تعريف :

الحيازة ، أو وضع اليد ، سلطة واقعية يمارسها الحائز على شيء بحيث تتفق في مظهرها الخارجي وفي قصد الحائز مع مزاولة حق الملكية أو أي حق عيني آخر وان لم تستند هذه السلطة إلى حق يعترف به القانون (1). وقد عرفت المادة 1145 ف1 من القانون المدني العراقي الحيازة بأنها ” وضع مادي به يسيطر الشخص بنفسه او بالواسطة سيطرة فعلية على شيء يجوز التعامل فيه أو يستعمل بالفعل حقاً من الحقوق”. فيتضح اذن ان الحيازة بمعناها القانوني مجرد وضع واقعي ينطوي على مباشرة الحائز سلطة فعلية على الشيء. سواء كانت هذه السلطة مستندة إلى حق أو لا تستند إلى أي حق . وإذا كان الغالب أن يكون الحائز هو صاحب الحق على الشيء ، وذلك حين يكون الشيء في يد من يملكه او من يكون له حق عيني آخر عليه ، فإن وجود هذا الحق ليس لازماً لوجود الحيازة فالسارق أو الغاصب أو من يعتقد خلافاً للواقع انه صاحب الحق يعتبر حائزاً ما دام يمارس على الشيء سلطة فعلية ، ظاهراً عليه بمظهر المالك أو صاحب حق عيني آخر. ومن هنا يظهر ان الحيازة وهي سلطة فعلية ، والملكية ، وهي سلطة قانونية ظاهرتان مستقلة احدهما عن الاخرى . وقد حاول الفقهاء منذ عهد الرومان التقريب بين هاتين الطاهرتين ، بحيث جعلوا السلطة القانونية تابعة للسلطة الفعلية حتى أنها لا تكون محمية إلا بسببها ، وهذا هو ما حدا بالقانون المدني الفرنسي أن يجعل الحيازة ذات صلة وثيقة بالملكية (2). وفي الفقه الاسلامي يعتبر وضع اليد قرينة الملكية ودليلها الظاهر . فمن وضع يده على شيء اعتبر انه يملكه حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك . فإذا انتفت هذه القرينة بثبوت الملك لغير واضع اليد فلا يكون لوضع اليد عندئذ اثر (3). وقد سارت بعض التشريعات الحديثة على هذا المنهج ومن بينها القانون المدني العراقي. فقد نصت المادة 1157 ف1 منه على انه : “من حاز شيئاً اعتبر مالكاً له حتى يقوم الدليل على العكس”. في حين وقفت تشريعات حديثة اخرى ، كالقانون المدني الألماني السويسري ، من الحيازة موقفاً آخر فجعلت للحيازة قيمة اقتصادية اصلية جديرة بالحماية لذاتها (4).

الحكمة من حماية الحيازة :

ويحمي القانون الحيازة لذاتها ويرتب عليها آثارها سواء كانت تستند إلى حق للحائز أولا تستند إلى اي حق . وقد يبدو غريباً، لأول وهلة ، ان يحمي القانون الحيازة ويرتب عليها اثاراً معينة وهي قد لا تستند إلى أي حق يعترف به القانون للحائز . ولكن الواقع هو ان الحيازة من حيث الحماية التي كفلها الشارع لها تستند إلى اعتبارات تكفي لتبريرها . فهناك ، من جهة ، اعتبارات تتعلف بأمن المجتمع واستقرار النظام فيه وهي تقضي منع الاعتداء على الاوضاع القائمة ولو كان المعتدى هو في واقع الامر صاحب الحق. فلو ابيح لكل مدع بحق على شيء في حيازة غيره ان ينزع هذا الشيء من تحت يد الحائز عنوة لأدى ذلك إلى الفوضى ولهذا فقد كفل القانون حماية الحيازة في ذاتها. ويلاحظ على كل حال انها حماية مؤقته ، إذ يستطيع من يدعي خلاف الوضع الظاهر سلوك الطرق القانونية لاثبات حقه. ويلاحظ ، من جهة اخرى ، ان الغالب ، كما تقدم القول ، ان تكون الحيازة مستندة إلى حق حيث يكون حائز الشيء مالكاً له او صاحب حق عيني آخر عليه . ومن ثم فإن حماية الحيازة على ضوء ذلك تعتبر في الحقيقة حماية للحق نفسه من خلال الواقع الظاهر . كما ان هذه الحماية غير المباشرة للحق تعتبر وسيلة سهلة ومختصرة ، إذ ما على الحائز وهو غالباً صاحب الحق إلا ان يقف موقفاً سلبياً ، وعلى من ينازعه في هذا الحق ان يلجأ إلى القضاء وعليه ان يثبت انه هو صاحب الحق وليس الحائر ، في حين ان حماية حق الملكية ذاته عن طريق اثبات الملكية غالباً ما ينطوي على صعوبات كبيرة (5) . ويحترم الفقهاء المسلمون اليد الجائزة ويجعلون ما عداها خارجاً يقع عليه عبء الاثبات (6). فوضع اليد يعتبر في الفقه الاسلامي ، كما تقدم ، دليلاً على الملكية حتى يظهر خلاف ذلك.

الاشياء التي تصلح ان تكون محلاً للحيازة :

ولا ترد الحيازة إلا على الاشياء المادية ، لأن الحيازة تقتصر على الحقوق العينية وهذه تنحصر طبقاً للفقه السائد ، في الأشياء المادية (7). ويترتب على ذلك ان الحقوق الذهنية والمجموعات القانونية ، كالتركات والمحلات التجارية منظوراً إليها بمجموعها ، والنديون لا تصلح ان تكون محلاً للحيازة. مع ملاحظة ان السند لحامله يعتبر مالاً منقولاً قابلاً للحيازة ، فيمكن اعتبار حيازة السند حيازة للدين الثابت فيه. ويجب كذلك ان تكون الاشياء المادية قابلة للتملك ، او بعبارة اخرى محلاً صالحاً للحقوق الخاصة ، وبناء عليه لا تكون الاموال العامة محلاً صالحاً للحيازة ، لأنها لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم. كما لا ترد الحيازة على الاشياء المشتركة كمياه البحار والانهار لأن هذه الأشياء لا تقبل الحيازة والأحراز على سبيل الاستئثار والانفراد. وقد عبرت عن ذلك المادة 1145 من القانون المدني العراقي ، وهي بصدد وصف الشيء محل الحيازة. بقولها انه “… شيء يجوز التعامل فيه”.

_______________

1- انظر ربير وبولانجيه ، ، جـ 2 ، ف2282.

2- انظر المواد 2228 وما بعدها من القانون المدني الفرنسي.

3- انظر المواد 1679 و 1680 و 1754 – 1770 من المجلة والمواد 151 – من مرشد الجيران .

4- انظر المادة 854 القانون المدني الألماني والمادة 919 من القانون المدني السويسري وراجع: بيبر نيور ، القانون المدني السويسري ، زوريخ ، 1950 ، ص420-422.

5- راجع ريبير وبولانجيه ، جـ 2 ، ف2285 ، عبد الفتاح عبد الباقي ، دروس الاموال ، القاهرة ، 1956 ف286 ، عبد المنعم فرج الصدد ، حق الملكية ، القاهرة 1964ف340 ، منصور مصطفى منصور ، حق الملكية او القانون المدني المصري ، القاهرة ، 1965 ، ف158.

6- انظر المادتين 1679 و 1680 من المجلة والمواد 1754 وما بعدها.

7- راجع: أوبري ورو ، المطول في القانون المدني الفرنسي ، ط6 ، باريس 1951 ، ف75 ، ص118 ، بودان وقواران ، دروس في القانون المدني الفرنسي ، جـ4 ، طـ2 باريس 1938 ، ف57 ، كولان وكابيتان وجوليودولا مور الندير، المطول في القانون المدني ، باريس 1959 ، جـ 1 ، ف375 ، ريبير وبولانجيه ، المرجع السابق ، جـ 2 ف2284 ، عبد المنعم البدراوي، شرح القانون المدني ، في الحقوق العينية الاصلية ، طـ2 ، القاهرة ، 1956 ، ف492. حسن كيرة ، الحقوق العينية الأصلية، ج1، القاهرة ، 1965 ، ف19 والقفه المشار إليه في هـ 1 ص5 ، عبد المنعم الصدة ، المرجع السابق ، ف343 ، منصور مصطفى منصور ، حق الملكية ، ف161 والفقه المشار إليه في هـ 1 ص271.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .