السلطة التقديرية لمجلس النوّاب في تحديد التحصيل الدراسي للمرشّح النيابي

القاضي- سالم روضان الموسوي
موحداتها/اتحادية/2018 في 29/1/2018 الذي قضت فيه برد الطعن بعدم الدستورية في البند (رابعاً) من المادة (2) من القانون رقم 1 لسنة 2018 قانون تعديل قانون انتخابات مجلس النواب رقم 45 لسنة 2013 المعدل، حيث أقر مجلس النواب في ذلك التعديل مبدأ حصول المرشح على شهادة البكالوريوس شرطاً للترشح إلى انتخابات مجلس النواب، وتوالت على ذلك القانون التعليقات بين معارض ومؤيد.

وبعد صدور قرار المحكمة الاتحادية العليا الذي قضى برد الطعون الواردة عليه، اطلعت على تصريح لأحد السادة أعضاء مجلس النواب نشر في وسائل الإعلام يشير فيه، إلى أن قرار المحكمة الاتحادية العليا المشار إليه فيه تناقض، واقتبس من التصريح الآتي وعلى وفق ما نشرته وسائل الإعلام ((إن قرار المحكمة الاتحادية الذي نص في بدايته على أن المادة 49 من الدستور تعطي لمجلس النواب وضع الشروط التي يرتأيها بالمرشح لعضويته، بينما نهاية نفس القرار تتحدث عن عدم جواز أن يكون عضو مجلس النواب وهو بدرجة وزير أن يحمل الشهادة الإعدادية، لأن الوزير شرط استيزاره الحصول على الشهادة الجامعية البكالوريوس وفقاً لما جاء بالمادة 77 من الدستور التي تقول إن عضو مجلس النواب بدرجة الوزير))، ولأن السيد النائب هو عضو في اللجنة القانونية وهو حقوقي بمعنى أنه مختص في القانون، فإن لقوله صدى لدى غير المختص ويكون محل نظر، ولأن قرار المحكمة الاتحادية العليا لم يرد فيه أيّ تناقض بل كان منسجماً في فقراته مما يستوجب التوضيح للقارئ الكريم عن طبيعة الأسانيد الدستورية التي اعتمدها قرار المحكمة الاتحادية العليا حتى تكون الصورة واضحة لديه وأن لا يستغل تصريح السيد النائب في تغيير بوصلة اتجاه مجلس النواب حول مستوى التحصيل الدراسي للمرشح لوجود محاولات للرجوع إلى اعتماد شهادة الإعدادية أساساً للترشح وسيكون العرض على وفق الآتي :
1. إن الطعن المقدم كان يتعلق بالبند (رابعاً) من المادة (2) من القانون رقم 1 لسنة 2018 قانون تعديل قانون انتخابات مجلس النواب رقم 45 لسنة 2013 المعدل التي جاء فيها الآتي (أن يكون حاصلا على شهادة بكالوريوس أو ما يعادلها) وكان نعي الطاعن على المادة أعلاه بأنه يتعارض مع عدّة مواد دستورية منها حكم المادة (14) من الدستور التي جاء فيها الآتي (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي) وحكم المادة (16) من الدستور التي جاء فيها الآتي (تكافؤ الفرص حقٌ مكفولٌ لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك) ومواد دستورية أخرى.

2. إن ردّ المحكمة للدعوى أعلاه كان مستنداً إلى حكم الدستور وأوضحت المحكمة إن أسانيدها الدستورية تمثلت في خيار المشرع وسلطته التقديرية ومفهوم السلطة التقديرية للمشرع يقصد به حرية الاختيار الممنوحة له في ممارسة اختصاصه التشريعي، والسلطة التقديريِة لا تعني السلطة المطلقة للمشرع، وإنما له أن يمارس سلطته في التشريع بالقدر الذي أتيح له في الدستور، لان بعض الأحكام حددها الدستور وليس للمشرع العراقي، ممثلاً بمجلس النواب، سلطة تجاه تعديل تلك الأحكام، لأنها غير قابلة للتنظيم التشريعي بصفة نهائية، ومنها الاختصاصات والصلاحيات الممنوحة للسلطات مثل اختصاص التشريع الذي يكون لمجلس النواب حصراً على وفق حكم المادة (61/أولاً) من دستور العراق لعام 2005 الصلاحيات الحصرية لمجلس الوزراء على وفق حكم المادة (80) من الدستور أو السلطة القضائية بفرعيها مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية العليا ومنها اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا المشار إليها، على سبيل الحصر، في المادة (93) من الدستور وهذه الأحكام لا يملك المشرع أيّ سلطة تقديرية تجاه تعديلها بإنقاصٍ أو زيادة أو إلغاء، وبذلك فإن المشرع له سلطة تقديرية تجاه المبادئ الدستورية التي ترك كاتب الدستور للمشرع سلطة تنظمها بقانون وبذلك فإن مجلس النواب وإن ترك له تنظيم انتخابات مجلس النواب بقانون، وعلى وفق حكم الفقرة (ثالثاً) من المادة (49) من الدستور التي جاء فيها الآتي (تنظم بقانونٍ، شروط المرشح والناخب وكل ما يتعلق بالانتخاب) إلا أنه غير مُطلق اليد إذا ما وردت أحكام دستورية أخرى تقيّد تلك الشروط وتكون سلطته التقديرية غير مطلقة في كل الأحوال.

3. إن شروط المرشح لانتخابات مجلس النواب لم يرد لها ذكر تفصيلي في الدستور، إلا أن مجلس النواب ذاته، كان قد حدّد مساره في تلك الشروط عندما أقرن المركز القانوني لعضو مجلس النواب بمركز الوزير من حيث الامتيازات والحقوق والمنافع وعلى وفق حكم المادة (4) من قانون مجلس النواب رقم 50 لسنة 2007 النافذ التي جاء فيها الآتي (يتمتع عضو مجلس النوّاب بكافة الحقوق والامتيازات التي يتمتع بها الوزير في جميع المجالات المادية والمعنوية ويتم التعامل معه بروتوكولياً على هذا الأساس) وهذه التبعية تحتم على عضو مجلس النواب أن يكون بذات الشروط التي يتوفر عليها الوزير، لأن ربط الامتياز بمركز الوزير القانوني يكون بالنتيجة ربطه بجميع شروطه إذ ليس من المنطق أن يتمتع بالامتيازات وهو ليس متوفراً على شروطها .

4. إن عدم إيجاد مركز قانوني مستقل لعضو مجلس النواب وربطه بمركز الوزير سيؤدي حتماً إلى تابعيته من حيث الشروط والآثار، لذلك على مجلس النواب إن أراد التحرر من هذا القيد، أن يعدل قانونه ويجعل لعضو مجلس النواب مركزاً قانونياً مستقلاً لا علاقة له بمركز الوزير، لأن القانون مستقبلاً إذا خفض منافع الوزير، بالنتيجة سيكون عضو مجلس النواب فاقداً للمنافع التي تم تخفيضها أو التي تمت إزالتها، وبذلك فإن مجلس النواب هو من اشترط على اعضائه ضمناً أن يكون حاصلاً على شهادة البكالوريوس حداً أدنى للترشح إلى عضويته، لأن الفقرة (ثانياً) من المادة (77) من الدستور اشترطت ذلك، وهو شرط دستوري لا يستطيع مجلس النواب أن يغادره وليس له أيّ سلطة تقديرية أو خيار في ذلك، لأن نص الفقرة أعلاه جاء فيها الآتي (يشترط في الوزير ما يشترط في عضو مجلس النواب، وأن يكون حائزاً على الشهادة الجامعية أو ما يعادلها).

5. كما وجدت إن من بين أسانيد من يعترض على شرط حصول المرشح على شهادة البكالوريوس هو التعلل بمبدأ تكافؤ الفرص بين العراقيين التي أشارت لها المادة (16) من الدستور ومبدأ المساواة بينهم الذي أشارت إليه المادة (14) من الدستور، وأرى أن ذلك استدلالاً غير موفق، لأن المبدأين المذكورين القصد فيهما أن يتساوى أهل الطبقة أو الصنعة مثل الأطباء المهندسين المحامين وغيرهم بالحقوق التي تخص صنعتهم أو فئتهم، وأن تكون الفرص متاحة لهم جميعاً، لأنه لا يمكن أن نجعل شخصاً حتى وإن كان عارفاً بعلوم الصحة والطب منافساً للطبيب الذي يشترط فيه أن يكون حاصلاً على شهادة البكالوريوس في الطب على الأقل، أو أن نسمح لشخصٍ ما في منافسة المحامين في التوكل في الدعاوى لأنه عارفٌ بخبايا القانون وهو لا يتوفر على شهادة البكالوريوس في القانون، فهذا لا يعد حرماناً من تكافؤ الفرص أو التمييز بينهم، لأن الفئة التي يتنافس فيها أهلها ممن تتوفر فيهم شروط خاصة لا يجوز أن نجعل غيرهم ينافسهم فيها، بينما الحقوق العامة الأخرى مثل الحق في الحياة والحق في التعليم وغير ذلك، تعد من الحقوق الأساسية التي يجب أن تتاح للجميع وحتى في الحقوق السياسية مثل حق الانتخاب نجد أن المشرع ميّز بين من يقل عمره عن الثامنة عشرة من العمر، وبين الإنسان البالغ سن الرشد (ثمانية عشر عاماً) وكذلك في حق الترشح عندما حصر فئة من لهم حق الترشح هم من العراقيين الذين لا تقل أعمارهم عن ثلاثين عاماً، وهذا لا يعد خرقاً لمبدأ المساواة أو مبدأ تكافؤ الفرص، لأن شروط الترشح لهذه المؤسسة الدستورية لابد وأن تكون على درجة من الاهتمام والنضج والوعي وهذا التعليل هو ذاته الذي يرد على توفر شرط حصول المرشح على شهادة البكالوريوس.

6. أيضاً ورد في بعض حججهم، أن كثيراً من أبناء طبقة الفلاحين والعمّال سوف يتم حرمانهم من الترشح لمجلس النواب وينعدم تمثيلهم في المجلس المقبل، وهذا الكلام مردودٌ على قائليه، لأن أساس الانتخابات كان على وفق المنطقة الجغرافية وليس على أساس الفئة أو الطبقة سواء كانوا تجاراً أو فلاحين أو عمالاً، وأبناء بعض المناطق إن لم تكن أغلبها، هي مناطق زراعية ومجتمعات ريفية وفلاحية.

7. إن اغلب العمال هم من الذين ليست لديهم وظائف في الدولة العراقية ويعملون في القطاع الخاص سواء كانوا من عمال البناء أو الزراعة أو التجارة الجزئية (الكسبة) تجدهم على الأغلب من أصحاب الشهادات العليا من البكالوريوس فما فوق، لأن مجلس النواب والحكومة فشلا في إيجاد فرص عمل لهم وفق تخصصهم الدراسي، مما جعلهم في طبقة العمال أو المزارعين، وهؤلاء ليسوا بأميين، وإنما من أصحاب الشهادات ومن أهل الفكر والثقافة وفيهم الكثير من المبدعين، لذلك لا يصح أن يتعكز عليهم أصحاب المنافع الشخصية في تمرير إغراضهم ومآربهم، وأن لا يقذفون هذه الفئة الاجتماعية المناضلة والمكافحة في سبيل العيش بنعوت تقلل من قيمتهم.

8. كما وجدت البعض يزعم أن الدورات السابقة كان فيها من الأعضاء ممن لديهم شهادة الإعدادية ولم يعترض عليهم أحد، فإن هذا الأمر لو كان محلاً للطعن سيكون القول الفصل فيه للقضاء الدستوري، وهذا القول هو ذاته الحجة لدفع تشكيكهم، لأن أصحاب شهادة الإعدادية بعضهم كان أفضل في الأداء من بعض أصحاب الشهادات العليا، وسيكون لأصحاب شهادة الدراسة المتوسطة أو الذي يقرأ ويكتب قدرة أكثر عطاءً، فما المانع من فتح الباب لترشيحهم إذا كان شرط شهادة البكالوريوس لا يعتبر شرطاً دستورياً.
لذلك ومما تقدم، فإن قرار المحكمة الاتحادية العليا كان موفقاً ومنسجماً وليس فيه أيّ تناقض، وإنما أكد على المبادئ الدستورية الواجب الالتزام بها وليس لمجلس النواب أن يتجاوز حدود سلطته التقديرية ويبقى مقيداً بإطار الدستور، لأنها ليست سلطة غير محدودة، ويبقى القضاء الدستوري الرقيب الذي يبيّن مدى حدود هذه السلطة التقديرية عبر الأحكام التي يصدرها، ونأمل من السلطة التشريعية الالتفات إلى ذلك عند عملية التشريع من أجل الحفاظ على استقرار التعاملات القانونية وحفظ المراكز القانونية التي يُنشئها.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت