بحث قانوني كبير و متميز عن أنواع الحدود و بشكل عام عن الدولة

بحث قانوني بعنوان : الدولة وأنواع الحدود

د.عبد الحكيم سليمان وادي
رئيس مركز راشيل كوري الفلسطيني لحقوق الانسان ومتابعة العدالة الدولية

المبحث الأول: الدولة والقانون
المطلب الأول: تعريف الدولة
المطلب الثاني: نماذج من الدولة المعاصرة

المبحث الثاني. شكل الدولة
المطلب الأول : اشكال الدولة
المطلب الثاني: أنواع الحدود

المبحث الأول: الدولة والقانون

الدولة المعاصرة أحد أبرز تجليات التقسيم السياسي الذي عرفته البشرية حتى اليوم، فبعد أن كانت الدولة إمبراطوريات وممالك متصارعة، وغير محددة جغرافيا ومتسمة بالمرونة في الحدود البحرية والبرية والثقافية والسياسية، وبدون الحديث عن الحدود الجوية كما هو الحال اليوم، فإن المهم اليوم التذكير اليوم بأن الحدود التي تمتلكها الدولة هي أساسا للإشراف على ثرواتها المعدنية الموجودة داخل إقليمها.

وفي المقابل فان القومية كمفهوم برز في القرن التاسع عشر وأجج لحرب أولى وثانية ،كانت كافية لخلق عالم جديد أدرك في ما بعد أن الحرب كحل سريع للنزاعات بين الدول ،لم يعد الحل الأمثل ،في العلاقات بين الدول خاصة في مجال الحدود السياسية والجغرافية، وتمثل الأيديولوجية القومية أيضا أهم ركائز العصر الحديث، إذ لم تترك أي رؤية في العالم أثرها على الخريطة العالمية مثلما فعلت القومية، ففي تحريك الوجدان والوعي بالهوية والصراعات والتنافس. وقد أعد تيفي وسميث[1] فرضيات حول الدولة والأمة تصلح للتحليل والقياس وهي:

  • 1. يتألف العالم من فسيفساء من الأمم.
  • 2. يتوقف النظام والاستقرار في المنظومة العالمية على التفاعل الحر لهذه الأمم.
  • 3. الأمم هي الوحدات الطبيعية للتعبير عن المجتمعات.
  • 4. تتمتع كل أمة بثقافتها الخاصة القائمة على نسب وتاريخ مشترك.
  • 5. كل أمة تحتاج إلى دولتها السيادية التي تعبر من خلالها عن ثقافتها.
  • 6. تتمتع الأمم (وليس الدول) بالحق المطلق في أرضها أو وطنها.
  • 7. لابد لكل إنسان فرد أن ينتمي إلى أمة.
  • 8. الولاء الأول لكل إنسان فرد إلى أمته.
  • 9. لا حرية حقيقية للإنسان الفرد إلا من خلال أمته.

وتعمل الدولة-الأمة في جوهرها على تزويد مواطنيها وقومها بالمتطلبات الأساسية التي تؤكد لهم هويتهم المكانية- الزمانية وتحدد لنا الأبعاد الزمانية والمكانية التي تنتمي إليها.

لذا سنعمد إلى تعريف الدولة كمفهوم قانوني و سياسي، ناتج بالأساس عن التقسيم الذي تركه المستعمر، وفق قيمه وأفكاره ونظرياته النابعة من الفلسفة الغربية التي تناولت المفاهيم الأولى للدولة الحديثة، عبر مجموعة من الآليات والميكانزمات المتمثلة في السيادة والمواطنة، والإقليم والسلطة السياسية، أو حددته الحرب العالمية الثانية كما هو الحال في أوربا،عبر مفهوم القومية، وأيضا علاقة هذا المفهوم بالمعطى القانوني الذي أخذ جدلا كبيرا في أوربا قبل الحرب العالمية الأولى، والثانية نتيجة تداخله مع الإطار الفلسفي المرجعي العام له، بينما في الدول الحديثة العهد بالاستقلال والتي كانت مستعمرة خاصة في إفريقيا، ظهرت الدولة كرمز لحرية الشعوب وليست كمعطى فلسفي إنساني يراعي القيم والمبادئ والتطلعات.

المطلب الأول: تعريف الدولة

الدولة التي تعتبر كشخص في القانون الدولي تمارس جملة من الاختصاصات داخل رقعتها الجغرافية، وتمارس أيضا رقابتها السياسية على أرض وسكان معينين.

وفي إطار البحث عن كلمة “دولة” “Etat” في الدستور الفرنسي مثلا حسب ما ذكره أوليفيه دوهاميل[2]و ايفي ميني في المعجم الدستوري، حيث يشير الى أن هذه الكلمة لم تظهر في دستور 1958 إلا في خمس مواد من بينها (المواد 13، 34، 53، 68)، ولم ترد على الإطلاق في إعلان حقوق الإنسان والموطن لعام 1789، وليس في ذلك ابتكار أو جديد فرنسي، ففي إعلان الاستقلال الأمريكي في عام 1776، لا كتشكيل دولة جديدة الذي يفهم منه قيام دولة بل كتشكيل حكم الولايات المتحدة، ذلك أن كلمة دولة تترجم التعبير اليوناني Koinonia polike الذي يفهم كتجمع مدني، والتعبير اللاتيني RES publica أو civitas، أي الحاضرة، وقد ظهرت كلمة stato عند ميكافيلي للدلالة على الحاضرات أي الدول، وقد توجت هذه الكلمة مسيرتها في الفكر الفلسفي الذي تناول جملة من القضايا التي تهم الإنسان خاصة في بعده الاجتماعي الذي بالضرورة يولد بعدا سياسيا.

ويمكن الحديث عن الخلافات في تمييز الدولة،فإذا كانت تمثل قوة رمز وتسجيل فإن هذا الأمر يتقاطع مع ما يضعه “هانس كلس[3]” الذي يعتبر الدولة كمعيار للمعايير، تتمثل الدولة فيه بالقانون، بينما يرى بورديو G. Burdeau أنها “فكرة وليست واقعا ملموسا”.

ويرى هيجل Hegel في الدولة التحقيق الفعلي للأخلاقيات الإنسانية، وإذا كان دور الدولة يحدد إلى نوع مسارها التاريخي، فإن الفكر الفلسفي قد عمد إلى إغناء الطابع السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة، إضافة إلى إعطاء الدولة بعدا قوميا عرقيا (كالتجربة الألمانية، وما سمي بالعرق الآري لعرق بشري متحضر في مقابل الأعراف البشرية الأخرى).

ويمكن إعطاء الدولة مجموعة من التعاريف، والتي تنتقل حسب المستويات التاريخية، ومن ذلك ما يمكن الإشارة إليه بقانون حمو رابي، الذي يعد أقدم القوانين الوضعية المؤطرة للحياة البشرية، ضمن إطار سياسي، ثم ظهر عقب ذلك القانون الروماني واليوناني، بعد ذلك ظهر الفكر السياسي الإسلامي النابع من تراث ديني، وفي هذا الصدد نشير إلى ما أورده ابن خلدون عند حديثه عن الملك والدولة، فالملك يطابق مفهوم الحكم والسلطة بينما الدولة تفيد (مدة حكم أسرة معينة)، فالدولة إذن تستغرق في نظره الملك، ومن المهم أيضا الإشارة إلى نظرية ابن خلدون التي تنطبق أساسا على المجتمعات ذات البنية القبلية، فالدولة عنده ذات طبيعة خاصة تتوقف أساسا على أصلها القبلي، ومجموع تطور الدولة مرتبط أساسا بالقوة العصبية، وهذه النظرية لازالت قائمة في بعض تجلياتها في العالم العربي، والذي لم يشهد قيام دولة عصرية ديمقراطية انطلاقا من بعدها الفكري الفلسفي المحلي، بل استوردها مع جملة الواردات الاقتصادية والثقافية من البلد المستعمر، الذي رحلت جيوشه وبقيت أفكاره وأنماط عيشه، ويمكن أن نورد ما ذكره د. عز الدين العلام[4]، في مؤلفه “الآداب السلطانية حيث اعتبر أن العديد من المفكرين العرب مثل عبد الله العروي، الذين يعتبرون أدبيات القرن التاسع عشر المخزنية ، على غرار كتاب الفخري في الآداب السلطانية “، غير أنه (العروي) يلاحظ وهو يتحدث عن “أكنسوس” أن هذه الأدبيات السياسية بعيدة كل البعد عن طبيعة الأسئلة المطروحة على الواقع العربي، ومن الواضح أن المفكر المغربي د.محمد عابد الجابري يتميزأيضا فكره بحضور الهاجس “التراثي”، بدءا من دراسته حول “الدولة العصبية” إلى غاية كتابه ” العقل الأخلاقي العربي”، وهو حضور يتجاوز مجرد البحث في ما مضى ليصبح عنصرا ملازما في مفهموم الحاضر، بل وحتى استشراف المستقبل، ويمكن أن نشير إلى ما أورده د.عصمت سيف الدولة[5]، حيث قال: “فكل تنظيم غير ديمقراطي هو في النهاية تنظيم فاشل، لأن الجدل الاجتماعي هو الطريق الوحيد لمعرفة حقيقة المشكلات وحلولها الصحيحة وانجازها في الواقع، والديمقراطية هي الشكل القانوني أو التنظيمي للجدل الاجتماعي، وعندما لا يكون التنظيم ديمقراطيا في داخله فإنه سيفشل حتما في معرفة حلولها الصحيحة، وعندما يكون التنظيم حاملا في ذاته مقومات فشله، أي عندما لا يكون ديمقراطيا، فإن وجوده ذاته لا يصبح متفقا مع الغاية الاجتماعية منه، ويصبح هو أيضا تنظيم غير مشروع ، يحمل في طياته فشله كمشروع سياسي”.

المطلب الثاني: نماذج من الدولة المعاصرة

ظهرت الدولة المعاصرة المبنية على أسس قانونية، وأيضا عبر فصل السلط ، كما دعا إلى ذلك مونتيسكيو لضمان الحرية السياسية، وفي هذا السياق يمكن أن نشير إلى الإقليم أرض الدولة،والسكان والحكم، هي أحد العناصر الثلاثة المكونة للدولة، حيث أرض الدولة تجسد القاعدة المادية التي يرتكز عليها الحكم لممارسة سلطاته، وأرض الدولة مرتبطة مباشرة بالسكان الذين يستقرون ضمن حدودها.

ومن المهم قبل الحديث عن بعض نماذج الدولة المعاصرة الإشارة إلى أن النموذج التقليدي للدولة تمثل في الإمارة والممالك والإمبراطوريات، التي تستند إلى حكم وراثي تقليدي، في حين أن الدولة المعاصرة تتميز بحكم الشعب نفسه بنفسه، وفق آليات مثل الديمقراطية، وأيضا فكرية مثل الحرية، والمساطر المحددة للشرعية,قانونية عبر احترام الشرعية للدستور، وكل هذه الأمور هي ما سوقه الغرب من خلال الاستعمار الكولنيالي، والذي خلف دولا وجدت نفسها في حالة ولادة جديدة، ما جعلها تقتبس أنظمة البلد المستعمر، أو تتأثر بالفكر الشيوعي الذي مثله الاتحاد السوفياتي سابقا.

ومن أبرز الأنظمة السياسية نذكر التصنيفات التي قدمها د. جابر سعيد عوض[6] في مؤلفه “النظم السياسية المقارنة – النظرية والتطبيق، حيث أشار إلى أن أفلاطون صنفها إلى خمس مستويات أبرزها حسب النزعة السائدة لدى أولئك الذين يحكمون، وبالتالي فتصنيفه كما يلي:

  • – الحكومة الأوتوقراطية Autocracy حيث يحكم الفلاسفة، وتغلب نزعة الحكمة والعقل.
  • – الحكومة التيموقراطية Timocracy حيث تحكم أقلية عسكرية، وتغلب عليها نزعة الشجاعة.
  • – الحكومة الأوليجاركية Oligarchy حيث تحكم أقلية تغلب عليها النزعة المصلحية و المنفعية وحب التملك، والاستحواذ على الثروة.
  • – الحكومة الديمقراطية: حيث يحكم الغوغاء، وتسود النزعة إلى المساواة بين الجميع.
  • – الحكومة المستبدة Tyranny حيث يحكم الطغاة، وتسود النزعة نحو القوة.

بينما يرى د. جابر سعيد العوض أن التصنيف المعاصر لنطم الحكم، في الدولة المعاصرة ينقسم إلى أربعة أنواع هي:

  • – الحكومة البرلمانية وكنموذج بريطانيا.
  • – الحكومة الرئاسية كنموذج الولايات المتحدة الأمريكية.
  • – الحكومة المختلطة كنموذج الحكومة الفرنسية.
  • – حكومة الجمعية الوطنية وهي النموذج الذي اتبعته الأنظمة الاشتراكية.

ويمكن الحديث أيضا عن نمط آخر من الدول، هذه الأخيرة ارتبط ظهورها بخروج المستعمر خاصة من افريقا، ومنطقة الشرق الأوسط وتحديدا فلسطين التي أعطيت كهدية من بريطانيا ووعد بلفور إلى ما يسمي بدولة الاحتلال الإسرائيلي المعلن سنة 1948، وفي هذا الإطار استقلت أيضا مجموعة من المناطق في افريقيا، وصارت جمهوريات تعتمد غالبا على نظام البلد المستعمر سابقا، وفي هذا السياق يشير د. علي صبح[7] إلى ذلك بقوله: “بدأ الأوربيون منذ استلامهم المنطقة، بناء مؤسسات الدولة طبقا للنمط الغربي، أو المفهوم الغربي للسلطة والقائم على حكم المؤسسات (حكومة مجلس نيابي، جهاز إداري)، وهذا النموذج حسب رأيه يعد في منطقة الشرق الأوسط نموذجا متقدما جدا عن الواقع الذي تعيش فيه المنطقة، حيث تقوم السلطة فيه على نوع من العلاقات يغلب عليها طابع الولاء للأمير أو الاقطاعي، أو لرجال الدين في كل طائفة، وفي مطلق الأحوال كلها ولاءات أقلية لا تتجاوز حدود منطقة جغرافية ضيقة”.

وعلى العكس من ذلك، برز النموذج الغريب في المنطقة عبر ما يسمي بإسرائيل، ذلك الكيان الصهيوني المعادي لقيم وتراث المنطقة العربية، والذي وجد ليخلق لنفسه مكانا يكون فيه ممتدا على حساب دول قائمة وتصفية أعراق بشرية واقتلاعها من جذورها، وفي هذا الصدد يقول السياسي العمالي البارز أبراهام بورج[8] مؤخرا ” بعد ألفي سنة من النضال من أجل البقاء على قيد الحياة، فإن واقع إسرائيل أنها دولة استعمارية، تقودها عصبة فاسدة تسخر من القانون والأخلاق المدنية وتستهزئ بهما”، ويشير أيضا أنها خلال نصف قرن فلن تكون يهودية ولا ديمقراطية، لأنها قمة الاستهتار بالانسان وحقوقه الطبيعية، التي تتيح له العيش الكريم داخل نمط سياسي اجتماعي توفره دولة تتمتع بالعيش في سلام مع جيرانها العرب.

المبحث الثاني. شكل الدولة و انواع الحدود

يؤثر شكل الدولة و الحدود في قوة الدولة، فأما أن يمنحها ذلك الشكل قوة تعزز مكانتها العسكرية ،أو أن يضعف قوتها ويهدد صمودها ، ونفس الامر بالنسبة للحدود التي قد توتر بالايجاب او السلب في قوة الدولة و ممارستها لسيادتها

المطلب الأول : اشكال الدولة

(1الشكل الطولي

وهي الدول ذات الامتداد الطولي الشمالي – الجنوبي مثل تشيلي ، النرويج ، السويد ، توجو ، جامبيا ، إيطاليا ، ، وملاوي ، أو ذات الامتداد الشرقي – الغربي مثل تشيكوسلوفاكيا ، روسيا ، وبنما . ويبلغ طول تشيلي ستة أضعاف عرضها تقريبا ( 4160 إلى 160 ميل تقريبا ) . فبالإضافة إلى مشاكل السيطرة الداخلية التي يفرضها مثل هذا الامتداد الطولي ، فإن هذا الشكل يقف عائقا كبيرا أمام عملية الدفاع عن حدود تلك الدولة في فترات الحرب ، ويتوجب على القوات المسلحة لتلك الدول حماية حدود طويلة .

في ظروف جغرافية تحرمها من العمق الجغرافي الاستراتيجي . وبرغم الامتداد الطولي لجمهورية روسيا الاتحادي ، غير إن العمق الاستراتيجي الذي تتمتع به الدول نظرا لزيادة النسبة بين عرض الدولة وطولها ، يقل من سلبيات شكلها الطولي . غير أن للشكل الطولي لدول وخاصة تلك التي تمتد باتجاه شمالي – جنوبي على طول عدد كبير من دوائر العرض فوائد اقتصادية عظمى تتمثل في تنوع الموارد الزراعية ، نظرا لتعدد المناخات والأقاليم المناخية ، ونتيجة لزيادة فرص توفر الثروات المعدنية التي قد تنعكس بمردود اقتصادي جيد ، ينعكس على القوة العسكرية والاقتصادية للدولة .

2)الشكل المتراص :

وهو الشكل المتماسك المندمج الأطراف ، الدائري أو المربع ، ويمتاز هذا الشكل بقصر طول الحدود قياسا بالمساحة الكلية لأرض الدولة . أو انخفاض النسبة بين أطوال الحدود ومساحات الدول . ويسهل هذا الشكل عملية السيطرة على أجزاء الدولة . ومن الأمثلة العالمية على الدول المتراصة مثلا فرنسا ، ومن الدول العربية مثلا مصر وليبيا . ويسهل هذا الشكل على الجيوش السيطرة الداخلية على أنحاء الدولة كما يسهل عملية الدفاع عنها في أي عدوان خارجي . كما يوفر الشكل المتراص فسحة واسعة ، وعمقا استراتيجيا للمناورة العسكرية في حالة الحرب .

3)الشكل المشتت

وفيه تتكون الدولة من عدد من الأجزاء غير المتصلة ، أو المنفصلة عن بعضها البعض بواسطة البحر ، أو بواسطة دول أخرى . ومن أمثلة تلك الدول إندونيسيا ، التي تتكون من جزر جاوه ، سومطره ، سلويسي ، كالمنتان ، شرق تيمور ، وغرب أريان ، بالإضافة لعدد آخر من الجزر الصغيرة . وماليزيا التي تتكون من شبه جزيرة الملايو ، وجزء من جزيرة بورني التي تضم مقاطعتي صباح وسراوك . والباكستان قبل أن تستقل عنها بنغلادش ، وإيطاليا التي تتكون من البر الإيطالي ، وجزيرتي صقليا وسردينيا . ومن مساوي هذا الشكل الخارجي للدول صعوبة السيطرة والدفاع عنه ضد أية تهديد خارجي ، كما يسهل قطع أي جزء من هذه الأجزاء عن المركز الأم في حال الحرب .

4)الشكل غير المنتظم :

وفيه تتداخل بعض أقاليم الدولة الجغرافي داخل دول أخرى على شكل قطاعات وأصابع ، أو انبعاج حدودها للداخل ليسمح لإقليم دملة مجاورة بالتغلغل داخل حدودها . ومن أمثلة هذا الشكل حدود دولة الكونغو الديمقراطية ( زائير سابقا ) الدنوبية الشرقية التي تمتد على شكل إصبع ( إقليم شابا – أو إقليم كاتنجا ذو الأهمية الاقتصادية ) داخل حدود دولة زامبيا ( روديسيا الشمالية سابقا ) . والامتداد الغربي لدولة الكونغو الديمقراطية ، الذي أتاح لها مجال الاتصال مع المحيط الأطلسي .

وبالإضافة إلى الأهمية الاستراتيجية التي يتمتع بها هذا الإقليم الطولي الذي يمتد بين جمهورية الكونغو ( الكونغو برازافيل سابقا ) وجمهورية أنغولا ،فهو أيضا يضم العاصمة كينشاسا . ويمتد قطاع كابريفي من دولة نامبيا ( جنوب غرب إفريقيا سابقا ) نحو الشرق ليصل إلى نهر الزمبيزي ، ويمتد بين دولتي زامبيا وبتسوانا . ومن الأمثلة العالمية الأخرى على هذا الشكل دولة بورما التى اشتهرت بقتل المسلمين من الروهينجا على يد البوذيين مؤخرا، التي يتوغل الشريط الجنوبي منها داخل شبه جزيرة الملايو. إن عدم الانتظام في الشكل الخارجي للدول يخلق إرباكا في عملية الدفاع عن تلك الأجزاء التي تمتد داخل الدول الأخرى في حالة الحرب ، فهي بالإضافة إلى أنها تمتد داخل حدود دول قد تكون غير صديقة ،فإنها تفتقر إلى العمق الاستراتيجي ، ويسهل قطعها عن الدولة الأم .ويظهر ذلك الخطر حتى من خلال الثورات الداخلية ، وحركات التمرد والعصيان ، حيث يصعب على الحكومة المركزية إخماد الثورات وحركات العصيان داخل تلك الأقاليم . وهذا ما حدث بالفعل في الكونغو الديمقراطية ، عندما حاول إقليم شابا الغني بالخدمات المعدنية والذي يعد عصب الحياة الاقتصادية فيها ، الانفصال عنها بعد الاستقلال .

5)الشكل المحتوى :

والدول المحتواة هي التي تحتويها دول أخرى ، بحيث تكون تلك الدول محاطة ، ومن جميع جهاتها بدولة أخرى . ومن أمثلة بلك الدول دولة الفاتيكان ، التي تقع في قلب روما ، ودول الأفارقة الزنوج ، في قلب جمهورية جنوب أفريقيا الوسطى (ليستو ، سوازي لاند ، ترانسكي ، جسكي ، وفندا ) ولا يخفى على أحد الوضع الاقتصادي والعسكري الهش ، الذي تعيشه تلك الدول من خلال كونها تحت رحمة الدول التي تقع ضمن حدودها .

6)الدول المغلقة:

تختلف الدول المغلقة عن الدول المحتواة ، والتي سبق وتحدثنا عنها ، في أن الأولى محاطة بالحدود البرية لدولة أخرى من جميع الجهات ، أما الدول المغلقة فهي التي تفتقر إلى منفذ بحري ، ويحيط بها عدد من الدول . ويضم عالم اليوم عددا كبيرا من الدول المغلقة ( Land locked States ) منها ما هو في قارة أفريقيا مثل : مالي ، النيجر ، تشاد ، بركينا فاسو ، جمهورية إفريقيا الوسطى ، أوغندا ، رواندي ، بوروندي ، ملاوي ، زامبيا ، زيمبابوي ، وبتسوانا وأثيوبيا . ومنها في آسيا مثل أفغانستان ، نيبال ، بوتن ، منغوليا ، ولاغوس واوزبكستان طاجكستان وقرغيزيا بينما تتصل كازاخستان وأذربيجان وتركمانستان ببحر قزوين المغلق . ومنها في أوروبا مثل النمسا ، سويسرا جمهورية التشيك ، جمهورية سلوفاكيا ، وهنغاريا وأخرى في أمريكا اللاتينية وهي : بوليفيا ، والبراغواي .

وقد أنشئت تلك الدول وحرمت من المنافذ البحرية إما عقابا لها ورغبة في القضاء على إمكانياتها في إنشاء قوى عسكرية واقتصادية عظمى ، أو من أجل إقامة دول لمجموعات عرقية وقوميات ترغب في حكم نفسها بنفسها . وفي الوطن العربي حرم الأردن والعراق من منافذ بحرية تمنحها أهمية استراتيجية وقوة ،إضافية إلى قوتها .بعكس فلسطين والمغرب مثلا ولذلك يمكن اعتبار كل من الأردن والعراق من الدول العربية شبه المغلقة . وتفتقر كل الدول المغلقة إلى عنصر الانفتاح على البحر الذي يمنحها قوة عسكرية واقتصادية كبيرة في زمن الحرب كما أشار لذلك المفكر الأمريكي الأدميرال ماهان. وعندما تم قياس معدل الدخل القومي GNP ، وجد الباحثون إن الدول المغلقة من أقل دول العالم دخلا . وغالبا ما تكون الدول المغلقة دول حماية للدول المحيطة بها ، أو خاضعة لسيطرتها .

المطلب الثاني : أنواع الحدود

الحدود والتخوم السياسية هي مرآة قوة الدولة أو ضعفها .وهي أحد مظاهر قوتها المورفولوجية أو الظاهرية . هذا ما قاله أبو الجغرافيا السياسية فردريك راتزل . وتختلف الحدود عن التخوم في إن الأخيرة هي عبارة عن مناطق جغرافية واسعة تفصل بين الوحدات السياسية . وتمتاز الحدود في أنها خطوط محددة ودقيقة ،تفصل بين الدول على الخريطة . وقد كانت التخوم تفصل بين الدول الحديثة . كما كانت التخوم ولا زالت تفصل بين العشائر والقبائل البدوية .

والحدود حسب مظهرها على الخارطة ،إما أن تكون حدودا هندسية أو غير هندسية . والحدود الهندسية هي تلك التي تتبع خطوطا مستقيمة ،وزوايا محددة ، لتصنع أشكالا هندسية تفصل بين الدول.ولعل من المفيد هنا الإشارة إلى إن معظم الحدود التي تفصل بين الدول العربية هي حدود هندسية الشكل ، رسمتها الدول المستعمرة عند انتهاء الحرب العالمية الأولى . وقد تبعت بعض تلك الحدود خطوط الطول ودوائر العرض ، ويطلق على هذا النوع من الحدود اسم الحدود الفلكية .

ويمكن تصنيف الحدود حسب طبيعتها إلى حدود طبيعية ،وأخرى بشرية أي غير طبيعية. والحدود الطبيعية هي تلك الحدود التي تتبع مظهرا جغرافيا طبيعيا كالأنهار ، والجبال والبحيرات . في حين تمتاز الحدود البشرية في أنها تتبع مظاهر جغرافية من صنع الإنسان مثل الجدار العازل في فلسطين والأسلاك الشائكة والطرق ، والقنوات ، والسكك الحديدية ،والأنفاق مثل النفق بين فرنسا وبريطانيا أو الحدود العشائرية أو الدينية التي تفصل بين الأقاليم السياسية … الخ

ومن أمثلة الحدود الطبيعية التي تفصل بين الدول العربية نهر الأردن الذي يفصل بين الأردن وفلسطين ، ونهر اليرموك الذي يفصل بين الأردن وسوريا . ومن الأمثلة العالمية ، الحدود بين الأرجنتين وتشيلي ، حيث تشكل جبال الأنديز الحدود بين البلدين . وتعتبر الحدود التي تفصل بين تركيا وسوريا مثالا على الحدود البشرية ،والتي رسمت موازية لسكة حديد بغداد ، تبعا لاتفاقية عقدت بين فرنسا وتركيا عام 1926 . كم اتبعت الحدود بين الجزائر وتونس طريق تجارة الكرفان التي كانت تصل بين الساحل وداخل إفريقيا .

ولكل نوع من أنواع الحدود سلبيات وإيجابيات ، نتحدث هنا عن تلك التي لها تطبيقات عسكرية واستراتيجية . فلا بد من التركيز على أهمية الحدود الطبيعية كحدود واضحة سهلة التحديد . وهي علاوة على ذلك ذات أهمية استراتيجية كموانع تساعد في الدفاع عن الدولة . فتقف الجبال كموانع طبيعية أمام أي غزو عسكرة من الدول المجاورة ،وهي بذلك تسهل عملية الدفاع عنها وحمايتها . وهي أيضا مواقع استراتيجية مسيطرة .

وتقف الأنهار كموانع طبيعية صعبة الاجتياز أمام الجيوش مهما كانت صغيرة . فالوقت والجهد والإمكانات اللازم توفرها لاجتياز حدود طبيعية كالأنهار مثلا هي أكبر بكثير من تلك اللازمة لاجتياز حدود برية . ولذلك توجب على القوات المصرية بناء جسور ومعابر عائمة على قناة السويس عند اجتيازها في حرب رمضان 6 أكتوبر عام 1973 . ولولا وجود العائق الطبيعي الممثل بالقناة لكانت عملة الاجتياز أسهل واقل تكلفة .

وقد تكون الحدود الطبيعية مصدر قلق ومشاكل للدول المتجاورة . فقد يؤدي تغيير مجرى النهر إلى حدوث مشاكل بين الدول ، تؤدي أحيانا إلى نشوب الصراعات العسكرية بينها . وتذكر في هذا المجال ما أحدثه تغيير نهر الأردن مجراه باتجاه الغرب عام 1982 ليضيف للأراضي الأردنية بعض الهكتارات من أراضي فلسطين ، مما أدى إلى نشوب صراع سياسي بين الأردن و (دولة الاحتلال ما يسمي بإسرائيل ) حول تلك الأراضي الفلسطينية. وقد تختلف الدول حول تحديد أماكن تقسيم خطوط المياه على قمم الجبال . وتحدث تلك النزاعات بسبب تغيير خطوط تقسيم المياه ، التي عادة ما يتفق على كونها تمثل خطوط الحدود بين الدول . وتتغير أماكن تلك الحدود نتيجة ما يعرف بالاسر النهري لبعض روافد الأنهار في قمم المرتفعات الجبلية .

أما الحدود البشرية ، أو الحدود التي تتبع مظاهر من صنع الإنسان فهي إما أن تلعب دورا إيجابيا أو سلبيا في عملية الدفاع عنها أو اجتيازها . فتقف الحدود البشرية الممثلة بمجموعات من القرى كتلك التي تصل بين سوريا ولبنان مثلا ، أو تلك التي فصلت بين الضفة الغربية الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية وبين أراضي فلسطين المحتلة عام 1948 الخاضعة تحت سيطرة قوات الاحتلال الصهيوني ،و تقف هذه الأماكن السكنية حاجزا أمام الجيوش الغازية . في تسهل عمليات الدفاع عنها للجيش المتحصن ،لما تشكله المراكز والتجمعات العمرانية من عوائق في وجه حركة الجيوش . إضافة إلى جدار الفصل العنصري الذي قامت ببناءة ما يسمي بإسرائيل مؤخرا ليفصل بين المناطق الفلسطينية الخاضعة للسلطة الوطنية وبين المناطق المحتلة.إضافة إلى الحدود الاليكترونية والكهربائية والمزودة بكاميرات التصوير وبالمجسات الحرارية…الخ

خاتمة :

الحدود مثلت الأهمية الرئيسية للمجتمع الدولي في منتصف القرن الماضي, وذلك لما تمثله الحدود من مجال حيوي للدول,خاصة الحدود الطبيعية و بالأخص الحدود البحرية التي تعرف بتعقيد ترسيم حدودها وتنوع الحدود فيها, إضافة لأهمية الثروات التي تزخر بها المحيطات وهو مايشكل عامل قوة بالنسبة للدول العظمى , باعتبارها ممرات مائية للتجارة العالمية , وتواجد عسكري عبر تواجد حاملا ت الطائرات الأمريكية أو الاروبية أو الروسية…الخ, وبشكل خاص الأسطول الأمريكي السادس 6 في منطقة الخليج العربي والذي لا يغادرها حفاظا على مصالحة وآمنة القومي في المنطقة وتحديدا البترول, وتبرز هذه الأهمية في مناطق النزاع كالقرن الإفريقي,حيث تتعرض السفن التجارية للقرصنة من طرف القراصنة الصوماليين.وفى مناطق وحدود أخري عديدة.

لائحة المراجع المعتمدة:

1- ذبيتر تيلور وكولن فلنت، الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر: ترجمة: عبد السلام رضوان وإسحق عبيد : الطبعة: الأولى 2002 -الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت

2- أوليفيه دوهاميل-ايف ميني- “المعجم الدستوري” ترجمة منصور القاضي – مراجعة العميد د. زهير شكر – ط 1، 1996، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت لبنان.

3 – د.فايز محمد العسيوي،الجغرافيا السياسية المعاصرة،دار المعرفة الجامعية الإسكندرية طبعة 2000.

4 عز الدين العلام “الآداب السلطانية، دراسة في بنية وثوابت الخطاب السياسي، عالم المعرفة الصادر 2006، الكويت.

5- د. عصمت سيف الدولة “الطريق…. إلى الديمقراطية… إلى وحدة القوى التقدمية”، ط 1، 1980، دار المسيرة، لبنان.

6 بيتر تيلور وكولن فلنت، الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر: ترجمة: عبد السلام رضوان وإسحق عبيد : الطبعة: الأولى 2002 -الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت

7/ قاسم الدويكات(د.)، أثر الجغرافيا في العمل العسكري،المحرر إعداد وتنسيق أبو سعد الأثري.20057.

8حسين حمزة نبدقجي،الدولة دراسة تحليلية في مبادئ الجغرافيا السياسية،جدة ،طبعة 1981

9جابر سعيد عوض “النظم السياسية النظرية والتطبيق، أستاذ العلوم السياسية، جامعة 6 أكتوبر، دون ذكر ط ودار النشر، مصر.

10 د. علي صبح “النزاعات الإقليمية في نصف قرن 1945-1995″، ط 2، 2006م، دار المنهل، بيروت، لبنان.

11 الأميرال بيير سيليرييه ترجمة احمد عبد الكريم،الجغرافية السياسية والجغرافية الإستراتيجية،الأهالي.

12حسين حمزة بندقجي “الدولة” الناشر ح.ج.بندقجي. جدة .المملكلة العربية السعودية 1981