من الوقت الذي يقلع فيه المدين عن عناده ويعمد إلى تنفيذ إلتزامه، أو يصر على عناده تبدأ مرحلة جديدة مختلفة تماما عن المرحلة السابقة تتميز باختفاء التهديد المالي كوسيلة غير مباشرة للتنفيذ العيني الجبري، ثم تقييم درجة عناد المدين، والانتقال إلى نظام التعويض (1)، ولذلك سنبحث في تحويل الغرامة التهديدية إلى تعويض نهائي، وتقدير هذا التعويض من قبل القاضي.

أولا: تحويل الغرامة التهديدية إلى تعويض نهائي

يتعين على المعني المحكوم له أن يرفع دعوى أمام محكمة الموضوع طالبا تصفية الغرامة التهديدية والحكم على المدين بتعويض نهائي يستطيع أن ينفذ به على أمواله، ويكون ذلك بعريضة افتتاحية تتضمن ملخصا عن النزاع الذي تسبب في توقيع التهديد المالي، على أن ترفق الدعوى بنسخة من الحكم أو الأمر القاضي بتلك التهديدات فضلا عن مستندات التبليغ ومحضر الإمتناع، وأن تحرك وتبلغ حسب الإجراءات المتعلقة بذلك(2) .

ثانيا: عناصر التعويض

في غالب الأحوال تقتصر مهمة القاضي على تحويل الغرامة التهديدية إلى تعويض نهائي ويراعى في ذلك بالإضافة إلى عناصر التعويض العادي، العنت وعدم الامتثال بعد الحكم عليه بالتهديد المالي (3)

أ- التعويض العادي:

ويراعى فيه ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب (4)، من جراء عدم التنفيذ إذا كان المدين قد أصر على عدم التنفيذ، أو من جراء التأخير في التنفيذ إذا كان المدين قد رجع عن عناده وقام بتنفيذ إلتزامه، وذلك طبقا للمادة 182 ق م ج(5)، وهذا ما يقال عنه التنفيذ بمقابل(6).

ب- ضرورة تقدير العنت الذي بدا من المدين :

وهو العنصر البارز في التعويض الذي يعقب التهديد المالي، بل هو العنصر الذي يخرج عن معناه المألوف إلى المعنى الذي يتفق مع فكرة التهديد المالي يجب أن يدخله القاضي عند تقدير التعويض النهائي، فيستطيع القاضي أن يزيد في التعويض مقابل الضرر الأدبي (7)، الذي أصاب الدائن من جراء عناد المدين، وٕاصراره على عدم تنفيذ إلتزامه أو تأخره المتعمد عن هذا التنفيذ(8)، ونظرا لأهمية عنصر العنت في التعويض النهائي، لقد نص عليه صراحة في المادة 175 ق م ج بقولها: ” إذا تم التنفيذ العيني وأصر المدين على رفض التنفيذ حدد القاضي مقدار التعويض الذي يلزم به المدين مراعيا في ذلك الضرر الذي أصاب الدائن والعنت الذي بدا من المدين” (9)، ويترتب على ذلك أن القاضي إذا أغفله في تقدير التعويض خضع لرقابة محكمة النقض. والغالب أن يكون هذا التعويض أقل من التهديد المالي، بل قد لا يرى القاضي وجها للحكم به لانعدام الضرر وعدم إمعان المدين في العنت، وقد يكون في بعض الحالات معادلا للغرامة التهديدية، لا سيما إذا أمعن المدين في العنت والإصرار على عدم التنفيذ، فيستبقي القاضي التهديد المالي كما هو دون أن ينقصه ولكن تتغير مع ذلك طبيعته فيتحول إلى تعويض نهائي)10)، ويجب على القاضي في هذه الحالة أن يسبب)11)، وبهذا يمكن القول أن ضرورة مراعاة عنصر العنت في تقدير التعويض أنه يعتبر معقل القوة في نظام الغرامة التهديدية وبذلك حفظ لها المشرع الجزائري فعاليتها وقوتها الرادعة بالنص عليها صراحة في المادة 175 من القانون المدني، وعليه يلزم المحكوم عليه بعد القيام بإجراءات التصفية والمراجعة، تمكين المحكوم له من تلك المبالغ التي تم القضاء بها بصفة نهائية(12) كذلك كان يسمح للمحكوم له باستعمال وسيلة أخرى للضغط على إرادة المدين عن تهديده في حريته، وهي ما تعرف بالإكراه البدني والذي تتمثل صورته الأساسية في حبس المدين القادر المماطل رغم ثبوت الدين حتى يضطر إلى الوفاء أو أن يفي عنه شخص آخر(13)، حيث كان يأخذ به القانون الجزائري عملا بالمادة 407 ق إ م، وقصره على تنفيذ الإلتزامات التجارية وقروض النقود إذا توفرت الشروط المطلوبة في المادة 408 من نفس القانون (14)، إلا أن الأمر أصبح في حكم الملغى بعد إنضمام الجزائر للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حيث تنص المادة 11 منه على أنه” لا يجوز سجن إنسان بمجرد ” عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي (15) وهذا هو موقف الفقه الحديث(16).

_______________________

1- شرف الدين محمد الكهالي: وسائل التنفيذ العيني في القانون المدني اليمني، دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي والقانون المدني المصري، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في الحقوق، جامعة القاهرة سنة 1997: ص 234.

2- عملا بالمادة 14 وبعدها من قانون الإجراءات المدنية والإدارية والمادة 12 من القانون الحالي.

3- محمد بن على النفيس: التنفيذ الجبري للالتزام ، رسالة للإحراز على دبلوم الدراسات المعمقة في القانون الخاص، كلية الحقوق 1989 ، ص 123 ، والعلوم السياسية جامعة تونس

4- سوزان عدنان: الغرامة التهديدية، بحث مقدم لنيل درجة دبلوم القانون الخاص، السنة الجامعية1993، كلية الحقوق جامعة دمشق. ص 52 . وكذلك سليمان مرقس: الوافي في شرح القانون المدني 1 في الإلتزامات المجلد في الفعل الضار والمسؤولية المدنية، الطبعة الخامسة)بدون دار الطبع)، سنة 1992 ، ص 537.

5- أنظر نص المادة 182 ف 1 من ق م ج.

6- خليل أحمد حسن قدادة: الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري، أحكام الإلتزام، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة بدون تاريخ، ص 34.

7- هذا الأساس يقول به الأستاذ عبد الرزاق السنهوري الوسيط في شرح القانون المدني، نظرية الإلتزام بوجه عام، دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان، سنة 1970 ، ص 820 ، مع العلم أن هناك من الفقه أسسه على فكرة الخطأ وجسامته، ويأتي على راسهم الأستاذ أ نور سلطان:في مؤلف رابطة الإلتزام، المكتب المصري الحديث، ) بدون مكان الطبع( طبعة ، 1968 ص 185.

8- عبد الرزاق السنهوري: المرجع السابق، ص 820.

9- هذا النص يقابل المادة 214 مدني مصري، 215 مدني سوري ، أنظر: سوزان عدنان: المرجع السابق، ص 54

10- عبد الرزاق السنهوري: المرجع السابق، ص 821 . وكذلك سوزان عدنان: المرجع السابق، ص 54

11- فالحكم الصادر بخصوص التصفية يترتب عليه ما يترتب على مختلف الأحكام من إجراءات، ومتى صار حائزا لقوة الشيء المقضي به، تعين تنفيذه حسب الإجراءات المنصوص عليها في المادة 320 إلى 406 ق إ م والتي تنظم إجراءات الحجز القضائي والبيع.

12- بهذا الصدد وجدنا أن قرار المحكمة العليا رقم 41783 الصادر بتاريخ 27 نوفمبر 1985 قد ربط بين المادتين 471 من قانون الإجراءات المدنية التي تنص على التهديد المالي، والمادة 182 من القانون المدني التي تتحدث عن عناصر التعويض، أشار إلى ذلك . سائح سنقوقة: في مرجعه السابق، ص 145

13- أحمد خليل: التنفيذ الجبري ) بدون دار الطبع و عدد الطبعة( سنة 2003 ص 10، 11.

14- انظر: عمارة بلغيث: التنفيذ الجبري وٕاشكالاته، دارسة تحليلية مقارنة لطرق التنفيذ وٕاجراءاته ومنازعاته، دار العلوم، الحجار عنابة 2004 ص ص 49ومحمد حسنين : طرق التنفيذ في قانون الإجراءات المدنية الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1982ص 29 وما بعدها.

15- إنضمت الجزائر إلى العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بموجب المرسوم الرئاسي رقم98-67 المؤرخ في 16 ماي . 1989 ، أشار إليه مروك نصرالدين: طرق التنفيذ في المواد المدنية، دار هومة للطباعة والنشر، الجزائر 2005 ، ص21.

16- – الفقه الحديث يؤصل موقفه القاضي بمنع الإكراه البدني لأجل اقتضاء حقوق مدنية على الإعتبارات التالية: 1- هذا العمل يتنافى مع الكرامة الإنسانية، لأنه لا يعقل أن يضمن جسد المدين ديونه، 2 – إعتبار منطقي مفاده أن حبس المدين تعطيل لقدرته على الكسب الذي يمكنه من خلاله أن يوفي بديونه، 3- إعتبار فني، حيث أن ا ربطة المديونية ليست علاقة بين شخصين، بقدر ما هي علاقة بين ذمتين ماليتين، ولذا فمحل ضمان الدائن ليس شخص المدين وٕانما ذمته المالية. ولمزيد من الإطلاع أنظر: طلعت محمد دويدار: طرق التنفيذ القضائي منشأة المعارف الإسكندرية )الطبعة بدون تاريخ)، ص ص 11.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .