دور هيئة التحقيق والادعاء العام بالمملكة العربية السعودية مع المقارنة
بالهيئات المماثلة في الدول العربية

إعداد
الدكتور فؤاد عبد المنعم أحمد
المستشار السابق بوزارة العدل المصرية
خبير البحوث الإسلامية السابق لرئاسة المحاكم الشرعية بدولة قطر
عضو الهيئة العلمية بقسم العدالة بكلية الدراسات العليا
جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العاليمن، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعه لإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
فإن دستور المملكة العربية السعودية هو كتاب الله الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، وما اختلفنا فيه شيء رددناه إليهما، وهما الحاكمان على كل حال ما تصدره الدولة من أنظمة، وإن شريعة الإسلام هي التي تحفظ الحقوق والدماء وتنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتضبط التعامل بين أفراد المجتمع وتصون الأمن العام( ).
وأن النظام السياسي للحكم في المملكة، الذي يبين شكل الحكم والسلطات والعلاقات بينهما وحقوق الأفراد( ). ويطلق علية في الدول العربية الدستور، وهو القانون الأعلى الذي يحكم القوانين العادية في الدولة ويتعين عليها الالتزام به، ومخالفته يعد هنا القانون غير دستوري.
تنص المادة الرابعة والخمسون من النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية “يبين النظام ارتباط هيئة التحقيق والادعاء العام وتنظيمها واختصاصاها”.
وقد صدر نظم هيئة التحقيق والادعاء م/53 وتاريخ 24/10/1409 هـ. ثم صدرت
لائحة أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام والعاملين فيها بقرار مجلس الوزراء رقم (140)
وتاريخ 13/8/1409هـ.
وبين دور الهيئة واختصاصاتها نظام الإجراءات الجزائية الصادر بالمرسوم (39) وتاريخ 28/7/1922هـ، من حيث الإشراف على الضبطية الجنائية، وإجراء التحقيق الابتدائي، والادعاء أمام المحاكم والاعتراض على الأحكام، والإشراف على تنفيذها وعلى السجود التوقيف( ).
ويقابل هيئة التحقيق والادعاء في معظم الدول العربية النيابة العامة، وتندرج أحكامها في نظام أو قانون السلطة القضائيـة، ودورها واختصاصاتها في قانون الإجراءات الجنائية أو المحاكمات الجزائية كما يسمية بعض الدول العربية كسوريا ودولة الكويت.
وسنركز على مصر فقد انفردت بالتعليمات العامة للنيابات في للسائل الجنائية الصادرة من النائب العام منذ عام 1958م، والمتضمنة العمل في النيابة في شتى النواحي في 1786 مادة( ).
كما أن القانون الاجراءات الجنائية المصري تأثير على القوانين الإجراءات الجنائية في دول العربية وسنعرض ذلك خلال البحث.
خطة الدراسة :
نقسم هذه الدراسة في ثلاثة فصول كالتالي :
الفصل الأول : طبيعة هيئة التحقيق والادعاء وتشكيلها واختصاصاتها مع المقارنة بالهيئات المماثلة في الدول العربية.
الفصل الثاني : خصائص هيئة التحقيق والادعاء العام مع المقارنة بالنيابة العامة في الدول العربية.
الفصل الثلث : وظيفة الهيئة والنيابة العامة ودورهما في مراحل الدعوى الجنائية.
منهج الدراسة :
تعتمد هذه الدراسة على المنهج الاستقرائي التحليلي فرجعنا إلى النصوص القانونية لهذه الأنظمة والقرانين وأهمها :
1- في المملكة : نظام هيئة التحقيق والادعاء العام (م/56) وتاريخ 24/10/1409هـ.
– لائحة أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام والعاملين فيها قرار مجلس الوزراء (140) وبتاريخ 13/8/1409هـ.

– اللائحة التنظيمية لنظام هيئة التحقيق والادعاء العام ( مشروع ).
– نظام الإجراءات الجزائية م / 29 في 28 / 7/ 1422هـ.
– اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية ( مشروع ).
2- في مصر : قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972م وتعديلاته.
– التعليمات العامة للنيابات.
– قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 في 3 سبتمبر 1950م والمعدل بالقانون رقم 37 لعام 1971م وتعديلاته.
3- في ليبيا : قانون الإجراءات الجنائية الصادر في 28 نوفمبر 1953 م وتعديلاته.
4- تشريعات السلطة القضائية في دولة الإمارات العربية المتحدة المتعلقة بالقضاء الاتحادي والمتعلقة بالإمارات التي مازالت تحتفظ باستقلال قضائها ونياباتها وهي إمارتي دبي ورأس الخيمة.
5- في سوريا : قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم ( 112 ) لعام 1950م وتعديلاته.
6- في لبنان : قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم ( 328 ) في 7 آي 2001م المعدل بالقانون رقم ( 359 ) تاريخ 16 آي 2001 .
7- الأردن : قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 9 في 28 فبراير 1961م والمعدل بالقانون رقم 61 لسنة 2001م.
8- الكويت : قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية رقم 17 في 2 يونيو ( حزيران ) 1960 م وتعديلاته.
9- قطر : قانون الإجراءات الجنائية رقم ( 15 ) لسنة 1971م وتعديلاته.
والمدونات والكتب الشارحة لهذه الأنظمة والقوانين.

الفصل الأول
نظام هيئة التحقيق والادعاء العام في المملكة والنيابة العامة في الدول العربية
تمهيد وتقسيم :
النظام في الشرع الإٍسلامي حكم تقتضيه السياسة الشرعية في المسائل التي لم يرد فيها نص قطعي الثبوت والدلالة من القرآن الكريم وصحيح السنة ، ويتفق هذا الحكم مع مقاصد الشريعة الإسلامية ومبادئها وقواعدها الكلية وأدلتها التفصيلية من أهمها دليل المصلحة المرسلة أي لم يرد دليل م الشارع باعتبارها أو إلغائها وتحقق مصلحة كلية أو درء مفسدة كلية.
النظام في المملكة العربية السعودية من الناحية الشكلية والموضوعية :
منذ أن توحدت وتأسست المملكة العربية السعودية الحديثة على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في عام 1350 هـ – 1932 م على الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية كدستور أساسي لها غير قابل للتعديل أو التغير فإنها لم تستعمل اصطلاح “التشريع” إلا على الأحكام الشرعية كما أنها استخدمت اصطلاح “السلطة التنظيمية” بمعنى يقابل “السلطة التشريعة” في الدول الأخرى.
وظل مجلس الوزراء السعودي هو الذي يمارس السلطة التنظيمية بجانب سلطته التنفيذية والإدارية ويساعده مجلس الشورى، وهو يمارسها في الأمور الخارجة عن مسائل الشرع، فالمجلس يصدر القواعد الكفيلة بتنظيم الأحوال المستجدة في المملكة ويطلق على هذه القواعد اسم “الأنظمة” وهي تصدر بموجب مرسوم ملكي بعد موافقة الملك.
فالنظام من الناحية الشكلية : “وثيقة مكتوبة تصدر من الملك ومجلس الوزراء في نفس الوقت لتنظيم سلوك الأفراد وإدراك مصالح الناس”.
والنظام من الناحية الموضوعية هي مجموعة من الأحكام التي تتعلق بموضوع محدد وتعرض في صور مواد متتالية( ). ويعادل القانون العادي في الدول العربية والسلطة التشريعية في الدول العربية.
وقد صدر نظام هيئة التحقيق والادعاء بمرسوم ( م / 56 ) وتاريخ 24/10 /1409هـ.
وتضمن هذا النظام أربعة أبواب :
الأول : في إنشاء الهيئة وتشكيلها واختصاصاتها ( المواد من 1 إلى 4 ).
الثاني : أعضاء الهيئة والعاملون فيها ( المواد من 5 إلى 13 ).
الثالث : تأديب أعضاء الهيئة ( المواد من 14 إلى 26 ).
الرابع : أحكام عامة ( مواد من 27 إلى 30 ).
ثم صدرت لائحة أعضاء هيئة التحقيق والادعاء والعاملين فيها بقرار مجلس الوزراء رقم ( 140 ) بتاريخ 13/ 8/ 1409هـ وتضمن ما يلي :
أولاً : التعين والترقية والنقل للأعضاء ( مواد من 1 إلى 16 ).
ثانيًا : تقويم أعضاء الهيئة ( مواد من 17 إلى 26 ).
ثالثًا : موظفو الهيئة من غير الأعضاء ( مواد من 27 إلى 29 ).
رابعًا : أحكام ختامية ( المادتان 30، 31 ).
ويقصد باللائحة التنظيمية : هي اللائحة التي تتكفل بتنظيم المرافق العامة، وتنسيق سير العمل في المصالح والإدارات الحكومية، ولا يشترط لصدورها أن تكون تنفيذ النظام معين كما هو الشأن في اللائحة التنفيذية. فاللائحة التي تحدد اختصاص وزارة جديدة مثلا، أو توزع الاختصاصات بين الوزارات هي “لائحة تنظيمية” لأنها لا تصدر تنفيذا لنظام معين.
ويتولى مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية إصدار اللوائح التنظيمية على أساس أنه هو الهيئة المختصة بترتيب المصالح العامة والوظائف. وكثيرًا ما يفوض المجلس الوزير المختص بإصدار اللائحة التنظيمية لمرفق من المرافق التي تشرف عليها وزارته( ).
وفي قوانين الدول العربية لها ذات المعنى، ويسند وصفها إلى السلطة التنفيذية، وأن كان في دولة الكويت يضعها الأمير بمرسوم أميري( ).
ويبين دور الهيئة في الإشراف على الضبط القضائي والدعوى الجنائية وتنفيذ الأحكام الجنائية ( نظام الإجراءات الجزائية في المملكة العربية السعودية مرسوم الملكي 39 في 28/ 7 / 1422هـ ) واللائحة التنفيذية له ( مشروع ).
واللائحة التنفيذية : عبارة عن “اللائحة التي تتضمن القواعد التفصيلية والفرعية اللازمة لتنفيذ النظام”. ذلك أن “النظام” يتميز بالاقتصار على وضع القواعد الرئيسية والكلية، ولا يهبط إلى التفاصيل والجزئيات التي لابد من بيانها بدقة لتنفيذه.
وهو يترك بيان هذه القواعد الجزئية والتفصيلية عند التنفيذ للسلطة التنفيذية المتمثلة في مجلس الوزراء أو الوزراء فيما كل يخصه. كما أن “النظام” هو الذي يحدد عادة من له حق إصدار اللوائح والقرارات التنفيذية. وكثيرًا ما يتضمن “النظام” تفويض الوزير المختص بإصدار اللوائح التنفيذية اللازمة لتطبيقه.
ولا يصح أن تجاوز اللائحة التنفيذية حدود القواعد الرئيسية الواردة في النظام. فهي لا تملك تقرير قاعدة تؤدي إلى تعديل القاعدة الرئيسية أو إلغائها( ).
ومن أمثلتها : اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية في المملكة العربية السعودية “مشروع”.
ذات المعنى في قوانين الدول العربية للوائح التنفيذية وتسند إلى السلطة التنفيذية أو الوزير المختص وفي الكويت يضعها أمير دولة الكويت( ).
النيابة العامة :
يعادل هيئة التحقيق والإدعاء في الدول العربية النيابة العامة.
ويحكم النيابة العامة في مصر قانون السلطة القضائية رقم 64 لسنة 1972م وتعديلاته.
وقد تضمن الباب الثالث النيابة العامة في فصلين :
الأول : في التعيين والترقية والأقدمية ( المواد من 116 إلى 124 ).
الثاني : في تأديب أعضاء النيابة العامة ( مواد من 125 إلى 130 ).
كما تضمن بيان اختصاصات النيابة العامة الفصل الرابع من الباب الأول ( المواد 21 إلى 27 ).
وعرضت التعليمات العامة للنيابات كل ما يتعلق بها في 1786( ) مادة.
ومثل مصر معظم البلاد العربية فيما يتعلق بالنيابة العامة واختصاصاتها.
ويتضمن هذا الفصل ثلاثة مباحث كالتالي :
المبحث الأول : طبيعة وتشكيل هيئة التحقيق والإدعاء العام في المملكة العربية والنيابة العامة في الدول العربية.
المبحث الثاني : تنظيم هيئة التحقيق والادعاء في المملكة والنيابة العامة في الدول العربية.
المبحث الثالث : اختصاصات الهيئة المملكة والنيابة العامة في الدول العربية.

المبحث الأول
طبيعة وتشكيل هيئة التحقيق والإدعاء العام والنيابة العامة
المطلب الأول : طبيعة هيئة التحقيق والإدعاء العام والنيابة العامة في بعض الدول العربية :
– طبيعة هيئة التحقيق والإدعاء العام في المملكة العربية السعودية :
هيئة التحقيق والادعاء العام شعبة أصلية من الشعب السلطة التنفيذية فهي مرتبطة بوزير الداخلية وميزانيتها ضمن ميزانية تلك الوزارة طبقًا للمادة الأولى من نظامها وأعضاؤها قابلون للعزل وإنهاء خدمتهم طبقًا للمادة 13 من النظام.
قد يقال بأن الغالب عليها الصفة القضائية نظرًا لطبيعة أعمالها وحصانة أعضائها طبقًا للمادة 19 من النظام واستقلالها طبقًا للمادة 5 من نظامها التي تنص على أنه يتمتع أعضاؤها بالاستقلال التام ولا يخضعون في عملهم إلا لأحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية وليس لأحد التدخل في مجال عملهم.
ولا ينكر أحد طبيعة أعمالها القضائية المتعلقة بالدعوة الجزائية من تحقيق وادعاء وطعن على الأحكام… إلخ.
إلا أن تبعيتها لوزير الداخلية وقابلية أعضائها للعزل وخضوعهم لنظام الخدمة المدنية ونظام التقاعد وما ينص عليه نظام الخدمة من واجبات فيما عدا ما ينص عليه نظامها من أحكام يغلب صفتها التنفيذية. وهي على كل حال جهاز شبه قضائي( ).
“ومع أن النظام قد جعل الهيئة مرتبطة بوزير الداخلية مما قد يفهم منه أنه ارتباط إداري إلا أنه عاد في المادة السابعة والعشرين ليوضح أن الارتباط ليس إداريًا فحسب بل وفيما يتعلق بأعمال الهيئة فـ( مع عدم الإخلال بالأحكام المنصوص عليها في ( نظام الهيئة ) ولوائحه يتولى وزير الإشراف على الهيئة، ويتخذ الإجراءات والتدابير أو يتقدم إلى الجهات المختصة بما يراه من المقترحات أو المشروعات التي من شأنها ضمان المستوى اللائق بالتحقيق والإدعاء )( ).
– مدى الطبيعة القضائية للنيابة العامة في الدول العربية :
لم يرد النص في الدستور المصري على الطبيعة القضائية للنيابة العامة، ولذلك فإن طبيعتها كانت محل خلاف. فقضت محكمة النقض بأن “النيابة شعبة أصيلة من الشعب السلطة التنفيذية خصت بمباشرة الدعوى العمومية نيابة عن تلك السلطة”. ولكن محكمة النقض اتجهت في حكم آخر إلى القول بأن النيابة العامة شعبة من شعب السلطة القضائية خول الشارع أعضاءها من بين خوله لهم سلطة التحقيق في مباشرة الدعوى العمومية.
وتنص النيابات العامة أن للنيابة العامة في مصر :
“إن وظيفة النيابة العامة شعبة من شعب السلطة القضائية، وهي النائبة عن المجتمع والممثلة له تمثيل المصالح العامة وتسعى في تحقيق موجبات القانون ( التعليمات العامة للنيابات المادة “1”) ويرى بعض علماء القانون في الأردن وسوريا أن تعتبر النيابة العامة من حيث تكوينها العضوي هيئة قضائية لانها تتألف من قضاة يخضعون لأحكام قانون استقلال القضاة، ويتمتعون بالضمانات التي يمتنع بها سائر القضاة، ولا يختلف هذا الوضع في أي من التشريعات العربية. وأما من حيث العمل الذي يقوم به فإنه يشمل أعمالا قضائية كالتحقيق وأعمالا غير قضائية كالاتهام وتنفيذ الأعمال.
وبناء على هذا التصوير فإن النيابة العامة تعتبر هيئة قضائية، سواء بالنسبة لتكوينها العضوي أو بالنسبة لطبيعة الوظيفة التي تقوم بها، والتي لا يؤثر فيها اختصاص النيابة العامة ببعض الأعمال غير القضائية( ).
ويقول الدكتور عبدالوهاب حومد “إن النيابة العامة جهاز مستقل من أجهزة القضاء، مهمتها ممارسة الخصومة الجزائية، باسم المجتمع، وواجبها البحث عن الحقيقية، وليس السعي لإدانة المتهم إذا لم تقتنع بمسئولية، لأنها ليست خصمًا شخصيا له… وهي مكلفة الدعوى العامة، وكذلك ممارستها( ).
في دولة الإمارات النيابة العامة جهة قضائية، وهذا ما يؤكده القانون رقم 8 لسنة 1992م بشأن النيابة العامة بإمارة دبي “تتكون من مجموعة من رجال القضاء ووجود من يمثلها في الدعاوى الجزائية شرط لازم لصحة تشغيل المحاكم الجزائية، علاوة على أنها تباشر التحقيق الابتدائي وهو من الأعمال القضائية”( ).
والواقع أن الذي يثير الخلاف حول طبيعة النيابة في مصر ما نصت عليه المادة 26 من قانون السلطة القضائية من تبعية أعضاء النيابة لرؤسائهم ثم لوزير العدل، وما نصت عليه المادة 125 من قانون السلطة القضائية على أن “أعضاء النيابة يتبعون رؤساءهم والنائب العام وهم جميعًا يتبعون وزير العدل، وللوزير حق الرقابة والإشراف على النيابة وأعضائها وللنائب العام حق الرقابة والإشراف على جميع أعضاء النيابة”.
وليس هذا شأن القضاة فهم مستقلون لا يتبعون أحد. ولكن قيام النيابة العامة بعمل قاضي التحقيق يجعلها سلطة تحقيق وهي بذلك هيئة قضائية، ولكن عندما تقوم بأعمال سلطة اتهام لا تكون هيئة قضائية وإنما تقوم بعمل تنفيذي بوصفها جزءًا من السلطة التنفيذية( ).
طبيعة النيابة العامة في القانون السوري :
المادة 137 من الدستور بأنها “مؤسسة قضائية” وفي المادة 10 من قانون الأصول المحاكمات الجزائية أعضائها بأنهم “قضاة”.
ويرى البعض من علماء القانون في سوريا : أن النيابة شعبة من شعب السلطة التنفيذية يرأسها وزير العدل، وأعضاؤها ليسوا قضاة بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، لأنهم لا يقومون بما يقوم به القضاة من أعمال. والمشروع السوري، بعكس المشروع المصري، لم يعطهم سلطة التحقيق الابتدائي وإصدار ما يسمى بالأوامر الجنائية وسلطة ملائمة تحريك الدعوى العامة حين يكون الفعل الجرمي بسيطا.
بيد أن النيابة لا تمثل السلطة التنفيذية لوحدها أمام المحاكم، بل تمثل المجتمع بأسره، ومن هنا فإننا نجد لها شخصية مركبة أو مختلطة : تأخذ من القضاة بعض صفاتهم ومميزاتهم، فيسمح القانون بالانتقال ما بين ملاكها وملاك القضاة، وتمثيلها أمام المحاكم يجعلها تدخل في تشكيلها، وإذا أريد مساءلتها فعن طريق مخاصمة القضاة. وفي نيابتها عن المجتمع تأخذ صفة الخصم ضد الجاني، لكنها خصم من نوع خاص( ).
ونؤيد الرأي القائل بأن أن النيابة العامة منظمة قانونية بصفة عامة وإجرائية بصفة خاصة، تنبثق عن الدولة كنظام قانوني يستهدف الصالح العام. ولاشك أن مما يحقق الصالح العام تخصص “منظمة إجرائية” تتولى اقتضاء معاقبة مرتكب الجريمة، وما الجريمة إلا إهدار للصالح العام أو في الأقل تعريض له للخطر. هذا، والعلاقة دائمًا بين المنظمات المختلفة التي تعمل داخل نظام قانوني واحد إنما تستهدف التعاون فيما بينها تحقيقًا للصالح العام. لهذا كله. فالعلاقة بين النيابة العامة والسلطة القضائية لا تعدو أن تكون علاقة منظمتين ينتميان سويًا إلى نظام قانوني واحد، ويعملان سويًا على تحقيق غايته الأساسية وهي الصالح العام. وليس معنى انتماء هاتين المنظمتين إلى نظام قانوني واحد أن المنظمة الإجرائية شعبة من شعب المنظمة القضائية، وليس معناه كذلك أن الأولى جزء من الثانية، ولا أن أعمال الأولى تعتبر جزء من وظيفة الثانية، فما أبعد شقة التميز بين وظيفة كل من هاتين المنظمتين، إذ الأولى مدعية عن الغير بحق، بينما الثانية هي التي تقضي بقيام هذا الحق أو بانقضائه أو بعدم قيامه( ).
وحصيلة القول أننا لا نعتبر النيابة العامة جهازًا من أجهزة السلطة التنفيذية، ولا شعبة أو جزء من شعب هذه السلطة أو أجزائها. أن السلطة القضائية منظمة إجرائية تنتمي إلى الدولة بصفتها نظامًا قانونيًا، وتستهدف اقتضاء حق الدولة – بصفتها شخصًا معنويًا – الشخصي في معاقبة مرتكب الجريمة.
المبحث الثاني
تنظيم هيئة التحقيق والادعاء في المملكة والنيابة العامة في البلاد العربية :
– تنظيم هيئة التحقيق والإدعاء العامة وارتباطها في المملكة العربية السعودية :
تنص المادة الأولى من نظام هيئة التحقيق والادعاء العامة لسنة 1409هـ على أن “تنشأ بموجب هذا النظام هيئة تسمى هيئة التحقيق والإدعاء العام ترتبط بوزير الداخلية ويكون لها ميزانية ضمن ميزانية الوزارة”.
وتكون مدينة الرياض مقرها الرئيسي. وتنشأ الفروع اللازمة داخل المقر الرئيسي أو خارجه “وتشكل الهيئة من رئيس ونائب أو أكثر ومن عدد كاف من رؤساء الدوائر ووكلائهم ومن المحققين ومساعديهم”.
1- لجنة إدارة الهيئة :
تتكون لجنة إدارة الهيئة من : رئيس الهيئة، ونائب الرئيس، وخمسة أعضاء الهيئة من مرتبة وكيل رئيس دائرة تحقيق وإدعاء (أ) فما فوق، يختارهم وزير الداخلية بناء على اقتراح رئيس الهيئة.
2- أعضاء الهيئة :
أ- تسمية وظائفهم :
ملازم محقق، مساعد محقق، محقق ثان، محقق أول، وكيل رئيس دائرة تحقيق وادعاء ( ب )، وكيل رئيس دائرة تحقيق ودعاء ( أ )، رئيس دائرة تحقيق وادعاء ( ب )، رئيس دائرة تحقيق وادعاء ( أ )، نائب الرئيس.
ب- تعيينهم :
ويعين رئيس الهيئة بالمرتبة الممتازة بأمر ملكي بناء على ترشيح وزير الداخلية ممنن تتوفر فيه الشروط المطلوبة لشغل وظيفة نائب رئيس على الأقل.
ويتم شغل وظائف أعضاء الهيئة الأخرى ونقلهم إلى جهات أخرى بأمر ملكي بناء على قرار من لجنة إدارة الهيئة وتوصية وزير الداخلية ( م10 من النظام ).
ج- حقوقهم والتزاماتهم :
وقد بينت لائحة أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام والعاملين فيها الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 140 في 13/ 8/ 1409هـ شروط تعيين وترقية ونقل وتقويم أداء أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام ( مواد 1 – 26 منها ). ويتمتع أعضاء الهيئة بالحقوق والضمانات المقررة في نظام الخدمة والتعاقد ( م 6 من نظام الهيئة ).
ولا يجوز لأعضاء الهيئة إفشاء الأسرار التي يطلعون عليها بحكم عملهم ولا بعد تركهم الخدمة ( م 8 من نظام الهيئة ).
د- تأديبهم :
إذا صدر من أحد أعضاء الهيئة مخالفة لواجباته أو مقتضيات وظيفته ينبه عليه في المرة الأولى، وإذا تكرر منه ذلك ترفع الدعوى التأديبية عليه وفقًا لإجراءات معينة، ويعاقب باللوم أو بالإحالة إلى التقاعد. وتختص بتأديب أعضاء الهيئة لجنة إدارة الهيئة. ( م15، 16، 25 من نظام الهيئة).
هـ- مراقبتهم :
تقوم إدارة التفتيش بالهيئة بمتابعة أعمال أعضاء الهيئة وتفتيشها، وذلك بجمع البيانات التي تؤدي إلى معرفة درجة كفاءتهم، ومدى حرصهم على أداء واجبات وظائفهم، وكذلك التحقيق في الشكاوى التي ترفع من أعضاء الهيئة أو ضدهم، ويجب إجراء التفتيش مرة على الأقل ومرتين على الأكثر في السنة ( م3 من نظام هيئة التحقيق والادعاء العام ).
ويلاحظ أنه لدى كل منطقة من مناطق المملكة الثلاث عشرة فرع لهيئة التحقيق والادعاء العام وقد صدر أمر ملكي في 30/ 3/ 1414هـ يحدد هذه المناطق ومقارها وهي منطقة الرياض ومقرها الرياض، ومنطقة مكة المكرمة ومقرها مكة المكرمة، ومنطقة المدينة المنورة، ومنطقة القصيم ومقرها بريدة، والمنطقة الشرقية ومقرها الدمام، ومنطقة عسير ومقرها أبها، ومنطقة تبوك ومقرها تبوك، ومنطقة حائل ومقرها حائل، ومنطقة الحدود الشمالية ومقرها عرعر، ومنطقة جازان ومقرها جازان، ومنطقة نجران ومقرها نجران، ومنطقة الباحة ومقرها الباحة، ومنطقة الجوف ومقرها سكاكا( ).
3- دوائر الهيئة :
تشكيل الهيئة من سبع دوائر، وهي :
دائرة قضايا الاعتداء على النفس، دائرة قضايا الاعتداء على العرض والأخلاق، دائرة قضايا الاعتداء على المال، دائرة قضايا المخدرات والمؤثرات العقلية، دائرة الادعاء العام، دائرة الرقابة على السجون ودور التوقيف، دائرة الرقابة على تنفيذ الأحكام( ).
النيابة العامة في الدول العربية :
تتضمن أحكام النيابة العامة في كثير من البلدان العربية في قانون السلطة القضائية، وفي مصر، عرض قانون السلطة القضائية في الباب الثالث لتعيين أعضاء النيابة وترقيتهم واقدميتهم وتأديبهم ( المواد من 116 إلى 130 )، كما يبين اختصاصاتهم في الباب الأول – الفصل الرابع ( المواد 21 إلى 27 )، كما أن هناك التعليمات العامة للنيابات في 1786 مادة.
– تنظيم النيابة العامة في مصر :
تتكون النيابة العامة من نائب عام واحد على مستوى الجمهورية، وعدد من النواب المساعدين، وعدد من المحامين العامين الأول، والمحامين العاملين، ورؤساء النيابة العامة ووكلائها ومساعديها ومعاونيها. وتعمل هذه النيابة العامة لدى جميع المحاكم عدا محكمة النقض. ويجوز أن يعهد القانون لغير هؤلاء بأداء وظيفة النيابة العامة ( المادة 2/ 2 إجراءات جنائية ) ويقصد بهؤلاء مأمور الضبط القضائي الذين يعهد إليهم القانون بأعمال النيابة أمام محاكم خاصة( ).
تباشر عمل النيابة أمام محكمة النقض نيابة عامة مستقلة عن النائب العام تسمى نيابة النقض تتبع رئيس محكمة النقض. وتتكون من مدير يختار من بين مستشاري محكمة النقض أو الاستئناف أو المحامين العامين، ويعاونه عدد من الأعضاء بشرط ألا يقل درجة أي منهم عن وكيل نيابة من الفئة الممتازة ( المادة 24 من قانون السلطة القضائية ). ولذلك لا يستطيع النائب العام نفسه أن يؤدي وظيفة النيابة العامة أمام محكمة النقض.
والدور الذي يقوم به نيابة النقض يختلف عن دور النيابة العامة لدى سائر المحاكم، فهي تقوم بإعداد الدعوى المطعون في الحكم الصادر فيها بالنقض، فتفحص أوجه الطعن المقدمة سواء من النيابة العامة أو من المحكوم عليهم أو من غيرهم من الخصوم، وتبدي رأيها في هذه الطعون في حين الفصل في الطعن .
ويكون لها بناء على طلب المحكمة حضور مداولات الدوائر المدنية والتجارية والأحوال الشخصية دون أن يكون لممثلها صوت معدود في المداولات ( المادة 4 ) من قانون السلطة القضائية مستبدلة بالقانون رقم 35 لسنة 1984م.
تشكيل النيابة العامة في مصر:
تشكيل النيابة العامة التي تتبع النائب العام من عدة أقسام. فهناك نيابة الاستئناف، وهي نيابة توجد لدى كل محكمة استئناف يشرف عليها محامي عام أول يعاونه عدد من المحامين العامين ورؤساء النيابة ووكلائها وسائر أعضائها. وتشرف هذه النيابة على مباشرة اختصاصات النيابة العامة في دائرة اختصاص محكمة الاستئناف. كما أن هناك النيابة الكلية، وهي نيابة توجد في مقر كل محكمة ابتدائية، ويديرها محامي عام أو رئيس نيابة يعاونه عدد من أعضاء النيابة، وتخضع لإشراف محامي عام الاستئناف، وتشرف هذه النيابة على مباشرة اختصاصات النيابة العامة في دائرة المحكمة الابتدائية التي تعمل أمامها( ).
وتجري أحكام القضاء على أن يختص أعضاء نيابة الاستئناف بأعمال هذه النيابة في جميع أنحاء النطاق الإقليمي لهذه النيابة كما يختص أعضاء النيابة الكلية بأعمال هذه النيابة في النطاق الإقليمي للنيابة الكلية التي يعملون بها. وما يجري في النيابة العامة في مصر يقابله في نظام الإجراءات الجنائية الليبي( )، وكثير من الدول العربية( ).
تنظيم النيابة العامة في القانون الأردني:
للنيابة العامة في الأردن تنظيم مختلف عن تنظيمها في التشريعات العربية الأخرى. إذ يرأس النيابة العامة في الأردن قاض يسمى ( رئيس النيابة العامة ) عملاً بالمادة ( 12 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تنص على أن يرأس النيابة العامة لدى محكمة التمييز موظف يدعى رئيس النيابة العامة، ويعاونه مساعد أو أكثر حسبما تدعو إليه الحاجة.
وهو يبدي مطالعته في الدعاوى الجزائية المرفوعة إلى هذه المحكمة، ويراقب فيها سير الأعمال يقوم بها النواب العاملون لدى محاكم الاستئناف ومساعدوهم، والمدعون العامون.
وله أن يبلغ هؤلاء الملاحظات التي تبدو له من تدقيق الدعاوى المذكورة برسائل أو ببلاغات عامة، ويخضعون لمراقبته في جميع أعمالهم القضائية الأخرى.
ويرأس النيابة العامة لدى كل محكمة استئناف موظف باسم النائب العام بوازرة عدد من المساعدين، يقومون جميعًا بأعمالهم لدى محاكم الاستئناف، كل منهم في منطقته وفقًا للقوانين النافذة.
ويوجد الآن في الأردن ستة نواب عاملون: لدى محكمة استئناف عمان، لدى محكمة استئناف إربد، لدى محكمة القدس، لدى محكمة الجنايات الكبرى، لدى محاكم العسكرية، لدى المحكمة العرفية.
ويوجد لدى كل محكمة بدائية مدعي عام، يمارس وظيفته لدى المحكمة البدائية، ولدى المحكمة العرفية.
ويوجد لدى كل محكمة بدائية مدعي عام، يمارس وظيفته لدى المحكمة البدائية، ولدى المحكمة الصلحية ضمن دائرة اختصاصه. كما يوجد عدد من المدعين العاملين لدى محكمة الجنايات الكبرى( ).
النيابة العامة في سوريا:
تنص المادة ( 11 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أن “يرأس النيابة العامة لدى محكمة النقض قاض يدعى النائب العام لدى محكمة النقض، يعاونه وكيل أو أكثر، ويبدي النائب العام لدى محكمة النقض مطالبه في الدعوى الجزائية المرفوعة إلى هذه المحكمة، ويراقب في هذه الدعوى سير الأعمال التي يقوم بها النواب العاملون لدى محاكم الاسئناف ووكلائهم، ومعاونيهم. وله أن يبلغ هذه النيابات أو ببلاغات عامة”.
وتنظيم النيابة العامة في التشريعين المصري والسوري أكثر دقة منه في الأردن، لأنه أكثر انطباقًا مع حقيقة وضع النيابة العامة في الدولة، باعتبارها ممثلة للهيئة الاجتماعية في إقامة الدعوى الجزائية واستعمالها.
فقد أناب القانون النائب العام ليكون وكيلاً عن الهيئة الاجتماعية في تحريك الدعوى الجزائية واستعمالها. فهو صاحب الاختصاص الأصيل في القيام بهذا الدور الذي ألقاه القانون على عاتقه.
واختصاصه عام شامل للدولة بأسرها، أما باقي أعضاء النيابة العامة فهم يعملون بالوكالة عنه.
ولذلك كان له أن يباشر أو أن يكل إلى غيره من أعضاء النيابة العامة بعض هذه الاختصاصات.
ومن هنا جاءت تسمية القائم بهذه الوظيفة باسم ( النائب العام ) لأنه ينوب عن الهيئة الاجتماعية في تحريك الدعوى الجزائية واستعمالها، فهو يملك اختصاصًا عامًا في سائر الأعمال التي يستلزمها استعمال الدعوى الجزائية في كل الجرائم، وأما باقي أعضاء النيابة فإنهم يستعملون الدعوى الجزائية باسمه وبالنيابة عنه.
فهو يملك أن يفوض سلطاته إلى عدد من رؤساء النيابة والمساعدين والوكلاء الذين يعملون بالوكالة عنه، بمقتضى وكالة قانونية عامة تحدد حريتهم في التصرف عنه.
ولذلك يجب أن لا يكون على رأس هذا الجهاز، إلا نائب عام واحد باعتباره يمثل الهيئة الاجتماعية بأسرها. ويملك اختصاصًا عامًا في سائر أنحاء الدولة، ويخضع له كافة أعضاء النيابة العامة.
أما تنظيم النيابة على أساس وجود عدد من النواب العاملين في الدولة يتولون شؤون الدعوة الجزائية في آن واحد، ويخضع بعضهم لرئاسة موظف باسم رئيس النيابة العامة، وبعضهم للقائد العام، وبعضهم للحاكم العسكري العام، فإنه يخل بالتكييف القانوني الصحيح لوظيفة النيابة العامة.
ولو كان مجال عمل كل منهم مختلفًا عن الآخر. طالما أنهم لا ينوبون جميعًا عن الموظف الذي يفترض أنه يمثل الهيئة الاجتماعية بأسرها( ).
كما يترتب على هذا التنظيم أن تكون النيابة العامة ( مجزأة ) وليست وحدة واحدة كما يجب أن تكون. إن تجزئة النيابة العامة إلى أقسام مختلفة ومستقلة، يترتب عليه أن تصرفات أعضاء النيابة لا تمثل النيابة العامة بأسرها، ولا الهيئة الاجتماعية التي تعتبر النيابة العامة وكيلة عنها( ).
في دولة الكويت:
بجانب النيابة العامة الإدارة العامة للتحقيقات:
أنشئت الإدارة العامة للتحقيقات بقرار وزاري سنة 1961م تابعة لدائرة الشرطة والأمن العام ثم صدرت عدة قرارات وزارية لتنظيم هيكلها الداخلي. من آخر هذه القرارات القرار الوزاري رقم 980/95 بشأن الهيكل والدليل التنظيمي لوزارة الداخلية( ) فأصبحت الإدارة العامة للتحقيقات تتبعها الإدارات والأقسام التالية:
إدارات التحقيق بالمحافظات، إدارة تحقيق الجنح الخاصة، إدارة الادعاء العام، إدارة التنسيق والمتابعة، القسم الفني، قسم الشئون الإدارية.
إدارتي التحقيق والادعاء العام: إدارة التحقيق وإدارة الادعاء العام من أهم الإدارات في الإدارة العامة التحقيقات، والتي تعني بسير الدعوى الجزائية. وتتكون إدارة التحقيق من: محققي المخافر ورئيس يرأس عددًا من محققي المخافر على مستوى المنطقة ( حيث تقسم المحافظة إلى عدة مناطق ) ومدير تحقيق هو المسئول عن التحقيق على مستوى المحافظة، وهؤلاء جميعهم يتبعون المدير العام.
أما إدارة الادعاء فإنها تختص بالتصرف في التحقيق سواء بإعداد صحيفة الاتهام، وإحالة القضية إلى المحاكمة، ومباشرة القضية أمامها أو بحفظها.
الإدارة العامة للتحقيقات من الناحية الوظيفية:
حدد قانون الإجراءات الجزائية اختصاص محققي وزارة الداخلية بالتحقيق والتصرف والادعاء في الجنح بصفة أصلية. أما الجنايات فإن الإدارة لا تختص بها إلا بناء على إحالة من النيابة العامة ( م 9 إجراءات ).كما تنص المادة ( 38 ) إجراءات على أنه “يباشر المحققون اختصاصاتهم في التحقيق الابتدائي المنصوص عليها في هذا الباب وفقًا للنظام الداخلي الذي يصدر به قرار من رئيس الشرطة والأمن العام”.
تتفق الإدارة العامة للتحقيقات في كثير من خصائصها مع النيابة العامة عندما تقوم بالتحقيق والاتهام والتصرف في الدعوى الجزائية. من ذلك وحدة الإدارة وعدم قابليتها للتجزئة ومن ثم عدم جواز رد محقق وزارة الداخلية وكذلك خاصية عدم المسؤولية الإدارة العامة للتحقيقات فيما يتعلق بسير الدعوى الجزائية. ولا جدال أن خاصية التبعية الرئاسية تتوافر في جانب محققي وزارة الداخلية. أما خاصية الاستقلال فإنها غير متوافرة، ذلك أن الإدارة العامة للتحقيقات تتبع وزارة الداخلية تبعية مباشرة، الأمر الذي يدعو إلى إعادة النظر وخاصة فيما يتعلق بسير الدعوى الجزائية( ).
المبحث الثالث
اختصاصات هيئة التحقيق والإدعاء العام والنيابة العامة
تنص المادة الثالثة من نظام هيئة التحقيق والإدعاء العام على أن الهيئة تختص بما يلي:
أولاً:
أ – التحقيق في الجرائم.
ب – التصرف في التحقيق برفع الدعوى أو حفظها طبقًا لما تحدده للوائح.
جـ – الإدعاء أمام الجهات القضائية وفقًا للائحة التنظيمية.
د – طلب تمييز الأحكام.
هـ – الإشراف على تنفيذ الأحكام الجزائية.
و – الرقابة والتفتيش على السجون ودور التوقيف وأي أماكن تنفذ فيها أحكام جزائية والقيام بالاستماع إلى شكاوى المسجونين، والموقفين، والتحقيق من مشروعية سجنهم أو توقيفهم، ومشروعية بقائهم في السجن أو دور التوقيف بعد انتهاء المدة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لإطلاق سراح من سجن أو أوقف منهم بدون سبب مشروع، وتطبيق ما تقضي به الأنظمة في حق المتسببين في ذلك، ويجب إحاطة وزير الداخلية بما يبدو من ملاحظات في هذا الشأن، ورفع تقرير له كل ستة أشهر عن حاله المسجونين، والموقوفين.
ز – أي اختصاصات أخرى تسند إليها بموجب الأنظمة أو اللوائح الصادرة طبقًا لهذا النظام، أو قرارات مجلس الوزراء. أو الأوامر السامية.
ثانيًا: تحدد اللائحة التنظيمية التي تصدر طبقًا لهذا النظام كيفية ممارسة الهيئة لاختصاصاتها كإجراء التحقيق والإدعاء، وعلاقة المحققين بدوائر الأمن، والإمارات، وترتيب العمل بين المحققين وهذه الجهات.
ثالثًا: تحدد اللائحة التنظيمية الأحكام الانتقالية اللازمة لممارسة الهيئة لاختصاصاتها.
رابعًا: استثناء من حكم المادتين التاسعة عشرة والعشرين من نظام مجلس الوزراء – يجوز بقرار من مجلس الوزراء إسناد التحقيق والإدعاء إلى الهيئة في الجرائم التي تنص الأنظمة على إسناد التحقيق والإدعاء فيها إلى جهات حكومية أخرى.
مثال ذلك هيئة الرقابة والتحقيق المسند إليها حاليًا التحقيق والادعاء في الرشوة وغيرها من الجرائم المنصوص عليها في المادة 8 من نظام ديوان المظالم لسنة 1402هـ( ).
اختصاصات لجنة إدارة الهيئة:
وتختص لجنة إدارة الهيئة:
1 – تأديب أعضاء الهيئة بوصفها مجلس تأديب طبقًا للمادة 15 من نظام الهيئة.
2 – إنهاء خدمة عضو الهيئة في غير أحوال الوفاة وبلوغ السن النظامية وعدم ثبوت صلاحية العضو خلال فترة التجربة ( عام من التعيين ) بأمر ملكي بناء على قرار لجنة إدارة الهيئة وطلب وزير الداخلية ( م 13 من النظام ).
3 – نقل أعضاء الهيئة داخل نطاقها أو ندبهم أو إعارتهم ( م 15 من لائحة الأعضاء والعاملين ).
4 – ندب الأعضاء الذين تتكون منهم إدارة التفتيش لتقويم أداء أعضاء الهيئة طبقًا للمادة 17 من لائحة الأعضاء والعاملين ). وترتبط هذه الإدارة برئيس الهيئة وترفع تقاريرها إليه وإلى لجنة إدارة الهيئة.
5 – مراجعة قرارات الاتهام في القضايا التي تطلب فيها توقيع عقوبة القتل أو القطع أو الرجم.
6 – دارسة الأمور التي تتعلق بالتحقيق والإدعاء بناء على أمر وزير الداخلية.
7- إعداد التقرير السنوي للهيئة متضمنًا ملاحظتها ومقترحاتها حول سير عملها، وما تراه بالنسبة للأنظمة والإجراءات التي تطبقها، وترفع ذلك إلى وزير الداخلية لرفعه إلى خادم الحرمين الشريفين متضمنًا ما يراه بشأنه.
8- في حالات التلبس بالجريمة يجب عند القبض على عضو الهيئة وحبسه رفع الأمر إلى لجنة إدارة الهيئة في مدة الأربع والعشرين ساعة التالية، وللجنة أن تقرر استمرار الحبس أو الإفراج بكفالة أو بغير كفالة، ولعضو الهيئة أن يطلب سماع أقواله أمام اللجنة عند عرض الأمر عليها، وتحدد اللجنة مدة الحبس في القرار الذي يصدر بالحبس أو باستمراره، وتراعي الإجراءات سالفة الذكر كلما رؤي استمرار الحبس الاحتياطي بعد انقضاء المدة التي قررتها اللجنة. وفيما عدا ما ذكر لا يجوز القبض على عضو الهيئة أو اتخاذ أي إجراءات التحقيق معه، أو رفع الدعوى الجزائية عليه إلا بإذن من اللجنة المذكورة، ويتم حبس أعضاء الهيئة، وتنفيذ العقوبات السالبة للحرية عليهم في أماكن مستقلة (م 19 من النظام )( ).
اختصاصات النيابة العامة في الدول العربية:
لا تكاد تختلف عن اختصاصات هيئة التحقيق والادعاء في معظم الدول العربية، وتختص النيابة العامة بالتحقيق الابتدائي، والادعاء أمام المحاكم، والاعتراض على الأحكام، وتنفيذ الأحكام، والإشراف على السجون وأماكن التوقف.
وفي مصر:
فصلت التعليمات العامة للنيابات اختصاصات تضمن ذلك قانون السلطة القضائية اختصاص.
النائب العام:
النائب العام وحده الوكيل على الهيئة الاجتماعية في مباشرة تحريك الدعوى الجنائية وبمتابعة سيرها حتى يصدر فيها حكم نهائي، وولايته في ذلك عامة تشتمل على سلطتي التحقيق والاتهام وتنبسط على إقليم الجمهورية برمته، وعلى كافة ما يقع فيه من جرائم أيا كانت، وله بهذا الوصف وباعتباره الوكيل عن الجماعة أن يباشر اختصاصاته بنفسه أو أن يكل – فيما عدا الاختصاصات التي نيطت به على سبيل الانفراد – إلى غيره من رجال النيابة المنوط بهم قانونًا معاونته مباشرتها بالنيابة عنه، وأن يشرف على شئون النيابة العامة بما له من رئاسة مباشرة قضائية وإدارية على أعضائها الذين يكونون معه في الواقع جسما واحدا لا انفصام بين خلاياه.
له اختصاصات ينفرد بها ولا يؤديها غيره إلا بتفويض خاص ومحدد أن يقرر بالاستئناف في قلم كتاب المحكمة المختصة بنظر الاستئناف بدلا من قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم، والذي يحدث فيه التقرير لو كان المستأنف غير النائب العام ( م406 ) إجراءات مصري( ).
اختصاص المحامي العام:
لكل محكمة استئناف محام عام له تحت إشرافه النائب العام جميع حقوقه واختصاصاته المنصوص عليها في القوانين – وفقا للمادة 20 من قانون السلطة القضائية – مفاد ذلك أن المحامي العام في دائرة اختصاصاته المحلي يملك كافة اختصاصات النائب العام سواء تلك التي يباشرها بحكم وظيفته أو بحكم صفته. ولرؤساء نيابة الاستئناف الذين يعملون مع المحامي العام الأول أن يقوموا بأعمال النيابة في الاتهام والتحقيق في جميع الجرائم التي يقع في دائرة محكمة الاستنئاف( ).
ولا يكون صدور الأمر الأوجه لإقامة الدعوى في الجنايات إلا من المحامي العام أو من يقوم مقامه مقامه ( م 209 ). كما أن رفع الدعوى في الجنايات إلى محكمة الجنايات لا يكون إلا من المحامي العام أو من يقوم مقامه ( م 214 ) وللمحامي العام إلغاء الأمر الجنائي الصادر من رئيس النيابة في ظرف عشرة أيام من تاريخ صدوره ( م 325 مكررًا )( ).
اختصاص رئيس النيابة:
ويختص رئيس النيابة دون غيره ممن هم أدنى درجة بما يأتي:
أولاً: رفع الدعوى الجنائية ضد أي موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط عن جريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها. وأن النائب العام والمحامي العام يختصان كذلك برفع هذه الدعوى.
ثانيًا: أن رئيس النيابة أو وكيل النيابة من الفئة الممتازة بالمحكمة التي من اختصاصها نظر الدعوى له إصدار الأمر الجنائي في المخالفات وفي الجنح التي لا يوجب القانون الحكم فيها بالحبس أو الغرامة التي يزيد حدها الأدنى عن مائة جنيه ولم يطلب فيها التضمينات وما يجب رده من المصاريف. ولا يجوز أن يؤمر فيه بغير الغرامة التي لا يزيد عن مائة جنيه والعقوبة التكميلية ( م325 مكررًا ).
ثالثًا: لرئيس النيابة إلغاء الأمر الجنائي المذكور عند صدوره من وكيل النيابة من الفئة الممتازة وذلك لخطأ في تطبيق القانون وفي ظرف عشرة أيام من تاريخ صدوره ( م325 مكررًا ).
وفوق ذلك فإن رئيس النيابة يباشر الإشراف الإداري على أعضاء النيابة التابعين له في دائرة اختصاصه الإقليمي. ويخضع، شأنه في ذلك شأنه المحامي العام، لإشراف النائب العام. فمخالفة أوامره لا ينشأ عنها بطلان للإجراء كما في المخالفة أوامر النائب العام أو من يقوم مقامه والعلة في ذلك أن النائب العام أو من يقوم مقامه هو صاحب الحق الأصيل في تحريك الإجراءات الجنائية أو عدم تحريكها نيابة عن المجتمع صاحب الحق في العقاب، وأما رئيس النيابة فإنه وسواه من أعضاء النيابة، يستمدون منه الوكالة في اتخاذ تلك الإجراءات. فالأصيل هو النائب العام لا رئيس النيابة. ورؤساء النيابة وكلاء عاديون عن النائب العمومي. وإنما قد تنشأ عن مخالفة أعضاء النيابة لأوامر رئيس النيابة مسؤولية تأديبية( ).
اختصاص مساعد النيابة:
لمساعد النيابة حق إجراء التحقيق، فله أن يصدر إذنا في التفتيش الذي ينتج دليلا في الدعوى.
اختصاص معاون النيابة:
للنيابة العامة تكليف أحد معاونيها بتحقيق قضية برمتها والتحقيق الذي يجريه له صفة التحقيق القضائي ولا يختلف من حيث أثره وقيمته عن التحقيق الذي يجريه غيره من أعضاء النيابة.
ندب أعضاء النيابة العامة:
للنائب العام الحق في ندب أحد أعضاء النيابة العامة ممن يعملون في أية نيابة ولو كانت مخصصة في نوع معين من الجرائم أم جزئية أو كلية أو بإحدى نيابات الاستئناف لتحقيق أي قضية أو إجراء أي عمل قضائي مما يدخل في ولايته، ولو لم يكن داخلا بحسب التحديد النوعي أو الجغرافي في اختصاص ذلك العضو بشرط ألا تزيد المدة اللازمة لانجاز التحقيق والعمل المنوط بالعضو المنتدب على ستة أشهر( ).
الاختصاص المكاني:
قرار وزير العدل بإنشاء نيابة جزئية ومحكمة جزئية لجرائم الآداب بمدينة الإسكندرية يختصان – ضمن ما يختصان – بما يقع بدائرة محافظة الإسكندرية من جرائم البغاة والقوادة المنصوص عليها في القانون رقم 10 لسنة 1961م هو قرار تنظيمي لم يسلب النيابات بالمحاكم العادية اختصاصاتها العام( ).
أثر مباشرة النيابة العامة للتحقيق:
متى كانت النيابة العامة قد تولت أمر تحقيق القضية بنفسها، فلا يجوز لأحد من رجال الضبط القضائي أن يجري فيها عملا من أعمال التحقيق إلا بأمر منها وإلا كان عمله باطلاً، ومن ثم فإذا أجرى الضابط التفتيش بدون أمر من النيابة وفي الوقت الذي كانت تباشر التحقيق في الحادث فإن التفتيش يكون باطلاً( ).

الفصل الثاني
خصائص هيئة التحقيق والإدعاء والنيابة العامة
يتبع أعضاء هيئة التحقيق والإدعاء العام رؤساءهم من الناحية الفنية والإدارية. ويتولى رئيس الهيئة الإشراف فنيًا وإداريًا على أعمال أعضاء الهيئة، ويساعد رئيس الهيئة في ممارسة اختصاصاته وتحقيق أهداف الهيئة، ويساعد رئيس الهيئة في ممارسة اختصاصاته وتحقيق أهداف الهيئة وأعمالها نواب الرئيس ( م3 من مشروع اللائحة التنظيمية لنظام هيئة التحقيق والإدعاء العام) وهم جميعًا يتبعون وزير الداخلية. وتنص”المادة الثانية/ فقرة أولى” من مشروع اللائحة التنظيمية على أن لوزير الداخلية الإشراف على أعمال الهيئة( ).
وتنص المادة 31 من قانون السلطة القضائية المصري، وتقابل المادة 87 من قانون نظام القضاء الليبي على أن ” رجال النيابة العامة تابعون لرؤسائهم بترتيب درجاتهم، ثم لوزير العدل”، كما تنص المادة 132 من نفس القانون على أن “أعضاء النيابة العامة يتبعون رؤساءهم والنائب العام، وهم جميعًا لا يتبعون إلا وزير العدل. وللوزير حق الرقابة والإشراف على النيابة العامة وأعضائها، وللنائب العام حق الرقابة والإشراف على جميع أعضاء النيابة. ولرؤساء النيابة بالمحاكم حق الرقابة والإشراف على أعضاء النيابة بمحاكمهم”. ومن هاتين المادتين يتضح أن نواة التكوين الداخلي للنيابة العامة – بصفتها منظمة إجرائية – هو التدرج الرئاسي المزدوج: رئاسة إجرائية وإدارية للنائب العام، وأخرى إدارية لوزير العدل. وتختلف النيابة العامة عن القضاء في خضوعها للتبعية التدريجية، فالقاضي لا يخضع إلا للإشراف الإداري دون القضائي إذ لا خضوع إلا لضميره( ).
يرى الفقهاء أن ارتباط أعضاء النيابة بقاعدة تسلسل السلطة يقتصر على وظيفة النيابة العامة في الاتهام دون التحقيق، فلا يشمل هذا الارتباط أعمال التحقيق، لأن هذه الأعمال تعتبر ذات طبيعية قضائية، فلا يخضع فيها عضو النيابة لأحد، ولا يتلقى أوامر وتعليمات بصددها من رؤسائه( ).
والتبعية التدريجية ليست مقصورة على أعمال الاتهام وحدها وإنما تشمل أعمال التحقيق أيضًا.
وإنه وإن كان عضو الهيئة أو النيابة العامة ملزمًا بالخضوع لأوامر رؤسائه في مرحلة تحريك الدعوى ومرحلة التحقيق الابتدائي إلا أنه غير ملزم بالخضوع لهم بعد إحالة القضية للمحكمة وخروجها من حوزة الهيئة فله أن يبدي طلباته كما يشاء، وإن خالفت رغبات رؤسائه إذ تطلق الحرية لعضو الهيئة أو النيابة لأن رأيه ليس ملزمًا للمحكمة ولو طلب البراءة، فهي تصدر حكمها حسبما يتراءى لها وحسب اقتناعها بعكس تصرفه قبل الإحالة لأنه يلزم الهيئة بأكملها ولذلك كان مقيدًا بالتبعية التدريجية ولهذا يقول فقهاء القانون بأنه إذا كان القلم مقيدًا أي في مرحلة ما قبل الإحالة، فاللسان طليق أي أثناء جلسات المحاكمة. والمحكمة في النهاية لها ألا تتقيد بطلبات الإدعاء وتحكم بالإدانة حتى لو طالب بالبراءة( ).
فالمدعي سواء كان عامًا أو خاصًا لا تكتفي المحكمة بأقواله لأنه يجب عليه تقديم البينة على صحة ما يدعيه وذلك تطبيقًا لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: (لو يعطى الناس بدعاواهم لأدعى أناس دماء قوم وأموالهم ولكن البينة على من أدعى)( ).
وكان لا يجوز للإدعاء في المملكة بناء على تعميم وزارة الداخلية رقم 16/2299 في 14/8/1395م أن يتقمص دور الدفاع عن المتهم فيعمل على دحض أدلة الإدانة نفي وإنما عليه أن يلتزم دور الاتهام دائمًا لأنه إن فعل ذلك كان هذا من الدعاوى المقلوبة ويتعارض مع مهمته في الاتهام.
والواقع هو أن الإدعاء العام ينوب عن ولي الأمر النائب عن المجتمع الإسلامي.
والمجتمع كما يهمه إدانة المدان، يهمه ونفس القدر إثبات براءة البريء، وعليه فهو خصم عادل أي أنه إذا ظهر له دليل براءة كتقرير صفة تشريحية يقرر أن المجني عليه في القتل العمد كان متوفي قبل الاعتداء عليه بإطلاق النار لأن الجروح التي بالجثة غير حيوية، أو إذا ظهرت مستندات تدل على أن الحادث كان نتيجة قوة قاهرة أو أنه نتيجة خطأ المجني عليه ولا خطأ من جانب المتهم، وعليه في هذه الأحوال أن يظهر التقرير أو المستندات ولا يدسها لأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته دون ما شك معقول ولأن تبرئ مدانًا بناء على الشك خير من أن تدين بريئًا.
وفي ذلك يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ( لأن يخطئ الإمام في العفو (البراءة) خير من أن يخطئ في العقوبة )( ).
وهذا يسير بالنسبة لحدود القصاص والتعازير. ويلاحظ أن إدانة البريء في حالة الشك يترتب عليه إفلات المجرم الحقيقي وإدانة بريء أما إفلات المجرم في حالة الشك فيترتب عليه إفلات المجرم فقط، وهذا أخف الضررين إذا العدالة تتأذى في الحالة الأولى أكثر من تأذيها في الحالة الثانية.
ولذلك كان الاتجاه الحديث في العالم أنه ليس هناك ما يمنع من أن يترافع المدعى بالبراءة أو يفوض الأمر إلى المحكمة، علمًا بأن دليل البراءة قد يظهر بعد رفع الدعوى إلى المحكمة.
ومن المعلوم أنه إذا اتصلت المحكمة بالدعوى الجزائية فلا يجوز سحبها منها وإنما لها أن تحكم بعدم الاختصاص أو في الموضوع بالإدانة أو البراءة.
وقد أخذ مشروع اللائحة التنظيمية لنظام هيئة التحقيق والإدعاء العام بهذا الاتجاه في المادة 60 منها فبعد أن نص في البند الثالث على أن “على المدعي العام التصدي لكل ماي دفع به المتهم أو وكيله للتنصل من التهمة أو الطعن في التحقيقات أو التجريح الأدلة، نص في البند الخامس على أنه “إذا ظهر أثناء نظر الدعوى أدلة نفي مؤكدة فلا يجوز للمدعي العام أن يطلب البراءة للمتهم بل يترك الأمر للمحكمة”.
فالهيئة لا تنهج سبيل المطالبة بالعقاب دائمًا وإنما تطالب بالتطبيق العادل للنظام. وفي جميع الأحوال ليس للمدعي بالحق العام أن ينزل عن دعوى الحق العام أو إيقافها بعد رفعها لأنه لا يملك ذلك ( راجع تعميم وزارة الداخلية رقم 1094 في 11/8/1388 ) وللقاضي أن يحكم بالإدانة أو البراءة طبقًا لأحكام الشريعة الإسلامية وحسب اقتناعه الشخصي والموضوعي بناء على الأدلة المطروحة. ولكن يجوز لصاحب الادعاء الخاص أن ينزل عن حقه أمام المحكمة( ).
وأعضاء النيابة العامة في مصر يتبعون في أعمالهم رؤسائهم بترتيب درجاتهم حتى النائب العام من حيث الإشراف الإداري والفني، وهم جميعًا يتبعون وزير العدل من حيث الإشراف الإداري( ).
والتبعية التدريجية في النيابة العامة في دولة الإمارات العربية المتحدة( ).
وفي سوريا تنص المادة (10) من أصول المحاكمات الجزائية على ما يلي: “يتولى النيابة العامة قضاة يمارسون الصلاحيات الممنوحة لهم قانونا، وهم مرتبطون بقاعدة تسلسل السلطة وتابعون إداريا لوزير العدلية. يلزم قضاة النيابة العامة في معاملاتهم ومطالبتهم الخطية بإتباع الأوامر الخطية الصادرة إليهم أو من وزير العدلية”.
وفي الأردن تنص المادة (11) من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني على ما يلي: “يتولى النيابة العامة قضاة يمارسون الصلاحيات الممنوحة لهم قانونًا، وهم مرتبطون بقاعدة تسلسل السلطة وتابعون إداريًا لوزير العدل”. وتنص الفقرة الثانية من نفس المادة على أن: “يلتزم موظفو النيابة العامة في معاملاتهم ومطالبهم الخطية بإتباع الأوامر خطية الصادرة من رؤسائهم أو من وزير العدل”.
وفي لبنان وفقًا لمضمون المادة /14/ أصول المحاكمات الجزائية الجديد فإنه لوزير العدل أن يطلب إلى النائب العام التمييزي إجراء العقبات بشأن الجرائم التي يتصل خبرها بعلمه.
وعليه، وأن جميع قضاة النيابة العامة يرتبطون برؤسائهم في سلسلة تنتهي بوزير العدل. يليه بذلك النائب العام لدى محكمة التمييز الذي تشمل صلاحياته إصدار التعليمات والتوجيهات إلى النواب العامين (مادة / 12 / من أصول المحاكمات الجزائية الجديد) بحيث يكون النواب العاملون لدى محكمة الاستئناف ملزمين بالتقيد بتعليمات النائب العام التمييزي – تحت طائلة الملاحقة التأديبية عند مخالفتهم لهذه التعليمات، وهذا الالتزام يكون في المطالعات الخطية ( مادة / 16/ من أصول المحاكمات الجزائية الجديد)، أما في الكلام فإنهم يستردون حريتهم ( مادة / 13 / من أصول المحاكمات الجزائية الجديد)، أما في الكلام فإنهم يستردون حريتهم ( مادة / 13 / من أصول المحاكمات الجزائية الجديد).
إلا أنه لهذه التسلسلية حدودًا، بحيث أنه لا يحق للنائب العام التمييزي تحريك الدعوة العامة بشكل مباشر، بل عليه أولاً أن يطلب ذلك من النائب العام لدى محكمة الاستئناف، وفي حال رفض هذا الأخير تحريك الدعوى العامة – لا يجوز للنائب العام التمييزي أن يطلب إلى أحد مساعدي النائب العام الاستئنافي تحريكها. وفي حال قبول النائب العام الاستئنافي لطلب النائب العام التمييزي وقام بتحريك الدعوى العامة ووضع مطالعته الخطية بشأنها، فإن حريته تعود له أثناء المحاكمة وبالتالي يمكنه عدم التقيد بهذه المطالعة وطلب خلاف ما جاء فيها( ).
فيتضح من هذه النصوص أن التشريعات العربية أخذت بقاعدة تسلسل السلطة بين أعضاء النيابة العامة، بحيث يخضع كل عضو فيها في ممارسته لعمله لمن يعلوه المرتبة الوظيفية، فيتلقى تعليماته وتوجيهاته، ويراقب الأعلى أعمال الأدنى( ).

المبحث الثاني
عدم التجزئة لأعضاء هيئة التحقيق والادعاء والنيابة العامة
أعضاء الهيئة في المملكة يكونون وحدة لا تتجزأ للدعوى الجزائية بمعنى أن كلاً منهم يمثل ولي الأمر النائب عن المجتمع فيما يتخذه من إجراءات وذلك في حدود اختصاصه المكاني والنوعي.
فإذا قام عضو الهيئة بإجراء ما في الدعوى، جاز لآخر أن يحل محله في القيام بالإجراءات التالية، وإذا قام أحد الأعضاء الهيئة بإجراء فللآخر أن يتمه سواء كان ذلك بالنسبة لأعمال التحقيق أو بالنسبة لأعمال الاتهام فمثلاً إذا بدأ عضو الهيئة بالتحقيق في جريمة وقام آخر من الأعضاء بإتمامه وقام ثالث بإعطاء الجريمة وصفها الشرعي أو النظامي، وقام رابع برفع الدعوى، وخامس بحضور الجلسة والمرافعة فيها، وسادس بالطعن في الحكم الذي يصدر فيها وهكذا كان ذلك سليمًا لأن الهيئة كل لا يتجزأ ولكن ليس لغير أعضاء الهيئة كوزير الداخلية الذي ترتبط به الهيئة أن يحل محل أعضائها في عمل من أعمالهم لأن إجراءات الدعوى مؤكد له للهيئة طبقًا لنظامها (راجع المادة 3 من نظام الهيئة).
ولعضو الهيئة أن يحل محل آخر يمثلها خلال الجلسة الواحدة أو ينضم إليه. ولا فائدة من تطبيق قاعدة عدم التجزئة على هيئة التحقيق والادعاء باعتبارها سلطة تحقيق أو ادعاء مادام الأمر كله موكل إلى محكمة الموضوع في النهاية وإن المعول عليه في الحكم هو تحقيقها النهائي وما تقتنع به بناء على الأدلة المطروحة في الجلسة. ويلاحظ أن هذه القاعدة لا تنطبق على القضاء في المحاكم لأن الأصل هو حضور هؤلاء جميع مجريات الجلسات لتكوين عقيدتهم التي يتبلور بناء عليها حكمهم.
وأنه وإن كان من الناحية التنظيمية قد يكون هناك دوائر للتحقيق وأخرى للادعاء، إلا أنه يجوز ندب من يقوم بالادعاء للقيام بالتحقيق ومن يقوم بالتحقيق ليقوم بالادعاء، بل يجوز تكليف المحقق في قضية القيام بالادعاء فيها وفي ذلك تنص المادة 5/4 من اللائحة التنظيمية لنظام هيئة لتحقيق والادعاء العام على أنه يجوز حلول أي محقق أو مدع عام آخر في أي مرحلة من مراحل التحقيق أو الادعاء.
ويجوز لرئيس الدائرة المختصة أن يكلف المحقق بمباشرة الدعوى الجزائية أمام الجهة القضائية في القضية التي تولى التحقيق فيها”
إلا أنه يجب أن يحضر ممثل الادعاء العام جلسات المحكمة في الحق العام في الجرائم الكبيرة. وعلى المحكمة سماع أقواله والفصل فيها وفيما عدا ذلك يلزم حضوره إذا طلبه القاضي أو ظهر للمدعى العام ما يستدعي حضوره (راجع م157 إجراءات سعودي).
وعلى كاتب الجلسة أن يبين في محضرها اسم القاضي أو القضاة المكونين لهيئة المحكمة والمدعى العام (م156 إجراءات سعودي) والخطأ في اسم عضو الهيئة الممثل للادعاء الذي حضر الجلسة لا يؤثر في الحكم مادام لم يثبت أن شخصًا غير أعضاء الهيئة قد قام بتمثيل الادعاء.
ويرد على قاعدة عدم التجزئة قيدان:
القيد الأول: أن قاعدة عدم التجزئة لا تسري إلا في حدود الاختصاص المكاني فالأعضاء في دائرة معينة من فرع الهيئة مرتبطون فيما بينهم، ويكونون وحدت بذاتها، يتبعون رئيسهم ولكل منهم أن يحل محل الآخر في اختصاصه، ويمكن لرئيس الفرع أن يفوض أحد أعضاء دائرة بالفرع للقيام بالتحقيق في قضية من قضية من اختصاص دائرة أخرى.
القيد الثاني: لا يجوز بناء على قاعدة عدم التجزئة ما أوكل على سبيل الاختصاص بالنظام لأعضاء معينين فمثلاً لا يجوز للمحقق بعد انتهاء التحقيق في الجرائم العادية إذا وجد أن الأدلة غير كافية لإقامة الدعوة أن يحفظ هذا التحقيق ويأمر بالإفراج عن المتهم الموقوف وإنما عليه أن يوصي رئيس الدائرة بذلك لأن الحفظ في هذه الحالة وكذلك الإفراج إنما هما من اختصاص رئيس الدائرة.
وفي الجرائم الكبيرة لا يكون الأمر بالحفظ والإفراج نافذًا إلا بمصادقة رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام أو من ينيبه. (راجع م124 من نظام الإجراءات الجزائية).
وإذا أراد المحقق تمديد مدة التوقيف بعد انتهاء مدة الخمسة أيام التي له يجب عليها أن يلجأ إلى رئيس فرع الهيئة ليصدر أمره بالتوقيف لمدة أو مدد متعاقبة لا تزيد في مجموعها على أربعين يومًا من تاريخ القبض وإذا تطلب الأمر التوقيف لمدة أطول يرفع الأمر إلى رئيس الهيئة ليصدر أمره بالتمديد لمدة أو مدد متعاقبة لا تزيد كل منها على ثلاثين يومًا ولا يزيد مجموعها على ستة أشهر من تاريخ القبض (م144 إجراءات)( ).
ومبدأ عدم التجزئة مطبق في مصر يعني وحدة النيابة العامة بصفتها سلطة اتهام وسلطة تحقيق مع التقيد بقواعد الاختصاص، فعضو النيابة المخصص بالتحقيق في نوع معين من الجرائم أو في دائرة مكانية معينة( ).
والأمر الذي يختلف فيه الهيئة عن النيابة العامة في هذا الشأن هو أن أعضاء الهيئة لا يستطيعون بالانتقال من هيئة التحقيق إلى القضاء بصفة عامة، والقضاء الشرعي بصفة خاصة، لأن شروطه تتوافر في الكثير منهم بينما عضو النيابة في الدول الأخرى يتمتع بنفس المؤهلات والصفات التي يتمتع بها القضاة ولا يختلف عنهم في شيء( ).
وفي دولة الإمارات قد نص مشروع قانون السلطة القضائية الاتحادية على هذا المبدأ حيث تنص المادة 58 منه على أنه “النيابة العامة لا تتجزأ بوصفها سلطة تحقيق أو سلطة اتهام، ويحل أي عضو من أعضائها محل الآخر ويتم ما بدأ من إجراءات، وذلك كله مع مراعاة قواعد الاختصاص( )، مبدأ وحدة النيابة العامة ليس مطلقًا بل يتقيد بقيد هام هو قيد الاختصاص النوعي والمكاني، فعضو النيابة الذي يختص بنوع معين من الجرائم لا يستطيع أن يباشر أو يكمل عمل عضو نيابة آخر يختص بنوع آخر من الجرائم.
وعضو النيابة الذي يختص بالتحقيق ضمن دائرة مكانية معينة لا يستطيع أن يكمل عمل عضو نيابة في دائرة أخرى. والخروج على قواعد الاختصاص يترتب البطلان( ).

المبحث الثالث
استقلال الهيئة والنيابة العامة
في المملكة هيئة التحقيق والادعاء العام هي المختصة بالادعاء فيما يتعلق بالحق العام، والقضاء هو المختص بنظر الدعوى وفحص الادعاء، ورجال الضبط الجنائي هم الذين يقومون بالكشف عن الجرائم وضبط المجرمين، وتعقبهم، والمعاونة في جمع الأدلة والاستدلالات لتهيئة الدعوى للنظر، والمدعي بالحق الخاص من مصلحته إثبات التهمة للحكم له بحقه جنائيًا كان أو ماليًا. فما هي علاقة الهيئة بكل من هؤلاء؟
نص المادة 5 من نظام الهيئة لـ 1409 على أن “أعضاء الهيئة يتمتعون بالاستقلال التام ولا يخضعون في عملهم إلا لأحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية وليس لأحد التدخل في مجال عملهم”.
ولا يجوز لعضو الهيئة الجمع بين وظيفته ومزاولة التجارة أو أي مهنة أو عمل لا يتفق مع استقلال عمل الهيئة وكرامته.
ويجوز للجنة إدارة الهيئة أن تقرر منع عضو الهيئة من مباشرة أي عمل ترى أن القيام به يتعارض مع واجبات الوظيفة وحسن أدائها (م7 من نظام الهيئة).
وسنتكلم فيما يلي على علاقة الهيئة والنيابة العامة بكل من القضاء، والشرطة، والمدعى بالحق الخاص.
تحريك الدعوى الجزائية ومع ذلك حتى في هذه الحالات تختص الهيئة بمباشرة الدعوة بعد تحريكها. فالهيئة موكول إليها رفع الدعوى الجزائية ولها وحدها حق التصرف فيها تحت إشراف وزير الداخلية، وهي بحكم وظيفتها مستقلة استدلالاً تامًا عن السلطة القضائية وغير تابعة لها أية تبعية إدارية في أداء وظيفتها.
ويترتب على استقلال الهيئة عن القضاء ما يلي:
1- أن لها حرية بسط آرلاائها لدى المحاكم في الدعوى الجزائية دون أن يكون للمحاكم حق الحد من هذه الحرية إلا ما يقضى به النظام وحقوق الدفاع ولا ينبو عن المنطق الدقيق.
2- ليس للقضاء عليها أي سلطة رقابة أو إشراف يتيح لها لومها أو تعيبها مباشرة بسبب سيرها في أداء وظيفتها فإن كان هناك شبهًا في هذا السبيل فليس له إلا أن يتجه في ذلك إلى رئيس الهيئة المشرف مباشرة على أعضاء الهيئة وإلى وزير الداخلية على أن يكون التوجه بصفة سرية رعاية للحرية الواجبة للهيئة.
كما أنه ليس للمحكمة أن ترمي الهيئة في حكمها بأنها أسرفت في الاتهام وأنها أسرفت أيضًا في حشد التهم وكيلها جزافًا.
3- لا يصح لمن يتولى سلطة الاتهام أو التحقيق في الدعوى أن يشترك في الحكم فيها فإذا كان أحد القضاة الذين حكموا في الدعوى سبق أن مارس التحقيق فيها كعضو في هيئة التحقيق والادعاء العام فإن الحكم الذي اشترك في إصداره يكون باطلاً. وذلك على أساس أن لا يجوز أن يكون الشخص خصمًا وحكمًا في آنٍ ولحد ولذلك نصت المادة 90 من نظام المرافعات الشرعية رقم م/21 في 20/5/1421هـ على أن “القاضي ممنوع نظر الدعوى وسماعها ولو لم يطلب ذلك أحد الخصوم في الأحوال الآتية: أ… ب… ج… د… ز
هـ – إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم أو خبيرًا أو محكمًا، أو كان قد أدى شهادة فيها أو باشر إجراء من إجراءات التحقيق فيها”.
وعلى العكس مما تقدم إذا ترك القاضي الذي جلس للحكم في الدعوى منصب القضاء إلى وظيفة في هيئة التحقيق والادعاء العام يستطيع أن يمثل الادعاء في هذه الدعوى لأنه لا تخوف من ذلك لأن المعول عليه هو إقناع القاضي بأقوال الخصوم.
4- قرارات الهيئة وأوامرها كسلطة ادعاء أو تحقيق في الدعوى الجزائية غير خاضعة لرقابة القضاء الإداري لا من حيث قضاء التعويض أو قضاء الإلغاء لأنها تعتبر من قبل الأعمال القضائية وليست من قبل القرارات الإدارية.
5- ليس للقاضي أن يوصي الهيئة بإبتاع إجراءات معينة، ولذلك تكون المحكمة قد جاوزت سلطتها إذا هي أمرت الادعاء بمباشرة الدعوى الجزائية ضد شخص لم تحرك الدعوى ضده كما أنه ليس لها أن تندب الهيئة أثناء المحاكمة لإجراء تحقيق تكميلي.
ويعد أيضًا من قبيل مجاوزة السلطة أن تأمر المحكمة بإيقاف الدعوى حتى يدخل الادعاء منها آخر على اعتبار أنه فاعل الجريمة، ولكن للمحكمة أن تأذن للمدعى العام بناء على طلبه في أين يدخل تعديلاً في لائحة الادعاء في أي وقت ويبلغ المتهم بذلك. ويجب أن يعطى فرصة كافية لإعداد دفاعه بشأن هذا التعديل ( راجع 160 إجراءات ).
6- حضور الادعاء العام الجلسات: يجب أن يحضر المدعى العام جلسات المحكمة في الحق العام في الجرائم الكبيرة، وعلى المحكمة سماع أقواله والفصل فيها. وفيما عدا ذلك يلزمه الحضور إذا طلبه القاضي، أو ظهر للمدعى العام ما يستدعى حضوره (م 157 إجراءات).
7- يلاحظ أنه ليس للادعاء سحب القضية بعد اتصال المحكمة بها، ولا يجوز للمحكمة إحالتها إلى جهة أخرى إلا بعد الحكم في موضوعها أو بعدم الاختصاص( ).
استقلال النيابة العامة تجاه القضاة في الدول العربية:
تعتبر النيابة العامة ذات استقلال تجاه القضاة إعمالاً لمبدأ الفصل بين وظيفتي الاتهام والحكم، بحيث تقوم بكل وظيفة سلطة مستقلة عن الأخرى، تحقيقًا لحيدة عملها التي تختل فيما لو اجتمعت الوظيفتان بيد هيئة واحدة.
فنصّت فنصت المادة (24) من القانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني على أنه “لا يجوز لقاضٍ أن يحكم بالدعوى التي تولى وظيفة النيابة العامة فيها، وإنما يجوز لقاضي صلح النظر في دعوى قام بالتحقيق فيها كمدع عام شرط أن لا يكون اتخذ قرار ظن فيها.
وهذا النص يماثل نص المادة (24) من قانون أصول المحاكمات الجزائية السوري. ومبدأ الفصل بين الوظيفتين من النظام العام تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها دون اعتداء برضاء الخصوم.
وبترتب على استقلالها تجاه القضاء عدة نتائج.
الأولى: لا يجوز للمحكمة أن توجه اللوم للنيابة على أي رأي أدلت به، أو عمل قامت به بسبب وظيفتها.
وإذا كان في تصرف أحد أعضاء النيابة أمام المحكمة ما يستوجب المؤاخذة، فعلى المحكمة إبلاغ وزير العدل بذلك باعتباره الرئيس الأعلى للنيابة.
وتطبيقًا لذلك قضت محكمة النقض في مصر بأنه لا يجوز لمحكمة الجنايات أن تنعي على النيابة في حكمها أنها أسرفت في الاتهام، وأنها أيضًا أسرفت في حشد التهم وكيلها للمتهمين.
وهذا القضاء غير صحيح، فإذا كانت النيابة مستقلة تجاه القضاء فهي خصم كسائر الخصوم تخضع لهيمنة المحكمة وسلطتها في الإشراف والإدارة على كل ما يدور في الجلسة. فإذا تجاوزت النيابة حدودها، أو خرجت عن مقتضى الأصول، واشتطت في النقد والتجريح، كان للمحكمة بمقتضى سلطتها الإدارية أن تنبه النيابة إلى عدم الخروج عن هذه الحدود.
الثانية: لا يجوز للمحكمة أن توجه النيابة العامة في كيفية إبداء مطالعاتها وأقوالها، فإن استقلال النيابة العامة يقتضي أن تكون لها الحرية التامة في إبداء آرائها ومطالعاتها دون أي قيد.
الثالثة: ليس للمحكمة تكليف النيابة برفع الدعوى الجزائية على شخص، أو بإجراء تحقيق في دعوى مرفوعة أمامها، لأن ذلك يعتبر تدخلاً بأعمالها ومُخلاً باستقلالها.
الرابعة: يمتنع على عضو النيابة الذي حقق في القضية أو اتخذ فيها أي إجراء أن يكون قاضيًا في نفس القضية.
ففي مصر قضت محكمة النقض المصرية بأن وكيل النيابة الذي يباشر تحقيقًا في القضية ويعين بعدئذ قاضيًا لا يكون صالحًا لنظر هذه القضية، حتى ولو كان عمله في التحقيق ضئيلاً ولم يبد رأيه فيما أجراه، حتى لا يكون الشخص خصمًا وحكمًا في نفس الوقت.
وفي الأردن قضت محكمة التمييز الأردنية في قرارها رقم 128/76 ما يلي: “إن المادة (24) من قانون أصول المحاكمات الجزائية تشترط لعدم جواز اشتراك القاضي في الحكم أن يكون قد تولي وظيفة النيابة العامة فيها.
وحيث أن القاضي السيد… الذي اشترك في إصدار الحكم المميز لم يتول وظيفة النيابة العامة في الدعوى، وإنما كان حين التحقيق قاضيًا للصلح في وادي… فأنيب من قبل مدعي عام مأدبا الذي كان يتولى التحقيق في الدعوى لسماع شهادة الشاهد ع.س فقط ولهذا فإنه لا يمتنع عليه في مثل هذه الحالة أن يشترك في النظر الدعوى والحكم فيها”.
الخامسة: إن القضاء لا يتقيد بالتكييف القانوني للواقعة المرفوعة بها الدعوى من قبل النيابة العامة، كما لا يتقيد بطلبها، فللمحكمة أن تسبغ على الواقعة المعروضة أمامها الوصف القانوني الصحيح دون اعتداد بالوصف الذي وصفته النيابة لها( ).
وفي لبنان ((تعتبر النيابة العامة جزء من القضاء العدلي، وبالتالي لها من الاستقلالية ما منحه الدستور للسلطة القضائية في مادته / 20 /. كذلك، وبما أن القانون الجديد قد قام بتحرير النيابة العامة من سلطة وزير العدل الذي يعتبر ممثلاً للسلطة التنفيذية، وعملاً بمبدأ “فصل السلطات” الذي كرسه الدستور، فإن وزير العدل ما عاد يستطيع إصدار الأوامر للنائب العام لدى محكمة التمييز، بل أصبح يعبر عن رأي السلطة التنفيذية عن طريق توجيه الطلبات إلى هذا الأخير، مما ترك الحرية للنائب العام باتخاذ قرار تحريك أو عدم تحريك الدعوى العامة. (مادة / 14 / أصول المحاكمات الجزائية الجديد).
ولا يجوز لقاضي النيابة العامة أن يتدخل في صياغة حكم المحكمة؛ كما لا يجوز للمحكمة أن توجه النيابة العامة في أمور تدخل في اختصاصها.
وأخيرًا، يحق للنيابة العامة – بصفتها فريقًا في الدعوى – أن تبدي ما تراه مناسبًا من مطالب ومرافعات، دون أن يكون للمحكمة الحق في أن توجه للنائب العام أي تنبيه فيما خص ممارسته صلاحياته.
ولكن يشذ عن هذا المبدأ الأمور التالية:
1- تمثيل القاضي المنفرد الجزائي للنيابة العامة في سبيل اكتمال الخصومة.
2- صلاحيات المحاكم المدنية في ملاحقة جرائم الجلسات( ).
ب- علاقة الهيئة التحقيق والنيابة العامة بالشرطة:
في المملكة العربية السعودية تنص المادة 24 من نظام هيئة التحقيق والإدعاء العام على أن “رجال الضبط الجنائي هم الأشخاص الذين يقومون بالبحث عن مرتكبي الجرائم وضبطهم وجمع المعلومات والأدلة اللازمة للتحقيق وتوجيه الاتهام”.
وتنص المادة 25 على أن “يخضع رجال الضبط الجنائي فيما يتعلق بوظائفهم في الضبط الجنائي المقررة في هذا النظام لإشراف هيئة التحقيق والادعاء العام. وللهيئة أن تطلب من الجهة المختصة النظر في أمر كل من تقع منه مخالفة لواجباته أو تقصير في عمله، ولها أن تطلب رفع الدعوى التأديبية عليه، دون إخلال بالحق في رفع الدعوى الجزائية”.
وتنص المادة 26 على أن “يقوم بأعمال الضبط الجنائي حسب المهام الموكولة إليه كل من:
1- …
2- مديري الشرط ومعاونيهم في المناطق والمحافظات والمراكز.
3- ضباط الأمن العام وضباط المباحث العامة، وضباط الجوازات، وضباط الاستخبارات وضباط الدفاع المدني ومديري السجون والضباط فيها وضباط حرس الحدود وضباط الأمن الخاصة… ومعظمهم من رجال قوات الأمن الداخلي.
يبين من النصوص المتقدمة أن هيئة التحقيق والادعاء العام رئيسة للضبط الجنائي وبالتالي لأعضائها الحق في توجيه نشاط رجال الضبط الجنائي في البحث في الجريمة والكشف عنها وعن مرتكبيها وهذا يقتضي وجود نوع من التعاون بين أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام ورجال الضبط الجنائي ومن بينهم رجال الشرطة حتى يكفل هذا التعاون الاهتداء إلى فاعل الجريمة وإنزال العقوبة به.
وعلى رجال الضبط الجنائي القيام بتنفيذ أوامر هيئة التحقيق والادعاء العام ولذلك جعل نظام الإجراءات للهيئة حتى الإشراف عليهم فيما يتعلق بأعمال وظائفهم( ).
فهي رقابة وظيفية وليست إدارية على الأعمال رجال الضبط الجنائي فيما يقع منهم من مخالفات أو تقصير في عملهم. وليس معنى ذلك أن من حق الهيئة إيقاع العقوبة التأديبية على رجل الضبط وتقديمه للمحاكمة، وإنما لها الحق في تطلب ذلك من الجهة التي يتبعها رجل الضبط. أما الجوانب الأخرى المتعلقة بالنواحي الإدارية فهم يخضعون لإشراف مرجعهم المباشر فقط. وليس للهيئة أي سلطة رقابية في هذا الجانب( ).
في مصر فإن النيابة العامة ترأس الضبطية القضائية أي توجه سلطة البوليس في كل ما يتعلق بضبط الجرائم وتعقب الجناة.
فنص المادة 21 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه يكون مأمورو الضبط القضائي تابعين للنائب العام وخاضعين لإشرافه فيما يتعلق بأعمال وظائفهم.
وللنائب العام أن يطلب إلى الجهة المختصة للنظر في أمر كل من تقع منه مخالفة لواجباته، أو تقصير في عمله، وله أن يطلب رفع الدعوى التأديبية عليه وهذا كله لا يمنع من رفع الدعوى الجنائية.
كما تنص المادة 22 من قانون السلطة القضائية على أن مأموري الضبط يكونون فيما يتعلق بأعمال وظائفهم تابعين للنيابة العامة( ).
ويرى البعض أن يمنح النائب العام، في القانون المصري، سلطة تأديب أعضاء الضبط القضائي، لا أن يطلب من الجهة الرئاسية النظر في شأن عضو الضبط القضائي، ذلك أنه متى انتهى النائب العام إلى تكوين اقتناعه بأن مسلك عضو الضبط القضائي كما معيبًا. أو أن الفعل الذي أتاه أو التقصير الذي وقع منه كان غير سليم أو مخالفًا لما يقضي به قانون الإجراءات الجنائية، أو لما يجب إتباعه في هذا الشأن، كان للنائب العام حرية تقدير الخطورة الناجمة عن ذلك وتقدير ما يناسبها من جزاء تأديبي، أما بتوجيه الإنذار إلى عضو الضبط القضائي على أن يصدر القرار مسببًا وقابلا للطعن فيه أمام مجلس الدولة، وإما بإحالة الأمر إلى مجلس تأديب إذا كان ما وقع من العضو يمثل خطورة معينة، على أن يكون مجلس التأديب بمثابة محكمة تأديبية بالنسبة لمأمور الضبط القضائي في كل ما يتعلق بوظيفة القضائي، دون أن يمنع ذلك من رفع الدعوى الجنائية أن كان لذلك وجه. فلا يجوز أن يخضع اقتناع النائب العام، وهو من رجال السلطة القضائية، في شأن توافر الخطأ التأديبي، لرقابة الجهة الرئاسية لمأمور الضبط القضائي، وهي جزء من السلطة التنفيذية، فلا يكون لهذه الأخيرة حرية تقدير الجزاء، ويتعين أن يختص النائب العام وحده بالسلطة التأديبية على أعضاء الضبط القضائي. وإن كانت الملاءمة ومقتضيات التعاون بين النيابة العامة والهيئات التي ينتمي إليها مأمور الضبط القضائي تقتضي أن يخطر النائب العام الجهة التابع لها مأمور الضبط القضائي بما صدر عنه من تقصير أو إهمال في أداء واجباته فإذا لم تتخذ في شأنه إجراءات تأديبية في موعد معين جاز له أن يمارس سلطاته التأديبية( ).
ج – علاقة الهيئة بالمدعى بالحق الخاص:
إن للمجني عليه أو من ينوب عنه ولوارثه من بعده حق رفع الدعوى الجزائية في جميع القضايا التي يتعلق بها حق خاص ومباشرة هذه الدعوى أمام المحكمة المختصة. وعلى المحكمة في هذه الحالة تبليغ المدعي العام بالحضور (م17 إجراءات) مثال ذلك القصاص والقذف
ولا يجوز إقامة الدعوى الجزائية أو إجراء تحقيق في الجرائم تحقيق في الجرائم الواجب فيها حق خاص للأفراد إلا بناء على شكوى المجني عليه أو من ينوب عنه أو وارثه من بعده إلى الجهة المختصة إلا إذا رأت هيئة التحقيق والادعاء العام مصلحة عامة في رفع الدعوى والتحقيق في هذه الجرائم (م 18 إجراءات).
ولمن لحقه ضرر من الجريمة ولوارثة من بعده أن يطالب بحقه الخاص مهما بلغ مقداره أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجزائية في أي حالة كانت عليها الدعوى حتى لو لم يقبل طلبه أثناء التحقيق (م148 إجراءات).
وتعد الشكوى المقدمة ممن أصابه ضرر بسبب الجريمة مطالبة بحقه الخاص إلا إذا قرر صراحة أمام المحقق نزوله عن حقه. وعلى المحقق إثبات ذلك في المحضر والإشهاد عليه مع التصديق المحكمة المختصة على نزوله عن الحق في حد القذف والقصاص (م29 إجراءات).
ويلاحظ أنه إذا كانت المطالبة بالحق الخاص مقصورة على التعويض عن الأضرار الناجمة عن الواقعة الإجرامية المتعلق بها الحق العام فإن المدعي بالحق الخاص يعاون الادعاء العام في جمع أدلة الإثبات قبل المتهم.
والمدعي بالحق الخاص الذي ينصب على التعويض لا يمكنه إرغام الادعاء العام على رفع الدعوى الجنائية ليتدخل أمام المحكمة المرفوعة أمامها للمطالبة بالتعويض، إلا أن هناك قيد على الادعاء العام في رفع الدعوى الجنائية في الجرائم الواجب فيها حق خاص للأفراد وهو وجوب تقديم شكوى من المجني عليه أو من ينوب عنه إلى الجهة المختصة ما لم تر هيئة التحقيق والادعاء العامة مصلحة عامة في رفعها والتحقيق فيها( ).
الدعوى المباشرة والنيابة العامة في الدول العربية:
المدعي المدني في الدعوى المدنية التابعة للدعوى الجزائية هو كل شخص أصابه ضرر من الجريمة فطالب بالتعويض عنه.
فنصت المادة (52) من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني على ما يلي: “لكل شخص يعد نفسه متضررًا من جراء جناية أو جنحة أن يقدم شكوى يتخذ فيها صفة الادعاء الشخصي إلى المدعي العام أو للمحكمة المختصة وفقًا لأحكام المادة (5) من هذا القانون”.
ونصت المادة (27) من قانون الإجراءات الجنائية المصري على ما يلي:
“لكل من يدعي حصول ضرر له من الجريمة أن يقيم نفسه مدعيًا بحقوق مدنية في الشكوى التي يقدمها إلى النيابة العامة أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي”.
ونصت المادة (25/2) على ما يلي: “لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يقيم نفسه مدعيًا بحقوق مدنية أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجنائية في أية حالة كانت عليها الدعوى حتى صدور القرار بإقفال باب المرافعة طبقًا للمادة (275) ولا يقبل منه ذلك أمام المحكمة الإستئنافية”.
فيتضح من هذه النصوص أن التشريعات العربية المذكورة تتفق في تعريف المدعي المدني بإنه الشخص الذي يطالب التعويض عن الضرر الذي لحق به من الجريمة. على خلاف بين هذه التشريعات في نوع الجريمة التي تجيز للمضرور الادعاء مدنيًا بالتعويض عن الضرر( ).
ففي سوريا يقدم الادعاء الشخصي إلى المرجع الجزائي (النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو المحكمة الدرجة الأولى)، المختصة نوعيا ومكانيا بالجرم، دون النظر إلى مقدار التعويض المطلوب، لأن العبرة لنوعية الجرم وليس لمقدار التعويض.
ويحق للطرف الآخر أن يعترض على هذا الطلب، ويبين أسباب اعتراضه القانونية.
وللمرجع الذي قدم إليه الطلب أن يبت فيه. فإذا رفضه (كما لو وجد أن المدعي ليس بذي مصلحه)، كان لطالب الادعاء أن يطعن في هذا القرار. وإذا قبله أصبح خصمًا في الدعوى المدنية، وأصبحت له حقوق الخصوم فيها.
ويستطيع المتضرر إقامة دعواه المدنية أمام المحكمة الجزائية في حالتين:
الأولى: النيابة العامة أقامت الدعوى العامة: ففي هذه الحالة ليس للمتضرر إلا أن يقدم طلبًا بالتدخل، يعلن فيه عن رغبته بإنه يقيم مدعيا شخصيا، ويحق له أن يطالب بالتعويض عما لحق به من أضرار، وبدون هذا الطلب لا يجوز أن تحكم له المحكمة بشيء. وله أن يقدم طلبه هذا، حتى ختام المحكمة البدائية أو الجنائية (المادة 63)، أي إلى ما قبل صدور الحكم، لأن الحكم إذا صدر في الدعوة العامة، فليس له إلا المراجعة القضاء المدني. وإذا قبل ادعاؤه أصبح خصمًا منضمًا للنيابة العامة.
ولكن لا يجوز له الادعاء أمام محكمة الدرجة الثانية (الاستئنافية) أو أمام النقض، لأنه بذلك يحرم المدعي عليه من حق رؤية الدعوة المدنية أمام درجتين.
وقد نصت المادة 63 بصراحة على أنه: “للشاكي أن يتخذ صفة المدعي الشخصي في جميع أدوار الدعوى حتى ختام المحكمة البدائية أو الجنائية”، وهذا النص واضح بمنع الادعاء الشخصي لأول مرة، أمام الدرجة الاستئنافية الثانية، أو أمام النقض.
الثانية: النيابة العامة أهملت إقامة الدعوى العامة.
ففي هذه الحال، يستطيع المضرور أن يجبرها على إقامتها، بإقامته نفسه مدعيا شخصيا، فله أن يدعي أمام قاضي الإحالة. ويعتبر قاضي الإحالة مرحلة ختامية للتحقيق، وليس درجة ثانية له. وإذا قرر المحقق إحالة الفاعل إلى محاكم الحكم، فإن قراره هذا يشمل إحالة الدعوتين الجزائية والمدنية. ولا يعود من حق محاكم الموضوع إخراج المدعي الشخصي من الدعوى، بعد أن اكتسب صفة الخصومة فيها، لأنه يكون اكتسب حقا لا يعود من الجائز نزعه منه.
كما أن له حق الادعاء المباشر، في قضايا الجنحة والمخالفة، أمام محكمة الموضوع المختصة.
ويحق له الادعاء الشخصي أمام محكمة الجنايات، طالما أن القضية لا تزال أمامها( ).
وفي دولة الإمارات نصت المادة 22 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه “لمن لحقه ضرر مباشر من الجريمة أن يدعى بالحقوق المدنية قبل المتهم أثناء جمع الاستدلالات أو مباشرة التحقيق أو أمام المحكمة التي تنظر الدعوى الجنائية في أية حالة كانت عليها الدعوة وإلى حين قفل باب المرافعة فيها ولا يقبل منه بذلك أمام المحكمة الاستئنافية”. ويتضح من هذا النص أن القانون يجيز الادعاء المدني أمام سلطة جمع الاستدلالات أو سلطة التحقيق أو قضاء الحكم، ويكون الادعاء المدني أمام سلطة جمع الاستدلالات عن طريق المطالبة بالتعويض في الشكوى المقدمة على النيابة العامة أو إلى أحد مأموري الضبطية القضائية، ويتم الادعاء المدني أمام سلطة التحقيق عن طريق إبدائه أمام السلطة المختصة بالتحقيق، وتفصل سلطة التحقيق في قبول الادعاء المدني أو عدم قبوله وتحال الدعوى المدنية مع الدعوى الجنائية التي أحيلت إليها الدعوى الجنائية في أية حالة كانت عليها الدعوى حتى صدور القرار بقفل باب المرافعة، ولا يجوز الادعاء مدنيًا لأول مرة أمام محكمة الاستئناف.
ويترتب على الادعاء المدني أن يصبح المدعي المدني طرفًا في الدعوى المدنية ويكون له الحق في إبداء الطلبات والدفوع ويجوز له الطعن في الحكم الصادر في الدعوى المدنية، ولكن لا تكون له أي صفة في الدعوى الجنائية ولا يجوز له الطعن في الحكم الصادر فيها.
وتتبع الإجراءات المتبعة في نظر الدعوى الجزائية عند نظر الدعوى المدنية فالدعوى المدنية تتبع الدعوى الجزائية (المادة 28/3 من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي)( ).
وفي مصر أعطى المشرع المدعى بالحقوق المدنية الحق في تحريك الدعوة بالطريق المباشر، فقد نصت المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية المصري على أن “تحال الدعوى إلى محكمة الجنح والمخالفات بناء على تكليف المتهم مباشرة بالحضور من قبل أعضاء النيابة العامة أو من المدعى بالحقوق المدنية”. وعلى ذلك، فلا يملك المجني عليه في الجريمة تحريك الدعوى الجنائية بالطريق المباشر إذا لم يكن قد أصابه ضرر من الجريمة، والمجني عليه هو الشخص الذي وقعت عليه نتيجة الجريمة أو الذي اعتدى على حقه الذي يحميه القانون( ). ومن جهة أخرى، يملك من أصابه ضرر من الجريمة تحريك الدعوة المباشرة ولو يكن هو المجني عليه في الجريمة. ففي الجريمة القتل الخطأ يملك ابن القتيل تحريك الدعوى الجنائية بالطريق المباشر رغم أنه ليس المجني عليه فيها، إذ أنه بموت أبيه يكون قد أصابه ضرر سواء كان ماديا أو معنويًا.
قالمدعى بالحقوق المدنية هو كل شخص طبيعي أو معنوي لحقه ضرر خاص مباشر من ارتكاب الجريمة سواء كان هو المجني علي في الجريمة أم لم يكن( )، وإن كان الغالب أن يكون المجني عليه هو المضرور من الجريمة.
وقد انتقد البعض – بحق – قصر الادعاء المباشرة على من أصابه ضرر من الجريمة دون التقيد بصفة المجني عليه، إذا يكون بذلك للمضرور من الجريمة أكثر مما يكون لمن وقعت عليه الجريمة نفسه، ونرى أن يسوى بين المضرور من الجريمة والمجني عليه من حيث الحق في الادعاء المباشر( ).
ترفع الدعوة المباشرة بتكليف المدعي المدني للمتهم بالحضور أمام القاضي، بإعلان على يد محضر يسلم إليه في محل إقامته أو لشخصه بالطرق المقررة في قانون المرافعات، وذلك بعد أن يقوم قلم كتاب المحكمة المختصة بقيد الدعوة وتحديد تاريخ الجلسة التي يدعى إليها المتهم، ثم أخطار قسم الشرطة المختصة لقيد الواقعة في دفاتر.
ويجب على رافع الدعوى إعلان ممثل النيابة العامة أمام المحكمة المختصة أيضًا بصورة من أمر التكليف بالحضور ليتولى مباشرة الدعوى الجنائية أمام المحكمة. ولكن لا يترتب على إغفال إعلان النيابة العامة بصورة من أمر التكليف بالحضور، بطلان الدعوة المباشرة،. وكل ما للنيابة أن تطلب من المحكمة أجلا للاستعداد وعلى المحكمة أن تجيبها إلى طلبها.
ويجب أن يتم إعلان المتهم والنيابة قبل ميعاد الجلسة بيوم كامل في المخالفات، وبثلاثة أيام على الأقل في الجنح غير مواعيد مسافة الطريق، يستثنى من ذلك حالة التلبس فيجوز أن يكون التكليف بالحضور فيها بغير ميعاد (مادة 233) إجراءات.
ويلاحظ أنه في الجرائم التي يتوقف رفع الدعوة الجنائية فيها على شكوى من المجني عليه، يجب أن يتم إعلان المتهم في خلال ثلاثة أشهر من تاريخ علم المجني عليه بالجريمة المنسوبة للمتهم، ومواد القانون التي تنص على العقوبة وتاريخ الجلسة وعنوان المحكمة.
وعلى ذلك لا يجوز إقامة الدعوى المباشرة عن طريق توجيه التهمة إلى المتهم في الجلسة وقبولها لها، فهذا الحق مقصور على النيابة العامة وحدها طبقًا للمادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية.
ويشترط أن تكون صحيفة الدعوى موقعة من محام من المحامين المشتغلين، فقد نصت المادة 58 من قانون المحاماة الصادرة بالقانون رقم 17 لسنة 1983 – التي تناولت إجراءات تقديم الدعاوى أمام مختلف المحاكم – في فقرتها الرابعة على أنه “وكذلك لا يجوز تقديم صحف الدعاوى أو طلبات أوامر الأداء للمحاكم الجزئية إذا كانت موقعة من أحد المحامين المشتغلين وذلك متى بلغت أو جاوزت قسيمة الدعوى أوامر الأداء خمسين جنيها “وفي فقرتها الخامسة على أنه” ويقع باطلا كل إجراء يتم بالمخالفة لأحكام هذه المادة “فإن صحيفة الدعوى المباشرة – وهي من أوراق الإجراءات في الخصومة – يجب أن يتم التوقيع عليها من أحد المحامين المشتغلين متى بلغت قيمتها خمسون جنيها، ويترتب على إغفال ذلك عدم انعقاد الخصومة( ).
آثار تحريك الدعوى المباشرة:
يترتب على تحريك المدعي المدني للدعوى المباشرة أن تنعقد الخصومة الجنائية أمام المحكمة، أي أن تتصل المحكمة بالدعويين الجنائية والمدنية. حينئذ لا يجوز للنيابة العامة أن تجري أي تحقيق في الواقعة بالنسبة للمتهم الذي حركت الدعوى ضده.
ولكن إذا كانت الدعوى المدنية غير جائزة القبول فيتعين على المحكمة أن تحكم بعد قبول الدعوى المدنية، وأبدت طلباتها في الجلسة بتوقيع العقاب على المتهم وقبل الأخير المحاكمة. لأن إبداء النيابة العامة لطلباتها في هذه الحالة يعتبر بمثابة تحريك للدعوى الجنائية وذلك أعمالا لحكم المادة 232/2 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على أنه “يجوز الاستغناء عن تكليف المتهم بالحضور إذا حضر الجلسة ووجهت إليه التهمة من النيابة العامة وقبل المحاكمة.
ومتى تم تحريك الدعوى الجنائية بالطريق المباشر فإن دور المدعي المدني يقتصر على إدعائه المدني، أما بالنسبة للدعوى الجنائية فحقه يقتصر على تحريكها دون مباشرتها، وتتولى النيابة العامة مباشرة الدعوى الجنائية فهي وحدها الطرف الآخر مع المتهم في هذه الدعوى، أما المدعي المدني، فتقف خصومته مع المتهم عند حدود الدعوى المدنية فقط فليس له أن يطلب من المحكمة توقيع عقوبة معينة على المتهم، وليس له حق الطعن في الحكم الجنائي الصادر فيها. وليس للمدعي المدني الصفة في أن يطلب من محكمة الجنح الحكم بعد الاختصاص لكون الواقعة جناية. ولا أن يطلب تعديل وصف التهمة ولا إدخال متهمين آخرين لأن كل هذا من مباشرة الدعوى الجنائية.
أما استعمال الدعوى الجنائية أو مباشرتها أمام المحكمة فهو للنيابة العامة وحدها، فلها أن تقدم طلباتها للمحكمة وعليها أن تلتزم بوقائع الاتهام الواردة في التكليف بالحضور فلا تضيف لها جديدًا، ولكن الدعوى الجنائية قائمة حتى ولو لم تبد النيابة العامة طلبات، بل ولو طلبت البراءة ذلك أن النيابة العامة غير مقيدة بطلبات المدعي المدني. وكذلك للمحكمة أن تفصل في هذه الدعوى غير مقيدة بطلبات المدعي المدني ولا بطلبات النيابة العامة( ).
4- عدم المسؤولية أعضاء الهيئة التحقيق والإدعاء العام والنيابة العامة:
في المملكة العربية السعودية:
لما كان أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام مكلفين طبقًا لنظام الإجراءات الجزائية بإقامة الدعوة الجزائية ومباشرتها أمام المحاكم المختصة (م16) ضد كل من نقوم الأدلة قبله على من ارتكاب الجريمة فإنهم لا يسألون عن نتيجة تلك الدعوى لا مدنيًا ولا جنائيًا ولو حكم ببراءة المتهم لأنهم يستعملون حقًا مخولاً لهم بمقتضى النظام، وترك لهم سلطة التقديم في ذلك ماداموا حسني النية فلا مسؤولية عليهم حتى لو ظهر أنهم أخطأوا في التقدير.
ولكن انعدام المسؤولية ليس مطلقًا إذ يجب أن يكون عضو الهيئة حسن النية في تصرفه، أما إذا كان سيء النية بأن أساء استعمال سلطة وظيفته أو اتخذ ضد المتهم إجراءات غير نظامية كما لو استعمل القسوة معه أو عرضه للتعذيب، أو اتهمه لأغراض شخصية أو رشوة، أو حبسه دون حق فإنه يمكن محاكمته جنائيًا فضلاً عن التعويض عما لحقه من أضرار.
وقد نص نظام الإجراءات الجزائية في الأحكام العامة الواردة في الباب الأول منه في المادة الثانية على أنه “لا يجوز القبض على إي إنسان أو تفتيشه أو توقيفه أو سجنه إلا في الأحوال المنصوص عليها نظامًا، ولا يكون التوقيف أو السجن إلا في الأماكن المخصصة لكل منهما وللمدة المحددة من السلطة المختصة. ويحظر إيذاء المقبوض عليه جسديًا أو معنويًا، كما يحظر تعريضه للتعذيب أو المعاملة المهنية للكرامة”.
وحتى لو كان عضو الهيئة حسن النية فإنه لا يعفى إلا من خطأ العادي كتفسير نص مثلاً، أما إذا كان الخطأ فاحشًا فالمتفق عليه أن ذلك لا يعفيه من المسؤولية. ولمن أصابه ضرر الحق في التعويض وتكون المطالبة بالتعويض في حالة رفع الدعوى الجزائية على العضو بالتدخل في الدعوى عن طريق الادعاء بالحق الخاص أمام المحكمة الجزائية( ).
عدم مسئولية أعضاء النيابة العامة في الدول العربية:
أعضاء النيابة غير المسؤولين عما يسببونه للأفراد من أضرار في مباشرتهم لإعمالهم في النيابة العامة، حتى ولو حكم بعد ذلك بالبراءة. فلهم أن يحركوا الدعوى الجنائية ضد المتهم ولهم أن يأمروا بحبس احتياطا في الحدود المسموح بها قانونًا وطبقًا للأوضاع المقررة. ولهم أن يطالبوا القضاء بتوقيع العقوبات على المتهمين. ولا مسئولية عليهم فيما يعرضون به بالمتهمين أو الشهود حتى ولو ثبت عدم صحة الادعاء، وهذا المبدأ نابع من المصلحة العامة التي تقضي بتشجيعهم على أداء أعمالهم دون خشية المسئولية إذ لو تقررت مسئوليتهم الجنائية أو التأديبية أو المدنية، فأنهم سوف يحجمون عن مباشرة أعمالهم خشية المسئولية وفي هذا أبلغ الضرر بالمجتمع. ومن الناحية القانونية هم يستعملون سلطة وظائفهم ويؤدون واجبا فعملهم مباح (المادتان 60، 63 عقوبات) على أنه يشترط لعدم المسئولية عضو النيابة ثبوت حسن نيته وإلا أصبح محلا للمسئولية( ).
في لبنان:
مبدأ عدم مسؤولية النيابة ا لعامة لا يمكن أخذه على إطلاقه – إذ أن ذلك لا يمنع:
1- أن يكون قاضي النيابة العامة معرضًا للشكوى من قبل الحكام إذا لم يراع الأصول المعينة لمذكرات الجلب والإحضار والتوقيف.
2- كما أنه يمكن مداعاة الدولة بشأن المسؤولية الناجمة عن أعمال القضاة العدليين – ومنهم النيابة الناجمة عن أعمال القضاة العدليين – ومنهم النيابة العامة – في الحالات التالية:
– الاستنكاف عن إحقاق الحق.
– الخداع أو الغش.
– الرشوة.
– الخطأ الجسيم الذي يفترض أن لا يقع فيه قاضٍ يهتم بواجباته الاهتمام العادي.
(مادة /741/ قانون أصول محاكمات المدنية الجديدة) وهذا ما يعبر عنه بأن الخطأ الجسيم يعادل سوء النية.
3- كما يمكن أن يُسأل قضاة النيابة العامة – جزائيًا – في حال ارتكابهم لجريمة – سواء أكانت ناشئة عن وظائفهم أو بمناسبتها أو خارجة عنها – وذلك تطبيقًا لأحكام المواد /344 – 345/ أصول المحاكمات جزائية الجديد.

المبحث الخامس
عدم جواز رد أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام
في المملكة العربية السعودية:
ينص نظام المرافعات الشرعية (م21 في 20/5/1412هـ) على جواز رد القضاة في المواد 92 وما بعدها وبين الأحوال التي يجوز فيها الرد والإجراءات التي تتبع وذلك في الباب الثامن المعقود بعنوان “تنحي القضاة وردهم عن الحكم”.
وعلى ذلك كان ذلك مقصورًا على القضاة ولا يسري على أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام إذ لا يجوز ردهم.
ويرد عدم جواز رد أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام إلى أن الهيئة خصم للمتهم والخصم لا يجوز رده. وهذه القاعدة محل نقد إذ المصلحة تقضي بإجازة رد عضو الهيئة لأنه قد يكون ذا غرض خاص في القضية لعلاقة قرابة أو صداقة أو مصلحة فيخشى مع ذلك ضياع الحقيقة، كما أنه يمكن نقد الأساس الذي تقوم عليه وهو أن الهيئة خصم والخصم لا يجوز رده إذ أن طالب الرد في الواقع لا يريد رد الهيئة ذاتها وإنما يريد رد ممثلها وأن يستبدل به آخر من أعضائها( ).
مدى جواز رد أعضاء النيابة العامة في الدول العربية:
اختلف الفقه في شأن جواز رد أعضاء النيابة العامة من عدمه فيرى البعض أنه لا يجوز رد أعضاء النيابة العامة حيث أنها خصم ولا يجوز رد الخصوم، كما أن رأيها لا يلزم القضاء ويخضع لتقدير القاضي.
وهذا الرأي منتقد حيث لا يمكن القول بعدم جواز رد النيابة لأنها خصم ولا يجوز رد الخصوم حيث أن النيابة العامة تقوم بالاتهام والتحقيق ومن أعمال التحقيق ما يعد بمثابة حكم في الدعوى كالأمر بالأوجه لإقامة الدعوى العمومية، كما أن الرد لن يتعلق بالنيابة كسلطة اتهام ولكنه يتعلق بعضو النيابة الذي يشك في حيدته ونزاهته.
ومع ذلك فقد كان الغلبة للاتجاه الأول حيث نصت المادة 207 من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي على أنه “للخصوم رد القضاة عن الحكم في الحالات الواردة في المادة السابقة، وفي سائر حالات الرد المبينة في قانون الإجراءات أمام المحاكم المدنية. ولا يجوز رد أعضاء النيابة العامة ولا مأموري الضبط القضائي”( ).
وفي الأردن:
يجوز رد أعضاء النيابة العامة في الأردن إذا توفرت حالة من حالات الرد التي ينص عليها القانون في الأحوال الآتية:
1- أن يكون له منفعة تتعلق رأسًا بنفس الدعوى أو بسببها.
2- أن يكون من أصول أو فروع أحد الخصمين أو بينه وبين أحدهما قرابة أو مصاهرة من الدرجة الثانية أو الثالثة.
3- أن يكون بينه وبين أحد الخصمين عداوة.
4- أن يكون له والدعوى قائمة أمامه دعوى مع أحد الخصمين.
5- إذا سبق أن أبدى رأيه في الدعوى بصفته قاضيا، أو ممثلا للنيابة، أو محكمًا، أو وكيلاً.
وهذا ما ننصت عليه المادة 121 من قانون أصول المحاكمات الحقوقية الأردني. وهي الحالات تستهدف المحافظة على إبعاد عضو النيابة العامة عن المؤثرات الشخصية والمصلحية( ).
وفي لبنان:
مسألة عدم جواز الرد فإن قانون أصول المحاكمات الجزائية لم يأت على ذكر أي نص فيما يتعلق بمسألة عدم رد قضاة النيابة العامة.
والسند القانوني الوحيد فيما يختص بهذا الموضوع هو قانون أصولا لمحاكمات المدنية الجديد الذي نص في المادة /128/ منه على أن تطبق أحكام الرد والتنحي على قضاة النيابة العامة، على أن يكون للمحكمة – التي يكون عضو النيابة العامة تابعًا لها بحسب التسلسل القضائي – أن تنظر في طلب الرد.
ومن البديهي القول أن هذه الأحكام تطبق في القضايا المدنية – في حال كان النائب العام خصمًا إضافيًا.
أما إذا كان النائب العام خصمًا أصليًا في دعوى الحق الشخصي المقامة أمام القضاء المدني، أو كان يمارس صلاحياته وفقًا لما جاء في قانون أصول المحاكمات الجزائية – بحيث يكون خصمًا أصليًا في الدعوى العامة المنوطة به أساسًا فهنا لا يجوز للخصم (أي المدعي عليه في الدعوى) أن يرد خصمه (أي النيابة العامة) بل عليه أن يقدم البراهين على صحة إدعاءاته.
كما أجازات التشريعات العربية مخاصمة أعضاء النيابة العامة شأنهم في ذلك شأن القضاة في حالات خاصة باستثناء التشريع الأردني، الذي لم يتضمن أي نص يقرر هذه المسئولية.
وتشمل حالات المخاصمة؛ الغش، والتدليس، والغدر، والخطأ المهني الجسيم. فإذا ارتكب أحد أعضاء النيابة العامة في أثناء أداء وظيفته فعلاً ينطبق وإحدى هذه الحالات، فإنه لا تجوز مخاصمته، وفق القواعد والأصول التي نصت عليها هذه التشريعات( ).

المبحث السادس
حصانة أعضاء الهيئة والنيابة العامة
في المملكة العربية السعودية:
تنص المادة 19 من نظام الهيئة سنة 1409م وهي مقابلة للمادتين (84 من نظام القضاء سنة 1395) (م41 من نظام ديوان المظالم لسنة 1402 على أنه “في حالة التلبس بالجريمة يجب عند القبض على عضو الهيئة وحبسه أن يرفع الأمر إلى لجنة إدارة الهيئة في مدة الأربع والعشرين ساعة التالية، وللجنة أن تقرر استمرار الحبس أو الإفراج بكفالة أو بغير كفالة، ولعضو الهيئة أن يطلب سماع أقواله أمام اللجنة عند عرض الأمر عليها، وتحدد اللجنة مدة الحبس في القرار الذي يصدر في الحبس أو باستمراره، وتراعي الإجراءات السالفة الذكر كلما رؤي استمرار الحبس الاحتياطي بعد انقضاء المدة التي قررتها اللجنة، وفيما عدا ما ذكر لا يجوز القبض على عضو الهيئة أو اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق معه، أو رفع الدعوى الجزائية عليه إلا بإذن من اللجنة المذكورة. ويتم حبس أعضاء الهيئة، وتنفيذ العقوبات للحرية عليهم في أماكن مستقلة”( ).
مدى حصانة النيابة العامة في الدول العربية:
في مصر:
تنص المادة 67 في أن رجال القضاء والنيابة العامة – عدا معاوني النيابة – غير قابلين للعزل.
وأنه في غير حالة التلبس لا يجوز القبض على القضاة وأعضاء النيابة وحبسهم احتياطًا إلا بعد حصول على إذن من المجلس الأعلى القضائيز
وفي ذلك في حالة التلبس يجب على النائب العام عرض الأمر على المجلس في خلال 24 ساعة التالية، ويقرر المجلس حبسه أو إفراج عنه بكفالة أو دون كفالة ويحبس في أماكن خاصة كما هو الحال في النظام السعودي (راجع المادة 96- 97 مع المادة 103).
ونصت المادة 68 من قانون السلطة القضائية في دولة الإمارات العربية المتحدة بأن أعضاء النيابة العامة غير قابلين للعزل ولا تنتهي خدمتهم إلا لأحد الأسباب المحددة في المادة رقم 31 من القانون ووفق قواعدها وبذلك تكون حصانة عدم القابلية للعزل قد أظلت بجناحيها رجال النيابة جميعا على اختلاف درجاتها لا يخرج من تحت هذه المظلة سوى مساعدي النيابة التي نصت المادة (58) من قانون السلطة القضائية في فقرتها السادسة على أن تكون تعينهم لمدة سنة تحت الاختبار وهو أم لا ينال من مبدأ عدم القابلية للعزل إذ أن مساعدي النيابة في مقتبل حياتهم القضائية ولابد من التأكد من صلاحيتهم قبل أن تشملهم عدم القابلية للعزل، ومدة سنة كافية للتأكد من جدارتهم لتولي منصب القضاء وهي في ذات الوقت ليست بالمدة الطويلة التي يحرمون فيها من هذه الضمانة( ).
لا يختلف الوضع في مصر عما هو في المملكة العربية السعودية غير أنه يسند الأمر في الأردن إلى مجلس الأعلى

الفصل الثالث
وظيفة الهيئة والنيابة العامة ودورهما في مراحل الدعوى الجنائية
يقسم هذا الفصل إلى ستة مباحث كالتالي:
المبحث الأول: سلطة الهيئة والنيابة العامة وواجباتهما في الدعوة الجزائية.
المبحث الثاني: وظيفة الهيئة والنيابة العامة في مرحلة جمع الاستدلالات.
المبحث الثالث: وظيفة الهيئة والنيابة العامة في مرحلة التحقيق.
المبحث الرابع: وظيفة الهيئة والنيابة العامة في مرحلة الادعاء وتحريك الدعوى الجزائية.
المبحث الخامس: وظيفة الهيئة والنيابة العامة في الاعتراض على الأحكام.
المبحث السادس: علاقة الهيئة والنيابة العامة بالسجون ودور التوقيف وتنفيذ الأحكام.

المبحث الأول
سلطة الهيئة والنيابة العامة وواجباتها في الدعوى الجزائية
المطلب الأول: سلطة الهيئة والنيابة العامة في الدعوى:
يتنازع نظامان في سلطة النيابة العامة في إقامة الدعوى العامة: أحدهما النظام القانوني أو الإلزامي، والآخر النظام التقديري أو نظام الملاءمة.
ففي النظام الأول تلتزم النيابة العامة بإحالة ما يتصل بها العلم بالجريمة أيًا كانت درجة جسامة تلك الجريمة أو قوة أدلتها أو الظروف والملابسات التي سبقت أو عاصرت أو تلت ارتكابها. ويتميز هذا النظام بتحقيقه العدالة الجنائية على نحو أفضل؛ لأنه يحقق المساواة بين جميع المدعى عليهم دون أيه شبه لتمييز أو تميز أو تدخل لمصلحة أحدهم، ويرسخ فكرة الردع العام أو التهديد الذي يجب أن يكون للقاعدة الجنائية.
ولكن يؤخذ عليه أن يؤدي إلى عرقلة العدالة الجنائية من حيث كثرة عدد القضايا التي تعرض على المحاكم وتكدسها وما ينجم عنه من إرهاق للقضاة، فضلاً عن أنه يفسح المجال للدعاوى الكيدية من أصحاب النفوس الضعيفة ضد أبرياء أو الدعاوى ضد أشخاص قد تكون درجة خطورتهم الإجرامية ضعيفة جدًّا، وقد يكون في رفعها عليهم تحقيق ضرر بهم وبالمجتمع يفوق بكثير ما يعود عليهم وعلى المجتمع من محاكمتهم.
ولتفادي مساوئ هذا النظام لجأت التشريعات التي تأخذ به إلى تعليق تحريك الدعوى الجنائية في بعض الأحوال على شكوى أو إذن أو طلب( ).
أما النظام الثاني: وهو نظام الملاءمة أو النظام التقديري، ففيه تتمتع النيابة العامة بسلطة تقديرية واسعة في إقامة الدعوى أو عدم إقامتها فلا تجبر على إقامتها كما في النظام السابق، وإنما تبحث مدى ملاءمة تحريك أو رفع الدعوى حين ترى أن في ذلك تحقيق مصلحة المجتمع أو العكس من ذلك عدم رفعها أو تحريكها وحفظ الأوراق حين يحقق ذلك مصلحة المجتمع أيضًا.
ويتميز هذا النظام بأنه يمنح النيابة المرونة في تقدير ملائمة الدعوى أو عدم إقامتها بما يحقق مصلحة أفضل للمجتمع، ويتفادى تكدس القضايا أمام قضاء الحكم إلا أنه يؤخذ عليه إمكانية عدم تحقق المساواة بين الأفراد لما قد يؤدي إليه هذا النظام من تحكم النيابة العامة وإهدار تلك المساواة حين يتسرب الشك إلى نفوس الأفراد في حياة النيابة العامة وعدم تحيزها، وفي سبيل تفادي مساوئ هذا النظام لجأت التشريعات التي تأخذ به إلى السماح للمجني عليه أن يحرك، أو يرفع دعوى الحق العام مباشرة دون انتظار قيام النيابة العامة بذلك أو عند تقاعسها أو إهمالها( ).
مدى أخذ المنظم السعودي بنظام الملائمة أو النظام التقديري:
لا يتضمن نظام الإجراءات الجزائية نصًّا صريحًا يقرر بصورة مباشرة انحياز المنظم السعودي لأي من النظامين السابقين. ومع ذلك توجد هناك نصوص يمكن أن يستخلص منها سلطة هيئة التحقيق والادعاء العام في إقامة دعوى الحق العام أو حفظ الأوراق، وهذه النصوص تضمنتها المادتين (62، 63)، من نظام الإجراءات الجزائية، وكذلك المواد (16/ ج53، 54) من اللائحة التنظيمية لنظام هيئة التحقيق والادعاء العام.
تتضمن المادة (62) من نظام الإجراءات الجزائية على أن “للمحقق إذا رأى أن لا وجه للسير في الدعوى أن يوصي بحفظ الأوراق، ولرئيس الدائرة التي يتبعها المحقق الأمر بحفظها” وتنص المادة (63) على أنه “إذا صدر أمر بالحفظ ووجب على المحقق أن يبلغه إلى المجني عليه…” ونجد أن المادة (16) فقرة (ج) من اللائحة التنظيمية لنظام هيئة التحقيق والادعاء العام نصت على “أن يأمر بحفظ الأوراق إداريًا وقيد موضوعها في السجل المعد لذلك”.
وبالنظر إلى نصوص المواد السابقة يعتقد الباحث أن المنظم السعودي يذهب إلى الرأي الذي يأخذ النظام التقديري أو نظام الملائم في إقامة الحق العام، وهناك حجة أخرى مستمدة من المنطق القانوني يؤيد هذا الرأي مقتضاها عدم إجبار صاحب الحق في اقتضاء حقه، ولما كانت النيابة العامة (هيئة التحقيق) تمثل المجتمع في ملاحقة مرتكب الجريمة لاقتضاء حقه في العقاب منه، فإنه لا يتصور عقلاً وبلا قانونًا أن يجبر صاحب الحق أو ممثله على اقتضاء حقه وإنما يترك له تقدير ذلك فلربما يكون في توقيع العقاب على الجاني نعرض المجتمع لضرر أكبر يفوق ضرر الجريمة( ).
ومن ثم لا يكون من الملائم إجبار النيابة العامة على الادعاء وإقامة الدعوى العامة بالنسبة لكل جريمة تعلم بها إلا إذا ورد نص صريح يحرمها من سلطتها التقديرية ولا يوجد مثل هذا النص( ).
ولكي يحقق المنظم السعودي هذا التوازن في استخدام سلطة الهيئة في إقامة دعوى الحق أو حفظ الأوراق استنادًا إلى سلطتها التقديرية في هذا الشأن منح المجني عليه الحق في إقامة دعوى الحق العام في جميع الجرائم إذا ما تراخت الهيئة عن إقامتها( )، ولو كانت الهيئة ملزمة دائمًا بإقامة تلك الدعوى ما منح المنظم المجني عليه ذلك الحق. وللأسباب المتقدمة يتأكد لنا إلى أن المنظم بأخذ بالنظام التقديري أو نظام الملائمة في إقامة دعوى الحق العام الذي يتفق مع ما قصده المنظم.
ومما تقدم يتضح لنا بجلاء أن للنيابة العامة (هيئة التحقيق) في تحريك الدعوى ومباشرتها أمام القضاء، فهي ممثلة الدولة (بوصفها شخصًا معنويًا عامًا) في اقتضاء حق العقاب، وهي الشخص الذي يحتكر وظيفة الادعاء أو الاتهام توصلاً إلى اقتضاء هذا الحق. وهي المقولة على الدعوى في مرحلة الضبط والاستقصاء والتحري بحثًا عن الأدلة والجناة ولذا تتلقى الإخبارات والشكاوى وهي تقوم بالتحقيق في حالات الجرم المشهود أو في حالة صدور أمر إنابة أو انتداب وهي تمارس الدعوى أو تباشرها أمام القضاء فتقدم الطلبات وتثير الدفوع وتراجع الأحكام وهي السلطة التي تبادر إلى تنفيذ الأحكام في الدعوى العمومية أو تطالب بتنفيذها.
فوظيفة النيابة العامة تصاحب الدعوى منذ وقوع الجريمة حتى اقتضاء العقاب، وهي التي “تحتكر” هذه الوظيفة ويمدها القانون مجموعة من السلطات والاختصاصات من أجل رفع الدعوى ومباشرتها( ) فهذه هي سلطات واختصاصات النيابة في الدعوى الجنائية باعتبارها وكيل الهيئة الاجتماعية، أو نائبة عن المجتمع في تحريك الدعوى الجنائية واستعمالها ولذلك نقول المحكمة النقض المصرية” من المقرر أن الدعوى الجنائية ليست ملكًا للنيابة العامة، بل هي من حق الهيئة الاجتماعية، وليست النيابة إلا وكيلة عنها في استعمالها( ).
المطلب الثاني: واجب الهيئة والنيابة العامة في الدعوى الجزائية:
الدعوى الجنائية ليست ملكًا للنيابة العامة وإنما هي للمجتمع دون سواه، وليس للنيابة العامة إلا إقامة الدعوى الجنائية ومباشرتها نيابة عن المجتمع، للدفاع عنه، ولقد عبر المؤتمر الدولي التاسع لقانون العقوبات في لاهاي عام 1964م عن دور النيابة العامة فقرر بأن “الوظيفة التي تقوم بها النيابة العامة تنطوي على مسئولية اجتماعية كبيرة، وهي حماية النظام الاجتماعي والقانوني الذي أخل به ارتكاب الواقعة الإجرامية ويجب عليها أن تباشر واجبها في موضوعية وحيدة مع مراعاة حقوق الإنسان، كما يجب عليها أثناء ممارسة وظائفها أن تستهدف إعادة تهذيب المجرم “ولقد عبر البعض عن وظيفة النيابة العامة بأنها أداة للسياسة القانونية في أفضل معانيها وأبلغ صور التعبير عنها، وذلك بوصفها جهاز يهدف إلى تحقيق غاية معينة هي خدمة السياسة القانونية في المدى الطويل، وهو ما لا يمكن تحقيقه بمجرد تطبيق القانون في كل مناسبة معينة بل عن طريق مباشرة الدعوى الجنائية وفقًا لخطة معنية تهدف إلى تحقيق الصالح العام فإذا كان دور المحكمة ينتهي بمجرد تطبيق القانون، فإن دور النيابة العامة لا يقتصر على ذلك وإنما عليها مهمة أكثر بعدًا وهي مكافحة الجريمة واستقرار النظام( ) والدولة فقط باعتبارها ممثلة المجتمع صاحب الحق والمدعي الحقيقي في الدعوى الجنائية يجوز لها أن تتنازل عنها، وذلك يتخذ إحدى الصورتين إما العفو الشامل، أو تنظيم مدد التقادم بمقتضى النظام.
أن قيام النيابة العامة بوظيفتها كطرف في الدعوى الجنائية يتم من خلال دورها كخصم إجرائي في هذه الدعوى.
ويترتب على إسباغ هذه الصفة عليها ضرورة العمل على تحقيق قدر من الموازنة بين سلطات النيابة العامة في الاتهام من جهة وبين حقوق المتهم من جهة أخرى( ). فمنذ لحظة وقوع الجريمة تتعارض مصلحتان، مصلحة الأفراد في حماية حقوقهم الأساسية في الحياة الخاصة، وأسرارهم، وحرمة مساكنهم وممتلكاتهم، وحريتهم الشخصية في التنقل وسلامة أشخاصهم ضد أي تعذيب أو إيذاء بدني أو نفسي أو معاملة غير إنسانية، ومصلحة المجتمع في كفالة حقه في عقاب من يرتكب من هؤلاء الأفراد جريمة. والتوفيق بين هاتين المصلحتين له تأثير كبير على قبول أو عدم قبول أدلة الإثبات المختلفة وقوتها التدليلية، لذلك كانت هناك معادلة صعبة للتوفيق بين الحقين حق الإنسان وحق المجتمع، وعلى ذلك نجد أن سبق قانون الإجراءات الجنائية وضع لكفالة حماية البريء وعقاب المذنب في سبيل حماية الإنسان كأساس للمجتمع وليس الوصول إلى العقاب فقط( ).
إن دور النيابة العامة في الدعوى الجنائية لا يهدف إلى تحقيق أدنى مصلحة شخصية وإنما يهدف إلى تحقيق الدفاع الاجتماعي وحماية القانون والشرعية وحسن سيرة العدالة( ).
وهذا الهدف التي يسعى إليه هيئة التحقيق والإدعاء العام إذ من المعلوم أن هذه الهيئة يأتي إنشائها من أجل تحقيق العدل في المملكة العربية السعودية بطريقة أفضل، وإدراكًا لأهمية الجوانب الجنائية وما ينبغي اتخاذه فيها من إجراءات تضمن إعطاء كل ذي حق حقه( ). ولذا كان في إنشاء الهيئة ضمان كاف للمتهم ضمان كاف للمتهم ضمن أجهزة العدالة الجنائية لحيدتها وأخذها بالدلائل والأدلة والبراهين وأيضًا لتوفر عناصر الخبرة المتخصصة بها والتي تعمل بمبدأ أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته( ).
وظيفة الهيئة في مرحلة جمع الاستدلالات:
متى وقعت جريمة، فإن هناك إجراءات معينة تتخذ قبل رفع الدعوى الجنائية الناشئة عنها والهدف من هذه الإجراءات هو الكشف عن مرتكبي الجريمة وتحقيقها، وتمر هذه الإجراءات بمرحلتين: المرحلة الأولى: تعرف مرحلة الاستدلال، وفيها تتخذ إجراءات البحث والتحري توصلاً إلى الكشف عن الجريمة أو إثبات وقوعها إذا كان قد اكتشف أمرها ونسبتها إلى مرتكبها وهذه الإجراءات بطبيعتها لا تعتبر من إجراءات الدعوى الجنائية وإنما سابقة عليها ولازمة لها( ).
ويباشر هذه الإجراءات المكونة لمرحلة الاستدلال موظفون عامون يطلق عليهم في نظام الإجراءات الجزائية السعودي مأموري الضبط الجنائي وتثبت هذه الإجراءات في محضر يطلق عليه محضر جمع الاستدلالات يرسل إلى هيئة التحقيق والادعاء العام للتصرف فيه، إما بعدم رفع الدعوى الجنائية فتصدر أمر بحفظ الأوراق، وإما رفع الدعوى الجنائية ومباشرة التحقيق وهنا نبدأ.
المرحلة الثانية: وهي مرحلة التحقيق الابتدائي.
ولقد درجت معظم الدول على إطلاق تسمية رجال الضبط القضائي على بعض رجال الشرطة، أو قوى الأمن الداخلي الذين أنيط بهم مباشرة بعض الجريمة بعد وقوعها بالفعل، والبحث عن فاعليها، فهم مكلفون باستقصاء الجرائم وجمع أدلتها، وعليه فقد أطلق عليهم الفقهاء (يراد بها القانون)، ورجال القضاء شرطة العقاب أو شرطة الجزاء وتمييزًا لهم عن رجال الضبط الإداري ودورهم في منع الجريمة قبل وقوعها، والإجراءات التي يمارسها رجال الضبط القضائي تعد مهمة للدعوى الجنائية الذي يقوم رجل النيابة، أو قاضي التحقيق، أو عضو هيئة التحقيق والادعاء العام في المملكة، ولقد أطلق المنظم السعودي في نظام الإجراءات الجزائية التنظيمية لنظام هيئة التحقيق والادعاء العام على هؤلاء رجال الضبط الجنائي وجعل لهم اختصاصات لا تختلف عما جرى في بعض الدول الأخرى. بالنسبة للضابطة القضائية كما هو الحال في مصر، أو العدلية كما تسمى في بعض العربية كسوريا ولبنان وفرنسا وغيرها( ).
التصرف في محضر الاستدلالات:
تختص هيئة التحقيق والادعاء العام وحدها بالتصرف في الاستدلالات التي جمعت من رجال الضبط الجنائي، وذلك بأن تأمر برفع الدعوى، أو بحفظ الأوراق أو أن يقوم بالتحقيق في القضية بنفسه أو يأمر رجل الضبط الجنائي باستيفاء بعض الأمور، وذلك على النحو الآتي:
أولا: رفع الدعوى:
لما كن الأصل في المحاكمات الجنائية أن يحصل التحقيق فيها أمام المحكمة، لذلك تجبر كثير من القوانين رفع الدعوى الجنائية في بعض الجرائم مباشرة دون تحقيق، فالتحقيق الابتدائي ليس بشرط لازم لصحة المحاكمة إلا في الجرائم الكبيرة، ولذلك يجوز رفع الدعوى إلى المحكمة المختصة بناء على الاستدلالات( ).
ولذلك نجد أن المادة (16/2/أ) نصت أن على المحقق فور ورود محضر جمع الاستدلالات من رجل الضبط الجنائي أن يتخذ أحد الإجراءات وذكرت، منها “أن يحرك الدعوى بناءً على هذا المحضر بإحالة الأوراق إلى المدعي العام لرفعها إلى الجهة القضائية المختصة” ويقابل هذه المادة (63/1) من قانون الإجراءات المصري حيث نصت على أنه “إذا رأت النيابة العامة في مواد المخالفات والجنح أن الدعوى صالحة لرفعها بناءً على الاستدلالات التي جمعت تكلف المتهم بالحضور مباشرة أمام المحكمة المختصة”.
فتقدير كفاية الاستدلالات التي جمعت لرفع الدعوى الجنائية في الجرائم البسيطة من سلطة المحقق، معياره في ذلك أن يترجح لديه إدانة المتهم، ولكن على الهيئة قبل رفع الدعوى إلى المدعي العام إعطاء الواقعة القيد اللازم لها، وبيان الوصف النظامي أو الشرعي لها، والمواد النظامية التي يجب تطبيقها على الواقعة: أي بيان ما يفيد توافر أركانها المطلوبة أو الشرع وبيان اسم المتهم والمجني عليه ومكان وتاريخ الواقعة( ).
ويقوم المدعي العام بمباشرة الدعوى الجنائية بالاستناد إلى الاستدلالات والتحقيقات الأولية التي قام بها رجل الضبط الجنائي.
ثانيًا: حفظ الورق:
من الإجراءات التي يتخذها المحقق بعد ورود محضر الاستدلال إليه ما نصت عليه المادة (16/2/ب) “أن يحفظ الأوراق إداريًا دون تحقيق إذا ترجح لديه عدم وقوع جرم ما” ويقابل هذه المادة في المادة (69) من قانون الإجراءات الجنائية المصري حيث تنص على أنه “إذا رأت النيابة العامة أن لا محل للسير في الدعوى تأمر بحفظ الأوراق”.
وحفظ الأوراق (إدارية): هو إجراء إداري تصدره هيئة التحقيق والادعاء العام بناء على محضر الاستدلال ويترتب عليه عدول الهيئة عن توجيه الاتهام ورفع الدعوى العامة، لعدم صلاحيتها للسير فيها( ).
ويجوز لها أن تعدل عن هذا القرارات في أي وقت وبلا قيد أو شرط فهو إجراء إداري وليس قضائيًا وهو يصدر من هيئة التحقيق بوصفها سلطة جمع الاستدلالات وليس بوصفها سلطة تحقيق، ولذلك فهو يصدر قبل مباشرة أي إجراء من إجراءات التحقيق في الدعوى، وأسباب الحفظ قد تكون نظامية أو موضوعية، ومن الأسباب النظامية كون الفعل غير معاقب عليه، أو وجود سبب من أسباب الإباحة مثل الدفاع الشرعي، أو استعمال الحق، أو قيام الآخرين بإكراهه على ارتكاب الفعل المحظور، ومن الأسباب الموضوعية عدم كفاية الأدلة، وعدم معرفة الفاعل، أو الحفظ لعدم الأهمية( ) وهو الأكثر استعمالاً. وقد ورد في مشروع اللائحة التنفيذية “المقترحة” لنظام الإجراءات الجزائية أحوال الأمر بحفظ الأوراق حيث نصت الفقرة 62/1 على ما يلي: (للمحقق أن يوصي بحفظ الأوراق في الأحوال التالية:
أ- إذا لم تصح نسبة الوقائع إلى المتهم.
ب- إذا وجد مانع مسؤولية، أو عذر يعفي من العقاب.
ج- غذا انقضت الدعوى الجزائية العامة أو الخاصة بإحدى الأحوال المذكورة في المادتين (22، 23) من هذا النظام.
د- إذا كان الضرر الناتج عن الجريمة طفيفًا.
هـ- إذا كانت الملاحقة القضائية تولد مفسدة تفوق بضررها ما يمكن أن تحققه من نتائج وكان هذا الضرر أشد من ضرر الجريمة.
و- إذا كان من شأن السير في الدعوى استفحال الحظر أو زيادة العداوة أو الخصومات.
ز- إذا كانت الدعوى مقامة من جهة حكومية على أحد منسوبيها ورأت أن لا مصلحة من ملاحقته جنائيًا.
ح- إذا كان الفعل الجرمي ناتجًا عن إهمال الأبوين أو الأبناء، ولم يتأذ أحد غير أفراد الأسرة.
ط- وقوع تجاوز يمكن تسويغه في مباشرة حق الولاية أو التعليم أو واجبات الوظيفة.
ي- التخالص في الجرائم المالية في غير جرائم الحدود.
ك- سحب المضرور دعواه التي لا تحرك الدعوى العامة فيها إلا بناء على شكواه.
وفي مصر:
إذا تبين لعضو النيابة بعد جمع الاستدلالات واستجلاء جميع وقائع الدعوى واستكمال كل نقص فيها أن الاستدلالات قبل المتهم منتقية بصفة قاطعة، أو أن احتمالات الإدانة لا تتوافر بنسبة معقولة، تعين عليه إصدار الأمر بحفظ الأوراق ولا يجوز لعضو النيابة أن يركن إلى تفصيل تقديم المتهم للمحاكمة في هذه الأحوال ليقضى ببراءته بمعرفتها، لخطورة موقف المحاكمة في حد ذاته، وما يتسم به من علانية وما يتكلفه المتهم من مال ووقت وجهد ومن مساس بسمعته بين أهله ومواطنيه (مادة 803 من التعليمات العامة للنيابات).
ويجب أن يشتمل أمر الحفظ على بيان الواقعة ومناقشة كل الاستدلالات التي اشتملت عليها الأوراق، والأسباب التي يستند عليها عضو النيابة الآمر به، وذلك على نحو ينبئ عن أنه أحاط بالدعوى وبكافة عناصرها عن بصير وبصير (مادة 804 من التعليمات العامة للنيابات).
ويجب على المحقق والمدعي العام إعلام المجني عليه والمدعي بالحق الخاص حيث نصت المادة (63) من نظام الإجراءات الجزائية على أنه “إذا صدر أمر بالحفظ وجب على المحقق أن يبلغه إلى المجني عليه وإلى المدعي بالحق الخاص، فإذا توفي أحدهما كان التبليغ لورثته جملة في محل إقامته”.
يقابل هذه المادة (62) من قانون الإجراءات الجزائية المصري التي تنص على أنه “إذا أصدرت النيابة العامة أمر بالحفظ وجب عليها أن تعلنه إلى المجني عليه، وإلى المدعي بالحقوق المدنية، فإذا توفي أحدهما كان الإعلان لورثته جملة في محل إقامتهم.
وليس من الضروري إعلان كل منهم على حدة، بل يصبح إعلانهم جملة في محل إقامة مورثهم، سواء كانوا مقيمين فيه فعلاً أو كانوا مقيمين في محل غيره، ولم يشترط النظام أن يكون الإعلان بطريقة معينة، فيصبح أن يتم على يد محضر أو بواسطة رجال السلطة العامة وعن طريق البريد كذلك، ولم يوجب النظام إجراء الإعلان خلال أجل محدد، فيصبح في أي وقت بل إنه لم يرتب جزاء على الإخلال بواجب الإعلان ذاته، ولما كان النظام لم يرتب آثار نظامية على إعلان أمر الحفظ فإن هذا الإعلان يعتبر إجراء غير جوهري ومن ثم لا يترتب على إغفاله بطلان أمر الحفظ، ولهذا السبب فإن هذا العلم يجري رغم وجود النص على عدم إعلان أمر الحفظ( ).
ثالثًا: أن يقوم بالتحقيق في القضية بنفسه أو يندب أحد رجال الضبط الجنائي:
فمن الإجراءات التي يتخذها المحقق بعد ورود محضر الاستدلالات من رجل الضبط الجنائي ما نصت عليه المادة (16/2/ج) من “أن يقوم بالتحقيق في القضية بنفسه أو يندب أحد رجال الضبط الجنائي للقيام به أو القيام بأي عمل من أعمال التحقيق ثم يتابعه بنفسه”.
فمباشرة المحقق التحقيق بنفسه أو يندب أحد رجاله الضبط الجنائي أمر تحدده الواقعة الإجرامية ومدى جسامتها وأهميتها، مع الإشارة إلى أن المادة أشارت إلى أن المحقق إذا ندب أحد رجال الضبط بأي عمل من أعمال التحقيق أوصت إليه أن يتابع التحقيق بنفسه ويتخذ ما يراه.
رابعًا: من الإجراءات أيضًا التي يتخذها المحقق بعد ورود محضر الاستدلالات:
ما نصت المادة (16/2/د) من أن يأمر الضبط الجنائي باستيفاء بعض الأمور الواردة في محضر الاستدلالات إذا لم ير داعيًا للتحقيق أو الحفظ إداريًا.
فهذه الإجراءات الأربع لابد للمحقق أن يتخذ واحدًا من تلك الإجراءات حسب ما توصل إليه بعد ورود محاضر الاستدلالات إليه.

المبحث الثالث
وظيفة الهيئة والنيابة العامة في مرحلة التحقيق
تمهيد وتقسيم:
نجد أن إجراءات جمع الأدلة تعد هي التحقيق بمعناه الضيق حيث يهدف إلى البحث عن الحقيقة بشأن ثبوت التهمة على المتهم من عدمه وإجراءات جمع الأدلة التي أوردها نظام الإجراءات الجزائية هي ندب الخبراء، والانتقال، والمعاينة، والتفتيش، وضبط الأشياء المتعلقة بالجريمة والتصرف فيها، وسماع الشهود، والاستجواب والمواجهة وهذه الإجراءات لم ترد على سبيل الحصر فلم يلزم المنظم السعودي المحقق بها بل للمحقق أن يستعين بأية وسيلة عملية مشروعة تفيد في الإثبات ولا تنال من حريات الأفراد ولا حرمة مساكنهم وأسرارهم، كذلك نجد أن المنظم لم يلزم المحقق برتيب إجراءات جمع الأدلة بترتيب معين بل للمحقق أن يرتب إجراءات جمع الأدلة بالترتيب الذي قد يراه أكثر ملائمة لطبيعة الجريمة ولظروفها الخاصة، فكل ما في الأمر أن يلزم المحقق بمبدأ مشروعية الإجراء، ومن ثم كل إجراء محظور شرعًا أو نظامًا لا يجوز للمحقق مباشرته حتى ولو أدى إلى كشف الحقيقة ويعد إجراءه باطلاً.
ولذلك نجد أن المادة (2) من نظام الإجراءات الجزائية نصت على أنه “لا يجوز القبض على أي إنسان، أو تفتيشه، أو توقيفه، أو سجنه، إلا في الأحوال المنصوص عليها نظامًا، ولا يكون التوقيف أو السجن إلا في الأماكن المخصصة لكل منهما وللمدة المحددة من السلطة المختصة، ويحظر إيذاء المقبوض عليه جسديًا أو معنويًا، كما يحظر تعريضه للتعذيب، أو المعاملة المهنية للكرامة”. وأيضًا نصت المادة (188) من نظام الإجراءات الجزائية على “كل إجراء مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية أو الأنظمة المستمدة منها يكون باطلاً”.
ونكتفي بالعرض للاستجواب والتوقيف في المطلبين:

المطلب الأول: الاستجواب
تعريف الاستجواب:
يقصد بالاستجواب “مناقشة المتهم مناقشة مفصلة، ومواجهته بالأدلة أو بغيره من المساهمين أو الشهود، وذلك لإثبات التهمة أو نفيها”( ).
كما عرف بأنه “مجابهة المتهم بالأدلة المختلفة قبله، ومناقشته مناقشة تفصيلية كيما يفندها إن كان منكر للتهمة أو يعترف بها إذا شاء الاعتراف”( ).
والاستجواب بهذا المعنى يتميز عن سؤال المتهم الذي يقوم به مأمور الضبط الجنائي، ويعتبر إجراء من إجراءات الاستدلال، إذ يقتصر على مجرد سؤال المتهم عن التهمة المنسوبة إليه، ومطالبته بالرد على ذلك، وإبداء ما يشاء من أقوال في شأنها، دون أن يناقشه تفصيلاً أو يواجهه بالأدلة القائمة ضده، أما الاستجواب فلا يقف عند هذا الحد بل يتجاوزه إلى دقائق الواقعة وتفاصيلها وإلى مجابهة المتهم بمختلف الأدلة التي جمعها، ويأخذ الاستجواب طابع الحوار، وقد يحاصر المتهم بأسئلة المحقق ويضيق عليه الخناق حتى ينجلي أمر التهمة، إما بالاعتراف أو الإنكار( )، فالاستجواب يحقق هدفين:
أولهما: أنه وسيلة للتحقيق والتثبت من التهمة المتوفرة ضد المتهم.
ثانيهما: أنه فرصة يتمكن المتهم من خلالها من الدفاع عن نفسه ويمكنه من تفنيد الشبهات القائمة ضده( ).
أنواع الاستجواب:
ينقسم الاستجواب إلى نوعين هما:
1- الاستجواب الحقيقي: ويتحقق بتوجيه التهمة – مناقشة المتهم تفصيليًا عنها – ومواجهته بالأدلة القائمة ضده ومناقشته فيها إثباتًا ونفيًا وعلى ذلك فإن الاستجواب الحقيقي لا يتحقق إلا بتوافر عنصرين هما:
أ- توجيه التهمة ومناقشة المتهم تفصيليًا عنها.
ب- مواجهة المتهم بالأدلة القائمة ضده( ).
2- الاستجواب الحكمي (المواجهة): تعد المواجهة في حكم الاستجواب، والمقصود بها: مواجهة المتهم بغيره من الشهود أو المتهمين، وذلك نوع من المناقشة التفصيلية في أقواله، ولقد بين النظام أنه… للمحقق أن يواجه (أي المتهم) بغيره من المهتمين أو الشهود( )، وذلك في حالة إذا أنكر المتهم الموجهة إليه فيبدأ المحقق بمواجهته بالأدلة القائمة ضده ويناقشه فيها، ويستمع إلى أقوال الشهود ويراعى مواجهة المتهم بالشهود، والمتهمين معه فيما تختلف فيه أقواله عن أقوالهم( ).
ويمكن التفريق بين النوعين من أنواع المواجهة هما:
– المواجهة الشخصية: ومفهوم المواجهة الشخصية هو ذلك الإجراء الذي يقوم به المحقق، وبمقتضاه يواجه المتهم بشخص آخر أو شاهد آخر فيما يتعلق بما أدلي به كل منهما من أقوال، ويجب على المحقق أن يثبت متا أدلى به كل منهما في هذه المواجهة.
– المواجهة القولية: وهي مواجهة المتهم بما أدلى به شاهد أو متهم آخر بالتحقيق دون حضوره شخصيًا، وتعتبر هذه المواجهة جزءًا مكملاً للاستجواب باعتبار أن الاستجواب يتضمن مواجهة المتهم بأدلة الثبوت ضده( ).
وقد اعتبرت المواجهة استجوابًا حكميًا؛ لأنها قد تدفع المتهم إلى الاعتراف أو إلى تسوية وضعه، لذلك فهي تأخذ حكم الاستجواب، ومن أجل ذلك فلا تسري عليه قواعد (سماع الأقوال) وإنما تسري عليه قواعد (الاستجواب) من حيث شروطه وضماناته( ).
ويلاحظ أن مجرد حضور المتهم أثناء سماع متهم آخر أو أحد الشهود لا يعد مواجهة حتى لو طلب منه المحقق أن يبدي ملاحظاته على ما سمعه من أقوال، مادام لم تتم مجابهته هذه الأقوال ومناقشته فيها( ).
حكم الاستجواب: الأصل في الاستجواب الجواز شأنه في ذلك سائر إجراءات التحقيق، فاللجوء إليه أو العدول عنه متروك لفطنة المحقق وحسن تقديره.
وقد أعطى المنظم المحقق السلطة التقديرية في استجواب المتهم أو مواجهته بغيره على حسب ما يراه ملائمًا، ولا يوجب النظام استجواب المتهم في مرحلة التحقيق الابتدائي إلا إذا كان مقبوضًا عليه بأمر من سلطة التحقيق أو من أحد مأموري الضبط الجنائي، أو قبل إصدار الأمر بحبسه احتياطيًا، أو قبل النظر في مدة هذا الحبس. وفي حالة ما إذا كان المتهم مقبوضًا عليه بمعرفة مأمور الضبط الجنائي في الحالات التي يجوز لها فيها القبض على المتهم فعليه أن يسمع أقواله وغذا لم يأت بما يبرئه إلى هيئة التحقيق والادعاء العام في مدة أربع وعشرين ساعة ثم تأمر بإيقافه أو إطلاق سراحه.
وفي حالة ما إذا كان المتهم مقبوضًا عليه بناء على أمر سلطة التحقيق أوجب النظام عليها أن تستجوبه فورًا، وإذا تعذر ذلك يودع دار التوقيف إلى حين استجوابه، ويجب ألا تزيد مدة إيداعه على أربع وعشرين ساعة. فإذا مضت هذه المدة وجب على مأمور دار التوقيف إبلاغ رئيس الدائرة التي يتبعها المحقق وعلى الدائرة أن تبادر إلى استجوابه حالاً، وتأمر بإخلاء سبيله( ).
مضمون الاستجواب:
يجب أن يتضمن الاستجواب بوصفه إجراء من إجراءات التحقيق النقاط التالية:
1- أوجب المنظم على المحقق، عند حضور المتهم الأول مرة في التحقيق أن يثبت من حقيقته حيث نصت المادة (101) من نظام الإجراءات الجزائية على أنه “يجب على المحقق عند حضور المتهم الأول مرة في التحقيق أن يدون جميع البيانات الشخصية الخاصة به ويحيطه علمًا بالتهمة المنسوبة إليه، ويثبت في المحضر ما يبديه المتهم في شأنها من أقوال بعد تلاوتها عليه، فإذا امتنع أثبت المحقق امتناعه عن التوقيع في المحضر”.
2- تحديد الوقائع المنسوبة إلى المتهم تحديدًا صريحًا وإيضاح وصفها النظامي كلما أمكن ذلك( ). وذلك وفقًا لما نصت عليه المادة (101).
3- مجابهة المتهم بالأدلة المثبتة للاتهام ومناقشة تفصيليًا فيها، كما يحق للمحقق مجابهة المتهم بمصادر أدلة الثبوت إذا لم يكن في ذلك إضرار بمصلحة التحقيق( ).
4- يراعى في استجواب المتهم الأبكم أن يدلي بمعلوماته كتابه وإذا كان أصم وأبكم وكان أميًا فيتم استجوابه بوساطة من اعتاد على التحدث مع أمثاله( ) وكذلك يراعي في التحقيق مع الأحداث والفتيات الأنظمة واللوائح المنظمة لذلك، حيث نصت المادة (13) من نظام الإجراءات على أنه “يتم التحقيق مع الأحداث والفتيات ومحاكمتهم وفقًا للأنظمة واللوائح المنظمة لذلك”.
5- استجواب المتهم يكون في مقر جهة التحقيق ولا يجوز خارجها إلا لضرورة حيث نصت المادة (102) من نظام الإجراءات الجزائية على أنه “لا يجوز استجواب المتهم خارج مقر جهة التحقيق إلا لضرورة يقدرها المحقق”( ).
ضمانات الاستجواب:
نظرًا لأهمية الاستجواب سواء بالنسبة لسلطة التحقيق أو بالنسبة للمتهم فقد روعي في إجراءاته توافر ضمانات معينة يمكن إجماله فيما يلي:
1- قصره على سلطة التحقيق:
حيث لم يجز المنظم الاستجواب إلا لسلطة التحقيق( )، وذلك خلافًا لإجراءات التحقيق الأخرى التي يجوز ندب مأمور الضبط الجنائي لإجرائها. حيث نصت المادة (65) من نظام الإجراءات الجزائية على أنه “للمحقق أن يندب كتابة أحد رجال الضبط الجنائي للقيام بإجراء معين أو كثير من إجراءات التحقيق، عدا استجواب المتهم…” وقد أجاز المنظم الخروج عليه حيث قرر للمندوب التحقيق أن يستجوب المتهم في الأحوال التي يخش فيها فوات الوقت، متى كان متصلاً بالعمل المندوب له، ولازما في كشف الحقيقة( ).
حيث أن رجل الضبط الجنائي لا يندب ابتداءً للقيام بعملية الاستجواب، ولكنها نشأت حالة قيامه بعمله الاستثنائي المشروع أباحت له القيام بعملية الاستجواب، كما لو ندب رجل الضبط الجنائي لمعاينة مكان جريمة وفي ذلك المكان وجد أحد المتهمين مصابا بطلق ناري وهو على وشك الموت فالمصلحة تقتضي أن له الاستجواب خشية من فوات الوقت ووفاة المتهم، وليس في إباحة الاستجواب لهذه الحالة لرجل الضبط الجنائي تضعيف لهذا الضمان لأنه حالة ضرورة وقد قدرها النظام حتى لا تفوت مصلحة أعظم أخذًا بقاعدة ارتكاب أخف الضررين.
2- عدم التأثير على المتهم:
نصت المادة (102) من النظام على أنه “يجب أن يتم الاستجواب في حال لا تأثير فيها على إرادة المتهم في إبداء أقواله، ولا يجوز تحليفه ولا استعمال وسائل الإكراه ضده، ولا يجوز استجواب المتهم خارج مقر جهة التحقيق إلا لضرورة يقدراه المحقق “وعلى ذلك فللمتهم عند استجوابه مطلق الحرية في أن يجيب على أسئلة المحقق أو أن يمتنع من الإجابة عليها كلها أو بعضها، وليس للمحقق أن يرغمه على الإجابة، ذلك أن الاستجواب بالنسبة إليه من وسائل الدفاع كما عرفنا، كما يجب أن يكون المتهم عند استجوابه متحرر من أي ضغوط أو تأثير خارجي، سواء كان مصدره المحقق نفسه أو شخص آخر، والتأثير على المتهم يخضع لصور متعددة منها: ما يعتبر إكراهًا ماديا، ومنها: ما يعتبر إكراهًا أدبيا، فالإكراه المادي: يتم عن طريق المساس بجسمم المتهم، ويتحقق بأية درجة من درجات العنف التي تفسد إرادته، أو تفقده السيطرة على أعصابه( )، ومن أمثلة ذلك إرهاق المتهم من خلال إطالة الاستجواب، وكذلك إعطاء العقاقير المخدرة التي تجعل المتهم يفقد السيطرة إلى إرادته، أو تحت تأثير التنويم المغناطيسي، وهذا ما أكدته المادة (19/2) اللائحة حيث نصت على أن “يجب أن يتم الاستجواب في حال لا تأثير فيها على إرادة المتهم في إبداء أقواله ودفاعه، ولا يجوز استعمال عقاقير وأجهزة أو عنف على المتهم للحصول على دليل ضده، وكل دليل تم الحصول عليه بناء على إكراه أو وعد أو وعيد أو تهديد أو أي وسيلة تشمل الإدارة أو تفقد الوعي لا يعتد به ولا بما يسفر عنه في الإثبات، ويجوز الاستعانة بالكلاب البوليسية للتعرف ولا يؤخذ باستعراضها كدليل للاتهام “أما الإكراه الأدبي: مصدره عوامل لا تمس جسد المتهم بل تقتصر على مجرد التأثير المعنوي في نفسيته، مما يضعف إرادته الحرة ومن أمثلته التهديد، كأن يقوم المحقق بالتهديد التأثير المعنوي في نفسيته، مما يضعف إرادته الحرة ومن أمثلته التهديد، كأن يقوم المحقق بالتهديد بإيذائه أو الوعد الذي يبعث الأمل لدى المتهم في تحقيق شيء له يتحسن به مركزه كأن يعده المحقق بإخراجه من الدعوى الجزائية مما يجعل المتهم يدلي بأقوال غير حقيقة أملاً في المنفعة التي وعد بها المحقق( ).
3- حق المتهم في الاستعانة بمحام أو وكيل لحضور التحقيق:
تتجلى أهمية حضور المحامي مع المتهم أثناء مرحلة التحقيق الابتدائي في كون هذا الحضور سيؤدي إلى فرض رقابة على حياد التحقيق، من خلال مراقبة المحامي للتصرفات التي يقوم بها المحقق أثناء مباشرته للتحقيق، فحضور المحامي يسهم في حماية حق الدفاع والضمانات التي يوجبها النظام، فضلا عن تقويته لمعنويات المتهم، التي غالبا ما تكون ضعيفة بسبب الوضع النفسي المضطرب الذي يخيم عليه في مثل هذه الظروف العصيبة، ويضاف على ما تقدم أن من شأن حضور المحامي أثناء إجراءات التحقيق أن يضفي شيئًا من الثقة والاطمئنان على الاستجواب الذي ينهض به رجال التحقيق، ويجعله أبعد منالا عن التجريح.
وخشية من تعسف سلطة التحقيق عند جمع الأدلة، وللتوفيق بين مصلحة المتهم في الاستجواب، ومصلحة سلطة الاتهام فقد أحاط النظام السعودي الاستجواب بأحد ضمانات الاستجواب وهو ما نصت عليه المادة (64) من النظام من أن “للمتهم حق الاستعانة بوكيل أو محام لحضور التحقيق” وقد أجازته المادة (70) من النظام على أن للمحامي عند ملاحظة مخالفة أو انتهاك للنظام من قبل سلطة التحقيق أن يقدم مذكرة خطية بذلك. حيث نصت على أنه “ليس للمحقق أن يعزل المتهم عن وكيله أو محاميه الحاضر معه في أثناء التحقيق، وليس للوكيل أو المحامي التدخل في التحقيق إلا بإذن المحقق، وله في جميع الأحوال أن يقدم للمحقق مذكرة خطية بملاحظاته، وعلى المحقق ضم هذه المذكرة إلى ملف القضية”. ومن الانتهاك تعذيب المتهم بقصد الإكراه على الاعتراف أو التأثير على إرادته بالإيذاء الحسي أو المعنوي أو معاملته مهينة للكرامة على نحو ما ذكرناه سابقًا.
ولم يوجب النظام السعودي إلزام المحقق بدعوة محامي المتهم في الجرائم الكبيرة كما فعلت بعض التشريعات( ) والتي تنص على عدم جواز قيام المحقق باستجواب المتهم في الجنايات أو مواجهته بغيره من المتهمين أو الشهود في غير حالة التلبس وحالة السرعة يسبب الخوف من الضياع الأدلة غلا بدعوة محامية إن وجد( ). وكما ينص النظام على تقديم التسهيلات للمحامين للقيام بواجبهم، حيث نصت المادة (19) من نظام المحاماة من أنه “على المحاكم وديوان المظالم واللجان – المشكلة بموجب الأنظمة والأوامر والقرارات لنظر القضايا الداخلة في اختصاصها – والدوائر الرسمية وسلطات التحقيق أن تقدم للمحامي التسهيلات التي يقتضيها القيا بواجبه، وأن تمكنه من الإطلاع على الأوراق وحضور التحقيق، ولا يجوز رفض طلباته دون مسوغ مشروع”.
ويعد من المسوغات ما لو كان المتهم في حال تلبس أو في حال الخشية من ضياع الأدلة مما يستوجب سرعة استجواب المتهم خشية فوات الوقت وهذه من الضرورة والضرورة تقدر بقدرها، وبذلك نصت المادة (69) من نظام الإجراءات الجزائية على أنه للمتهم والمجني عليه والمدعي بالحق الخاص، ووكيل كل منهم أو محاميه أن يحضروا جميع إجراءات التحقيق وللمحقق أن يجري التحقيق في غيبية المذكورين أو بعضهم متى رأى ضرورة ذلك لإظهار الحقيقة، وبمحرد انتهاء تلك الضرورة يتيح لهم الاطلاع على التحقيق “وحضور المحامي تطمين للمتهم وصون لحرية الدفاع عن نفسه( ) ويؤدي إلى كشف بعض الأمور التي قد تقيد المتهم عن طريق اقتراح بعض الأسئلة على المحقق ليقوم بتوجيهها للمتهم( )، ولا يجوز للمحقق أن يضبط الأوراق والمستندات التي استلمها المحامي من موكله لأداء المهمة، وكذلك المراسلات المتبادلة في القضية( ).
ولكي تتحقق الغاية من حضور المحامي كاملة يتاح له وللمتهم أو وكيله الاطلاع على الأوراق القضية في حضور المحقق عند الاستجواب ما لم يقرر غير ذلك لأسباب يبينها في المحضر. ولكن للمحامي الاطلاع على الأوراق بناء على طلب يقوم بتقديمه، ويقتصر الاطلاع على أوراق القضية، وتحت إشراف المسؤول عنها، وفي حالة رفض طلب المحامي فإن المسئول المباشر للقضية يقوم بكتابة محضر بذلك تحت توقيعه ويذكر سبب الرفض، وللمحامي في حال رفض طلباته أو بعضها أن يتقدم لرئيس الدائرة بطلب إعادة النظر في طلبه، ويكون قراره كتابيًا ونهائيًا.
4- حق المتهم في حضور جميع الإجراءات التحقيق:
حيث نصت النظام على أنه “للمتهم والمجني عليه والمدعي بالحق الخاص ووكيل كل منهم أو محاميه أن يحضروا جميع إجراءات التحقيق، وللمحقق أن يجري التحقيق في غيبة المذكورين أو بعضهم متى رأى ضرورة ذلك لإظهار الحقيقة، وبمجرد انتهاء تلك الضرورة يتيح لهم الاطلاع على التحقيق”( ).
5- تدوين أقوال المتهم وتلاوتها عليه ثم توقيعه بعد ذلك عليها:
من الضمانات التي أقرها المنظم السعودي في مرحلة الاستجواب ما نص عليه النظام من أنه “يجب على المحقق عند حضور المتهم الأول مرة في التحقيق أن يدون جميع البيانات الشخصية الخاصة به ويحيطه علما بالتهمة المنسوبة إليه… ويوقع المتهم على أقواله بعد تلاوتها عليه، فإذا امتنع أثبت المحقق امتناعه عن التوقيع في المحضر”( ).
المطلب الثاني: التوقيف( ) (الحبس الاحتياطي):
تمهيد:
أجاز النظام حبس المتهم بصفة احتياطية ومؤقتة إذا اقتضت مصلحة التحقيق سلب حريته وإبعاده عن المجتمع الخارجي، ويعتبر أخطر إجراءات التحقيق وأكثرها مساسًا بحرية المتهم وشرفه وسمعته ومصالحه، ويراد بالتوقيف (الحبس الاحتياطي): إبداع المتهم على ذمة التحقيق أحد الأماكن المخصصة للحبس الاحتياطي، وبمعنى آخر هو سلب لحرية المتهم قبل الفصل نهائيًا في التهمة المسندة إليه، للمدة التي تقضيها مصلحة التحقيق، بالحفظ على المتهم( )، ويستهدف التوقيف تأمين الأدلة سواء من البعث بها أو طمسها إذا بقي المتهم حرًا، أو تجنبًا لتأثيره على شهود الواقعة أو ضمانًا لعدم هروبه من تنفيذ الحكم الذي قد يصدر ضده، وكذلك هو إجراء أمني أيضا يحمي المتهم من بطش غيره، أو يحمي الغير من بطشه.
وسأتناول موضوع التوقيف (الحبس الاحتياطي) من خلال النقاط التالية:
أولاً: الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف:
عرفنا فيما سبق أن التوقيف بعد من الإجراءات الخطيرة التي تمس المتهم وتقيد حريته، وبالتالي فلابد من حصره في الجرائم التي تكون على قدر من الجسامة وتستحق قيام المحقق بإصدار أمر التوقيف، ولذلك حرص النظام الإجرائي السعودي على تحديد هذه الجرائم ونص على أنه يحدد وزير الداخلية وبناء على توصية من رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام ما يعد من الجرائم الكبيرة والموجبة للتوقيف( ) وعلى ذلك صدر القرار الوزاري رقم (1245) وتاريخ 23/7/1423هـ على تحديد هذه الجرائم حيث نص القرار على ما يلي:
“إن وزير الداخلية بناءً على الصلاحيات الممنوحة له بموجب المادة الثانية عشرة بعد المائة من نظام الإجراءات الجزائية التي تنص على أن “يحدد وزير الداخلية – بناءً على توصية رئيس هيئة التحيق والادعاء العام – ما يعد من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقف”. وبعد الاطلاع على ما عرضه رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام.
يقرر ما يلي:
أولاً: الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف هي:
1- جرائم الحدود المعاقب عليها بالقتل أو القطع.
2- القتل العمد وشبه العمد.
3- الجناية عمدًا على ما دون النفس الناتج عنها زوال عضو، أو تعطيل منفعة بصفة دائمة، أو تزيد مدة شفاء الجناية عن (20) عشرين يومًا، ما لم يتنازل صاحب الحق الخاص.
4- مقاومة رجل السلطة العامة التي يتسبب المقاوم خلالها بإصابة تزيد مدة شفائها عن عشرة أيام.
5- الاعتداء عمدًا على الأموال والممتلكات العامة أو الخاصة بالتخريب، أو بالحرق، أو بالهدم، ونحو ذلك، بما يؤدي إلى الإتلاف الكلي أو الجزئي بما يزيد قيمة التالف عن خمسة آلاف ريال، ما لم يتنازل صاحب الحق الخاص.
6- القوادة، أو إعداد أماكن للدعارة.
7- ترويج المسكرات، أو تهريبها، أو تقليها، أو تصنيعها، أو حيازتها، وذلك كله بقصد الترويح.
8- ترويج المخدرات، أو تهريبها، أو تلقيها، أو تصنيعها، أو حيازتها، وذلك كله بقصد الترويح.
9- تهريب، أو تصنيع، أو حيازة الأسلحة الحربية، أو ذخيرتها، أو المتفجرات بقصد التخريب.
10- غسل الأموال.
11- جرائم تزيف وتقليد النقود الواردة في المادة الثانية من نظام تزوير وتقليد النقود الصادر بالمرسوم الملكي رقم 12 وتاريخ 12/7/1379هـ.
12- جرائم التزوير الواردة في المادة الأولى من نظام مكافحة التزوير الصادر بالمرسوم الملكي رقم 114 وتاريخ 26/11/1380هـ والمعدل بالمرسوم الملكي رقم 53 وتاريخ 5/11/1382هـ.
13- جرائم الرشوة الواردة في المادتين الأولى والثانية من نظام مكافحة الرشوة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/36 وتاريخ 29/12/1412هـ.
14- اختلاس الأموال الحكومية، أو الاختلاس من المؤسسات التي تساهم بها الدولة، أو الشركات أو البنوك، أو المصارف.
ثانيًا: يبلغ هذا القرار لمن يلزم لاعتماده.
إلا أنه عند التطبيق العملي لهذا القرار الذي يحدد فيه ما يعد من الجرائم الكبيرة اتضح ما يلي:
أولاً: إن ضرورات الأمن ومقتضيات التحقيق تستدعي إدراج أوصاف جرمية ضمن الجرائم الكبير الموجبة للتوقيف وهي:
1- الجرائم التي يطلب فيها القتل تعزيرًا.
2- زنا غير المحصن.
3- جرائم اللواط.
4- فعل مقدمات الفاحشة بالمحارم.
5- قضايا سب الذات الإلهية أو الدين أو الرسول – صلى الله عليه وسلم -.
6- الاعتداء على الوالدين بالضرب ونحو ذلك.
7- جرائم الاغتصاب.
8- الخطف في حالة عدم توافر أركان الجريمة الحرابة.
9- قضايا السحر.
10- مهاجمة المنازل.
11- الحمل سفاحًا.
12- إيواء الفتيات والأحداث الهاربين من ذويهم بقصد سيء.
13- القفز على المنازل بقصد الاعتداء على النفس أو المال أو العرض.
14- الاعتداء على ما دون النفس بأسلحة نارية.
16- تهريب أو تصنيع أو حيازة الأسلحة الحربية وذخيرتها أو المتفجرات بقصد الإتجار.
17- امتهان الدعارة.
18- السرقة غير الحدية ما لم يتنازل صاحب الحق الخاص.
19- السلب.
ثانيًا: ظهرت بعض الصعوبات وثارث بعض التساؤلات والاستفسارات حول بعض الأمور وهي:
1- هل الاستثناء الوارد في عجز البند رقم (3) يعود إلى آخر ما ذكر أم إلى جميع ما ذكر؟
2- من يتولى تحديد قيمة التأليف المشار إليه في البند رقم (5) هل هو المحقق أم المدعي بالحق الخاص أم أن مرجع ذلك أهل الخبرة؟ وإلى أن يتم ذلك ماذا سيكون مصير المتهم؟
3- قضايا المسكرات والمخدرات التي ربط الإيقاف فيها بقصد الترويج ولا يعترف المتهم بذلك ولم تدل شواهد الحال على تحديده قصده، ما المعيار أو الضباط في تحديد القصد، أن كانت الكمية المضبوطة فما مقدار ذلك؟
4- هل يساوي بين حائز الهيروين وحائز القات في إطلاق السراح رغم الفارق بينهما في الخطورة دون وضع قيد على الكمية المضبوطة.
5- لم يشار إلى من عليهم سوابق مماثلة رغم أهميتها في تحديد وضع المتهم إذ لا وجه للمساواة في إطلاق السراح بين من عليهم سوابق مماثلة ومن ليس عليه( ).
فلعل من المناسب ضرورة إعادة دراسة تلك الجرائم على أن يشارك في ذلك جميع أعضاء الهيئة في كافة الفروع والدوائر وذلك من خلال أخذ آرائهم في هذه الجرائم وكذلك ملاحظة ما قد يواجهونه في التطبيق العملي من أجل تحديد تلك الجرائم تحديد نظاميًا لا غموض فيه. وفيه توافق بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة.
ثانيًا: الجهة المختصة بالتوقيف:
التوقيف إجراء من إجراءات كما عرفنا، فيختص المحقق الذي يتولى التحقيق في القضية بإصدار أمر التوقيف الاحتياطي بعد توافر الشروط، ولا يجوز لرجل الضبط الجنائي إصدار مذكرة التوقيف الاحتياطي حتى لو كانت جهة التحقيق قد ندبته لإجراء التحقيق( )؛ لأن الحبس الاحتياطي يجب أن يكون مسبوقًا بالاستجواب، وعرفنا أن مأمور الضبط الجنائي لا يملك الاستجواب فإنه لا يملك إذًا الأمر بحسبه احتياطيًا.
ولقد ناشد النظام الإجرائي السعودي المحقق بأن عليه الحرص دومًا على تقدير لزوم توقيف المتهم بعد استجوابه وعلى وجه الخصوص مراعاة ظروفه الاجتماعية والارتباطات العائلية والمالية وخطورة الجريمة( ).
ثالثًا: شروط التوقيف الاحتياطي:
من خلال ما سبق يمكن إجمال شروط التوقيف الاحتياطي فيما يلي:
1- أن يكون صادرًا من المحقق الذي يتولى التحقيق في القضية باعتبار هيئة الادعاء العام السلطة المختصة بالتحقيق.
2- أن يكون المتهم قد تم استجوابه، وأتيحت له الفرصة لإبداء دفاعه وتنفيذه للأدلة، ويمكن التجاوز عن شروط الاستجواب إذا تعذر إجراؤه كما في حالة هروب المتهم، أو كانت مصلحة التحقيق تستوجب توقيفه لمنعه من الهروب أو من التأثير في سير التحقيق( ).
4- أن تكون الجريمة من الجرائم الكبيرة والتي أشرنا إليها سابقًا فإذا لم تكن الجريمة من الجرائم الكبيرة فلا يجوز توقيف المتهم احتياطًا.
رابعًا: مدة التوقيف الاحتياطي:
لما كان توقيف المتهم يمثل قيدًا على الحرية الشخصية له، وقد أملته الضرورة والضرورة تقدر بقدرها، وهذا التوقيف إجراء مؤقت بحكم طبيعته، ولذلك فقد ذهبت غالبية التشريعات إلى عدم السماح لسلطة التحقيق باتخاذ إجراء التوقيف إلا لمدة محددة قابلة للتجديد ممن أصدره، ومن بين هذه الأنظمة النظام السعودي، حيث أوضح أنه إذا تبين بعد استجواب المتهم أو في حالة هروبه أن الأدلة كافية ضده في جريمة كبيرة، أو كانت مصلحة التحقيق تستوجب توقيفه لمنعه من الهروب أو من التأثير في سير التحقيق، فعلى المحقق أن يصدر أمر بتوقيفه مدة لا تزيد على خمسة أيام من تاريخ القبض عليه( ).
وينتهي التوقيف بمضي خمسة أيام إذا رأى المحقق تمديد مدة التوقيف فيجب قبل انقضائها أن يقوم بعرض الأوراق على رئيس فرع هيئة التحقيق والادعاء العام بالمنطقة ليصدر أمرًا بتجديد مدة أو مددًا متعاقبة على ألا تزيد في مجموعها على أربعين يومًا من تاريخ القبض عليه، أو الإفراج عن المتهم، وفي الحالات التي تتطلب التوقيف مدة أطول يرفع الأمر إلى رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام ليصدر أمر بالتمديد لمدة أو مدد متعاقبة لا تزيد أي منها على ثلاثين يومًا، ولا يزيد مجموعها على ستة أشهر من تاريخ القبض على المتهم، ويتعين بعدها مباشرة إحالة المتهم إلى المحكمة المختصة، أو الإفراج عنه( )، ولما كان توقيف المتهم يمثل قيدًا على الحرية الشخصية، نظمت أغلب الأنظمة والتشريعات أحكام التوقيف ووضعت شروطًا معينة، أوجبت على سلطة التحقيق مراعاتها عند تقرير توقيف المتهم، من أجل ألا يكون التوقيف وسيلة تعسفية بيد سلطة التحقيق تستخدمها متى تشاء، وتسيب قرار توقيف المتهم( ) لما لها من أهمية تتجلى في كونه دافعًا لسلطة التحقيق المختصة، في عدم الاستعجال في اتخاذ مثل هذا الإجراء الخطير.
مدة التوقيف الاحتياطي في بعض التشريعات العربية:
إن مدة التوقيف الاحتياطي تختلف من تشريع إلى آخر، وهذا الاختلاف يعود إلى طبيعة كل تشريع ومجموعة المبادئ التي تحكمها. وقد يستمر التوقيف الاحتياطي ما بين أربعة أيام وعدة شهور وفقًا لنصوص القوانين التي تجيزه.
التشريع المصري:
تنص المادة 41 من هذا الدستور على أن “الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس. وفيما عدا حالات التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد، أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو من النيابة العامة، وذلك وفقًا لأحكام القانون. ويحدد القانون مدة الحبس الاحتياطي”.
وبناءً على هذا فقد حدد المشروع في المادة 143 فقرة 3 من القانون الإجراءات الجنائية المصري حدًّا أقصى للتوقيف الاحتياطي في الجنح وهو ستة شهور، وذلك ما لم يكن المتهم قد أعلن بإحالته إلى المحكمة المختصة قبل انتهاء هذه المدة.
وحرصًا من المشروع على رقابة النيابة العامة في مد مدة التوقيف الاحتياطي فقد نصت الفقرة الثانية من نفس المادة 143 على أنه يتعين عرض الأمر على النائب العام إذا انقضى على توقيف المتهم احتياطيًا ثلاثة شهور، وذلك لاتخاذ الإجراءات التي يراها كفيلة للانتهاء من التحقيقز
ومؤدي نص المادة 3/143 هو أنه لا يجوز أن تتجاوز مدة التوقيف الاحتياطي في مواد الجنح ستة شهور، ولو كان المتهم قد أعلن قبل انتهائها بإحالته إلى المحكمة.
وأما في الجنايات فقد نصت المادة 134 فقرة 3 من قانون الإجراءات الجنائية المصري بأنه لا يجوز أن تزيد مدة التوقيف الاحتياطي على ستة شهور إلا بعد حصول قبل انقضائها على أمر المحكمة المختصة بمد التوقيف مدة لا تزيد على خمسة وأربعين للتجديد لمدة أو لمدد أخرى مماثلة، وإلا وجب الإفراج عن المتهم في جميع الأحوال.
ومفاد هذا النص أن مدة التوقيف الاحتياطي في الجنايات لا نهاية لها، إذ أن المشرع نقل الاختصاص بتجديد التوقيف الاحتياطي بعد ستة أشهر إلى المحكمة المختصة أي يصدر الأمر من محكمة الجنايات( ).
التوقيف الاحتياطي الذي تأمر به النيابة العامة: نصت المادة 201 الفقرة 1 المعدلة بالمادة 51 من قانون الإجراءات الجنائية المصري على أن “الأمر بالحبس الصادر من النيابة العامة لا يكون نافذ المفعول إلا لمدة الأربعة أيام التالية للقبض على المتهم أو تسليمه للنيابة العامة إذا كان مقبوضًا عليه من قبل”.
واستنادًا لهذا النص يجوز للنيابة العامة أن تأمر بالتوقيف الاحتياطي مدة أربعة أيام كحد أقصى.
بيد أنه إذا تبين للنيابة العامة أن مبررات التوقيف الاحتياطي قد زالت قبل انقضاء هذه المدة جاز الإفراج عن المتهم قبل انتهائها.
وتبدأ مدة التوقيف الاحتياطي من اليوم التالي للقبض على المتهم إذا كان أمر القبض قد صدر من النيابة العامة. أما إذا كان القبض قد تم بمعرفة مأمور الضبط القضائي وسلم المتهم إلى النيابة العامة في خلال الأربع وعشرين ساعة، فإن مدة الأربعة أيام يبدأ حسابها من اليوم التالي لتسليم المقبوض عليه إلى النيابة العامة( ).
ولا يجوز للنيابة العامة في هذه الحالة أن تصدر أمرًا جديدًا بمد التوقيف الاحتياطي. فقد نصت المادة 21 من قانون الإجراءات الجنائية المصري على أنه “لا يجوز تنفيذ أوامر الضبط والإحضار وأوامر الحبس الصادرة من النيابة العامة بعد مضي ستة أشهر من تاريخ صدورها ما لم تعتمدها النيابة العامة لمدة أخرى”.
أمر التوقيف الاحتياطي الصادر من القاضي الجزائي: نصت المادة 302 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه “إذا رأت النيابة العامة مد الحبس الاحتياطي وجب قبل انقضاء مدة أربعة أيام أن تعرض الأوراق على القاضي الجزئي ليصدر أمرًا بما يراه بعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم.
وللقاضي مد الحبس الاحتياطي لمدة أو لمدد متعاقبة بحيث لا يزيد مجموع مدد التوقيف على خمسة وأربعين يومًا”.
ومفاد هذا النص أن القاضي الجزئي مخيًّر بين مد الحبس الاحتياطي لمدة 45 يوم مرة واحدة أو مددًا متعاقبة على أن لا تزيد بمجموعها عن 45 يومًا.
ولا يجوز للقاضي الجزئي مد التوقيف دون سماع المتهم مهما كانت الأسباب التي أحاطت بتخلفه عن الحضور وذلك لأن مد التوقيف في غيبة المتهم ينطوي على إخلال بحق المتهم في سماع أقواله أمام المحكمة( ).
تعليمات النيابة العامة تقضي بهذا الرأي الأخير، فتحسب مدة الخمسة والأربعين يومًا المقررة للقاضي الجزئي عقب نهاية الأيام الأربعة المقررة للنيابة العامة( ).
أمر التوقيف الاحتياطي الصادر من قاضي التحقيق: تنص المادتان 136 و142 فقرة 1 من قانون الإجراءات الجنائية المصري على أن لقاضي التحقيق أن يصدر أمرًا بحبس المتهم احتياطيًا لمدة خمسة عشر يومًا وذلك بعد سماع أقوال النيابة العامة.
كما نصت المادة 141 فقرة 1 “إذا رأى قاضي التحقيق ضرورة لاستمرار حبس المتهم أصدر أمرًا – بعد سماع المتهم والنيابة – بمد الحبس مدة أو مدد أخرى لا يزيد مجموعها على 45 يومًا.
وإذا لم يتنه التحقيق ورأى قاضي التحقيق مد الحبس الاحتياطي علاوة على ما سبق، وجب عرض الأمر على محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة لتصدر أمرها بالحبس الاحتياطي.
أمر التوقيف الاحتياطي الصادر من محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة: ينعقد الاختصاص بإصدار الأمر بالحبس الاحتياطي لهذه المحكمة عندما تستنفد المدد التي يملكها القاضي الجزئي أو تلك التي يملكها القاضي الجزئي أو تلك التي يملكها قاضي التحقيق، فتأمر بمد الحبس طبقًا لما هو مقرر في المادة 143.
وهذا ما نصت عليه المادة 203 من قانون الإجراءات الجنائية. ويستمر حق مد حبس المتهم احتياطيا قائمًا لهذه المحكمة، مادامت مصلحة التحقيق تقتضي ذلك بنفس الشرط( ).
الأمر بالمنع من السفر:
قد تستلزم ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، منع المتهم من السفر وذلك من أجل التحوط من عدم هرب المتهم، وذلك في حالات معينة على أن يحدد وزير الداخلية بناء على اقتراح من رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام الحالات التي يجوز فيها منع المتهم من السفر خارج المملكة( )، وفي تحديد هذه الحالات يتضح حرص المنظم السعودي على حرية المتهم وتأكيدًا لما نصت عليه المادة (36) من النظام الأساسي للحكم على أنه “لا يجوز تقييد تصرفات أحد أو توقيفه أو حبسه إلا بموجب أحكام النظام”.
قرار الاتهام:
قرار الاتهام المراد به: تصرف يتخذه المحقق في التهمة الجرمية مقررًا توجيه الاتهام للمتهم وطلب إحالته إلى المحكمة( )، ويجب أن ينص قرار الاتهام على اسم المحقق الذي أصدره واسم المتهم وشهرته وعمره ومحل ولادته وإقامته ومهنته وجنسيته ورقم هويته وتاريخها ومصدرها، وسردًا للوقائع والأفعال المرتكبة وتاريخها وكيفية ارتكابها، ودور المتهم وجميع المساهمين في الجريمة، وبيانًا بالأدلة المادية الثابتة والبيانات الشفوية وجميع القرائن والأمارات التي تم استنباطها وتعين الوصف للجريمة المرتكبة بجميع أركانها المكونة لها، والمستند الشرعي أو النظامي الذي يعاقب على ارتكابها، مع ذكر جميع الظروف والأسباب المشددة أو المخففة التي يمكن أن تنطبق على الفاعل أو أحد المساهمين معه، مع تحديد بدء فترة توقيف المتهم على ذمة القضية وطلب محاكمته أمام الجهة القضائية المختصة( ) ومما ذكر نجد اهتمام النظام الإجرائي السعودي للتحقيق في الاتهام بتقرير وجوب تسبيب قرار الاتهام، وتسبيب قرار الاتهام: هو أن يذكر المحقق ما بني عليه من قراره الذي اتخذه في القضية المحقق فيها من المستند الشرعي، وذكر الوقائع المؤثرة في الاتهام عند توجهه، وصفة ثبوتها بطرق الإثبات المعتد بها، والتوصيف الجرمي لواقعة الاتهام( )، ومن الفوائد في تسبيب قرار الاتهام تمكن الدائرة المختصة مدققة القرار من دراسة القرار – حفظًا أو اتهامًا – وتوقيعه فيسهل عليه أداء مهمتها في مراجعته وإلغائه أو طلب استكماله( )، وبذلك يتضح أن من أهم الضمانات الضرورية للمتهم وللعدالة على وجه سواء هو أن تقوم سلطة التحقيق المختصة عندما تقرر إحالة المتهم إلى المحكمة المختصة لابد أن تقوم بتسبيب قرار الإحالة.
مراجعة قرارات الاتهام:
1- إذا تضمن قرار الاتهام طلب توقيع عقوبة القتل أو القطع أو الرجم فيجب أن يتم رفعه إلى لجنة إدارة الهيئة( ) لمراجعته وفقًا لما نصت عليه المادة (4/ج/1) من نظام هيئة التحقيق والادعاء العام. وللجنة إدارة الهيئة توجيه المحقق بما تراه مناسبًا في القضية ولها كافة الصلاحيات المسندة للمحقق في هذا النظام.
2- فيما عدا تضمنته الفقرة السابقة تراجع قرارات الاتهام من لجنة تكون من ثلاثة محققين من مرتبة أعلى من مرتبة المحقق أو سابقين له في الأقدمية إذا كانوا في مرتبة واحدة. ولهذا اللجنة أن تتخذ أحد القرارات الآتية:
أ- أن تأمر بإحالة القضية إلى المحكمة المختصة.
ب- أن تأمر بإجراء تحقيق تكميلي في نقاط تحددها للمحقق.
ج- أن توصي بحفظ التحقيق( ) وذلك وفقًا لما أوضحناه سابقًا.
وقيام هذه اللجنة بتدقيق قرارات الاتهام والحفظ دليلاً على حرص المنظّم السعودي على سلامة الإجراءات التي تحمي حق المتهم وإصباغ الشريعة على تلك الإجراءات السابقة على المحكمة.
وقد بين النظام أن يحال المتهم في الجرائم الكبيرة إلى الجهة القضائية موقوفًا( ) إلا إذا كان هناك مصلحة للتحقيق أو العدالة فيجوز إطلاق سراحه كما أشرنا إليه سابقًا. وإذا اشتمل التحقيق أكثر من جريمة من اختصاص محاكم متماثلة في الاختصاص وكانت مرتبطة فتحال جميعها بأمر إحالة واحد إل المحكمة المختصة مكانًا بإحداها، أما إذا كانت الجرائم من اختصاص محاكم مختلفة الاختصاص فتحال إلى المحكمة الأوسع اختصاصًا( ).
وقد حدد مشروع اللائحة التنفيذية للنظام حالات الارتباط بين الجرائم وهي:
1- كون إحداهما سببًا لوقوع الأخرى أو تسهيله، أو تضليل الجهة المختصة، كالإعانة غير المباشرة فيها، أو التحريض عليها، أو إخفاء أدلتها، أو عدم التبليغ عنها، أو إيواء فاعليها، أو التستر عليهم.
2- كون الجرائم المحال ضمن مجموعة واحدة، كجرائم العصابات وذلك شرط أن يكون المتهمون معلومين ومقدمين في وقت واحد أمام المحكمة، وإذا تأخر الكشف أو القبض على أحدهم حتى انتهاء محاكمة الآخرين فإنه يحال إلى المحكمة المختصة.
3- كون الجرائم من متهم واحد.
4- كون الجرائم قد شملها تحقيق واحد. ويكون الارتباط لازمًا في الحالتين الأولين وجائزًا فيما عدا ذلك( ).

المبحث الرابع
وظيفة الهيئة والنيابة العامة في مرحلة الادعاء وتحريك الدعوة الجزائية
مباشرة المدعي العام لدعوى الحق العام
أن من الاختصاص التي تختص بها التحقيق والادعاء العام ما نصت عليه المادة (3/ج) من نظامها أن الهيئة تختص بالادعاء العام أمام الجهات القضائية وفقًا للائحة التنظيمية.
وبذلك تختص هيئة التحقيق والادعاء العام ووفقًا لنظامها بإقامة الدعوة الجزائية ومباشرته أمام المحاكم المختصة( )، وفي القانون المقارن تجد أن جهاز النيابة العامة يقوم بمباشرة الدعوة الجنائية حتى مراحلها الأخيرة.
فالمراد من مباشرة الدعوى الجزائية: ممارسة المدعي العام للدعوى الجزائية بإبداء الطلبات والدفوع والطعن في الحكم الصادر فيها ومتابعتها حتى يفصل فيها بحكم بات أو نهائي( )، فالادعاء العام يباشر أمام الجهات القضائية سواء كانت الجهة القضائية هي المحاكم الشرعية أو ديوان المظالم.
كيفية رفع دعوى الحق العام:
إذا أحيلت القضية إلى الادعاء العام يقوم المدعي العام بالإجراءات التالية:
1- يقوم المدعي العام بدراسة أوراق القضية دارسة مستوفية دارسة موضوعية للقضية تتضمن النظر في وصف التهمة ومدى انطباقها على الأفعال التي ارتكبها المتهم، والأدلة والقرائن ومدى اعتبارها، ويقوم بدراستها أيضًا من الناحية الشكلية، ومدى اكتمالها كأن تكون أوراق القضية أصلية، وفي حالة كونها مصورة عن الأصل لابد من تصديقها من الجهة المختصة.
2- بعد دراسة القضية واتضاح سلامتها واكتمالها يقوم المدعي العام بكتابة لائحة الدعوى العامة يبرز فيها المدعي العام الوقائع الثابتة في القصة والأوصاف الجرمية، وأدلتها، والدور الجرمي لكل متهم، بالإشارة إلى النصوص الشرعية أو النظامية المنظمة، وطلب إنزالها بحق المتهمين وتكون هذه اللائحة مستندة إلى الاستدلالات، أو إلى قرار الاتهام أو إلى الأمرين معًا( ) ويوقع المدعي العام على نهاية اللائحة ويستفاد من ذلك أن مباشرة المدعي العام للدعوى الجزائية أمام المحاكم تقتضي أن يكون قد ألم بالقضية التي يباشر الادعاء فيها فينظر ما فيها من محاضرة للشرطة أو محاضر للتحقيق وقرار الاتهام حتى يستطيع القيام بدوره في الدعوى أمام المحكمة وفي مواجهة المتهم وأن يقوم بشرح الوقائع الثابتة في القضية ويبن أدلة إثباتها مع توضيح الدور الجرمي بالقضية( )، وكذلك مطالبة المحكمة تحديد الوصفي الجرمي عند تقرير العقوبة( ).
3- بعد الانتهاء من كتابة اللائحة، يقوم المدعي العام بتقديمها إلى القضاء مع كامل أوراق القضية مشفوعة بخطاب من رئيس دائرة الادعاء العام إلى رئيس المحكمة المختصة، والذي يحيلها بدوره إلى أحد القضاة للنظر فيها.
4- بعد إحالة اللائحة إلى المحكمة المختصة وتحديد موعد للنظر فيها، يقوم المدعي العام بمباشرة دعوى الحق العام بنفسه أمام القاضي فالقاعدة أنه عندما تحدد المحكمة موعدًا لنظر الدعوى يشعر المدعي العام بهذا التاريخ وقد أوجب النظام أن يحضر المدعي العام جلسات المحكمة في الحق العام في الجرائم الكبيرة وعلى المحكمة سماع أقواله والفصل فيها، وفيما عدا الجرائم الكبيرة لا يلزم الحضور إلا إذا طلب منه القاضي ذلك أو ظهر للمدعي العام ما يستدعي حضوره( ). وللمدعي العام أن ينيب غيره من المدعين العامين لإقامة دعوى الحق العام أمام القاضي( ).
5- التصدى للدفوع التي قد يثيرها المتهم أو وكيله:
من الواجبات التي أنيطت بالمدعي العام التصدي لكل ما يدفع به المتهم أو محاميه أو وكيله المتنصل من التهمة أو الطعن في التحقيقات أو تجريح الأدلة( )، والإجراءات التي قد تمت وكل ما يثيره المتهم أو وكيله من دفوع يستهدف بها نفي التهمة أو تبرئة الجاني( ) وعلى ذلك يجب على المدعي العام أن يكون تصديه على ما آثاره المتهم من دفوع موضوعيًا ومرتبًا مستندًا على الحجج والبراهين حتى لا يكون تصديه بلا فائدة.
وفي حالة إذا ظهر أثناء نظر الدعوى أدلة نفي مؤكدة فلا يجوز له أن يطلب البراءة للمتهم بل يجب عليه أن يطلع الجهة القضائية على هذه الأدلة ويترك الأمر إليها( ). وهذا أمر ينسجم مع دور المدعي العام حيث يفترض حتى ثبوت التهمة ويفترض جدارة المتهم بتوقيع العقاب عليه، ولذلك ساقه إلى المحكمة ويكون منم التناقض بعد ذلك أن يعود فيطالب القضاء ببراءته( ) ويتخذ موقفًا معاكسًا، فإذا انهارت أدلة الاتهام فيفوض الأمر للمحكمة لتقضي على النحو الذي تطمئن إليه ولا تطلب البراءة على أي حال بل يظل متمسكًا بتوقيع العقوبة، وعلى ذلك يرى البعض أن النظام ال سعودي قد انحاز إلى الرأي الذي يقرر بأن الادعاء العام خصم حقيقي للمتهم لا يحق له أن ينحاز إلى جانب المتهم ويطلب له البراءة مهما تكن الظروف والملابسات( ) إلا أنني أرى أن ما ينهجه المنظّم السعودي ليس فيه ما يدل أن الادعاء العام خصم حقيقي للمتهم بل أن طبيعة عمل المدعي العام ينسجم مع ذلك والحاصل أننا عرفنا سابقًا أن الادعاء العام تسعى إلى كشف الحقيقة فقط بصرف النظر عما إذا كانت لصالح الاتهام أو كانت لصالح المتهم( ) والنظام الإجرائي السعودي منهجه في جميع أنظمته يسلك الشريعة الإسلامية التي تحارب كل أشكال الظلم والجور مما يؤكد موازنته لمصلحة الفرد ومصلحة الجماعة.

المبحث الخامس
وظيفة الهيئة والنيابة العامة في الاعتراض على الأحكام
إجراءات تمييز الأحكام:
أوضح النظام الإجرائي السعودي هذه الإجراءات ويمكن إجمالها في النقاط التالية:
1- تبدأ إجراءات الطعن بالتمييز بلائحة اعتراضية يقدمها المدعي العام للجهة القضائية التي أصدرته خلال المدة المقررة وهي ثلاثون يومًا من تاريخ تسلم صورة الحكم.
ويجب أن تشتمل اللائحة على بيان الحكم المعترض عليه ورقة وتاريخه والأسباب التي بني عليها الاعتراض( ).
2- تعرض هذه اللائحة على المحكمة التي أصدرت الحكم، فإن رأت أن فيها ما يقتضي تغيره قامت بتغييره أو تعديله، وأخطر الخصوم بذلك، وإذا لم يقتتع القاضي بلائحة الطعن رفعها مع كامل الأوراق إلى محكمة التمييز( ).
3- بعد ورود الأوراق إلى محمة التمييز تنظر في الشروط الشكلية في الاعتراض وما كان صادرًا ممن له حق طلب التمييز، ثم تقرر بعد ذلك قبول الاعتراض أو رفضه، وعند رفضه من حيث الشكل فيصدر قرار مستقل بذلك( ).
وفي حالة قبول محكمة التميز اعتراض المحكوم عليه شكلاً وموضوعًا فعليها أن تحيل الحكم إلى المحكمة التي أصدرت مشفوعًا برأيها لتعديل الحكم طبقًا لملاحظاتها، فإذا اقتنعت المحكمة بهذه الملحوظات فعليها تعديل الحكم على أساس، أما إذا لم تقنع وبقيت على حكمها السابق إجابة المحكمة التمييز على تلك الملحوظات( )، فإذا اقتنعت محكمة التمييز بإجابة المحكمة فعليها أن تصدق على الحكم، أما إذا لم تقتنع الحكم المعترض عليه كله أو بعضه – حسب الأحوال – مع ذكر المستند ثم تحيل الدعوى إلى غير من نظرها (قاض آخر) للحكم فيها للوجه الشرعي.
4- يجوز لمحكمة التمييز إذا كان موضوع الحكم المعترض عليه بحالته صالحًا للحكم واستدعت ظروف الدعوى سرعة الإجراء، كالقضايا التي بها سجناء – أن تحكم في الموضوع، وفي جميع الأحوال التي تحكم فيها محكمة التمييز يجب أن تصدر حكمها بحضور الخصوم، ويكون حكمها نهائيًا ما لم يكن الحكم بالقتل أو الرجم أو القطع أو القصاص فيما دون النفس فيلزم رفعه إلى مجلس القضاء الأعلى( ). مع الإشارة أن من حق المدعي العام أن يتقدم بمذكرة إلى المحكمة التمييز في القضايا التي حكم فيها بالقتل أو القطع أو الرجم المرفوعة إليها بموجب التعليمات، ويوضح في مذكرته مدى خطورة الجريمة المرتكبة من المحكوم عليه، والحرص على الاستعجال لتصديق الحكم لدواعي الرد والاطمئنان( ).
نطاق التمييز:
ويقصد بنطاق التمييز الأحكام التي يجوز فيها للمدعي العام أن يتقدم بلائحة اعتراضية مبينًا فيها الأسباب الداعية لاعتراضه وبطلب تمييزها من قبل المحكمة التمييز ويمكن حصر أسباب التمييز فيما يلي( ):
1- مخالفته نصًّا من الكتاب أو السنة أو الإجماع بصورة صريحة أو ضمنية( ).
2- مخالفته للأنظمة في الأحوال التالية:
أ- إذا كان هناك خطأ في تطبيق النظام أو تأويله.
ب- إذا كان هناك مخالفة لقواعد الإجراءات الجوهرية في المحاكمة.
3- إذا كان هناك قصور جوهري في الحكم أو مسبباته وذلك في الحالات الآتية:
أ- التجهيل في بيان صفة الوقائع.
ب- خلو الحكم من الأسباب التي عليها، فيجب أن تستند الأحكام على الأسباب التي بني عليها وعلى بيان مستند الحكم( ).
ج- عدم إثبات القاضي في حكمه الأفعال والمقاصد التي تتكون منها أركان الجريمة.
د- إذا شاب الأسباب إبهام أو غموض سواء تعلق ذلك بأركان الجريمة أو ظروفها.
هـ- إذا تناقض حكم القاضي مع ما يثبت له في وقائع جلسات المحكمة.
و- إذا ورد في تسبيب الحكم تناقض أو تضارب بين الوقائع والمنطوق وبين المقدمة والنتيجة.
ز- إغفال الفصل بأحد طلبات الادعاء العام الأساسية.
ح- تبرئة المتهم رغم التسليم بصدور اعتراف صحيح منه.
ط- عدم إدانة المتهم بالرغم من انطباق النص على القدر الثابت من الوقائع.
ي- الخطأ في تكييف الواقعة أو الخطأ في إعطاء الوصف الجرمي الصحيح( ).
وإعادة النظر يجوز لأي من الخصوم أن يطلب إعادة النظر في الأحكام النهائية الصادرة بالعقوبة في الأحوال الآتية:
1- إذا حكم على المتهم في جريمة قتل ثم وجد المدعي قتله حيًا.
2- إذا صدر حكم على شخص من أجل واقعة، ثم صدر حكم على شخص آخر من أجل الواقعة ذاتها وكان بين الحكمين تناقض يفهم منه عدم إدانة المحكوم عليهما.
3- إذا كان الحكم قد بني علي أوراق ظهر بعد الحكم تزويرها، أو بني على شهادة ظهر بعد الحكم أنها شهادة زور.
4- إذا كان الحكم بني على حكم صادر من إحدى المحاكم ثم ألغي هذا الحكم.
5- إذا ظهر بعد الحكم بينات أو وقائع لم تكن معلومة وقت المحاكمة، وكان من شأن هذه البينات أو الوقائع عدم إدانة المحكوم عليه، أو تخفيف العقوبة (م206 من نظم العدلية).

المبحث السادس
علاقة الهيئة والنيابة العامة بالسجون ودور التوقيف وتنفيذ الأحكام
حرصت المملكة العربية السعودية على الاهتمام بالسجون ودور التوقيف من نشأتها وجعلها خاضعة للتفتيش القضائي والإداري والصحي والاجتماعي وفقًا لأحكام اللائحة التنفيذية وقد نصّت هذه اللائحة على أن يقوم بالتفتيش على السجون الحاكم الإداري أو مساعده ورئيس المحكمة الشرعية أو من ينيبه من القضاة ومدير الشرطة أو مساعده( ) وربما أن من واجبات واختصاصات الإدارة العامة للسجون العمل على تهذيب السجناء دينيًا واجتماعيًا وثقافيًا العمل على تحسين أوضاع السجناء المادية في المستقبل عن طريق تأهيلهم مهنيًا والعمل على توفير وسائل الترفيه بالقدر الذي يتلاءم مع أجواء السجون( ).
ورغبة في زيادة الاهتمام بشئون الموقوفين والمسجونين جعل المنظّم السعودي من اختصاص هيئة التحقيق والادعاء العام الرقابة والتفتيش على السجون ودور التوقيف، وأي أماكن تنفذ فيها أحكام جزائية والقيام بالاستماع إلى شكاوي المسجونين، والموقوفين، والتحقق من مشروعية سجنهم أو توقيفهم، ومشروعية بقائهم في السجن، أو دور التوقيف بعد انتهاء المدة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لإطلاق سراح من سجن أو أوقف بدون سبب مشروع، وتطبيق ما تقضي به الأنظمة في حق المتسببين في ذلك، ويجب إحاطة وزير الداخلية بما يبدو من ملاحظات في هذا الشأن، ورفع تقرير له كل ستة أشهر عن حالة السجناء والموقوفين( ) ولقد جاء نظام الإجراءات الجزائية يؤكد على دور الهيئة في مجال الإشراف والرقابة على السجون حيث بين النظام ما يلي:
1- لا يجوز توقيف أي إنسان أو سجنه إلا في السجون أو دور التوقيف المخصصة لذلك نظامًا، كما لا يجوز لإدارة إي سجن أو دار توقيف قبول أي إنسان إلا بموجب أمر مسبب ويحدد المدة موقع عليه السلطة المختصة ويجب ألا يبقيه بعد المدة المحددة في هذا الأمر( ).
2- على المختصين من أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام زيارة السجون ودور التوقيف في دوائر اختصاصهم في أي وقت دون التقيد بالدوام الرسمي والتأكد من عدم وجود مسجون أو موقوف بصفة غير شرعية، وأن يطلعوا على سجلات السجون ودور التوقيف، وأن يتصلوا بالمسجونين والموقوفين، وأن يسمعوا شكاواهم وأن يتسلموا ما يقدمونه في هذا الشأن( ).
3- لكل مسجون أو موقوف الحق في أن يقدم في أي وقت لمأمور السجن أو دار التوقيف شكاوى كتابية أو شفهية، ويطلب منه تبليغها إلى عضو الهيئة التحقيق والادعاء العام، وعلى المأمور قبولها وتبليغها في الحال بعد إثباتها في سجل معد لذلك وتزويد مقدمها بما يثبت تسلمها( ).
وعلى ذلك نجد الهدف من أعمال الرقابة على السجون ودور التوقيف وإبراز دورها الأساسي لا يأتي إلا بالبحث والاستقصاء ومتابعة قضايا السجناء والموقوفين والتأكد من تنفيذ أنظمة الدولة وتعليماتها، وإلزام القائمين على السجون ودور التوقيف بذلك سوف أقوم بذكر أهم المهام والواجبات( ) في أعمال الرقابة على السجون ودور التوقيف المتمثلة فيما يلي:
أولاً: على رئيس فرع الهيئة الإشراف على أعمال الرقابة والتفتيش على السجون ودور التوقيف، وتعين المشرفين على المجموعات، وتكليف عدد كاف من الأعضاء للقيام بأعمال الرقابة والتفتيش على السجون ودور التوقيف من ذوي الخبرة والتجربة.
ثانيًا: على رئيس دائرة الرقابة على السجون ودور التوقيف متابعة أعمال الأعضاء، ومتابعة الحالات التي يقومون ببحثها أو دراستها، ويقدمون عنها تقاريرًا أو محاضرًا واتخاذ اللازم بشأنها والعمل على تذليل الصعوبات التي تواجه الأعضاء أثناء القيام بواجباتهم الوظيفية، والتنسيق مع رؤساء ومديري الإدارات وأقسام الشرطة في سبيل ذلك.
ثالثًا: على الأعضاء الالتزام بما يلي:
أ- الحضور إلى مقر فرع الهيئة في بداية الدوام لأخذ التوجيه اللازم ومن ثم الانتقال إلى الجهة المكلفين بالرقابة عليها، وعند الانتهاء من جولاتهم عليهم العودة مرة أخرى إلى مقر الفرع لعرض نتائج جولاتهم.
ب- الشخوص إلى السجون ودور التوقيف والاطلاع على الدفاتر والسجلات وأوامر القبض وملفات السجناء والموقوفين في السجون ودور التوقيف( )، والقيام بالاستماع إلى شكاوي المسجونين والموقوفين والتحقيق من مشروعية سجنهم أو توقيفهم( ).
ج- التأكد من مدى الالتزام بالأنظمة واللوائح وبالخصوص الأوامر والقرارات والأحكام، وإنه يتم تنفيذها على الوجه الصحيح، وفحص السجلات والأوراق للتعرف على أسباب تأخير البت في قضايا الموقوفين( ).
د- يراعى عضو الهيئة خلال الجولات على السجون التحقيق من أن إدارة السجن تلزم بتطبيق الأساليب الأساسية للمعاملة العقابية ولرعاية المسجونين التي من أهمها( ).
– تصنيف وعزل كل فئة من السجناء على أساس من السن ومدة العقوبة، ونوع الجريمة والسوابق وعزل المحكوم عليهم عن الموقوفين.
– التعليم ومستواه وتطبيقه.
– الوعي والتهذيب الديني والأخلاقي وتزويد السجن بمكتبة مناسبة( ).
– الرعاية الصحية والعلاج الطبي، والإفراج الصحي عن الأشخاص المصابين بعجز كلي أو أمراض تهدد حياتهم.
– الرعاية الاجتماعية للمحكوم عليهم.
– التأديب والمكافآت.
رابعًا: الكتابة عن طريق رئيس الفرع أو رئيس الدائرة للجهة المختصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة في الحالات التالية.
أ- إذا اتضح وجود موقوف أو سجين دون مستند شرعي أو نظامي أو أن الأنظمة والتعليمات توصي بإطلاق سراح السجين أو أن توقيفه وسجنه في غير المكان المخصص له، حيث نص النظام على أنه يجب على عضو الهيئة المختص إذا علم بوجود مسجون أو موقوف بصفة غير مشروعة أو في مكان غير مخصص للسجن أو التوقيف أن ينتقل فورًا إلى المكان الموجود فيه المسجون أو الموقوف وأن يقوم بإجراء التحقيق وأن يأمر بالإفراج عنه إذا كان سجنه أو توقيفه جرى بصفة غير مشروعة( ).
ب- إذا اتضح وجود أي مخالفة شرعية أو نظامية بحق سجين أو موقف( ).
ج- تطبيق ما تقضي به الأنظمة في حق من تسبب في سجن أو توقيف أي شخص بدون سبب مشروع، وكذلك في المنتسب في سجن وتوقيف شخص في غير المكان المخصص لذلك حيث نص النظام على أن يقوم العضو بتدوين محضر بذلك يرفع إلى الجهة المختصة لتطبيق ما تقضي به الأنظمة في حق المنتسبين في ذلك( ).
خامسًا: يجب إحاطة وزير الداخلية بما يبدو من ملاحظات، ورفع تقرير له كل ستة أشهر عن حالة السجناء والموقوفين( ).
في مصر:
تنص المادة 4/أ من تعليمات للنيابة الإشراف على السجون وغيرها من الأماكن التي تنفذ فيها الأحكام الجنائية أو المخصصة لحجز المعتقلين وذلك بزيارتها والإطلاع على دفاترها والاتصال بأي محبوس فيها.
كما أنها عرضت في الباب الحادي والعشرون في إدارة النيابة – الفصل الثاني تفتيش السجون يجب على المحامين العامين أو رؤساء النيابات الكلية أو من يقوم مقامهم تفتيش السجون العمومية التي تقع اختصاص كل منهم وعلى رؤساء النيابات الجزائية أو مديريها تفتيش السجون المركزية وأماكن الحجز التابعة لهم على أن يكون ذلك مرة على الأقل كل شهر، وعلى نحو مفاجئ، ولهم أن يفصحوا السجلات ويطلعوا على أوامر القبض والحبس للتحقق من مطابقتها للنماذج المقررة وقبول شكاوى المسجونين، ويجب على مأمور السجن وموظيفه أن يقدموا إليهم ما يطلبونه من بيانات في هذا الشأن (مادة 1747 من تعليمات العامة للنيابات).
ويراعى تفتيش السجون عمومية كانت أو مركزية التثبت من الأمور الآتية:
1- ان أوامر النيابة وقاضي التحقيق في القضايا التي يندب لتحقيقها وقرارات المحاكم يجري تنفيذها على الوجه المبين فيها.
2- أنه لا يوجد شخص مسجون بغير وجه قانوني.
3- عدم تشغيل مسجون لم يقض الحكم الصادر ضده بتشغيله فيما عدا الأحوال المبنية في القانون.
4- عزل كل فئة من المسجونين عن الفئة الأخرى ومعاملتهم المعاملة المقررة لفئتهم.
5- أن السجلات المفروضة طبقًا للقانون مستعملة بطريقة منتظمة ويراعى على العموم ما تقضي به اللوائح واتخاذ ما يرى لازمًا بشأن ما يقع من مخالفات (مادة 1748 من تعليمات العامة للنيابات).
ويجب على الأعضاء النيابة عند التفتيش على السجون وأماكن الحجز مراعاة القواعد الآتية:
أولاً: أن يجري التفتيش المشار إليه أقدم أعضاء النيابة.
ثانيًا: أن يقوم عضو النيابة القائم بالتفتيش بالاطلاع على أوامر الحبس أو الاعتقال أو الأمر الكتابي بالإيداع بالنسبة للمعتقل أو نماذج التنفيذ، والتثبت من وجود تلخيص لها بسجلات السجن وطلب صورة من أمر الاعتقال أن تبين عدم وجود.
ثالثًا: إذا وجد عضو النيابة محبوسًا أو محجوزًا بدون وجه حق أو في غير المكان المخصص لذلك، يحرر على الفور محضرًا بالواقعة يأمر فيه بالإفراج عنه فورًا في الحالة الأولى وبالإيداع في المكان المخصص لذلك في الحالة الثانية، مع إثبات ذلك في المحضر موضحًا به ساعة وتاريخ هذا الإجراء وشخص وتوقيع مستلم الأمر بالإفراج أو الإيداع.
رابعًا: يستكمل عضو النيابة محضر التفتيش عند عودته إلى مقر النيابة ويضمنه ما لاحظه من جرائم ومخالفات، ثم يبادر بإخطار المحامي العام للنيابة الكلية بذلك ويرسل إليه ذلك المحضر.
خامسًا: إن لم يسفر التفتيش عن ثمة ملاحظات ما فإنه يكتفي بأن يوقع عضو النيابة على دفاتر السجن أو مكان الحجز بما يفيد إجراء التفتيش (مادة 1749 من تعليمات العامة للنيابات).
ويعهد المحامي العام إلى أحد أعضاء النيابة الكلية بإجراء التحقيق فيما تضمنه محضر التفتيش المشار إليه في المادة السابقة من جرائم ومخالفات، ويرسل القضية مشفوعة بالرأي إلى النائب العام المساعد عن طريق المحامي العام الأول للنيابة الاستئاف (مادة 1749 مكررًا من تعليمات العامة للنيابات).
الأماكن المخصصة لحجز المعتقلين المحددة بقرار من وزير الداخلية عملا بالمادة (1) مكررًا من قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 والمضافة بالقرار بقانون رقم 57 لسنة 1968 لا يجوز دخولها إلا لمن يندب النائب العام لذلك من المحامين أو رؤساء النيابة وعلى رؤساء النيابات الجزئية أو مديريها إخطار النائب العام عن طريق المحامين أو رؤساء النيابات الكلية بما يكون في دوائرهم من هذه الأماكن (مادة 1750 من تعليمات العامة للنيابات).
في تنفيذ الأحكام:
الأحكام لا يجوز تنفيذها إلا إذا أصبحت نهائية (مادة 215 من النظم العدلية).
يفرج في الحال عن المتهم الموقوف إذا كان الحكم صادرًا بعدم الإدانة، أو بعقوبة لا يقتضي تنفيذها السجن، أو إذا كان المتهم قد قضى مدة العقوبة المحكوم بها في أثناء توقيفه (مادة 216 من النظم العدلية).
إذا كان المحكوم عليه بعقوبة السجد قد أمضى مدة موقوفًا بسبب القضية التي يصدر الحكم فيها وجب احتساب مدة التوقيف من مدة السجن المحكوم بها عند تنفيذها.
ولكل من أصابه ضرر نتيجة اتهامه كيدًا، أو نتيجة إطالة مدة سجنه أو توقيفه أكثر من المدة المقررة الحق في التعويض (مادة 217 من النظم العدلية).
ويجوز للمحكمة التي أصدرت الحكم بالإدانة أن تأمر بتأجيل تنفيذ الحكم الجزائي لأسباب جوهرية توضحها في أسباب حكمها، على أن تحدد مدة التأجيل في منطوق الحكم (مادة 218 من النظم العدلية).
يرسل رئيس المحكمة الحكم الجزائي الواجب التنفيذ الصادر من المحكمة إلى الحاكم الإداري لاتخاذ إجراءات تنفيذه. وعلى الحاكم الإداري اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ الحكم فورًا (مادة 219 من النظم العدلية)ز
تنفذ الأحكام الصادرة بالقتل، أو الرجم، أو القطع بعد صدور أمر من الملك أو من ينيبه (مادة 220 من النظم العدلية فقرة أ).
ويشهد مندبو الحاكم الإداري والمحكمة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشرطة تنفيذ الأحكام الصادرة بالقتل، أو الرجم، أو القطع، أو الجلد (مادة 220 من النظم العدلية فقرة ب).

الخاتمة
نخلص من هذا البحث إلى ما يلي:
– إن هيئة التحقيق والادعاء العام هيئة مستقلة عن السلطة القضائية والسلطة التنفيذية يحكمها نظام خاص بها.
– إن النيابة العامة في معظم الدول العربية تندرج في قانون السلطة القضائية أو قانون القضاء، وانحصر الخلاف في مسألتين:
تنظيم التشريعات الجنائية العربية للنيابة العامة.
المسألة الأولى: تتعلق بتحديد الشخص الإجرائي الذي يباشر إجراءات المداعاة.
المسألة الثانية: بوحدة الكيان الداخلي للنيابة العامة أو تعدده.
1- بالنسبة للشخص الإجرائي المختص بمباشرة إجراءات المداعاة:
يسند الجانب الغالب من التشريعات العربية مباشرة إجراءات المداعاة إلى النيابة العامة مثل القانون اللبناني والسوري والأردني والليبي والتونسي والعراقي.
وقد نصت المادة 9 من قانون الإجراءات الكويتي رقم 30 لسنة 1961 على أن “تتولى النيابة العامة سلطة التحقيق والتصرف والإدعاء في الجنايات ويتولى سلطة التحقيق والادعاء في الجنح محققون يعينون لهذا الغرض في دائرة الشرطة والأمن العام. وتثبيت صفة المحقق أيضًا لضباط الشرطة الذين يعينهم النظام الداخلي المنصوص عليه في المادة 38 “كما تنص المادة 38 (معدلة بالقانون رقم 30 لسنة 1961) على أن “يباشر المحققون اختصاصاهم في التحقيق الابتدائي المنصوص عليه في هذا الباب وفقًا للنظام الداخلي الذي يصدر به قرار من رئيس الشرطة والأمن العام”.
أما المشرع البحراني فقد أسند إجراءات التحقيق إلى “المحكمة أو الرئيس” وإلى “المحكمة الكبرى” فالشخصان الإجرائيان الأولان من صلاحيتهما القبض أو إصدار الأمر بالقبض في أي وقت (المادة 16أ البحراني) ولهما إجراء التحقيق ذاته (المادة 65أ البحراني) والمحكمة الكبرى من صلاحيتها مباشرة إجراء الإعلان والضبط (المادة 43أ البحراني) والإفراج (م.7أ البحراني).
2- بالنسبة لوحدة الكيان الداخلي للنيابة العامة وتعدده:

هناك من التشريعات العربية ما يعتنق وحدة الكيان الداخلي للنيابة العامة فيجعل المهيمنة فيها لشخص إجرائي واحد أصيل هو الذي يتلقى الوكالة من الدولة بصفتها شخصًا معنويًا هو صاحب الحق في العقاب، بحيث يعتبر من عداه من أعضاء النيابة العامة وكلاء له من الباطن.
ومن هذه التشريعات المصري والليبي والتونسي وأصول المحاكمات الجزائية البغدادي.
وهناك جانب من التشريعات العربية يعتنق مبدأ “تعدد” الكيان الداخلي للنيابة العامة فيوجد أكثر من نيابة تتدرج على نحو هرمي يختص كل منها بصلاحية إجرائية معينة. من هذه التشريعات قانون أصول المحاكمات الجزائي اللبناني والسوري وقد درج الكيان الداخلي للنيابة العامة على النحو الآتي:
في القمة المدعي العام التمييزي، ثم المدعي العام الاستئنافي وبعدهما المدعي العام ولكل من هؤلاء الأشخاص الإجرائيين صلاحية تحددها المحكمة التي يمثل النيابة العامة أمامها.
كما يذكر قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني الذي يدرج الكيان الداخلي للنيابة العامة على النحو الآتي:
المدعي العام التمييزي والنائب العام الاستئنافي والنائب العام البدائي ويمثل النيابة العامة أمام إحدى المحاكم الابتدائية ومحاكم الصلح التابعة لها وإقليميًا.
– موقف التشريعات الجنائية العربية من مشكلة الفصل بين سلطة الاتهام والتحقيق:
1- يعتنق بعض التشريعات مبدأ الفصل بين النيابة العامة وقاضي التحقيق فيجعل من الأخير شخصًا إجرائيًا أصيلاً في التحقيق والاتهام. مثل قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني (م51 وما بعدها، والمادة 56 وما بعدها بالنسبة لمباشرته للتحقيق، والمادة 130 وما بعدها بالنسبة لتصرفه في التحقيق) وقانون المحاكمات الجزائية السوري (المادة 52 وما بعدها والمادة 57 وما بعدها بالنسبة لمباشرته لإجراءات التحقيق، المادة 131 وما بعدها بالنسبة لتصرفه في التحقيق).
ومجلة الإجراءات الجزائية التونسية تقرر في المادة 47 منها أن “التحقيق وجوبي في مادة الجنايات، أما في مادة الجنح والمخالفات فهو اختياري ما لم ينص القانون على خلاف ذلك “ثم تضيف المادة 48” يقوم بوظائف التحقيق حاكم (أي قاضي) معين بأمر.. وتجعل المادة 105 وما بعدها “التصرف في التحقيق لقاضي التحقيق”.
في هذه التشريعات لا تقتحم النيابة مجال التحقيق إلا في حالة الجرائم المتلبس بها.
2- الاتجاه الثاني يعقد الاختصاص أصلاً للنيابة العامة ولقاضي التحقيق استثناء من هذا الاتجاه قانون الإجراءات الجنائية المصري (م64 إجراءات مصري) والمشرع الليبي في المادة 51 من قانون الإجراءات الجنائية الليبي.
3- الاتجاه الثالث تنفرد في ظله النيابة العامة بالتحقيق والادعاء ومثاله قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني حيث يعقد الاختصاص للنيابة العامة في تحقيق الجرائم المشهودة (م30) وفي الجرائم غير المشهودة (م43) ويمنحها صلاحية التصرف في التحقيق بعد أن تنتهي منه (م130 وما بعدها).
4- اتجاه يشرك “محققين” مع النيابة العامة في مباشرة التحقيق والإدعاء.
يسلك هذا الاتجاه المشرع الكويتي في المادة التاسعة من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية بعد تعديلها بالقانون رقم 30 لسنة 1961 “تتولى النيابة سلطة التحقيق والتصرف والإدعاء في الجنايات، ويتولى سلطة التحقيق والإدعاء في الجنح محققون يعينون لهذا الغرض…”.
5- وهناك اتجاه يخول رجال الشرطة صلاحية مماثلة لأعضاء النيابة العامة ولكن تحت إشراف “المحكمة” من هذا الاتجاه قانون أصول المحاكمات الجزائية البحراني الذي يخول كل شرطي أو ناطور حكومي صلاحية القبض في حالة الاشتباه المادة (1) ويخول رجال الشرطة تفتيش الشخص المقبوض عليه أو الأمر بتفتيشه (المادة 27) ولهم إجراء التحري. والتحري معناه جمع أدلة الجريمة (م73).

المراجع
– الاتجاهات الحديثة للمحاكمات الجزائية (بين القديم والحديث)؛ للدكتور طه زاكي صافي، بيروت، المؤسسة الجامعية، ط1، سنة 1423هـ – 2003م.
– الإجراءات الجنائية؛ للدكتور رؤوف عبيد، القاهرة، دار الفكر العربي، ط11، سنة 1976م.
– الإجراءات الجنائية تأصيلا وتحليلا؛ للدكتور رمسيس بنهام، الإسكندرية، منشأة المعارف، ط 1984م.
– الإجراءات الجنائية في التشريع المصري، الدكتور مأمون سلامة، القاهرة، مطبعة غريب سنة 1996م.
– الإجراءات الجنائية في المملكة العربية السعودية، للدكتور سعد بن علي ظفير، الرياض، دون بيان للناشر أو المطبعة، سنة 1424هـ – 2003م.
– الإجراءات الجنائية المقارنة؛ للدكتور أحمد عوض بلال، القاهرة، دار النهضة العربية، سنة 1411هـ – 1990م.
– أحكام الدفوع في نظام المرافعات الشرعية السعودي، للدكتور فؤاد عبدالمنعم – والمستشار الحسين علي غنيم، الإسكندرية، المكتب العربي الحديث، سنة 2002م.
– استجواب المتهم بمعرفة سلطة التحقيق؛ فهذا السبهان، دبي، ط1، سنة 1416هـ.
– اعتراف المتهم، للدكتور سامي صادق الملا، القاهرة، دار النهضة العربية، سنة 1969م.
– الادعاء العام وأحكامه في الفقه والنظام؛ للدكتور طلحة بن عبدالرحمن غوث، الرياض كنوز إشبيليا، ط1، 1425هـ – 2004م.
– أصول المحاكمات الجزائية؛ للدكتور عبدالوهاب حومد، دمشق، ط4، 1407هـ – 1987م.
– أصول المحاكمات الجزائية، القاعدة الإجرائية، الدعوى العمومية؛ للدكتور جلال ثروت، طبعة الإسكندرية.
– أصول المحاكمات الجزائية؛ للدكتور حسن جوخدار، منشورات، جامعة دمشق، ط7، 1417هـ – 1998م.
– أصول الإجراءات الجنائية؛ للدكتور محمد محيي الدين عوض، الرياض، 1423هـ – 2002م.
– أصول التحقيق الجنائي وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية، للدكتور مدني عبدالرحمن، الرياض، معهد الإدارة، 1425هـ – 2004م.
– أصول التشريع في المملكة العربية السعودية؛ للدكتور عبدالمجيد محمد الحفناوي، طبع على نفقة المؤلف دون بيان الناشر وتاريخ الطبعة.
– أصول نظام الحكم في الإسلام مع بيان التطبيق في المملكة؛ للدكتور فؤاد عبدالمنعم، الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة، 1991م.
– تحريات الشرطة وتحقيقاتها واقعًا وقانونًا في الوضع الكويتي؛ للعميد عبدالله ملا حسين التركيت، الكويت – وزارة الداخلة 1997م.
– تشريعات السلطة القضائية في دولة الإمارات العربية المتحدة دارسة مقارنة بالشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية؛ للمستشار محمود الخضيري، دولة الإمارات، ط1، 1416هـ – 1996م.
– تطور الإجراءات الجنائية في المملكة؛ عبدالله القحطاني، الرياض، طبع على نفقة المؤلف، ط1، 1418هـ- 1998م.
– تنظيم الإجراءات الجزائية في التشريعات العربية؛ للدكتور محمد إبراهيم زيد، الرياض – دار النشر بالمركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب عام 1410هـ، ج1.
– حق الدولة في العقاب (نشأته وفلسفته، اقتضاؤه، وانقضاؤه)؛ للدكتور عبدالفتاح مصطفى الصيفي، الإسكندرية، دار الهدى، ط2، 1985م.
– حقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية؛ للدكتور محمد محيي الدين عوض، القاهرة، ط1، سنة 1989م.
– دروس في أصول المحاكمات الجزائية؛ للدكتور مصطفى العوجي، بيروت، مؤسسة نوفل.
– شرح القواعد العامة للإجراءات الجنائية؛ لعبدالرءوف مهدي، القاهرة، دار النهضة العربية، سنة 2002م.
– شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية؛ للدكتور علي عبدالقادر القهوجي، بيروت، الدار الجامعية، سنة 1995م.
– شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية؛ للدكتورة فوزية عبدالستار، القاهرة، دار النهضة العربية، سنة 1975م.
– شرح قانون الإجراءات الجنائية، للدكتور محمد عيد غرب، القاهرة، دار النهضة العربية، ط2، سنة 1996م.
– الشرعية والإجراءات الجنائية؛ الدكتور أحمد فتحي سرور، القاهرة، دار النهضة العربية، سنة 1977م.
– في التحقيق الجنائي العلمي والعملي؛ للدكتور فؤاد عبدالمنعم أحمد، الإسكندرية، المكتبة المصرية، سنة 2002م.
– في الدعوى الجنائية في الفقه الإسلامي مع بيان التطبيق في المملكة العربية السعودية؛ للدكتور فؤاد عبدالمنعم أحمد، الإسكندرية، المكتب العربي الحديث، سنة 2001م.
– قانون الإجراءات الجزائية؛ للدكتور محمد الجازوي، بنغازي، الجماهيرية الليبية، ط1، سنة 1400هـ – 1990م.
– مبادئ الإجراءات الجنائية في التشريع المصري؛ للدكتور نجاتي سيد أحمد، القاهرة، مطابع الطويحي، سنة 1994م.
– المبادئ العامة في قانون الإجراءات الجنائية؛ للدكتور عوض محمد عوض، الإسكندرية، دار المطبوعات الجامعية، سنة 1999م.
– محاضرات في قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني والمقارن؛ للدكتور فاروق الكيلاني، الأردن، الفارابي، ط2، 1985م.
– المدخل لدراسة الأنظمة؛ للدكتور عبدالرزاق الفحل وآخرين، جدة، دار الآفاق، سنة 1412هـ – 1993م.
– مدى حق وضمانات المحامي في الدفاع عن المتهم في مراحل الدعوى الجنائية؛ أحمد الحاكم، دار النشر بدون، 2001م.
– المرصفاوي في قانون الإجراءات الجنائية مع تطوراته التشريعية ومذكراته الإيضاحية والأحكام في مائة عام؛ للدكتور حسن صادق المرصفاوي، القاهرة، منشأة المعارف، سنة 2000م.
– المركز النظامي لهيئة التحقيق والادعاء في المملكة العربية السعودية؛ لعبدالعزيز فهد السلطان، بحث تكميلي لدرجة الماجستير، جامعة نايف، سنة 1425هـ – 2004م.
– المركز القانوني للنيابة العامة؛ للدكتور محمد عيد الغريب، القاهرة، دار الفكر العربي، سنة 1979م.
– معين الأحكام فيما تردد بين الخصمين من الأحكام، القاهرة، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط2، سنة 1393هـ.
– النظرية العامة في التوقيف الاحتياطي (دراسة مقارنة)؛ للدكتور واصف العريف، بيروت، منشورات الحلبي الحقوقية، ط1، 2004م.
– النظرية العامة للتكيف القانوني للدعوى في قانون المرافعات؛ محمد محمود إبراهيم، القاهرة، دار الفكر العربي، 1982م.
– نظم الإجراءات الجنائية؛ للدكتور جلال ثروت، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة، سنة 1997م.
– الوجيز في شرح قانون الإجراءات الجنائية الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ للدكتور مدحت رمضان، القاهرة، دار النهضة العربية، 2001م.
– الوسيط في شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية؛ للدكتور محمند علي الحلبي، الأردن، عمان، دار الثقافة، ط 1996م.
– المدخل لدراسة الأنظمة؛ للدكتور عبدالرزاق الفحل وآخرين، جدة، دار الآفاق، سنة 1412هـ – 1993م.
– مدى حق وضمانات المحامي في الدفاع عن المتهم في مراحل الدعوى الجنائية؛ أحمد الحاكم، دار النشر بدون، 2001م.
– المرصفاوي في قانون الإجراءات الجنائية مع تطوراته التشريعية ومذاكرته الإيضاحية والأحكام في مائة عام؛ للدكتور حسن صادق المرصفاوي، القاهرة، منشأة المعارف، سنة 2000م.
– المركز النظامي لهيئة التحقيق والادعاء العام في المملكة العربية السعودية؛ لعبدالعزي فهد السلطان، بحث تكميلي لدرجة الماجستير، جامعة نايف، سنة 1425هـ – 2004م.
– المركز القانوني للنيابة العامة؛ للدكتور محمد عيد الغريب، القاهرة، دار الفكر العربي، سنة 1979م.
– معين الأحكام فيما تردد بين الخصمين من الأحكام، القاهرة، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط2، سنة 1393هـ.
– النظرية العامة في التوقيف الاحتياطي (دراسة مقارنة)؛ للدكتور واصف العريف، بيروت، منشورات الحلبي الحقوقية، ط1، 2004م.
– النظرية العامة للتكييف القانوني للدعوى في قانون المرافعات؛ محمد محمود إبراهيم، القاهرة، دار الفكر العربي 1982م.
– نظم الإجراءات الجنائية؛ للدكتور جلال ثروت، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة، سنة 1997م.
– الوجيز في شرح قانون الإجراءات الجنائية الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ للدكتور مدحت رمضان، القاهرة، دار النهضة العربية، 2001م.
– الوسيط في شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية؛ للدكتور محمد علي الحلبي، الأردن، عمان، دار الثقافة، ط 1996م.