توجيه اليمين في القضاء التجاري
يعرف الفقهاء اليمين الشرعية في التقاضي بأنها تأكيد حق أو نفيه أمام القاضي بذكر اسم الله تعالى أو صفة من صفاته

؛ والأصل فيها قول رسول الله صلى الله وعليه وسلم البينة على المدعي واليمين على من أنكر , وتكون اليمين من المدعى عليه لنفي الدعوى ضده وذلك عند عدم البينة التي تؤيد الدعوى ؛ وهي المذكورة في هذا الحديث , وتكون أحياناً من المدعي إما جبراً لنقص الشاهد وهي المذكورة في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد واليمين , وإما بناءً على طلب المدعى عليه رد اليمين على المدعي , وأحياناً تكون اليمين من حق أقوى المدعيين وهي التي تسمى عند الفقهاء يمين الاستظهار , والذي يعنينا في هذا المقال هو توجيه اليمين بأنواعه في القضايا التجارية .

لاشك أن من محاسن الشريعة مشروعية اليمين في أبواب التقاضي ؛ لأنه قد يتعذر إيجاد البينة إما لعدم وجودها أصلاً أو لفقدها أو لغيابها , وهنا يكون القاضي مضطراً إلى إخلاء سبيل المدعى عليه من الدعوى ، وفي هذه الحالة جاءت الشريعة بمزيد من الاستيثاق للحق بمشروعية اليمين بحسب الأحوال , وكم من الحقوق قد ردت لأهلها بسبب نكول من توجهت عليه اليمين ، وأما كون بعض من خفت ديانته , وضعفت تقواه , يتجرأ على اليمين لانتزاع ما ليس له بحق فلا يؤثر هذا في حسن التشريع ؛ وأنه مصلحة للعباد في العاجل والآجل .

وفي القضاء التجاري يكون الاستيثاق في الحقوق غالباً أشد منه في غيره ؛ حيث إن التاجر قد تعود على ممارسة البيع والشراء وهو في كل يوم يأخذ ويعطي ويتعاقد مع الآخرين ولهذا فهو حري بأن يستوثق لنفسه ولتعاملاته حتى لايحتاج عند وقوع الاشكاليات والنزاعات إلى طلب تحليف خصومه , ولهذا نجد أن الكثير من القضاة حينما ينظرون في المعاملات التجارية يتشددون في الإحالة على اليمين بأنواعها مراعين أن المفرط أولى بالخسارة فالتاجر الذي فرط في الاستيثاق لحقه ، فترك ما اعتاده التجار من مكاتبات أولى بالخسارة ، والذي نراه أن هذا الاتجاه مخالف للقواعد الشرعية وأصول التقاضي , وأن فيه تفريطاً في حق من حقوق المتقاضيين في استعمال ما شرعه الله عز وجل من الأيمان قبل الفصل في القضية عند وجود سببه وتحقق شروطه .

إن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( واليمين على من أنكر ) , وماثبت عنه صلى الله عليه وسلم من أنه قضى بالشاهد واليمين , وما قرره أهل العلم من ثبوت يمين الاستظهار في حق أقوى المتداعيين والتي مرجعها إلى ماجاء في أحاديث القسامة , كل ذلك من المحكم الذي لا يسوغ تركه اتكاءً على قواعد نظامية أو مصطلحات قانونية فليس ثمة أحسن حكماً من ما شرعه الله عز وجل إذا امتلأت القلوب يقيناً بالله تعالى (ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون) .

ومما يجدر التنبيه عليه أن اليمين في الشريعة يصح أن تكون عند عدم البينة مطلقاً للدعوى التي يصح سماعها , ولا يشترط فيها أن يكون مع المدعي بينة ناقصة ليصح معها توجيه اليمين إلى المدعى عليه , وبناءً عليه يتضح خطأ من يشترط لتوجيه اليمين عدم خلو الدعوى عن دليل وقد توسع بعضهم في هذا الشرط ليقرر أن تقديم المدعي لصور العقود عند فقد أصولها لا يكفي لتوجيه اليمين وهذا الاجتهاد يخالف القواعد الشرعية التي دلت على صحة توجيه اليمين بحسب الأحوال وفي جميع المنازعات المدنية والتجارية على حد سواء .

كتبه : د.سليمان بن صالح الخميس

إعادة نشر بواسطة محاماة نت