«جار الدار أحق بدار الجار»
يوسف الفراج
هذا نص حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – وقد رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وصححه جمع من العلماء منهم الترمذي وابن حبان والألباني. يأتي هذا النص في حديث العلماء عن موضوع الشفعة, وهل تثبت بمجرد الجوار ولو لم يكن هناك شراكة, وهما ما نشير إليه في هذه المقالة: أما الشفعة فتعني :أحقية الشافع بتملك العقار المشفوع فيه مقدما على غيره بما له من مشاركة, بل وأخذه لنصيب الشريك من يد المشتري, والمسألة مشهورة في الفقه حيث يرى جمهور الفقهاء أن الشفعة تكون في العقارات التي لم تقسم استنادا إلى عدد من النصوص ومنها حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم: «قضى بالشفعة في كل ما لم يُقسم, فإذا وقعت الحدود وصُرِّفت الطرق فلا شفعة» أخرجه البخاري, وهذا يعني فقها وقضاء أنه في حال وجد شركاء في عقار سواء أرض أم بناء سكني أو تجاري والعقار وحدة واحدة ولم يُقسم وهم شركاء في الشيوع فيه, فإن لكل واحد منهم الحق في الشفعة في نصيب الآخر فلو باع أحدهم لثالث من غير الشركاء فللشريك أن يسترد هذا النصيب بالشفعة.

هذه هي المسألة المشهورة في الشفعة, وأما مسألتنا فهي في العقارات المقسومة, وأراد أحد الجيران أن يبيع داره فهل يحق للجار أن يشفع, وهي: «شفعة الجوار», في المسألة ثلاثة أقوال – وراجع: بحث باسم: «الشفعة بالجوار» في مجلة العدل العدد 12 للشيخ القاضي الفقيه الدكتور خالد اللحيدان – القول الأول: إنها لا تثبت مطلقا وهو قول أكثر الفقهاء, استنادا إلى الحديث السابق, والقول الثاني: إنها تثبت مطلقا وهو قول لبعض الحنفية والحنابلة, والقول الثالث: ثبوت الشفعة بشرط أن يكون هناك شراكة في حقوق ملكية من طريق أو مسيل ونحوها, وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.

ليس المجال هنا مجال استعراض أقوال الفقهاء وأدلتهم ومناقشتها , بل تهمني الإشارة إلى أن جمعاً من الفقهاء أخذ بثبوت شفعة الجوار وأن نص هذا الحديث يؤكد على أحقية الجار بدار جاره, ويؤيده كذلك: حديث «الجار أحق بسقبه» والسقب: القُرب وليس محصورا بالشريك بل الجار القريب, ومع أن القول المشهور لا يؤخذ بهذا القول إلا أنه يُمكن الاستناد إلى هذا النص في حال ظهور ما يوجب الأخذ به, فمسألة الشفعة إنما شُرعت لرفع الضرر عن الجار الشريك في إن يقاسمه العقار من يتضرر منه, ومع أن في تشريع الشفعة تقييد لحرية المالك في بيع عقاره على من شاء إلا أنه وتحقيقاً لمصالح العباد فقد قرر الشارع أن يكون للشريك الحق في شراء العقار مُقدَماً على غيره وبالقيمة ذاتها, هذه فلسفة حق الشفعة, فلو ظهرت الحاجة إليها ألا يُمكِن القول بأن للقضاء الأخذ بهذا القول؟, فإذا كان هناك ضررٌ وقدَّره القضاء وكان مماثلا لما قرر الشارع رفعه ودفعه عن الشريك, ودفع الجار قيمة العقار ففي هذه الحالة فلو اجتهد القضاء وعمل بهذا القول فلا أرى فيه ما يخالف القواعد الشرعية بل هو تحقيق لمقاصد التشريع ومقتضيات العدل.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت