غلبت على الملكية الخاصة قبل ثورة تموز (1958) الصبغة المطلقة. ويجتمع بيد المالك كامل السلطات في التصرف، والاستعمال، والاستغلال. ولم يكن هناك قيوداً على سلطات الملاك، سوى النصوص المقررة في القانون المدني، والقوانين المتعلقة بنظام الطرق والأبنية، وتخطيط المدن والقرى، أو تنظيم زراعة بعض المحاصيل نحو التبغ وغيرها. فلم يكن من السهل تحقيق الوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة. فكبار الملاكين يستحوذون على الأراضي الصالحة للزراعة. لأنها تغل إيراداً عاجلاً ومضموناً. ولا يقبلون المخاطرة بمدخراتهم لاستصلاح الأراضي. ولذلك كان لابد أن تقيد ثورة الرابع عشر من تموز عام (1958) بعد قيامها تقييم النظم الاقتصادية للبلاد لدفع عجلة التنمية الاقتصادية(1).

لذلك فقد صدرت قوانين الإصلاح الزراعي في العراق. نحو قانون الإصلاح الزراعي رقم 30 لعام 1958 (المعدل). الذي حدد حق تملك الأراضي الزراعية فيما يتعلق بالعراقيين، ووضع قيوداً على حرية تملكهم. إذ بينت المادة الأولى منه على أن الحد الأقصى من الأراضي التي يجوز تملكها أو الاحتفاظ بها ألف دونم فيما يتعلق بالأراضي التي تسقى سيحاً، أو بالواسطة، وألفا دونم من الأراضي التي تسقى ديماً أو ما يعادل هذه النسبة من النوعين. إلا أن الفقرة الأولى من المادة الثالثة (المعدلة)(2). أجازت للشركات والجمعيات بعد الحصول على موافقة الهيئة العليا للإصلاح الزراعي أن يكون لها أكثر من الحد المقرر في الأصل العام في بعض الحالات. والملاحظ أن تحديد الحد الأقصى للملكية الزراعية في قانون الإصلاح الزراعي رقم(30) لعام 1958، لم يؤد إلى إزالة التفاوت في الدخول والأوضاع المعقدة في الريف العراقي. لأن تحديد الحد الأقصى للملكية الزراعية لم يكن على أساس الموقع والقابلية الإنتاجية للأرض والخصوبة. فكان إصدار قانون الإصلاح الزراعي رقم (117) لعام (1970) أمراً ضرورياً لتنظيم أسس الملكية الزراعية في العراق بصورة تتحقق معها حقوق الفلاحين، ويقضى بها على طبقة الإقطاع. وإن أهم ما تضمنه هذا القانون من أحكام هو خفض الحد الأقصى للملكية الزراعية عما كان مقرراً في القانون الملغي(3). مراعياً في ذلك عوامل متعددة، من خصوبة الأرض وقابليتها الإنتاجية، وطريقة ريها، ونوع محصولها، وقربها وبعدها من مراكز التسويق . أما فيما يتعلق بالبساتين والحدائق، فقد تم استثناؤها من أحكام التحديد. فأجيز لمن يملك بستاناً تفوق مساحته الحد الأعلى الوارد في المادة (2) من قانون رقم (117) لعام (1970) حق الاحتفاظ به، تشجيعاً للبستنة، لكونها جزءاً مهماً من الثروة الوطنية. كما أن الموصى له أو الوارث أو الموجب له لا يسمح لأي منهم في أن يملك من الأراضي الزراعية المقررة قانوناً على الرغم من صحة الأسباب التي يدعونها(4).

أما الأساس الدستوري الذي يقوم عليه تقييد الملكية الزراعية في العراق فهو نص الفقرة ( د ) من المادة (16) من الدستور العراقي المؤقت لعام (1970) التي نصت على أن: ((الحد الأعلى للملكية الزراعية يعينه القانون وما فاض عن ذلك يعتبر ملكاً للشعب)). والمشرع المصري قد قيد الملكية الزراعية أيضاً بتعينه الحد الأقصى لها، بحيث لا يجوز لأي فرد أن يمتلك من الأراضي الزراعية أكثر من خمسين فداناً، كما لا يجوز أن تزيد على مائة فدان من تلك الأراضي جملة ما تمتلكه الأسرة. وفقاً لما جاء في المادة الأولى من القانون رقم 50 لعام (1969) المصري(5). وقد نص الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية لعام (1971) على تقييد الملكية الزراعية، فقد نصت المادة (37) على أن: ((يعين القانون الحد الأقصى للملكية الزراعية حماية للفلاح والعامل الزراعي من الاستغلال وبما يؤكد سلطة تحالف قوى الشعب كافةً على مستوى القرية)). وقد أخذ المشرع السوري نهج الدستور العراقي والمصري، فقد نص على تقييد الملكية الزراعية للأراضي وسنده الدستوري في ذلك نص المادة (16) من الدستور الدائم للجمهورية العربية السورية لعام (1973) التي نصت على أن: ((يعين القانون الحد الأقصى للملكية الزراعية بما يضمن حماية الفلاح والعامل الزراعي من الاستغلال ويضمن زيادة الانتاج)). أما دستور الجمهورية الجزائرية لعام (1989) ودستور الجمهورية التونسية لعام (1959) فلم يرد نص فيها على تقييد الملكية الزراعية، وإنما أحالت تنظيمها إلى القوانين العادية. ولكن كان من الأفضل النص عليها في الدستور لكونه ضمانة هامة يستند إليها الفلاح والعامل الزراعي في حمايتهم من الاستغلال.

_______________________

1- د. محمد طه البشير د. غني حسون طه – مصدر سابق – ص 58.

2- نشر التعديل في جريدة الوقائع العراقية عدد 818 في 19/6/1963 د. سعيد عبد الكريم – مصدر سابق – ص 44.

3- أنظر الأسباب الموجبة لقانون الإصلاح الزراعي رقم (117) لعام ( 1970).

4- د. سعيد عبد الكريم – مصدر سابق – ص 44.

5- د. محمد علي حنبولة – مصدر سابق – ص 544.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .