دخول الرئاسة ليس كالخروج منها

دخول الرئاسة ليس كالخروج منها

لا يسير في شوارع بلده مطمئنا من الحكام العرب السابقين إلا ندرة، بل لا يوجد سابقون إلا ندرة.. الكل يشير بإعجاب إلى سوار الذهب، الذي حكم السودان لأقل من عام، وسلم السلطة طواعية وذهب إلى منزله. وهذا صحيح، وإضافة إلى كونها حالة غير مألوفة، فلا ننسى أنه جاء بانقلاب عسكري.

أزمة الرئيس في الحكم أنه يعرف أنه لا خروج من الباب سلميا إلا إلى المقبرة. تاريخيا يعلم الزعيم بعد انتخابه، أو انقلابه، أن الخروج من قصر الرئاسة لن يكون على سجادة حمراء مثل الدخول إليه. وما قصة بن علي، حاكم تونس المخلوع، إلا النموذج التقليدي لكل الذين خرجوا أحياء، وبالتأكيد هم مسؤولون عن نهايتهم المأساوية التي يقودون أنفسهم إليها، ويجرون شعوبهم إلى فوضاها؛ لأنهم ينشغلون بتثبيت حكمهم، بدلا من تأسيس نظام تتداول فيه السلطة سلميا.

عربيا، مهنة الحكم ذاتها أخطر المهن، حتى لو جرت في أجواء قانونية. رفيق الحريري، مثلا، حتى بعد استقالته من رئاسته الثانية للحكومة اللبنانية، لم يكتف رئيس الجمهورية حينها، إميل لحود، الذي اختلف معه، بإخراجه، بل ضيَّق عليه عيشته اليومية وقام باعتقال 3 من وزرائه، ومنع حتى سياراته من دخول المطار، وبالطبع مات قتيلا. يمكن أن نقول: إن لبنان بلد في حالة حرب مهما قيل عن اتفاقيات السلام الموقعة ومظاهر السلم المدني اليومية. لنأخذ مثلا آخر، الصادق المهدي، رئيس وزراء السودان، الذي انتخب بالأغلبية وحكم 3 سنوات، انقلب عليه منافسوه في الحكم، الذين خسروا الانتخابات، واستعانوا بالعسكر الذين قاموا بحبسه في سجن كوبر، على الرغم من أنه رجل مسالم. هذه طبيعة الأنظمة القاسية التي لا تسمح حتى بالهامش الصغير لخصومها ولا تحترمهم عند مغادرتهم.

العالم العربي منذ عام 1949، عندما دشن حسني الزعيم، في سورية، عهد الانقلابات العربية الناجحة، صارت الرئاسات سباق جياد برية متوحشة، ركوبها خطر، والبقاء على متنها صعب، والنزول منها مخاطرة عظيمة. بخلاف ذلك في الأنظمة المؤسساتية. في ظل نظام ويستمنستر البريطاني، وبتجربة ثلاثمائة عام، خرج توني بلير مهزوما وعاد إلى بيته وأولاده. جيمي كارتر، الذي خسر الرئاسة الأميركية منذ ثلاثين عاما، يمارس حياة مليئة بالحيوية، سياسيا واجتماعيا، ويؤدي التحية له كل الذين يقابلونه عن محبة لا عن بروتوكول أو إلزام.

هذه صور غير معروفة في منطقتنا.. أن يغادر الرئيس العربي من قصره إلى بيته سالما معافى ويعيش حياة كريمة مع أولاده وأصدقائه، حلم بعيد في ظل النظام العربي الذي لا يحترم شرعية في التسلم أو في التسليم، فتزور الشرعية بتزوير الانتخابات وتعزز المؤسسات الأمنية لحماية الشرعية المزورة. لهذا يكون انتقام الخصوم أعمى، بلا احترام للنظام نفسه الذي يطالبون به، ثم يأتي من بعدهم من ينتفض أو ينقلب ويبدأ في اضطهاد من سبقه، وهكذا. ولأن الزعيم نفسه لا يحترم النظام، فلا يحترم الناس النظام، ويتخلى عنه أقرب الناس إليه، الذين كانوا يمتدحونه، ويعتقله الضباط أنفسهم الذين كانوا يؤدون له التحية. هذا هو الثمن للنظم الفردية لا المؤسساتية التي تقوم على أسس شرعية يحترمها الجانبان