المانع لغة الحائل، وفي الاصطلاح ما تفوت به أهلية الإرث مع بقاء السبب وتحقق الشرط، والشخص الذي قام به المانع لا يعتبر موجوداً بين الورثة. وموانع الإرث مختلف عليها بين الفقهاء، فهي عند الحنفية أربعة، القتل، اختلاف الدين، الرق، اختلاف الدارين. ويرى البعض الآخر أنها ستة وهي الأربعة الأولى يضاف إليها، جهالة تاريخ الموت كالغرقى والحرقى وجهالة الوارث كما لو أرضعت جنيناً مع ولدها وماتت وجهل ولدها فلا تورث، وكذا لو اشتبه ولد مسلم مع ولد نصراني عن الظئر، وكبرا فهما مسلمان ولا يرثان من أبويهما إلا أن يصطلحا فلهما أن يأخذا الميراث بينهما. والبعض الآخر زاد على الموانع النبوة لحديث (الصحيحين): (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة). وزاد بعضهم الردة واللعان. وقد أخذ القانون السوداني بمانع القتل واختلاف الدين، والمواد 350 و 351 أحوال شخصية. وسنتكلم عن الموانع الخمسة الثابتة عند معظم الفقهاء وهي القتل، الرق، اختلاف الدين، اختلاف الدار، الردة، وذلك على التفصيل الآتي:

المانع الأول: القتل

إذا قتل الوارث مورثه منع من ميراثه وهذا باتفاق الفقهاء ولم يخالف إلا سعيد بن المسيب والخوارج، فلم يعتبروه مانعاً من الميراث.

والدليل على منع القاتل:

أ – قوله (صلى الله عليه واله): (لا يرث القاتل شيئاً).

ب – منع عمر ميراث القاتل فلم ينكر عليه احد من الصحابة فصار إجماعاً.

ج – لأن القتل جناية يستحق فاعلها أن يعاقب عليها بالحرمان من إرث المقتول، لأنه استعجل شيئاً قبل أوانه فيعاقب بحرمانه.

د – لأن توريث القاتل يؤدي الى الفساد فإنه لو جعل القاتل الحق في أن يرث لسارع الناس الى الخلاص من مورثيهم بقتلهم، ولأدى ذلك الى الفساد، والله لا يحب المفسدين.

هـ – لأن التوارث بين الأقارب يقوم على أساس ما يكون بينهم من الموالاة والمناصرة، والقتل يقطع هذا الأساس. وإذا كان الفقهاء لم يخالفوا في كون القتل مانعاً من الميراث، إلا أنهم اختلفوا في نوع القتل الذي يمنع الميراث، وذلك على النحو الآتي:

1- الحنفية:

القتل الذي يمنع الميراث هو القتل المحظور الذي يوجب بذاته القصاص أو الكفارة، فلابد في القتل المانع من الميراث:

أ – أن يكون محظوراً.

ب – أن يوجب بذاته القصاص أو الكفارة.

وعلى هذا يمنع من الميراث أنواع القتل الآتية:

1- القتل العمد والعدوان:

لأنه قتل محظور يأثم فاعله وفيه القصاص والقتل العمد عند أبي حنيفة هو أن يتعمد انسان مكلف ضرب آخر بسلاح أو ما يجري مجراه في تفريق أجزاء الجسم مما كان محدداً من خشب أو حجر أو نحوهما. وعند أبي يوسف ومحمد: أن يتعمد المكلف ضرب شخص بما يغلب القتل به سواء أكان سلاحاً أم لم يكن، وسواء أكان غير السلاح محدداً أم لم يكن ورأي الصاحبين هو المعول عليه. وقد ذكر المشرع السوداني: (أن يكون القتل عمداً عدواناً، وبالتالي في هذه الحالة يأخذ برأي الصاحبين وهو الراجح في المذهب الحنفي، م5 وراجع المادة 350 حيث تقول: يحرم من الإرث كل من قتل مورثه عمداً عدواناً…). والعدوان ما كان بغير حق وبغير عذر وكلمة بذاته الواردة في تعريف القتل المانع من الميراث المراد منها ادخال قتل الأب ابنه عمداً عدواناً فإنه يمنع من الميراث. وان لم يكن فيه قصاص، لأن هذا النوع يوجب القصاص بذاته، أي بقطع النظر عن كون القاتل أباً للمقتول، وقد سقط القصاص عن الأب بدليل خارجي هو قوله (صلى الله عليه واله): (لا بقتل الوالد بولده).

2- القتل الذي يشبه العمد:

لأنه قتل محظور يأثم فاعله وفيه الكفارة، وهو أن يتعمد المكلف ضرب شخص بما لا يقتل غالباً فيموت المضروب وهذا عند الصاحبين. أما عند الإمام فهو أن يقتل المكلف شخصاً بما لا يستعمل للقتل غالباً كالحجر والعصا.

3- القتل الخطأ:

لأنه محظور وفيه الكفارة والخطأ على نوعين:

أ – خطأ في القصد، وهو أن يرمي شخصاً يظنه صيداً فإذا هو آدمي، أو يظنه حربياً فإذا هو مسلم.

ب – خطأ في الفعل:

وهو أن يصيب نحو هدف أو غرضاً معين فإذا به يصيب انساناً.

4- القتل الذي يشبه الخطأ:

أو ما يجري مجرى الخطأ وصورته أن يكون انساناً نائماً فينقلب على انسان أخر فيقتله، أو أن يكون بيد إنسان حجر فيسقط من يده بغير قصد على انسان آخر فيقتله.

وإنما كان القتل الخطأ مانعاً من الميراث عند الحنفية لأنه فعل حرام شرعاً باعتبار التقصير في التحرز وترك الاحتياط، ولأننا لو أبحنا الإرث معه لفتحنا أمام المجرمين باباً ينفذون منه الى استعجال إرث الأغنياء من مورثيهم بقتلهم وادعاء الخطأ في القتل.

أما الأنواع التي لا تمنع من الميراث فهي:

1- القتل من غير المكلف:

أي قتل الصبي والمجنون غيرهما، لأن فعلهما لا يصح أن يوصف بالحظر شرعاً إذ لا يتصور خطاب الشارع لهما والى هذا الشرط أشارت المادة 350 من قانون الأحوال الشخصية السوداني حيث تقول: … شريطة أن يكون القاتل عند ارتكابه الفعل عاقلاً بالغاً حد المسئولية الجنائية، وبمفهوم المخالفة لهذا النص فإن المجنون والصبي غير البالغ لا يعد قتلهما منعاً من الميراث.

2- القتل بحق:

كأن يقتل مورثه قصاصاً أو حداً، أو دفاعاً عن النفس، إذا تعين القتل طريقاً لذلك، لأن هذا قتل غير محظور، وليس فيه قصاص ولا كفارة، فإن الشارع أوجبه، فلا يتصور أن يعاقب عليه القاتل بحرمانه من الميراث، قال تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق) (الأنعام: 151).

3- القتل بعذر:

كقتل الزوج زوجته أو الزاني بها عند مفاجأتها حال الزنا، لأن في الغالب يكون في هذه الحالة فاقد الشعور غير مختار، والدفاع عن العرض عذر شرعي يبيح القتل، ومثل الزوجة البنت، الأخت، وكل ذات رحم محرم.

4- القتل بالتسبب:

كمن يحفر حفرة أو بئراً في غير ملكه وبغير إذن صاحب الملك فيتردى فيها انسان فيموت أو يضع حجراً في طريق عام مثلاً فيتعثر به إنسان فتكون عثرته سبباً لموته، لأنه في هذه الصور لا يعد قاتلاً حقيقة، إذ لو فعل ذلك في ملكه لا يؤاخذ بشيء، والقاتل مؤاخذ بفعله سواء كان في ملكه وفي ملك غيره.

2- المالكية:

القتل المانع من الميراث عند المالكية هو القتل العمد العدوان، فلا يرث القاتل لمورثه عمداً عدواناً لا من الدية ولا من المال. وهذا القتل يمنع من الميراث ولو لم يترتب عليه القصاص فعلاً، بأن عفي عن القاتل، أو كانت هناك شبهة تمنع القصاص، كما لو رمى الوالد ولده بحجر فمات فيه. والقتل العمد يمنع الميراث سواء أكان مباشراً أم بطريق التسبب، وسواء كان القاتل مشتغلاً أم شريكاً. بهذا الرأي أخذ قانون الأحوال الشخصية السوداني وفي جميع الدول العربية حيث تنص المادة 350: يحرم من الإرث كل من قتل مورثه عمداً، عدواناً سواء أكان فاعلاً أصلياً أم شريكاً، أم متسبباً. ويتضح لنا أن هذا القانون يتفق مع المذهب الحنفي والمالكي في أن الذي يمنع الميراث هو القتل العمد والعدوان، ويتفق مع المذهب المالكي ويخالف الحنفي بأن القتل بالتسبب مانعاً من الإرث وهو رأي المالكية دون الحنفية، وسواء كان القاتل فاعلاً أصلياً أم شريكاً. ومثال القتل بالتسبب أن يمنع شخص طعاماً أو شراباً عن آخر حتى مات.

أنواع القتل التي لا تمنع الميراث عند المالكية:

1- القتل العمد غير العدوان:

مثاله قتل الشخص مورثه إذا كان من البغاة، لأن هذا قتل مأذون فيه، وكل قتل مأذون فيه لا دية فيه ولا كفارة ولا يمنع الميراث.

2- القتل الخطأ:

القتل خطأ لا يمنع في المال، وإنما يمنعه في الدية فقط. وبهذا الرأي أخذ القانون السوداني حيث نصت المادة 350 على القتل العمد والعدوان، ولم تنص على القتل الخطأ، وبمفهوم المخالفة من النص أن القتل الخطأ لا يمنع من الميراث.

3- القتل من غير المكلف:

لابد في القتل المانع من الميراث من أن يكون من مكلف، أي من عاقل بالغ، فالقتل من الصبي والمجنون لا يمنع من الميراث. ولا خلاف في ذلك بين المذهبين الحنفي والمالكي والقانون السوداني. وهناك رأي للشيخ الدردير على أن القتل من الصبي والمجنون يمنع الميراث. مقارنة بين مذهب المالكية والحنفية والقانون السوداني والمصري: يتفق القانون السوداني مع مذهب المالكية ويختلف عن مذهبا لحنفية في نقطتين أساسيتين هما:

1- القتل بالتسبب:

لا يمنع الميراث في المذهب الحنفية، ويمنع الميراث في القانون السوداني والمصري وهو مذهب المالكية.

2- القتل للخطأ:

يمنع الميراث في مذهب الحنفية، ولا يمنعه في القانون السوداني والمصري وهو مذهب المالكية. وقد أصاب المشرع السوداني والمصري في مخالفة مذهب الحنفية في هاتين المسألتين، لأن المتسبب في القتل، إذا كان قاصداً القتل فهو متعمد ومعتد، وكونه لم يباشر القتل لا يصلح مبرراً لعدم اعتباره قاتلاً، فيجب أن يعامل معاملة المتعمد المباشر فيحرم من الميراث والقتل الخطأ معذور فاعله، حتى تثبت بالدليل القاطع أن القتل وقع خطأ، وليس من العدل حرمانه من الميراث.

3- الشافعية:

عند الشافعية جميع أنواع القتل تمنع الميراث ولو كان قتلاً بحق، ولو كان من غير مكلف، أو بغير قصد به مصلحة، فالمقتص من القاتل، والقاضي الذي حكم بالقتل، والجلاد الذي نفذ الحكم، والشاهد بما يوجب القتل، والمزكي للشاهد، والجلاد الذي نفذ الحكم.

كل هؤلاء لا يرثون، وكذلك لا يرث المجنون والطفل ممن قتله، ولا النائم الذي انقلب على مورثه فقتله.

ولا يرث الأب إذا ضرب ابنه للتأديب فمات، ولا يرث الطبيب الذي أجرى عملية لقريبه فمات منها، أو سقاه دواء أفضى الى موته.

فكل من له دخل في القتل لا يرث عند الشافعية عملاً بظاهر الحديث وسداً للباب.

وينتقد الريعلي الحنفي اعتبار الشافعي القتل بحق مانعاً من موانع الإرث، بأن ذلك لا معنى له لأن الشارع أوجب عليه قتله، أو أجاز له قتله في هذه الصورة، فكيف يوجب عليه العقوبة.

والمراد بقوله (صلى الله عليه وسلم): (لا يرث القاتل شيئاً) هو القتل بالتعدي، وبالتالي ليس هو على عمومه كما يقول الشافعي.

4- الحنابلة:

القتل المانع من الميراث عند الحنابلة هو كل قتل مضمون بقصاص كالقتل العمد والعدوان، أو مضمون بدية كالقتل شبه العمد، والقتل خطأ، أو مضمون بكفارة كما إذا رمى صف الكفار وكان فيهم قريبه المسلم فقتله وهو لا يعلم أن فيهم مسلماً.

لكن القتل بحق أو دفاعاً عن النفس لا عقاب فيه بالمال أو النقود، فلا يمنع الميراث، لأنه ليس مضموناً بشيء.

المانع الثاني: اختلاف الدين

معنى اختلاف الدين أن يكون دين الميت مخالفاً لدين من قام سبب الإرث من قرابة أو زوجية، فإذا توفي المسلم وله قريب أو زوج غير مسلم لا يرث منه، كذلك إذا مات غير المسلم، وله قريب أو زوج مسلم لا يرث المسلم.

والدليل على أن اختلاف الدين يمنع الميراث:

1- قوله (صلى الله عليه وسلم): (لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم) وقوله (صلى الله عليه وسلم): (لا توارث بين ملتين).

2- فقد الموالاة والمناصرة التي قام عليها الإرث، فلا تناصر ولا موالاة بين المسلم والكافر.

والأمر لا يخلو من ثلاث حالات:

أولاً: إرث غير المسلم من المسلم. وهذا لا يجوز بإجماع الفقهاء.

ثانياً: إرث المسلم للكافر.

الجمهور: المسلم لا يرث الكافر كما أن الكافر لا يرث المسلم.

وحجتهم في ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم): (لا يتوارث أهل ملتين بشيء، لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم)، ويرى بعض الصحابة منهم معاذ ومعاوية، وسعيد بن المسيب ومسروق والنخعي: أن المسلم يورث غير المسلم. وحجتهم في ذلك قولة (صلى الله عليه وسلم): (الاسلام يزيد ولا ينقص) وقوله (صلى الله عليه وسلم): (الاسلام يعلو ولا يعلى عليه). وهذا الحديث غير متفق على صحته ومجمع فلا يعارض الحديث المفسر المتفق على صحته. وقد أمر معاوية قضاته بأن يسيروا على توريث المسلم من غير المسلم حتى شريحاً قاضي الكوفة أطاع أمر معاوية وكان ينسب القضاء إليه، فيقول هذا قضاء أمير المؤمنين. ولما ولي عمر بن عبدالعزيز ألغى هذا، وأمر القضاة بأن يسيروا على رأس جماعة المسلمين.

الشيعة الإمامية:

ويورثون المسلم من الكافر أيضاً ويقولون في حديث: (لا توارث بين ملتين) أن المراد منه نفي التوارث بين الجانبين فلا ينافي ثبوته من جانب واحد.

أما الزيدية فهم كجمهور الفقهاء.

وقد رد الجمهور على ما استدل به معاوية بأن المراد بحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم): (الاسلام يعلو ولا يعلى عليه) العلو من حيث الحجة، أو من حيث القهر والغلبة، فيكون المراد أن النصرة في العاقبة للمؤمنين. والاختلاف المعتبر ما كان حال الموت، فلو أسلم الكافر بعد موت قريبه المسلم لا يرثه، ولو كان إسلامه قبل قسمة التركة، على ما عليه الجمهور، خلافاً للإمام أحمد، فإنه يورث الكافر إذا أسلم قبل القسمة للتركة ترغيباً له في الاسلام.

ثالثاً: إرث غير المسلمين بعضهم من بعض. اختلف الفقهاء حول ذلك:

أ – الحنفية والأصح من مذهب الشافعية والإمامية: غير المسلمين لا عبرة باختلاف الدين بينهم، فيرث بعضهم بعضاً، ولا فرق في ذلك بين الكتابي وغيره، فاليهودي يرث قريبه المسيحي، والمجوسي يرث قريبه اليهودي، لأن الكفر كله ملة واحدة لقوله تعالى: (فماذا بعد الحق الا الضلال)(يونس: 32)، وقوله: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)(البقرة: 120)، وقوله: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) (الأنفال: 73). وقال (صلى الله عليه وسلم): (الناس كلهم حيز ونحن حيز).

ب – المالكية والحنابلة واليزيدية والأوزاعي: يقولون أن الكفر ملل متعدد فالنصرانية ملة، واليهودية ملة، وما عداهما ملة، وعلى هذا لا يرث بعضهم بعضاً. واستدل هؤلاء بقوله تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) (المائدة: 48)، وقوله (صلى الله عليه وسلم): (لا يتوارث أهل ملتين).

جـ – بعض أصحاب الشافعي وابن القاسم عن مالك أنهم لا يتوارثون إلا عند اتفاق الاعتقاد.

د – ابن أبي ليلى: اليهود والنصارى يتوارثون بينهم ولا يرثهما المجوس، ولا يرثان من المجوس شيئاً.

موقف المشرع السوداني والمصري:

تنص المادة 6 من قانون الميراث المصري: (لا توارث بين المسلم وغير المسلم، ويتوارث غير المسلمين بعضهم من بعض).واضح أن القانون المصري أخذ بالرأي الأول وتنص المادة 351 من القانون السوداني (لا توارث مع اختلاف الدين).هذا النص واضح في أن المسلم لا يرث غير المسلم كما أن غير المسلم لا يرث المسلم، ولكنه سكت عن توارث غير المسلمين بعضهم بعض.وفي هذه الحالة يطبق الرأي الأول وهو رأي المذهب الحنفي طبقاً لنص المادة 5 من القانون السوداني.

المانع الثالث: الرق

الرق من موانع الإرث المتفق عليه بين علماء المسلمين، لأنه طبقاً لأحكام الاسلام الرقيق لا يملك شيئاً قال تعالى: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء) (النحل: 75)، وقال (صلى الله عليه واله): (لا يملك العبد إلا الطلاق، ولحديث: (العبد وما ملكت يداه لسيده).فالرقيق لا يرث قريبه ولا يرثه قريبه، أما إنه لا يرث، فلأنه ليس أهلاً لأن يملك لنفسه، فلو ورثناه من أقاربه لأخذ المال سيده، فيكون توريثه توريثاً للأجنبي بلا سبب، وهو غير مشروع، وإما إنه لا يورث فلأنه لا يملك شيئاً. ولم يرد في القانون السوداني أو المصري ذكر للرق في موانع الإرث، وخيراً فعل، لأن الرق الآن غير موجود ومحظور، بل معاقب عليه، فلم تعد هناك فائدة عملية لإيجاد مثل هذا النص، بين موانع الإرث.

المانع الرابع: اختلاف الدارين

المراد بالدارين: الدار التي يموت فيها المورث والدار التي يقيم فيها الورثة. واختلاف الدارين يكون باختلاف المنعة، واختلاف الملك، بأن يكون بلدان لكل منه ملك صاحب جيش وانقطعت الصلة فيما بينهم حتى يستحيل كل منهما قتال الآخر، فهاتان الدارين مختلفتان، وأما إذا كان بينهما تناصر وتعاون على أعدائهما كانت الدار واحدة والوراثة ثابتة. واختلاف الدارين مانع من الميراث في حق غير المسلمين. أي أن اختلاف الدارين لا يمنع من الميراث إلا إذا كان كل من الوارث والمورق غير مسلم. أما إذا كان أحدهما مسلم والآخر غير مسلم فإنهما لا يتوارثان لاختلاف الدين، وأما إذا كان كل منهما مسلماً، فإن اختلاف الدارين لا يتصور في حقهما في نظر الاسلام لأن المسلمين كلهم دارهم واحدة. وإن تعددت أقطارهم وكان لكل قطر رئيسه، فالقريب الباكستاني يرث قريبه السوداني المسلم، ولو تباعدت الدار واستقلت كل منها عن الآخر. وكذلك يبقى حق التوارث بين المسلمين أحدهما في قطر اسلامي واقع تحت سلطة الكفار، لأنهم لا يقرون على الاستيلاء على بلاد المسلمين. والاختلاف المانع من الميراث هو الاختلاف الحكمي، أي الاختلاف في التبعية سواء كان حقيقياً، أي اختلافاً في الإقامة أو لم يكن أم الاختلاف الحقيقي فقط فلا يمنع.

مثال الاختلاف الحكمي والحقيقي معاً: أن يموت ذمي في بلاد المسلمين ورثته حربيون يقيمون في بلادهم، فهذا الذمي داره مختلفة حقيقة من دار أقاربه، لأن كلا منهما يقيم في بلد، ومختلفة حكماً، لأن دار الذمي في حكم الاسلام هي بلاد الاسلام.

فالاختلاف الحقيقي والحكمي يتحقق باختلاف التبعية والإقامة معاً.

ومثال الاختلاف الحكمي فقط: أن يموت مستأمن في دار الاسلام، وورثته ذميون يقيمون في بلاد الاسلام أيضاً، فإن الدار هنا وإن كانت واحدة حقيقية إلا أنها مختلفة في حكم الاسلام، لأن المستأمن من أهل دار الحرب لتمكنه من الرجوع إليها متى شاء، فالاختلاف الحكمي فقط يتحقق باختلاف التبعية واتحاد الأقاربة.

ومثال الاختلاف الحقيقي فقط: وهو الذي لا يمنع الميراث، أن يموت مستأمن في بلاد الاسلام ورثته في بلاد الحربية التي قدم منها فإن الدار هنا وإن اختلفت حقيقة لكن المستأمن من أهل دار الحرب حكماً، فهما متحدان حكماً ولذا يدفع مال المستأمن لوارثه الحربي. هذا هو مذهب الحنفية والشافعي.

أما المالكية والحنابلة فقد خالفوا الحنفية وقالوا: إن اختلاف الدارين غير مانع من الميراث أصلاً سواء في ذلك المسلمون وغير المسلمين.

القانون المصري:

أخذ القانون المصري برأي الإمامين مالك وأحمد إلا في صورة واحدة وهي ما إذا كانت قوانين البلد الأجنبي تمنع من توريث الأجنبي فإنه أخذ فيها برأي أبي حنيفة.

مثال: إذا توفي شخص غير مسلم بمصر، وله قريب غير مسلم مستوطن في بلد آخر، فإن كان قانون ذلك البلد يمنع توريث الأجنبي، فإن ذلك القريب لا يرث من الشخص المتوفي بمصر، أما إذا كان قانون ذلك البلد لا يمنع توريث الأجنبي عنه، فإن القريب يرث معاملة بالمثل.

وقد نصت المادة 6 من قانون الميراث المصري: (واختلاف الدارين لا يمنع من الإرث بين المسلمين، ولا يمنع بين غير المسلمين إلا إذا كانت شريعة الدار الأجنبية تمنع من توريث الأجنبي عنها).

القانون السوداني:

لم ينص القانون السوداني على اختلاف الدارين كمانع من موانع الإرث، وهذا يشمل المسلمين وغير المسلمين. ولذلك يطبق في هذه الحالة المذهب الحنفي طبقاً للمادة 5 من القانون. والمذهب الحنفي يقرر أن اختلاف الدارين غير مانع من الإرث بالنسبة للمسلمين، ومانع من الإرث بالنسبة لغير المسلمين على التفصيل السابق ذكره.

المانع الخامس: الردة

تعريفه:

المرتد هو الذي يرجع عن الدين الاسلامي باختياره وإرادته بعد أن كان مسلماً، ويكون ذلك بأن يفعل فعلاً، أو يقول كلاماً، أو يعتقد شيئاً لا يقره الاسلام، كأن يسجد لصنم، أو يسب الله ورسوله، أو يعتقد أن لله ولداً.

حكم المرتد:

المرتد لا يقر على غير الاسلام من الأديان، بل يجبر على العودة الى الاسلام، وينظر مدة ثلاثة أيام بعد أن يبين له خطؤه، فإن تاب ورجع الى الاسلام ترك، وإن أصر على فعله، فإن كان رجلا فجزاؤه القتل لقوله (صلى الله عليه واله): (من بدل دينه فاقتلوه) ولذلك تعتبر الردة في حق الرجل موتاً.

أما إن كان المرتد امرأة فإنها لا تقتل بل يطلب منها أن تتوب وتعود الى الاسلام، لما ثبت أنه (صلى الله عليه واله) نهى عن قتل النساء ولهذا لا تعتبر ردتها موتاً.

وقال مالك والشافعي تقتل المرأة إذا لم تتب كالرجل.

ميراث المرتد:

المرتد سواء كان ذكراً أم أنثى لا يرث أحداً من أقاربه مسلماً أو غير مسلم، مرتداً أو غير مرتد بالاتفاق لأنه لا ملة له.

أما ميراث أقاربه منه:

أبو حنيفة يتفق مع صاحبيه على أن المرتد يرث قريبه المسلم دون غيره إذا مات أو لحق بدار الحرب، ولكنهم اختلفوا فيما يورث عنه هل هو ما اكتسبه في حال إسلامه وردته، أم ما اكتسبه في إسلامه فقط؟

أبو حنيفة: يورث عن المرتد ما اكتسبه حال إسلامه فقط، وما اكتسبه في حال ردته يوضع في بيت المال. أما المرأة فيورث مالها الذي اكتسبته حال إسلامها وحال ردتها.

الصاحبان: يورث عن المرتد والمرتدة ما اكتسباه من المال في إسلامهما وفي ردتهما.

الجمهور: مالك والشافعي وأحمد: المرتد لا يرثه أحد، بل يجعل ماله فيئاً في بيت المال، لأنه لا موالاة بين المرتد وغيره لأنه بردته صار حرباً على المسلمين.

وعلى هذا تكون الردة من موانع الإرث عند الأئمة الثلاثة، فلا يرث المرتد أحداً كما لا يورث هو أحداً، أما عند الحنفية فإن الردة تمنع المرتد من أن يرث غيره باتفاق فيما بينهم ولا تمنع غيره من أن يرثه، إلا إذا كان المرتد ذكراً، فإنها تمنع غيره أن يرث ماله الذي اكتسبه حال ردته عند الإمام.

موقف الشرع المصري والسوداني:

لم يتعرض القانون المصري والسوداني لميراث المرتد، ولذلك تسري أحكام المذهب الحنفي المشار إليها سابقاً طبقاً لنص المادة 5 من قانون الأحوال الشخصية السوداني.

بناءً على ما تقدم يتضح لنا أن المشرع المصري حدد موانع الإرث في: القتل، واختلاف الدين، واختلاف الدار. ولم يتعرض للرق والردة. أما الشرع السوداني فقد نص على مانعين هما القتل واختلاف الدين، ولم يتعرض لبقية الموانع، وإليك نصوص هذا القانون كما جاءت في قانون الأحوال الشخصية.

المادة: 350: يحرم من الإرث كل من قتل مورثه عمداً عدواناً، سواء أكان فاعلاً أصلياً أم شريكاً أم متسبباً، شريطة أن يكون القاتل عند ارتكابه الفعل، عاقلاً بالغاً حد المسئولية الجنائية.

المادة: 351: لا توارث مع اختلاف الدين.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .