حكم تمييز تزوير ( عدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها )

محكمة التمييز
الدائرة الجزائية
جلسة 14/ 6/ 2005
برئاسة السيد المستشار/ كاظم محمد المزيدي – رئيس الجلسة، وعضوية السادة المستشارين/ محمود دياب ونجاح نصار وعبد الرحمن أبو سليمة ومجدي أو العلا.
(17)
(الطعن رقم 506/ 2004 جزائي)
1 – إثبات “قوة الأمر المقضي”. حكم “حجيته”. حجية. ارتباط.
– الدفع بقوة الأمر المقضي في المسائل الجزائية. شرطه: سبق صدور حكم جزائي نهائي في محاكمة جزائية وأن يكون بين تلك المحاكمة والمحاكمة التالية المتمسك أمامها بالدفع اتحاد في الموضوع والسبب وأشخاص المتهمين وأن يكون الحكم قد صدر في موضوع الدعوى سواء بالإدانة أو امتناع العقاب أو البراءة. عدا البراءة المبنية على أسباب شخصية خاصة بالمتهم.
– وحدة الموضوع: تتحقق في كل القضايا الجزائية. علة ذلك.
– اتحاد السبب: يتحقق بوجود ارتباط بين الدعويين لا يقبل التجزئة.
– وحدة الأشخاص: يتحقق متى ثبت أن أحدهم كان ماثلاً في الدعوى التي صدر فيها الحكم النهائي.
2 – دعوى “عدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها”. تمييز “حالات الطعن: الخطأ في تطبيق القانون”. إجراءات المحاكمة. قوة الأمر المقضي. إثبات.
– محاكمة الشخص عن فعل واحد مرتين. غير جائز. علة وأساس ذلك.
– ثبوت أن الواقعة المادية موضوع الدعوى محل الطعن هي بعينها موضوع الدعوى التي حكم فيها على ذات المتهم وعن ذات الفعل بحكم نهائي. وجوب القضاء في الدعوى الأولى – محل الطعن – بعدم جواز نظرها لسابقة الفصل فيها. مخالفة ذلك والقضاء بإدانة الطاعن. خطأ في تطبيق القانون يوجب تمييزه. لا يغير من ذلك اختلاف شخص المجني عليه في الدعويين. علة ذلك.
1 – يشترط لصحة الدفع بقوة الشيء المحكوم فيه في المسائل الجنائية أن يكون هناك حكم جنائي نهائي سبق صدوره في محاكمة جنائية معينة، وأن يكون بين المحاكمة والمحاكمة التالية التي يراد التمسك بها بهذا الدفع اتحاد في الموضوع واتحاد في السبب، واتحاد في أشخاص المتهمين، وأن يكون الحكم صادرًا في موضوع الدعوى سواء قضى بالإدانة وتوقيع العقوبة أو بالبراءة ورفض توقيعها ما لم تكن البراءة مبنية على أسباب شخصية خاصة بالمتهم، ووحدة الموضوع تتوافر في كل القضايا الجنائية لأن الموضوع في كل قضية جنائية هو طلب عقاب المتهم أو المتهمين المقدمين للمحاكمة، أما اتحاد السبب فيكفي فيه أن يكون بين القضيتين ارتباط لا يقبل التجزئة، أما وحدة الأشخاص فتكون موفورة فيما يتعلق بالمتهمين متى ثبت أن أحدهم كان ماثلاً في القضية التي صدر فيها الحكم النهائي.
2 – من المقرر أنه لا تجوز محاكمة الشخص عن فعل واحد مرتين ذلك أن الازدواج في المسئولية الجنائية عن الفعل الواحد أمر يحرمه القانون وتتأذى به العدالة، وكانت المادة 184/ 1 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية تنص على أن (متى صدر حكم في موضوع الدعوى الجزائية بالبراءة أو بالإدانة بالنسبة إلى متهم معين فإنه لا يجوز بعد ذلك أن ترفع دعوى جزائية أخرى ضد هذا المتهم عن نفس الأفعال أو الوقائع التي صدر بشأنها الحكم….) ولما كان الثابت – مما سلف – أن الواقعة المادية موضوع الدعوى الحالية هي بعينها الواقعة موضوع الدعوى رقم 591/ 2002 جنايات المباحث. وأن المتهم في الدعويين شخص واحد وقد حكم فيها عن فعل واحد. وإذ قضى الحكم في الدعوى الأخيرة في 21/ 1/ 2004 بحكم نهائي حاز قوة الأمر المقضي بالامتناع عن النطق بعقاب الطاعن فإنه كان يتعين أن يقضى في الدعوى الحالية – التي صدر فيها الحكم في 29/ 9/ 2004 أي بعد صدور الحكم في الدعوى الأخرى وصيرورته نهائيًا – بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها أما وقد قضى الحكم المطعون فيه بإدانة الطاعن والتقرير بالامتناع عن النطق بعقابه عن نفس الفعل الذي سبق أن أدين عنه في الدعوى رقم 591/ 2002 جنايات المباحث المشار إليها فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. ولا يغير من ذلك ما ساقه الحكم المطعون فيه تبريرًا لقضائه برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها وهو اختلاف شخص المجني عليه في الدعويين السابقة والحالية وذلك لما بين الدعويين من الارتباط المعنوي ما يقتضي النظر إليهما على اعتبار أن كلاً منهما جزء من عمل جنائي واحد مهما تعدد المجني عليهم. وإذ كان الحكم المطعون فيه لم يلتزم هذا النظر القانوني فإنه يتعين تمييزه.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 20/ 4/ 1996 بدائرة مخفر شرطة المباحث الجنائية: محافظة العاصمة: – 1 – ارتكب تزويرًا في محرر رسمي بقصد استعماله على نحو يوهم بأنه مطابق للحقيقة والواقع هو محضر جلسة 20/ 4/ 1996 بالقضية رقم 3202 لسنة 1995 أحوال شخصية بأنه استغل حسن نية الموظف المختص بكتابة ذلك المحضر وأملى عليه كذبًا وعلى خلاف الحقيقة أنه وكيل عن……. بموجب التوكيل الرسمي العام رقم 48 جلد 286 وقدم تأييدًا لزعمه ما يفيد ذلك بعد قيام الأخير بإلغائه وإخطاره بذلك في 10/ 2/ 1996 فأثبت الموظف كونه وكيلاً عنه، وكان المحرر بعد تغيير الحقيقة فيه صالحًا لأن يستعمل على هذا النحو. 2 – استعمل محررًا فقد قوته القانونية بإلغائه هو التوكيل سالف البيان مع علمه بذلك قاصدًا الإيهام بأنه لا يزال حافظًا قوته القانونية وذلك على النحو المبين بالتهمة الأولى. وطلبت عقابه بالمواد 257، 259/ 1، 261 من قانون الجزاء. وادعى المجني عليه مدنيًا قبل المتهم بمبلغ 5001 دينارًا على سبيل التعويض المؤقت. وبتاريخ 25/ 5/ 2004 حكمت محكمة الجنايات حضوريًا: أولاً بالامتناع عن النطق بعقاب المتهم على أن يقدم تعهدًا كتابيًا مصحوبًا بكفالة مالية مقدارها خمسمائة دينارًا يتعهد فيه بمراعاة حسن السلوك لمدة سنة. ثانيًا: بإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة. استأنفت النيابة العامة هذا الحكم للتشديد، كما استأنفه المحكوم عليه. وبتاريخ 29/ 9/ 2004 قضت المحكمة الاستئنافية بقبول استئناف كل من المتهم/ ……، والنيابة العامة شكلاً، وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق التمييز.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي التزوير في محرر رسمي واستعمال محرر – توكيل – فقد قوته القانونية بإلغائه وقرر بالامتناع عن النطق بالعقاب فقد أخطأ في تطبيق القانون ذلك بأنه تمسك أمام محكمتي الموضوع بالدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الحكم عليه في الدعوى رقم 591/ 2002 جنايات المباحث واستئنافها رقم 2044/ 2003 عن ذات محضر الجلسة والقضية والتوكيل موضوع الدعوى الماثلة إلا أن المحكمة أطرحت هذا الدفع استنادًا إلى اختلاف شخص المجني عليه في الدعويين، وهو ما لا يتفق وصحيح القانون مما يعيبه ويستوجب تمييزه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى عرض لدفع الطاعن الشفوي والمكتوب بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم 591/ 2002 جنايات – 922/ 2002 المباحث وبعد إيراد مبادئ قانونية أطرحه في قوله (وحيث إنه على هدي ما تقدم وكان الثابت بالأوراق أنه ولئن كان المتهم حضر بصفته وكيلاً عن…… وهي الواقعة محل الاتهام في الجناية رقم 591/ 2002 بذات التوكيل رقم 48 جلد 268 الذي حضر بموجبه في الدعوى رقم 3202/ 95 أحوال شخصية جعفري وهو ما حضر به أيضًا في تلك الدعوى وكيلاً عن المجني عليه في الدعوى الماثلة إلا أن مفاد التوكيل أنه يحمل وكالات متعددة عن أشقائه أي لكل منهم وكالة خاصة قائمة بذاتها بمعنى أن الحضور عن كل متهم يعتبر واقعة مستقلة ويضحى حضوره عن المجني عليها في الجناية المحتج بها وحضوره عن المجني عليه في الواقعة الراهنة ما هو إلا سلسلة وقائع متماثلة ارتكبها المتهم لغرض واحد. لأن كل واقعة منهما ذاتية خاصة وقد اختلف المجني عليه في كلتا الواقعتين ومن ثم يكون الدفع بسبق محاكمة المتهم في الجناية سالفة الذكر قد نزل منزلاً غير صحيح من الواقع والقانون). وأضاف الحكم المطعون فيه بعد اعتناقه هذه الأسباب قوله (.. إن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها أضحى غير سديد وفي غير محله لعدم توافر شرطي وحدة السبب والخصوم لاختلاف المجني عليه في هذه الدعوى عنه في الجناية رقم 591/ 2002). لما كان ذلك، وكان من المقرر، أنه يشترط لصحة الدفع بقوة الشيء المحكوم فيه في المسائل الجنائية أن يكون هناك حكم جنائي نهائي سبق صدوره في محاكمة جنائية معينة، وأن يكون بين المحاكمة والمحاكمة التالية التي يراد التمسك بها بهذا الدفع اتحاد في الموضوع واتحاد في السبب، واتحاد في أشخاص المتهمين، وأن يكون الحكم صادرًا في موضوع الدعوى سواء قضى بالإدانة وتوقيع العقوبة أو بالبراءة ورفض توقيعها ما لم تكن البراءة مبنية على أسباب شخصية خاصة بالمتهم، ووحدة الموضوع تتوافر في كل القضايا الجنائية لأن الموضوع في كل قضية جنائية هو طلب عقاب المتهم أو المتهمين المقدمين للمحاكمة، أما اتحاد السبب فيكفي فيه أن يكون بين القضيتين ارتباط لا يقبل التجزئة، أما وحدة الأشخاص فتكون موفورة فيما يتعلق بالمتهمين متى ثبت أن أحدهم كان ماثلاً في القضية التي صدر فيها الحكم النهائي. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على مدونات الحكم المطعون فيه أن الواقعة موضوع الدعوى الجنائية رقم 591/ 2002 جنايات المباحث هي بعينها الواقعة موضوع الدعوى الراهنة رقم 878/ 2003 جنايات إذ أن كليهما عن تزوير في محضر جلسة واحدة في قضية واحدة وبناء على سند وكالة واحد وهو محضر جلسة 20/ 4/ 1996 في القضية رقم 3202/ 1995 أحوال شخصية جعفري والتوكيل الرسمي العام رقم 48 جلد 268 بتاريخ 20/ 5/ 1995 وقد حكم في الدعوى الأولى نهائيًا بالتقرير بالامتناع عن النطق بعقاب الطاعن بتاريخ 21/ 1/ 2004 قبل صدور الحكم المطعون فيه القاضي أيضًا بالتقرير بالامتناع عن النطق بعقاب الطاعن في الدعوى الراهنة بتاريخ 29/ 9/ 2004. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا تجوز محاكمة الشخص عن فعل واحد مرتين ذلك أن الازدواج في المسئولية الجنائية عن الفعل الواحد أمر يحرمه القانون وتتأذى به العدالة، وكانت المادة 184/ 1 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية تنص على أن (متى صدر حكم في موضوع الدعوى الجزائية بالبراءة أو بالإدانة بالنسبة إلى متهم معين فإنه لا يجوز بعد ذلك أن ترفع دعوى جزائية أخرى ضد هذا المتهم عن نفس الأفعال أو الوقائع التي صدر بشأنها الحكم….) ولما كان الثابت – مما سلف – أن الواقعة المادية موضوع الدعوى الحالية هي بعينها الواقعة موضوع الدعوى رقم 591/ 2002 جنايات المباحث. وأن المتهم في الدعويين شخص واحد وقد حكم فيها عن فعل واحد. وإذ قضى الحكم في الدعوى الأخيرة في 21/ 1/ 2004 بحكم نهائي حاز قوة الأمر المقضي بالامتناع عن النطق بعقاب الطاعن فإنه كان يتعين أن يقضي في الدعوى الحالية – التي صدر فيها الحكم في 29/ 9/ 2004 أي بعد صدور الحكم في الدعوى الأخرى وصيرورته نهائيًا – بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها أما وقد قضى الحكم المطعون فيه بإدانة الطاعن والتقرير بالامتناع عن النطق بعقابه عن نفس الفعل الذي سبق أن أدين عنه في الدعوى رقم 591/ 2002 جنايات المباحث المشار إليها فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. ولا يغير من ذلك ما ساقه الحكم المطعون فيه تبريرًا لقضائه برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها وهو اختلاف شخص المجني عليه في الدعويين السابقة والحالية وذلك لما بين الدعويين من الارتباط المعنوي ما يقتضي النظر إليهما على اعتبار أن كلاً منهما جزء من عمل جنائي واحد مهما تعدد المجني عليهم. وإذ كان الحكم المطعون فيه لم يلتزم هذا النظر القانوني فإنه يتعين تمييزه وإلغاء الحكم المستأنف والقضاء بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها في الجناية رقم 591/ 2002 جنايات – 922/ 2002 المباحث وذلك دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.
وحيث إن موضوع الاستئناف صالح للفصل فيه.
ولما تقدم يتعين إلغاء الحكم المستأنف والقضاء بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها في الجناية رقم 591/ 2002 جنايات – 922/ 2002 المباحث.