يصحح العقد الباطل ، بأستبعاد الجزء الباطل (1). منه ،بحكم القانون ، سواء اراد المتعاقدان ذلك ام لا ،لان استبعاد ذلك الجزء في هذه الحالة ،يهدف الى تحقيق الاهداف التي اراد المشرع تحقيقها من القاعدة القانونية التي تمت مخالفتها، فالقانون يقرر وجوب إستبعاد الجزء الباطل ، للأبقاء على العقد قائماً بعد ازالة البطلان عنه، ومن ثم يكون العقد بعد تصحيحه موافقاً للنظام العام والمصلحة العامة ، التي جاء مخالفاً لها ، بينما يكون الاعتداد بأرادة المتعاقد ، المتجهة نحو البطلان الكلي للعقد ،إهداراً للهدف المقصود من القاعدة القانونية التي تقرر البطلان جزاءاً للاخلال بها(2). وعليه ، فالأفضل، المحافظة على العقد من الانهيار ، مادام إبقاؤه لايتعارض مع مايبغي المشرع تحقيقه ، بل يتفق مع تلك الاهداف ، لذا يكون التصحيح بأستبعاد الجزء الباطل منه وجوبياً، لانه يؤدي الى تحقيق مايهدف اليه المشرع ، فالمعيار القصدي يستبعد هنا، لان اعماله قد يؤدي الى أنعدام العقد عندما تتجه إرادة المتعاقدين الى البطلان الكلي للعقد بدلاً من استبعاد الجزء الباطل، وهذا يحول دون تحقيق الاهداف التي قصد المشرع تحقيقها من القاعدة القانونية التي تحمي النظام العام ، والتي جاء العقد مخالفاً لها ، وعليه يجب تصحيح هذا العقد بغض النظر عما تتجه اليه إرادة المتعاقدين (3).

ومن تطبيقات هذا التصحيح ، حالة الاتفاق على فوائد تزيد على النسب المقررة في القانون المدني ، فلا يمكن للاطراف الاتفاق على سعر للفائدة يتجاوز 7% ، والإ وجب تخفيضها الى هذا الحد ، وتصحيح العقد يتم عن طريق استبعاد الجزء الزائد عن 7% دون الأخذ بنظر الأعتبار ماتتجه اليه إرادة المتعاقدين لان الاتفاق يخالف النظام العام وتخفيضها الى الحد القانوني ، يجعل العقد موافقاً للقانون والنظام العام ، بحيث يحقق الغاية التي أراد المشرع تحقيقها من وراء هذا التحديد (4). ويطبق الحكم نفسه في حالة الاتفاق على اعطاء الدائن عمولة أو منفعه تزيد هي والفائدة المتفق عليها على الحد القانوني ، إذ يجب تخفيضها ، اذا ثبت بأن هذه العمولة أو المنفعة التي إشترطها الدائن ، لاتقابلها خدمة حقيقية يكون الدائن قد أداها ولا منفعة مشروعة(5) . فهذا التصحيح يتم بأستبعاد جزء من العقد وهو الجزء الزائد عن7% ، والأبقاء على العقد بأجزائه الاخرى ، لذا لانتفق مع من يرى(6). أن ذلك الأستبعاد يدخل ضمن سلطةُ القاضي في تعديل العقد ، ونرى بأن ذلك لايعد تعديلا ً للعقد لان التعديل لايرد إلا على عقد صحيح ليعيد التوازن العقدي بين الطرفين ، فلا يقع الا من قبل القاضي ، بينما التصحيح يأتي لانقاذ العقد من البطلان بأستبعاد الجزء الباطل منه ، ويقع في هذه الحالة ، بحكم القانون ، دون ان تكون للقاضي سلطة تقديرية في ذلك ، لذا فأن استبعاد الباطل يؤدي الى انقاذ العقد من البطلان ، وتصحيحه(7).

ومن جهة أخرى، لانتفق مع من يرى(8). أن ذلك الاستبعاد يعد من تطبيقات انتقاص العقد الباطل . ونرى أن شروط الانتقاص لم تتوافر جميعها في هذه الحالة ، فأستبعاد الجزء الباطل يتم على الرغم من جوهرية ذلك الجزء لمن إشترطه. وكذلك ، تعد من تطبيقات استبعاد الجزء الباطل بحكم القانون ،(( جميع النصوص التشريعية التي تفرض سعراً اجبارياً بالنسبة لبعض السلع فأن ما يهدف المشرع الى تحقيقه بتدخله هذا لايتأتى الا مع انقاص التصرف في حالة مخالفة هذه النصوص ، اما لو ترك الأمر للمعيار القصدي ، فقد يُفرض البطلان الكامل للتصرف ، وهذا يتعارض مع ما اراد المشرع تحقيقه من حماية لافراد المجتمع ، وكذلك يتدخل المشرع ليفرض حماية خاصة لبعض فئات المجتمع من عمال ومستأجرين فيضع حداً ادنى لاجور العمال ،وحداً أقصى لأيجار المساكن والأراضي الزراعية ، لا يجوز مخالفته ، فلو أطلق المعيار القصدي مع هذه النصوص ، لكان البطلان للعقد هو الحال الغالب أو الدائم مع هذا المعيار ، ولأن هذا ليس ما يبتغيه المشرع فيتعين ترك المعيار القصدي وافساح المجال لمعيار النظام العام الذي يفَرض الانقاص الحتمي لتحقيق السياسة التشريعية التي يهدف المشرع الى تحقيقها ))(9). فقد يلجأ المشرع الى إخضاع بعض السلع لنظام التسعير الجبري ، عندها لايمكن للافراد الاتفاق على اسعار تزيد عما حدده المشرع ، لان التسعير الجبري يعد من مسائل النظام العام ، ولأن مثل هذا الاتفاق يؤدي الى إهدار الهدف الذي اراد المشرع تحقيقه من وراء القاعدة القانونية التي تحدد سعر لبعض السلع(10). فتصحيح العقد ، في هذه الحالة ، يؤدي الى الأبقاء على العقد ، وهذا ما يهدف اليه المشرع من القاعدة القانونية التي تمت مخالفتها ، وهذا الهدف لايمكن تحقيقه ، على وفق القواعد العامة للبطلان ، التي بموجبها يعاد المتعاقدان الى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد ، فيلتزم المشتري برد المال المبيع، مما قد يجعله يفضل عدم التمسك بالبطلان والقبول بالثمن الذي يزيد على السعر المحدد قانوناً ، وبذلك تتم مساندة مواقف غير مشروعة وإستمرارها بشكل مخالف للقانون ، بينما في تصحيح العقد بأنقاص الثمن الى السعر المحدد قانوناً ، يسمح للمشتري بالأبقاء على العقد على وفق التسعيرة الجبرية كما إن من شأنه عدم تشجيع الخروج عن تلك التسعيرة(11).

علاوة على ذلك ، فأن تصحيح العقد لايترتب عليه إعادة المبيع الى البائع ، الذي قد يكرر التعامل غير المشروع مرة اخرى ، على المال عينه محل العقد المقضي ببطلانه ، وذلك عن طريق التعاقد مع مشترٍ جديد ، بينما يمكن حصول ذلك على وفق الآثار المترتبة على البطلان. وعليه، فأن استبعاد الجزء الباطل من العقد بحكم القانون ، يحقق مزايا لا يمكن تحقيقها على وفق القواعد العامة في البطلان(12). ومن تطبيقات تصحيح العقد الباطل في مجال التأمينات العينية ، شرط تملك المرهون عند عدم الوفاء ، وهذا التطبيق مجاله حق الرهن التأميني وحق الرهن الحيازي ، وهذه الحقوق تنشأ من العقد ، فأذا أشترط الدائن المرتهن على الراهن أن يتملك المال المرهون تسوية للدين فهذا الشرط ينقل للدائن المرتهن ملكية المرهون في حالة عدم وفاء المدين للدين المضمون ، فمثل هذا الشرط يقع باطلاً بموجب المادة (1301) من قانوننا المدني والمادة (1052) من القانون المدني المصري ، والمادة (2087) من القانون المدني الفرنسي المتعلقة بالرهن الحيازي الوارد على عقار . (( والحكمة من بطلان هذا الشرط هي حماية الراهن ، فقد خشي المشرع أن يستغل الدائن حاجة المدين الى النقود فيشترط عليه أن يصبح المال المرهون ملكاً له بمجرد عدم الوفاء عند حلوله ، سواء كان ذلك نظير الدين أم كان نظير ثمن أعلى من قيمة الدين فيضطر المدين تحت تأثير ظروفه الى قبول هذا الشرط ، لذا يكون شرط تملك المرهون عند عدم الوفاء باطل لمخالفته للنظام العام ولايتبع بطلان هذا الشرط ،بطلان عقد الرهن الذي يقترن به ، وإنما يلغوا الشرط ويبقى الرهن صحيحاً )) (13).

وكذلك يعد من تطبيقات تصحيح العقد ، بأستبعاد الجزء الباطل منه ، دون الأخذ بالمعيار القصدي ، ماتضمنته الفقرة الثانية من المادة (146) من قانوننا المدني (14)، إذ عدّت الأحكام الواردة في هذه الفقرة ، والمتعلقة بنظرية الظروف الطارئة ، من النظام العام ،فكل إتفاق يتضمنه العقد على خلاف تلك الاحكام ، يُعد باطلاً ، ولكن هذا البطلان لايؤثر على العقد ، حيث يُستبعد الجزء الباطل منه ، بحكم القانون ، حتى لو كان هذا الاتفاق جوهرياً في نظر الدائن ، فأذا اتفق المتعاقدان عند إبرام العقد على انه إذا أصبح تنفيذ الالتزام مرهقاً للمدين ، لايمكن للأخير أن يلجأ الى القضاء طالباً انقاص الالتزام المرهق ، كان ذلك الاتفاق باطلاً لوحده لمخالفته النظام العام ، ويبقى العقد صحيحاً ، إذ يجوز للمدين عند توافر شروط نظرية الظروف الطارئة ، طلب إنقاص التزامه المرهق الى الحد المعقول(15). وكذلك ، نكون أمام تصحيح للعقد بأستبعاد الجزء الباطل منه ، بحكم القانون ، وذلك في الفقرة الثانية من المادة (170) من قانوننا المدني (16)، فقد تضمنت هذه الفقرة ، بطلان الاتفاق المسبق على حرمان القاضي من سلطته بالاعفاء أو التخفيض من التعويض الاتفاقي ،إلا ان هذا البطلان لايمتد الى العقد ، وإنما يستبعد الجزء الباطل من العقد ، بحكم القانون ، لمخالفته للنظام العام ، حتى لو كان ذلك الجزء جوهرياً بنظر الدائن ، فلو أقترن العقد بشرط يقضي استحقاق التعويض الاتفاقي كاملاً ، حتى لو قام المدين بتنفيذ التزامه تنفيذاً جزئياً ، يبطل ذلك الشرط لوحده لمخالفته للنظام العام ، ويبقى للقاضي سلطة تخفيض التعويض الاتفاقي ، ذلك لان بقاء العقد وفقاً لذلك ، يحقق الغاية التي قصدها المشرع من حماية الطرف الضعيف في تلك العلاقة العقدية ، عن طريق استبعاد الجزء الباطل المخالف للنظام العام(17).

من جهة أخرى ، يبطل كل اتفاق يمنع القاضي من تعديل الشروط التعسفية التي يقترن بها عقد الاذعان ، فلو اقترن عقد الاذعان بشرط يقضي بحرمان القاضي من سلطة التعديل ، فالشرط باطل لوحده لمخالفته النظام العام ، ويبقى عقد الاذعان قائماً مع اسقاط الشرط الباطل ، على الرغم من جوهرية الأخير بنظر من اشترطه(18). ويطبق تصحيح العقد ، بأسقاط ما بطل منه ،في حالة بطلان الشرط الذي يقضي بأعفاء المدين من المسؤولية العقدية الناشئة عن غشه أو خطأه الجسيم ، ويقع هذا التصحيح طبقاً للمادة(259/ف2) من قانوننا المدني(19) ، فأذا اشترط المدين عدم مسؤوليته عن غشه أو خطأه الجسيم ، فالشرط باطل والعقد صحيح ، ويستبعد الشرط لوحده لكونه يخالف النظام العام ، على الرغم من جوهرية هذا الشرط بالنسبة للمدين(20). ويهدف المشرع من وراء هذا التصحيح ، الى حماية الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية ، لذا فالأمر يستوجب استبعاد الشرط الباطل ، والأبقاء على العقد لضمان عدم إهدار تلك الحماية ، حتى لو كان هذا الشرط دافعاً جوهرياً للمشترط(21). وتطبق الاحكام ذاتها في حالة اشتراط البائع براءته من العيوب الخفية وتعمده اخفاء هذه العيوب ، فيصحح عقد البيع بأسقاط الشرط لوحده، ويبقى البائع ملتزماً بضمان العيوب الخفية(22). وكذلك اذا اقترن عقد الايجار بشرط يمنع أي من الطرفين انهاء الايجار بعد مضي ثلاثين سنة على انعقاده ، فأن الشرط المذكور يعد باطلاً لمخالفته للنظام العام ، ولكن عقد الايجار لايبطل لمجرد احتوائه على ذلك الشرط ، وانما يستبعد الشرط ويبقى العقد طبقاً للفقرة (1) من المادة (740) من قانوننا المدني ((….ويكون باطلاً كل اتفاق يقضي بغير ذلك))(23).

ومن جانب آخر ، إن الاحكام التي جاء بها قانون الايجار رقم (56) لسنة 2000، قانون التعديل السادس لقانون ايجار العقار رقم (87) لسنة 1979 المتعلقة بتحديد الأجرة بنسب معينة، تعد من النظام العام ، فلا يمكن تجاوز هذه النسب(24). وعليه ، يعد الاتفاق باطلاً فيما زاد على تلك النسب ، إذ تخفض الى الحد القانوني ، ويستبعد الجزء الزائد عن ذلك الحد ، ويبقى عقد الايجار قائماً ، بالرغم من اتجاه ارادة المؤجر الى ابرام العقد بأكثر من النسب المحددة قانوناً ، وانه ما كان ليبرم العقد الا على وفق ذلك، فالتقييد القانوني للأجرة يعد أمراً متعلقاً بالنظام العام ، وإن إنقاصها الى الحد المقرر قانوناً يؤدي الى تحقيق الهدف الذي أراده المشرع من وراء هذا التحديد ، لان الأخذ بالمعيار القصدي سيقضي على الغاية التي من أجلها تدخل المشرع ، ووضع حداً أقصى للأجرة(25). علاوة على ذلك ، فأن بطلان العقد كلياً ، عند الأخذ بأرادة المؤجر يؤدي الى عودة العين المستأجرة الى مالكها ، مما قد يدفع المستأجر الى القبول بالأجرة المخالفة للقانون ليتجنب ذلك ، وهو بحاجة الى الانتفاع بتلك العين ، فيدفعه ذلك الى عدم الشكوى من مخالفة التقييد القانوني للأجرة ، وهذا يتنافى مع الحكمة من أصدار هذا التشريع ، وهو تحقيق التوازن بين طرفي عقد الايجار بنظرة عادلة تقوم على أساس المساواة ، ومراعاة الظروف الاجتماعية والاقتصادية(26).

وعلاوة على كل ما تقدم ، يعد عقد العمل مجالاً لتصحيح العقد بأستبعاد الجزء الباطل منه بحكم القانون ، دون الاتجاه الى إرادة المتعاقدين . فالصفة الآمرة التي تتصف بها قواعد القانون المتعلقة بالعمل(27). جاءت لحماية الطرف الضعيف في تلك العلاقة العقدية ، وهو العامل ، فما جاءت به تلك القواعد يمثل الحد الأدنى لحقوق العامل ، لذا يقع باطلاً كل مصالحة أو ابراء أو تنازل عن الحقوق المقررة للعامل بموجب احكام قانون العمل ، خلال مدة قيام علاقة العمل، وحتى انقضاء ستة اشهر على انتهائها ، وهذا يعني بقاء عقد العمل صحيحاً ، باستبعاد كل إتفاق يتضمن ذلك(28). فاذا اقترن عقد العمل بشرط يخالف احكام القانون ، يعد ذلك الشرط باطلاً ، لمخالفته للنظام العام ، إلا ان هذا لايؤدي الى بطلان العقد بأكمله ، لان البطلان الكلي يترتب عليه اهدار الحماية التي اراد المشرع تحقيقها للعامل ، لذا يكون الحل الذي يتفق مع العدالة ولايتعارض مع القانون ويؤدي الى تحقيق الاهداف التي اراد المشرع تحقيقها من القواعد القانونية التي تمت مخالفتها ، هو تصحيح عقد العمل بأسقاط الجزء الباطل منه ، والأبقاء عليه حتى لو كان ذلك الجزء دافعاً للتعاقد بالنسبة لرب العمل(29). كما في إستبعاد الجزء الباطل من المدة المتفق عليها بموجب شروط عدم المنافسة ، حيث يقتصر البطلان على ما يتجاوز المدة اللازمة لحماية مصالح رب العمل ، حتى لو كان ذلك دافعاً للتعاقد بنظر رب العمل ، ويبقى عقد العمل قائماً مرتباً لآثاره (30). وقد عرف الفقه الاسلامي ، تصحيح العقد بأستبعاد الجزء الباطل منه دون الاعتماد على ارادة المتعاقدين ، وذلك عن طريق انتقاص العقد الباطل ، الذي يتم على أساس موضوعي مهملاً ارادة المتعاقدين ، بشرط امكانية تجزئة العقد ، وتسمية الثمن لكل جزء منه ،إذ يبقى العقد صحيحاً بعد اسقاط الجزء الباطل منه ، لأنه ليس ابطاله في الأثنين لبطلانه في احدهما ، بأولى من تصحيحه فيهما لصحته في احدهما(31) .وكذلك في مجال الشروط الفاسدة المقترنة بالعقد ، فأذا لم يكن في الشرط منفعة لأحد المتعاقدين ، فأنه يمكن تصحيح العقد المقترن به ، وذلك بأسقاط الشرط لوحده والأبقاء على العقد قائماً ، سواء أكان العقد معاوضة أم تبرع ، وكذلك اذا كان الشرط فيه منفعة لأحد المتعاقدين ، وكان العقد من عقود التبرع ، يصحح العقد ويسقط الشرط لوحده(32).

يتضح من التطبيقات المتقدمة ، بأن تصحيح العقد يتحقق بأسقاط الجزء الباطل من العقد ، دون الاعتماد على ارادة المتعاقدين ، لذا يكون التصحيح في هذه الحالة مطلقاً غير مقيد بالمعيار القصدي ، بمعنى ان المصير الوحيد لهذا العقد هو تصحيحه بأسقاط ما بطل منه ، وبذلك يختلف عن تصحيح العقد بأنتقاصه ، الذي يستبعد فيه الجزء الباطل عندما تتجه ارادة المتعاقدين الى ذلك ، ومن ثم لايحصل تصحيح العقد ، اذا كان الجزء الباطل جوهرياً أو دافعاً للتعاقد ، عندها يبتعد المشرع -في انتقاص العقد- عن التصحيح ويقترب من البطلان ، ما دامت هناك امكانية لبطلان العقد.بينما في تصحيح العقد بأستبعاد الجزء الباطل منه دون الأخذ بالمعيار القصدي ، لايمكن ان نكون امام بطلان العقد ، وانما يتحقق تصحيحه بصورة مطلقة ،اذا أمكن تجزئة العقد من الناحية الموضوعية ، فلا يعتد بجوهرية الجزء الباطل ، وإنما يتحقق التصحيح في كل الأحوال ، إذ يقع إستبعاد ذلك الجزء بحكم القانون ، لذا يمكن أن يوصف هذا التصحيح بأنه تصحيح تشريعي إجباري للعقد الباطل(33). ليس لارادة المتعاقدين دخل في وقوعه ،لان البطلان الكلي للعقد يتعارض مع الغاية التي أراد المشرع تحقيقها من وراء القاعدة القانونية التي تمت مخالفتها ، بينما يكون الأمر مختلفاً ، مع تطبيقات أخرى لتصحيح العقد ،لايتحقق التصحيح فيها ، الا إذا اتجهت أرادة الطرفين الى ذلك ، أي يكون التصحيح فيها إختيارياً وليس إجبارياً….. .

______________________

1- ويعد إستبعاد الشرط الباطل ،تغييراً في عنصر من عناصر العقد ،فأذا كان الشرط تقييدياً ، فأنه جزءاً من العقد ، واستبعاده يؤدي الى إنقاذ الاجزاء الاخرى من البطلان ، واما اذا كان تعليقياً، فأن بطلانه يؤثر في العقد ،فقد يكون مبطلاً للعقد ولايصحح العقد ، وقد يتم انقاذ العقد من البطلان بأنتقاصه وتصحيحه ، .

انظر في هذا ،د. عبد العزيز المرسي حمود : نظرية إنقاص التصرف القانوني في القانون المدني المصري ” دراسة تحليلية وتأصيلية مقارنة ” /رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق / جامعة عين شمس / 1988/ ص99 ومابعدها ، د. ابراهيم الدسوقي ابو الليل / مجال وشروط انقاص التصرفات القانونية / مجلة الحقوق الكويتية / السنة الاولى/ العدد الثاني/1987 / ص38، د. فؤاد محمود معوض : دور القاضي في تعديل العقد / دراسة تحليلية وتأصيلية في الفقه الاسلامي والقانون الوضعي/ الاسكندرية/دارالجامعة الجديدة للنشر /2004ص 334 .

2- اما اذا كان الابقاء على العقد يتعارض مع الاهداف التي يبغي المشرع تحقيقيها ، فلا يمكن تصحيح هذا العقد ، بل يتقرر بطلانه كلياً، فمقتضيات النظام العام والمصلحة العامة تقتضي أنعدام العقد .

أنظر في هذا المعنى د. إسماعيل غانم : في النظرية العامة للالتزام /مصادر الالتزام / مكتبة عبد الله وهبة/القاهرة/1966ص296،د. ابراهيم الدسوقي أبو الليل / البطلان الجزئي للعقود والتصرفات القانونية / ص231، 237.وانظر في الفقه الفرنسي

MARTY et RAYNAUD ،op. cit ،p.233.

3- وقد اتجه الى ذلك صراحة ،قرار محكمة تمييز العراق رقم 2675/ مدنية رابعة / 1976 في 27/9/1977 ، المنشور في مجموعة الاحكام العدلية/ العدد الثالث والرابع /سنة 1977 /ص 51، إذ تضمن بطلان الشرط المخالف للنظام العام دون الاعتداد بأرادة المتعاقدين . وبالاتجاه نفسه ،قرار محكمة النقض المصرية /2106 في 28/4/1985 السنة 51 ق/منشور في مجموعة احكام محكمة النقض / الجزء الثاني / طبع 1990 /ص146.

4- انظر المادة 172/ف 1 من قانوننا المدني ، والمادة 227 /ف 1 من القانون المدني المصري.

5- انظر المادة (127/ف 2 )من قانوننا المدني والمادة (227/ف2 )من القانون المدني المصري . وعليه نقترح أن تستبدل عبارة ( وتكون قابلة للتخفيض ) الواردة في هاتين الفقرتين ، بعبارة ( ويجب تخفيضها) لاننا نعتقد بأن العبارة الاولى ، قد توحي بأمكانية الأبقاء على العقد دون تخفيض سعر الفائدة الى الحد الأقصى المقرر قانوناً ، وهذا لايتناسب مع ماقصده المشرع .

6- انظر في هذا الرأي ،د.عزت حنورة / سلطة القاضي في نقض المعاملات /خال مكان النشر 1994/ص 333 .

7- وفي هذا نتفق مع الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني الجديد / نظرية الالتزام بوجه عام / الجزء الاول/ القاهرة/ مطبعة جرينبرغ /1952/ص501 /هامش (2) ، د. عبد العزيز المرسي حمود/مصدر سابق/ص17-18، د. إبراهيم الدسوقي أبو الليل : المفهوم القانوني لأنقاص التصرفات القانونية / مجلة الحقوق الكويتية / السنة الاولى/ العدد الثاني / 1987 /ص116، د. صاحب عبيد الفتلاوي : تحول العقد في ضوء متطلبات التحول الاشتراكي / رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية القانون /جامعة بغداد/ مسحوبه على آلة الرونيو /1986/ص197.

8- ومن هؤلاء : د. عبد المنعم فرج الصدة / نظرية العقد في قوانين البلادالعربية /مكتبة المحكمة العليا /بدون سنة طبع /ص437/كذلك مؤلفه في مصادر الالتزام / مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي / القاهرة /1960/ص304، د. غني حسون طه / الوجيز في النظرية العامة للالتزام / الكتاب الاول/ مصادر الالتزام /مطبعة المعارف/بغداد/1973/ص297، د. سمير عبد السيد تناغو: مصادر الالتزام/القاهرة/1999-2000/ص94.

9- د. ابراهيم الدسوقي ابو الليل /البطلان الجزئي للعقود والتصرفات القانونية /مصدر سابق/ص238-239، وانظر في هذا الصدد /قرار محكمة النقض المصرية /رقم 7448 في14/4/1994 /السنة 63 ق/منشور في مجموعة احكام النقض /س54/جـ1/ص709 ومابعدها.

10- انظر المادة ( 130/ف2) من القانون المدني العراقي ، وقد عدت محكمة تمييز العراق مخالفة التسعير الجبري مخالفة للنظام العام ، ويجب التقيد بالسعر المحدد قانوناً ، وذلك في قرار رقم (581)/مدنية ثالثة /1975 في 29/1/1976 منشور في مجموعة الاحكام العدلية /عدد 1/السنة 7/لسنة 1976/ص69-70.

11- د. محمد عبد الظاهر حسين :الدور المنشيء للقاضي في أطار الروابط العقدية /القاهرة/دار النهضةالعربية/2000/ص140، وقد أشار الى قرارات قضائية فرنسية تؤيد تصحيح عقد البيع وفقاً للسعر المحدد قانوناً وليس بطلانه كلياً ، ومنها:

– Cass ،comm. ، 19-12-1983 ،Bull IV ،No 354.

– Cass civ ، 3e me 19-3-1969 ، Bull III ، No 241.

12- د. محمد شكري سرور /شرح احكام عقد البيع /الطبعة الثامنة /دار النهضة /القاهرة /1998/ص173، د. عادل حسن علي السيد /احكام انقاص العقد الباطل /مكتبة زهراء الشرق للطباعة والنشر /1998/ص157-158، د. مصطفى الجمال : النظرية العامة للألتزامات /القاهرة /الدار الجامعية للنشر والتوزيع /1987ص189-190،د. عبد العزيز المرسي حمود /المصدر السابق/ص255.

13- الاستاذ المساعد محمد طه البشير ، د. غني حسون طه /الحقوق العينية التبعية /جـ2/بغداد /1982/ص429-430 ،والى هذا الرأي ذهب الدكتور عبد العزيز المرسي حمود /رسالته في إنقاص التصرف القانوني /مصدر سابق /ص88….. وعلى هذا يصُحح عقد الرهن بحكم القانون دون الأعتداد بما تتجه إليه ارادة المرتهن ، لذا لانتفق مع مَنْ يرى بأن ذلك التصحيح يعتمد على جوهرية الشرط بنظر المتعاقدين . ومن هؤلاء ، د. ابراهيم الدسوقي أبو الليل /البطلان الجزئي للعقود مصدر سابق /ص133 ، ندى عبد الكاظم حسين : نظرية انتقاص العقد/رسالة ماجستير /مقدمة الى كلية الحقوق بجامعة النهرين /2000/ص102 ، د. عصام انور سليم مصدر سابق /ص354.

14- فقد جاء فيها ((…جاز للمحكمة بعد الموازنة بين مصلحة الطرفين ، ان تنقص الالتزام المرهق الى الحد المعقول ان اقتضت العدالة ذلك ، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك ))وتقابلها في القانون المدني المصري ، المادة (147/ف2) منه.

15- انظر في ذلك ، د. عبد المجيد الحكيم : الموجز في شرح القانون المدني/الجزء الاول/مصادر الالتزام /الطبعة الخامسة / مطبعة نديم/بغداد/1977/ص397.

16- فقد نصت هذه الفقرة على انه (( ولايكون التعويض الاتفاقي مستحقاً اذا اثبت المدين ان الدائن لم يلحقه أي ضرر ويجوز تخفيضه اذا اثبت المدين ان التقدير كان فادحاً أو ان الألتزام الاصلي قد نفذ في جزء منه ، ويقع باطلاً كل اتفاق يخالف احكام هذه الفقرة )) وتقابلها المادة (224) من القانون المدني المصري بفقراتها الثلاث .

17- انظر في ذلك ،د. عزت حنورة : سلطة القاضي في نقض المعاملات /خال من مكان النشر/1994/ص332، د. محمد صبري السعدي: شرح القانون المدني الجزائري/النظرية العامة للالتزامات / مصادر الالتزام /الطبعة الاولى/1986/ص289-290 ، د. عبد العزيز المرسي حمود/مصدر سابق /ص247.

18- انظر في ذلك ، د. عبد المجيد الحكيم ، الموجز في مصادر الالتزام/مصدر سابق ص88 ، وانظر كذلك نص المادة (167/فقرة 2) من قانوننا المدني حيث جاء فيها (( اذا تم العقد بطريق الاذعان وكان قد تضمن شروطاً تعسفية جاز للمحكمة ان تعدل هذه الشروط او تعفي الطرف المذعن منها وذلك وفقاً لما تقضي به العدالة، ويقع باطلاً كل أتفاق على خلاف ذلك )) وهذه الفقرة قد تضمنتها المادة (149) من القانون المدني المصري .

19- وتقابلها المادة (217/ف2) من القانون المدني المصري .

20- انظر في ذلك د. عبد المجيد الحكيم /الموجز في مصادر الالتزام /مصدر سابق /ص418 .

21- د. عبد العزيز المرسي حمود /مصدر سابق/ص98.

22- انظر المادة (568/ف2) من قانوننا المدني ، وانظر في هذا المعنى ،د.غني حسون طه/الوجيز في العقود المسماة/عقد البيع/مطبعة المعارف /بغداد/1970/ص328.

23- انظر في هذا الدكتور سعيد مبارك /استاذنا الدكتور طه ملا حويش ،الدكتور صاحب الفتلاوي /الموجز في العقود المسماة /البيع والايجار والمقاولة/جامعة بغداد/1993/ص249.

24- وقد جاء في المادة (4) من هذا القانون ، الفقرة الاولى منها (( 1- لاتزيد الاجرة السنوية للعقارات المشمولة بأحكام القانون وعلى النسبتين الاتيتين أ- (5%) خمس من المئة من القيمة الكلية في العقارات او الشقق المعدة للسكنى المؤجرة لهذا الغرض .ب- (7%) سبع من المئة من القيمة الكلية في العقارات او الشقق المؤجرة على شكل غرف للسكنى)). وهذا ماأكده صراحة /قرار صادر من محكمة استئناف نينوى بصفتها التمييزية ، إذ عدّ تلك الاحكام من النظام العام ، ولايجوز الاتفاق على خلافها . قرار رقم 829 /ب/1999منشور في مجلة العدالة /تصدرها وزارة العدل العراقية /العدد الاول/2000/بغداد /ص 154 .

25- وقد ذهب الى هذا ، الاستاذ الدكتور جعفر الفضلي : الوجيز في العقود المدنية /دراسة في ضوء التطور القانوني ومعززة بالقرارات القضائية/ جامعة الموصل/1989/ص231 . وكذلك الدكتور سعدون العامري /الوجيز في العقود المسماة /عقدي البيع والايجار /1974/ص311. وقد أيد هذا الاتجاه قرار محكمة استئناف صلاح الدين بصفتها التمييزية /رقم 37/حقوقية/2002 بتاريخ 5/5/2002منشور في مجلة العدالة العراقية/العدد الثالث/2002/ص80.اما في القانون المصري، فأن استبعاد الجزء الباطل ، جاء تطبيقاً للمادة (6) من قانون الايجار رقم (121) لسنة 1947 التي سبق ذكرها . والتي بموجبها يُجَبر المؤجر برد ماحصل زائداً على الاجرة المستحقة قانوناً ، دون مساس بالعقد ، وهذا ماأيده بصورة واضحة ، قرار محكمة النقض رقم (1216) في 24/5/1966 /مجموعة احكام النقض /س17/ص167.ومن جانب آخر ، يصحح عقد الايجار وفقاً للمادة (6) من قانون الايجار المصري رقم (136) لسنة 1981 ، التي تجيز تقاضي مقدم ايجار في حدود سنتين ، وعليه ،يلتزم المستأجر بدفع مقدم الأيجار في حدود السنتين ، ويبطل فيما جاوز ذلك ، دون الاعتماد على ارادة المتعاقدين .

وقد أيد الاحكام المتقدمة ،جانب كبير من الفقه ، ومن هؤلاء الفقهاء ، د. محمد عبد الظاهر حسين /مصدر سابق /ص124، د. عبد العزيز المرسي حمود /مصدر سابق/ص68، د. صالح ناصر العتيبي : فكرة الجوهرية في العلاقة العقدية /-دراسة مقارنة-/رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق بجامعة عين شمس/ الطبعة الاولى/2001/ص137 ومابعدها ، د. ابراهيم الدسوقي /البطلان الجزئي للعقود والتصرفات القانونية /مصدر سابق/ص231/مصر/1956/ص8، د. عبد المنعم البدراوي /عقد الايجار /مصر/1956/ص8.نقلاً عن د. عادل حسن علي السيد : أحكام إنقاص العقد الباطل / مكتبة زهراء الشرق للطباعة والنشر / 1998/ص176.

26- انظر في ذلك الاسباب الموجبة لاصدار قانون (56) لسنة 2000 قانون تعديل قانون ايجار العقار رقم (87) لسنة 1979.

27- في قانون العمل رقم (71) لسنة 1987 بالاضافة الى ما جاءت به القواعد المقررة في قانوننا المدني في المواد 900-926.

28- انظر المادة (11) من قانون العمل رقم (71) لسنة 1987.

29- استاذنا الدكتور محمد علي الطائي /التكييف القانوني لمركز العامل في نطاق علاقات العمل /بحث منشور في مجلة العدالة /تصدرها وزارة العدل /ع1/السنة الثانية /2000/ص75-76 . وانظر كذلك د. محمد لبيب شنب /شرح قانون العمل /ط4/1983/ص27،نقلاً عن د. عادل حسن علي السيد /مصدر سابق/ص160.

30- انظر في ذلك ، الدكتور صالح ناصر العتيبي /مصدر سابق/ص135،د. عادل حسن علي السيد/ص183.

31- المهذب للشيرازي في فقه الامام الشافعي /أبي اسحاق ابراهيم بن علي بن يوسف الفيروز أبادي الشيرازي /ت 476هـ /ج1/دار الفكر العربي /بيروت /ص269 /الوسيلة الى نيل الفضيلة /الفقيه عماد الدين محمد بن علي بن حمزة الطوسي /ت460 هـ/مطبعة الاداب /النجف/1399هـ/ص284.

32- أنظر تفصيل ذلك في د. عبد الرزاق احمد السنهوري : مصادر الحق في الفقه الاسلامي / الجزء الثالث من العقد / دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع /ص130 ومابعدها ، وقد اشار الدكتور السنهوري في مصادر الحق /جـ3/ص158 ،الى رأي فقهاء المالكية بهذا الصدد (( ان الشرط الفاسد يبطل هو وحده ويبقى العقد ،فيبدو ان ذلك يقع اذا ناقض الشرط مقتضى العقد ولكن العقد لايختل اذا أعمل الشرط ، فما دام العقد لايختل بالشرط أو بدونه فأنه يبقى ، اما الشرط فيسقط لانه شرط فاسد يناقض مقتضى العقد ، فهو أقرب الى أن يكون مخالفاً للنظام العام ، في لغة الفقه الغربي )).

33- وفي هذا الشأن ، نقول ،بأن هذا يعد تصحيحاً تشريعياً للعقد ، وليس للشرط المقترن به ، لان الشرط لم يُصَحَحْ وكل مافي الأمر انه قد أُستبعد وأُسقط من العقد . لذا تزول صفة البطلان عن العقد وليس عن الشرط ، فالأخير أستبعد لكونه باطلاً ، فيسقط الشرط الذي هو سبب البطلان ، ويصحح العقد.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .