عدم دستورية استبعاد أفراد أسرة صاحب العمل الذين يعولهم فعلا من تطبيق أحكام القانون

قضية رقم 86 لسنة 29 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد ، السابع من مارس سنة 2010م ، الموافق الحادى والعشرين من ربيع الأول سنة 1431 ه .
برئاسة السيد المستشار / فاروق أحمد سلطان رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين/ ماهر البحيرى وعدلى محمود منصور وعلى عوض محمد صالح وماهر سامى يوسف وسعيد مرعى عمرو وتهانى محمد الجبالى نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / حمدان حسن فهمى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 86 لسنة 29 القضائية “دستورية ” .
المقامة من
السيدة / سهير محمد عبد الدايم على
ضد
1 السيد رئيس مجلس الوزراء
2 السيد رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى

الإجراءات
بتاريخ الخامس من شهر إبريل سنة 2007 ، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ، طالبة الحكم بعدم دستورية المادة (3) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 ، والمادة الرابعة من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 ، والمادة الثانية من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 فيما ” تضمنته من استبعاد العاملين من أسرة صاحب العمل الذين يعولهم من تطبيق أحكامها ” .

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها .
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة 7/2/2010 ، وفيها مُد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم .

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
حيث إن الوقائع حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل فى أن المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 50 لسنة 2007 مدنى كلى ، أمام محكمة بنها الابتدائية ، ضد المدعى عليه الثانى وآخر ، طالبة الحكم بإلزامهما بتسوية معاشها على أساس كامل مدة اشتراكها فى التأمينات الاجتماعية بما فى ذلك المدة التى قضتها فى العمل لدى زوجها بالصيدلية المملوكة له واستبعدتها الهيئة من مدة اشتراكها . وأثناء نظر الدعوى دفع الحاضر عن المدعية بعدم دستورية نص المادة (3) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 ، والمادة (2) من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 فيما تضمنته من استبعاد العاملين من أسرة صاحب العمل الذين يعولهم من سريان أحكامها ، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعية برفع دعواها الدستورية فقد أقامت الدعوى الماثلة .
وحيث إن النصوص المطعون عليها تجرى عباراتها كالتالى :

المادة (3) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 :

” لا تسرى أحكام هذا القانون على :
أ ……………….
ب ……………….
ج أفراد أسرة صاحب العمل وهم الزوج أو الزوجة وأصوله وفروعه الذين يعولهم فعلا ” .

المادة (4) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 :

” لا تسرى أحكام هذا القانون على :
أ_ …………….
ب_  ……………….
ج_ أفراد أسرة صاحب العمل الذين يعولهم فعلا
وذلك ما لم يرد نص على خلاف ذلك ” .

وتنص المادة (2) من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 على أن :

تسرى أحكام هذا القانون على العاملين من الفئات الآتية :
أ ……………….
ب العاملون الخاضعون لأحكام قانون العمل الذين تتوافر فيهم الشروط الآتية :
1 أن يكون سن المؤمن عليه 18 سنة فأكثر .
2 أن تكون علاقة العمل التى تربط المؤمن عليه بصاحب العمل منتظمة ……. ” .

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية لازما للفصل فى الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع . متى كان ذلك وكانت رحى المنازعة الموضوعية تدور حول مطالبة المدعية باحتساب كامل مدة اشتراكها فى نظام التأمين الاجتماعى بما فيها مدة اشتراكها عن عملها بالصيدلية المملوكة لزوجها ، وكان قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 فى مجال تحديد المنتفعين بأحكامه يقضى فى المادة (2) منه بسريان أحكام هذا القانون على العاملين الخاضعين لقانون العمل ، وكان قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 والذى يحكم علاقة العمل التى كانت قائمة بين المدعية وزوجها إبان فترة عملها بالصيدلية المملوكة له ينص على ألا تسرى أحكامه على أفراد أسرة صاحب العمل الذين يعولهم فعلا ، بما مؤداه استبعاد هذه الطائفة من الإفادة من نظام التأمين الاجتماعى ، فإن مصلحة المدعية تتحدد بما تضمنه حكم المادة (2) من قانون التأمين الاجتماعى المشار إليه من استبعاد أفراد أسرة صاحب العمل الذين يعولهم فعلا من نطاق تطبيق أحكام القانون المشار إليه ، وبه وحده يتحدد نطاق الدعوى الماثلة ، ولا يمتد هذا النطاق ليشمل نص المادة (4) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 إذ لم يشمله الدفع بعدم الدستورية المثار أمام محكمة الموضوع ، ليصبح والحال هذه دعوى أصلية رفعت بغير الطريق المنصوص عليه فى قانون هذه المحكمة .

وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون فيه محددا نطاقا على النحو المتقدم مخالفته أحكام الشريعة الإسلامية وإهداره للحق فى العمل وإخلاله بمبدأ مساواة المرأة بالرجل بالمخالفة لأحكام المواد ( 2 ، 11 ، 13 ، 40 ) من الدستور .

وحيث إن هذا النعى سديد فى جوهره ذلك أن الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق ، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها ، وتكون تخوما لها لا يجوز ، اقتحامها ، أو تخطيها . وكان الدستور إذ يعهد بتنظيم موضوع معين إلى السلطة التشريعية ، فإن ما تقره من القواعد القانونية بصدده ، لا يجوز أن ينال من الحق محل الحماية الدستورية سواء بالنقض أو الانتقاص .

وحيث إن البين من أحكام الدستور بما يحقق تكاملها ويكفل عدم انعزال بعضها عن بعض فى إطار الوحدة العضوية التى تجمعها ، وتصون ترابطها أنه فى مجال حق العمل والتأمين الاجتماعى ، كفل الدستور بنص مادته الثالثة عشر أمرين :

أولهما : أن العمل ليس ترفا يمكن النزول عنه . ولا هو منحة من الدولة تبسطها أو تقبضها وفق مشيئتها لتحدد على ضوئها من يتمتعون بها أو يمنعون منها . ولا هو إكراه للعامل على عمل لا يقبل عليه باختياره ، أو يقع التمييز فيه بينه وبين غيره من المواطنين لاعتبار لا يتعلق بقيمة العمل وغير ذلك من شروطه الموضوعية . ذلك أن الفقرة الأولى من المادة (13) من الدستور تنظم العمل بوصفه حقا لكل مواطن لا يجوز إهداره ، أو تقييده بما يعطل جوهره ، وواجبا يلتزم بمسئوليته ، والنهوض بتبعاته ، وشرفا يرنو إليه . وهو باعتباره كذلك ، ولأهميته فى تقدم الجماعة وإشباع احتياجاتها ، ولصلته الوثيقة بالحق فى التنمية بمختلف جوانبها ، ولضمان تحقيق الإنسان لذاته ، ولحرياته الأساسية ، وكذلك لإعمال ما يتكامل معها من الحقوق ، توليه الدولة اهتمامها ، وتزيل العوائق من طريقه وفقا لإمكاناتها ، وبوجه خاص إذا امتاز العامل فى أدائه وقام بتطويره .

ولا يجوز بالتالى أن يتدخل المشرع ليعطل حق العمل ، ولا أن يتذرع اعتسافا بضرورة صون أخلاق العامل أو سلامته أو صحته ، للتعديل فى شروط العمل ، بل يتعين أن يكون تنظيم هذا الحق غير مناقض لجوهره ، وفى الحدود التى يكون فيها هذا التنظيم منصفا ومبررا .

ثانيهما : أن الأصل فى العمل أن يكون إراديا قائما على الاختيار الحر ، ذلك أن علائق العمل قوامها شراء الجهة التى تقوم باستخدام العامل لقوة العمل بعد عرضها عليها ، فلا يحمل المواطن على العمل حملا بأن يدفع إليه قسرا ، أو يفرض عليه عنوة ، إلا أن يكون ذلك وفقا للقانون وبوصفه تدبيرا استثنائيا لإشباع غرض عام وبمقابل عادل . وهى شروط تطلبها الدستور فى العمل الإلزامى ، وقيد المشرع بمراعاتها فى مجال تنظيمه كى لا يتخذ شكلا من أشكال السخرة المنافية فى جوهرها للحق فى العمل باعتباره شرفا ، والمجافية للمادة (13) من الدستور بفقرتيها .

متى كان ما تقدم ، وكان النص المطعون فيه يؤدى إلى إحجام أفراد أسرة صاحب العمل الذين يعولهم فعلا عن العمل لديه خشية حرمانهم من الانتفاع من خدمات التأمين الاجتماعى ، ويدفعهم إلى البحث عن فرصة عمل أخرى لدى غيره من أرباب العمل ، حال أنهم قد يفضلون العمل لدى الأول لاعتبارات القرابة أو لنوع العمل الذى يفضلون القيام به ، فإنه بذلك يكون قد نال من جوهر الحق فى العمل وحرية اختياره بالمخالفة لنص المادة (13) من الدستور.

وحيث إن الدستور إذ عهد بنص المادة (122) منه إلى المشرع بصوغ القواعد القانونية التى تتقرر بموجبها على خزانة الدولة ، مرتبات المواطنين ومعاشاتهم وتعويضاتهم وإعاناتهم ومكافآتهم على أن ينظم أحوال الاستثناء منها ، والجهات التى تتولى تطبيقها ، فذلك لتهيئة الظروف التى تفى باحتياجاتهم الضرورية ، وتكفل مقوماتها الأساسية التى يتحررون بها من العوز ، وينهضون معها بمسئولية حماية أسرهم والارتقاء بمعاشها ، بما مؤداه أن التنظيم التشريعى للحقوق التى كفلها المشرع فى هذا النطاق ، يكون مجانبا أحكام الدستور ، منافيا لمقاصده ، إذا تناول هذه الحقوق بما يهدرها أو يفرغها من مضمونها .

ولازم ذلك أن الحق فى المعاش إذا توافر أصل استحقاقه وفقا للقانون إنما ينهض التزاما على الجهة التى تقرر عليها ، وهو ما تؤكده قوانين التأمين الاجتماعى على تعاقبها إذ يبين منها أن المعاش الذى تتوافر بالتطبيق لأحكامها شروط اقتضائه عند انتهاء خدمة المؤمن عليه وفقا للنظم المعمول بها ، يعتبر التزاما مترتبا بنص القانون فى ذمة الجهة المدينة . وإذا كان الدستور قد خطا بمادته السابعة عشرة خطوة أبعد فى اتجاه دعم التأمين الاجتماعى ، حين ناط بالدولة ، أن تكفل لمواطنيها خدماتهم التأمينية الاجتماعية منها والصحية بما فى ذلك تقرير معاش لمواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم فى الحدود التى يبينها القانون ، فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعى التى يمتد نطاقها إلى الأشخاص المشمولين بها هى التى تكفل لكل مواطن الحد الأدنى من المعاملة الإنسانية التى لا تمتهن فيها آدميته ، والتى توفر لحريته الشخصية مناخها الملائم ، ولضمانة الحق فى الحياة أهم روافدها ، وللحقوق التى يمليها التضامن بين أفراد الجماعة التى يعيش فى محيطها ، مقوماتها ، بما يؤكد انتماءه إليها . وتلك هى الأسس الجوهرية التى لا يقوم المجتمع بدونها ، والتى تعتبر المادة (7) من الدستور مدخلا إليها .

وحيث إن النص المطعون عليه حرم العاملين من أسرة صاحب العمل من الانتفاع من خدمات التأمين الاجتماعى دون سبب منطقى يبرر ذلك سوى أنهم يعملون لدى رب عمل يعولهم فعلا ، أى أن حرمان هذه الطائفة من العاملين من حقوقهم التأمينية وأخصها الحق فى المعاش يرجع إلى طبيعة العلاقة الخاصة التى تربطهم برب العمل ، حال أن هذه العلاقة وكنهها والقواعد التى تنتظمها ليس لها من صلة بأحكام قانون التأمين الاجتماعى ، سيما وأن الحق فى المعاش يقوم وفقا للقواعد التى تقرر بموجبها ، ويتحدد مقداره على ضوء المدد التى قضاها أصحابها فى الجهات التى كانوا يعملون بها وأدوا عنها حصصهم فى التأمين الاجتماعى ، وذلك كله ليس له من صلة بطبيعة النظام القانونى الذى يخضع له هؤلاء العاملون فى علاقتهم برب العمل الذين يعملون لديه ، ولا ينال من حقهم فى الحصول على معاش عن مدة اشتراكهم فى نظام التأمين الاجتماعى متى كان ذلك فإن النص المطعون عليه وقد حرمهم من هذا الحق يكون قد خالف حكم المادتين ( 17 و122 ) من الدستور .

وحيث إن مبدأ المساواة أمام القانون الذى أرساه الدستور بنص المادة (40) منه بحسبانه ضمانة جوهرية لتحقيق العدل والحرية والسلام الاجتماعى ، لا يقتصر نطاق تطبيقه على الحقوق والحريات التى كفلها الدستور ، وإنما يتعلق كذلك بما يكون منها قد تقرر بقانون فى حدود السلطة التقديرية التى يملكها المشرع ، فلا يجوز بعدئذ تقييدها بما يعطلها أو ينال من ممارستها ، بل يتعين أن تنتظمها أسس موحدة لا تمييز فيها بين المؤهلين قانونا للانتفاع بها .

وحيث إنه متى كان ما تقدم ، وكان العاملون من أسرة صاحب العمل ممن يعولهم فعليا وغيرهم من العاملين لديه الذين لا يتحقق فى شأنهم شرط الإعالة تتكافأ مراكزهم القانونية بالنسبة للحق فى المعاش بوصفه حقا دستوريا كفله الدستور بنص المادة (17) منه سالفة البيان بما يستوجب وحدة القواعد التى تنتظمهم جميعا . وكان النص الطعين قد أفرد العاملين من غير أسرة صاحب العمل بمعاملة تفضيلية قوامها أحقيتهم فى الحصول على المعاش المستحق لهم عن كامل مدة اشتراكهم أيا كانت الجهة التى كانوا يعملون فيها حال أنه حرم العاملين من أفراد أسرة صاحب العمل من هذا الحق فإنه يكون بذلك قد خالف مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه فى المادة (40) من الدستور .

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الحماية التى أظل بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان عليها وفقا لنص المادة (34) منه تمتد إلى الأموال جميعها دون تمييز بينها ، باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية ، سواء كان هذا الحق شخصيا أو عينيا أم كان من حقوق الملكية الأدبية أو الفنية أو الصناعية . وكان الحق فى المعاش عن كامل مدة الاشتراك فى نظام التأمين الاجتماعى ينهض التزاما على الجهة التى تقرر عليها وعنصرا إيجابيا فى ذمة صاحب المعاش ، فإن النص المطعون عليه ينحل والحالة هذه عدوانا على حق الملكية بالمخالفة لنص المادة (34) من الدستور .
وحيث إنه لذلك فإن النص المطعون فيه يخالف أحكام المواد ( 13 ، 17 ، 34 ، 40 ، 122 ) من الدستور .

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (2) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 فيما تضمنه من استبعاد أفراد أسرة صاحب العمل الذين يعولهم فعلا من تطبيق أحكامه ، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة