بحث قانوني متميز عن الثمن وشروطه في القانون

إن علاقة الفرد بغيره من حيث التعاملات الاقتصادية و التبادلات التي تهدف إلى تلبية حاجاته يلجأ لإبرام عقود وذلك لتكون تعاملاته رسمية ومن أمثلة هذه العقود عقد الهبة،الوصية، الإيجار، الزواج، البيع، ولكل نوع من هذه العقود أركان خاصة به وموضوع دراستنا اليوم هو ركن من أركان عقد البيع ألا وهو الثمن في عقد البيع وأحكامه في القانون الجزائري.
ولبسط شيء من الضوء على جوانب الموضوع نصيغ الإشكالية الرئيسية التالية:
– كيف عرف المشرع الجزائري الثمن؟ وما هي شروطه وأحكامه؟
وللإجابة على هذه الإشكالية ارتأينا تقسيم بحثنا إلى مبحثين خصصنا المبحث الأول لماهية الثمن الذي تضمن تعريف الثمن وتمييزه عن القيمة والسعر وشروط الثمن وأساس تحديده أما المبحث الثاني فتناولنا فيه الآثار المترتبة عن الثمن وهو بدوره يحتوي على جزاء التأخير في دفع الثمن وجزاء عدم دفع الثمن وختمنا بحثنا بخاتمة تضمنت أهم النتائج أما عن المنهج المتبع فقد استعنا بالمنهج التحليلي لأنه يساعد على فهم الموضوع.

المبحث الأول: ماهية الثمن

المطلب الأول: تعريف الثمن

الثمن هو المبلغ النقدي الذي يلتزم المشتري بالوفاء به للبائع، مقابل حصوله على الشيء المبيع، فهو محل الالتزام الرئيسي والعنصر الأساسي في عقد البيع، بحيث أنه لا ينعقد البيع إلا إذا تم الاتفاق على المبيع والثمن(1)

المطلب الثاني: تمييز الثمن عن القيمة والسعر

قد يحدث خلط بين ثمن الشيء وقيمته وعلى هذا الأساس لابد من تمييز الثمن عن القيمة فالثمن هو ما يتلقاه البائع مقابل حصول المشتري على الشيء المبيع، ولا يشترط فيه أن يكون متساويا مع القيمة الحقيقية للشيء المبيع.
كمثل من يشتري سيارة ثمنها 500.000 دج على أساس أن قيمتها الحقيقية 800.000دج أما بالنسبة للسعر فهو قيمة الوحدة عندما يكون الشيئ معدودا أو موزونـا أو مقيما مثلا يبلغ ثمن 50متر من القماش 5000.00 دج على اساس أن سعر المتر الواحد 100.00دج(2).

المطلب الثالث: شروط الثمن

الفرع الأول: أن يكون الثمن نقدي
فمن خلال نص المادة 351 ق.م.ج « البيع عقد يلتزم بمقتضاه البائع أن ينتقل للمشتري ملكية الشيء أو حقا ماليا آخر في مقابل ثمن نقدي»، فيستخلص من خلال هذه المادة أن المشتري أكد على أن يكون الثمن نقدي لا غير، مثلا: لا يقدم ذهبا أو ما يعادل الذهب لانعدام النقد حتى ولو كان لهذا الذهب سعر نقدي معروف في البورصة لأن العبرة بالنقد وقت التعاقد(3)، لأن بإنعدام الثمن لا يكون العقد بيعا وإنما هبة وإذا لم يكن المبلغ نقودا فإن العقد يعتبر مقايضة وليس بيعا(4).
إلا أنه قد تحدث صعوبة في تكييف العقد إذا كان المقابل مبلغا من النقود مع شيء آخر مثلا: يبيع شخص حديقة متميزة مقابل منزل ومبلغا من النقود، فهذا العقد يظهر ذو طبيعة مزدوجة فإذا نظرنا إلى النقود كمقابل فهو بيع وإذا نظرنا إلى المنزل كمقابل فهو مقايضة فأختلف الفقه في تكييف هذا العقد، هناك من أيد أحكام القضاء الفرنسي الذي اعتبر العقد مقايضة في حدود قيمة المنزل وبيعا في حدود المبلغ النقدي باعتبار تكملة للمقابل وهناك من رأى ضرورة تغلب احد التكييفين، وذلك بمعرفة نية المتعاقدين ما إذا كانت متجهة إلى إبرام بيع، أو مقايضة، وانتقد هذا الرأي على أساس النية لا تؤثر على تكييف العقد والقاضي غير ملزم بتكييف المتعاقدان للعقد، بل يكيفه وبصفة الوصف الصحيح طبقا لأحكام القانون.
ورآه البعض أن تخليف احد التكييفين يكون على أساس نسبة مقدار النقود إلى جملة المقابل فإذا كانت النقود هي الجزء الأكبر كان العقد بيعا أما إذا كان العكس فهو مقايضة بمعدل ويبقى هذا رأي المشرع الجزائري، وفقا لنص المادة 414 ق.م.ج.

الفرع الثاني: أن يكون الثمن مقدرا او قابل لتقدير
وأساس هذا الشرط أن يتفق طرفا العقد على الثمن بتعيينه تعيينا دقيقا وصريحا برقم معين في العقد كما لو حدد الثمن بمبلغ 5000 دج، بحيث أن ذلك التحديد لا يدع مجال للمنازعة مستقبلا(5)، ولا يشترط في الثمن الإمكانية والمشروعية لأن دفع الثمن نقدا دائما ممكنا ومشروعا، وإذا لم يحدد المتعاقدان ثمن المبيع فلا يترتب على ذلك بطلان العقد لأنه قد يكون التقدير ضمنيا وذلك متى تبين من ظروف المتعاقدان قد نويا اعتماد السعر المتداول في التجارة إذا كان للمبيع سعر متداول، أو سعر الذي جرى عليه التعامل بينهما(6).
إلا أن من الناحية العملية لا يعني أن تقدير الثمن يكون دائما متفق عليه لأن بالنسبة لبيع المنقولات يحدد مقدار الثمن احد المتعاقدان وغالبا ما يكون البائع ويقبله المشتري أما في بيع العقارات يقدر الثمن عن طريق تفاوض بين المتعاقدان وغالبا ما ينتهي بتفاقهما عليه، ويكون الثمن قابل للتقدير في المستقبل وذلك بتبيان الأسس الموضوعية التي يستند عليها وفقا لما جاء في نص المادة 356 ق.م.ج« يجوز أن يقتصر تقدير ثمن المبيع على بيان الأسس التي يحدد بمقتضاها فيما بعد» ويشترط في الأسس التي تجعل الثمن قابلا للتقدير الوضوح التام ومتفق عليها مستقبلا وان تكون غير متوقفة على إرادة منفردة (7).

الفرع الثالث: أن يكون الثمن جديا وليس صوريا
وذلك بتحديده صراحة في العقد، ويكون موجود فإذا حدد المتعاقدان الثمن في العقد بمبلغ نقدي يتناسب تقريبا مع قيمة المبيع واتفقا في نفس الوقت بورقة ضد وذلك على أن البائع لا يحصل على الثمن، لأن الثمن في الواقع غير موجود فهنا لا نكون امام بيع انما هبة مستترة في صورة بيع ولهذا يجب حتى يعتد بالثمن أن يكون جديا وموجودا وليس صوريا(Cool.
لأنه لو كانت الصورية في الثمن مستترة في عقد البيع فن اتباعها يخضع لقواعد العامة، فإذا ذكر الثمن في العقد بالكتابة فعلى من يتمسك بالصورية الإثبات بالكتابة أيضا، أما إذا طعن وارث أحد المتعاقدان في تصرف مورثه وألحق هذا التصرف ضرر بحقه في الميراث فيجوز له إثبات الصورية بكافة الطرق بما فيها البينة والقرائن.
وصورية الثمن لا تؤدي إلى بطلان العقد وإنما تحوله إلى عقد هبة مكشوفة أما إذا تم عقد البيع بذكر الثمن جدي وبعد ذلك تنازل عليه البائع للمشتري بعد البيع فيبقى العقد صحيحا وتجوز فيه الشفعة(9).

الفرع الرابع : أن يكون الثمن حقيقيا وليس تافها
وأساس هذا الشرط أن يكون الثمن المقدر حقيقيا بحيث يتناسب مع قيمة المبيع وأن لا يكون تافها مما يظهر أن العقد ليس فيه ثمن مثلا كما يبيع سيارة فخمة بثمن 20000.00دج في هذه الحالة يعد الثمن كأنه غير موجود وبالتالي إذا تخلف الثمن كان العقد باطلا لتخلف محل الالتزام المشتري ويعتبر هنا هبة مكشوفة(10).
وقد أثار في القضاء الفرنسي مثلا في تفاهة الثمن، بيع عين بثمن يساوي الربع الذي تنتجه هذه العين لمدة الحياة البائع أو يقل عنها، فذهبت أغلب أحكامه إلى أنه لا جدية في اشتراط الثمن في هذه الحالة لأنه تافه ويعد معدوما ولا يقوم به عقد البيع.

الفرع الخامس: أن يكون الثمن متعادلا بالتقريب مع المبيع وليس بخسا
فالمفروض أن يكون الثمن متعادلا تقريبا مع قيمة الشيء المبيع، فإذا كان الثمن اقل قيمة من المبيع بشكل خارج عن المألوف، كان هذا عدم التعادل الذي لا يقبل في البيع ولهذا إذا كان عدم التعادل الذي لا يقبل في البيع. كان الثمن بخسا أي به غبن فاحش يجب أن يقوم العقار بحسب قيمته وقت البيع، وتجدر بنا الإشارة إلى التمييز بين الثمن التافه والثمن البخس فالثمن التافه يبطل عقد البيع أما الثمن البخس فلا يبطله وإنما يحق طلب تكملة الثمن(11).
وتنص المادة 358 ق.م.ج على أنه إذا بيع عقار بغبن يزيد عن الخمس فللبائع الحق بطلب تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن المثل ويجب لتقدير ما إذا كان الغبن يزيد عن الخمس أن يُقََوَمَ العقار بحسب قيمته وقت البيع ويلاحظ أن القانون الجزائري اختلف مع القانون المصري والقوانين العربية التي حذت حذوه في الطعن بالغبن في القانون الجزائري الذي يكون في كل البيوع العقارية سواء كانت لكامل الأهلية أو ناقص الأهلية على عكس ما جاء في القانون المصري حيث يطعن بالغبن فقط العقار المملوك لناقص الأهلية.
والهدف الأول من دعوى الغبن هو تكملة الثمن إلى أربعة أخماس الثمن المثل وإذا لم يكمل المشتري الثمن إلى هذا القدر فللبائع المطالبة بالفسخ.
وتنص المادة 359 أنه تسقط بالتقادم دعوى تكملة الثمن بسبب الغبن إذا انقضت 3 سنوات من يوم انعقاد البيع وبالنسبة لعديمي الأهلية تبدأ من يوم انقضاء العجز.

وشروط دعوى الطعن بالغبن هي:
أولا: أن يكون العقد بيعا.
ثانيا: أن يكون البيع تم باتفاق الطرفين فلا يطعن بالغبن في البيع الذي تم في المزاد العلني.
ثالثا: يشترك أن يكون المبيع عقارا ماديا أو حقا عينيا على العقار ويلاحظ أن العقار بالتخصيص منقول في الأصل فإذا بيع مستقلا عن العقار فلا طعن فيه بالغبن.
رابعا: الطعن بالغبن مقصور على البائع وخلفه العام فلا يمكن للمشتري أن يطعن بالغبن.
خامسا: يشترط أن يزيد الغبن عن خمس قيمة الشيء المبيع فإذا بلغ الثمن أو أربعة أخماس قيمته أو تجاوزها فلا يقبل الطعن بالغبن .
سادسا: يجب أن ترفع دعوى الطعن بالغبن خلال ثلاث سنوات من يوم انعقاد البيع.
سابعا: أن يتم شهر الدعوى عملا بالمادة 85 من المرسوم رقم 76-63 الذي يتعلق بتأسيس السجل التجاري.

المبحث الثاني: أساس تحديد الثمن

كما سبق الذكر أنه لا يكفي أن يكون الثمن قابل للتقدير بالاتفاق بين البائع والمشتري صراحة أو ضمنا فلا يستقل به أحدهما دون الآخر فلا يستقل به البائع لأنه قد يغبن المشتري ولا يستقل به المشتري لأنه قد يبخس الثمن فيغبن البائع، إذن لابد أن يكون تعيين الثمن أو قابليته للتعيين متفقا عليه بين المتعاقدان، لكن ليس من الضروري أن تكون القيمة مقدرة فعلا باتفاق المتعاقدين، بل يكفي أن تكون قابلة للتقدير باتفاقهما، كأن يتفقا على أن يترك تقدير الثمن للأجنبي(12).

المطلب الأول: تحديد الثمن على أساس سعر السوق

قد لا يحدد المتعاقدان الثمن ويتفقان على أن يكون ثمن المبيع خاضع لسعر السوق ولهذا يكون أساس تقدير الثمن موضوعي وليس شخصي، ومن ثم ينعقد العقد صحيحا والغالب أن يحدد المتعاقدان السوق الذي يقدر على أساسه الثمن، وإذا لم يحدد السوق فإنه يعتد بالسوق الذي استلم فيه المبيع أما إذا استلم المبيع في مكان ليس به سوق فيتم الرجوع إلى العرف لتحديد أقرب سوق، وذلك وفقا لما جاء في نص المادة 356 « فإذا وقع الاتفاق على أن الثمن هو سعر السوق وجب عند الشك الرجوع إلى سعر السوق الذي يقع فيه تسليم المبيع للمشتري في الزمان والمكان، فإذا لم يكن مكان التسليم سوقا، وجب الرجوع إلى سعر السوق في المكان الذي يقضي العرف أن يكون أسعاره هي السارية» وهنا يكون الثمن قابلا للتقدير

المطلب الثاني: تحديد الثمن الذي اشترى به البائع.

في بعض الحالات يتفق المتعاقدان على أن ثمن المبيع هو الثمن الذي اشترى به البائع فيشتري المشتري البضاعة بنفس الثمن الذي اشتراها به البائع أو بأكثر أو اقل. فإذا كان بأكثر سمي بيع المرابحة وإذا كان بأقل فيسمى بيع الوضيعة أما إذا كان بنفس الثمن فيسمى بيع التولية وسميت هذه البيوع في الشريعة الإسلامية ببيع الأمانة.

الفرع الأول: بيع المرابحة
هو بيع بنفس الثمن مع زيادة ثمن الربح مثلا كأن يبيع شخص لشخص آخر سيارة مع زيادة قدرها 50.00دج ويشترط في بيع المرابحة أن يكون الثمن الذي اشترى به البائع معلوما حين العقد بحيث يلحق به المصاريف مثل تكاليف النقل والرسوم ونفقات تحرير العقد، مثال: أن يشتري شخص سيارة بثمن 800.00دج ومصاريفها 90.000دج أما إذا أصاب المبيع عيب أو نقص منه فلا يجوز بيعه بنفس الثمن بل عليه أن ينقص من الثمن بقدر ما نقص من المبيع.
أما الشرط الثاني فهو أن يكون مقدار الربح محدد بشكل جزافي ومعلوم للمتعاقدان كأن يقول البائع للمشتري بعتك السلعة برأس مالها مع ربح قدره 20.00 دج.
أو يحدد مقدار الربح بنسبة مئوية كأن يقول البائع للمشتري بعتك السلعة برأس مالها مع زيادة قدرها 100 0/0 من رأس المال(12).

الفرع الثاني: بيع الوضيعة
هو بيع بنفس الثمن الذي اشترى بع البائع مع إنقاص شيء منه.
مثال: اشترى شخص سيارة بثمن 800.000دج واتفق مع شخص آخر أن يبيعه إياها عن طريق الوضيعة بثمن 750.00دج.
ويشترط في بيع الوضيعة أن يكون رأس المال معلوما لذا المتعاقدان ومقدار الخسارة محددا حين العقد(13).

الفرع الثالث: بيع التولية
وهو بيع بنفس الثمن الذي اشترى به البائع دون زيادة أو نقصان كأن يبيع شخص سيارة اشتراها بثمن 900.000دج بنفس الثمن لشخص آخر دون ربح أو خسارة ولتحقيق ذلك يجب أن يكون رأس المال معلوما حين العقد ويكون البيع دون زيادة أو نقصان(14).

المطلب الثالث: تحديد الثمن على أساس السعر المتداول في التجارة.

قد لا يحدد المتعاقدان ثمن للمبيع، ونعرف انه ذا لم يحدداه نهائيا فن البيع باطل لانعدام ركن من أركانه أما إذا كان سكوتهما عن تحديد الثمن تبعا للظروف والملابسات يقصدان الرجوع إلى الثمن المتداول في التجارة الذي جرى عليه التعامل بينهما، وإغفال الثمن كان بسبب هذه المعاملات والمقصود به الرجوع إلى هذه المعاملات، وفق نص المادة 357 ق.م.ج.
« إذا لم يحدد المتعاقدان ثمن المبيع فلا يترتب على ذلك بطلان البيع متى تبين أن المتعاقدان نويا الاعتماد على السعر المتداول في التجارة، أو السعر الذي جرى عليه التعامل بينهما» وهنا أيضا الثمن يكون قابلا للتقدير.

المطلب الرابع: تحديد الثمن عن طريق أجنبي

يجوز أن يتفق المتعاقدان على أن يترك تحديد الثمن لتحكيم الغير إذا امتنع و عجز هذا الأخير عن تقدير الثمن فلا ينعقد العقد.
ويشترط لصحة تحديد الثمن عن طريق الغير أن يكون الغير مستقلا استقلال تام في مواجهة طرفي العقد.
وإذا اتفق المتعاقدان على أن الأجنبي هو الذي يحدد الثمن هنا يقوم العقد صحيحا واقف على شرط قيام الأجنبي بتقدير الثمن.
فإذا توفي الأجنبي أو تعذر عليه تقدير الثمن أو امتنع عن تقديره هنا يكون العقد وكأنه لم ينعقد ولا يجوز اللجوء للقضاء لتحديد الثمن لأن القاضي لا يقوم بإبرام العقد بنيابة عن المتعاقدان، فإذا اتفق المتعاقدان على أن الثمن يحدده مفوض فيتم تحديده في وقت لاحق لعقد فإن البيع لا ينعقد صحيحا لأنه تخلف شرط قابلية الثمن لتحديد، (15).
ولا يمكن للقاضي إجبار المفوض على تقدير الثمن كما لا يستطيع أن يعين شخص مكانه أو أن يقوم هو بتقدير الثمن بنفسه.
والثمن الذي يحدده المفوض هو الثمن الملزم لطرف العقد ولا يمكن الطعن فيه بدعوى أنه مخالف للقواعد العامة إذا خرج المفوض عن حدود التفويض، أو إذا وقع من المفوض غلط جسيم فلا يرجع المتضرر على الطرف الآخر، بل يرجع على المفوض ذاته(16) وفي هذه الحالة أيضا يكون الثمن قابلا للتقدير.
وإذا امتنع احد المتعاقدان عن تعيين المفوض الذي اتفق على تعيينه سابقا كان هذا إخلالا بالتزاماته وكان مسئولا في التعويض وفقا للمبادئ العامة، لكن البيع لا يتم لأن المفوض لم يتم تحديده(17)

المبحث الثالث: الآثار المترتبة على الثمن

إن دفع الثمن هو التزام المشتري مقابل حصوله على المبيع.
وعلى هذا الأساس أوقع المشرع جزاءات على المشتري في حالة إخلاله بالتزام دفع الثمن.

المطلب الأول: جزاء التأخير في دفع الثمن

كما سبق الذكر أن الثمن هو المبلغ النقدي الذي يتفق عليه المتعاقدان وقت العقد، فقد يكون الثمن مقدرا وقت إبرام العقد أو قابل لتقدير مستقبلا كما يمكن للمشتري والبائع الاتفاق على تأجيل دفع الثمن أو على تقسيطه ففي حالة تأخر المشتري عن دفع الثمن في الوقت المحدد أو عدم الوفاء بقسط من الأقساط(17)،وكان هناك اتفاق بينهما على التعويض فيطبق هذا الاتفاق وفق لنص المادة 183 ق.م« يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدما قيمة فإذا استحال على المشتري تنفيذ التزامه حكم عليه بتعويض الضرر الناجم عن عدم تنفيذ التزامه أو تأخره في تنفيذه.
كما يجوز للقاضي أن ينقص من مقدار التعويض أو لا يحكم به إذا كان البائع قد اشترك بخطأه في إحداث الضرر، ولا يستحق التعويض إلا بعد أعذار المدين ما لم يوجد نص مخالف لذلك، والبائع غير ملزم بثبات الضرر لأن محل الالتزام مبلغ من النقود معين مقداره فالضرر مفترض ولا يقبل إثبات العكس.
أما إذا كان التعويض الدائن عن الضرر اللاحق من هذا التأخير وفق ما جاء في نص المادة 186« إذا كان محل الالتزام بين الأفراد مبلغا من النقود عين مقداره عليه أن يعوض للدائن الضرر اللاحق من هذا التأخير»
وهنا يكون الضرر مفترض ولا يقبل إثبات العكس.

المطلب الثاني: جزاء عدم دفع الثمن

فرض المشرع الجزائري جزاءات مدنية على المشتري (المدين) في حالة عدم الوفاء بالثمن وهذه الجزاءات تحددها القواعد العامة.
يستوفي البائع (الدائن) حقه جبرا وذلك بتنفيذ على أموال المدين وله أن يمتنع عن تسليم المبيع وله الحق كذلك بفسخ العقد(18).

الفرع الأول: التنفيذ الجبري
بالنسبة إلى التنفيذ الجبري يكون على أموال المشتري نصت عليه المادة 188 من ق.م.ج « أموال المدين جميعها ضامنة لوفاء ديونه» حيث يحق للدائن بيع أموال مدينه في المزاد العلني واستيفاء حقه من الثمن الذي يرسى عليه المزاد.
ولا يجوز للدائن أن يباشر إجراء التنفيذ الجبري على مال آخر من أموال المشتري إلا إذا كانت قيمة الشيء المبيع غير كافية لتحديد الثمن.
وإذا ادعى المشتري انه سبق له الوفاء بالثمن فيقع عليه عبئ الإثبات وفقا للقواعد العامة في إثبات الوفاء.
ومن أهم هذه الضمانات التي يتمتع بها البائع للحصول على الثمن وملحقاته ما قرره المشرع لحق امتياز البائع على المبيع يخول له استيفاء حقه من قيمته بالأولوية على غيره من الدائنين وقد راعى المشرع في ذلك أن البائع هو صاحب الفضل في دخول المبيع في ذمة المشتري ولذالك يكون من العدل منحه الأولوية في استيفاء حقه من قيمة المبيع وللبائع هذا الامتياز سواء كان المبيع منقولا أو عقارا.

الفرع الثاني: حق الدائن في حبس المبيع
كما يحق للبائع حبس المبيع في سبيل إجبار المشتري على الوفاء بديونه كوسيلة من وسائل الضمان إذا لم يكن قد سلمه المبيع وحق الحبس لا يثبت الامتياز على الشيء، وعلى الحابس أن يحافظ على الشيء المحبوس، وعليه أن يقدم حسابا عن غلته، وإذا كان الشيء المحبوس يخشى على هلاكه فالشخص الحابس أن يأخذ إذن من القضاء ببيعه واستيفاء الثمن المستحق، وينقضي حق الحبس بخروج الشيء من يد حائزه.
فذا خرج الشيئ المحبوس من يد حابسه من غير علمه فله أن يطلب استرداده ويكون الطلب خلال 30 يوم من اليوم الذي علم فيه بخروج الشيئ ما لم تمضي سنة من خروجه.

الفرع الثالث: فسخ عقد البيع
كما يجوز للبائع فسخ العقد ذا لم يلتزم المشتري بدفع الثمن تطبيقا للقواعد العامة وفق لنص المادة 119 ق.م.ج التي تنص على أنه يجوز للمتعاقد أي البائع أن يفسخ العقد بعد أعذار المدين وذلك في العقود الملزمة لجانبين وكذا جاء في نص المادة 120 أنه يجوز أن يعتبر العقد مفسوخا بحكم القانون في حالة اتفاق الطرفين على ذلك عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عن العقد.
ويتم الفسخ القضائي بناءا على حكم قضائي، يقوم بناءا على طلب البائع الذي يفي بالتزاماته تجاه المشتري أو يكوم مستعدا إلى الوفاء بها وإذا طلب من القاضي الفسخ فلهذا الأخير سلطة تقديرية في رفض الفسخ أو قبوله وله أن يمنح المدين مهلة للوفاء ذا اقتضت الحاجة وله أن يرفض الفسخ إذا كان ما لم يوفي به المدين قليل الأهمية بالنسبة للمبلغ الكامل، هذا ويحق للمشتري أن يتفادى الفسخ إذا عرض الوفاء بالثمن قبل صدور الحكم النهائي وذلك ما لم يسبب هذا الوفاء المتأخر ضررا للمدين، وللبائع أن يعدل عن طلب الفسخ قبل صدور الحكم ويطلب التنفيذ، كما له إذا بدأ بطلب التنفيذ أن يعدل عن هذا الطلب ليطلب الفسخ عوضا عن طلب التنفيذ.
ووضع المشرع الجزائري حكم خاص بفسخ البيع في حالة بيع العروض والمنقولات غير أنه لا يتصور امتناع المشتري عن دفع الثمن في بيع العقارات لأن دفعه يكون إلى الموثق أو الضابط العمومي الذي يحرر عقد بيع العقار أما بالنسبة للفسخ وجوبا دون سابق إنذار ويستنتج أن الفسخ الناتج عن عدم الوفاء بالثمن هو فسخ بقوة القانون(19).

الخــــاتمة

وفي الأخير نستنتج أنه لا يكتمل البيع بدون ثمن ولأهمية هذا الأخير تعرضنا إلى تعريفه وأحكامه والأسس التي يحدد من خلالها وخرجنا بعدة نتائج أهمها أن الثمن يختلف عن السعر والقيمة وليقبل الثمن في عقد البيع يجب أن تتوافر فيه شروط مثلا أن يكون جدي وحقيقي ولا يكون بخسا ولا تافها ولا تحول البيع إلى هبة، وليتم البيع يجب أن يكون الثمن مقدرا أو قابلا للتقدير.