هو عليه واقعهم، والابتعاد عن الاقتباس الحرفي لنصوص قانونية تحكم واقعاً مغايراً، والابتعاد كذلك عن التطبيق الحرفي المادي لنصوص الشريعة أو القانون دون إمعان النظر في روحها وغايتها. فالقانون غير مراد لذاته بل هو وسيلة لتحقيق المقاصد من وراء تشريعه، ألا وهي مصالح العباد.

المراجع

1. أحمد، محمد شريف، نظرية تفسير النصوص القانونية، مطبعة وزارة الأوقاف العراقية، 1982.
2. الأسنوي، جمال الدين، نهاية السول في شرح منهاج الإمام البيضاوي، مطبعة التوفيق الأدبية، مصر، (بلا.ت) .
3. الآمدي، على بن أبي علي بن محمد، الإحكام في أصول الأحكام، مطبعة محمد علي صبيح وأولاده، مصر، 1938.
4. أميرباداشاه، محمد أمين، تيسير التحرير على كتاب التحرير، طبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، 1351هـ.
5. الأنصاري، محمد بن نظام الدين، فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت، دار العلوم الحديثة، بيروت.
6. ابن رشد، محمد بن أحمد بن محمد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، دار الفكر، بيروت، (بلا.ت).
7. ابن عابدين، محمد أمين، رد المحتار على الدر المختار، دار الفكر، بيروت، 1412هـ.
8. ابن قدامة، الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، دار الفكر، بيروت، 1412هـ.
9. ابن قدامة، عبد الله بن أحمد بن محمد، المغني على مختصر الخرقي، مكتبة الرياض، السعودية، 1400هـ.
10. ابن القيّم، أعلام الموقعين عن رب العالمين، ط2، دار الفكر، بيروت، 1977، (بلا.ت).
11. ابن القيّم، محمد بن أبي بكر، زاد المعاد في هدى الخير العباد، ط13، مؤسسة الرسالة، سوريا، 1406هـ.
12. ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، (بلا.ت) .
13. البار، محمد علي، الأمراض الجنسية؛ أسبابها وعلاجها، ط1، دار المنار، السعودية، 19885.
14. البدراوي، عبد المنعم، المدخل للعلوم القانونية، 1962.
15. البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس، الروض المربع شرح زاد المستنقع، مكتبة الرياضش الحديثة، الرياض، 1390 هـ.
16. البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي، السنن الكبرى، مطبعة دار الباز، مكة المكرمة، 1414هـ.
17. التفتازاني، مسعود بن عمر، شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح، دار الكتب العلمية، بيروت (بلا.ت) .
18. تناغو، سمير عبد السيد، النظرية العامة للقانون، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1973.
19. الجرف، طعيمة، نظرية الدولة والأسس العامة للتنظيم السياسي/الكتاب الثاني، القاهرة، 1966.
20. الحطاب، محمد بن محمد، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، ط2، دار الفكر، لبنان، 1982.
21. خلاف، عبد الوهاب، ط8، علم أصول الفقه، دار القلم، الكويت، (بلا.ت).
22. داماذ أفندي، عبدالله بن محمد، مجمع الأنهر في ملتقى الأبحر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (بلا.ت).
23. الدريني، فتحي، الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده..، ط1، مطبعة جامعة دمشق 1967.
24. الدسوقي، محمد عرفة، حاشية الدسوقي بتحقيق محمد عليش، دار الفكر، بيروت، (بلا.ت).
25. الرازي، محمد بن عمر، المحصول في أصول الفقه، ط1، من مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، السعودية، 1981.
26. الرملي، محمد بن أحمد، نهاية المحتاج في شرح المنهاج، دار الفكر، بيروت، 1404هـ.
27. الزبيدي، محمد مرتضى الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس، الكويت، 1965.
28. الزلمي، مصطفى إبراهيم، أصول الفقه في نسيجه الجديد، وتطبيقاته على التشريعات القانونية وخاصة القانون المدني الأردني رقم 43 لسنة 1976م (للباحث)، ط1، المركز القومي للنشر، 1999.
29. زيدان، عبد الكريم، المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم، ط2، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1995.
30. الزيلعي، عثمان بن علي، تبيين الحقائق في شرح كنز الدقائق – بحاشية الشلبي، ط2، دار المعرفة طبعة بالأوفسيت على طبعة مصرية، 1313هـ.
31. السرخسي، محمد بن أبي سهل، المبسوط، دار المعرفة، بيروت، 1406.
32. السرطاوي، محمود علي، شرح قانون الأحوال الشخصية، ط1، دار الفكر، الأردن، 1997.
33. سلطان، أنور، المبادئ القانونية العامة، ط4، دار النهضة العربية، 1983.
34. السنهوري، عبد الرزاق وحشمت أبو ستيت، أصول القوانين، دار الفكر العربي، القاهرة، 1952.
35. السيّواسي، محمد بن عبدالله، شرح فتح القدير، دار الفكر، بيروت، (بلا.ت).
36. السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، تفسير الاجتهاد، ط1، دار الدعوة، الاسكندرية، 1403.
37. السيوطي، الأشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1983.
38. الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الموافقات في أصول الفقه، مطبعة محمد علي صبيح وأولاده، مصر، 1969.
39. شحاته، محمد نور عبد الهادي، سلطة التكييف في القانون الإجرائي دراسة مقارنة في القوانين الإجرائية المدنية والجنائية والإدارية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1993.
40. الشربيني، محمد الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة معاني الفاظ المنهاج، دار الفكر، بيروت، (بلا.ت).
41. الشربيني، محمد الخطيب، الإقناع في حلّ ألفاظ أبي الشجاع، دار الفكر، بيروت، 1415هـ.
42. الشرقاوي، جميل، دروس في أصول القانون، دار النهضة العربية، القاهرة، 1971.
43. الشرواني، عبد الحميد، حاشية الشرواني، دار الفكر، بيروت، (بلا.ت).
44. الشوكاني، محمد بن علي، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، دار الفكر، بيروت، (بلا.ت).
45. الشيرازي، التنبيه، ط1، عالم الكتب، بيروت، 1403.
46. الشيرازي، إبراهيم بن علي بن يوسف، المهذب، دار الفكر، بيروت، (بلا .ت).
47. صادق، هشام علي، تنازع القوانين منشأة المعارف، الاسكندرية، 1993.
48. الصراف، عباس وجورج حزبون، المدخل إلى علم القانون، ط4، دار الثقافة، عمان – الأردن، 1997.
49. عبدالله، عز الدين، القانون الدولي الخاص، ط7، دار النهضة العربية، القاهرة، 1972.
50. عبيد، رؤوف، المشكلات العملية الهامة في الإجراءات الجنائية، ط3، دار الفكر العربي، مصر، 1980.
51. العدوين علي الصعيدي، حاشية العدوى على كفاية الطالب الرباني لرسالة أبي زيد القيرواني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، (بلا.ت).
52. الغزالي، محمد بن محمد، المستصفى من علم الأصول، دار العلوم الحديثة، بيروت، (بلا.ت).
53. فتاوى، قاضي خان بهامش الفتاوى الهندية في مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، ط3، المكتبة الإسلامية، تركيا، 1973.
54. فرج، توفيق حسن، المدخل للعلوم القانونية، ط2، بيروت، 1975.
55. الفيروزأبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، دار الفكر، بيروت، 1983.
56. القضاة، عبد الحميد، الإيدز حقائق وأرقام، ط2، إربد، الأردن، 1995.
57. القليوبي وعميرة، أحمد بن أحمد بن سلامة وأحمد البرلسيّ، حاشيتا القليوبي وعميرة على منهاج الطالبين، دار الفكر، بيروت، (بلا.ت).
58. الكاساني، علاء الدين أبو بكر بن مسعود، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ط2، دار الكتاب العربي، بيروت، 1982.
59. كيرة، حسن المدخل إلى القانون، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1971.
60. المرداوي، علي بن سليمان، الإنصاف، دار إحياء التراث العربي، بيروت (بلا.ت).
61. مرقس، سليمان، المدخل للعلوم القانونية، المطبعة العالمية، القاهرة، (بلا.ت).
62. مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد للإقليمين المصري والسوري، تم وضعه على يد لجنة خاصة مع مذكرته.
63. الإيضاحية ما بين 1959-1961، ط1، دار القلم والدار الشامية، 1416.
64. الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ط1، الكويت، مطابع دار الصفوة، 1416.
65. النسفي، عمر بن محمد بن أحمد، طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية، دار الطباعة العامرة، (بلا.ت).
66. النووي، يحيى بن شرف، روضة الطالبين وعمدة المفتين، ط3، المكتب الإسلامي (بيروت، دمشق، عمان)، 1412.
67. الهداوي، حسن، تنازع القوانين، ط2، دار الثقافة، عمان، الأردن، 2001