السؤال المطروح هو ، هل وجود وزارة للعدل في الدولة أمر يسئ إلى استقلال القضاء أم أنه لا يمس استقلال القضاء ؟ وقد ذهب الفقه القانوني في هذا المجال باتجاهين :

الاتجاه الأول :عدم تأثيرها في استقلال القضاء . يرى عدم المساس باستقلال القضاء : ذلك أنه يرى أن وجود وزارة للعدل يُعد من مظاهر السلطة المشروعة والواجبة بين السلطتين التنفيذية والقضائية(1). وأن وجود وزارة يرأسها وزير ، من غير رجال القضـاء ، لا يدلل على أن القضاء غير مستقل اسـتقلالاً كاملاً ، طالما أن سـلطة وزير العدل تنحصر في الإشـراف على الأجهزة الإدارية والكتابية في وزارته ولا تؤثر في أوضاع رجال القضاء أو تمسها . ويستند المناصرون لإقامة وزارة عدل إلى أن الجانب الإداري – ولاسيما التنظيمي – في مجال القضاء من الأهمية بحيث يتطلب من الناحية العلمية إشرافاً من جانب وزارة تكون مسؤولة أمام البرلمان وذلك لكي يتمكن البرلمان من مناقشة الأخطاء التي ترتكب سواء في التعيين أو في العمل ومع عدم وجود مثل هذه الوزارة فلا سبيل لذلك(2). ومن ثمّ فإنه يمكن الحد من خطورة وجود وزارة للعدل من خلال الاهتمام بتضييق اختصاصات وزير العدل في الإشـراف على القضاة وإصدار القرارات المتعلقة بشؤونهم الوظيفية ، وذلك منعاً لوزير العدل من أن يكون أداة للحكومة للتأثير في استقلال القضاة ، ويتم تقييد اختصاصات وزير العدل عن طريق إنشاء مجلس أعلى لشؤون القضاة ، يتكون من القضاة ، لبحث القرارات المتعلقة بشؤون القضاة وأصدارها (3). وفي مصر يوجد مجلس أعلى للهيئات القضائية ، أوجد بموجب قانون السلطة القضائية لسنة 1969 . كما أنه يجب التأكيد على أن سلطة وزارة العدل الرئاسية في إدارة شؤون المحاكم لا تسري على أعمال القضاة ولا على سير القضايا ومن ثم تؤثر في استقلال القضاء(4).

الاتجاه الثاني : تأثيرها في استقلال القضاء . يرى أن وجود وزارة عدل يؤثر في استقلال القضاء ، وهو يرى أن وجود مثل هذه الوزارة يؤدي إلى إخضاع القضاء لجهة سياسية وأن هذا يمس باستقلال القضاء ، فنجد أنه في إنكلترا لا توجد وزارة للعدل(5). يخضع القضاة لإشرافها ممّا يعده الشراح الإنكليز خصيصة مميزة للقضاء الإنكليزي المستقل ، والحقيقة أن الاقتراح بعدم تبعية القضاء لأية وزارة هو اقتراح جدير بالنظر في البلاد العربية وأنه وإن كان الأفضل أن يكون رئيس السلطة القضائية هو قاضيها الأعلى الذي لا يشارك الوزراء في وضعهم القابل للتغيير ، لتأكيد استقلال السلطة القضائية في مظهرها ، الاّ أن تنفيذ ذلك يتطلب توحيداً لجهات القضاء كلها(6). ونرى أن الاتجاه الذي يذهب إلى إيكال أمر القضاء إلى جهة قضائية هو الأصوب بسبب من أن ضرورات حماية استقلال القضاء تتطلب أن لا يتدخل في الإشراف على القضاء – ولو على الجوانب الإدارية من الوظيفة القضائية – شخص يحمل الصفة السياسية ويدين بالتبعية إلى السلطة التنفيذية ممّا قد يؤدي إلى المساس باستقلال القضاء . وأن القول إن الوظيفة القضائية بحاجة إلى من يتولى فيها الجانب الإداري وهي الوزارة العدلية ، هو قول غير دقيق ذلك أن الجهة القضائية لا تكون عاجزة عن إدارة أمر وظيفتها بنفسها حتى لو تطلب الأمر الاستعانة بالخبرات من خارج المسلك القضائي ما دام من يرأس هذه الإدارة من بين الجهات القضائية و يمكن أن يكون مسؤولاً أمام البرلمان أو رئيس الجمهورية ولاسيما إذا أدركنا أن هذا التصور لم يُعد نظرياً لكونه قد طبق في عدد من دول العالم كما أشرنا سابقاً ، الأمر الذي يتحتم معه العمل على تأكيد استقلال السلطة القضائية من خلال عدم التدخل في كل ما يتعلق بها من الجوانب الإدارية فضلاً عن أعمالها واختصاصاتها القضائية . وخلاصة القول أنه يمتنع على السلطة التنفيذية أن تقوم بالتدخل في وظيفة القضاء على أي نحو ، إذ لا قيمة لاستقلال القضاء إذا كانت جهة الإدارة تستطيع أن تتدخل في شؤون القضاء أو أعماله .وعلى الرغم من أن القضاة هم موظفون عموميون يتم تعيينهم بوساطة السلطة التنفيذية إلاّ أن ذلك يجب أن لا يجعل لها ولاية ما ، تؤثر ، في أي نحو ، في أوضاع القاضي سواء من حيث مرتبه أو ترقيته أو نقله أو عزله أو تأديبه ثمّ يجب صيانة هذه الأوضاع ، لأن مجرد تقرير مبدأ استقلال القضاء أو النص عليه لا يكفي لتحقيق استقلاله في حقيقة الأمر من خلال إقرار ما يلزم من ضمانات تكفل هذا الاستقلال(7) . ومن ثمّ فإن استقلال القضاء لا يكون حقيقة إلاّ بتقرير ضمانات للقاضي تحميه من تدخل السلطة التنفيذية ، ذلك أنها قد تدخل للتأثير في أشخاص القضاة فإن حماية القاضي من السلطة التنفيذية تبدأ بطريقة اختياره للعمل القضائي ومن ثم حماية مرتبه وحمايته من العزل والنقل والانتداب وعدم التدخل في ترقيته (8) …..

_______________________

– د. محمد عبد الخالق ، المصدر السابق ، ص35 .

2- د. محمد عصفور ، المصدر السابق ، ص218 وما بعدها .

3- د. محمد عبد الخالق ، المصدر السابق ، ص35 .

4- فاروق كيلاني ، المصدر السابق ، ص89 وما بعدها .

5- لا توجد في المملكة المتحدة وزارة للعدل إذ يشرف على القضاة اللورد الحاجب Lord Chancellor والذي يملك وضعاً خاصاً لا يوجد ما يماثله في أي نظام حتى النظم المشتقة من القانون الإنكليزي ، فهو عضو في الوزارة تعينه الملكة ويرأس مجلس اللوردات كونه مجلساً تشريعياً ويرأسه مجلساً قضائياً وهو وزير يتمتع بأسمى مركز بين الوزراء ويقبض أعلى مرتب في الحكومة ويتمتع بثقافة قانونية عالية ، دون الاعتبار الحزبي ، وهو بذلك يختلف عن وزير العدل الذي لا يشترط فيه أن يكون قاضياً ضرورةً ولا يقوم بوظيفة القضاء بعكس اللورد الحاجب الذي يقوم بالوظيفة القضائية وإصدار الأحكام في مجلس اللوردات . د. عبد الخالق عمر ، المصدر السابق ، ص36 .

6- د. محمد عصفور ، المصدر السابق ، ص218-219 .

نجد أنه في السودان لا تجد وزارة للعدل إذ أن المحاكم تابعة لرئيس الجمهورية مباشرة كونه رئيساً للمجلس المختص بشؤون القضاء ، وقد أخذ بذلك القانون السوداني منذ عام 1973 ، وأن رئيس المحكمة العليا ومجلس القضاء العالي الذي يرأسه رئيس الجمهورية هم الذين يشرفون على المحاكم فيها ويعدّ رئيس المحكمة العليا أعلى وظيفة قضائية أو قانونية في السودان .

7- د. إبراهيم نجيب سعد ، المصدر السابق ، ص55 .

8- ويرى بعضهم أن إقرار هذه الضمانات قد لا يكفي وحده في بعض الأحيان إذ إن السلطة التنفيذية تستطيع في بعض الأحيان أن تمس استقلال القضاء من خلال اتباع سياسة تقوم على إكرام بعض القضاة أو الإساءة إلى بعضهم الآخر لتضرب لهم مثلاً ولغيرهم من القضاة ، في من ترضى عنه أو تسخط عليه وتتبع في سبيل ذلك أسـاليب عديدة منها التعيين في بعض الوظائف ذات الطابع السياسي لبعض القضاة أو أسـلوب اختيار العناصر القضائية في المحاكم الخاصة ، لذلك يجـب سـد هذا الباب بصورة نهائية في وجه السلطة التنفيذية من خلال النص في القانون صراحة على عدم جواز تعيين رجال القضاء في وظائف أخرى إلاّ بعد سنة من اعتزالهم العمل القضائي ، وأن يحظر هذا التعيين حتى لو تم من خلال النقل ، وكذلك أن يحظر الدستور إقامة المحاكم الخاصة بصفة مطلقة لمنع اختيار العناصر القضائية للاشتراك في هذه المحاكم ، كما فعل دستور ألمانيا الغربية وإيطاليا وأفغانستان ، وجدير بالذكر أن هذا الحظر يعدّ أمراً بديهياً في النظام الإنكليزي الذي يعتمد سيادة القانون . د. محمد عصفور ، المصدر السابق ، ص217 وما بعدها .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .