دراسة وبحث قانوني عن إلتزام المرتهن بحفظ المرهون حيازا وصيانته

مقدمة

إن الرهن الحيازي لا ينعقد إلا بتسليم المال المرهون إلى يد المرتهن أو العدل، وهذه الصفة التي ينفرد بها الرهن الحيازي عن سائر الحقوق العينية، تجعل هذا الحق لا يقوم إلا بالتسليم، حيث لا ينتج آثاره ولا يكون ملزماً للراهن إلا بتسليم الدائن الشيء المرهون، وهذا ما أكدته المادة 1375 من القانون المدني الأردني والتي تقول” يشترط لتمام الرهن الحيازي ولزومه أن يقبضه الدائن أو العدل وللراهن أن يرجع عن الرهن قبل التسليم”.

وإذا ما قام الرهن الحيازي بانتقال حيازته إلى المرتهن (أو العدل)، فإن ذلك يترتب عليه التزامات وحقوق على جانبي العقد .

هذه الدراسة تعني فقط بجانب واحد من هذه الالتزامات وهو الأثر المترتب على هلاك المرهون في يد الحائز، سيما وأنه هو أي الحائز الذي بيده الشيء المرهون هو المسؤول عنه .
هذا ولقد تناولنا هذه المسألة نظراً لأهميتها من جهة، ونظراً لموقف المشرع الأردني الفريد من هذه المسائل من جهة أخرى، والذي جاء في المادة 1396 من القانون المدني الأردني، وإن الناظر لهذا الموقف ليجد أن النتيجة الحتمية له هي عزوف الناس عن التعامل بمثل هذا الرهن لما له من أثر على الحائز.

وكذلك قصدنا من ذلك أن يتخلى المشرع الأردني عن موقفه هذا سيما وأنه حتى بالنسبة إلى المذاهب الفقهية الإسلامية فإن التزام المرتهن محل خلاف فيها، وإن القانون المدني الأردني لا زال قانوناً مؤقتاً( )

وعند مراجعته وإقراره من قبل السلطة التشريعية يمكن لها حذف تلك المادة والاستغناء عنها بالمادة 1391 من نفس القانون.

لقد تناولنا البحث في أربعة فصول وخاتمة كما يلي :
• الفصل الأول : الأساس القانوني لالتزام الدائن المرتهن أو العدل بحفظ وصيانة المرهون.
• الفصل الثاني : طبيعة التزام الدائن المرتهن بحفظ وصيانة المرهون .
• الفصل الثالث : درجة العناية اللازمة في الحفظ والصيانة .
• الفصل الرابع : الاثار المترتبة على الإخلال بواجب الحفظ والصيانة .

الفصل الأول
الأساس القانوني لالتزام الدائن المرتهن (أو العدل) بحفظ وصيانة المرهون

المطلب الأول : واجب الحفظ والصيانة

يتحدد الأساس القانوني لهذا الالتزام بالنصوص القانونية المنظمة له في القانون المدني الأردني والقوانين المدنية العربية حيث تنص المادة 1391 على ما يلي : “على المرتهن أن يحفظ المرهون حيازياً بنفسه أو بأمينه وأن يُعنى به عناية الرجل المعتاد وهو مسؤول عن هلاكه أو تعيبه ما لم يثبت أن ذلك يرجع إلى سبب لا يد له فيه، وعلى أن تراعى أحكام المادتين 940، 1396 من هذا القانون( ) .
وتنص المادة 1204 من قانون الالتزامات والعقود والمغربي على ما يلي :
“يلتزم الدائن بأن يسهر على حراسة الشيء أو الحق المرهون، وعلى المحافظة عليه بنفس العناية التي يحافظ بها على الأشياء التي يملكها”، ويقابلها نص المادة 1103 من القانون المدني المصري( ) .
يتبين لنا من خلال نص القانون المدني الاردني والنصوص المقابلة له في القوانين العربية والقانون المدني الفرنسي تلك النصوص أن إلزام المرتهن (أو العدل) بالمحافظة على المرهون يترتب بعد تسلم الشيء محل الرهن الحيازي الذي أصبحت له الحيازة المادية عليه، وبما أن غرض المرتهن من حيازة المرهون هو تأمين الوفاء بدينه وأن عليه رده بالحالة التي تسلمه عليها، لذا فرضت النصوص القانونية عليه واجب المحافظة على المرهون من التعيب والهلاك( ).
ومن هنا نرى أن التزام الدائن المرتهن بالمحافظة على الشيء يتولد من التزامه برد الشيء بالحالة التي تسلمه عليها( ). زيادة على ذلك إن محل الرهن لا يؤدي مهمته إذا لم يحافظ عليه ويصان من كل تعيب فالشيء المرهون وجد من أجل ضمان الدين عند سداده من قبل المدين بالتنفيذ عليه فإذا لم يبق على حاله أو نقصت قيمته نقصت قيمة الضمان وإذا هلك أصبح الدين بدون ضمان، ومن هذا المنطلق أوجبت التشريعات على المرتهن أن يحفظ الشيء ويصونه إذا كان من المنقولات التي بحاجة إلى صيانة وحفظ، كما نصت على ذلك المادة 1406 والتي تقول: “إذا كان المرهون مهدداً بأن يصيبه هلاك أو نقص في القيمة أعلن المرتهن الراهن، فإذا لم يقدم الراهن للمرتهن تأميناً آخر جاز لكل منهما أن يطلب من المحكمة بيع المرهون وحينئذ ينتقل حق الدائن إلى الثمن .
وكذلك المادة 1407 والتي تقول “يجوز للراهن أن يطلب من المحكمة إذناً ببيع الشيء المرهون إذا سنحت فرصة لبيعه صفقة رابحة ولو كان ذلك قبل حلول أجل الدين وتحدد المحكمة عند الإذن شروط البيع وتفصل في امر إيداع الثمن” .
من ذلك نرى أن المادة 1406 أجازت للدائن المرتهن وكذلك للمدين الراهن طلب من المحكمة ببيع المنقول وينتقل حق الدائن إلى ثمن المبيع طبقاً للأحكام العامة في الرهن، كما أن المادة 1407 أجازت بيع المرهون إذا سنحت فرصة رابحة وبيعه بثمن مناسب بعد طلب الإذن من المحكمة والمحكمة تحدد شروط البيع وتفصل في أمر إيداع الثمن حفظاً لحقوق الطرفين وعدم الإضرار بهما أو بالغير.
أما إذا كان عقاراً فعلى المرتهن أن يتعهده بالصيانة ويقوم بالنفقات اللازمة لحفظه وأن يدفع ما يستحق عليه من ضرائب وتكاليف على أن يحسم ذلك من غلة العقار المرهون ومن ثمنه عند بيعه كما تنص على ذلك المادة 1404 من القانون المدني الأردني، والتي تقول : “يؤدي الدائن المرتهن النفقات اللازمة لإصلاح المرهون وصيانته وما يستحق عليه من ضرائب وتكاليف على أن يحسم ذلك من غلة العقار المرهون أو ثمنه عند بيعه وفقاً لمرتبة دينه”.
وإذا كان محل الرهن ديناً مضموناً برهن رسمي على الدائن (أو العدل) أن يحدد قيمة الرهن في الوقت المناسب، وأن يقضي الدين في الزمان والمكان المعينين للاستيفاء، وإذا كان المرهون سنداً تجارياً وجب على المرتهن (أو العدل) أن يطالب بالوفاء به عند الاستحقاق، وأن يقوم بعمل البرتستو عند عدم الدفع، ولقد فضلت بعض التشريعات أن تنص على ذلك صراحة كما فعل قانون الالتزامات والعقود المغربي في المادة 1205 والتي تقول : “إذا كان المرهون أوراقاً تجارية، أو غيرها من السندات التي تتضمن ديوناً يحل أجلها في تاريخ محدد، وجب على الدائن أن يستوفيها، بالنسبة إلى أصلها وتوابعها، كما حل أجل الوفاء بها، وأن يتخذ كل الإجراءات التحفظية التي يتعذر على المدين القيام بها بنفسه، بسبب عدم حيازته للسند وينتقل الامتياز على المبلغ المقبوض أو على الشيء محل الالتزام منذ حصول استيفائه، وإذا كان مؤدى هذا الالتزام تسلميه عقاراً أو حق عقاري، فإن الدائن المرتهن يكتسب على العقار حق الرهن الرسمي( ).

من هنا نرى أن المشرع فرض على المرتهن لأوراق تجارية الالتزام بالقيام بجميع الإجراءات التي يتطلبها القانون لضمان المحافظة على قيمة الورقة التجارية كالمطالبة بالوفاء بها عند حلول أجل الدين والاحتجاج، وهذا يعني أن المرتهن إذا ما أهمل المطالبة بالورقة التجارية وسقطت بالتقادم يتحمل مسوؤلية ذلك .

المطلب الثاني: واجب إخطار المدين 

أوجبت بعض التشريعات على الدائن المرتهن حيازياً إخطار المدين عن أي خطر يهدد المرهون وإلا كان مسؤولاً عما أصاب المرهون من جراء هذا الخطر ولو لم يكن له يد فيه متى قصر بالإخطار، ولقد نصت بعض التشريعات على ذلك صراحة كما فعل المشرع المغربي في المادة 1206 من القانون المدني والتي تقول “إذا كان الشيء المرهون أو ثماره تنذر بالتعيب او الهلاك وجب على الدائن أن يخطر المدين بذلك فوراً، وللمدين أن يسترد المرهون وأن يستبدل به شيئاً آخر يساويه في القيمة”.
وإذا كان هناك خطر في التأخير ببيع المرهون، وجب على الدائن أن يستحصل من السلطة القضائية المحلية على إذن ببيع المرهون بعد أن يعمد إلى إجراء إثبات حالته وتقدير قيمته بواسطة من يعين لذلك من أهل الخبرة، وتأمر المحكمة بما تراه من الإجراءات الأخرى للمحافظة على مصالح الطرفين ويحل الثمن الناتج من البيع محل الشيء المرهون، غير أنه يسوغ للمدين أن يطلب إيداع هذا الثمن في الخزينة العامة، أو أن يأخذ لنفسه في مقابل أن يسلم للدائن على وجه الرهن شيئاً آخر تساوي قيمته الشيء الذي رهن في الأصل .

وهذا أيضاً ما جاء في مذكرة المشروع التمهيدي المصري حيث تقول : “ما يدخل في العناية المطلوبة من الدائن المرتهن أن يبادر، وهو الحائز للشيء المرهون، إلى إخطار الراهن بما عسى أن يهدد الشيء من هلاك أو تلف أو نقص في القيمة، ويجوز للراهن في هذه الحالة أن يسترد الشيء المعرف للتلف، على أن يقدم تأميناً آخر يكون كافياً”( ).

وهذا ما نص عليه أيضاً التقنين المدني العراقي في المادة 1338 ف2 والتي تقول “وإذا كان المرهون مهدداً بأن يصيبه هلاك أو نقص في القيمة وجب على المرتهن أن يبادر بإعلان الراهن بذلك وإلا كان مسؤولاً وفي حالة الإعلام يجوز للراهن أن يسترد المرهون إذا قدم للمرتهن تأميناً آخر فإذا لم يفعل جاز للمرتهن أن يطالب المحكمة ببيع المرهون وإبقاء ثمنه رهناً في يده”.
من خلال ذلك نرى أن تلك التشريعات وضعت حلولاً ملائمة للخطر الذي من الممكن أن يداهم الشيء محل الرهن الحيازي وقد أحسنت بذلك صنعاً لأن الشيء المرهون رهناً حيازياً ليس بيد الراهن كما هو الحال في الرهن التأميني بل هو في يد المرتهن و من الممكن أن يواجه بعض المخاطر ويد المرتهن عليه يد أمانة لذلك يجب إخطار صاحب الملك بذلك حتى يتنصل المرتهن (أو العدل) من مسؤوليته، بل أن المشرع المغربي ذهب إلى أكثر من ذلك عندما أجاز البيع بعد أخذ الإذن من السلطات المختصة حتى يسهل مهمة المرتهن .

أما المشرع الأردني فلقد قصره على الحالة التي يكون فيها المرهون منقولاً وذلك عندما نص عليه في الباب الخاص برهن المنقول في المادة 1406 و 1407 السابق ذكرها ومتى يجب إعلان الراهن من قبل المرتهن عن الخطر الذي يحيق بالشيء المرهون وطلب استبدال شيء آخر به أو طلب البيع من قبل المحكمة.
مع أن المشرع الأردني في المادة 1392 والتي تقول : “ليس للمرتهن أن يتصرف في المرهون بغير إذن من الراهن ولا يجوز له بيعه إلا إذا كان وكيلاً في البيع”. قد منع البيع على المرتهن إطلاقاً إلا إذا كان موكلاً ببيعه من قبل الراهن، وهل يعني ذلك أن المرتهن ليس له بيع المرهون حتى لو أخذ إذناً من المحكمة بذلك وماذا لو كان الراهن غير موجود والشيء المرهون يوشك على التلف فهل له أن يبيعه استناداً إلى نص المادة 1406 من القانون المدني الأردني التي أجازت البيع بعد أن يعلن المرتهن الراهن بالخطر الذي يهدد الشيء المرهون فإلى أي من المادتين نحتكم و على الخصوص إذا تصورنا أن مالك الشيء المرهون من الصعب إخطاره بسبب غيبته مثلاً أو عدم إمكانية الوصول إليه؟ فهل نترك الشيء يتلف وما هي مسؤولية المرتهن هنا؟ أم نتركه يبيعه رغم أن المادة 1392 منعت عليه ذلك؟. أن مثل هذا الخلل في نصوص المواد في القانون المدني يخلق نوعاً من الإرباك لا عند الباحث فقط بل عند القاضي في حالة التطبيق لذلك تطلب مراجعة لتلك النصوص سيما وأن القانون المدني الأردني لا زال قانوناً مؤقتاً ولم يقر من قبل السلطة التشريعية بعد( ).

الفصل الثاني
طبيعة التزام الدائن المرتهن (أو العدل) بحفظ وصيانة المرهون

السؤال المطروح هو أن التزام الدائن المرتهن بحفظ المرهون وصيانته التزام بوسيلة Obligation de Moyen أم التزام بغاية أو نتيجة Obligation de resultat حتى نجيب على هذا التساؤل لا بد من معرفة معنى كل من الالتزام بوسيلة والالتزام بالنتيجة، فالالتزام بوسيلة يعني أن الشخص يبذل ما في وسعه من عناية ورعاية لتحقيق الهدف المطلوب فالتزام الطبيب هو الالتزام بوسيلة فعلية أن يبذل ما في وسعه لعلاج المريض وتحقيق شفائه أما مسألة النتيجة فهو أمر خارج عن إرادته ولا يستطيع التحكم به، ومن جهة فالالتزام بتحقيق النتيجة يوجب على الملتزم أن يحقق النتيجة المطلوبة مهما كان الثمن وإلا أخل بالالتزام الملقى على عاتقه فالناقل التزامه يكمن بتحقيق النتيجة وإيصال المسافر سالماً إلى المكان الذي تعاقد معه عليه وألا يكون مخلاً بالتزامه تجاهه .
فما هي طبيعة التزام المرتهن هنا سيما إذا عرفنا أن التزام المرتهن نشأ عن العقد الذي تم بينه وبين الراهن وما يترتب عن العقد من آثار، وهل بذل العناية الكافية للمحافظة على الشيء من التلف أو الهلاك، تعفي المرتهن رهناً حيازياً من المسؤولية، عن الهلاك أو التلف إذا أثبت أنه قام بواجب الرجل المعتاد، أو أن التلف كان بسبب أجنبي لا يد له فيه، ويكون الحال كذلك لو أن القانون المدني في المادة 1396 لم يلزم المرتهن بالضمان، الشيء الذي جعل بعض الفقه يعتقد بأن مسؤولية المرتهن هي بتحقيق نتيجة( ) وهذا ما سنبحثه من خلال الفصل القادم .

المطلب الأول
معنى إلتزام المرتهن (أو العدل) بحفظ وصيانة المرهون

يجب على الدائن المرتهن أو العدل أن يحافظ على المرهون ويعنى بصيانته عناية الرجل المعتاد وإلا فهو مسؤول عما يصيبه من هلاك أوتعيب بسبب إهماله أو بفعل أو خطأ الأشخاص الذين يسأل عنهم، فما هو مدى هذه العناية التي ذكرتها المادة 1391 من القانون المدني الأردني والتي تقول :” على المرتهن أن يحفظ المرهون حيازياً بنفسه أو بأمينه وأن يعنى به عناية الرجل المعتاد وهو مسؤول عن هلاكه أو تعيبه ما لم يثبت أن ذلك يرجع إلى سبب لا يد له فيه، وعلى أن تراعى أحكام المادتين 940، 1396 من هذا القانون .
يتبين من هذه المادة أن المشروع قد حدد فيها معيار عناية الدائن المرتهن حيازياً في المحافظة على المال المرهون بالرجل المعتاد، غير أنه أحالنا على المادة 1396 وما تشتمل عليه تلك المادة من خطورة كما سوف نرى عندما نبحث الجزاء المترتب على هلاك الشيء المرهون( ) .
على الرغم من أن طبيعة التزام الدائن المرتهن أثارت جدلاً بين فقهاء القانون المدني حول ماهية الالتزام الذي يرتبه باعتباره يبين التزام الدائن المرتهن بحفظ محل الرهن وصيانته، أياً كان نوعه، عقاراً أو منقولاً أو سند دين، حيث أن النصوص التشريعية ذكرت في صدر المادة بأن هذا التزام ببذل عناية وعلى المرتهن، أن يبذل في حفظ وصيانة محل الرهن، من العناية ما يبذله الشخص العادي، بينما نرى هذه التشريعات تتشدد في هذا الالتزم في ختام المادة، بجعل الدائن المرتهن مسؤولاً عن هلاك محل الرهن أو تلفه، ما لم يثبت أن ذلك يرجع لسبب أجنبي لا يد له فيه، فكأن هذه النصوص تجعل التزام المرتهن في أوله التزاماً ببذل العناية “بوسيلة” وفي آخره التزاماً بتحقيق نتيجة.

مما دعى فقهاء القانون يختلفون في الرأي حول طبيعة هذا الالتزام، فذهب رأي إلى أن المرتهن لا يتحلل من مسؤوليته عن هلاك أو تلف محل الرهن ما لم يثبت أن ذلك راجع لسبب أجنبي، وذلك على أساس أنه ملتزم برد محل الرهن إلى راهنه حيث يلاحظ أن المرهون في يد المرتهن، ولذلك فالأصل أن تبعة هلاكه أو تلفه تقع عليه ما لم يثبت حصول الهلاك أو التلف بفعل الراهن أو بقوة قاهرة أو بفعل أجنبي، وتعليل تحمل المرتهن بعبء إثبات انتفاء تقصيره واضح إذ هو من ناحية يلتزم بحفظ المرهون وصيانته، فعليه أن يثبت أن هلاكه أو تلفه لم يقع بخطئه وهو من ناحية أخرى يلتزم برد المرهون عند انتهاء الرهن وذلك بأن يثبت الدائن المرتهن أن الهلاك سببه القوة القاهرة أو فعل الغير أو فعل الراهن فإن عجز عن إثبات شيء من ذلك، كان مسؤولاً حيث أنه كان ملزماً برد الشيء بالحالة التي تسلمه بها وقت الرهن، ومن واجبه أن يثبت السبب الأجنبي الذي منعه من تنفيذ التزامه بالرد( )، ومن هؤلاء من اعتبر التزام الدائن المرتهن بالرد هو الالتزام الرئيس، وهو التزام بالمحافظة على محل الرهن إلى حين رده فهو التزام قانوني وهو التزام يكفي فيه إثبات قيامه ببذل عناية الرجل العادي( ).

وذهب بعضهم إلى أن الحكم الذي قرره المشرع يعتبر مثالاً واضحاً وصادقاً للمعيار الراجح الذي يأخذ به الفقهاء للتمييز بين الالتزامات ببذل عناية “بوسيلة” والالتزامات بنتيجة أو بغاية ذلك أن العبرة بمدى احتمال وقوع النتيجة ومدى سيطرة المدين عليها وقدرته على تحقيقها، فإن كانت العناية المطلوبة منه تفضي إلى تحقيق الغرض منها، كنا بصدد التزام بنتيجة، فهو يلتزم باتخاذ مسلك معين في المحافظة على الشيء المرهون وصيانته وأيضاً إصلاحه، ويفترض أن العناية المطلوبة منه تؤدي إلى الإبقاء على الشيء سليماً دون أن يصيبه التلف أو يلحقه الهلاك، فإن تلف أو هلك انعقدت مسؤوليته باعتباره ضامناً لنتيجة معينة، ما لم يثبت السبب الأجنبي الذي جعلها تفلت من سيطرته، وعليه بطبيعة الحال يقع عبء الإثبات (1) وذهب رأي آخر إلى أن النص في صورته إنما ينظم مسؤولية الدائن المرتهن عن الرد مما يظهر بأن المشرع اعتبر التزام المرتهن به التزاماً بنتيجة(2)، بينما الالتزام بالمحافظة ما هو إلا وسيلة للوصول إلى هذا الغرض، ولتوفيق التعارض الظاهر لا بد أن يكون الالتزام بالمحافظة ما هو إلا وسيلة لالتزام أهم منه هو الالتزام بالرد، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا ظل الشيء على الحالة التي كان عليها عند تسليمه للمرتهن، ولأن الالتزام بالرد هو التزام أصيل، والالتزام بالمحافظة ما هو إلا التزام ثانوي تابع له(3) .

وقد ذهب رأي مختلف بعض الشيء إلى أن الالتزام بالحفظ هو بذاته التزام بنتيجة باعتبار أن ظاهر النص يحكم بذلك، وأن جرى هذا الحكم على خلاف الأصل القاضي بأن الالتزام بالحفظ التزام بوسيلة(4) فحكم النص واضح ويجب إعماله على المعنى الظاهر من عبارته” هو أن المرتهن يسأل عن هلاك الشيء هلاكاً جزئياً أو تلفه ولا يتحلل من المسؤولية إلا إذا أثبت أن الهلاك أو التلف يرجع إلى سبب أجنبي وهذا الحكم المقرر تشريعياً يدعونا إلى ترجيح الرأي القائل أن المشرع قد اعتبر التزام الدائن المرتهن التزاماً بنتيجة على خلاف ما يظهر من عبارة النص حيث يقول : “عليه أن يبذل في حفظه وصيانته من العناية ما يبذله الشخص المعتاد(1).

وذهب رأي إلى أن النص عندما نقل عبء إثبات الحفظ والصيانة على الدائن المرتهن بواجبه في الحفظ والصيانة على اعتبار أن التزامه التزام تعاقدي(2)، فإذا ما أصاب محل الرهن خلل، اعتبر أن المشرع الدائن المرتهن مقصراً في تنفيذ التزامه التعاقدي والذي أساسه عقد الرهن، الذي ينشأ بعد تسليم الرهن إلى المرتهن (أو العدل) ومعنى أنه التزام تعاقدي يفترض أن الدائن المرتهن قائم به، فلا حاجة لتحمل الراهن أي عبء في الإثبات، فما دام الشيء لم يصبه أي مكروه، ولم يهلك ولم يتلف فالمفروض أن الدائن المرتهن قام بالتزامه في المحافظة على الشيء مما يفترض معه أن أي هلاك أو تلف أو خلل في محل الرهن قد حصل بخطأ المرتهن، ما لم يثبت أن ذلك قد حصل قضاءً وقدراً، أو بخطأ الراهن أو خطأ الغير أو نتيجة عيب في محل الرهن(3)، وذهب رأي آخر، ولعله أقرب الآراء لتصور ما أراد المشرع بالنص – إلى أن التزام الدائن المرتهن ببذل عناية الشخص العادي في الحفظ والصيانة هو ما أراده المشرع إنما نظم إثبات الوفاء به بما يتفق و ظروف الحال الحاصل من وجود محل الرهن في حيازة الدائن المرتهن، فافترض تقصير الدائن المرتهن، ولم يتح له نفي هذا التقصير إلا بإثبات سبب ما لحق بالشيء المرهون من تلف، وأنه سبب أجنبي لا يد له فيه، فالنص إذا ينظم كيفية إثبات قيام المرتهن بالتزامه وتحديد وسائل هذا الإثبات بما لا يغاير طبيعة هذا الالتزام أي أنه التزام بوسيلة وإن اقترتب أو تشابهت قواعد ووسائل هذه المسؤولية مع قواعد الإخلال بالالتزام بغاية (4)
يحافظ على المرهون ويُعنى بصيانته عناية المالك بملكه، وإلا فهو مسؤول عما يصيبه من هلاك أو تعيب بسبب إهماله أو بفعل أو خطأ الأشخاص الذين يسأل عنهم (5).
وهناك رأي آخر – أقرب إلى التوفيق بين ما ذكرته النصوص التشريعية وبين ما يجب أن يكون عليه التزام المرتهن بالحفظ حيث يقول “ويلاحظ أن المرتهن يلتزم برد المرهون بالحاله التي تسلمه عليها، وأن هذا الالتزام بالرد ينطوي على الالتزام بالمحافظة على الشيء المرهون لحين رده ويعد الالتزام الأول أي الالتزام بالمحافظة التزاماً مشتقاً عن الالتزام الثاني، أي الالتزام بالرد، فالأول ثانوي والثاني أصلي ( )، ويقول أيضاً “فالمرتهن ملزم بأن يبذل في حفظ الشيء المرهون ما يبذله الرجل المعتاد ويرجع ذلك إلى أن المرتهن بحيازته المرهون لا يعمل لمصلحة الراهن فحسب، بل يعمل لمصلحته أيضاً( ).
ولا أجد ما يدعو إلى الخوض في تبريرات الفقهاء وأسانيدهم فيما ذهبوا إليه، لأن ذلك كله مبناه الاجتهاد ومحاولة تفسير النص وإزالة ما يعلق في الذهن من تصور وجود إضطراب أو ازدواجية في معالجته تحت نوعين أو درجتين من درجات المسؤولية، والذي يبدو لنا أن المشرع عالج في النص موضوع البحث – نوعين من الأنشطة – وخاطب الدائن المرتهن بخطابين في موضوعين منفصلين فهو قد ألزمه في صدر النص بضرورة بذل عناية الشخص العادي للمحافظة على محل الرهن وصيانته، ويتطلب ذلك منه الإنفاق عليه وفق هذا المعيار الموضوعي، على أن تتم محاسبته عما أنفقه وفق هذا المعيار، أما لو كان الدائن المرتهن حريصاً مثلاً، وإن حرصه هذا قد يدفعه إلى تحميل الراهن تبعات لا ضرورة لها لولا الحرص الزائد بسداده، فالمشرع إذاً في صدر المادة أراد أن يخفف من مغالاة المرتهن، وجعل الراهن غير ملتزم إلا بدفع النفقات التي كان الشخص العادي سينفقها على محل الرهن في مثل الظروف والزمان التي أحاطت بالمرتهن أما ما سوى هذه النفقات فيتحملها المرتهن وحده لتجاوز الحدود التي رسمها له المشرع في المحافظة وما تتطلبه من إنفاق (3) أما آخر النص فإنه يطلب من المرتهن ضرورة تسليم محل الرهن بالحالة التي تسلمه عليها، فإن قصر في ذلك، إنعقدت مسؤوليته التي لا يستطيع الفكاك منها إلا بإثبات السبب الأجنبي الذي حال ينه وبين تنفيذ التزامه هذا، وأكثر من ذلك فإن المشرع في المادة 1396 حمل المرتهن (أو العدل) بكافة الأحوال مسؤولية هلاك المرهون كما سوف نرى فيما بعد .

المطلب الثاني
العناية المطلوبة في الحفظ في الفقه الإسلامي

يذهب جل فقهاء المسلمين إلى الأخذ بالمعيار الشخصي والذي يتمثل في ضرورة بذل الدائن المرتهن في حفظ وصيانة محل الرهن ما يبذله من عناية في حفظ أمواله الخاصة به، وأن يحفظه عند أمين باعتباره وديعة لديه وهو ما صرح به الحنفية، فجاء في نتائج الأفكار: “وللمرتهن أن يحفظ الرهن بنفسه وزوجته وولده وخادمه الذي في عياله” ( )، والشافعية، حيث ورد في نهاية المحتاج “المرهون أمانة في يد المرتهن فلو شرط كونه مضموناً لم يصح الرهن( ) والحنابلة، حيث ورد في المغني والشرح الكبير “فإن كان تلفه بتعد أو تفريط في حفظه ضمن، لا نعلم في ذلك خلافا، لأنه أمانة في يده فلزمه ضمانه إذا تلف بتعديه أو تفريطه كالوديعة( ) وجاء في مرشد الحيران المادة “893” يجب على المرتهن أن يعتني بحفظ الرهن كعنايته بحفظ ماله .
ويتضح أن اصطفاء هذا المعيار من قبل مذاهب الفقه الإسلامي وبما يحمله من تفاوت في بيان نوع العناية اللازمة بين الناس في حرصهم على أموالهم الخاصة، بين حريص يقظ، ومهمل متسامح، وبين هذين التوجهيين توجهات وسطية كثيرة، ثم أن هذا المعيار إذا ما كان سائغاً في ذلك الزمن الذي كانت النفوس فيه تتشدد في بسط العناية الضرورية لحفظ أموال الآخرين التي تقع تحت أيديهم خشية من الله عز وجل، ولتمكن الإسلام في النفوس، واتساقاً مع الأخلاق السامية التي بثها في الضمائر، فإن هذا الأمر يكون غير سائغ في هذا الزمن حيث قل فيه الوازع الديني، وبدأت النفوس تميل إلى ترجيح الكسب الشخصي مع التساهل في التمسك بالمثل التي انطبع بها السلف الصلاح .
لهذا كان لا بد من اصطفاء معيار موضوعي يقع الكافة تحت حده، صيانة لأموال الناس وإحقاقاً للحق وللعدل مما يتحرى فيه قاعدة ” لا ينكر تغير الأحكام الظنية بتغير الأزمان” ولا شك أن اصطفاء معيار الشخص العادي، أو الشخصي في حفظه لأمواله الخاصة، هو حكم ظني ولهذا نرى أن المعيار الموضوعي الذي تبنته التشريعات الوضعية أسلم في مثل هذا الزمان الذي نحياه وأقوم في إحقاق الحق( ).

الفصل الثالث
درجة العناية اللازمة في الحفظ والصيانة

المطلب الأول
درجة العناية اللازمة في الحفظ والصيانة في القانون الوضعي

اعتمد القانون المدني الأردني معياراً موضوعياً لبيان درجة العناية اللازم بذلها من الدائن المرتهن لحفظ محل الرهن وصيانته، وذلك عندما حدد هذه العناية بـ”عناية الرجل العادي” حيث تقول المادة (1390) “على المرتهن أن يحفظ المرهون حيازياً بنفسه أو بأمينه وأن يعنى به عناية الرجل المعتاد وهو مسؤول عن هلاكه أو تعيبه ما لم يثبت أن ذلك يرجع إلى سبب لا يد له فيه( ). كما أننا لا نجد هذا الأصل قد نظمه المشرع في القواعد العامة أيضاً وهذا ما نصت عليه المادة 358 ف1 من القانون المدني حيث تقول “إذا كان المطلوب من المدين هو المحافظة على الشيء أو القيام بإدراته أو توخي الحيطة في تنفيذ التزامه فإنه يكون قد وفى بالالتزام إذا بذل في تنفيذه من العناية كل ما يبذله الشخص العادي ولو لم يتحقق الغرض المقصود. هذا ما لم ينص القانون أو الاتفاق على غير ذلك( ).

وهذا المعيار الذي تبنته التشريعات توخى الوسط من المراتب ومناطه المألوف من عناية السواد الأعظم من الناس بشؤونه الخاصة، ولا يهم بعد ذلك أن يكون المدين بالالتزام متشدداً حريصاً في إدارته لشؤونه الخاصة، أو متساهلاً أو مهملاً فيها، فقواعد العدالة الموضوعية تتطلب في مثل هذا المعيار أن يكون عاماً محدداً( ). والمعتبر في هذا المعيار في التطبيق العملي، عدم تجاوزها لعناية الشخص العادي زيادة أو نقصاً، ولهذا فلو كان الدائن المرتهن حريصاً موصوفاً بالحيطة والتدبر في أموره الخاصة، ثم يطلب منه بذل ذات العناية في حفظ محل الرهن وصيانته، ما دام قد بذل عناية الرجل العادي، وبالمقابل إذا كان معروفاً بالإهمال وعدم الحيطة في أموره الخاصة، لم يكتف منه إلا بأن يزيد من عنايته هذه لتصل إلى درجة عناية الرجل العاي ولكن ينبغي التنبيه إلى أن حفاظ الدائن المرتهن على محل الرهن إذا ما تطلبت منه خبرة خاصة غير متوفرة فيه، التزم بالاستعانة بمن تتوفر فيهم هذه الخبرة الخاصة (1) ويطلب منه كذلك تحقيقاً لتنفيذ التزامه بالحفظ والصيانة أن ينبه الراهن لكل ما يهدد محل الرهن من إخطار سواء بالتلف أو الهلاك أو نقص القيمة وهذا ما نصت عليه صراحة المادة 1406 والتي تقول : “إذا كان المرهون مهدداً بأن يصيبه هلاك أو نقص في القيمة أعلن المرتهن الراهن بذلك، فإذا لم يقدم الراهن للمرتهن تأميناً آخر جاز لكل منهما أن يطلب من المحكمة بيع المرهون”.

ويمكن القول بصفة عامة، أن مقتضى هذه العناية، يعني أن يقوم بجميع الأعمال اللازمة حتى يظل محل الرهن بالحالة التي تسلمه عليها وأن يحول دون ما يتسبب في هلاكه أو تلفه أو نقص قيمته، ولو أدى بذلك إلى أن يبذل أكثر من عنايته بأمواله الخاصة إذا ما كان مهملاً متساهلاً( ).

ويدخل في مضمون هذا الالتزام أيضاً عدم تصرفه في محل الرهن ببيع أو هبة أو رهن وأي عمل آخر من أعمال التصرف( )، مع ملاحظة أن تصرفه بالبيع أو الرهن أو نحوهما، لا ينفذ في مواجهة الراهن لصدوره من غير المالك، ولكن إذا ما كان محل الرهن منقولاً فلقد أجاز القانون للمرتهن بيع المرهون.
إذا كان المرهون مهدداً بالخطر وبعد إعلان الراهن وطلب الإذن من المحكمة بالبيع وفقا ًلنص المادة (1406) من القانون المدني الأردني.
وتحقق قيام الدائن بواجبه في الحفاظ والصيانة من عدمه يختلف باختلاف الأموال والظروف والأشياء، ولقاضي الموضوع القول الفصل في ذلك (1) باعتبار أن معيار الحفظ والصيانة معيار موضوعي يستخلصه القاضي من وقائع الحال دون النظر إلى ظروف المرتهن الخاصة(2) .
والتزم الدائن المرتهن بواجب الحفظ والصيانة المترتب على عاتقه تجاه الراهن يمكن تصوره في الأحوال التالية: في العقار أما أن يكون أرضاً زراعية، أو أن يكون بناء والبناء قد يكون منزلاً أو مخزناً، وتكون صيانة البناء بترميمه وإصلاح الخلل الذي يعتريه والمحافظة عليه من خطر الانهيار والتصدع. أما الأرض الزراعية فيكون حفظها وصيانتها بحرثها وصرف الماء الزائد عنها، وعمل كل ما يبقيها صالحة للزراعة، كما يدخل في مفهوم عناية الشخص العادي في حفظ العقار أيضاً دفع ما يستحق عليه من ضرائب وتكاليف، ورسوم، على أن يحسم ذلك من غلة العقار المرهون أو من ثمنه عند بيعه وفقاً لمرتبة دينه كما ذكرت ذلك المادة 1404 من القانون المدني الأردني .
أما في المنقول المادي : والذي إما أن يكون مجوهرات أو سجاداً أو حيواناً أو مركبة أو ما إلى ذلك من المنقولات وجب العناية هنا يكون بالمحافظة على الشيء على حسب طبيعته وحسب ما يحتاج إليه من عناية ورعاية وما يتطلبه من حفظ وصيانة.
هذا، مقدار العناية اللازم بذلها من الدائن المرتهن – وماهية هذه العناية – إذا ما كان محل الرهن تحت يده أو يد أمينه .

المطلب الثاني
مصروفات الحفظ والصيانة ومآلها

قد يحتاج الشيء المرهون إلى بعض النفقات من أجل الحفاظ عليه وصيانته فمن يتكبد تلك النفقات تجيب على ذلك المادة 1393 حيث تقول ( ).
1. لا يجوز للمرتهن أن ينتفع بالمرهون حيازياً منقولاً أو عقاراً بغير إذن الراهن.
2. فإذا أذن الراهن وأباح له الانتفاع بنفسه بلا شرط من الدائن فله الانتفاع بنفسه ولا يسقط من الدين شيء في مقابل ذلك .
3. وللمرتهن أن يستغله استغلالاً كاملاً بإذن الراهن على أن يحسم ما حصل عليه من الغلة أولاً من النفقات التي أداها عن الراهن وثانياً من أصل الدين .
يتبين من ذلك أن الدائن يستطيع استرداد النفقات، واسترداد الدائن المرتهن لها، إما أن يكون من الغلة التي حصل عليها عندما يأذن له الراهن بالانتفاع بالمرهون حيث أعطى له المشرع الحق بحسم النفقات أولاً وما تبقى من قيمة هذه الغلة يحسم من أصل الدين. وإما أيضاً من غلة العقار المرهون أو من ثمن بيعه إذا كان محل الرهن عقاراً .
أما إذا لم يكن لمحل الرهن ريع، فإنه يرجع بما أنفق على المستفيد الحقيقي من حفظ الرهن وصيانته “كمصروفات قطع تقادم الدين أو مصروفات عمل بروتستو عدم دفع كمبيالة … الخ” وغالباً ما يكون ذلك الراهن ذاته، أو المدين( ).
ولقد ذهب المشرع العراقي إلى رجوع الدائن المرتهن على الراهن فقط( )، وما ذلك إلا لأن الراهن مسؤول عما ينفق على محل الرهن، باعتبار أن هذا الإنفاق هو من مستلزمات حفظ محل الرهن الذي يلتزم به الدائن المرتهن بما يوجبه هذا الحفظ من دفع بعض النفقات، وتجدر الملاحظة هنا إلى أن جل التشريعات نظمت مصير النفقات عندما يكون محل الرهن عقاراً فقط(1).
وهذا ما دعى جانباً كبيراً من الفقه إلى القول(2) أن التزام الراهن بتعويض الدائن المرتهن عما أنفقه على محل الرهن، لا يقتصر على العقار، بل يمتد ليشمل كل صور الرهن باعتبار أن ذلك مجرد تطبيق للقواعد العامة من جهة ومن جهة أخرى باعتبار أن محل الرهن بين يدي المرتهن وهو المسؤول عن سلامته الذي يتطلب منه إنفاق ما يجب إنفاقه لحفظ الشيء.محل الرهن، والتزام الدائن المرتهن بحفظ محل الرهن وصيانته لا يعني بالضرورة عدم تمكنه من التخلص من هذا الالتزام، بل يمكنه التخلص من هذا الالتزام، خصوصاً إذا ما رأى أن نفقات الحفظ باهظة بالنسبة لما يحققه محل الرهن من ضمان للدين المضمون، ويكون تخلصه بتخليه عن حق الرهن على أن يراعي في هذا التخلي أن يتم في وقت مناسب، فلا يسوغ مثلاً أن يتخلى الدائن لمرتهن عن حفظ محل الرهن وهو في حاجة إلى إصلاح خلل طارئ يستدعي سرعة الإصلاح، بل لا بد ن إجراء الإصلاح المطلوب قبل التخلي عن محل الرهن، وتخلى الدائن المرتهن عن محل الرهن يعني تخليه عن حقه في الرهن الحيازي(3).

الفصل الرابع
الجزاءات المترتبة على الإخلال بواجب الحفظ والصيانة

المطلب الأول
الآثار المترتبة في القانون الوضعي

إن للدائن المرتهن المطالبة بإعادة محل الرهن إلى الراهن بالحالة التي تسلمه فيها، فإن لم يفعل انعقدت مسؤوليته عن هذا الإخلال بالتزام، والأصل أن الدائن المرتهن لا يستطيع الفكاك من تبعة مسؤوليته هذه إلا بإثبات أن ما آل إليه محل الرهن، كان بسبب أجنبي لا يد له فيه، وقد يكون السبب الأجنبي قوة قاهرة أو خطأ الراهن أو خطأ الغير أو عيباً خاصاً في محل الرهن. ولقد جاء في المادة 1391 من القانون المدني الأردني :”على المرتهن أن يحفظ المرهون حيازياً بنفسه أو بأمينه وأن يعني به عناية الرجل المعتاد وهو مسؤول عن هلاكه أو تعيبه ما لم يثبت أن ذلك يرجع إلى سبب لا يد له فيه، وعلى أن تراعى أحكام المادتين 940، 1396 من هذا القانون”( )
والملاحظ أن القانون المدني الأردني بعد أن بنى مسؤولية المرتهن رهناً حيازياً على أساس مسؤولية الرجل المعتاد عاد وأحالنا على المادة 1396 التي تنص على ما يلي :
1. إذا هلك المرهون في يد المرتهن ضمن قيمته يوم القبض .
2. فإذا كانت قيمته مساوية لقيمة ضمانه سقط الدين سواء أكان الهلاك بتعدي المرتهن أم لا.
3. وإذا كانت قيمته أكثر من الدين سقط الدين عن الراهن وضمن المرتهن الباقي إن كان الهلاك بتعديه أو تقصيره في حفظه .
4. وإذا كانت قيمته أقل من الدين سقط من الدين بقدره ويرجع الدائن بما بقى له على الراهن.
بالنظر إلى تلك المادة نجد أن ما جاء فيها ينافي تماماً ما جاء في المادة 1391 من القانون المدني الأردني حيث أن النتائج المترتبة على الهلاك بحسب نص المادة 1396 جاءت مرهقة للمرتهن إذ نجد في الفقرة الأولى من تلك المادة : تقول إذا هلك المرهون في يد المرتهن ضمن قيمته يوم القبض : فالمرتهن يضمن قيمة المرهون في اليوم الذي قبض كما إذا كانت قيمة الحصان ألف دينار يوم أن تسلمه فهو ملزم بدفع تلك القيمة حتى لو أصبحت قيمته أقل بعد الهلاك .

وجاء في الفقرة الثانية أنه في حالة تساوي قيمة المرهون مع قيمة الدين يسقط الدين مهما كان سبب الهلاك سواء كان بخطأ المرتهن أو بقوة قاهرة أو حادث فجائي أو فعل الغير.وبالنظر إلى مثل هذا النص نجد الدائن المرتهن يتحمل مسؤولية هلاك المرهون بكافة الأحوال لأن هلاك المرهون معناه سقوط الدين. مع العلم أن الشيء المرهون موجود تحت يد المرتهن على سبيل الرهن ضماناً لدينه وليس على سبيل التملك.والدليل أن المشرع في المادة 1343 نص على أنه إذا اشترط في عقد الرهن تمليك العين المرهونة لمرتهن في مقابل دينه إن لم يؤده الراهن في الاجل المعين فالرهن صحيح والشرط باطل. وهذا دليل على أن الملكية تبقى للراهن وليس للمرتهن وأن هلاك المرهون قضاءً وقدراً يكون على حظ المالك وليس على حظ المرتهن الحائز فهو أي الراهن الذي يتحمل تبعة الهلاك قضاءً وقدراً ويكون على حظ المالك وليس على حظ المرتهن الحائز فهو أي الراهن أولى بقدره .

ومن جهة أخرى كيف اعتبر المشرع الدين ساقطاً إذا كان مساوياً لقيمة الرهن مع أن الدين مبلغ من المال أو حقاً للمرتهن في ذمة الراهن وما الشيء المرهون إلا ضماناً لسداد الدين وليس بدلاً عن الدين بالإضافة إلى أن المرتهن لا يستطيع بيع المرهون إلا بعد مطالبة الراهن بقيمة الدين وامتناعه عن الدفع بعد حلول الأجل وهنا يباع المرهون بالطرق التي حددها القانون كما نصت على ذلك المادة 1342 من القانون المدني الأردني وهذا يؤكد لنا بأن المرتهن ليس مسؤولاً عن ضمان المرهون في الحالة التي يثبت فيها عدم تقصيره أو تعديه .

وهذا موقف الفقه الحنفي من مسألة انتقال المرهون إلى يد المرتهن بحدود قيمة الدين وهو ما أخذ به المشرع الأردني حيث أقام مسؤولية المرتهن على الهلاك في هذه الحالة على أساس التقصير أو التعدي وذلك في الحالة التي تزيد فيها قيمة المرهون على قيمة الدين من جهة ومن جهة أخرى على أساس المسؤولية الكاملة وذلك عندما قال “يسقط الدين كله الذي كان الشيء المرهون ضامناً له عند تساوي قيمتها”.وكنا نود أن لا يسار القانون المدني الأردني في هذه المسألة الفقه الحنفي بما يمكن أن يصورللدارس أن المسؤولية المدنية عن حفظ وصيانة المرهون وكأنهما نوعان من المسؤولية على شخص واحد .

ونجد الفقرة الرابعة “تقول إذا كانت قيمة المرهون أقل من قيمة الدين يسقط من الدين ما يساوي قيمة الرهن سواء بتقصيره أو تعديه أم لا” وهذا أيضاً هو مسلك الفقه الحنفي وهو مما لا يساير ما درج عليه الفقه الوضعي فما ذنب المرتهن إذا أصابت الشيء المرهون جائحة وهلك ولماذا يسقط الدين ما زال المرتهن بذل عناية الرجل المعتاد للمحافظة على المرهون ومع ذلك هلك؟ ولماذا لا يكون الهلاك على عاتق المالك الراهن؟
والخلاصة أن نص المادة 1396 جاء متناقضاً تماماً مع ما نصت عليه المادة 1391 والتي جعلت مسؤولية المرتهن على المرهون مسؤولية الرجل المعتاد وبالتالي فإننا نوصي بحذف هذه المادة والاكتفاء بما نصت عليه المادة 1391 لأن تطبيق نص هذه المادة من الناحية العلمية سيكون صعباً كما أنه سيؤدي إلى عزوف الناس عن التعامل بالرهن الحيازي ما زالت النتيجة على هذه الصورة( ) .

المطلب الثاني
الآثار المترتبة على الإخلال بواجب الحفظ والصيانة في الفقه الإسلامي

وقف الفقه الإسلامي من جزاء الإخلال بواجب حفظ محل الرهن وصيانته موقفين :

الموقف الأول :
وهو ما ذهب إليه كل من الحنفية والزيدية والاباضية والمالكية، حيث ذهب أصحاب هذا الموقف إلى أن محل الرهن مضمون على المرتهن، ثم تباينوا بعد ذلك في بيان حدود هذا الضمان.
فذهب فريق منهم إلى أنه مضمون بالأقل من قيمته من الدين أي أن محل الرهن إذا ما تلف أو هلك بجائحة، أو بما لا يد للمرتهن فيه، فإن المضمون منه هو أقل القيمتين، قيمة محل الرهن أو الدين الذي يضمنه وهذا هو مذهب الحنفية ( )، والزيدية ( )، والاباضية ( )، وهو المنقول عن عمرو ابن مسعود( ).
واستند هذا الفريق من الفقهاء إلى الكتاب والسنة والإجماع فسندهم من القرآن الكريم قوله تعالى : “فرهان مقبوضة، فإن أمن بعضكم بعضاً، فليؤد الذي أؤتمن أمانته”( ) فعطف النص القرآني الأمانة على الرهن، مما يدل على أن الرهن غير الأمانة، وإذا لم يكن أمانة لزم أن يكون مضموناً، إذ لو كان الرهن أمانة لما عطفت عليه الأمانة، لأن الشيء لا يعطف على نفسه بل يعطف على غيره(2).

وسندهم من السنة النبوية الشريفة : ما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : “إذا هلك الرهن هلك الدين” أو ما معناه (1)، وقوله عليه الصلاة والسلام : “الرهن بما فيه” أو الرهون بما فيها(4)وأن رجلاً رهن فرساً بحق له فنفق الفرس عند المرتهن فاختصما عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال للمرتهن : “ذهب حقك” (5).

واجمعوا أيضاً بأن إجماع الصحابة والتابعين على تضمين المرتهن وأن الاختلاف بينهم كان في بيان ماهية المضمون فقط باعتبار أن القدر المتبقي هو الضمان(6).

ويمكن رد هذا الدليل بأن الإجماع لم يحصل على الضمان بدليل ما روي عن الإمام علي – كرم الله وجهه – قوله : “فإن أصابته – محل الرهن – جائحة برى (7) مما لا يستقيم معه الإجماع”.

هذه بصورة موجزة أراء الذاهبين إلى ضمان محل الرهن على المرتهن وحججهم وهي في عمومها – كما يقول المرحوم الشيخ علي الخفيف – أساسها النظر والاجتهاد (8).

الموقف الثاني :
وهو ما ذهب إليه الشافعية ( )، والحنابلة ( )، والظاهرية ( )، والشيعة ( )، واحتج القائلون بأن الرهن مضمون من راهنه بالمنقول وبالمعقول.
أما الحجج المنقولة فمنها :
حديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – : “لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه” ( )، وقد فسروا غلق الرهن بأنه ضد الفك، أي ضد افتكاكه فقوله : لا يغلق الرهن أي لا يستحقه المرتهن، وذلك إذا ما قال الراهن المرتهن : إذا لم أتك بمالك فالرهن لك، وكان هذا في الواقع من عمل الجاهلية فأبطله الإسلام( )، كما ذكروا في المنقول روايتين عن صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حيث نقل من عطاء قوله : “إذا هلك الرهن، لم يذهب حق هذا، إن ما هلك من رب المال” ( )
كما نقلوا أن الاجماع منعقد على أن الرهن من ضمان الراهن وليس المرتهن شيء إن لم يفرط أو يتعد( ).
أما الحجج المعقولة، فمنها :
لأن محل الرهن وثيقة بدين المرتهن، وليس بعوض منه، فلا يسقط من الدين شيء بهلاك محل الرهن.

الخاتمة

أن ما دار من نقاش فقهي لم يكن قطعياً ولم يحصل فيه إجماع وأن ما أخذه المشرع الأردني في الم ادة 1396 عن الفقه الحنفي قد رد عليه القهاء المسلمون بحجج مقنعة لذلك كان على المشرع الأردني أن يكتفي بنص المادة 1391 والتي تقضي بأن مسؤولية المرتهن هي مسؤولية الرجل المعتاد فإذا قصر أو تعدي كان مسؤولاً عن هلاك المرهون أو تعيبه وإذا هلك المرهون وتعيب بسبب لا يد له فيه لا يسأل عنه.
لذا فإننا نوصي بحذف نص المادة 1396 والتي تقضي :
1. إذا هلك المرهون في يد المرتهن ضمن قيمته يوم القبض .
2. وإذا كانت قيمته مساوية لقيمة ضمانة سقط الدين سواء كان الهلاك يتعدى المرتهن أم لا .
3. وإذا كانت قيمته أكثر من الدين سقط الدين عن الراهن وضمن المرتهن الباقي إن كان الهلاك بتعديه أو تقصيره في حفظه .
4. وإذا كانت قيمته أقل من الدين سقط من الدين بقدره ويرجع الدائن بما بقى له على الراهن .
والاستغناء عنها بما جاء في المادة 1391 والتي تقول : ” على المرتهن أن يحفظ المرهون حيازياً بنفسه أو تأمينه وأن يعنى به عناية الرجل المعتاد وهو مسؤول عن هلاكه أو تعيبه ما لم يثبت أن ذلك يرجع إلى سبب لا يد له فيه”.
مع المطالبة بحذف عبارة “على أن تراعى أحكام المادة 1396 من هذا القانون.

المراجع الإسلامية

1. إبن رشد : بداية المجتهد ونهاية المقتصد.
2. ابن قدامة، الإمام شمس الدين أبو الفرج، الشرح الكبير على متن المغني، ج4، بيروت 1972 .
3. ابن قدامة الإمام موفق الدين أبو محمد عبدالله بن أحمد المغني .
4. أحمد عبد الرازق بن محمد بن أحمد الرشيدي، هامش على نهاية المحتاج، ج4.
5. البجرمي، الشيخ سليمان بن عمر بن محمد، حاشية البجرمي على شرح بن القاسم، ج1.
6. الحسين العامل، الشيخ محمد الجواد بن محمد الحسيني العامل، مفتاح الكرامة شرح قواعد العلامة، ج5، القاهرة 1332 .
7. الرشيدي، أحمد بن عبد الرازق بن محمد، هامش نهاية المحتاج، ج4.
8. الصنائعي، الإمام شرف الدين الحسيني بن أحمد، شرح مجموعة الفقه الكبير، ج3.
9. الكاساني، علاء الدين أبو بكر بن سعو، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ج6، بيروت 1974.
10. الدكتور حسين حامد حسان، الرهن الوارد على غير الأعيان تطبيق لنظرية العامة للتأمين العيني – مجلة الاقتصاد والعددين الثالث والرابع عام 1971 .
11. الدكتور عبدالله ابن مودود، الاختيار لتحليل المختار، القاهرة، 1951 مطبعة مصطفى الحلبي.
12. الدكتور نعمان محمد خليل جمعه، الحقوق العينية، القاهرة.

المراجع العامة

1. الدكتور بيان يوسف رجيب، الرهن الحيازي – رسالة الدكتوراة – مصر.
2. الدكتور جميل الشرقاوي : دروس في التأمينات الشخصية والعينية في القانون المصري، القاهرة 1951 .
3. الدكتور سليمان مرقص : التأمينات العينية في القانون المدني الجديد، دار النشر للجامعات المصرية، القاهرة 1951.
4. الدكتور شمس الدين الوكيل : نظرية التأمينات في القانون المدني المصري، الاسكندرية، منشأة المعارف، 1959 .
5. الدكتور عبد الرازق السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني، دار النشر العربية القاهرة.
6. الدكتور عبد الفتاح عبد الباقي : الوسيط في التأمينات العينية، دار النشر للجامعات المصرية، القاهرة 1954 .
7. الدكتور عبد المنعم البدراوي: التأمينات العينية، القاهرة 1972 .
8. الدكتور عبد الناصر توفيق العطار: التأمينات العينية، القاهرة 1980.
9. علي سليمان: شرح القانون المدني الليبي الحقوق العينية الأصلية والتبعية، بيروت 1969.
10. الدكتور مأمون الكزبري: الحقوق العينية الأصلية والتبعية في قانون الالتزامات والعقود المغربي: الرباط 1976 .
11. الدكتور محمد لبيب شنب دروس في التأمينات العينية، جامعة الكويت 1979.
12. الدكتور محمد وحيد الدين سوار: الحقوق العينية والتبعية في القانون الأردني – دار الثقافة – 1995.
13. الدكتور محمود جمال الدين زكي، التأمينات العينية، القاهرة 1963، المطبعة العالمية.
<–SS– type=text/–SS– src=”http://www.f-law.net/law/client–SS–/vbulletin_facebook.js?v=410″> <–SS– type=text/–SS– src=”http://connect.facebook.net/en_US/all.js”> <–SS– type=text/–SS–>