عيوب الرضا تعريف وخصائص الغبن الاستغلالي في القانون المدني♦

1:- تعريف الغبن الاستغلالي:

هو أن يرى أحد المتعاقدين في الآخر طيشاً بيناً أو هوى جامحاً في أمر من الأمور، بحيث يحجب هذا الطيش أو الهوى فيه ملكة الموازنة، وبالتالي يستغله لجره إلى عقد يغبنه فيه بحيث لا تتوازن فيه التزاماته الناتجة عن العقد مع ما أفاد، أو مع التزامات الطرف الغابن، ولم يكن الطرف المغبون ليبرم هذا العقد لولا هذا الاستغلال من الطرف الآخر. ومثال ذلك أن يتزوج رجل مسن من امرأة في مقتبل شبابها، فتعمد الزوجة إلى استغلال ما تلقاه عند زوجها من هوى، فتدفعه إلى إبرام عقد معها أو مع أولادها. وكذلك لو تزوجت امرأة مسنة غنية من فتى شاب عن ميل وهوى، فعمد الزوج إلى استغلال هواها لابتزاز مالها عن طريق عقود يستكتبها.[1]

– الطيش البين والهوى الجامح:

الطيش هو خفة وقلة اتزان في أعمال الإنسان وأوضاعه، كشاب يبدد الثروة التي ورثها. والهوى هو ميل نفس إلى ناحية تغلب فيه العاطفة الإرادة، كرجل مسن متزوج من صبية استغلت هواه لها وحملته على إبرام عقود لمصلحتها. والقصد من وصف الطيش بالبين والهوى بالجامح، أن يكونا قويين متجاوزين الحدود التي ترى في كثير من الأفراد بدرجة عادية لا تجعل من الشخص ميداناً لاستغلال ذوي الأطماع. وهذا أمر موضوعي يدخل ضمن نطاق سلطة القاضي التقديرية.

2:- معيار الغبن:

أ- في الفقه: هناك نظريتان:

النظرية الأولى مادية وتقوم على قيام تعادل بين ما أعطاه المتعاقد وما أخذه، أو عدم قيامه. حيث إنها تنظر إلى قيمة الشيء في حد ذاته وتحدده تبعاً لقانون العرض والطلب، وتنظر إلى درجة الإخلال بالتعادل. أما النظرية الثانية فهي شخصية تنظر إلى قيمة الشيء لا بحد ذاته وإنما في اعتبار المتعاقد. ولا تحدد هذه النظرية رقماً لدرجة الغبن بل الأمر متروك لظروف الواقعة.

ب- في القانون السوري:

يستفاد من نص المادة 130م.س. أن للغبن عنصران وهما: عنصر موضوعي وهو عدم تعادل الالتزامات المتقابلة في العقد. وعنصر نفسي وهو استغلال الطرف الآخر في العقد طيشاً بيناً أو هوى جامحاً لدى المغبون.

3:- الغبن المجرد والاستغلال المجرد:

الغبن المجرد هو الضرر المادي الذي يسببه العقد لأحد المتعاقدين، والناجم عن عدم تعادل قيمة الآدائين. وهو يختلف عن الاستغلال في نقاط عدة، وهي: لايكون الغبن إلا في عقود المعاوضات المحددة، أما الاستغلال فيقع في جميع التصرفات، وفقاً لما جاء في المادة 130م.س. ومعيار الغبن هو مادي، في حين أن معيار الاستغلال هو شخصي. والغبن عيب في العقد، أما الاستغلال فهو عيب في الإرادة.

ولا يكفي الغبن المجرد وحده لأن يورث العقد عيباً، فلا يحمي القانون منه. وذلك لأن القانون لا يحرص على إقامة توازن اقتصادي بين المتعاقدين، وإنما يقوم بإقامة توازن قانوني بينهما (كمال الأهلية، وسلامة الرضا). ومن حيث المبدأ لا يتدخل القانون السوري للحماية من الغبن المجرد، ولكن استثنى من ذلك بعض الحالات وهي:

أ- الغبن في بيع عقار القاصر: تنص المادة 393 م.سوري على أنه: ((1- إذا بيع عقار مملوك لشخص لا تتوافر فيه الأهلية وكان في البيع غبن يزيد على الخمس فللبائع أن يطلب تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن المثل. 2-ويجب لتقدير ما إذا كان الغبن يزيد على الخمس أن يقوم العقار بحسب قيمته وقت البيع)).

ب-الغبن في تجاوز الحد القانوني للفائدة: تنص المادة 228 م. سوري على أنه: ((1- يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على معدل آخر للفوائد سواء أكان ذلك في مقابل تأخير الوفاء أم في أية حالة أخرى تشترط فيها الفوائد. على ألا يزيد هذا المعدل على تسعة في المئة فإذا اتفقا على فوائد تزيد على هذا المعدل وجب تخفيضها إلى تسعة في المئة وتعين رد ما دفع زائداً على هذا المقدار.

2- وكل عمولة أو منفعة، أياً كان نوعها. اشترطها الدائن إذا زادت هي والفائدة المتفق عليها على الحد الأقصى المتقدم ذكره تعتبر فائدة مستترة، تكون قابلة للتخفيض إذا ما ثبت أن هذه العمولة أو المنفعة لا تقابلها خدمة حقيقية يكون الدائن قد أداها ولا منفعة مشروعة)).

ج-الغبن في أجرة الوكيل: تنص المادة 675 م.سوري على أنه: ((1- الوكالة تبرعية، ما لم يتفق على غير ذلك صراحة أو يستخلص ضمناً من حالة الوكيل. 2- فإذا اتفق على أجر للوكالة كان هذا الأجر خاضعاً لتقدير القاضي، إلا إذا دفع طوعاً بعد تنفيذ الوكالة)).

د-الغبن في قسمة المال المشترك: تنص المادة 799 م. سوري على أنه: ((1- يجوز نقض القسمة الحاصلة بالتراضي إذا أثبت أحد المتقاسمين أنه قد لحقه منها غبن يزيد على الخمس، على أن تكون العبرة في التقدير بقيمة الشيء وقت القسمة. 2- ويجب أن ترفع الدعوى خلال السنة التالية للقسمة. وللمدعى عليه أن يقف سيرها ويمنع القسمة من جديد إذا أكمل للمدعي نقداً أو عيناً ما نقص من حصته)).

وبالمقابل فإن الاستغلال المجرد عن الغبن وعيوب الإرادة الأخرى لا يؤثر في العقد.

4:- حد الغبن:

في الحالات الاستثنائية التي يحمي منها القانون الشخص من الغبن المجرد، يحدد للغبن الممنوع حداً يعده هو الحد الفاحش. أما الغبن الاستغلالي فلم يضع له القانون حداً، وإنما اشترطت المادة /130/ من القانون المدني عدم التعادل البتة بين التزامات الطرفين، أو مع الفائدة التي حصل المغبون من العقد. وهذا الأمر يعود إلى تقدير القاضي الذي يستطيع أن يستعين بالخبرة في هذا المجال.

5:ً- العقود التي يجري فيها عيب الغبن الاستغلالي:

المجال الطبيعي للغبن الاستغلالي كعيب للرضا هو عقود المعاوضات المحددة. وقد بينا عندما ميزنا بين العقود الاحتمالية والعقود المحددة، بأن هذه الأخيرة هي التي يعرف فيها كل من المتعاقدين مقدار ما يأخذ وما يعطي بالعقد على وجه التحديد عند التعاقد، كالبيع والإجازة. أما العقود الاحتمالية، كعقد التأمين، وكذلك عقود التبرع فليست مجالاً طبيعياً لهذا العيب.

ولكن يمكن أن يجري الغبن الاستغلالي في العقود الاحتمالية إذا كان اختلال التعادل فيها مفرطاً ما دام يصحبه الاستغلال. وكذلك الحال بالنسبة للتبرع، فمن الممكن تصور هذا الاستغلال فيه. مثال ذلك هبة شخص لزوجته الجديدة، يكون ذلك نتيجة استغلال الزوجة الجديدة لهواه.

ويستفاد من نص المادة /130/ م.س أن الغبن الاستغلالي يمكن أن يجري في غير عقود المعاوضات.[2]

6- حكم الغبن الاستغلالي:

يحق للطرف الذي استغل طيشه أو هواه استغلالاً دفعه للتعاقد الذي غُبن فيه أن يطلب إبطال العقد إذا تبين أنه لولا استغلال هذا الطيش أو الهوى لما أقدم على إبرام العقد. ولكن لا يلزم الإبطال هنا القاضي، بل له أن يكتفي بالنقص من التزامات المتعاقد المغبون حتى يقيم التوازن. وهذا الخيار الذي منح القانون للقاضي يستلزم نتيجتين، وهما: يحق للمغبون أن يطلب مباشرة تعديل التزاماته ونقصها، دون أن يطلب إبطال العقد. . ولا يستطيع القاضي في هذه الحال إبطال العقد. ويحق للطرف الغابن أيضاً أن يتوقى إبطال العقد، ولو طلبه المغبون، وذلك بأن يعرض الغابن ما يراه القاضي كافياً لرفع الغبن وإعادة التوازن.

يتبين من أحكام الغبن أن المشرع قد ضيق من نطاق عيب الاستغلال، ويتضح ذلك من خلال:

حصر العنصر النفسي في حالتي الطيش البين والهوى الجامح، واستبعد حالتي عدم التجربة والحاجة المنصوص عليهما في مشروع القانون. واعتبر مدة رفع دعوى الإبطال مدة سقوط،وجعلها تبدأ من تاريخ العقد وليس من تاريخ زوال العيب. ولم يقيد القاضي بطلب المغبون بإبطال العقد. وأخيراً إعطاء الغابن حق التخلص من إبطال العقد بعرض ما يراه القاضي كافياً لرفع الغبن.

– متى يجب أن ترفع دعوى الإبطال في حال الغبن الاستغلالي؟

أوجب القانون رفع الدعوى خلال سنة واحدة من تاريخ العقد، أو من وقت تمامه، وذلك تحت طائلة سقوط هذا الحق بالإدعاء. وهذه المدة هي مدة سقوط وليست مدة تقادم، فلا تخضع للوقف والانقطاع كما هو عليه الحال بالنسبة للتقادم.