بحث عن هبة العقارات المسجلة في القانون التونسي.

من إعداد الأستاذة : سعيدة بوربيع ــ رئيسة مصلحة ومتفقد مركرزي بالادارة الجهوية للملكية العقارية ببن عروس

نظم المشرع التونسي الهبة بجملة من الأحكام والنصوص القانونية ضمتها صلب مجلة الأحوال الشخصية وذلك في الفصول من 200 إلى 213.

وقد عرفها الفصل 200 المذكور كما يلي :” الهبة عقد بمقتضاه يملك شخص آخر مالا بدون عوض”.

فالهبة إذا بمعنى هذا الفصل هي نقل ملكية مال من ذمة الواهب إلى ذمة الموهوب له بدون عوض أي بدون مقابل.

و” المال ” هنا قد يكون عقارا أو منقولا.

وحيث لن نتطرق إلى هبة العقارات غي المسجلة وأيضا هبة المنقول الذي أشار إليه الفصل 204 من مجلة الأحوال الشخصية المنقح بالقانون عدد 48 لسنة 1992 المؤرخ في 04 ماي 1992.

سوف نفرد بحثنا فقط بهبة العقارات المسجلة.

وبإعتبار أن الحق العيني لا يتكون إلاّ بترسيمه بالسجل العقاري.

وإبتداء من تاريخ ذلك الترسيم…..الفصل 305 من مجلة الحقوق العينية.

وعليه ومن هنا واجب إشهار عقد الهبة بالسجل العقاري فما هي الشروط الواجب توفرها في عقد الهبة حتى يتمّ ترسيمها بإدارة الملكية العقارية؟

I-المبحث الأول : التحقيق في شروط وأركان الهبة :

يتجه البحث أولا في الشروط الشكلية (أولا) ثم الشروط الجوهرية (ثانيا) لننتهي إلى التحقيق في معاليم إدارة الملكية العقارية (ثالثا).

أولا : التحقيق في مطلب ترسيم الهبة من حيث الشكل :

يجب أن تتوفر في عقد الهبة المقدم للترسيم مجموعة من الشروط تضمنها الفصلان 377 مكرر جديد و377 ثالثا من مجلة الحقوق العينية والخاصة بتحرير الصكوك القابلة للترسيم وتتعلق بالأساس :

– التنصيصات الخاصة بأطراف العقد والعقار موضوع الهبة الفصل 377

– الإلتزامات المحمولة على محرر العقد الفصل 377 ثالثا.

– وجوب تحرير العقد من طرف محرر مختص ألا وهو (عدل إشهاد)، أي عقد الهبة لا يتكون بمقتضى كتب خطي بل وجوبا يتكون بمقتضى حجة عادلة وحيث ينص الفصل 204 من مجلة الأحوال الشخصية في فقرته الأولى على ما يلي :” لا تصح الهبة إلا بحجة رسمية والحقوق العينية المترتبة عنها بالنسبة للعقارات المسجلة لا تتكون إلاّ بترسيمها بالسجل العقاري”.

فتحرير عقد الهبة من طرف عدل إشهاد هو إذا شرط صحة ينجر عنه البطلان المطلق للعقد، أي إذا تمّ تقديم كتب خطي عوضا عن حجة عادلة تقوم الإدارة برفض ملف الترسيم دون البت في محتوى العقد سند ترسيم الهبة، إذ لا تصح إلا بموجب حجة عادلة يحررها عدلان بتاريخ ثابت وتكون مسجلة لدى إحدى القباضات المالية ويجب أن تكون الحجة العادلة مشهود بمطابقتها للأصل وجوبا من قبل عدلي الإشهاد وذلك عملا بأحكام الفصل 26 من القانون عدد 60 لسنة 1994 المؤرخ في 23 ماي 1994 المتعلق بتنظيم مهنة عدول الإشهاد.

ثانيا : التحقيق في مطلب ترسيم الهبة من حيث الجوهر:

إذا تبيّن أن الحجة العادلة موضوع الهبة تامة الموجبات القانونية ننتقل إلى التحقيق في صحة الهبة من حيث توفر شروطها القانونية.

وحيث يعتبر عقد الهبة من عقود التبرع يترتب عليه إنتقال الملكية من الواهب إلى الموهوب له، ولخطورة الأثر المترتب عن تخلي الواهب عن أمواله بدون مقابل أوجب المشرع إجراءات خاصة في الترسيم بالسجل العقاري فهو يخضع للرخصة الإدارية إذا كان أحد الأطراف أجنبيا على غرار التراخيص المطلوبة في خصوص البيع (رخصة الوالي، رخصة وزارة التجهيز والإسكان، رخصة رئيس الجمهورية…) بمقتضى أمر 04 جوان 1957 المتعلق بالعمليات العقارية والمنقح بالقانون عدد 04 لسنة 2005 والمؤرخ في 11 ماي 2005 وحيث جاءت المذكرة عدد 24 لسنة 2018 لتلغي وتعوض مذكرتي العمل عدد 27 و28 لسنة 2018 وتعفي الجزائريين والليبيين من الرخصة الإدارية في التفويتات وبالتالي يسري مفعولها على الهبة أيضا.

ويشترط الفصل 201 من مجلة الأحوال الشخصية ” التسليم ” أي تسليم العقار الموهوب إلى الموهوب له ويتحوز به حيازة تامة وفعلية من تاريخ إبرام العقد.

وحيث يكون التسليم بالمناولة في هبة المنقول، فإنه في هبة العقارات يكون التسليم بالحيازة الفعلية والآلية لإبرام العقد.

وينص الفصل 202 من مجلة الأحول الشخصية : ” قواعد تسليم البيع تنسحب على تسليم الموهوب فيما لا يتنافى مع طبيعة الهبة وقواعدها الخاصة”.

ويعتبر التسليم ركن وجوبي إذ الموهوب له أن يطالب به، الفصل 203 من مجلة الأحوال الشخصية :” إذا لم يتم التسليم كان للموهوب له أن يطالب به”.

بل ويضيف المشرع في فصله 201 من مجلة الأحوال الشخصية أنه : ” إذا مات الواهب أو الموهوب له قبل التسليم تعد الهبة باطلة”.

فلا ينتقل هذا الحق إذا (التسليم) إلى الورثة.

ويجب التنصيص وجوبا وبصريح العبارة بعقد الهبة المقدم للترسيم على أن الموهوب له قد قبل الهبة وتحوّز بها حيازة تامة كاملة لا شبهة فيها، وبالتالي فإن هبة الأموال المستقبلة باطلة الفصل 205 من مجلة الأحوال الشخصية.

وبالإضافة إلى التحقيق في القواعد العامة والمشتركة للصك المقدم للترسيم، من حيث التأكد من جنسية الأطراف وأسمائهم وأهليتهم ومدى تطابق البيانات المقدمة في الصك مع ما هو منصوص عليه بالسجل العقاري.

ونشير إلى أنه في خصوص الحالات التي يكون فيها العقار أو المنابات الموهوبة موظف عليها رهن، فإنه يمكن ترسيم الهبة إذا كان الموهوب له راشدا، أمّا إذا كان قاصرا، يجب المطالبة بكتب في رفع اليد للتشطيب على تلك التحملات ما لم يجز حاكم التقاديم ذلك صراحة.

يجب أن ينص العقد صراحة على موضوع الهبة، إذا كانت تخص جميع العقار أو تخص منابات مشاعة يقع تحديد نسبتها وبكل دقة.

وقد تتعلق الهبة بالمكلية كاملة، كما أجاز المشرع هبة حق الرقبة وأيضا حق الإنتفاع.

الفصلان الأول والثاني من القانون عدد 69 لسنة 2006 المؤرخ في 28 أكتوبر 2006 والمتعلق بإعفاء الهبات بين الأسلاف والأعقاب وبين الأزواج من معلوم التسجيل النسبي.

هذا وقد يتعلق موضوع الهبة بعقار واحد أويشمل عدة عقارات.

ثالثا : التحقيق المتعلق بدفع معاليم إدارة الملكية العقارية :

يمكن أن تكون لصالح فرد من أفراد الأسرة أو أحد من الأقارب وأشخص أجنبي.

ويسجل عقد الهبة بالقباضة المالية إمّا بمعلوم قار أو نسبي.

* التسجيل بالمعلوم القار :

كانت الهبات بين الأسلاف والأعقاب وبين الأزواج تسجيل بالمعلوم النسبي (1%) ثم أصبحت تسجل بالمعلوم القار بموجب القانون عدد 69 لسنة 2006، المؤرخ في 28 أكتوبر 2006، المتعلق بإعفاء الهبات بين الأسلاف والأعقاب والأزواج من معلوم التسجيل النسبي.

وبناء عليه يكون معلوم التسجيل (000د25) يضاف إلى ذلك معلوم قار قدره (000د100) بعنوان الترسيم العقاري بالنسبة إلى العقارات المرسمة أي (000د125).

ويكون معلوم التسجيل 5% بين الأخوة والأخوات وكبار الأعمام والعمات والصغار أبناء أوبنات الأخيرة وأبناء الأعمام.

وبنسبة 35% بين الأقارب بعد الدرجة الرابعة وبين الأشخاص من غير الأقارب.

يضاف إلى هذا نسبة 1% بعنوان الترسيم العقاري بالنسبة للعقارات المرسمة.

وقد تمّ بمقتضى أحكام الفصل 29 من قانون المالية لسنة 2017 إحداث معلوم تسجيل تكميلي على العقود والأحكام والقرارات المتضمنة لبيوعات أو هبات أو عمليات مماثلة تتعلق بعقارات تساوي أو تفوق قيمتها (000د500.000).

وتعفى من معلوم التسجيل التكميلي هبات العقارات بين الأسلاف والأعقاب وبين الأزواج.

II) المبحث الثاني : فيما يترتب على الهبة :

يتعلق الأمر هنا بالنظر في الآثار المترتبة عن إبرام عقد الهبة بين الأطراف.

نذكر هنا بأن عقد الهبة هو من عقود التبرع، يترتب عنه إنتقال الملكية من الواهب إلى الموهوب له بدون مقابل.

غير أنه يجوز للواهب ودون أن يتجرد من نية التبرع أن يفرض على الموهوب له القيام بإلتزام معيّن وتسمى ” هبة عوض ” الفقرة الثانية من الفصل 200 من مجلة الأحوال الشخصية.

ويتجه هنا البحث في نية الواهب وإلاّ عدّ ذلك بيعا وفي هذه الحالة يتجه تطبيق أحكام البيع وخاصة فيما يتعلق بمعاليم إدارة الملكية العقارية والقباضة المالية.

وتقترب أحكام الهبة من أحكام الوصية بإعتبارهما من عقود التبرع بل وينص الفصل 206 من مجلة الأحوال الشخصية على أنه: ” إّّذا صدرت الهبة خلال مرض متصل بالموت إعتبرت وصية “.

إذا ما توفرت جميع الشروط الشكلية والجوهرية لعقد الهبة فإن الواهب لا يضمن إستحقاق الشيء الموهوب (أولا).

كما لا يضمن خلو الشيء الموهوب من العيوب (ثانيا) هذا بالإضافة إلى إمكانية الرجوع في الهبة (ثالثا).

أولا : في ضمان إستحقاق الشيء الموهوب:

ينص المشرع في الفصل 207 من مجلة الأحوال الشخصية على ما يلي : ” لا يضمن الواهب إستحقاق الشيء الموهوب …”.

وهذا هو المبدأ غير أنه يستدرك وينص على إستثناءات في الفصل 207 المذكور ويقر بأن الواهب يضمن إستحقاق الشيء الموهوب في حالتين :

* الحالة الأولى : إذا تعمد الواهب إخفاء سبب الإستحقاق وفي هذه الحالة يقدر الواهب للموهوب له تعويض عادل عن الضرر الحاصل له.

* الحالة الثانية : إذا كانت الهبة بعوض في هذه الحالة يضمن الواهب إستحقاق الشيء إلا في حدود ما أداه الموهوب له من عوض.

ويحل الموهوب له محل الواهب في الحقوق والدعاوى إذا ما إستحق الشيء الموهوب.

ثانيا : في ضمان خلو الشيء الموهوب من العيوب :

ينص الفصل 208 من مجلة الأحوال الشخصية على أن الواهب لا يضمن خلو الشيء الموهوب من العيوب.

غير أنه ملزم بتعويض الضرر إذا ما :

* الحالة الأولى : تعمد الواهب إخفاء العيب.

* الحالة الثانية : ضمن خلو الشيء الموهوب من العيوب كان ملزما بتعويض الضرر الناشىء عن العيب.

* الحالة الثالثة : إذا كانت الهبة بعوض وفي هذه الحالة يكون التعويض بقدر ما أداه الموهوب له من العوض.

ثالثا : الرجوع في الهبة :

إذا ما إنعقدت الهبة على شكل صحيح وإستجابت لكافة الشروط القانونية هل يمكن للواهب الرجوع ي الهبة ؟

بإعتبار أن الهبة هي عملية ناقلة للملكية حيث إنتقلت بموجبه ملكية الشيء من ذمة الموهوب له فإن الأثر القانوني قد ترتب هنا.

أن نتحدث عن الرجوع في الهبة هو تصرف قانوني آحادي صادر عن طرف واحد من أطراف الهبة ألا وهو الواهب على خلاف إنعقاد كتب الهبة الذي تمّ بموجب تلاقي إرادتين وهما إرادة الواهب وإرادة الموهوب له.

المشرع في الفصول من 209 إلى 213 من مجلة الأحوال الشخصية وضع مبدأ لكنه أيضا أشار إلى إستثناءات.

* المبـــدأ : عدم الرجوع في الهبة :

نص الفصل 209 من مجلة الأحوال الشخصية على ما يلي : “إذا إشترط الواهب أنه يرجع في هبته إن شاء فالهبة صحيحة والشرط باطل “.

رتب المشرع إذا أثر البطلان في خصوص الشرط فقط إنما الهبة فتبقى قائمة قانونيا.

وقد أشار الفصل 212 من مجلة الأحوال الشخصية إلى الحالات التي لا يجوز فيما طلب الرجوع في الهبة وذلك بسبب وجود موانع وهي :

– إذا حصل للشيء الموهوب زيادة متصلة موجبة لزيادة قيمته.

– إذا فوت الموهوب له في الشيء الموهوب.

– إذا هلك الشيء الموهوب في يد الموهوب له سواء كان الهلاك بفعله أو بحادث أجنبي لا يد له فيه أو بسبب الإستعمال.

ويبدو أن حالات منع الرجوع في الهبة وردت على سبيل الحصر إذ لا يمكن التوسع فيها بإعتبار وأن المشرع منح أيضا للواهب حق الرجوع في الهبة.

* الإستثنـاء : الرجوع في الهبة :

بالرغم من أن المشرع رتب البطلان كجزء يسلط على شرط الرجوع في الهبة الذي قد يوظفه الواهب بعقد الهبة غير أن عبارة ” إن شاء ” تدل على العشوائية والمزاجية فنقول إذا حق الرجوع العشوائي في الهبة غير جائز قانونا، لكن المشرع يجيز ذلك مع مراعاة حقوق الغير المكتسبة على العقار وفي الحالات التالية :

– إذا أخل الموهوب له بما يجب عليه نحو الواهب بحيث يكون هذا الإخلال جحودا كبيرا منه.

– إذا أصبح الواهب عاجزا من أن يوفر لنفسه أسباب المعيشة بما يتفق مع مكانته الإجتماعية أو إذا أصبح غير قادر على الوفاء بما يفرضه عليه القانون من النفقة.

– أن يرزق الواهب بعد الهبةولدا يظل حيا إلى وقت الرجوع الفصل 210 من مجلة الأحوال الشخصية.

وحيث نظم المشرع أجلا للقيام بطلب الرجوع في الهبة وحدده بسنة من تاريخ حصول الجحود وفي كل الحالات يسقط هذا الحق بمرور عشرة سنوات ولا ينتقل هذا الحق إلى الورثة.

ويترتب على الرجوع في الهبة أن تعتبر كأن لم تكن غير أنه لا ترجع الثمرات إلاّ من وقت الإتفاق على الرجوع أو وقت رفع الدعوى.

كما للموهوب له ا أن يرجع بجميع ما أنفقه من مصاريف ضرورية، أمّا المصاريف النافعة فال يجوز الرجوع فيها إلاّ بالقدر الذي زاد في قيمة القدر الموهوب.

ولكي يتمّ قبول طلب الرجوع في الهبة وبالتالي التشطيب على الترسيم، على إدارة الملكية العقارية أن تتثبت من عدم توفر أحد الشروط المانعة للرجوع في الهبة وذلك بأن تطلب المؤيدات لحالات إمكانية الرجوع المنصوص عليها بالفصل 210 من مجلة الأحوال الشخصية.

وتصاغ عملية الرجوع في الهبة بالسجل العقاري بنص تشطيب كلي بناء على كتب رسمي بحجة عادلة أو حكم نهائي إتصل به القضاء.

الخــــاتمـــــــة

نستخلص مما سبق أن الهبة في القانون التونسي ولئن كانت من عقود التبرع فإنها تقترب في أحكامها من الوصية إذا صدرت في مرض الموت وهي أيضا تقترب من أحكام البيع فهي تبقى خاضعة في قواعدها العامة إلى القانون العام، وهي فقط تنفرد عن بقية العمليات العقارية بإمتيازها بنظام جبائي خاص حيث تخضع وهذا يخص فقط الهبات بين الأسلاف والأعقاب وبين الأزواج إلى نظام معلوم التسجيل القار.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت