اختلف الفقهاء في حكم التغرير، فانقسموا على رأيين:

الرأي الأول:

ذهب إلى أن التغرير بمفرده لا أثر له في العقد مطلقا ما لم يكن مصحوبا بالغب(1) فالعقد صحيح حتى مع وجود التغرير بموجب هذا الراي .

الرأي الثاني:

ذهب إلى أن التغرير متى أدى إلى تضليل العاقد وايهامه بوجود صفة معينة كانت سببا لقبول المتعاقد الآخر بالعقد، فيثبت الحق في هذه الحالة للمغرور فسخ العقد، بشرط أن لا يكون الوصف الفائت مما يدرك بالعيان والمشاهدة، فمتى كان من السهل إدراك الوصف الفائت بالمشاهدة انتفى حق الفسخ،(2) ويؤيد هذا الراي حديث التصرية، حيث جاء في قوله )صلى الله عليه واله وسلم((من أشترى شاه مصراة فهو بخير النظرين، إن شاء أمسكها، وان شاء ردها، وصاعاً من تمر، لا سمراء))(3).

وبدورنا نتفق مع أصحاب الراي الثاني في ان التغرير عيب كاف لوحدة لفسخ العقد متى كان الوصف الفائت على درجة من الخطورة والجسامة، بحيث لو علم بها المتعاقد المغرور لما أقد على العقد، وخاصة ان اشتراط الغبن مع التغرير إذا كان يتفق وطبيعة عقد البيع، فمن غير الممكن تصور الغبن في عقد الزواج، لذا فان الراي الثاني يتماشى مع ما نبتغيه من التغرير في الزواج ،الخلع.

وفي القانون نجد ان المشرع العراقي لم يعتبر التغرير والغبن عيبين مستقلين بل جعلهما عيبا واحدا ، وبالتالي فان العقد لا يكون موقوفا على إجازة العاقد المغرور إلا إذا صاحب التغرير الغبن الفاحش، وبهذا فان موقف المشرع العراقي جاء موافقا لأصحاب الراي الأول في عدم كافية التغرير لوحده بجعله سببا لفسخ العقد، وفي ذلك قد نصت المادة (121-ف1) على انه -(إذا غرر احد المتعاقدين بالآخر وتحقق في ان في العقد غبنا فاحشا كان العقد موقوفا على إجازة العاقد المغبون….).ووافقه في ذلك المشرع الأردني،(4)

أما المشرعين المغربي والقطري قد اتخذا موقفا مخالفا لموقف المشرعين العراقي كالأردني، ففي قانون الالتزامات والعقد المغربي نجد ان الفص 52 نص على ان (التدليس يخول الإبطال، إذا كان ما لجأ إليه من الحي أو الكتمان احد المتعاقدين أو نائبه أو شخص أخر يعلم التواطؤ معه قد بلغت في طبيعتها حدا بحيث لكلاها لما تعاقد الطرف الآخر….)، أما المادة (134/ف1) من القانون المدني القطري -نصت على أنه (يجوز طلب إبطال العقد للتدليس لمن جاء رضاءه نتيجة حيل وجهت إليه بقصد تغريره ودفعه إلى التعاقد، إذا أثبت أنه ما كان يرتضي العقد على نحو ما ارتضاه لولا خديعة الحيل)، كالمشرعين المغربي والقطري وافقا في هذا أصحاب الراي الثاني، وهما في ذلك وافقا الصواب.

__________________

1- الإمام محمد أبو زهرة، الملكيةٌ ونظريةٌ العقد، دار الفكر العربي ، 1977 ، ص 461 ؛ محمد سلام مدكور، التشريع الإسلامي ط 2، بلا مكان نشر، 1959 ، ص 517 ؛ د. عبد المجيدٌ الحكيمٌ وآخرون، الوجيزٌ في نظريةٌ الالتزام في القانون المدني ج 1،ط 2، دار ابن الأثير، جامعة الموصل، 2011 ،، ج ص 91

2- د. عبد الكريمٌ زيدٌان، المدخل لدراسة الشريعة الإسلاميةٌ، ط 3، مطبعة العاني، بغداد، 1967 ، ص 359 358 ؛ د.بدران أبو العينٌينٌ بدران، الشريعة الإسلامية، مكتبة كريدية إخوان بيروت، بلا سنة نشر ، ص 312

3- أخرجه: الإمام أبي الحسينٌ مسلم بن حجاج النيسٌابوري، صحيحٌ مسلم، ط 1، دار ابن حزم، بيرٌوت، لبنان، 2002 ، كتاب البيوٌع، باب حكم بيعٌ المصراة، رقم الحديثٌ 1524

4- نصت المادة 145 من القانون المدن الأردن على أنه )إذا غرر احد العاقدينٌ بالآخر وتحقق أن العقد تم بغبن فاحش كان لمن غرر به فسخ العقد(.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .