تثير الجرائم العسكرية تنازعاً محتملاً في الاختصاص بين القضاء العسكري والقضاء العادي . ويبدو هذا التنازع محسوماً لا يثير مشكلة بالنسبة للجرائم العسكرية في مفهومها الحقيقي ” الجرائم العسكرية البحتة ” اذ تختص بنظرها المحاكم العسكرية . لكن المشكلة تثور تحديداً فيما يتعلق بالجرائم العسكرية المختلطة التي تغطي صوراً متعددة كأن يرتكب عسكري احدى الجرائم العادية في قانون العقوبات والمجرمة في نفس الوقت وفقاً للقانون العسكري ، أو أن يرتكب شخص عادي فعلاً من أفعال الاشتراك أو المساهمة في جريمة عسكرية فاعلها الأصلي عسكري ، أو أن يكون المجني عليه عسكرياً في جريمة وقعت أثناء تأدية وظيفته . فلمن يكون الاختصاص الأصيل بنظر هذه الجرائم ؟ وما الحل عند تنازع الاختصاص بين محكمة عادية وأخرى عسكرية عن احدى هذه الجرائم ؟

ينعقد الاختصاص للقضاء العادي بمحاكمة ذوي الصفة العسكرية المتهمين بجرائم عادية ” مثل السرقة بالاكراه ” من غير تلك المنصوص عليها في المادة الخامسة من قانون الأحكام العسكرية أو تلك التي تقع بسبب تأدية العسكريين لوظائفهم متى وجد معهم مساهمون من غير الخاضعين لقانون الأحكام العسكرية .

والواقع أن المحكمة العسكرية هي التي تملك حسم مسألة اختصاصها بنفسها ، فالمادة 48 من قانون الأحكام العسكرية تنص على أن ” السلطات القضائية العسكرية هي وحدها التي تقرر ما اذا كان الجرم داخلاً في اختصاصها أم لا ” . وهكذا تملك المحكمة العسكرية ترجيح اختصاصها بنظر الجريمة على اختصاص المحاكم العادية ما لم يقيد القانون نفسه اختصاص هذه المحاكم العسكرية .

وهكذا يصبح المعمول عليه في تحديد الاختصاص هو قرار المحكمة العسكرية ذاتها بما يترتب على ذلك من نزع اختصاص المحكمة العادية وهو أمر ينتقده الفقه لكونه يخالف المبادئ القانونية السليمة التي تجعل محاكم القانون العام هي صاحبة الاختصاص الأصيل لكل جريمة منصوص عليها في قانون العقوبات أو القوانين المكملة له . كما يخالف ذلك الوضع نص المادة 25 من قانون المحكمة الدستورية العليا التي تجعل الفصل في تنازع الاختصاص بين جهتين قضائيتين معقوداً للمحكمة الدستورية العليا باعتبارها جهة قضائية مستقلة عنهما .

وتجدر الاشارة أخيراً الى أن المشرع قد أضفى على الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية قوة الشئ المحكوم فيه بما ينهي الدعوى الجنائية ويحول دون رفعها من جديد أمام محاكم القضاء العادي .