بحث قانوني كبير عن الموت الاكلينيكي – علاقته بالموت الرحيم وموقف الفقهاء منه – مسئولية الطبيب

مسؤولية الطبيب عند ايقاف أجهزة الانعاش القلبي الرئوي في نطاق دراسة الأنظمة الصحية بالمملكة

نادين عبد الوهاب مرشد
بحث التخرج مقدم في مادة البحث و التدريب من العام الجامعي

جامعة الملك عبدالعزيز – قسم القانون
1431 – 1432 الترم الثاني

مسؤولية الطبيب عند ايقاف أجهزة الانعاش القلبي الرئوي في نطاق دراسة الأنظمة الصحية بالمملكة

هدف البحث :

تتجلى أهمية البحث في أن الانعاش القلبي الرئوي من الأمور الحياتية المهمة التي لا يخفى على أحد من اهميتها كضرورة العيش الانساني ، فأجريت هذه الدراسة في اطار قانوني طبي و فقهي بحت للوصول الى جذور معرفة الانعاش القلبي الرئوي وما يترتب على الطبيب من مسؤوليات ضخمة ، فهو يدور حول أساسيات مهمة لم يتطرق اليها الباحثون كثيرا من الناحية القانونية ، لجدة الموضوع وتطور التقنيات الحديثة ، فيوضح النقاط المهمة التي يدور حولها الانعاش القلبي الرئوي .

كذلك تبرز الأهمية في اقتراح السبل التي من خلالها يمكن تلافي الأضرار التي قد يتسبب بها الطبيب الجاهل بالأصول الطبية القانونية . أهمية الإنعاش القلبي والرئوي لا تغيب على أهل العلم والباحثين في المجال الشرعي والطبي ، لما يترتب على هذا الموضوع من آثار دينية ودنيوية، وهو من المسائل الفقهية المعاصرة التي لم تبحث من قبل، بل هو من مستجدات العصر التي تبحث عن الأحكام وتجيب عن الأسئلة الفقهية المطروحة حول هذا الموضوع.
ففي هذه الأيام يسبب الأطباء ـ أحياناً ـ في استمرارية عمل القلب والرئتين بوسائل اصطناعية، وهناك أجهزة مختلفة تستطيع أن تعيد التنفس وضربات القلب حتى عند تلف دماغ المريض، وقد أدى تطور مثل هذه الأجهزة المساعدة على الحياة إلى تعريف جديد للموت يسمى (موت جذع الدماغ) ونستطيع أن نحدد موت جذع الدماغ فقط بعد تكرار الاختبارات الطبية التي تؤكد أن الدماغ لم يعد يعمل بعد، وعندئذ ترفع الأجهزة المساعدة للحياة وتتوقف ضربات القلب[1]. هذا ويعتقد كثير من الناس أنه يجب على الأطباء استخدام كل الطرق الممكنة لإبقاء الحياة أطول ما يمكن، ولكن البعض يشعر بأن الميئوس منهم ـ خاصة الطاعنين في السن ـ ينبغي أن لا يخضعوا لهذا النوع من الطرق لمجرد إطالة أعمارهم قليلاً بل على العكس من ذلك يجب أن تأخذ الحياة مجراها الطبيعي دون تدخل طبي[2] .

منهج البحث :

استخدمت الباحثة المنهج المقارن الأفقي للفصل الثالث لوجود ترابط بين كلا من القانونين في القطاع الحكومي و الخاص مع وجود بعض الفوارق الطبية ، وكذلك المنهج الوصفي للفصل الأول و الثاني ولكل البحث عموما المنهج التحليلي .

مبررات اختيار الموضوع:

لاشك أن الإقدام على البحث في أي موضوع في المجال القانوني تكون وراءه دوافع وغايات تتجلى أساسا في ما يكتسبه الموضوع من أهمية وما يلعبه من دور في المجال الطبي بصورة عامة.وعليه فإن الغاية من بحث هذا الموضوع تستند على المبررات التالية: حضور بعض الندوات المتعلقة بنظام مزاولة المهن الصحية مكّن من الإحاطة بالموضوع ، بما في ذلك الحصول على المراجع القيمة، والمتخصصة في موضوع البحث وأثارت في الذهن بعض الإشكاليات. وجود تساؤل يثيرها الموضوع و هي في مسؤولية ايقاف أجهزة الانعاش واشكالية اباحتها خاصة مع تطورها في الوقت الحاضر ، وهو ماسيتطرق اليه البحث في الفصل الأول المبحث الثالث من آراء الفقهاء و مايسرد بها البحث تدريجيا الاقتناع بأن هذا البحث سيطرح إقتراح فقهي وقانوني للإشكالية ويصبح وسيلة من خلالها يمكن تعديل ما يتوجب تعديله في مجال الانعاش القلبي الرئوي .

تقسيم البحث (خطة البحث) بدون المطالب:

الفصل الأول : مفهوم الانعاش القلبي الرئوي .

المبحث الأول : حقيقة الانعاش وتاريخه .

المبحث الثاني : مدى شرعية الانعاش القلبي الرئوي من الناحية الفقهية الحديثة .

المبحث الثالث : حكم ايقاف الانعاش القلبي الرئوي في الفقه القديم والحديث .

الفصل الثاني : الموت الاكلينيكي .

المبحث الأول : تعريف وتشخيصه

المبحث الثاني :الفرق بين الوفاة الدماغية و الحياة النباتية .

المبحث الثالث : علاقته بالموت الرحيم و موقف الفقهاء منه .

الفصل الثالث : ايقاف الانعاش عن المريض و مسؤولية الطبيب عنها .

المبحث الأول :الخطأ الطبي و الخطأ في تشخيص الوفاة الدماغية .

المبحث الثاني : الخطأ الطبي و التنازع السلبي للمسؤولية سواء في المستشفيات الحكومية أو الخاصة وفق فقهاء القانون و أحكام القضاء

المقدمة

الحمد لله الذي أنعم علينا بأن خلقنا في أحسن صورة وأحسن تقويم، وجعلنا القائل (ما أنزل الله من داء، من عبادة المؤمنين والصلاة والسلام على النبي محمد… إلا أنزل له دواء) ، أما بعد:
فإن مهنة الطب من أشرف المهن حيث تتعلق بجسد الإنسان الذي خلقه الله سبحانه وتعالى لعبادته، فهي تعتني به في حاليه: حال الصحة بالمحافظة عليها، وحال المرض بإيجاد الدواء المناسب لتلك العلة. ولما كانت هذه المهنة بهذا الشرف وهذه المكانة استوجب أن يكون الممارس لها -وهو الطبيب ومن في حكمه من أعوانه والمساعدين له من ممرضين ومختصين وفنيين وغيرهم- على أفضل خلق وأحسن أدب، كما استوجب عليهم معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بالأعمال الطبية, ومن ذلك ما نحن بصدده, وهو حكم ايقاف الإنعاش القلبي الرئوي عن المريض. ومن نعم الله على هذه البلاد المباركة أن هيئ لها حكومة رشيدة دستورا لها، وأضحت تدعو إلى الله في كل ما اتخذت كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد مكان التي تبين الحكم الشرعي لجميع المسائل والقضايا المعاصرة ومن ذلك الأعمال الطبية، فالطب عمل إنساني عظيم يسعى فيه الطبيب للمحافظة على النفس البشرية، وذلك بأحد أسلوبين:

  • أحدهما: بالوقاية من الأمراض وإجراء التحصينات اللازمة وإجراء الفحوص الوقائية من أجل المحافظة على الصحة.
  • ثانيهما: تشخيص المرض والعلة في المريض وإجراء العلاج اللازم.

فالأطباء ومن في حكمهم يهدفون من خلال عملهم للمحافظة على النفس البشرية، وهو الهدف السامي الذي به ارتفعت هذه المهنة، لذا وجب على الأطباء التخلق بالأخلاق الحسنة التي جاءت الشريعة السمحة بها، ومن تلك الأخلاق الرحمة وتقديم العلاج بكل رحابة صدر والصبر على الناس وأذاهم. والغاية من عمل الطبيب كما تقدم المحافظة على النفس البشرية وسلامتها، والبعد عن كل ما من شأنه أن يؤدي إلى هلاك تلك النفس أو جزء منها. فتعد عملية استخدام أجهزة الانعاش الصناعي من العمليات المهمة لما يترتب عليها من مسؤولية في حق الطبيب الذي يزاول هذه المهنة ، خاصة و ان مسؤوليته مرتبطة بتحديد لحظة الوفاة التي أثارت اشكالية بين الأطباء فالتأكد من وفاة المريض من الأمور المهمة في هذا العمل ، والتصرفات التي تنسب الى الطبيب ازاء استخدام أجهزة الانعاش الصناعي لا تخرج عن الصور التالية : اما الامتناع عن استخدامها أو اتيان استخدامها واستمرارها في العمل .

ينقسم هذه البحث الى ثلاثة فصول كل فصل يتناول موضوع يتعلق بالانعاش القلبي الرئوي ، فالفصل الأول يتحدث عن مفهوم الانعاش القلبي الرئوي ، وهو ينقسم الى مبحثين ، المبحث الأول يتضمن مطلبين أحدهما عن حقيقة الإنعاش القلبي الرئوي ومعنى عبارة (DNR) و الثاني تاريخ الانعاش القلبي الرئوي ، و المبحث الثاني يتضمن مطلبين أيضا الأول عن مدى شرعية الانعاش القلبي الرئوي من الناحية الفقهية الحديثة ، والثاني حكم ايقاف الانعاش القلبي الرئوي في الفقه القديم والحديث . و الفصل الثاني يتحدث عن الموت الاكلينيكي ، وهو ينقسم الى ثلاثة مباحث ، المبحث الأول يتضمن مطلبين أحدهما تعريف الموت الاكلينيكي و تاريخ اكتشافه و المطلب الثاني تشخيص الموت الاكلينيكي و الاختبارات المخصصة لمعرفته ، والمبحث الثاني عن الفرق بين الوفاة الدماغية و الحياة النباتية والمبحث الثالث له مطلبين أحدهما علاقة الموت الاكلينيكي بالقتل الرحيم الفعال و المنفعل و الثاني موقف الفقهاء من الموت الاكلينيكي و القتل الرحيم وأخيرا يتناول الفصل الثالث ايقاف الانعاش عن المريض و مسؤولية الطبيب عنها ، وينقسم الى ثلاث مباحث ، المبحث الاول يتضمن مطلبين ، المطلب الأول عن تعريف الخطأ الطبي وصفته و تقسيماته وصوره ، والمطلب الثاني عن الخطأ في تشخيص الوفاة الدماغية ، اما المبحث الثاني يتناول الخطأ الطبي و التنازع السلبي للمسؤولية وفق فقهاء القانون و أحكام القضاء وهذا ينقسم الى مطلبين أيضا أحدهما مسؤولية الطبيب والمستشفى في المستشفيات الخاصة و أخيرا المطلب الثاني يتحدث عن مسؤولية الطبيب و المستشفى في المستشفيات الحكومية ، وسنتاول كل منهم على حدة .

الفصل الأول: مفهوم الانعاش القلبي الرئوي

مقدمة

لا يخفى علينا في الوقت الحاضر بأهمية الانعاش القلبي الرئوي وما يتجه اليه الأطباء و تقنياتهم من التطور التكنولوجي ، ففي هذا الفصل سنتطرق الى حقيقتها وندخل في أعماق المفاهيم الطبية التي قامت المعاجم بشرحها واللجوء الى تفسيرات لا متناها لها ، فتاريخ الانعاش القلبي الرئوي تتضمن من الأهمية التي نادرا مايتم التطرق اليها ، من بداية اكتشافه عن طريق دراسات مكثفة الى تطورها الآن، ولابد من معرفة شرعية الانعاش واذا ماكان من ضمن الفرض الكفاية أو أنه واجب أو غيره من التفسيرات المهمة في عهدنا الجديد المعاصر، وأخيرا الحكم الذي يترتب على ايقاف أجهزة الانعاش نفسها سواء من النظرة الفقهية القديمة أو الحديثة .

المبحث الأول

المطلب الأول: حقيقة الإنعاش القلبي الرئوي ومعنى عبارة (DNR)[3]

الإنعاش في اللغة من نعش قال في معجم مقاييس اللغة:(النون والعين والشين أصل صحيح يدل على رفع وارتفاع… وانتعش الطائر نهض عن عثرته، يقال نعشه الله وأنعشه…)( )، وفي القاموس:(نعشه الله كمنعه: رفعه، كأنعشه ونعَّشه، وفلانا: جبره بعد الفقر…)، أي فلانا نعشه يعني جبره بعد الفقر.
وهذا المعنى موافق للمعنى الاصطلاحي الذي سيأتي لأن الإنعاش رفع حالة المريض الحرجة إلى حالة أحسن منها، ويقال نعش المريض وأنعشه أي فعل ما يرد له بعض حالته الحيوية كالتنفس وضربات القلب.
أما كلمتا القلبي والرئوي فنسبة إلى القلب والرئة وهما الجهازان المعروفان من أجهزة الجسم.
أما الإنعاش (RESUSCITATION) في الاصطلاح فهو: (عودة النشاط بعد الفتور، أو إعادة الوظائف الحيوية في الجسم لمباشرة عملها من جديد بعد أن تكون قد توقفت أو على وشك التوقف . أو «تنشيط الدورة الدموية والجهاز التنفسي بواسطة أجهزة بحيث يفارق المريض الحياة إذا رفعت هذه الأجهزة.وعرف بتعريف آخر وهو أن الإنعاش يقصد به لدى الأطباء(المعالجة المكثفة التي يقوم بها الطبيب أو مجموعة من الأطباء ومساعديهم لمساعدة الأجهزة الحياتية حتى تقوم بوظائفها، أو لتعويض بعض الأجهزة المعطلة قصد الوصول إلى تفاعل منسجم بينها، والأجهزة الحياتية الأساسية للإنسان هي المخ والقلب والتنفس والكلى والدم للتوازن بين الماء والأملاح .

وتتكون أجهزة الإنعاش من:

  • 1) المنفسة (Respirator or Ventilator) أو الرئة الصناعية وهي أنواع مختلفة منها: ما يعمل باليد، ومنها ما يكون الهدف منه مساعدة المريض الذي يتنفس بصعوبة، ولكن المنفسة التي تستخدم في الحالات الخاصة -كموت الدماغ والحالات الحرجة كحالات العمليات الجراحية- هي تلك التي تقوم فيه المنفسة بعمل الجهاز التنفسي وتحرك بذلك القفص الصدري في حركة تشبة حركتي الشهيق والزفير الطبيعيتين .
  • 2) أجهزة إنعاش القلب مثل مانع الذبذبات (Defibrillator) : وهو يعطي صدمات كهربائية لقلب اضطرب نبضه اضطرابًا شديدًا وتحول إلى ذبذبات بطينية لا تدفع الدم من البطين إلى الأورطي (الأبهر) وإذا لم تنقذ في هذه الحالة فإن القلب يتوقف تمامًا عن العمل، وذلك يعني الموت… لأن توقف القلب يعني توقف تغذية الدماغ وإذا توقفت تغذية الدماغ وخاصة جذع الدماغ لمدة دقيقتين فذلك يعني موت الدماغ لا رجعة فيه.
  • 3) جهاز منظم ضربات القلب (Pacemaker) : ويستخدم عندما تكون ضربات القلب بطيئة جدًا، بحيث إن الدم لا يصل إلى الدماغ بكمية كافية أو ينقطع لفترة ثوان أو دقيقة ثم يعود وهو يسبب الإغماء وفقدان الوعي المتكرر، له استخدامات أخرى
  • 4) مجموعة من العقاقير: التي يستخدمها الطبيب لإنعاش التنفس أو القلب أو تنظيم ضرباته، وهي مجموعة كبيرة .
    الأسباب الداعية لوضع أجهزة الإنعاش على المريض:

هناك عدة أسباب تدعو الطبيب لوضع أجهزة الإنعاش على المريض يمكن تلخيصها بما يلي:

  • 1- توقف تنفس المريض فجأة؛ فإذا توقف التنفس لأي سبب من الأسباب مثل الحريق والغرق واستنشاق المواد التي توقف التنفس كالمواد السامة فإن الطبيب يقوم في الحالة هذه بوضع أجهزة الإنعاش التي تساعد على عود التنفس إلى حاله الطبيعية.
  • 2- توقف نبضات القلب فجأة، أو اضطرابها بسبب مرض معين.
  • 3- إصابة الدماغ سواء كان من أثر حادث أو عملية جراحية في الدماغ أو غيرها( ).
    وهناك أسباب تدعو الطبيب أو الفريق الطبي إلى رفع أجهزة الإنعاش وإيقافه عن المريض ويمكن تلخيصها بما يلي:
    1-عودة أعضاء المريض إلى حالتها العادية، وزوال السبب الذي من أجله وضعت هذه الأجهزة.
    2- حصول الوفاة الشرعية للمريض، إذ لا فائدة من إبقاء هذه الأجهزة على الميت.
    3- التزاحم على الأجهزة الطبية، فقد يوجد مريض يحتاج لهذه الأجهزة أكثر ممن هي عليه.
  • 4- هناك أسباب أخرى ذكرها بعض الأطباء والباحثين تدعو لرفع الأجهزة عن ميت الدماغ منها:
    أ-الآلام النفسية التي تسببها رعاية الجثة لأسرة الميت دماغياً وللأطباء ولهيئة التمريض.
    ب- التكاليف الباهظة لأجهزة الإنعاش.
    ج- عدم الجدوى من مثل هذه المعالجة، وما لا فائدة فيه لا يأمر به الشرع.)( ).

وبعد بيان معنى الإنعاش وبيان حقيقته نأتي إلى بيان عبارة (DNR) وما تعني لدي الأطباء:
هذه العبارة عبارة عن اختصار لجملة اجنبية وهي DO NOT RESUSCITATE أي لا ينعش وهي توضع على سرير المريض الذي لا يراد إنعاشه كالذي يؤس من شفائه وغير ذلك.

المطلب الثاني: تاريخ الانعاش القلبي الرئوي

أدرج الإنعاش القلبي الرئوي ضمن نطاق الخدمات الصحية بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1966م حينما عقدت الأكاديمية الوطنية للعلوم ومركز الأبحاث القومي مؤتمرها الأول عن الإنعاش القلبي الرئوي وأوصى بأن يقوم كل الأطباء العاملين في الحقل الصحي بتطبيق الضغط الخارجي على الصدر حسب تعليمات جمعية القلب الأمريكية .
ومن هذا المنطلق توالى تطبيق التطورات الحديثة ونتائج الأبحاث من خلال المؤتمرات الخاصة بجمعية القلب الأمريكية التي وصلت إلى أعلى المستويات في السنوات الأخيرة[4].

أما عن الإنعاش القلبي الرئوي بالمملكة فكان أول الغيث قطرة حين بدأ تدريسها نظرياً لطلبة كلية الطب بجامعة الملك سعود أو ماكانت تسمى جامعة الرياض سابقاً في عام 1979م وفي عام 1982م قام الدكتور / محمد سراج مع ثلاثة زملاء من كلية الطب أثنان منهم غير سعودين بحضور دورة بشركة آرامكوا وحصلوا على شهادة كمدربين في سبل المحافظة على الحياة الأساسية وفي عام 1983م بدأوا بالأتصال ثم زيارة جمعية القلب الأمريكية الأمر الذي أدى إلى عقد أول دورة للإنعاش القلبي الرئوي في ربيع 1984م تحت أشراف قسم الدراسات العليا الطبية بكلية الطب – جامعة الملك سعود . وكان عدد المشاركين ( 24 مشتركاً ) حصل ثمانية عشر منهم على شهادة ( مدرب ) في الإنعاش القلبي الرئوي بشقيه ( الأساسي والمتطور ) ويعتبر هذا التاريخ هو مولد الإنعاش القلبي الرئوي بالمملكة فأستمر نشاط التدريب بكلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي لعدة سنوات حتى أنشئت جمعية القلب السعودية في عام 1987م ومن ثم قامت بتحمل مسؤولية برامج التدريب وقام مركز التدريب خلال الخمس عشرة سنة الماضية بإنشاء أكثر من 80 مركزاً لبرامج الإنعاش القلبي والرئوي للتدريب على سبل المحافظة على الحياة الأساسية و14 مركزاً لبرامج الإنعاش القلبي للتدريب على سبل المحافظة على حيوية القلب المتطورة . وقد تم بحمد الله إنشاء لجنة وطنية للإنعاش القلبي الرئوي أواخر عام 1999م تحت مظلة جمعية القلب السعودية برئاسة أ . د / محمد سراج وعضوية عدد من الأطباء الإستشاريين المتخصصين في مجال القلب والإنقاذ والإسعاف والتخدير من الجامعات السعودية ووزارة الصحة والمؤسسات الصحية الأخرى بالمملكة مهمتها وضع النظم والبرامج واللوائح والجداول للإنعاش القلبي الرئوي بكافة أنحاء المملكة العربية السعودية مع تحديث البرامج والمقررات لتواكب التطور العلمي السريع . مع إستمرار التعاون الوثيق بين جمعية القلب الأمريكية وجمعية القلب السعودية . الذي بدأ أنشائها ولايزال مستمراً لتبادل الخبرات والمعلومات والتجارب وجميع أنواع المعرفة.

المبحث الثاني: مدى شرعية الانعاش القلبي الرئوي من الناحية الفقهية الحديثة

إن محاولة إنعاش الشخص الذي ما زال تُرجى له الحياة واجب على الطبيب ومن في حكمه ممن يستطيعون الإنعاش، ما دام ذلك في مقدورهم؟ لأن فيه إحياء للنفس التي إن تُركت دون إنعاش فربما آلت إلى الوفاة، وفي الإنعاش أجر كبير)، ويجب على الطبيب أن يبذل ما في وسعه لإنعاش المريض أو المصاب الذي يحتاج للإنعاش وأن يستمر في محاولة إنعاشه حتى يسترد عافيته أو يستيقن من موته [5].
اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم استخدام الإنعاش على قولين بناء على تكييفهم له، فمنهم من رأى أن الإنعاش من باب التداوي فيكون حكمه حكم التداوي وفقا للخلاف المشهور في التداوي، ومنهم من رأى أنه من باب إنقاذ الغريق والحريق فهو من فروض الكفايات التي تنقلب مع الضرورة إلى واجبات.
والناظر في هذين التكييفين يرى أن الفقهاء لم ينطلقوا في تكييف الإنعاش من منطلق واحد فمنهم من رآه من جهة المريض فقال أنه نوع من أنواع التداوي، ومنهم من رآه من جهة الطبيب والواجب عليه في إنقاذ النفس البشرية فقال أنه واجب لحصول الحياة بفعل بإذن الله، والحقيقة أن كلا الرأيين له حظ من النظر لكن إذا نظرنا إلى حقيقة الحال وأن المريض في حال لا يمكنه اتخاذ الرأي أصبح تكييفه على أنه نوع من التداوي غير مقبول, لأن التداوي هو طلب الدواء وطلب الدواء يكون من قبل المريض المحتاج إلى الدواء والعلاج وهو في هذه الحالة لا يستطيع تقرير طلب الدواء أو تركه.
فتبين أن الأقرب الى هذه المسألة أن يكيف على أنه من باب إنقاذ النفس البشرية من الهلكة فهو بالنسبة للطبيب والجهات الصحية واجب عليهم على الكفاية إذا لم يقم به من يكفي أثموا جميعا وإن تركوه ضمنوا .

ومن خلال ما تقدم تبين أن في المسالة قولان:

  • القول الأول: أن وضع أجهزة الإنعاش للمحتاج إليها فرض كفاية. وهو قول جماعة من الفقهاء المعاصرين.
  • القول الثاني: أن وضع أجهزة الإنعاش للمحتاج إليها مندوب إليه. وهو قول جماعة من الفقهاء المعاصرين.

واستدل أصحاب القول الأول بالتخريج على مسألة المضطر إلى طعام يقول الشيخ محمد المختار السلامي: (حكم الإنعاش أنه بناء على هذا التحليل (أي في تعريف الإنعاش) تكون وضعية المصاب هي كوضعية الغريق الذي يصارع الموج وهو لا يحسن السباحة، أو كوضعية من وقع تحت ركام من الهدم، فالإنقاذ واجب كفائي.وخاصية الواجب الكفائي أن الخطاب يتوجه إلى فرد من الأفراد المؤهلين للقيام بالعمل، وإذا قام به البعض وتحققت المصلحة سقط الطلب،…)إلى أن قال:(…أما الإنعاش فإنه يبدو لي أنه واجب ذلك أنه لا تختلف حالة الإنعاش عن أية حالة من الحالات الاضطرار التي تقلب حتى حكم التحريم إلى الوجوب حفاظا على الحياة ثاني المقاصد الضرورية الخمسة على أن المصاب في كثير من حالات الإنعاش يكون فاقدًا للوعي أو هو تحت تأثير وطأة الإصابة لا يتمكن من أخذ القرار المبني على التأمل .
أما أصحاب القول الثاني فقد عدو الإنعاش وسيلة من وسائل التداوي وعلاج المرض فأجروا عليه حكمه الذي ترجح لديهم وهو أنه مندوب إليه.

و الراجح هو القول بالقول الأول وهو أن الإنعاش من فروض الكفايات بالنسبة للطبيب، أما المريض فإنه لا اختيار له في هذه الحال فلا يمكن إجراء حكم التداوي على مسألة الإنعاش.

أما قولهم إن الإنعاش نوع من التداوي وهو مشروع في الجملة، فغير سليم؛ لأن التداوي إنما يتعلق بالمريض نفسه والأمر في الإنعاش لا يتعلق بالمريض إنما يتعلق بمن يمكنه إنقاذ المريض وهو الطبيب، وكذلك لا يمكن إعطاء ما يتعلق بالمريض حكمًا شرعيًا فنقول يجب على المريض أن ينعش نفسه أو يندب له ذلك؛ لأن المريض الذي يحتاج للإنعاش إما في غيبوبة ويسقط عنه حكم التكليف، أو هو متأثر تحت وطأة الإصابة لا يتمكن من اتخاذ قرار بهذا الشأن، وعلى فرض أن المصاب قادر على اتخاذ القرار وأن حكم الإنعاش حكم التداوي، فإن التداوي قد يصل إلى حال الوجوب كما إذا تعين فيه الشفاء .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ~:(… فإن الناس قد تنازعوا في التداوي هل هو مباح أو مستحب أو واجب؟. والتحقيق: أن منه ما هو محرم ومنه ما هو مكروه ومنه ما هو مباح؛ ومنه ما هو مستحب وقد يكون منه ما هو واجب وهو ما يعلم أنه يحصل به بقاء النفس لا بغيره كما يجب أكل الميتة عند الضرورة فإنه واجب عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء وقد قال مسروق. من اضطر إلى أكل الميتة فلم يأكل حتى مات دخل النار فقد يحصل أحيانا للإنسان إذا استمر المرض ما إن لم يتعالج معه مات والعلاج المعتاد تحصل معه الحياة كالتغذية للضعيف وكاستخراج الدم أحيانا . وقال المواق المالكي: ((واجب على كل من خاف على مسلم الموت أن يحييه بما قدر)).

الذي يبدو أن حكم الإنعاش الوجوب لأن المريض في في حالة خطرة وحاجته لأجهزة الإنعاش أصبحت أمراً ضرورياً كحاجته للطعام والشراب بحيث لو تركه فقد عرض نفسه للهلاك ، لذا فإن إقدامه على أجهزة الإنعاش يعتبر واجباً شرعياً يأثم بتركه[6]. قال شيح الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن التداوي: ” وقد يكون منه ما هو واجب وهو ما يعلم أنه يحصل به بقاء النفس لا بغيره كما يجب أكل الميتة عند الضرورة فإنه واجب عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء[7]. وقال الشيخ محمد المختار السلامي: أما الإنعاش فإنه يبدو لي أنه واجب ذلك أنه لا تختلف حالة الانعاش عن أية حالة من حالات الاضطرار التي تقلب حتى حكم التحريم إلى الوجوب حفاظاً على الحياة ثاني المقاصد الضرورية الخمسة على أن المصاب في كثير من حالات الإنعاش يكون فاقداً للوعي أو هو تحت تأثير وطأة الإصابة لا يتمكن من أخذ القرار المبني على التأمل[8] ”

المبحث الثالث: حكم إيقاف الإنعاش القلبي الرئوي (DNR)في الفقه القديم والحديث

مضى في البحث أن حكم وضع أجهزة الإنعاش على الشخص المحتاج إليها فرض كفاية، ويتعين على الطبيب أو الفريق الطبيب وضع الأجهزة من أجل إنعاش المريض وإنقاذ حياته، لكن متى يجوز إيقاف الإنعاش القلبي الرئوي ورفع أجهزة الإنعاش؟ أي هل تبقى هذه الأجهزة على المريض على الدوام أو هنالك حالات يجوز فيها رفع الأجهزة.

الجواب على هذا التساؤل يحتاج إلى شيء من التفصيل، وبيانه فيما يلي:

الأصل أن العمل الذي يؤدي إلى إنهاء حياة النفس المعصومة لا يجوز فعله، كما أنه تقرر قريبًا أن وضع الأجهزة التي تساعد في إنعاش وإنقاذ المريض فرض كفاية بمعنى أن الواجب وضعها لكن كونه على الكفاية من جهة أنه لا يشترط أن يقوم به شخص معين إنما الغاية هي وضع هذه الأجهزة من أجل إنقاذ النفس البشرية المعصومة.

إذا تقرر هذا فإن حال المريض وحاجته للإنعاش القلبي الرئوي لا يخلو من أربع حالات بعضها يجوز فيه إيقاف الإنعاش القلبي الرئوي, وبعضها لا يجوز, وبعضها متردد بين الجواز وعدمه, والحالات هي:

الحالة الأولى: إذا استجابت أجهزة الجسم للإنعاش وعملت جميع أعضاء التنفس وانتظمت ضربات القلب وعملت الدورة الدموية في جسم الإنسان على أتم حال، بمعنى أن الجسم استغنى عن استخدام الإنعاش القلبي الرئوي وعادت حال المريض إلى حالتها الطبيعية من جهة التنفس وضربات القلب، وسواء كان في حال غيبوبة أم لا فإنه يعتبر حيًا.
ففي هذه الحال يجوز إيقاف الإنعاش القلبي الرئوي عن المريض وذلك لعود التنفس والقلب إلى الحالة الطبيعية وتحققت السلامة وزال الخطر، ولم يخالف هذه المسألة أحد من العلماء .( سواء الفقهاء الأربعة أو الفقه الحديث ) .

الحالة الثانية: إذا تعطلت الأجهزة الحياتية فتعطل القلب لديه وكذا تعطل المخ بجميع أجزائه ووظائفه تعطلًا نهائيًا وتوقف التنفس والدورة الدموية ولم يعد الجسم يقبل الإنعاش لتحقق الوفاة شرعًا وطبًا؛ لذا يقرر الأطباء إيقاف الإنعاش القلبي والرئوي ورفع الأجهزة عن المريض.
ففي هذه الحالة يجوز إيقاف الإنعاش لتحقق الوفاة وعدم جدوى الإنعاش لأن الروح فارقة البدن مفارقة تامة ومات الشخص شرعًا وطبًا، وهذا بلا خلاف عند الفقهاء المعاصرين و الفقهاء القديم .

الحالة الثالثة: (أن يكون المريض بحاجة إلى أجهزة الإنعاش سواء كانت حالته ميئوساً منها، أو لم تكن كذلك، لكن جذع دماغه ما زال حياً، وقد يعيش حياة نباتية، ويستمر في الإغماء مدة طويلة، ويندرج تحت هذه الحال: مريض غير ميئوس منه لكنه بحاجة إلى الأجهزة الطبية لإنقاذه، بمعنى أن رفع الأجهزة عنه يزيد في الألم أو, يزيد في مدة العلاج. مريض ميئوس منه لكن جذع دماغه ما زال حياً .
ففي هذه الحال لا يجوز شرعاً إيقاف الإنعاش ورفع الأجهزة عن المريض لأنه في حاجة لها ويتأثر من رفعها عنه .
وقد خالف في ذلك الدكتور محمد النتشة حيث قال:(…إن الشخص إذا كان فيه حياة مستقرة واعية لا تنزع عنه الأجهزة ما دامت تحافظ على حياته، أما إن كانت حياته المستقرة غير واعية ويعاني من غيبوبة وهي حالة الحياة النباتية، فإنه يجوز رفع الأجهزة ولا يتحمل الطبيب ضماناً ولا مسؤولية عن ذلك .

الحالة الرابعة: وهي حال الوفاة الدماغية بأن يموت جذع الدماغ بحيث يتوقف عن قبول ما يرد إليه من غذاء، وتقوم في هذه الحال علامات موت الدماغ من الإغماء وعدم الحركة وعدم أي نشاط كهربائي في رسم المخ، وتستمر الأجهزة الأخرى في العمل بواسطة القيام أجهزة الإنعاش القلبي والرئوي .
وقد اختلف الفقهاء المعاصرون في الوفاة الدماغية هل تعد وفاة شرعية أو أنها مقدمة الموت وصاحبه في حال الإحتضار؟ على قولين:

  • القول الأول: أن موت الدماغ مع بقاء عمل القلب والتنفس عبر أجهزة الإنعاش لا يعد موتاً بل لابد من توقف القلب عن النبض حتى يحكم بموت الإنسان..
    وإلى هذا ذهب جمع من أهل العلم المعاصرين وبه قال بعض المجامع الفقهية .
  • القول الثاني: يعتبر موت الدماغ دون موت القلب موتاً حقيقاً ولا يشترط توقف القلب عن النبض حتى يحكم بموت الإنسان وإليه ذهب جمع من أهل العلم المعاصرين وإليه ذهب مجمع الفقه الإسلامي بجده..

ولكل من القولين بعض الأدلة , ولكن الذي يظهر والله أعلم أنه لايحكم بموت الشخص إلا إذا تيقنا من ذلك بتوقف القلب والتنفس وكل علامات الحياة , لأن الحكم بالموت يترتب عليه كثير من الأمور الشرعية ومن ذلك قسمة تركته ونكاح امرأته ونفاذ وصيته وغير ذلك من الأمور والقاعدة المتفق عليها أن ما ثبت بيقين لا يزول الا بيقين وقد ثبتت الحياة بيقين فلا تزول إلا به.
أما إيقاف أجهزة الإنعاش عن الشخص في هذه الحال بعد أن يعد تقريراً من قبل لجنة مختصة من الأطباء متجردة عن أي غرض من الأغراض، فقد كاد الفقهاء أن يجمعوا على أنه يجوز إيقاف الإنعاش ورفع أجهزته عليه .
يقول الدكتور بكر أبو زيد:(…إن رفع آلة الإنعاش في الصورة الثالثة[الحال الرابعة في هذا البحث] هي: عن عضو زالت فيه حياة فجائز أن يحيا، وجائز أن يموت، وعلى كلا الحالين استواء الطرفين أو ترجح أحدهما على الآخر:

  • 1) فإذا قرر الطبيب المختص المتجرد من أي غرض أن الشخص ميئوس منه: جاز رفع آلة الطبيب؛ لأنه لا يوقف علاجاً يرجى منه شفاء المريض وإنما يوقف إجراء لا طائل من وراءه في شخص محتضر، بل يتوجه أنه لا ينبغي إبقاء آلة الطبيب والحالة هذه، لأنه يطيل عليه ما يؤلمه من حالة النزع والاحتضار، لكن لا يحكم بالوفاة التي ترتب عليها الأحكام الشرعية كالتوارث ونحوه، أو نزع عضو منه بمجرد رفع الآلة بل بيقين مفارقة الروح البدن عن جميع الأعضاء، والحكم في هذه الحالة من باب تبعض الأحكام وله نظائر في الشرع.
  • 2) أما إذا قرر الطبيب أن الشخص غير ميئوس منه واستوى لديه الأمران فالذي يتجه عدم رفع الآلة حتى يصل إلى حد اليأس أو يرتقي إلى السلامة .

وقد جاءت قرارات المجامع الفقهية على نحو هذه النتيجة، حيث جاء قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي رقم (5) د 3/7/ 86 ما نصه:(إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8 إلى 13 1407هـ / 11 إلى 16 أكتوبر 1986م، بعد التداول في سائر النواحي التي أثيرت حول موضوع ((أجهزة الإنعاش)) واستماعه إلى شرح مستفيض من الأطباء المختصين قرر مايلي:
يعتبر شرعاً أن الشخص قد مات وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعاً للوفاة عند ذلك إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين:

  • 1- إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه.
  • 2- إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً، وحكم الأطباء الأختصاصيون الخبراء أن هذا التعطل لا رجعة فيه وأخذ دماغه في التحلل.

وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص وإن كان بعض الأعضاء كالقلب مثلا لا يزال يعمل آلياً بفعل الأجهزة المركبة .
وكذا جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة في مكة المكرمة 1408هـ وفيه(… المريض الذي ركبت على جسمه أجهزة الإنعاش يجوز رفعها إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً وقررت لجنة من ثلاثة أطباء اختصاصيين خبراء أن التعطل لا رجعة فيه، وإن كان القلب والتنفس لا يزالان يعملان بفعل الأجهزة المركبة، لكن لا يحكم بموته شرعاً إلا إذا توقف التنفس والقلب تاماُ بعد رفع الأجهزة[9] .

فيختلف حكم رفع أجهزة الإنعاش من مريضٍ لآخر حسب الأحوال التالية :

الحالة الأولى: عودة أجهزة المصاب إلى حالتها الطبيعية بحيث لا يحتاج معها لأجهزة الإنعاش فهنا يقرر الطبيب رفع أجهزة الإنعاش لسلامة المريض وعدم حاجته إليها. ولا ينبغي الاختلاف في هذه الحالة فقد اتفق عليها الشرع والقانون في جميع دول العالم [10].

الحالة الثانية: تحسن المريض مع حاجته لأجهزة الإنعاش وهو في طريقه إلى النقاهة والسلامة فهنا تبقى أجهزة الإنعاش عليه حتى يستغنى عنها ويبرأ البرء التام وحنئذٍ ترفع عنه أجهزة الإنعاش كما في الحالة الأولى .
الحالة الثالثة: مريض ميئوس من حالته الطبية أي لا أمل في شفائه طبياً : فهنا لا يجوز رفع أجهزة الإنعاش عن هذا المريض وذلك لما يلي:

  • 1- أن سحب الأجهزة عنه كترك إنقاذ غريق في البحر وحريق يحترق في النار.
  • 2- لأن علائم الحياة لا تزال موجودةً فيه فلا يجوز رفع أجهزة الإنعاش عنه.
  • 3 ـ لأن في رفع أجهزة الإنعاش قتل لهذا المريض أو زيادة في مرضه وكلاهما لا يجوز.
  • 4 ـ أن الرأي الطبي في البلاد العربية والإسلامية بالنسبة إلى سحب أجهزة الإنعاش من مريض ميئوس من حالته أي لا أمل في شفائه طبياً يعتبر جريمة لا تغتفر.

الحالة الرابعة : وهي حالة موت الدماغ: حيث تظهر فيها علامات موت الدماغ من الإغماء وعدم الحركة وغيرها من العلامات ، لكن بواسطة أجهزة الإنعاش لايزال القلب ينبض ، والنفس مستمر نبضاً وتنفساً صناعيين لا حقيقيين . ففي هذه الحالة صدر قرار كل من مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي والمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي بجواز رفع أجهزة الإنعاش عن هذا المريض. ذلك لأنه لا يوقف علاجاً يرجى منه شفاء المريض وإنما يوقف إجراء لا طائل من ورائه في شخص محتضر ، بل يتوجه أنه لا ينبغي إبقاء آلة الطبيب والحالة هذه لأنه يطيل عليه ما يؤلمه من حالة النزع والاحتضار.

فاختلف في حكم الرفع في هذه الحالة بالنظر إلى حال المريض فمن نظر إليه من الفقه القديم باعتباره ميتاً أجاز الرفع لأنه رأى أن هذا العمل (أي: عمل القلب والرئتين) لاينسب إليه وإنما للأجهزة فهي حركة لا إرادية كحركة المذبوح الذي لا يقتل قاتله وإنما يعزر لأنه لم يقتل شخصاً به حياةٌ مستقرة ، وكما لو خرج البول منه يقول ابن الماجشون: يكون الريح والبول من استرخاء المواسك .وقد قال بعض الفقهاء: الطفل ولو بال لا يعتبر حياً إذا لم يستهل صارخاً. وقال الأطباء: العضو قد يعمل لساعات وهو منفصلٌ عن صاحبه وقد يقطع الرأس ويبقى الدم يتدفق من عروقه أي: القلب ولا يدل ذلك على حياة صاحبه. وكبقاء حياة الأنسجة فإنها لا تموت بموت صاحبها مباشرة وهو ما عبر عنه الفقهاء قديماً بقولهم: آثار الحياة الغريزية كما قاله الرملي.

ومن نظر إليه باعتباره حياً حرم رفع الأجهزة ، مستدلاً بأن الأصل هو الحياة ، وبناءً على قاعدة: اليقين لا يزول بالشك ، خاصةً وأن الإقدام على رفعها يؤدي إلى الموت والقتل مفسدةٌ عظيمة ، ثم إنه قد يحدث أن يحكم بموته ثم يتبين خلاف ذلك.
ونوقش بأنه إذا حدث شيءٌ من ذلك فهو خطأ في التشخيص قد يحدث مثله في العلامات التي ذكرها الفقهاء قديماً ، ثم إن الحكم بموته حكمٌ بغلبة الظن وهو معمولٌ به كالحكم بموت المفقود.

وفيها تتعطل الأجهزة الحياتية ويحدث الموت فيتعطل الدماغ والقلب فلا يتحرك القلب للقبول والضخ ولا يقبل المخ ما يرد إليه من غذاء. فهنا يقرر الطبيب رفع أجهزة الإنعاش لتحقق موت المريض ومع الموت لا فائدة من مواصلة العلاج المكثف. ولا ينبغي الخلاف في هذه الحالة فقد اتفق عليها الشرع والقانون في جميع دول العالم[11] .

وقد تبني طرح إشكالية رفع جهاز الإنعاش عن المتوفين دماغيا العديد من المؤتمرات و الندوات و المجامع الفقهية، فقد خرجت ندوة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية المنعقدة بدولة الكويت حول الحياة الإنسانية بدايتها و نهايتها في 24 ربيع الأخر 1405 هـ /15 يناير 1985 بقرار اتفاق الرأي على انه إذا تحقق موت جذع المخ بتقرير لجنة طبية مختصة جاز حينئذ إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي.
و قرر مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8 إلى 13 صفر 1407 هـ/11-16-أكتوبر 1986 بشأن الإنعاش:أنه يجوز رفع أجهزة الإنعاش الصناعي المركبة على الشخص إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلا نهائيا لا رجعة فيه وأخد دماغه في التحلل، و إن كان بعض الأعضاء لا يزال يعمل آليا بفعل الأجهزة.
كما أجاز المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة بمكة المكرمة من 24 إلى 28 صفر 1408 هـ / الموافق 17 إلى 21 أكتوبر 1987 رفع أجهزة الإنعاش عند تشخيص موت الدماغ إلا أن ذلك مقيد بشرط توقف قلب الشخص و دورته الدموية حتى تسري عليه أحكام الأموات[12].

يتفق الفقه القديم بكل ماجاء به الفقه الحديث ولكنها اختلفت في المرحلة التي يصبح فيها المريض ميتا من توقف القلب والتنفس ، فتحديد لحظة الوفاة لم يكن محل جدل كبير في الماضي الا أن الأمر ازداد تعقيدا في العصر الراهن بسبب التقدم العلمي من جهة و ظهور تطور أجهزة الانعاش الصناعي من جهة أخرى ، حيث بالنسبة لرأي الفقه القديم يرى أن الموت هو التوقف المؤقت للمقومات الأساسية للحياة : التنفس و النبض وخفقان القلب لشخص مازال حيا لكنه يظهر بمظهر الميت كما يرى البعض الآخر أن الموت هو توقف العمليات الحيوية لدى جسم الانسان و المرتكزة في القلب و التنفس ، و نصت وزارة الصحة سابقا على ان يعد الشخص متوفيا استنادا الى توقف الظواهر الحياتية الآتية مجتمعة لمدة خمس دقائق وهي : انعدام النبض و انعدام نبضات القلب و توقف التنفس وانعدام الضغط الشرياني ، ولكن هذه الظواهر لم تعد كافية في وقتنا الحال لإثبات الموت ، وخاصة بعد تدخل وسائل الانعاش الحديثة المطورة التي أثبتت عدم صحة تشخيص الوفاة على مجرد توقف القلب و الرئتين ، فالبعض يرى جواز ايقاف أجهزة الانعاش لأنه لا معنى من بقائه ويستدل لموته من ايقاف الأجهزة ومراقبة التنفس ونبضات القلب فإذا توقفت فقد توفي رسميا .

ويرى البعض الآخر بعدم جواز ايقافه بتاتا مادامت الأجهزة كلها تعمل ، استنادا الى مفهوم الموت القديم بالتنفس و نبض القلب[13] .

أما الفقه الحديث اتجهت الى اعتبار الشخص متوفي اذا ماتت خلايا الدماغ على الرغم من بقاء قلبه حيا .
اذا توقف القلب و الرئتان عن العمل و أمكن التدخل بأجهزة الانعاش الصناعي قبل موت خلايا المخ لإبقائه حيا وترتب على ذلك اطالة حياة المريض ، فانه لا يجوز للطبيب بناء على الأقوال الفقهاء و القانون قبل موت المخ فصل هذه الأجهزة و الا تسببت في موت المريض و يعد ذلك قتلا ، ولا يجوز للطبيب أن يتعلل بطول المدة أو وجود أناس آخرين في نفس حالة المريض . و اذا تم تركيب أجهزة الانعاش الصناعي بعد موت مخ المريض فإن وظيفتها تقتصر على المحافظة على حياة بعض أعضاء الجسم من خلال تزويدها بالدم المحمل بالأكسجين و غيره من ضرورات الحياة ، فهنا لا تكفل الأجهزة سوى حياة صناعية لبعض خلايا الجسم و لايمكن القول بأنها تعيد الحياة الى الشخص الذي مات موتا حقيقيا بموت خلايا مخه ، ومن ثم فصل أجهزة الانعاش عن الجثة لا يعد حرمانا لها من احياة التي سبق لها أن فقدتها ، و لا يعد هذا العمل جريمة قتل في حكم الشرع و القانون لأن هذه الجريمة لا تقع الا على حياة انسانية طبيعية ، لذلك من حق الأسرة أن تطلب من الطبيب ايقاف أجهزة الانعاش ، كما أن من حق الطبيب أن يوقف عملها فهذا ما يمليه عليه واجبه الإنساني والوظيفي . ولاشك أن وقف أجهزة الانعاش عن العمل بقرار فردي من الطبيب قد تحوطه بعض الشبهة ، فإنه من الأحوط عرض الأمر على فريق طبي متخصص و إعلام الأسرة بالأمر و موافقتها على ذلك[14] .

فالإنعاش الاصطناعي القلبي والرئوي إجراء إسعافي لمريض فاقد الوعي إذا تعرض لأسباب طبية عديدة أو حوادث أدت إلى دخوله في غيبوبة.
وهنا يتم تشخيص الحالة بالفحص السريري الدقيق، فهي إما أن تكون حالة إغماء مؤقت يزول بزوال العارض الطارئ، وهي الحالة الأولى، أما إذا ظهرت علامات الإغماء الكامل وعدم الاستجابة لأي مؤثرات لتنبيه المريض وعدم وجود أي حركة تلقائية أو أي أفعال منعكسة، مع عدم التنفس لمدة ثلاث دقائق بعد إبعاد المنفسة فهذا يدل على موت في أجزاء من الدماغ وهي الحالة الثانية من حالات الإنعاش القلبي والرئوي فقد قال الأطباء: «إنه ما من حالة صحَّ فيها تشخيص موت الدماغ عادت إليها الحياة، وما من حالة عادت إلى الحياة توفرت فيها الشروط الأساسية لتشخيص موت الدماغ».
أما الحالة الأولى فقد ذكر الفقهاء لها أحكاماً تخص المغمى عليه، تناولت فيها أحكام العبادات باختصار.
وفي الحالة الثانية تناول الفقهاء مسألة جواز رفع الأجهزة عن المريض والخلاف في ذلك، وقد ترجح رأي هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية إضافة إلى كثير من العلماء المعاصرين الذين قرروا جواز رفع الأجهزة إذا تيقن الأطباء من صحة تشخيصهم.
ويتم القرار برفع أجهزة الإنعاش من قبل اثنين من الاختصاصيين أو ثلاثة، وهذا هو المتبع في معظم دول العالم ومنها المملكة العربية السعودية.
ويتم تحديد وقت الوفاة تحت الإنعاش بعد توقف القلب والتنفس توقفاً نهائياً لا رجعة فيه، ويترتب على هذا آثار منها: إمكانية الاستفادة من أعضاء المريض، وإصدار شهادة وفاة له ودخول زوجته في العدة، وخروج ماله من ملكه إلى ورثته.
للإنعاش الاصطناعي حالتان:

الحالة الأولى: وصول شخص في حالة فقدان للوعي إلى المستشفى حيث يخضع لإنعاش القلب والرئة لعدة أسباب منها (ارتفاع ضغط الدم، ارتفاع السكري، انخفاض السكري، ارتفاع حاد في درجة الحرارة، انخفاض حاد في درجة الحرارة، تغير نسبة الحموضة والقلوية بالدم، تغير نسبة الأملاح بالدم (الصوديوم أو البوتاسيوم)، الجفاف وفقدان السوائل، تسمم الدم، الصرع، وغير ذلك .
وهذه الحالة تدخل ضمن موضوع الإغماء . ،وعند عدم استجابة العين أو الرأس للفحص السريري، وما يواكب ذلك من عدم وجود نشاط كهربائي لتخطيط المخ وغير ذلك من الفحوصات، فهذا يدل على وجود (موت دماغي) وهي الحالة الثانية التي سيأتي ذكرها.

الحالة الثانية: وصول الشخص في حالة (فقدان للوعي) بحيث يدخل إلى غرفة الإنعاش وتوضع عليه أجهزة الإنعاش، في حالات أذكر منها:
“توقف النفس، توقف ضربات القلب، أو حدوث ضعف شديد فيها، الإغماء الكامل وعدم الحركة، عدم وجود أي نشاط كهربائي في رسم المخ كما هو معروف عند الأطباء، إصابة بالغة بالمخ، الاختناق، الغرق، استنشاق أو أكل أو شرب مواد سامة، جلطة في القلب، جلطة في المخ، إلى غير ذلك”( )، وأن يكون قد مضى ست ساعات على الأقل من دخول المصاب في غيبوبة.
فإذا حدثت هذه الأعراض فإن المصاب يدخل إلى ما يسمى بحجرة الإنعاش وتوضع عليه أجهزة الإنعاش، وقد أتاحت التقنيات الطبية الحديثة وسائل وأجهزة وأدوات متطورة للإنعاش، بعضها يفيد في إنعاش القلب بعد توقفه وبعضها يقوم بوظيفة التنفس بدلاً عن الرئتين في حال فشل التنفس وذلك في الحالات التي لم تصل إلى مرحلة الموت الفعلي.

إيقاف أجهزة الإنعاش : إذا كان المريض تحت أجهزة الإنعاش وتوفرت علامات موت جذع المخ عنده فهل يجوز رفع هذه الأجهزة عنه بأن أصبح تنفسه آلياً وأصبحت نبضات قلبه صناعية وليست حقيقية؟ على أقوال:

القول الأول: يجوز رفع هذه الأجهزة عن هذا الشخص الذي أصبح يتنفس تنفساً آلياً صناعياً لا حقيقة لتنفسه، فأصبح كالجثة التي ينفخ فيها الهواء، وهو قول الشيخ عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله تعالى ـ والشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الغديان، والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ (مفتي المملكة)، والشيخ صالح بن فوزان الفوزان، والشيخ عبدالرزاق عفيفي، وغيرهم، وبه صدر قرار المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة بمكة المكرمة ونص القرار: “المريض الذي ركبت على جسمه أجهزة الإنعاش يجوز رفعها إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً، وقررت لجنة من ثلاثة أطباء اختصاصيين خبراء أن التعطل لا رجعة فيه وإن كان القلب والتنفس لا يزالان يعملان آلياً بفعل الأجهزة المركبة، لكن لا يحكم بموته شرعاً إلا إذا توقف التنفس والقلب توقفاً تاماً بعد رفع هذه الأجهزة”( ).

القول الثاني: عدم جواز رفع هذه الأجهزة وهو قول من يرى أن وجود تنفس وإن كان آلياً واصطناعياً فهو دلالة على استمرار الحياة ولا ترفع هذه الأجهزة حتى يتم توقف القلب والدورة الدموية والتنفس ،وهو قول الشيخ بكر أبو زيد، والشيخ عبدالله البسام، والدكتور توفيق الواعي، والشيخ محمد السلامي، والشيخ بدر المتولي عبدالباسط، والشيخ عبدالقادر محمد العمادي.
أدلة أصحاب القول الأول:

  • 1) إن بقاء الأجهزة على المريض لا حاجة إليه ، لأن هذه الأجهزة أصبحت هي التي تعمل بالبدن.
  • 2) إن هذه الآلات تطيل عليه ما يؤلمه من حالة النزع والاحتضار وهو نوع من أنواع التعذيب، وإبقاؤه ما بين الحياة والموت مما لا يتفق وكرامة الإنسان.
  • 3) يسبب بقاء الأجهزة على المريض ألماً لأقاربه وذويه فتجدهم يتألمون لحاله ويحزنون لما صار إليه.
  • 4) إن هذه الأجهزة وهذه الغرفة المجهزة وراءها تكاليف باهظة ولا طائل تحتها، فتجد أنها لا تكون إلا لأناس محددين، فلو أُتي بشخص آخر تستنقذ حياته بحيث يكون وجوده في هذا المكان فيه فائدة، بخلاف هذا الشخص الذي مهما طال به الزمن فإنه لا فائدة من بقاء هذه الأجهزة عليه.

استدل أصحاب القول الثاني بما يأتي:

1) أدلة حفظ النفس التي جاءت الشريعة الإسلامية مؤكدة وحافظة لها لأنها من الضروريات الخمس .
2) قاعدة: «اليقين لا يزال بالشك»، وجه الاستدلال بهذه القاعدة الفقهية: إن المتيقن هو بقاء الحياة، والموت مشكوك فيه بدلالة وجود نبض قلبه وتردد نفسه فيؤخذ باليقين حتى يزول الشك ويتوقف القلب والتنفس.
3- قاعدة «الأصل بقاء ما كان على ما كان»، وجه الاستدلال: أن الأصل هو الحياة فيبقى الأمر على هذا الأصل.

القول الراجح: هو ما ذهب إليه جمهور العلماء المعاصرين، خاصة إذا تأكد عدم وجود أي حالة طبية لعودة أجهزة الجسم للعمل بعد موت الدماغ ويؤيد ذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي بدورته العاشرة حيث نص القرار: «المريض الذي ركبت على جسمه أجهزة الإنعاش يجوز رفعها إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً، وقررت لجنة من ثلاثة أطباء اختصاصين خبراء أن التعطل لا رجعة فيه، وإن كان القلب والتنفس لا يزالان يعملان آلياً بفعل الأجهزة المركبة لكن لا يحكم بموته شرعاً إلا إذا توقف التنفس والقلب توقفاً تاماً بعد رفع هذه الأجهزة». ويجاب عن أدلة القول المرجوح بمايلي[15]:

  • 1) أن الجسد الإنساني بأعضائه ودماغه جعله الله في خدمة الروح.
  • 2) أن الروح تسيطر على الجسد الحي في هذه الدنيا بواسطة الدماغ، والدماغ بدوره يحرك الأعضاء الأخرى، فيرسل عن طريقها ما تريد الروح إرساله، ويستقبل عن طريقها ما تريد الروح استقباله.
  • 3 ) إذا حدث موت الدماغ، كان ـ الدماغ ـ عاجزاً بصورة كلية عن الاستجابة لإرادة الروح، وعجزت بسائر الأعضاء ـ أيضاً ـ بعجزه، فإن كان هذا العجز نهائياً لا رجعة فيه ولا أمل في استدراكه رحلت الروح عن الجسد بإذن الله.

قررت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بأن لا مانع من نزع الجهاز التنفسي عن المريض إذا قرر طبيبان فأكثر أنه في حكم الموتى، ولكن يجب أن ينتظر بعد نزع الأجهزة منه مدة مناسبة حتى يتحقق وفاته[16].

وبمثل هذا القرار أفتى الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ عبدالرزاق عفيفي ـ رحمهما الله ـ حيث قالا: «يجوز إيقاف الأجهزة التي تشغل القلب وجهاز التنفس أوتوماتيكياً إذا كان القلب لا ينبض، والتنفس لا وجود له إلا بالأجهزة؟ لأنه على هذا يكون ميتاً، وحركة القلب والتنفس إنما هي بالأجهزة لا حياة الشخص، لكن يجب التأكد من موته بعد رفع الأجهزة وقبل إعلان الموت لكامل إراحته».
وتكاد تجمع المؤسسات الطبية في العالم على أن الحكم بموت الشخص من قبل اختصاصيين اثنين هو المعوّل عليه[17].
وقد ورد من معالي وزير الصحة خطاباً برقم (9745/3796/26) في 28/7/1417هـ من تقرير اللجنة الطبية المكلفة لبحث موضوع الإنعاش القلبي والرئوي للمرضى الميئوس من حالاتهم المرضية بناء على طلب سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية رئيس هيئة كبار العلماء بكتابه رقم (3796/26) في 28/7/1417هـ وبعد البحث والمداولة قرر المجلس مايلي:
إذا قرر ثلاثة أطباء متخصصون فأكثر رفع أجهزة الإنعاش عن المريض فإنه يجوز اعتماد ما يقررونه من رفع أجهزة الإنعاش، ولكن لا يجوز الحكم بموته حتى يعلم ذلك بالعلامات الظاهرة الدالة على موته.
إذا قرر الأطباء المختصون رفع الأجهزة في الحالات الميئوس منها، فإنه لا يلتفت إلى معارضة الأهل[18].

خلاف في حكم رفعها على قولين:

القول الأول: أنه يحرم.
وهوالمتوجه من كلام الشيخ محمد المختار السلامي في حالة حاجة المريض للأجهزة وعملها في إنقاذه لتحقيق هدف الإنعاش.

القول الثاني: أنه يجوز.
وهوالمتوجه من كلام الشيخ عبد القديم يوسف، في “حالة الحياة النباتية” عند موت المخ جزء الدماغ.
وعلى ذلك فيظهر أن الخلاف في المسألة شكلي، ونهايته: أن الشخص إذا كان فيه حياة مستقرة واعية لا تنزع عنه الأجهزة ما دامت تحافظ على حياته، أما إن كانت حياته المستقرة غير واعية ويعاني من غيبوبة وهي حالة الحياة النباتية فإنه يجوز رفع الأجهزة ولا يتحمل الطبيب ضمانًا ولا مسؤولية عن ذلك[19].

خاتمة الفصل الأول:

لقد بدأنا في الفصل الأول بتعريف الانعاش القلبي الرئوي وهو عودة النشاط بعد الفتور، أو إعادة الوظائف الحيوية في الجسم لمباشرة عملها من جديد بعد أن تكون قد توقفت أو على وشك التوقف . أو «تنشيط الدورة الدموية والجهاز التنفسي بواسطة أجهزة بحيث يفارق المريض الحياة إذا رفعت هذه الأجهزة.وعرف بتعريف آخر وهو أن الإنعاش يقصد به لدى الأطباء(المعالجة المكثفة التي يقوم بها الطبيب أو مجموعة من الأطباء ومساعديهم لمساعدة الأجهزة الحياتية حتى تقوم بوظائفها، أو لتعويض بعض الأجهزة المعطلة قصد الوصول إلى تفاعل منسجم بينها، والأجهزة الحياتية الأساسية للإنسان هي المخ والقلب والتنفس والكلى والدم للتوازن بين الماء والأملاح ، ومماتتكون أجهزة الانعاش ، ثم تدرجنا الى تاريخ الانعاش القلبي و بداياتها في أمريكا وخاصة المملكة ، ثم تكلمنا عن الفقهاءبأن لم ينطلقوا في تكييف الإنعاش من منطلق واحد فمنهم من رآه من جهة المريض فقال أنه نوع من أنواع التداوي، ومنهم من رآه من جهة الطبيب والواجب عليه في إنقاذ النفس البشرية فقال أنه واجب لحصول الحياة بفعل بإذن الله، والحقيقة أن كلا الرأيين له حظ من النظر لكن إذا نظرنا إلى حقيقة الحال وأن المريض في حال لا يمكنه اتخاذ الرأي أصبح تكييفه على أنه نوع من التداوي غير مقبول, لأن التداوي هو طلب الدواء وطلب الدواء يكون من قبل المريض المحتاج إلى الدواء والعلاج وهو في هذه الحالة لا يستطيع تقرير طلب الدواء أو تركه.
فتبين أن الأقرب الى هذه المسألة أن يكيف على أنه من باب إنقاذ النفس البشرية من الهلكة فهو بالنسبة للطبيب والجهات الصحية واجب عليهم على الكفاية إذا لم يقم به من يكفي أثموا جميعا وإن تركوه ضمنوا .
ومن خلال ما تقدم تبين أن في المسالة قولان:

القول الأول: أن وضع أجهزة الإنعاش للمحتاج إليها فرض كفاية. وهو قول جماعة من الفقهاء المعاصرين.
القول الثاني: أن وضع أجهزة الإنعاش للمحتاج إليها مندوب إليه. وهو قول جماعة من الفقهاء المعاصرين.

وأخيرا اختتمنا الباب بحكم الانعاش القلبي الرئوي وعددنا الحالات التي يتم فيها رفع أجهزة الانعاش فإذا كان المريض تحت أجهزة الإنعاش وتوفرت علامات موت جذع المخ عنده فهل يجوز رفع هذه الأجهزة عنه بأن أصبح تنفسه آلياً وأصبحت نبضات قلبه صناعية وليست حقيقية؟ على أقوال:القول الأول: يجوز رفع هذه الأجهزة عن هذا الشخص الذي أصبح يتنفس تنفساً آلياً صناعياً لا حقيقة لتنفسه، فأصبح كالجثة التي ينفخ فيها الهواء، وهو قول الشيخ عبدالعزيز بن باز ، القول الثاني: عدم جواز رفع هذه الأجهزة وهو قول من يرى أن وجود تنفس وإن كان آلياً واصطناعياً فهو دلالة على استمرار الحياة ولا ترفع هذه الأجهزة حتى يتم توقف القلب والدورة الدموية والتنفس ،وهو قول الشيخ بكر أبو زيد، والشيخ عبدالله البسام، والدكتور توفيق الواعي، والشيخ محمد السلامي، والشيخ بدر المتولي عبدالباسط، والشيخ عبدالقادر محمد العمادي ، و البعض من فقهاء الفقه القديم .

الفصل الثاني: الموت الاكلينيكي

مقدمة

في هذا الفصل الثاني سنلجأ الى موضوع جديد دائما مايعرض في حياتنا الحاضرة بسبب كثرة حدوثه وصعوبة معرفة متضمناته ، ألا وهو الموت الاكلينيكي ، فهنا سنقوم بتعريف الموت الاكلينيكي و نعرض مفهومه وتعريفه ، و نحاول التوصل الى جذوره السابقة الأصلية التي هي مصدرها ونتعرف على تدرجاتها من وقت اكتشافها الى عصرنا الحالي ، ثم نتعرف على تشخيصاته المختلفة وكيفية التوصل الى معرفته ليقوم الطبيب بغلإعلان بالحالة الاكلينيكية ولكن من صعوباتها أجريت العديد من الدراسات لتشخيص الموت الاكلينيكي بشكل دقيق لما يترتب عليه من آثار مهمة ، فهي حالة وفاة حكمية ن أي أن الشخص يعد ميتا بمجرد موت خلايا جذع الدماغ ، فهي حالة لم تزل غامضة الى وقتنا الحالي ، وقد يقوم الأطباء باختبارات معينة للتعرف عليها ،

ثم ستم التطرق الى الفروقات بين الوفاة الدماغية و الحياة النباتية التي قد يتم الالتباس بينهما ، فيتم التعريف بكل واحد منهما ، ثم ختاما سنتعرف على العلاقة الموت الاكلينيكي بالقتل الرحيم الفعال و المنفعل وأيا منهما يتوافق معه ويرفع المسؤولية عن الطبيب ، وموقف الفقهاء من كل واحد منهما .

المبحث الأول

المطلب الأول : تعريف الموت الاكلينيكي و تاريخ اكتشافه

تعريفه و تاريخ اكتشافه : [20]

هو التوقف النهائي (توقف اللاعودة) لجميع وظائف المخ متضمنا وظائف جذع المخ . ظهر هذا التعريف عام 1564م عندما قام أحد مشاهير الأطباء في مدريد بأسبانيا بعمل تشريح لجثة أحد النبلاء في عصره أمام تلاميذه بكلية الطب لمعرفة سبب الوفاة وفوجئ الجميع عند فتح القفص الصدري أن القلب لا يزال ينبض أي أن المريض حي لم يمت بعد ، وأجبر الطبيب على ترك المهنة ومغادرة أسبانيا وبعدها زاد الاهتمام بتعريف الوفاة وإعلان الموت الإكلينيكي أو الوفاة الدماغية . ثم زاد الاهتمام في القرن الماضي بهذا التعريف ناتج عن عوامل ثلاثة:

  • 1) التجربة الشهيرة التي قطعت بها رأس الدجاجة عن جسمها وظلت الدجاجة تتحرك وتقف بقلب ينبض وأرجل تتحرك مما يؤكد الحياة في الجسم مستمرة رغم قطع – أو وفاة- الدماغ نهائيا.
  • 2) الأجهزة الحديثة بالرعاية المركزة والأدوية الطبية التي يمكنها المساعدة على الحفاظ على استمرار عمل ووظائف القلب والرئتان ( التنفس والنبض) والأجهزة الداخلية الأخرى كالكلي والكبد رغم وفاة المخ وتوقف جميع وظائفه إكلينيكيا بصورة نهائية.
  • 3) ازدياد الاهتمام بنقل وزراعة الأعضاء من الأشخاص المتوفين دماغيا إلى المرضى لإنقاذ حياتهم مما فتح المجال أمام كثير من الجدال الديني والأخلاقي والاجتماعي والمادي حتى يومنا هذا.

في منتصف القرن الثامن عشر أقرت أكاديمية باريس للعلوم إعطاء التنفس من الفم للفم لمن أنقذ من الغرق ويعاني من صعوبة في التنفس.
وفي عام1891 أجرى الدكتور فريدريك ماس أول ضغطات صدرية مسجلة على الإنسان وفي عام 1903 سجل الدكتور جورج كريلاول نجاح لعملية ضغطات صدرية على الإنسان أفاق بعدها المريض وفي عام 1954 أثبت جيمس إيلام أن هواء الزفير يحتوي على كمية من الأكسجين تكفي للتنفس وإمداد الخلايا بالأكسجين اللازم وفي عام 1960 أقرت جمعية القلب الأمريكية الإنعاش القلبي الرئوي كعملية حيوية هامة لإنعاش توقف القلب وبدأت في تدريب المتطوعين على هذه العملية وطريقة تنفيذها.
وبدأ تطبيق الإنعاش القلبي الرئوي بأمريكا في منتصف الستينات وكان مفهومه الأولي هوالتدخل السريع لحالات توقف القلب والتنفس لإمداد الأنسجة المختلفة بالجسم بدم مؤكسد وخاصة خلايا المخ والأعضاء الهامة لحين وصول فريق الإنقاذ لتقديم أفضل الخدمات الطبية الطارئة وبالتالي نقله لأقرب مستشفى.

أول من نبه إلى موضوع موت الدماغ المدرسة الفرنسية عام 1959م ثم تبعها المدرسة الأمريكية عام 1968م ثم أخذت الأبحاث تنتشر فيما بعد.
وقبل ذلك وبالتحديد في سنة 1952م قبلت إحدى المحاكم الأمريكية (في ولاية كنتاكي) النظر في الدعوى الخاصة بشخص كان قلبه لا يزال يدق لأنه كان يدفع بالدم من الأنف ، فطبقت معيار موت جذع الدماغ كليةً معياراً قانونياً للموت. وعدلت عن معيار توقف التنفس والنبض. (أي القلب والدورة الدموية) وهو ما أقره المؤتمر الثاني للأخلاق الطبية بفرنسا والذي أكد أن معيار الموت هو الموت الكامل لخلايا المخ (الدماغ) وأن الموت ليس نتيجة حتمية لوقف حركة القلب في الجسم. وكان أول من وضع المواصفات العلمية والطبية الخاصة بتحديد موت الدماغ هي لجنة (آدهوك) في جامعة هارفرد الأمريكية عام 1968م.
ولولا تطبيق هذا المعيار الحديث للموت لما أمكن إجراء عملية زرع قلب كامل عام 1967م لأنه قبل ذلك لا يعتبر ميتاً أثناء العملية الجراحية[21].
عرف الأطباء موت الدماغ بأنه تلف دائم في الدماغ يؤدي إلى توقف دائم لجميع وظائفه بما فيها وظائف جذع الدماغ [22].
أو هو: توقف الدماغ عن العمل تماماً وعدم قابليته للحياة [23].
فإذا مات المخيخ فإن الإنسان يمكن أن يعيش ، وإذا مات المخ فإن الإنسان أيضاً يمكن أن يعيش وإن كانت حياته حياة غير إنسانية بل حياة نباتية[24]

أما إذا مات جذع الدماغ فهنا اختلف الأطباء على قولين:

الأول: الاعتراف بموت جذع الدماغ نهاية للحياة الإنسانية بدلاً من توقف القلب والدورة الدموية وهذا قول أكثر الأطباء. (وهنا ترى المدرسة الأمريكية أنه لا بد من موت الدماغ بأكمله ، والمدرسة البريطانية على أن الموت يكون بموت جذع الدماغ فقط)
الثاني: عدم الاعتراف بموت الدماغ نهاية للحياة الإنسانية .

المطلب الثاني : تشخيص الموت الاكلينيكي و الاختبارات المخصصة لمعرفته

يتم تشخيص المريض وفاة دماغية أو موت إكلينيكي:

  • 1) عدم الاستجابة لجميع المؤثرات الخارجية مهما كانت سواء بصرية أو صوتية أو للألم ويفقد التواصل بأى طريقة كانت مع المجتمع حوله.
  • 2) اختفاء جميع الأفعال والانعكاسات الدالة على وظائف المخ وجذع المخ ( أى توقف نهائيا وكليا عن العمل). وعلاماته:-
    ‌أ- اختفاء حركة حدقة العين.
    ‌ب- اختفاء حركة العين مع وضع ماء بارد في الأذنين.
    ‌ج- توقف الأفعال المنعكسة لملامسة القرنية أو جدار الحلق.
    ‌د- اختفاء جميع الحركات الإرادية أو اللا إرادية من أي نوع.
    ‌ه- توقف التنفس بل أن هناك اختبار يجري على المريض، وإذا زادت نسبة ثاني أكسد الكربون بالدم عن 60% ولم يحدث استجابة لمراكز التنفس ، هنا يتأكد انتهاء عمل مركز التنفس.
    ‌و- إذا تجاوز المريض إكلينيكيا هذه النقاط يعتبر متوفي إكلينيكيا

إلا إذا :

1) كان تحت تأثير أي مادة دوائية من أي نوع كمخدر مثلا.
2) درجة حرارة المريض أقل من 32ْ م عند الفحص.
3) المريض لا يعاني قبل الموت الدماغي من صدمة من أي نوع أدت إلى هبوط شديد للدورة الدموية قبل الفحص.

يتم تشخيص موت الدماغ حسب الشروط الطبية المعتبرة وأهمها:

  • -وجود شخص مغمى عليه إغماءً كاملاً.
  • -لا يتنفس إلا بواسطة جهاز التنفس.
    تشخيص سبب هذا الإغماء يوضح وجود إصابة أو مرض في جذع الدماغ أو في كل الدماغ
  • -عدم وجود أسباب تؤدي إلى الإغماء المؤقت مثل تعاطي العقاقير أو الكحول أو انخفاض شديد
    في درجة حرارة الجسم أو حالات سكر شديد أو انخفاض في سكر الدم أو غير ذلك من الأسباب الطبية المعروفة التي يمكن معالجتها.
  • -ثبوت الفحوصات الطبية التي تدل على موت جذع الدماغ وتتمثل في:
  • -عدم وجود الأفعال المنعكسة من جذع الدماغ .
  • -عدم وجود تنفس بعد إيقاف المنفسة لمدة عشر دقائق بشروط معينة ، منها :
  • -استمرار دخول الأوكسيجين بواسطة أنبوب يدخل إلى القصبة الهوائية ، ومنها إلى الرئتين ،وارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الدم إلى حد معين -أكثر من 50 مم من الزئبق في الشريان .
  • -فحوصات تأكيدية : مثل رسم المخ الكهربائي وعدم وجود أي ذبذبة فيه ، أو عدم وجود دورة بالدماغ بعد تصوير شرايين الدماغ أو بفحص المواد المشعة .

تداولت بعض وسائل الإعلام أخبار بعض من حكم عليهم بالموت دماغيا ثم أفاقوا لفترة زمنية ، في حال صدق تلك الأخبار فسببها خطأ في التشخيص للموت الدماغي ، ولايعني إمكانية عودة الحياة لمن ماتت دماغة .

(1) يعتبر توقف القلب حالة مرضية يمكن إسعافها ، ولايعني الموت .
(2) يجوز رفع أجهزة الإنعاش عن الميت دماغيا ؛ لاستحالة عودته إلى الحياة .

الاختيارات التي تجري للتأكد من الموت الدماغي:

  • – اختبار تخطيط للمخ يظهر اختفاء كهربية المخ بصورة نهائية.
  • – اختبار لشرايين المخ يثبت عدم تدفق الدم للمخ.
  • – الأفعال الانعكاسية المثارة لجذع المخ تبين اختفاءها تماماً.
  • – هنا حتى لو كان القلب يدق والكلي والكبد وباقي الأعضاء تعمل يعتبر المريض متوفى دماغيا أو ميتا إكلينيكيا ويمكن نقل الأعضاء منه، أما الروح فلا يعلم سرها إلا رب العالمين.

حقيقة الموت طبياً [25] :

توقفٌ في وظائف الدماغ توقفاً لا رجعة فيه
إن موت الانسان بموت دماغه و استمرار عمل القلب بعد موت الدماغ لا يعني الحياة
ولكي نزيد هذا المفهوم وضوحًا:

الدماغ لا يستطيع أن يبقى حيًا سوى بضع دقائق ( أربع دقائق تقريبًا ) عند انقطاع التروية
الدموية ، فالدماغ هو أول الأعضاء تأثرًا وموتًا نتيجة توقف القلب عن النبض ، وتوقف الدم عن الجولان والجريان في الأوعية الدموية
إن الموت هو موت الدماغ بما فيه من المراكز الحيوية والهامة جدًا والواقعة في جذع الدماغ ، فإذا ماتت هذه المناطق فإن الإنسان يعتبر ميتًا ، لأن تنفسه بواسطة الآلة المنفسة مهما استمر يعتبر لا قيمة له ولا يعطي الحياة للإنسان . وكذلك استمرار النبض من القلب بل وتدفق الدم من الشرايين والأوردة ( ما عدا الدماغ ) لا يعتبر علامة على الحياة طالما أن الدماغ قد توقفت حياته ودورته الدموية توقفا تاما لا رجعة فيه .

و القلب يوقف في العمليات الجراحية التي تجرى للقلب (عمليات القلب المفتوح )لمدة ساعتين أو أكثر ولا يعني ذلك أن هذا الشخص قد مات ، رغم أن قلبه يوقف والسبب هو أن وظيفة القلب تقوم بها مضخة تضخ الدم من الوريد الأجوف السفلي والعلوي بعد أن يمر في جهاز يقوم بوظيفة الرئة ثم يعاد إلى الشريان الأورطي الذي بدوره يوزع الدم على بقية أعضاء الجسم . وفي هذه الحالات رغم أن القلب متوقف والتنفس متوقف إلا أن الشخص حي بكل تأكيد وذلك لان الدورة الدموية لم تتوقف ولو لعدة ثوان . والدماغ يتلقى التروية الدموية دون انقطاع …ووظيفة الرئتين تقوم بها آلة أخرى تأخذ ثاني أكسيد الكربون من الدم وتعطيه الأوكسجين .

وهذا المثال يوضح أن القلب رغم أهميته البالغة للإنسان إلا أنه يمكن الاستغناء عنه لمدة ساعتين أو ثلاث بواسطة آلة تقوم مقامه …وكذلك الرئتين .

إذًا ينبغي أن ندرك أنه حتى في الحالات التي يعلن فيها أن الموت بسبب توقف القلب والدورة الدموية والتنفس إلا أن السبب الأول في الوفاة هو انقطاع التروية الدموية عن الدماغ

لذا إذا أمكن مواصلة التروية الدموية للدماغ حتى مع توقف القلب فان هذا الشخص يعتبر حيًا، ولكن العكس غير صحيح ، أي إذا تهشم الدماغ وبالذات جذع الدماغ الذي فيه المراكز الحيوية ( اليقظة ، التنفس ، التحكم في الدورة الدموية ) فإن الإنسان يعتبر مات موتًا لا رجعة فيها رغم أن قلبه لا يزال ينبض بمساعدة العقاقير وبعض الأجهزة وتنفسه لا يزال مستمرًا بواسطة المنفسة ( الآلة ) . وهذا هو بالضبط ما نعبر عنه بموت الدماغ .

ما يحدث عندما تقوم الدولة بتنفيذ حكم الله في القصاص يضرب السياف العنق فتتوقف الدورة الدموية عن الدماغ ويموت الدماغ خلال دقائق معدودة ( ثلاث إلى أربع دقائق )بينما يبقى القلب يضخ لمدة خمس عشرة إلى عشرين دقيقة ..ويتحرك المذبوح ، وهو أمر نشاهده عند ذبح الدجاج أو الخروف ..ولكن هذه الحركة بذاتها ليست دليلاً على الحياة ، طالما أن الدماغ قد مات.
والأمر ذاته يحدث في الشنق ..فعندما يشنق الإنسان تتوقف الدورة الدموية عن الدماغ بينما يستمر القلب في الضخ لعدة دقائق قد تبلغ ربع ساعة إلى ثلث ساعة ..وفي هذه الفترة لا شك أن الشخص يكون قد مات رغم أن قلبه لا يزال ينبض ، وذلك لان الدورة الدموية قد انقطعت عن الدماغ ، وقد مات الدماغ بالفعل.

المبحث الثاني : الفرق بين الوفاة الدماغية والحياة النباتية .

يعتقد معظم الناس أن الوفاة تحدث للإنسان فقط عند توقف القلب والتنفس عن العمل << ( هذه الحاله تسمى الوفاة القلبية ) ولكن حسب القانون في المملكة ومعظم دول العالم فإن الوفاة ممكن أن تحدث أيضا عندما يتوقف الدماغ أو جذع الدماغ عن العمل توقفا لا رجعة فيه << ( هذه الحالة تسمى الوفاة الدماغيه ) .
يستطيع الفريق الطبي المحافظة على استمرار عمل القلب وعملية التنفس بمساعدة أجهزة الإنعاش ( التنفس الصناعي أو المنفسه ) المتصلة بالمتوفى دماغيا ..

فرؤية صدره يعلو ويهبط وضربات قلبه الواضحه على شاشة تخطيط القلب توحي بأنه مازال حيّا .. ولكن الحقيقة أن هذا الشخص يعتبر ميتا .. لعدم وجود أي نشاط في الدماغ .. وإذا نزعنا أجهزة الإنعاش عنه فإن القلب والتنفس يتوقفان.
إن استيعاب الوفاة القلبية هي مسألة سهلة .. فبكل بساطة:

توقف القلب عن العمل .! أما الوفاة الدماغية .. فهي مسألة أصعب.. حيث يتوجب عمل فحوصات واختبارات للمريض للتأكد من موت الدماغ .. أو جذع الدماغ .. قبل الإعلان عن أنه متوفى دماغيا.

1) في البالغين والأطفال الأكبر من سنة ، المتوفى دماغيا يحتاج إلى جهاز تنفس داعم .. هذا يعني أن كل العلامات الحيوية مثل: ( التنفس ، النبض ، ضغط الدم ، … ) لا تستمر إلا بوجود جهاز إنعاش صناعي.
فعند غياب كل وظائف الدماغ وجذع الدماغ .. الشخص يكون غائبا عن الوعي بلا حراك ولا يبدي أيّ ردّة فعل
أو استجابة لأي محفّز خارجي.

عند عمل الفحص السرير للتحقق من غياب وظائف جذع الدماغ يلاحظ:

  • اتساع حدقة العين وعدم استجابتها للضوء.
  • العين لا ترمش عند لمسها ( Corneal Reflex ).
  • عدم حركة العينين عند إدارة الرأس من جهة إلى جهة ( Oculocephalic Reflex ).
  • عدم حركة العينين عند ضخ ماء مثلّج في الأذنين ( Oculo-vestibulo reflex ).
  • لا يظهر المريض أيّ ردّة فعل عند إثارته بوضع الأنبوب الشافط بعمق في قنوات التنفس.
  • لا يتنفس المريض إذا نُزِع جهاز الإنعاش عنه ( Apnea Test ).

يعاد نفس الفحص السابق بعد مرور ( 6 ) ساعات على الفحص الأول. ،وبذلك يقوم اثنان من الاستشاريين بفحص المريض مرتين .. وبهذا يثبت أن المريض متوفى دماغيا ثباتا قطعيا.
الفحص التأكيدي:
عند عدم معرفة سبب الموت ولوجود أسباب طبية معقده ،فإن الفحص التأكيدي لا بد منه ، وهذا ممكن أن يكون إما بدراسة مدى تدفق الدم للدماغ ( blood flow study ) أو رسم كهربائية الدماغ ( EEG ).

2) في الأطفال تحت سن السنة:

من الضروري إعادة الفحص السريري بعد مرور فترة ملاحظة مناسبة ، لتحديد الوفاة الدماغية في الأطفال تحت سن السنة ،ومن الضروري أيضا أن ننجز الفحص التأكيدي وهو رسم كهربائية الدماغ ( EEG ) ، لكل فحص سريري إلا إذا تحدد عدم وجود أي تدفق للدم في الدماغ.
فيتجلى الفرق بين الوفاة الدماغية والحياة النباتية في أن
الوفاة الدماغية : هي موت خلايا الدماغ أو جذع الدماغ ويكون المريض فاقدا الوعي تماما .. ويحتاج إلى جهاز الإنعاش الصناعي ليستمر عمل القلب والتنفس ، ويمكن أن يتوقف القلب في أي لحظة بل يمكن أن يتعدى الساعات إلى عشرة أيام على أفضل تقدير ، حيث تبدأ في هذه الفترة أعضاؤه الداخلية بالعطب خلال هذه الفترة.
الحياة النباتية: هي حياة وليست موت .. لكن من نوع آخر ، فهي موت لخلايا الدماغ مع بقاء خلايا جذع الدماغ تعمل ( المسئولة عن عمل القلب والتنفس ) ، يكون المريض فاقدا الوعي .. ( كالنائم نوما عميقا ) والتنفس والقلب يعملان بشكل تلقائي وقد يستمر هذا الوضع من أيام إلى سنوات .

رفع الأجهزة من المتوفى دماغيا أو مريض الحياة النباتية :

ليس هناك فرق بين الحالتين:

المتوفى دماغيا يعتبر شخص ميت حسب القانون وحسب ما أجمعت عليه الفتاوى .. يجوز رفع الأجهزة الانعاش لرفع المعاناة التي يتعرض لها أهله ولاستفادة من يحتاج اليه بالفعل .
المريض في الحياة النباتية يعتبر شخص حي ولا يجوز من الناحية الدينية أوالقانونية أوالأخلاقية رفع الأجهزة الانعاش[26] .

المبحث الثالث :

المطلب الأول : علاقة الموت الاكلينيكي بالقتل الرحيم الفعال و المنفعل .

الموت الرحيم: “هو استجابة الطبيب المعالج لرغبة مريضه، بإنهاء حياته نتيجة لمعاناة هذا المريض من آلام مبرّحة لايمكن تحمّلها، والميؤوس من شفائها نهائياً وقطعياً ” ولكن..هل يُعتبر هذا العمل جريمة قتل يعاقَب عليها الطبيب، أم يُعدّ عملاً إنسانياً مشروعاً؟
موت الدماغ أو الموت الاكلينيكي هو الموت الحقيقي لأنه موتٌ لا رجعة فيه , فإن تخربت و تحللت خلايا الدماغ لا يمكن أن يُستعاض عنها بشيء , لأن الدماغ يتخرب بعد أربع دقائق من توقف التروية الدموية لخلاياه , أما غيره من أعضاء الجسم فيمكن الاستعاضة عنها بأجهزة أو بعمليات زرع الأعضاء .
فالقتل الرحيم ….
هو عبارة عن إيقاف الدعم الطبي … عن مريض لا يرجى شفائه …. إما بسبب الموت الدماغي … او بسبب مرض اخر عضال …. يطيل من معاناة المريض لا اكثر
فإذا يأتي القتل الرحيم على صور متعددة منها ماهو غير نشط ( passive ) وماهو نشط ( active )
والأمثلة على النوع الأول كثيرة منها :سحب أدوات الإنعاش أو إيقاف الأدوية المنشطة عن المريض ( withdrawing ) أو إيقاف أي إضافة علاجية للمريض المتردي صحياً تؤدي الى بقائه حياً (withholding ) وهذا الفعل يؤدي الى الموت الرحيم وان كان بطيئاً …
والنوع الثاني من القتل الرحيم هو ان يتخذ الطبيب خطوة متقدمة بإعطاء المريض حقنة قاتلة من الأدوية تنهي حياته بشكل سريع.[27]

ويقسّم الأطباء عادةً ما يسمى بقتل المرحمة إلى نوعين

  • 1) قتل المرحمة الإيجابي أوالفعال: وفيه يقوم الطبيب المسؤول عن علاج المريض الميؤوس من شفائه بناء على طلبه الواضح المتكرر بإنهاء حياته. وعادة ما يكون ذلك بواسطة حقنة تحتوي على جرعة كبيرة من مادة مخدرة تؤدي إلى وفاة فورية للمريض.
  • 2) قتل المرحمة السلبي أوالمنفعل: وهوعملية تسهيل وفاة المريض الميؤوس من شفائه، وذلك بإيقاف أوعدم إعطاء العلاج، وذلك مثل إيقاف جهاز التنفس أوعدم وضعه عندما يحتاج له المريض بناء على طلب المريض أوإرادته السابقة لمرضه التي أوضحها من قبل. أوعدم إعطائه العقاقير التي تعالج الأمراض الأخرى التي تعتور المريض المُدنِفْ، وذلك مثل التهاب رئوي أوالتهاب بالزائدة الدودية، وترك المريض بأمراض ميؤوس منها لا علاج لها ليلاقي حتفه بسبب أمراض أخرى يمكن معالجتها. وقد تقدمت مناقشة هذا النوع تحت بند علاج الحالات الميؤوس منها.

وهناك نوع ثالث يقع فيما بين السلبي والإيجابي. وهوإعطاء المريض الميؤوس من حالته، والذي يعاني من آلام مبرحة، جرعات متكررة من المسكنات القوية.. وهذه المسكنات القوية تتيح للمريض أن يعيش بسلام نسبي وبآلام محدودة، وفي نفس الوقت تعمل على تعجيل نهايته بصورة متدرجة.

فما حكم تيسير الموت ؟

وبداية نقول إن تيسير الموت الفعال هو قتل, ولا نشك في حرمته سورة الإسراء: ٣٣ ، ووردت الأحاديث الصحيحة تنهى عن القتل, “فإن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ” ،وهوجريمة عظمى؛ لأنه قتل لنفس معصومة الدم، ولا يحل دم أمرئ إلا بإحدى ثلاث: ردة بعد إسلام، ونفس بنفس وزنا ًبعد إحصان. وهذه الجريمة تعتبر ثاني الجرائم بعد الشرك بالله.
كما نهى الإسلام عن الانتحار بشتى صوره وأشكاله, وتوعّد عليه بالوعيد الشديد, فقال صلى الله علبه وسلم “من تردّى من جبل فقتل نفسه فهوفي نار جهنم يتردّى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً, ومن تحسّى سماً فقتل نفسه, فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها” . إن لجوء المريض إلى الطلب من طبيبه, أن يسارع في حقنه بعقار يعجل بوفاته, ليسكن بذلك من ألمه, ويخلصه من معاناته, هوانتحار, فقد أصيب أحد المقاتلين وكان يقاتل في صف النبيوصحابته, فاتكأ على رمحه من شدة الألم فقتل نفسه, فقال رسول الله “هوفي النار” .
وإقدام الطبيب على تيسير الموت الفعال, جريمة قتل سواء كان بإذن المريض أوبغير إذنه, فكلا القاتل والمقتول مرتكبان للإثم العظيم؛ القاتل لتنفيذه الجريمة, والمقتول لطلبه تنفيذها, وهوكبيرة من الكبائر, ولوفعل ذلك الطبيب بغير إذن المريض لاستحق القصاص. وثمة قاعدة تقول:”مَن أعان على معصية, ولوبشطر كلمة, كان شريكاً لصاحبها فيها ” .
ولكن ماذا عن قتل الرحمة السلبى أو المنفعل؟
هذا السؤال يدفعنا لمعرفة الحالات الميئوس فيها والغير قابلة للشفاء فإن مجمع الفقه الإسلامي ترك تقدير هذه الحالات للأطباء ولإمكانات الطب المتاحة.

أولا: المرضى المصابون بأمراض عضال ولا علاج لها ويعرف عنها تفاقمها التدريجي الذي ينتهي بالوفاة خلال فترة تقرب أوتبعد. ومثال ذلك السرطان المنتشر الذي لا علاج له والذي يعرف طبياً من الحالات المشابهة أنه سينتهي بالوفاة خلال مدة أشهر.
ثانياً: المرضى المنومون في قسم العناية المركزة والذين فشلت معهم كل الوسائل العلاجية المتوفرة في تحسين حالتهم الصحية فانتهى بهم الحال إلى حالة شبه نهائية. وهؤلاء هم أقرب للموت منهم للحياة وهم في حالة احتضار. ومثال ذلك المريض المصاب بتسمم شديد في الدم والذي لم تفد معه أجهزة التنفس الإصطناعي والغسيل الكلوي والأدوية المختلفة في وقف تطور المرض (وهذا ما يسمى طبياً حالة فشل الأعضاء المتعددة .
ثالثاً: المرضى المصابون بأمراض عصبية شديدة أدت إلى عجزهم التام فكرياً على نحو لا أمل طبياً في تحسنهم. ومثال ذلك الشيخ الهرم المصاب بالخرف الشديد على نحو لا يعرف فيه من حوله ولا يقدر على أداء حاجاته ولا يتحكم بالبول والغائط.
رابعاً: المرضى المصابون بالحالات النباتية المستمرة ويقصد بذلك إصابة قشرة المخ إصابة بالغة دائمة مع بقاء بعض وظائف جذع الدماغ سليمة. فمثل هذا المريض في حالة غياب تام عن الوعي والإدراك إلا أنه يتنفس ويهضم الطعام ويفتح عينيه ويغلقهما ولذلك فإنه يعيش حياة أقرب إلى حياة النبات منها إلى حياة الإنسان. وتشاهد مثل هذه الحالات في بعض ضحايا الحوادث.
ولا يدخل في مفهوم الحالات غير القابلة للشفاء حالات الموت الدماغي، ويعرف الموت الدماغي بأنه تعطل جميع وظائف الدماغ تعطلاً نهائياً لا رجعه فيه. فحكم هذا المريض – كما قرر مجمع الفقه الإسلامي – حكم الميت [28].

المطلب الثاني : موقف الفقهاء من الموت الاكلينيكي و القتل الرحيم

هل يمكن أن تكون طلقة الرحمة حلاًّ للأمراض المستعصية والشيخوخة؟
متى نفكّر بالموت بوصفه حلاًّ لما نعانيه؟ وهل يمكن أن يكون التخلّص من الحياة أمراً قابلاً للتنفيذ؟
وهل تسمح الأديان حتى بمجرد التفكير في الموت الرحيم ؟ بعد جدل واستفتاءات ونقاش دام ثلاثين عاماً، صدر الهولنديين أول قانون في العالم يقونن وينظّم الموت الرحيم ويعدّه عملاً مشروعاً وفق حالات وشروط دقيقة حدّدها المشرّع. غير أن معارضي القانون اتهموا الحكومة الهولندية بأنها أصدرت هذا القانون لتخفّف من مصاريف المعالجة الطبيّة والأدوية للمواطنين [29] .
ومن الفتاوى الجامعة في هذا الموضوع فتوى للعلامة الأستاذ الشيخ يوسف القرضاوي حول أسئلة وجهت إليه من قبل منظمة الطب الإسلامي بجنوب أفريقيا، ضمن أسئلة عن الطب الإسلامي وأحكامه وآدابه، جاء في السؤال الأول منها ما يلي[30]:

قتل الرحمة (تيسير الموت)

التعريف: تسهيل موت الشخص بدون ألم بسبب الرحمة لتخفيف معاناة المريض سواء بطرق فعالة أو منفعلة.

تيسير الموت الفعال: يتخذ الطبيب إجراءات فعالة لإنهاء حياة المريض.
أمثلة:

  • 1) مريض مصاب بالسرطان يعاني من الألم والإغماء، ويعتقد الطبيب بأنه سيموت بأي حال من الأحوال ويعطيه جرعة عالية من علاج قاتل للألم الذي يوقف تنفسه.
  • 2) مريض في حالة إغماء لفترة طويلة مثلا بعد إصابته بالتهاب السحايا أو بإصابة شديدة في رأسه، ومن الممكن أن يبقى حيًّا باستعمال منفِّسة (جهاز إنعاش)، ويعتقد الطبيب بعدم وجود أي أمل بشفائه، والمنفِّسة تضخّ الهواء للرئتين، وتديم تنفسه “أوتوماتيكيا”. فإذا ما أوقف المنفسة فلن يتمكن المريض من إدامة تنفسه، فمن الممكن إبقاء هذا المريض حيًّا بواسطة هذه المنفسة الصناعية التي تديم فعالياته الحيوية، ولكن لكل الاعتبارات الأخرى يعتبر مثل هذا المريض “ميتًا” وغير قادر على السيطرة على وظائفه وإيقاف هذه المنفسة يعتبر تيسيرًا فعالاً للموت.

تيسير الموت المنفعل: هنا لا تتخذ خطوات فعالة لإنهاء حياة المريض بل يترك للمرض أن يأخذ أدواره بدون إعطاء المريض أي علاج لإطالة حياته.
أمثلة:

  • 1) مريض نهائي بالسرطان أو الإغماء من إصابة بالرأس أو التهاب سحائي ولا يرجى شفاؤه منه، ومصاب بالتهاب الرئة التي إن لم تعالج -وهي ممكنة العلاج- يمكن أن تقتل المريض، وإيقاف العلاج من الممكن أن يعجل بموت المريض.
  • 2) طفل مشوه تشويها شديدًا بتصلب أشرم -شوكة مشقوقة- أو بشلل مخي، يمكن أن يترك من دون علاج إذا أصيب بالتهاب الرئتين أو بالتهاب السحايا، ويمكن أن يموت الطفل من هذه الالتهابات.

والتصلب الأشرم -الشوكة المشقوقة- هي حالة غير طبيعية للعمود الفقري تؤدي إلى شلل الساقين وفقدان السيطرة على المثانة والأمعاء الغليظة، والطفل المريض بهذا الداء يكون مشلولا يحتاج إلى عناية خاصة طيلة حياته.
أما الشلل المخي فهو حالة تلف في المخ خلال الولادة تسبب تخلفًا عقليًّا وشللا في الأطراف بدرجات متفاوتة، ومثل هذا الطفل يكون مشلولا جسميًا وعقليًّا، ويحتاج لعناية خاصة طيلة حياته.
في الأمثلة السابقة “إيقاف العلاج” نوع من أنواع تيسير الموت المنفعل، وبصورة عامة لا يعيش هؤلاء الأطفال عمرًا طويلا، وإيقاف العلاج وتيسير الموت المنفعل يمنع إطالة معاناة الطفل المريض أو والديه.
و قد طرحت الأسئلة هذه على الشيخ القرضاوي :

1) هل تيسير الموت الفعال مسموح به في الإسلام؟
2) هل تيسير الموت المنفعل مسموح به في الإسلام؟

وقد أجاب فضيلة الأستاذ الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي بما يلي:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..

تيسير الموت الفعال:

  • 1) تيسير الموت الفعال في المثال رقم 1 لا يجوز شرعا؛ لأن فيه عملا إيجابيًا من الطبيب بقصد قتل المريض، والتعجيل بموته بإعطائه تلك الجرعة العالية من الدواء المتسبب في الموت؛ فهو قتل على أي حال. سواء كان بهذه الوسيلة أم بإعطاء مادة سمية سريعة التأثير، أم بصعقة كهربائية، أم بآلة حادة.. كله قتل، وهو محرم، بل هو من الكبائر الموبقة. ولا يزيل عنه صفة القتل أن دافعه هو الرحمة بالمريض، وتخفيف المعاناة عنه. فليس الطبيب أرحم به ممن خلقه. وليترك أمره إلى الله تعالى، فهو الذي وهب الحياة للإنسان وهو الذي يسلبها في أجلها المسمى عنده.
  • 2) أما المثال رقم 2 من أمثلة تيسير الموت الفعال، فنؤخر الحديث عنه بعد الحديث عن تيسير الموت المنفعل.

تيسير الموت المنفعل(بإيقاف العلاج) :

وأما تيسير الموت “بالطرق المنفعلة” كما في السؤال. فإنها تدور كلها سواء في المثال “1” أم “2” على “إيقاف العلاج” عن المريض، والامتناع عن إعطائه الدواء الذي يوقن الطبيب أنه لا جدوى منه، ولا رجاء فيه للمريض، وفق سنن الله تعالى، وقانون الأسباب والمسببات.
ومن المعروف لدى علماء الشرع: أن العلاج أو التداوي من الأمراض ليس بواجب عند جماهير الفقهاء، وأئمة المذاهب. بل هو في دائرة المباح عندهم. وإنما أوجبه طائفة قليلة، كما قاله بعض أصحاب الشافعي وأحمد. كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية (الفتاوى الكبرى لابن تيمية 4/260ط. مطبعة كردستان العلمية بالقاهرة) وبعضهم استحبه.
ومن هنا يكون العلاج أو التداوي، حيث يرجى للمريض الشفاء مستحبًا أو واجبًا، أما إذا لم يكن يرجى له الشفاء وفق سنن الله في الأسباب والمسببات التي يعرفها أهلها وخبراؤها من أرباب الطب والاختصاص.. فلا يقول أحد باستحباب ذلك فضلا عن وجوبه.
وقد يكون تعريض المريض للعلاج بأي صورة كانت -شربًا أو حقنًا أو تغذية بالجلوكوز ونحوه، أو توصيلا بأجهزة التنفس والإنعاش الصناعي، أو غير ذلك مما وصل إليه الطب الحديث، ومما قد يصل إليه بعد- يطيل عليه مدة المرض ويُبقي عليه الآلام زمنا أطول؛ فمن باب أولى ألا يكون ذلك واجبًا ولا مستحبًا، بل لعل عكسه هو الواجب أو المستحب.
فهذا النوع من تيسير الموت -إن صحت التسمية- ينبغي ألا يدخل في مسمى “قتل الرحمة”؛ لعدم وجود فعل إيجابي من قبل الطبيب، إنما هو ترك لأمر ليس بواجب ولا مندوب، حتى يكون مؤاخذًا على تركه.

وهو إذن أمر جائز ومشروع إن لم يكن مطلوبًا، وللطبيب أن يمارسه؛ طلبًا لراحة المريض وراحة أهله. ولا حرج عليه إن شاء الله.

تيسير الموت بإيقاف أجهزة الإنعاش:

بقي الجواب عن المثال الثاني في النوع الأول الذي اعتبره السؤال من تيسير الموت بالطرق الفعالة لا المنفعلة. وهو يقوم على إيقاف المنفسة الصناعية أو ما يسمونه “أجهزة الإنعاش الصناعي” عن المريض، الذي يعتبر في نظر الطب “ميتًا” أو “في حكم الميت”؛ وذلك لتلف جذع الدماغ، أو المخ، الذي به يحيا الإنسـان ويحس ويشعر.
وإذا كان عمل الطبيب مجرد إيقاف أجهزة العلاج فلا يخرج عن كونه تركًا للتداوي، شأنه شأن الحالات الأخرى التي سماها “الطرق المنفعلة”.
ومن أجل ذلك أرى إخراج هذه الحالة وأمثالها عن دائرة النوع الأول “تيسير الموت بالطرق الفعالة” وإدخالها في النوع الآخر.
وبناء على ذلك يكون هذا أمرًا مشروعًا ولا حرج فيه أيضًا، وبخاصة أن هذه الأجهزة تبقي على هذه الحياة الظاهرية -المتمثلة في التنفس والدورة الدموية- وإن كان المريض ميتًا بالفعل؛ فهو لا يعي ولا يحس ولا يشعر؛ نظرًا لتلف مصدر ذلك كله وهو المخ.
وبقاء المريض على هذه الحالة يتكلف نفقات كثيرة دون طائل، ويحجز أجهزة يحتاج إليها غيره ممن يجدي معه العلاج، وهو -وإن كان لا يحس- فإن أهله وذويه يظلون في قلق وألم ما دام على هذه الحالة التي قد تطول إلى عشر سنوات أو أكثر!
وقد ذكر هذا الرأي منذ سنوات أمام جمع من الفقهاء والأطباء في أحد اجتماعات الندوة التي تقيمها بين الحين والحين “المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية” بالكويت، فلقي قبول الحاضرين من أهل الفقه وأهل الطب.

فنورد قولاً ورد في كتاب (بيان للناس) للشيخ جاد الحق علي جاد الحق يقول فيه: ((أما بالنسبة للموت الأكلينيكي فإنه يمنع تعذيب المريض المحتضر باستعمال أية أدوات أو أدوية متى يتبين للطبيب أن هذا كله لاجدوى منه، وعلى هذا فلا إثم إذا أوقفت الأجهزة التي تساعد على التنفس وعلى النبض متى تبيّن للمختص القائم بالعلاج أن حالة المحتضر ذاهبة به إلى الموت)). ولقد استند شيخ الأزهر السابق جاد الحق في ذلك إلى مقررات مجمع الفقه الإسلامي الثالث التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في عمّان بالأردن عام 1987 حول أجهزة الإنعاش والموت الأكلينيكي. وهذا ما أقرّه أيضاً مؤتمر جنيف الدولي المنعقد عام /1979/ إذ عرّف المؤتمر الموت بتوقّف جذع المخ عن العمل بغضّ النظر عن نبض القلب بالأجهزة الصناعية. ورفع تلك الأجهزة الصناعية عن المريض هو ماسمّاه بالموت الرحيم السلبي ومال إلى جوازه من غير تصريح علني واضح.

خاتمة الفصل الثاني :

لقد بدأنا في هذا البحث بتعريف الموت الاكلينيكي و عرفنا أنه هو التوقف النهائي (توقف اللاعودة) لجميع وظائف المخ متضمنا وظائف جذع المخ ، وعرفنا عدة تجارب مشهورة أجريت في بعض بلدان العالم ، وعرفنا تاريخها بأن أول من نبه إلى موضوع موت الدماغ المدرسة الفرنسية عام 1959م ثم تبعها المدرسة الأمريكية عام 1968م ثم أخذت الأبحاث تنتشر فيما بعد ، ثم تعرفنا على تشخيصاتها واختباراتها من التجارب الطبية المختلفة ومدى قدرة المريض على الاستجابة في ظل ظروفه الصعبة ، فالموت هو موت الدماغ بما فيه من المراكز الحيوية والهامة جدًا والواقعة في جذع الدماغ ، فإذا ماتت هذه المناطق فإن الإنسان يعتبر ميتًا ، لأن تنفسه بواسطة الآلة المنفسة مهما استمر يعتبر لا قيمة له ولا يعطي الحياة للإنسان . وكذلك استمرار النبض من القلب بل وتدفق الدم من الشرايين والأوردة ( ما عدا الدماغ ) لا يعتبر علامة على الحياة طالما أن الدماغ قد توقفت حياته ودورته الدموية توقفا تاما لا رجعة فيه ، ثم تجلت الفرق بين الوفاة الدماغية والحياة النباتية في أن
الوفاة الدماغية : هي موت خلايا الدماغ أو جذع الدماغ ويكون المريض فاقدا الوعي تماما .. ويحتاج إلى جهاز الإنعاش الصناعي ليستمر عمل القلب والتنفس ، ويمكن أن يتوقف القلب في أي لحظة بل يمكن أن يتعدى الساعات إلى عشرة أيام على أفضل تقدير ، حيث تبدأ في هذه الفترة أعضاؤه الداخلية بالعطب خلال هذه الفترة.
الحياة النباتية: هي حياة وليست موت .. لكن من نوع آخر ، فهي موت لخلايا الدماغ مع بقاء خلايا جذع الدماغ تعمل ( المسئولة عن عمل القلب والتنفس ) ، يكون المريض فاقدا الوعي .. ( كالنائم نوما عميقا ) والتنفس والقلب يعملان بشكل تلقائي وقد يستمر هذا الوضع من أيام إلى سنوات ، وبعدها تحدثنا عن الموت الرحيم: “هو استجابة الطبيب المعالج لرغبة مريضه، بإنهاء حياته نتيجة لمعاناة هذا المريض من آلام مبرّحة لايمكن تحمّلها، والميؤوس من شفائها نهائياً وقطعياً ” ، وتطرقنا الى علاقته بالموت الاكلينيكي الفعال و المنفعل وعرفنا كلا منهما نقتل المرحمة الإيجابي أوالفعال: وفيه يقوم الطبيب المسؤول عن علاج المريض الميؤوس من شفائه بناء على طلبه الواضح المتكرر بإنهاء حياته. وعادة ما يكون ذلك بواسطة حقنة تحتوي على جرعة كبيرة من مادة مخدرة تؤدي إلى وفاة فورية للمريض ،قتل المرحمة السلبي أوالمنفعل: وهوعملية تسهيل وفاة المريض الميؤوس من شفائه، وذلك بإيقاف أوعدم إعطاء العلاج، وذلك مثل إيقاف جهاز التنفس أوعدم وضعه عندما يحتاج له المريض بناء على طلب المريض أوإرادته السابقة لمرضه التي أوضحها من قبل. أوعدم إعطائه العقاقير التي تعالج الأمراض الأخرى التي تعتور المريض المُدنِفْ، وذلك مثل التهاب رئوي أوالتهاب بالزائدة الدودية، وترك المريض بأمراض ميؤوس منها لا علاج لها ليلاقي حتفه بسبب أمراض أخرى يمكن معالجتها. وقد تقدمت مناقشة هذا النوع تحت بند علاج الحالات الميؤوس منها ، و أخيرا في نهاية الفصل شرحنا فتوة فضيلة الأستاذ الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي في كون الفعال أو المنفعل مسموح به في الاسلام ، وحالة كل منهما .

الفصل الثالث : ايقاف الانعاش عن المريض و مسؤولية الطبيب عنها .

مقدمة

في هذا الفصل الثالث و الأخير نكون هنا قد توصلنا الى مرحلة من المراحل البالغة الأهمية ألا وهي مسؤولية الطبيب عند ايقاف أجهزة الانعاش القلبي الرئوي ، ففي بداية الفصل سيتم التعرف على الخطأ الطبي وصوره وتقسيماته وصفاته ، حيث يعد هذا الموضوع من المواضيع الخطيرة لأنه يترتب عليه اهدار حياة كانت قد ائتمنت الى الطبيب للمحافظة عليها ، ومن ضمنها مايتعلق بموضوع الانعاش القلبي الرئوي وهو الخطأ في تشخيصه و بالتالي يقوم الطبيب بناء على تشخيصه سواء بذل جهد أم قام باهمال الأصول المهنية ، وبعد ذلك مايترتب على الطبيب سواء ارتكب الخطأ في المستشفيات الحكومية أو الخاصة و من يتحمل المسؤولية في حالة وقوع مثل هذا الخطأ سواء المسؤولية المدنية التي يلتزم الطبيب بالتعويض أو المستشفى ، وسواء المسؤولية الجنائية التي تعد أثرا جزائيا يوقع على الطبيب المخالف من الناحية العمدية أم الخطأ ، وما نصت عليه نظام مزاولة المهن الصحية التي رتبت مسؤولية الطبيب المدنية والجزائية والتأديبية المختلفة ، ووضعتها في يد لجة طبية مختصة بهذه الأمور.

المبحث الأول:

المطلب الأول : تعريف الخطأ الطبي وصفته و تقسيماته وصوره.

تعريف الخطأ الطبي :

عدم قيام الطبيب بالالتزامات الخاصة التي تفرضها عليه مهنته أو هو تقصير لا يقع من طبيب يقظ وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب .

صفة الخطأ الطبي [31]:

1)فني .

2) عادي.

3) جسيم .

4) يسير .

5) ثابت .

تقسيمات الخطأ الطبي :

1) الخطأ الطبي العادي :

ويقصد به الإخلال بالالتزام المفروض على الناس كافة باتخاذ العناية اللازمة عند القيام بنشاط معين أو اتيان فعل معين ، وذلك لتجنب ما قد يؤدي اليه هذا السلوك من نتيجة غير مشروعة ، وهذا الخطأ لا يخضع للنواحي الفنية في علم الطب و لايتصل بسبب الأصول العلاجية المعترف بها .

2) الخطأ المهني ( الفني) :

وهو بوجه عام انحراف شخص ينتمي الى مهنة معينة عن الأصول التي تحكم هذه المهنة وتقيد أهلها عند ممارستهم لها فهو اخلال بواجب خاص مفروض على فئة محددة من الناس ينتسبون الى مهنة معينة كالأطباء ، فهو يتعلق بمخالفة أصول المهنة و قواعدها ، فالطبيب اذا خالف قواعد وأصول مهنة الطب يعتبر واقعا في خطأ مهني فني مثل الخطأ في تشخيص الوفاة الدماغية و بالتالي ايقاف اجهزة الانعاش القلبي الرئوي[32] .

صور الخطأ الطبي[33] :

1) الاهمال .

2) عدم الاحتراز .

3) الرعونة .

المطلب الثاني : الخطأ في تشخيص الوفاة الدماغية .

ان التشخيص الطبي يمثل مرحلة من أهم مراحل العمل الطبي ، فهو أول أعمال الطبيب بالنسبة للمريض وعلى ضوء ذلك يتحدد تعامل الطبيب مع المريض و طريقة علاجه وإن أي خطأ في تلك المرحلة المهمة والرئيسة يستتبع نتائج قد لا تحمد عقباها لأنه في هذه المرحلة بالذات تبدأ مسؤولية الطبيب المهنية ، وغن أي تسرع في البت وتقرير حالة المريض قد يوقع الطبيب في خطأ التشخيص غما من الناحية العملية او من ناحية الإهمال في التشخيص .

عن مسألة الخطأ في التشخيص تعامل وفق الاجتهاد المستقر من أن كل خطأ في التشخيص يرتب المسؤولية على الطبيب مادام هذا الخطأ لا يرتكب من طبيب محترز ضمن ظروف وشروط الحالة المرضية ، وهذا يقتضي بان الطبيب منذ اللحظة التي يستدعى فيها لتقديم العلاج يصبح ملزما بان يوفر للمريض العناية الطبية المطلوبة التي باستطاعته تامينها وتقديمها إما شخصيا او بمساعدة الغير القادرين على ذلك ن والا اعتبر مسؤولا عن أي تقصير او اهمال من شانه أن يلحق الضرر بالمريض او يودي بحياته ، اذ ان من المستقر عليه بين الفقه و القضاء ان الخطأ في اجراء التشخيص نتيجة الاهمال او عدم الاحتياط من جانب الطبيب يرتب عليه المسؤولية الطبية .

لقد ظهر مصطلح موت الدماغ في الوساط الطبية كأحد انواع الوفاة السريرية ، وأصبح موت الدماغ أحد معايير تحديد الوفاة ، فمن الناحية الطبية أن موت الدماغ يعني موت خلايا جذع الدماغ وليس موت خلايا قشرة الدماغ ومن هنا تبدأ مسؤولية الطبيب عن التشخيص في الموت الدماغ ، فاحتمال الخطأ في التشخيص هنا وارد وذلك بسبب التسرع من قبل الأطباء في إقرار التشخيص ، حيث ان التشخيص غالبا في مثل تلك الحالات يتم في فترة زمنية قصيرة دون الانتظار فترة كافية تؤكد ظهور العلامات الأكيدة للوفاة احيانا ، فتدخل الطبيب بإنهاء حياة المريض الذي هو في حالة موت القشرة المخية وليس موت جذع الدماغ إنما هو قتل لنفس حرم الله قتلها ، وهو قتل يستوجب المسائلة القانونية و الشرعية وذلك لاستمرار الحياة الطبيعية و الحيوية في جسده بشكل سليم ، فبالنسبة لإيقاف أجهزة الانعاش الصناعي عن المريض الذي ثبت للأطباء المختصين بصورة قاطعة موت جذع الدماغ عنده فيرى البعض ان ذلك جائز من الناحية الطبية و الشرعية ولكن يجب الانتظار مدة مناسبة بعد رفع الأجهزة عنه حتى تتحقق وفاته بتوقف قلبه وتنفسه قبل اعلان الوفاة[34] .

المبحث الثاني : الخطأ الطبي و التنازع السلبي للمسؤولية وفق فقهاء القانون و أحكام القضاء.

المطلب الأول : مسؤولية الطبيب و المستشفى في المستشفيات الخاصة .

المسؤولية المدنية بوجه عام :

تعني تحمل عاقبة الفعل الضار الذي قام به الامسان وهذا الفعل قد يكون خروجا على ما قد تأمر به قواعد الأخلاق أو مايأمر به القانون و المسؤولية في الحالة الأولى خلقية و في الثانية قانونية[35] .

يميز الفقه في مسؤولية الطبيب الذي يعمل في مستشفى خاص بين نوعين من العمل الطبي النوع الأول هو المعيار الطبي الفني و النوع الثاني هو العمل غير الفني و يتخذ من هذا التمييز معيارا لمعرفة متى تتوافر رابطة التبعية بين المستشفى الخاص و الطبيب الذي يعمل فيه ، ويستتبع هذه التفرق في نوعان من الرقابة يختلف كل منهما من حيث كفايته في انشاء رابطة التبعية التي تقتضي خضوعا كاملا من التابع لرقابة المتبوع و أوامره ، فالنوع الأول رقابة عامة ، الغرض منها التحقق من مراعاة المتعهد لشروط العمل المتفق عليها و النوع الثاني من الرقابة يستلزم التدخل في وسائل تنفيذ العمل و في طريقة ادارته ، وتعتبر الرقابة التي من النوع الثاني فقط منشئة لعلاقة التبعية وليست الرقابة التي من النوع الأول .

فمن كان له في عمله استقلال يخرجه عن سلطة غيره لا يعتبر تابعا لذلك الغير( مرجع ) فإذا كان الطبيب الذي يعمل في المستشفى الخاص معينا من قبل مجلس ادارتها فهذا لا يمنتعه من التمتع بالاستقلال في العناية التي يبذلها لمرضاه ، ولا يمكن لادارة المستشفى أن تصدر اليه أمرا فيما يدخل في صميم فنه ، لأن اصدار المستشفى أوامر للطبيب فيه اعتداء على المهنة الطبية ، فالطبيب لا يمكن أن يكون تابعا في كل ماله اتصال بعمله الفني على الأقل اذا لم يكن المتبوع طبيبا آخر لأن تبعية الطبيب تقتضي خضوعا تأباه المهنة الطبية بل الأمر أكثر من هذا ، اذ يرى البعض ( مرجع ) أن الطبيب ينبغي ان لا يعتبر تابعا حتى في عمله غير الفني و أن انعدام علاقة التبعية يعود الى أن مزاولة المهنة الطبية تقتضي الحصول على شهادات تأبى أن يكون الطبيب تابعا لغير الحاصلين على شهادات مماثلة .

ويقتضي المنطق أن يكون للطبيب استقلال وحرية في اختياره لطريقة و نوع العلاج الذي تقتضيه حالة المريض لكي لا تتعرقل جهوده بتدخل أناس ليس لهم علم أو خبرة بأصول الفن الطبي ، ولكن هذا لايعني أن الطبيب يتمتع بمركز قانوني خاص في جميع الأمور التي ليس لها تعلق بالتطبيق الصحيح لأصول الفن الطبي، ولذلك فإن تدخل المستشفى الخاص الذي يعمل فيها الطبيب له ما يسوغه وخاصة في الأمور التي لا تخص الفن الطبي . وبناء على ماتقدم فإن صفة الطبيب ليست مستتبة و إنما تتغير من حال الى حال ، فأحيانا يتمتع بحرية واسعة ، وأحيانا أخرى لا يتمتع بهذه الحرية بل يكون خاضعا لغيره و في هذه الحالة الأخيرة أي عندما يكون مدينا بالخضوع الى غيره ، فإن ما يقترفه من أخطاء يجب ان يسأل عنها هذا الغير أي المستشفى ، اذا كانت هذه الأخطاء لا تدخل في أصول الفن الطبي ، فإذا أمر بدواء سام و أعطى المريض كمية كبيرة من هذا الدواء فتوفي المريض في الحال و اذا تسبب بنقل عدوى الى المريض نتيجة لعدم تعقيم الآلات و الأدوات الطبية ، واذا أمر بايقاف أجهزة الانعاش القلبي الرئوي عن المريض عالما أن المريض يحتاج اليها و محتفظا بخلاياه الدماغية كلها ، ففي هذه الخالات ومايشابهها يسأل الطبيب وحده دون المستشفى الذي يعمل فيه الطبيب ، لأن عمل الطبيب في الحالات السابقة ذو صبغة فنية ليس للمستشفى أن يقوم بمراقبته في الأعمال الفنية . أما في حالة الأعمال التي ليس لها صبغة فنية فإننا سنواجه هنا اهمالا عاديا يجعل من حق المستشفى أن يراقب الطبيب ، وبالتالي فإن ادارة المستشفى اذا أهملت في تشديد رقابتها على الطبيب فإنها تكون مسؤولة عما يقترفه من أخطاء في هذا الاطار لأن المستشفى لو أحسنت الرقابة و الإشراف لاستطاعت تلافي الاهمال العادي للطبيب .

ويبدو أن بحث علاقة التبعية في اطار الالتزام العقدي للقول بمسؤولية المستشفى الخاص غيرموفقة لأن رابطة التبعية لا تعرض الا في الحالات التي تكون فيها المسؤولية تقصيرية كمسؤولية المستشفى قبل ذوي المريض الذي توفي نتيجة خطأ الطبيب عما أصابهم شخصيا من ضرر نتيجة فقد مورثهم . ففي هذه الحالة تكون المسؤولية تقصيرية و يجب أن يعتبر الطبيب تابعا للمستشفى الخاص الذي يعمل فيها حتى فيما يعتبر من صميم فنه ، ولا مانع في أن تلحق صفة التبعية الأشخاص الذي ينطوي عملهم على صبغة فنية لا يلم بها المتبوع فتكون رقابة المتبوع على مجرد التوجيه العام ، لأن تقسي العمل و التخصص الفني الدقيق الذي يشهده العمل ينافي إلمام المتبوع إلماما تاما بالجوانب كافة التي ينطوي عليها أعمال تابعيه ، و الغالب أن من يستعين بشخص ذي علم فني خاص إنما يستعين به لعجزه عن الإلمام بأصول فنه ، هذا من جهة و من جهة أخرى إن مناط علاقة التبعية هو في حلول شخص محل آخر في القيام بعمل لصالحه و لحسابه .

واذا كان الطبيب يشغل مركزا اجتماعيا خاصا ، فإن هذا المركز لا يؤثر في وجود علاقة تبعية أو عدم وجودها ، و لذلك فإن رابطة التبعية بين الطبيب و المستشفى الخاصة موجودة ، أي أن الطبيب الذي يعين في المستشفى يكون تابعا له حتى ولو كانت علاقة تبعية أدبية فهي كافية لتحميل المستشفى مسؤولية خطأ الطبيب .

ويسأل المستشفى عن خطأ الطبيب في الحالات كافة التي تجب فيها مسؤولية الطبيب سواء عن خطأ ثابت أم خطأ في الحراسة أم عن خطأ من الغير . فهناك حالة أخرى لا توجد فيها علاقة تبعية بين الطبيب و المستشفى ، قد لا تتعدى رابطة الطبيب بالمستشفى الخاص مجرد علاقة خاصة أو تعهدا من المستشى بتقديم عدد من الأسرة و المعدات الطبية الأخرى لقاء مبلغ محدد عن كل استشارة في ايقاف الأجهزة الانعاش ، في هذه الحالة لا توجد رابطة تبعية بين الطبيب و المستشفى ، فلا يعتبر الطبيب تابعا للمستشفى و لا المستشفى متبوعا بالنسبة له .

يمكن القول أنه لايمكن أن تثور المشكلة المشتركة للطبيب و المستشفى الخاص الا في حالة وجود شرط صريح في العقد ينص على إعمال هذه المسؤولية ، وفي حال عدم وجود هذا الشرط يتعين التمييز بين العمل الطبي الفني المقدم من قبل الطبيب و الرعاية العاطية المقدمة من قبل المستشفى ، ذلك أن العمل الطبي يؤدي الى نهوض مسؤولية الطبيب ، اما الرعاية العادية المقدمة من قبل المستشفى فتفضي الى اثارة مسؤولية المستشفى التي استعانت بالممرض المهمل ، فالرعاية المقدمة من المستشفى ليست جزءا من الرعاية التي يقدمها الطبيب فهي لا تعتبر امتدادا للعمل الطبي الفني الذي قام بها الطبيب أو نتيجة مباشرة لها ، فهنا تعتبر المستشفى مسؤولة ، الا اذا اتفق المريض مع الطبيب في العقد الطبي على قيام الطبيب بتقديم هذه الرعاية و أنه عهد الطبيب بتنفيذها الى المستشفى حيث تلقى المسؤولية في هذه الحالة على الطبيب و ليس المستشفى .

ينبغي كذلك التمييز بين مسؤولية الطبيب الذي يفرض المستشفى الخاص على المريض ، ومسؤولية الطبيب الذي يعالج المريض في المستشفى التي اختارها هذا المريض ،ففي حالة المريض الذي يفرض المستشفى على المريض يكون التزامه ومسؤوليته أكثر مدى من حالة الطبيب الذي يعالج المريض في المستشفى التي اختارها هذا المريض ، حيث يلتزم الطبيب الذي فرض المستشفى الخاص على مريضه الى جانب هذه المستشفى ببذل العناية اللازمة للمريض ، أما اذا توجه المريض مباشرة الى المستشفى الخاص للعلاج ، فإن المستشفى يلتزم وحده ببذل العناية الواجبة حتى اتمام العلاج ، وبالتاي تثور مسؤوليتها عما يرتكبه المساعدون منهم الطبيب الذي تستعين بهم من أفعال ضارة ألحقت الأذى بالمريض أو بذويه .

وبالتالي لم تنص القوانين الى تحديد المسؤولية المشتركة أيا من الطبيب و المستشفى فبالتالي صعوبة تحديد الحدود الفاصلة بين التزام الطبيب و التزام المستشفى ذلك أن هذه الالتزامات متداخلة و متشابكة ويكمل بعضها البعض ، ، ولذلك يمكننا القول بأن المستشفى يجب أن يسأل عن كل نشاط طبي يمارس فيه و القول بعكس ذلك يضيع على المريض حقوقه ، وهذا في اطار المسؤولية المدنية[36] .

ففي الحياة العملية يتعاقد الطبيب مع المستشفى ويلتزم الطبيب بمقتضى العقد الذي يبرمه مع ذلك المستشفى بعلاج المرضى الذين يلجأون الى المستشفى ، وهذا العقد ينظم العلاقات المتبادلة بينهما و لكن الطبيب في تنفيذه لهذا العقد يدخل في علاقات مباشرة مع المرضى فهنا الطبيب ملزم بمقتضى العقد أن يقدم خدماته لمرضى غير مرتبطين معه بأي رابطة أو علاقة عقدية و المرضى يعهدون بالعناية بصحتهم الى طبيب لم يختاروه بأنفسهم و لايستطيعون رفض خدماتهم ن فيبدو أن هناك اشتراط لمصلحة الغير ، حيث يقتضي وجود عقد أصلي يؤسس عليه الاشتراط ، اذ أن الرابطة بين المريض و الطبيب ماهي الا نتيجة عقد ايجارأشخاص الذي تم بين الطبيب والمستشفى ، فإن للمرضى المستفيدين من هذا الاشتراط دعوى مباشرة من العقد يرفعونها ضد المتعهد ليطالبوه بتنفيذ التزامه وعلى ذلك فإن مسؤولية الطبيب هنا عقدية . أي بناء على عقد الاستشفاء ،الا أن هذا لا ينفي استقلال مسؤولية المستشفى عن مسؤولية الطبيب ، فللمستشفى أن ترجع على الطبيب بما دفعته من تعويض نتيجة خطأه الشخصي من خلال عمله الطبي و بطبيعة الحال تتحمل الادارة نصيبها فب التعويض اذا كان الخطأ مشتركا ، فمن المقرر أن الطبيب أو المستشفى يلتزم بضمان سلامة المريض حيث يجب عدم تعريضه لأي أذى من جراء الأجهزة الانعاش أو خطأ في تشخيص الوفاة الدماغية ، وهذا الالتزام هو التزام بتحقي نتيجة بحيث يعد الطبيب أو المستشفى مقصرا بمجرد عدم تحقيق النتيجة ، وهي عدم سلامة المريض[37] .

ففي المستشفيات الخاصة يستطيع المريض اختيار الطبيب الذي يعالجه و بالتالي يسأل الطبيب عن خطأه بصفته الشخصية .

فتعريف مسؤولية الطبيب المدنية :

الزام الطبيب بالتعويض عن الأضرار التي أصابت الغير من جهته أثناء ممارسته العمل الطبي .

أركان مسؤولية الطبيب المدنية في الفقه الاسلامي:

1) التعدي .

2) الضرر الطبي.

3) الرابطة بين التعدي و الضرر .

أما في القانون :

1) الخطأ الطبي .

2) الضرر الطبي .

3) رابطة السببية.

والتعويض عن الأضرار بوجه عام يشمل :

1) الأضرار المتعلقة بالنفس الانسانية و مادونها .

2) تكاليف العلاج و التطبيب و الدواء .

3) الألم الناشيء عن الجناية .

4) المنافع الفائتة للمجني عليه من مرضه الى حين شفائه .

5) وقد عينت الشريعة الاسلامية و القانون بحماية النفس الانسانية و حرصت على تقرير المسؤولية في حالة القتل أو الجرح الخطأ وما في حكمه ، ففرضت الدية على الجاني و الكفارة على من قتل مؤمنا خطأ[38] .

المطلب الثاني: مسؤولية الطبيب و المستشفى في المستشفيات الحكومية .

مسؤولية الطبيب لا يمكن وصفها بالمسؤولية التعاقدية و بالمسؤولية التقصيرية بصفة مطلقة ، و السبب في ذلك هو أنها تختلف باختلاف كل حالة من الحالات ، فلا شك أن المستشفيات الحكومية هي مصالح عامة فأموالها أموال عامة و موظفوها موظفون عموميون و الهيئات التي تديرها هي هيئات ادارية تابعة للدولة و مسؤويتها تتأثر بقواعد القانون العام ، و يجري العمل فيها بموجب القوانين و الأنظمة و التعليمات ، التي تطبق على الهيئات الادارية العاملة في المستشفى العام و على المرضى الذين يتطببون في هذه المستشفى و بعبارة أخرى فإن المركز القانوني لهؤلاء الموظفين العاملين في المستشفى و المرضى الذين يتعالجون فيها محدد بموجب قانون تأسيس المستشفى و الأهداف التي يرمي اليها هذا القانون ، مما لاشك فيه أن علاقة الموظف بالدولة هي علاقة قانونية تنظيمية و حيث أن المستشفى الحكومي هو مصلحة عامة أو مرفق عام و موظفوه موظفون عموميون ، وعلاقتهم بالدولة هي علاقة قانونية أو مركز قانوني تنظيمي ، و حيث أن المرضى هم مستفيدون من هذا المرفق العام ،لذلك يتعين أن تكون علاقة المرضى بهذه المستشفى علاقة قانونية تنظيمية تحددها الأنظمة و التعليمات بعيدة عن العلاقة التعاقدية ، لأن حقوق هؤلاء المرضى في العلاج في هذا المستشفى و التزاماتهم محددة بموجب قواعد قانونية عامة مستمدة من الأنظمة و التعليمات ، بعيدة عن الاتفاقات العقدية التي تنشأ بين الدولة و أولئك المرضى ، والدليل على ذلك هو أن الدولة تؤدي خدماتها الصحية للمستفيدين دون تمييز بين مريض و آخر ، وهذه الخدمات الصحية لا تنقضي مرة واحدة أو عدد من المرات و هذه نتيجة طبيعية لمبدأ المساواة التي ماكان ليتحقق بها المرضى المستفيدين لو لم يكن مركزهم محدا بقواعد قانونية عامة و العمومية و الاستمرارية هما اللذان يميزان القاعدة القانونية عن العلاقة العقدية ، وأن التزام الدولة بتقديم خدماتها للجمهور مصدره قاعده قانونية ، وكذلك الحال فإن حق المستفيدين من هذه الخدمات العامة يكون مصدره قاعدة قانونية عامة أيضا .

صحيح أن المرضى المستفيدين من خدمات المستشفى يعبرون عن ارادتهم في الاستفادة من هذا المرفق العام و لكن عمله هذا لا يمكن بأي حال من الأحوال تكييفه بأنه من قبيل التعاقد . هذا في حالة العلاج المجاني ، فلا يتغير الحال لو أن المريض قد دفع رسما للمستشفى الذي يتعالج فيه لأن المستشفيات الحكومية تعالج المرضى مجانا ، واذا ماستوفت رسما على العلاج فإن اذا كان الأصل انها تؤدي خدماتها مجانا ، فإن المجانية ليست من مستلزماتها و لا من مقتضياتها ، فإذا كانت علاقة المريض بالمستشفى تعتبر علاقة قانونية اذا كان العلاج مجانا ، فإن هذه العلاقة القانونية لا تتغيرحتى اذا كان العلاج قد دفعت عنه بعض الأجور الرمزية .

اذا كانت علاقة المريض بالمستشفى العام علاقة قانونية وليست رابطة تعاقدية ، فإن هذه العلاقة القانونية تفرض اعتبار مسؤولية الدولة عن خطأ الطبيب مسؤولية تقصيرية وليست تعاقدية ، مسؤولية المتبوع عن اعمال تابعه لأن نشاط الطبيب في المستشفى العام يعتبر نشاطا للدولة لتحتفي شخصية الطبيب و تبرز شخصية الدولة ، وبذلك تكون الدولة و الدولة وحدها هي المسؤولة عن أخطاء موظفيها من الأطباء ، ويجوز لها ان ترجع على الطبيب المخطئ اذا كان قد ارتكب خطأ فاحش على أساس المسؤولية التقصيرية[39] .

فالمستشفى مسؤولة عن الطبيب عن أي خطأ يرتكبه فبالتالي يستطيع الرجوع علي الطبيب بما دفعته من تعويض .

وعلى الرغم من أن الأنظمة السعودية لم تبين موقفها على نحو صريح من مشكلة طبيعة مسؤولية المستشفى العام عما أصابه من ضرر مترتب على أعمال أطبائها ، الا أن تطبيقه للقواعد الواردة في المسؤولية التقصيرية بصفة خاصة قواعد مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع على مسؤولية المستشفى و الأباء التابعين لها و الزامها بالتضامن بأداء التعويض للمريض المضرور ، على ان المسؤولية التقصيرية للمستشفى تجاه المريض المضرور عما أصابه من ضرر أو ذويه بسبب خطأ الطبيب الموظف لديها لا تقوم الا اذا كانت هناك علاقة بين هذا الطبيب و تلك المستشفى تجعل من الأول تابعا للثاني[40] .

فيقتضي أمر مساءلة المستشفى العام عن أخطاء الطبيب باعتباره تابعا لها توافر شروط مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه ، وهو الأمر الذي يصعب تحققه بالنظر الى مايتمتع به الأطباء من استقلال في ممارسة عملهم الفني ، على أن استقلال الطبيب عن المستشفى لا يمنع من خضوعه لرقابتها في أدائه لواجباته العامة التي تفرضها عليها وظيفته ، ولذلك اعتبرت بعض الأحكام القضائية تابعا لها و تسأل المستشفى عن أخطائه كمتبوع له بالنسبة للأضرار التي تقع من الطبيب أثناء تأديته لعمله ، على انه يلزم لمسائلة المستشفى العام أ ن يثبت أن مسلك الطبيب في عمله كان متسما بوصف الخطأ .( كتاب مسؤولية الطبيب وادارة المرفق الصحي العام ) .

تنص المادة 27 من نظام ممارسة المهن الصحية[41] ( كل خطأ مهني صحي صدر من الممارس الصحي وترتب عليه ضرر للمريض يلتزم من ارتكبه التعويض و تحدد الهيئة الصحية الشرعية المنصوص في نظام مزاولة المهن الصحية مقدار هذا التعويض ويعد من قبيل الخطأ المهني الصحي رقم 6 : استعمال آلات أو أجهزة طبية دون اتخاذا الإحتياطات الكفيلة بمنع حدوث ضرر من جراء هذا الاستعمال .)

فلم ينص النظام السعودي على المسؤولية المشتركة بحد ذاتها .

هناك حالة استثنائية عند اشتراك المريض المضرور في الخطأ ، فالأصل تلتزم وزارة الصحة و الطبيب متضامنين بكامل التعويض المستحق عن الضرر المادي و الأدبي وتعويض الاصابة في ذاتها ، ومؤدى ذلك أن المستشفى و الطبيب يلزمان معاطبقا لقواعد مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه بدفع كامل التعويض للمريض المضرور الا اذا اشتركهذا بخطئه في احداث الضرر فهنا يتحمل هذا الأخير نصيبه في المسؤولية الذي قيل أنه يتحدد اما بقدر جسامة خطئه أو بقدر مساهمته في احداث الضرر ، وذلك هو توزيع عبء الالتزام بالتعويض بين المستشفى و الطبيب و المريض المضرور في المسؤولية المدنية[42] .

وعلى هذا الأساس فان المتبوع اذ يسأل عن فعل تابعه في الوقت الذي لم يثبت في جانب الأول خطأ شخصي ساهم في وقوع الضرر فانه لا يعتبر مسؤولا مع تابعه و لايعد من ثم مدينا بالتعويض في مواجهة هذا الأخير ، فاذا متى كان المستشفى المتبوع لم ترتكب خطأ شخصي من جانبها وأن مسؤوليتها بالنسبة الى الخطأ الذي اقترفه الموظفون التابعون لها هي مسؤولية المتبوع عن عمل تابعه ( وليست مسؤولة معهم عن خطأ شخصي وقع منهم فانها لا تعتبر بالنسبة الى هؤلاء الموظفين مدينا أصلا و لاتتحمل شيئا من التعويض المحكوم به .

واذا كان المتبوع المستشفى لا يعد مسؤولا عن التابع أي مدينا نعه بل يعتبر مسؤولا عنه أي ملزما بالوفاء بدين التعويض عنه فان وفاءه به يبرر حلوله محل المضرور في الرجوع بكل ما دفعه على تابعه[43] .

فاذا علاقة الطبيب بالمستشفى علاقة تنظيمية وليست تعاقدية و أن مسؤولية الطبيب فيها عن الضرر الذي يصيب المريض مسؤولية تقصيرية لأنه لا يمكن القول في هذه الحالة بأن المريض قد اختار الطبيب لعلاجه حتى ينعقد عقد بينهما ، وبالتالي لا يكون هناك محل لبحث مسؤولية الطاعن في دائرة المسؤولية العقدية [44].

فالقاعدة هي أن المريض يستطيع الرجوع على المستشفى و الطبيب اللذان يلتزمان معا بالتضامن طبقا لقواعد مسؤولية المتبوع عن أفعال تابعه بدفع كامل التعويض للمريض المشرور ، فهو يحق له أن يرجع عليهما مجتمعين أو منفردين بكامل التعويض المقضي به ، الا أن المستشفى لا تعد مسؤولا عن الخطأ الشخصي الصادر من الطبيب نفسه ، فتسأل المستشفى عن كل خطأ يقع في تنظيم وحسن سير العمل بها ، أما مايقع من أخطاء خلال العمل الطبي ذاته ، أي مايقوم به الطبيب من عمل فني ، كالتشخيص وغيره ، فإنه يقع على عاتقه وحده ، ويتحمل عبءه النهائي [45].

وفي ضوء الهيئة السعودية للتخصصات الصحية تم اصدار تعميم جديد في الوقت الحاضر بالزام جميع الأطباء الشاغلين المراكز الطبية في المستشفيات سواء الحكومية أو الخاصة باتخاذ تأمين ضد الأخطاء التي يرتكبوها في ظل عملهم الطبي ، حيث ألزمهم لإصدار بطاقة العمل و التصنيف الالتزام بتأمين طبي يراعى فيها مبلغ نقدي يدفعها كل طبيب ليتمكن من تغطية أخطائه الطبية ، استنادا الى :

” إن الهيئة السعودية للتخصصات الصحية إيمانا منها بأهمية الدور المناط بها في مجال ممارسة المهن الصحية و سعيا إلى تنفيذ المهام الملقاة على عاتقها بدقة وأمانة وتثمينا للثقة الملكية الغالية التي أولتها إياها حكومتنا الرشيدة بموجب المرسوم الملكي الكريم رقم م / 2 وتاريخ 6 / 2 / 1413 هـ ، ترى أن من أولى مهامها تطبيق أهدافها المتعلقة بوضع الأ سس والمعايير الصحيحة لمزاولة المهن الصحية وتصنيف حاملي الشهادات الصحية للدرجة المهنية المناسبة لمؤهلاتهم العلمية وقدراتهم العملية وقت التصنيف إذ إنه من البديهي أن وجود أي خلل في الممارسة المهنية ينطوي عليه خطر يهدد صحة الإنسان المقيم على هذه الأرض الغالية .
والهيئة في سعيها وراء استقرار الأمور في نصابها وتأ سي س قواعد عامة للتعامل مع الممارسين الصحيين بما يتنا سب مع مؤهلاتهم العلمية وخبراتهم العملية قامت بوضع المعاييروالإجراءات اللازمة لمعادلة الشهادات الصحية وتقويم قدرات حامليها مهنيا وتصنيفهم تبعا لذلك . لذا قامت الهيئة بوضع معايير عدة روعي فيها الدقة والموضوعية في تقدير الخبرة العملية السابقة (التدريب) واللاحقة ( الخبرة ) للحصول على الشهادات والتدريب المهني . علماً بأن الحد الأدنى للتأهيل لأي درجة مهنية هي البرامج المقرة بالمملكة باعتبارها المقياس لجميع الشهادات المطلوب تصنيفها .”
ومما تجدر الإشارة إليه والتأكيد عليه أنه ليس من مقاصد الهيئة التقليل من شأن جهة ما أوالتشكيك في كفاءتها العلمية و إنما القصد هوإعطاء كل ذي حق حقه نظرا للتباين الكبير في طرق ومدد التدريب بين الدول المختلفة والتمييز بين الممارس الكفء والمتابع للمستجدات في مجال اختصا صه من غيره وترشيح كل قوي أمين ليعمل ويؤتمن على الأرواح في المجال الصحي في الدرجة المهنية المناسبة لقدراته و إمكاناته للعمل في المملكة ، كما نودأن نشير إلى أن لجان تقييم القدرات والكفاءات المهنية وإمتحانات التقييم والتصنيف المهني والتي أعدت خصيصا لهذا الغرض تهدف إلى التأكد من وجود الأ ساسيات اللازمة للممارسة الآمنة بعيدا عن التعقيد اللفظي أو النهج الأكاديمي الصرف ، علماً أنه صدر قرار معالي وزير الصحة ورئيس مجلس أمناء الهيئة رقم /9 أ/ 28 وتاريخ 12 / 4/ 1428 هــ باعتماد دليل التصنيف والتسجيل المهني وتفويض المجلس التنفيذي بالهيئة باعتماد أية تغييرات تطرأ على الدليل في المستقبل لمواكبة المستجدات في التصنيف أو التسجيل المهني ” .

وقد أتى من ضمن بنود متطلبات التصنيف و التسجيل المهني ” التأمين الطبي ضد الأخطاء المهنية للأطباء وأطباء الأسنان ( ثلاث سنوات – على أن تكون قيمة البوليصة 250 ألف ريال ) أما بالنسبة لتخصص نساء وولادة – جراحة-تخدير قيمة البوليصة لا تقل عن 500 ألف ريال . بناء على نظام مزاولة المهن الصحية المادة رقم 41 (يكون الاشتراك في التأمين التعاوني ضد الأخطاء المهنية الطبية إلزامياً على جميع الأطباء وأطباء الأسنان العاملين في المؤسسات الصحية العامة والخاصة. وتضمن هذه المؤسسات والمنشآت سداد التعويضات التي يصدر بها حكم نهائي على تابعيها إذا لم تتوافر تغطية تأمينية أو لم تكف, ولها حق الرجوع على المحكوم عليه فيما دفعته عنه. ويمكن أن تشمل هذا التأمين التعاوني الإلزامي فئات أخرى من الممارسين الصحيين, وذلك بقرار من مجلس الوزراء بناء ً على اقتراح وزير الصحة ) .

مسؤولية الطبيب الجنائية في المستشفيات الخاصة و الحكومية :

مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أنظمة أخرى يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تزيد عن مائة ألف ريال, أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من:

بناء على نظام مزاولة المهن الصحية ، مادة رقم 9 ( أ‌- يجب أن يستهدف العمل الطبي دائماً مصلحة المريض وعلى الممارس الصحي أن يبذل جهده لكل مريض ( و المادة 29 (يجب ألا يجرى أي عمل طبي لمريض إلا برضاه أو موافقة من يمثله أو ولي أمره إذا لم يعتد بإرادته هو, واستثناء من ذلك يجب على الممارس الصحي في حالات الحوادث أو الطوارئ أو الحالات المرضية الحرجة التي تستدعي تدخلاً طبياً بصفه فورية أو ضرورية لإنقاذ حياة المصاب أو عضو من أعضائه , أو تلافي ضرر بالغ ينتج من تأخير التدخل وتعذر الحصول على موافقة المريض أو من يمثله او ولي أمره في الوقت المناسب- إجراء العمل الطبي دون انتظار الحصول على تلك الموافقة , ولا يجوز بأي حال من الأحوال إنهاء حياة أي مريض ميئوس من شفائه طبياً , ولو كان بناءاً على طلبه أو طلب ذويه ) .و المادة 26 (استخدام آلات أو أجهزة طبية دون علم كافٍ بطريقة استعمالها أو دون اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بمنع حدوث ضرر من جراء هذا الاستعمال ) ، كل مخالفه لحكام هذا النظام أو لائحته التنفيذية لم يرد نص خاص في هذا النظام على عقوبة لها, يعاقب مرتكبها بغرامة لا تتجاوز ( عشرين ألف ريال) .

تختص الهيئة الشرعية الصحية بالآتي:

1) النظر في الأخطاء المهنية الصحية التي ترفع بها المطالبة بالحق الخاص ( دية , تعويض ,ارش( .
2) النظر في الأخطاء المهنية الصحية التي ينتج عنها وفاة, أو تلف عضو من أعضاء الجسم, أو فقد منفعته أو بعضها حتى ولو لم يكن هناك دعوى بالحق الخاص.

وقد يتبادر الى الذهن أن الطبيب لا يسأل عما يؤدي اليه عمله من نتائج ضارة ، لكونه يقوم بواجبه و الواجب لا يتقيد بشرط السلامة ، ولكن لما كانت طريقة أداء هذا الواجب متروكة لاختيار الطبيب وحده واجتهاده العلمي و العملي ، وحيث الأطباء بشر من الناس يجري عليهم مايجري على الخطأ من النسيان وتستهويهم الدنيا بزحارفها مما قد يجعلهم يتسببون في اتلاف الأنفس طمعا في متعة من متع الدنيا فإذا أخطأ أو أهمل الطبيب في القيام بالتزاماته الطبية التي تفرضها عليه مهنته و تعدى بسلوك لا يتفق مع الأصول المتعارف عليها لمهنته ، وأفضى الى هلاك المريض أو اتلاف أحد أطرافه أو بعضها أو قصد الاضرار به فإنه تقوم مسؤوليته الجنائية .

فتعريف المسؤولية الجنائية :

هي تحمل الشخص نتائج أفعاله المجرمة ، وعبر عنها الامام أبو زهرة “تحمل التبعة وهو مايسمى في لغة القانون بالمسؤولية الجنائية )” .فلابد من توافر شرطين أساسيين لتحققها :

1) أن يكون الفعل الذي صدر عن الفاعل مجرما .

2) أن يكون الفاعل مختارا ومدركا لنتائج أفعاله ( العلم والارادة ) .

واذا كان العلم و الارادة هما قوام المسؤولية الجنائية لذلك فإن قيام هذه المسؤولية على الطبيب يكون واردا في كل حالة يأتي فيها الطبيب فعلا من الأفعال التي تخالف الأعراف و الأصول الطبية المعمول بها في نطاق مهنته ، ويعلم أن هذا الفعل قد يؤدي الى حدوث الضرر للمريض ، ومن ثم يمكن تعريف المسؤولية الجنائية للطبيب بأنها تقوم في كل فعل يعلم الطبيب مخالفته لأصول المهنة ورغم ذلك يقوم بأدائه ، ومن ثم لا مجال بقيام هذه المسؤولية متى كان الطبيب مرخصا له بمزاولة العمل الطبي ، وكان قاصدا علاج مريضه واتبع في ذلك كل الأصول والأعراف الطبية ولم يقصر أو يهمل في أداء واجبه .

فهو الالتزام القاضي بتحمل الطبيب الجزاء أو العقاب نتيجة اتيانه فعلا أو امتناعه عن فعل يشك خروجا أو مخالفة للقواعد أو الأحكام التي قررتها التشريعات الجنائية أو الطبية ، لذلك يتفق فقهاء الشريعة ورجال القانون أنه لا مسؤولية على الطبيب اذا أدى عمله الى نتائج ضارة بالمريض مادام حذقا في فنه ، وكان ذلك التطبيب باذن المريض أو وليه ، وكان الطبيب قاصدا للعلاج ولم يقصر أو يهمل في أداء واجبه وعمله ، وهذه الصور درج على تسميتها بأسباب مشروعية العمل الطبي[46] .

أركان مسؤولية الطبيب الجنائية في الشريعة الاسلامية و القانون :

الشريعة الاسلامية :

1) التعدي .

2) الضرر .

3) الإفضاء .

القانون:

1) الخطأ الطبي .

2) الضرر .

3) علاقة السببية .

هناك عدة مسؤوليات على الطبيب في حال ايقاف أجهزة الانعاش عن المريض ، فمن الممكن أن يقوم الطبيب بوقف أجهزة الانعاش الصناعي عن المريض بعد تركيبها له ، معتقدا أن حالة المريض الصحية سيئة لدرجة أنه لا يمكن شفائه ، أو نتيجة للتشخيص الخطأ بالوفاة ، أو أن المريض بالفعل ميت دماغيا .

إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي عن المريض الميؤوس من شفائه :

تباينت التشريعات حول مدى مسؤولية الطبيب في مسألة القتل بدافع الشفقة ، فبعضها يرى عدم مسائلة الطبيب جزائيا ، و البعض الآخر يرى مسائلة الطبيب ،اما في الشريع فالقتل بدافع الشفقة محرم ، ففي حالة رفع الأجهزة الانعاش الصناعي عن المريض الميؤوس من شفائه ، حيث ظهر اتجاهان حول نوعية الجريمة التي يسأل عنها الطبيب ، فمنهم من قال أن الطبيب يسأل عن جريمة قتل عادية و البعض الآخر يرى مسائلته مسؤولية مخففة .

أما مسؤولية الطبيب الجزائية الناشئة عن ايقاف اجهزة الانعاش نتيجة التشخيص الخاطئ للوفاة ، فمن الممكن أن يشخص الطبيب حالة المريض ويقررأنه ميت و هو في الحقيقة مازال حيا ، وبالتالي يقوم برفع الجهزة أو يمتنع عن وضعها على المريض بناء على الاعتقاد الخاطئ الذي بني عليه فعله الايجابي ( رفع الجهزة عن المريض ) ، فلابد من التمييز بين حالتين : تشخيص الطبيب للمريض بأنه توفي دون اجراء فحوصات للتأكد من ذلك ، و التشخيص الخاطئ رغم اجراء الفحوصات اللازمة لذلك .

ففي الأول الطبيب لم يقم بعمل مادي يستطيع من خلال معرفة موته من عدمه ، حيث ان معيار وفاة الشخص هو المعيار الحديث المتمثل في موت جذع الدماغ ، وليس القلب و الرئتين ، وهذا ليس بالأمر اليسير بل لابد من قيام الطبيب بعمل فني لمعرفة الموت الحقيي من عدمه ، وذلك من خلال جهاز رسم المخ الكهرائي الذي يؤكد توقف خلايا المخ عن طريق ارسال وايتقبال أي ذبذبات كهربائية ، فمتى توقف هذا الجهاز عن إعطائه أي اشرة لأكثر من 24 ساعة فأن ذلك يعني بالدليل القاطع موت خلايا المخ واستحالة عودتها للحياة حتى ولو ظلت خلايا القلب حية بفضل استخدام وسائل الانعاش الصناعية ، وهذا الأمر من أبسط الإجراءات التي تفرضها عليه أصول مهنته ، تحت مصطلح بذل العناية اللازمة ، فهو لم يقم بأي عمل يشير الى انه بذل العناية المطلوبة منه ، هذا مانصت عليه اغلب التشريعات الصحية التي نظمت العمل الطبي في قوانين خاصة مما ترتب في النهاية مساءليه عن جريمة قتل عمدية .

وأما التشخيص الخاطئ فمن الممكن أن يشخص الطبيب حالة المريض ويقرر خطأ انه ميت على الرغم أنه مازال حيا ، وبالتالي يوقف أجهزة الانعاش الصناعي عنه ، فتعد هذه الحالة عكس الحالة السابقة ، فالطبيب هنا قام بفعل مادي ( تشخيص المرض) و لكن بناء على المعطيات الخطأ اتي توصل اليها قرر أن المريض ميت ، ففي مثل هذه الحالة أخل الطبيب بواجبات الحيطة والحذر الملقاة على عاتقه ، لأنه عالم ان طبيعة سلوكه ( وقف الأجهزة ) يرتب أضرارا بالغة تؤدي الى غنهاء حياة المريض و على الرغم من ذلك يقرر أن امريض توفي و بالتالي يرفع الأجهزة عنه .

فتوقع النتيجة الضارة متحققة في ذهنه ، الا انه لم يقصد احداثها ولم يقبل بها ، وبذلك يكون الطبيب قد وقع في إهمال في مرحلة التشخيص الخطأ واتخاذا لقرار ان المريض ميت ، لأنه كان من الواجب عليه وفق الأصول العلمية المتبعة في مهنة الطب استخطام جهاز رسم المخ الكهربائي ، وجهاز رسم القلب الكهربائي ، واستخدام الأجهزة الفوق صوتية للمخ للتأكد من أن موته قد تحقق بشكل يقيني قاطع لا يدع مجالا للشك فيه [47].

المسؤولية التأديبية :

بناء على نظام مزاولة المهن الصحية ، المادة رقم 31 (مع عدم الإخلال بأحكام المسؤولية الجزائية أو المدنية , يكون الممارس الصحي محلاً للمساءلة التأديبية , إذا اخل بأحد واجباته المنصوص عليها في هذا النظام , او خالف أصول مهنته , أو كان في تصرفه ما يعد خروجاً على مقتضيات مهنته أو آدابها ) و المادة رقم 32 (العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها في حالة المخالفات المهنية هي:

1. الإنذار.

2. غرامة مالية لا تتجاوز عشرة آلاف ريال.

3. إلغاء التراخيص بمزاولة المهنة الصحية وشطب الاسم من سجل المرخص لهم. وفي حالة إلغاء التراخيص, لايجوز التقدم بطلب ترخيص جديد إلا بعد إنقضاء سنتين على الأقل من تاريخ صدور قرار الالغاء.

خاتمة الفصل الثالث :

لقد بدأنا في هذا الفصل الأخير بتعريف الخطأ و أنه عدم قيام الطبيب بالالتزامات الخاصة التي تفرضها عليه مهنته أو هو تقصير لا يقع من طبيب يقظ وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب ، ثم توصلنا الى أن ان التشخيص الطبي يمثل مرحلة من أهم مراحل العمل الطبي ، فهو أول أعمال الطبيب بالنسبة للمريض وعلى ضوء ذلك يتحدد تعامل الطبيب مع المريض و طريقة علاجه وإن أي خطأ في تلك المرحلة المهمة والرئيسة يستتبع نتائج قد لا تحمد عقباها لأنه في هذه المرحلة بالذات تبدأ مسؤولية الطبيب المهنية ، وغن أي تسرع في البت وتقرير حالة المريض قد يوقع الطبيب في خطأ التشخيص غما من الناحية العملة او من ناحية الإهمال في التشخيص ، وبعدها توصلنا الى مسؤولية الطبيب في المستشفيات الحكومية و الخاصة ومدى مسؤولية كلا منهما وبينا أن المستشفيات الحكومية تلتزم بخطأها التي ارتكبته معها وبالتالي تقوم بالمشاركة في المسؤولية المدنية ومن ثم التعويص ، وأما المستشفيات الحكومية بينا حالة وجود عقد بين الطبيب و المستشفى وبين المريض و الطبيب ، وكيف أن المستشفيات لا تتحمل مسؤولية خطأ الطبيب الشخصية ، وتعرفنا على المسؤولية الجنائية و بينا النصوص المختلفة التي تحدد الجزاءات في نظام مزاولة المهن الصحية ، و أخيرا تطرقنا الى نظام جديد من الهيئة السعودية للتخصصات الطبية يلزم الطبيب بدفع مبلغ يعد تأمين ففي ضوء الهيئة السعودية للتخصصات الصحية تم اصدار تعميم جديد في الوقت الحاضر بالزام جميع الأطباء الشاغلين المراكز الطبية في المستشفيات سواء الحكومية أو الخاصة باتخاذ تأمين ضد الأخطاء التي يرتكبوها في ظل عملهم الطبي ، حيث ألزمهم لإصدار بطاقة العمل و التصنيف الالتزام بتأمين طبي يراعى فيها مبلغ نقدي يدفعها كل طبيب ليتمكن من تغطية أخطائه الطبية ، وقد أتى من ضمن بنود متطلبات التصنيف و التسجيل المهني ” التأمين الطبي ضد الأخطاء المهنية للأطباء وأطباء الأسنان ( ثلاث سنوات – على أن تكون قيمة البوليصة 250 ألف ريال ) أما بالنسبة لتخصص نساء وولادة – جراحة-تخدير قيمة البوليصة لا تقل عن 500 ألف ريال ) وبناء على نظام مزاولة المهن الصحية المادة رقم 41 (يكون الاشتراك في التأمين التعاوني ضد الأخطاء المهنية الطبية إلزامياً على جميع الأطباء وأطباء الأسنان العاملين في المؤسسات الصحية العامة والخاصة ) فهنا يكون النظام قد قام بتعديل الصعوبات و التساؤلات السابقة التي كانت تضيع على الكثير من المرضى حقوقهم الخاصة من جراء غموض ترتيب المسؤولية .

خاتمة البحث :

نلاحظ أن الانعاش القلبي الرئوي قد اقتطع مسافات طويلة منذ العهد القديم و ماتوصلت اليي التكنولوجيا الحديثة من الأجهزة الطبية للإنعاش ، فأدى الى صدور أحكام فقهية كثيرة و قضائية مختلفة ، وخاصة أن تقييم الموت قديما كان على أساس توقف القلب و الرئتين ، ولكن في الوقت الحاضر أدت الأبحث العلمية الى أن موت جذع الدماغ هو الموت الحقيقي في حالة الشخص على الأجهزة الانعاش .

النتائج :

من خلال دراسة مسائل البحث فقد خلصت إلى مجموعة من النتائج يشمل البحث كله من أهمها:
1) الطب عمل إنساني نبيل هدفه المحافظة على النفس البشرية من خلال الوقاية من الأمراض أو تشخيص المرض وعلاجه.
2) يجب على الطبيب التخلق بالأخلاق الفاضلة فيما يخص مهنته وفيما يخص تعامله مع المرضى.
3)الإنعاش هو: المعالجة المكثفة التي يقوم بها الطبيب أو مجموعة من الأطباء بمساعدة بعض الأجهزة, لمساعدة أجهزة المريض لتقوم بوظائفها الحيوية بصورة طبيعية.
4) حكم الإنعاش القلبي الرئوي أنه من فروض الكفايات في حق الطبيب أما المريض فإنه لا اختيار له في هذه الحالة فلا يمكن إجراء حكم التداوي على هذه المسألة.
5) حكم إيقاف الإنعاش القلبي الرئوي عن المريض له أربع حالات:
الأولى: الجواز وذلك إذا استجابت جميع أجهزة الجسم للإنعاش وعادت إليها جميع وظائفها الحيوية.
الثانية: الجواز كذلك في حالة تعطل الأجهزة الحياتية عن وظائفها تماماً فيتعطل القلب والمخ ويتوقف التنفس والدورة الدموية ولم يعد الجسم يقبل الإنعاش لتحقق الوفاة شرعاً وطباً, فيجوز في هذه الحالة رفع أجهزة الإنعاش.
الثالثة: عدم الجواز: وذلك في حالة إذا كان الجسم بحاجة إلى أجهزة الإنعاش سواء كانت حالته ميئوس منها أم لا مدام أنه بحاجة إليها ويتأثر برفعها ولم تتحقق الوفاة شرعاً وطباً.
الرابعة: الجواز وعدمه بناء على رأي الأطباء العدول إذا استوى الأمران من إمكان الحياة أو عدمها أي أنه قد يوجد احتمال للحياة ولو ضعيف.
فإذا ترجح موت الشخص وأن الحالة ميئوس منها وأنه لا فائدة من أجهزة الإنعاش فإنه يجوز رفعها وإلا فلا.
6) أن جسد الإنسان معصوم إلا في الأحوال التي يقررها الشرع والقانون فالإنسان محمي في صحته،.
7) أن الدين الإسلامي هو دين خلق قبل أن يكون دين تشريع، فقد تضمنت مبادئه أدبيات وأخلاقيات .
8) أن الشريعة الإسلامية قد أباحت التداوي، وأن الإنسان بروحه وجسمه ملك لله تعالى وأن دمه معصوم بحكم إنسانيته، وبالتالي يحرم على الإنسان الاعتداء على نفسه أو الإضرار بها، أو تعريضها للهلاك.
9) أن الطبيب ملزم باتباع الأصول والقواعد الطبية والعمل بمقتضاها، أما ما كان محل خلاف، فيجوز للطبيب أن يسعى لتحقيق ما يؤدي إلى مصلحة المريض.
10) أن الطبيب ملزم ببذل العناية لا بتحقيق نتيجة؛ لأن ذلك مما لا يسعه فالجميع يعترف ويقر أن الشافي هو الله، وإنما جعل الطبيب سببا في الشفاء.
11) أن واجب الطبيب في حماية المريض وتوفير العلاج له وإسعافه في حالات الطوارئ أو تدهور حالة المريض الصحية و المحافظة عليه بأجهزة الانعاش يعفيه من المساءلة مدنية كانت أو جنائية حتى ولو كان بغير إذن المريض ، متى تحققت حالة الضرورة أو قيام المصلحة الاجتماعية، كما أن الطبيب الممانع في تقديم العلاج و التفريط في حياة المريض يجعله محلا للمسؤولية.
12) أن المسؤولية ترتفع عن الطبيب إن تحققت فيه شروط إباحة مباشرة العمل الطبي بأن يكون عارفا بالطب، وأن يكون مأذونا من قبل المريض أو ذويه أو الحاكم ممثلا في وزارة الصحة وأن يحسن النية في الشفاء، وأن يتبع الأصول الفنية للطب غير متعد أو متعمد للضرر.
13) أن مخالفة الأصول الفنية للطب على وجه التعمد موجب للقصاص في حال العمد والدية في حال الخطأ.
14) أن الأخلاق و الشرع والقانون لم يتراخ في خدمة الإنسان، فهي إن سوغت عملية الإنعاش الصناعي، أو وقف جهازه لمن ماتت خلايا مخه فإنما يكون ذلك طبقا لمعايير دقيقة جدا لا يمكن تجاوزها أو الاستهانة بها.
15) أن الإنعاش الصناعي هو: وسيلة تستهدف العلاج، وإعطاء فرصة الشفاء والأمل في الحياة قدر الإمكان وليس هو جهاز لإطالة الموت.
16) أن إيقاف جهاز الإنعاش الصناعي بعد التأكد من الموت الدماغي للشخص لا يعد جريمة في حقه حتى ولو ظل يتنفس تحت هذا الجهاز إذ من خلال قرارات وفتاوى الهيئات العلمية والمجامع الفقهية تبين أن موت المخ هو انتهاء الحياة الإنسانية وانفصالها عن الحياة العضوية التي تحفظها هذه الأجهزة بلا فائدة أو أمل مرجو.
17) أن أثر إذن المريض للطبيب بإنهاء حياته ( الموت الرحيم ) من حيث القصاص مختلف فيه فيما بين العلماء كما في رفضه للعلاج، بينما يتفق الجميع على فرض عقوبة مشددة على من يقوم بذلك.
18) أنه بإمكان أن يسير الفقه والقانون والطب في اتجاه واحد من غير تصادم بينهم إذا سلم كل للأخر بما هو من اختصاصه وكان الهدف هو مصلحة الإنسان وكرامته لأن ذلك هو غرض التشريع الإسلامي.
19) أن الديانات السماوية بمختلف مبادئها تكرم جسد الإنسان وتحترمه وتقر بمعصوميته، كما تحرم المساس به إلا ما كان لأداء واجب.
20) أن الأصل في الشريعة قيامها على أساس جلب المصالح وتحصيلها كلها عند اجتماعها، ودرء المفاسد كلها عند اجتماعها، وأن ذلك مبدأ مقرر معتبر، و كليات الشريعة و جزئياتها ترشد إلى هذا المعنى وتدل عليه.
21) أن للوسائل حفظ مقاصد الشريعة من جانبي الوجود والعدم أثراً بينا في استيعاب بعض القضايا المعاصرة التي يظهر فيها التأثير على الضروريات الخمس الدين والنفس والعقل والمال سواء كان ذاك التـأثير سلبا أم إيجابا،ويتحدد الحكم المناسب لتلك الوقائع الطارئة على ضوء نوع التأثير الذي يصيب هذه المقاصد .
22) أن المصالح الشرعية يتجاذبها جانبان يتمثل أحدهما في جلب المصالح ويتمثل الأخر في درء المفاسد.
23) أنه إذا وقع التزاحم بين المصالح بحيث لا يمكن تحصيلها، فلا بد من الموازنة بينها لاختيار الراجح منها، فإن تعذر الترجيح يتوقف في المسألة حتى يظهر وجه الترجيح فيها.
24) أن مآلات الأفعال معتبرة عند الاجتهاد في تنزيل الأحكام عن الواقع وتطبيقها على المكلفين، ففي الفتوى ينظر المجتهد إلى ما يترتب عليها من الوقوع في مفسدة أو إفضائها إلى مشقة أوكونها تفضي إلى تفويت مصلحة أعظم منها .
25) أن هذا البحث في إطاره القانوني هو كفيل بأن يحمي حقوق الفرد الشخصية إزاء هذه التطورات العلمية، إذ ميزة الإطار القانوني أنه يشكل أساسا قانونيا لا جدال فيه، إما لإباحة هذه الأعمال مواكبة للتطور العلمي، وإما بتحجيرها لتعارضها مع مبدأ الحرمة الجسدية الذي يعد من أهم الحقوق اللصيقة بشخصية الإنسان.

التوصيات :

تبين لي من خلال هذا البحث العلمي الكثير من الاقتراحات أراها – والله أعلم –جديرة بالاهتمام والدراسة، وستكون نافعة بإذنه تعالى إذا ما وجد لها مجال للتطبيق.
1) وضع ضوابط شرعية وأخلاقية وقانونية تضبط التطور السريع في العلوم الطبية.
2) مطالبة الفقهاء بالبحث أكثر عن أحكام المستجدات الطبية بما يتماشى مع المتغيرات التي تحتاج لمزيد من الاجتهاد.
3) محاولة التجديد في البرمجة التعليمية،والتركيز على مادتي الأصول والمقاصد وعلى الفقه المقاصدي على وجه الخصوص.
4) إدراج مادة الطب ضمن البرنامج الدراسي في كليات العلوم الشرعية عبر العالم.
5) إدراج مادة الفقه، والقانون، والأخلاق ضمن المواد المبرمجة للدراسة في كليات الطب قصد الإطلاع على أحكام الفقه المتصلة بالمسائل ذات الصبغة الطبية أو الصحية مع ضرورة إتقان اللغات الحية.
6) تعدد الخدمات الطبية والتوعية الصحية داخل الكليات الجامعية، فكما أن الفقه للأديان فالطب للأبدان فالطب كالشرع وضع لجلب المصالح ودرء المفاسد كما ورد في قواعد العز بن عبد السلام ،وليس هناك أعظم مصلحة من أن يحيا الإنسان والمسلم خاصة بحياة صحية سليمة، فكما قال r: “المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف”.
7) إيجاد هيئات طبية قانونية تكون صاحبة حق، وكلها واجب في المشاركة في إصدار الفتاوى بالحل والحرمة والجواز والبطلان فيما يصل إليه التقدم العلمي في المجال الطبي، وتكون الفتوى جهدا مشتركا بين أهل الاختصاص في الفقه و القانون والطب، ولا يجوز أن تصدر الفتوى من جانب واحد وذلك لضمان صدورها عن توضيح دقيق للمسألة المطروحة، ويكون مدار الفتوى في المستحدث مما لا نص فيه عملا بالقاعدة الشرعية: حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله ، شريطة ألا تخالف المصلحة نصوص الشريعة أو روحها.
8) على الهيئة الطبية بالتعاون مع المجلس الإسلامي الأعلى ولجان الفتوى , و اللجان القانونية أن تسهم مضطلعة بالعبء الأكبر في وضع التنظيمات الخاصة بالإنعاش الصناعي وعلى ذوي الاختصاص توفير أجهزة كافية في هذا المجال.
9) بذل اهتمام أكبر لأولئك المرضى الميئوس من شفائهم من قبل أطباء نفسانيين وأشخاص ذوي ورع وتقوى.
10) ضرورة تكثيف اللقاءات والمشاورات بين الهيئات العلمية والطبية والأخلاقية و القانونية من أجل مواكبة التطور في القوانين للتطورات التقنية البيولوجية والطبية.
11) إقامة مؤتمرات وندوات تعالج القضايا الطبية خاصة المستجدات منها.

12) استشعار مراقبة الله تعالى في أداء المهنة بإخلاص حسب الأصول الفنية والعلمية.
13) تقنين المسؤولية الطبية بصفة عامة.
14) إدراج مادة المسؤولية الطبية كمادة مستقلة تدرس للطلبة الأطباء داخل كلية الطب من أجل تمكينهم من معرفة التزاماتهم المهنية و القانونية.
15) تدريس مادة أخلاقيات المهنة الشرعية و القانونية في كليات الطب.
16) التشدد في المسؤولية الجزائية، وذلك بالنص على أحكام رادعة لكل من يرتكب خطأ في حق الإنسان، وذلك لما له من كرامة وعز
17) تسخير الإعلام من أجل توضيح ما للمواطن من حقوق في مجال المسؤولية الطبية و الإجراءات التي يتخذونها من أجل المحافظة على هذه الحقوق.
18) التكوين المستمر للأطباء في مجال المسؤولية الطبية.

وبهذه النتائج و التوصيات تختم هذه الدراسة التحليلية للإنعاش القلبي الرئوي و نأمل النظر بما يحقق مصلحة المريض و المحافظة على حياته المعصومة من الناحية القانونية والطبية .