مدى اختصاص النيابة العامة بالفصل في مواد الحيازة

الأستاذ أحمد رفعت خفاجي

وكيل نيابة ميت غمر

1 – تمهيد:
قد يتنازع شخصان على عقار أرضًا كان أم مبنى يدعى كلاهما أحقيته في حيازته فيتعرض كل منهما للآخر، وقد يغتصب شخص عقار آخر عنوة عنه وذلك باستعمال القوة أو بغير علمه وذلك بأن يضع يده عليه ليلاً ويزرعه إن كان أرضًا ويقيم فيه إن كان منزلاً، وقد يقيم شخص أعمالاً جديدة على أرضه أو على أرض غيره فينازعه آخر في إتمام هذه الأعمال، فما هي الجهة المختصة بالفصل في المنازعات التي تدور حول الحيازة، والتي تقرر بتمكين هذا أو ذاك من حيازة العقار؟
2 – صعوبة البحث:
ولعل ما دفعنا إلى هذا البحث ما لمسناه من الوجهة العملية – من أن النيابة العامة ممثلة في رجالها تضع نفسها حكمًا في مثل هذه المنازعات فتتصدى لمدى أحقية طرفي النزاع في حيازة العقار وذلك عندما تلجأ إليها جهة الإدارة للإفادة عما يتبع من تمكين زيد أو عمرو من حيازة العقار، وأن هذا الاتجاه جعلنا نتساءل عن السند القانوني لاختصاص النيابة العامة وهل هناك نص تشريعي يؤيد هذا الاختصاص وينظمه، وهل يمتد الاختصاص لأمور أخرى غير اختصاصها الأصلي الخاص بتحريك الدعوى العمومية ومباشرتها، هذا ما سنعالجه في هذا الصدد.
3 – أهمية البحث:
ولا يفوتنا أن نذكر بهذه المناسبة أن هذا البحث ليس بحثًا فقهيًا أي دراسة من الوجهة النظرية البحتة فحسب بل إن له نتائج عملية في غاية من الأهمية والخطورة فعلى ضوء هذا البحث يمكننا أن نعرف مدى حجية قرار النيابة في هذه المسائل وهل هو ملزم لطرفي الخصومة وما هو الجزاء المترتب على إصرار أحد طرفي النزاع على عدم تنفيذه وما هو مدى مسؤولية جهة الإدارة في عدم تنفيذه وهل لها أن تخالفه إذا رأت ضرورة لذلك حماية للأمن والنظام الاجتماعي.
4 – موقف القانون المدني وقانون المرافعات:
ولا شك أن الاختصاص بالفصل في مواد الحيازة موكول – بصفة أصلية – إلى القضاء المدني سواء أكان قضاء مستعجلاً أم عاديًا، ففي وسع أحد طرفي الخصومة أن يلجأ إلى المحاكم المدنية لتفصل في موضوع النزاع فتصدر حكمًا واجب التنفيذ لما يحمل من صيغة تنفيذية تلزم النيابة العامة ورجال الضبط بتنفيذ الأحكام الصادرة من الجهات القضائية.
ولما نشر القانون رقم (131) سنة 1948 المؤرخ في 16 يوليو سنة 1948 والخاص بإصدار القانون المدني تناول في القسم الثاني منه الحقوق العينية وأهمها حق الملكية وعالج في الفرع السابع من الفصل الثاني موضوع الحيازة كسبب من أسباب كسب الملكية وذلك في المواد (949) وما بعدها فتكلم عن الحيازة بصفة عامة ثم في دعاوى حماية الحيازة actions possessoires وهي:
1 – دعوى منع التعرض La complainte
2 – دعوى استرداد الحيازة La réimetegrande
3 – دعوى وقف الأعمال الجديدة La dénonciation de nouvelle oeuver
أما الأولى: ويقصد بها منع الاعتداء على الحيازة سواء أكان الاعتداء ماديًا باغتصابها أم قانونيًا بالادعاء أمام القضاء بأن الحيازة لغير الحائز فلقد جاء النص عليها في المادة (961) من القانون المدني التي تقرر:
(من حاز عقارًا واستمر حائزًا له سنة كاملة ثم وقع له تعرض في حيازته جاز له أن يرفع خلال السنة التالية دعوى بمنع هذا التعرض).
أما الثانية: ويقصد بها رد الحيازة إلى من اغتصبت منه بالقوة أو بغير علمه فلقد ورد ذكرها في المواد (958)، (959)، (960) من القانون المدني:
المادة (958): (1 – لحائز العقار إذا فقد الحيازة أن يطلب خلال السنة التالية لفقدها ردها إليه فإذا كان فقد الحيازة خفية بدأ سريان السنة من وقت أن ينكشف ذلك.
2 – ويجوز أيضًا أن يسترد الحيازة من كان حائزًا بالنيابة عن غيره).
المادة (959): (1 – إذا لم يكن من فقد الحيازة قد انقضت على حيازته سنة كاملة وقت فقدها فلا يجوز أن يسترد الحيازة إلا من شخص لا يستند إلى حيازة أحق بالتفضيل والحيازة الأحق بالتفضيل هي الحيازة التي تقوم على سند قانوني فإذا لم يكن لدى أي من الحائزين سند أو تعادلت سنداتهم كانت الحيازة الأحق هي الأسبق في التاريخ.
2 – أما إذا كان فقد الحيازة بالقوة فللحائز في جميع الأحوال أن يسترد خلال السنة التالية حيازته من المعتدى).
المادة (960): ( للحائز أن يرفع في الميعاد القانوني دعوى استرداد الحيازة على من انتقلت إليه حيازة الشيء المغتصب منه ولو كان هذا الأخير حسن النية).
أما الثالثة: ويقصد بها منع السير في أعمال لو تمت لكونت اعتداءً ماديًا على حيازة العقار أو على حق مقرر عليه ولقد ورد ذكرها في المادة (962) من القانون المدني التي تنص:
(1 – من حاز عقارًا واستمر حائزًا له سنة كاملة وخشي لأسباب معقولة التعرض له من جراء أعمال جديدة تهدد حيازته كان له أن يرفع الأمر إلى القاضي طالبًا وقف هذه الأعمال بشرط ألا تكون قد تمت ولم ينقض عام على البدء في العمل الذي يكون من شأنه أن يحدث الضرر.
2 – وللقاضي أن يمنع استمرار الأعمال أو أن يأذن في استمرارها وفي كلتا الحالتين يجوز للقاضي أن يأمر بتقديم كفالة مناسبة تكون في حالة الحكم بوقف الأعمال ضمانًا لإصلاح الضرر الناشئ من هذا الوقف متى تبين بحكم نهائي أن الاعتراض على استمرارها كان على غير أساس وتكون في حالة الحكم باستمرار الأعمال ضمانًا لإزالة هذه الأعمال كلها أو بعضها إصلاحًا للضرر الذي يصيب الحائز إذا حصل على حكم نهائي في مصلحته).
وحقيقة الأمر أن تفسير هذه المواد وشرحها شرحًا مفصلاً محله القانون المدني وقانون المرافعات ويكفينا أن نقرر في هذا المقام أن الحيازة التي يحميها القانون بمقتضى هذه الدعاوى الثلاث هي الحيازة الهادئة raisible الظاهرة publique غير الغامضة non équivoque المستمرة مدة سنة على الأقل والمحكمة المختصة بالفصل في هذه الأمور هي محكمة المواد الجزئية وذلك طبقًا لما ورد في المادة (47) من القانون رقم (77) سنة 1949 الخاص بإصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية والتي تنص:
(تختص محكمة المواد الجزئية بالحكم ابتدائيًا:
( أ ) (دعاوى الحيازة…)
ولا شك أن المحكمة الجزئية المختصة هي المحكمة التي يقع في دائرتها العقار محل النزاع إذ أن هذه الدعاوى دعاوى عينية عقارية وذلك تطبيقًا لنص المادة (56) من قانون المرافعات.
(في الدعاوى العينية العقارية ودعاوى الحيازة يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها العقار أو أحد أجزائه إذا كان واقعًا في دوائر محاكم متعددة).
ويجب ملاحظة هذه الدعاوى الثلاث قد ترفع بصفة عاجلة أمام محكمة الأمور المستعجلة وذلك إذا تبين أن الدعوى متعلقة بمسائل مستعجلة يخشى عليها من فوات الوقت كما يجب ملاحظة أن الأحكام الصادرة في هذه الدعاوى قابلة للطعن فيها بطريق الاستئناف.
5 – عدم اختصاص النيابة العامة:
وفي كثير من الأحوال لا يلجأ أحد طرفي النزاع إلى القضاء المدني ليفصل فيه ويقول كلمته في من له الحق في حيازة العقار محل النزاع وإنما يظل يتعرض لخصمه تعرضًا ماديًا فيقابل خصمه التعرض بالتعرض مما يؤدي إلى تكدير صفو السلام أو مما قد يتطور الأمر فيعتدي كل طرف على الآخر وترتكب جرائم ضد النفس تتفاوت في خطورتها حسب الظروف منها جرائم الضرب المفضي إلى الموت المعاقب عليها في المادة (236) من قانون العقوبات أو جرائم الضرب الذي ينشأ عنه عاهة مستديمة المعاقب عليها في المادة (240) من القانون المذكور.
فهل يجوز للنيابة العامة أن تتدخل في هذا النزاع وتصدر قرارًا واجب التنفيذ على طرفي النزاع وتراقب تنفيذه جهة الإدارة خاصة وأن في وسع من صدر القرار في غير صالحه أن يلجأ إلى القضاء المدني على النحو السابق شرحه كي يحصل على حكم في الخصومة يحمل الصيغة التنفيذية يتعين تنفيذه بمعرفة النيابة العامة والإدارة ويجعل قرار النيابة السابق لا حجية له بصدد هذا الحكم القضائي.
هذا هو الجاري عليه العمل الآن بين بعض رجال النيابة العامة.
إلا أن الباحث في النصوص القانونية لا يجد نصًا يخول للنيابة العامة هذا الاختصاص فضلاً عن أن روح فقه قانون تحقيق الجنايات لا يؤيد هذا الاتجاه.
فلقد نص قانون تحقيق الجنايات على أن اختصاص النيابة بصفة أصلية هو تحريك الدعوى العمومية mise en mouvement ومباشرتها exercise فالنيابة العامة وهي التي تنوب عن الهيئة الاجتماعية تختص دون غيرها برفع الدعوى الجنائية طالبة الحكم على الجاني توطئة لتنفيذ العقوبة عليه.
كما صدر بعض قوانين مستقلة خولت للنيابة العامة اختصاصات أخرى غير هذا الاختصاص الأصلي وهي:
1/ التدخل في الدعاوى المدنية والتجارية أمام القضاء المدني والتجاري وذلك إما بصفة أصلية: كما جاء في المادة (196) من قانون التجارة التي تجيز للنيابة العامة أن تطلب بدعوى مبتدئة الحكم بإشهار إفلاس التاجر المتوقف عن الدفع – وكما جاء في القانون المدني الجديد في المادة (96) منه أنه يجوز للنيابة العامة أن تطلب من المحكمة الابتدائية الحكم بحل جمعية من الجمعيات. ففي هاتين الحالتين ترفع النيابة هذه الدعاوى بصفة أصلية، وأما أنها تتدخل بصفتها طرفًا منضمًا وهي ما أوجبه القانون في المسائل الحسبية والأحوال الشخصية المتعلقة بالأجانب وإلا كان الحكم باطلاً ومظهر هذا التدخل هو الاطلاع على أوراق القضية وتقديم مذكرات فيها.
2/ المحافظة على حقوق القصر وعديمي وناقصي الأهلية وذلك تنفيذًا لقانون المحاكم الحسبية رقم (99) سنة 1947 المعدل بالقانون رقم (126) سنة 1951.
3/ إقامة الدعاوى التأديبية على رجال القضاء وموظفي المحاكم.
4/ الحضور في الجمعية العمومية التي تعقد بالمحاكم لترتيب الأعمال القضائية.
5/ إدارة الأعمال المتعلقة بنقود المحاكم وتفتيش صندوق الأمانات والودائع.
6/ ملاحظة وتفتيش السجون وذلك ضمانًا لتنفيذ القوانين واللوائح الخاصة بها.
هذا هو الاختصاص الأصلي للنيابة العامة وكذا الاختصاصات الأخرى المعطاة لها بناءً على نصوص قانونية صادرة بقوانين خاصة – أما اختصاصها بالفصل في مواد الحيازة فلم يرد ذكره في نص قانوني ما، هذا من جهة نصوص القانون.
أما من جهة روح القانون فالنيابة العامة أنشئت لتحريك الدعوى العمومية ومباشرتها أي لاتخاذ الإجراءات القانونية لضبط الجرائم وتقديم المجرمين للمحاكمة فليس لها أي اختصاص إداري آخر، فالنيابة العامة وإن كانت تابعة للسلطة التنفيذية ممثلة في شخص وزير العدل فإن اختصاصها محدود بنصوص القانون ينصب أساسًا وبصفة أصلية على الدعوى العمومية أي مباشرة حق التحقيق والاتهام ومن ثم ليس لها أي شأن بالأمن العام وضمان سلامته والمحافظة على حسن سيره إذ أن هذا من صميم اختصاص جهة الإدارة التي تتبع في النهاية إلى وزير الداخلية وبالتالي ليس للنيابة العامة أن تتدخل في المنازعات القائمة بين الأفراد والتي لا تكون جريمة ما، بل والتي ربما تؤدي إلى ارتكاب جريمة طالما أن جريمة ما لم تقع، فإذا تنازع زيد مع عمرو على عقار كلاهما يدعى حيازته وأحقيته في ملكيته وتعرض كل منهما للآخر ولم يلجأ كلا الطرفين للقضاء المدني فلا يسوغ للنيابة العامة أن تقحم نفسها في هذا النزاع المدني فتفصل فيه لأنها ليست جهة قضاء مدني كما أن ليس لها أن تنهي النزاع بين الطرفين ولو مؤقتًا فتصدر قرارًا في موضوع الحيازة محافظة على السلم العام وذلك لأنها ليست الجهة المختصة بالمحافظة على الأمن العام واتخاذ الإجراءات اللازمة لعدم تكدير صفوه.
وما يجب الإشارة إليه في هذا الشأن أن ما تقدم ينصب على النزاع حول الحيازة الذي لا يكون جريمة.
أما إذا كون النزاع بين الطرفين جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات تعين على النيابة العامة أن تتدخل فتباشر حقها في الاتهام مثال ذلك ما نص عليه قانون العقوبات في المادتين (369) و (370) عقوبات.
م 369 – (كل من دخل عقارًا في حيازة آخر بقصد منع حيازته بالقوة أو بقصد ارتكاب جريمة فيه أو كان قد دخله بوجه قانوني وبقى فيه بقصد ارتكاب شيء مما ذكر يعاقب…).
م 370 – ( كل من دخل بيتًا مسكونًا أو معدًا للسكنى أو في أحد ملحقاته أو في سفينة مسكونة أو في محل معد لحفظ المال وكانت هذه الأشياء في حيازة آخر قاصدًا من ذلك منع حيازته بالقوة أو ارتكاب جريمة فيها أو كان قد دخلها بوجه قانوني وبقى فيها بقصد ارتكاب شيء مما ذكر يعاقب… ).
وأركان هاتين المادتين هي دخول عقار بصفة غير مشروعة أي بدون إذن حائزة أو رغم إرادته وكان هذا العقار في حيازة آخر ويقصد بالحيازة هنا الحيازة هنا الحيازة الفعلية كاملة كانت أم ناقصة، وذلك بقصد منع حيازة الحائز بالقوة، فيجب أن يعلم الجاني أن العقار الذي دخله في حيازة شخص آخر فإذا اعتقد بحسن نية أن العقار في حيازته هو وأن الحائز مغتصب له إن كان يعلم أن العقار في حيازة آخر ودخله دون أن يقصد منع حيازته بالقوة أو ارتكاب جريمة فيه أو أن يضع يده على عقار في غياب صاحبه أو يدخل عقارًا بقصد امتناع حائزة بأحقيته في الحيازة دون أن يستعمل القوة أو استأجر عقارًا ثم انتهت إجازته وبقي في العين محل الإيجار فلا جريمة في كل هذه الأحوال.
فإذا استوفيت أركان هاتين المادتين وجب على النيابة العامة أن ترفع الدعوى العمومية، أما إذا لم تستوفِ هذه الأركان فلا جريمة في الأمر ومن ثم فلا اختصاص للنيابة العامة في هذا النزاع.
6 – ما هي الجهة المختصة:
ولكن إذا سلمنا أن النيابة العامة غير مختصة بالفصل في مواد الحيازة فأين الجهة المختصة التي يمكن الالتجاء إليها للفصل فيها ما دام أحد الطرفين لم يطرح النزاع على القضاء المدني وذلك رغبة في حماية الأمن والنظام ؟!
لعل الرجوع إلى فكرة التفرقة بين الضبطية الإدارية أو الضبط الإداري والضبطية القضائية أو الضبط القضائي هو الذي يسعفنا للإجابة على هذا السؤال:
فالضبطية الإدارية هي التي من وظيفتها حفظ الأمن العام باتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع وقوع الجرائم، وتحقيق ذلك متروك لسلطان السلطة الإدارية فلها أن تعمل على تنفيذ القوانين فتراقب تنفيذها وتمنع المحكومين من مخالفتها ولها أن تصدر أوامر إدارية actes administratifs للمحافظة على الأمن والسلام في الداخل، والضبطية الإدارية يباشرها رجال الإدارة بالمديريات والمحافظات والمدن والقرى.
أما الضبطية القضائية فمن وظيفتها البحث عن الجرائم وإثبات حالتها ومرتكبيها وجمع الأدلة على ارتكابها ورفع الدعوى العمومية على الجانين أي جمع عناصر التحقيق والاتهام ورجال الضبطية القضائية نصت عليهم المادة الرابعة من قانون تحقيق الجنايات وهي المقابلة للمادة (23) من قانون الإجراءات الجنائية وأعضاء النيابة العامة هم رؤساء رجال الضبطية القضائية.
فإذا تنازع شخصان على قطعة أرض أو مبنى يدعى كلاهما حيازته وأحقيته في وضع يده عليه دون الآخر وكلاهما يتعرض للآخر وقد يستفحل بينهما النزاع فيخشى من وقوع جرائم ضد النفس فيختل الأمن ويفسد النظام فمن المختص بالفصل في هذا النزاع بصفة مؤقتة ؟ ومن المختص بإصدار قرار فيه يكفل حفظ الأمن والنظام ؟؟
لا شك أن الضبطية الإدارية أي جهة الإدارة هي التي يقع على كاهلها المحافظة على الأمن ومنع وقوع الجرائم ولها بسبيل ذلك أن تتخذ الاحتياطات التي ترى لزومها لضمان ذلك كما لها أن تصدر أوامر وقرارات تعتقد وجوبها حسمًا للنزاع ومنعًا لاحتكاك طرفيه خشية وقوع جرائم فلها أن تصدر أمرًا بتمكين زيد أو تمكين عمرو من حيازة العقار موضوع النزاع أو رفع يد كليهما مع تكليف كل منهما في كل الأحوال بالالتجاء إلى القضاء المدني للحصول على حكم في الخصومة والحقيقة أنها عند ما تباشر ذلك إنما تباشر عملاً من صميم اختصاصها وذلك بصفتها الهيئة المهيمنة على الأمن والتي من وظيفتها منع وقوع الجرائم وحسبها أن تصدر قرارها مستهدية بما يستوجبه حماية الأمن والنظام الاجتماعي كما أن في وسع من صدر قرار جهة الإدارة في غير صالحه أن يسرع فيلجأ إلى القضاء المدني ليحصل على حكم في الحيازة واجب التنفيذ لما يحمل من صيغة تنفيذية كما أن في وسعه أن يتظلم من القرار الإداري الصادر من جهة الإدارة إلى مجلس الدولة وهي جهة القضاء الإداري فله أن يطلب إما إلغاء هذا القرار أو طلب التعويض اللازم عن الضرر الذي حدث لديه من جراء هذا القرار إذا استوجب مسؤولية جهة الإدارة.
7 – خاتمة:
وخلاصة البحث: أن الرأي الصحيح – في اعتقادنا – أن الاختصاص في مواد الحيازة أساسًا وبصفة أصلية وعادية معقود لجهة القضاء المدني يفصل فيه على هدى من القواعد المقررة في فقه القانون المدني وفقه قانون المرافعات، أما إذا تراخى كلا الطرفين ولم يلجأ للقضاء المدني وفضل التشاحن والتعرض لخصمه في العقار موضوع النزاع فلا تختص النيابة العامة بالفصل في هذا النزاع، اللهم إلا إذا لبس النزاع حول الحيازة ثوب الجريمة المنصوص عليها في المادتين (369)، (370) من قانون العقوبات، وحسب جهة الإدارة أن تفصل فيه إما بتمكين أحدهما من حيازة العقار موضوع النزاع أو رفع يدهما عنه وتكليفهما في كلتا الحالتين بالالتجاء للقضاء المدني وذلك مع مراعاتها للحق والعدالة والقانون من جهة وحمايتها للأمن والنظام الاجتماعي من جهة أخرى.