_ أولاً : معيار التفرقة بين الجريمة البسيطة وجريمة الاعتياد : 

الجريمة البسيطة هى تلك التي تقوم وتكتمل قانوناً ولو وقع الفعل المكون لها مرة واحدة كالقتل والتزوير والسرقة والسب … الخ . أما جريمة الاعتياد فهى التي لا تكتمل قانوناً لمجرد وقوع الفعل المكون لها مرة واحدة بل لابد من ارتكاب هذا الفعل أكثر من مرة ومثالها جريمة الاعتياد على الاقراض بفائدة تزيد عن الحد الأقصى للفائدة الممكن الاتفاق عليها قانوناً وكذلك جريمة الاعتياد على ممارسة الدعارة أو الفجور . ويمكن تلمس الفارق بين الجريمة البسيطة وجريمة الاعتياد في معيارين أولهما ظاهر يتعلق بعدد مرات وقوع الفعل ، وثانيهما خفي يعكس حكم التجريم . ووفقاً للمعيار الاول فالجريمة البسيطة لا يتطلب لقيامها قانوناً سوى وقوعها ولو لمرة واحدة بينما لا تكتمل جريمة الاعتياد الا اذا وقعت أكثر من مرة . ولم يحدد القانون عدد المرات اللازمة حتى تقوم الجريمة والرأى السائد فقهاً وقضاءً أنها تكتمل قانوناً اذا وقعت مرتين فأكثر . وثمة رأي فقهي جدير بالاتباع يرى تخويل القاضي سلطة تقديرية في تحديد عدد مرات وقوع الفعل الذي به تكتمل الجريمة قانوناً في ضوء ما يستخلصه من توافر حالة الاعتياد في الجاني . فعدد مرات الفعل ليس سوى قرينة على توافر حالة الاعتياد . أما المعيار الثاني الذي به يمكن تلمس الفارق بين الجريمة البسيطة وجريمة الاعتياد فيتمثل في حكمة التجريم : ففي الجريمة البسيطة تبدو حكمة التجريم هى خطورة الفعل في ذاته ومدى ما ينجم عنه من آثار تضر بحق المعتدي عليه كما في السرقة أو القتل أو الضرب أو التزوير أو الاغتصاب . أما في جريمة الاعتياد فان حكمة التجريم تتجلى في ” حالة الاعتياد ” التي يوجد عليها الجاني ، والتي تصبح مصدر الحطورة الحقيقية التي من أجلها يعاقب على الفعل ، وليس في الفعل ذاته . وفي عبارة أخرى فان المشرع يرى أن خطورة ” حالة الاعتياد” في الجاني تفوق بكثير الخطورة الناشئة عن الفعل ذاته حالة وقوعه مرة واحدة .

_ ثانياً : صعوبات استخلاص البناء القانوني لجريمة الاعتياد : 

ثمة صعوبات ثلاث تعترض استخلاص البناء القانوني لهذه الجريمة وأول هذه الصعوبات يتعلق بما اذا كانت جريمة الاعتياد تقوم بمجرد ارتكاب الفعل مرتين فأكثر دونما تقييد للزمن الذي يستغرقه هذان الفعلان أو هذه الأفعال ، أم أنه ينبغي اشتراط مثل هذا الزمن . وفقاً للرأى السائد فانه يجب ألا يمر بين الفعلين المكونين لحالة الاعتياد فترة من الزمن تسمح بتقادم هذه الجريمة . وبالتالي فاذا مضى بين أحد الفعلين والفعل الذي يليه مدة ثلاث سنوات وهي مدة تقادم دعاوى الجنح فانه لا يعتد بالفعل الأول ، ولا يكتمل لجريمة الاعتياد وصفها القانوني . وهذا الرأى ولو أنه مستقر في أحكام القضاء يبدو منتقداً من حيث أنه يخضع للتقادم أحد عناصر الجريمة ، اذ الفعل الواحد في جريمة الاعتياد يعتبر أحد عناصرها وذلك خلافاً لما هو مقرر من أن التقادم يسري على ” كامل الجريمة ” . ولربما كان جديراً بالاتباع ما يراه البعض من ترك هذه المسألة الى سلطة القاضي التقديرية فيكون له أن يستخلص حالة الاعتياد التي هى جوهر هذه الجريمة ، من مجمل الظروف والملابسات التي أحاطت بهذه الأفعال ويدخل من ضمنها الفترة التي مضت بين فعل وآخر .

وتتمثل الصعوبة الثانية في تحديد ذاتية الفعل المكون لحالة الاعتياد حين تقترن به بعض الظروف ، لاسيما في جريمة الاعتياد على الاقراض بربا فاحش . وقد لا تثور المشكلة حين يبرم الشخص عدة قروض لشخص واحد في نفس الوقت ، أو حين يبرم عدة عقود قرض لأشخاص مختلفين في وقت واحد . ففي الفرض الأول لا تقوم الجريمة ، وفي الفرض الثاني تقوم الجريمة . لكن المشكلة تثور حين يبرم الشخص عدة قروض لأشخاص مختلفين بمقتضى عقد واحد . فهل نكون في هذه الحالة الأخيرة بصدد فعل اقراض واحد ام أفعال اقراض متعددة تقوم بها الجريمة ؟ يرى البعض أن الأمر يتعلق هنا بفعل اقراض واحد وبالتالي لا تقوم الجريمة قانوناً . بينما يرى البعض الآخر أن الأمر وان تعلق بفعل اقراض واحد الا أنه يشكل عدة عقود قرض وبالتالى لا مناص من قيام الجريمة لاسيما متي ثبت تعدد العقود طبقاً للقانون المدني . والرأى الثاني يبدو أكثر منطقاً اذ أن الفعل المجرم يتمثل في واقعة الاقراض وهى تفرغ في عقد مدني شفاهياً كان أم كتابياً ، وبالتالي فمتي تعددت عقود الاقراض كنا بصدد وقائع اقراض متعددة تصلح لاستخلاص حالة الاعتياد .

أما الصعوبة الثالثة فتتعلق بما اذا كان يجب الاعتداد بتعدد أفعال تحصيل الفوائد الربوية الناشئة عن فعل قرض واحد أم لا . الرأى الراجح هو أن العبرة هي بوحدة أم تعدد فعل القرض في ذاته بصرف النظر عن تعدد أفعال تحصيل الفوائد الربوية . وبالتالي لا تقوم الجريمة قانوناً لتخلف الاعتياد متى كنا بصدد فعل اقراض واحد ، حتى ولو قام المقرض بتحصيل فوائده الربوية على مرات عدة . وهو رأي منطقي لان تعدد أفعال تحصيل الفوائد يعتبر من قبيل الآثار الناشئة عن فعل واحد ، وهذا الاخير وحده لا يكفي قانوناُ لقيام الجريمة .