الشروع في الانتحار في القانون المصري و العراقي

الشروع في الانتحار وفقا للقانون المصرى

حسب تعريف المشرع في نص المادة 45 من قانون العقوبات فان الشروع بصفة عامة هو ” البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا اوقف أو خاب أثره لاسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها “

ومن المتصور في نظرنا أن يحاول شخص الانتحار وقد يبدا بالفعل في تنفيذ مأربه هذا ، ولكنه لا يكون منتحرا حتى ولو تمت الوفاة فعلا ، وعلى هذا فان الإنتحار لا يكون له وجود في حالتين ، إما أن يعدل من قرر الإنتحار عن قراره ، وإما أن يستمر في تنفيذ فعله ولكن الوفاة تحدث نتيجة سبب لا دخل لإرادة الميت فيه ، كما في حالة من يموت اثر أزمة قلبية وبسببها أثناء تحليقه في الهواء وقبل اصطدامه بأي جسم في محاولته للإنتحار بإلقاء نفسه من فوق جبل وذلك كما رأينا في البند السابق

ويعن لنا بحث مدى وجود ما يسمى بالشروع في الإنتحار ، ويتلاحظ لنا وفقا لنص المادة 45 عقوبات أن البدء في التنفيذ المكون للشروع يجب أن يكون بقصد ارتكاب جناية أو جنحة ، ولذلك يتعين لكى يوجد ما يسمى بالشروع في الإنتحار أن ينظر إلي هذا الأخير ، فان كان يجرمه القانون ويجعل الواقعة جناية فانه يمكن القول بوجود ما يسمى بجريمة الشروع في الإنتحار

اما إذا كان الإنتحار يعدو وفقا للقانون جنحة ، فان الشروع فيه لا يعتبر جريمة بحسب الأصل ما لم ينص القانون على اعتباره كذلك وفقا لما تقضى به المادة 47 عقوبات

اما إذا كان الإنتحار جريمة تدخل تحت المخالفات فإن الشروع فيه لا يعتبر جريمة بأي حال من الأحوال وفقا للمادة 45 عقوبات

واذا كان الإنتحار في حد ذاته لا يعتبر جريمة قانونية يعاقب عليها القانون فاعلها ، إذ أن المنتحر بات في رحاب الله الذي يملك وحده معاقبته وحسابه ، فإذا كان ذلك كذلك وكان الإنتحار لا يعتبر جريمة فإن الشروع فيه من باب أولي لا يكون جريمة

وبالرغم من ذلك فقد كان القانون الفرنسى القديم يسبغ إنزال العقاب بجثة المنتحر فضلا عن مصادرة أمواله وهو أمر آثار حفيظة الفلاسفة ، فهو من ناحية يتجرد من الأثر الرادع للجزاء الجنائى لأنه ينزل بجثة لا حراك فيها تعجز تماما عن إدراك ، كما انه من ناحية أخري يصيب أسرته بأفدح الضرر حيث يغتصب منها مورد رزقها ، وقد حمل ذلك مشروع الثورة الفرنسية على إلغائه تماما

ونحن نرى أن الإنتحار لا يمكن أن يجرم ، ذلك أن التجريم يفترض تقديم المتهم للمحاكمة وإحاطته علما بالإتهام المنسوب إليه ومنحه فرصة عن نفسه ودرء شبهة الإتهام الموجهة إليه عن نفسه ، وهو أمر لا يمكن أن يحدث أبدا بعدما أصبح المنتحر في ذمة الله تعالى

وبالرغم من أن الإنتحار لا يمكن أن يجرم وبالتالي لا يجرم الشروع فيه ، إلا أن بعض التشريعات قد ذهبت إلي تجريمه والعقاب عليه كالقانون الإيطالى والإنجليزى والسويسرى وقوانين بعض الولايات الأمريكية ، والهندى والسودانى

ومن جانبنا فإننا لا نتفق مع هذه التشريعات على تجريم الشروع في الإنتحار ، وذلك لأن الشروع الذي تعنيه التشريعات الجنائية ، إنما ينصب على جريمة ، واذا كانت هذه الأخيرة غير موجودة أصلا وابتداء في الإنتحار ، فكيف توجد جريمة الشروع فيها ؟ ، ومن ناحية أخــــــري فإننا نرى أن تجريم الشروع في الإنتحار يؤدى إلي نتائج سلبية وغير منطقية ، إذ الغالب أن المنتحر يعانى من مشاكل صعبة وظروف قاسية إلي درجة انه قد وصل به تفكيره انه لا مهرب من حل تلك المشاكل والأزمات إلا بالإنتحار وترك هذه الحياة الدنيا

فإذا ما جرمنا الشروع وحاولنا معاقبة الشارع في الإنتحار ، فإننا نكون قد أضفنا إلي همومه وآلامه هما وألما جديدا ، قد يدفعه إلي التفكير مرة أخري في الإنتحار ، اما إذا لم يجرم الشروع فإن الظروف قد تتحسن لدى الشارع في الإنتحار وقد يتبدل الهم بالنشوى والمصائب بالسريات فتتفتح الحياة في عينيه وتخضر ، وقد يدفعه ذلك إلي استغلال طاقاته وإمكانياته ولربما أفاد بعد ذلك البشرية نتيجة نبوغه وقدراته

الشروع في الانتحار وفقا للقانون العراقي

قضاة: أغلب المنتحرين يعانون نفسياً.. ولا عقوبة لمن يحاول إنهاء حياته
ضحى كريم
حدّد قضاة ينظرون الملفات الجنائية ابرز أسباب ارتفاع الانتحار في المجتمع، مؤكدين أن تزايد النسب يأتي على الصعيد العالمي وليس المحلي فحسب، وذكروا أن اغلب المقدمين على الجرائم هم من المرضى النفسيين أو متعاطي الكحول والمخدرات ممّن وصلوا مرحلة لا تمكّنهم من تلبية متطلبات إدمانهم، داعين في الوقت ذاته إلى تضافر جهود جميع الجهات ذات العلاقة لمواجهة أخطار هذه الظاهرة.

وفيما اشار القضاة إلى مشكلات أخرى نتجت عن سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على بعض المناطق في العراق ما فاقم من حالات الانتحار، بيّنوا أن المشرّع العراقي لا يُسائل من يحاول إنهاء حياته بنفسه، لكنه يحاسب المحرّض والمساعد في عقوبات تكون في بعض الأحيان شبيهة بتلك التي تطال من يرتكب جريمة القتل العمد.

ويقول قاضي تحقيق محكمة البياع باهر نجم عبد الله في حديث مع “القضاء”، إن “الانتحار واحدة من الظواهر السلبية والخطيرة التي تظهر في المجتمعات البشرية”، وعزاها إلى “أسباب اقتصادية واجتماعية ونفسية”.

وأضاف عبد الله أنالبعض يلجأ إلى الانتحار بسبب الظروف الاقتصادية ممثلة بضنك العيش ووصوله إلى مرحلة لا يستطيع المواصلة وتوفير متطلبات حياته بسبب قلة أو انعدام موارده المالية”.

وأشار إلى أن “الآخر ينتحر نتيجة ظروف اجتماعية لا يمكن التخلص منها كطريقة التعامل معه دوناً عن غيره”، منبهاً إلى أن “هناك من هو مصاب بأمراض نفسيه نتيجة تراكمات عديدة منذ طفولته حتى يكبر أو نتيجة صدمة عاطفية ألمت به نتيجة علاقته مع الجنس الآخر”.

كما نوّه عبد الله إلى أن “متناولي الكحول والمخدرات قد يصل بهم الأمر إلى الانتحار نتيجة وصولهم إلى مرحلة تجتاز الادمان في خطورتها وعدم مقدرتهم على تلبية متطلبات إدمانهم”.

وتحدّث قاضي تحقيق البياع أيضاً عن عوامل خارجية قد تدفع الشخص إلى ارتكاب هذه الجريمة من خلال “تعرضه إلى تحريض أو المساعدة من أجل الانتحار بدلاً من مده يد العون لعودته إلى رشده”.

وعاد ليؤكّد أن “قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل، لم يحاسب من يحاول الانتحار، لكن عاقب المحرض أو المساعد حتى لو لم تنجح العملية”، ورأى أن “ذلك خروج عن القواعد العامة، وهو امر جيد”، نافياً الحاجة إلى “تدخل تشريعي على هذا الصعيد”.

وأوضح عبد الله أن “عقوبة المحرّض أو المساعد هي السجن لمدة لا تتجاوز السبع سنوات في حال نجحت العملية، و الحبس ما دون الخمس سنوات في حال الفشل ولم يمت المنتحر“.

ويسترسل إن “المحاسبة تكون مشددة وتصل بمقدار من يقتل عمداً إذا كان المنتحر ناقص الإدراك والإرادة أو أنه لم يبلغ الثماني عشرة سنة”.

وأكمل عبد الله بالقول أن “التحريض على الانتحار لا يعدّ سبباً للمحاسبة إلا إذا تمت الجريمة فعلياً سواء بالنجاح أو الفشل”.

من جانبه، ذكر قاضي تحقيق محكمة الكرادة فاضل شاكر رسن في تعليقه إلى “القضاء، أن “زيادة معدلات الانتحار في الآونة الأخيرة لم تقتصر على النطاق المحلي، بل إن التقارير الرسمية تشير إلى ارتفاع في النسب على مستوى العالم”.

ويرى رسن أن “اسباب ارتكاب هذه الجريمة تنوعت بعد أن كانت بالدرجة الأساس الاضطرابات النفسية خاصة الاكتئاب والاضطرابات الناتجة عن الإدمان على المخدرات والكحول”.

وفي مقابل ذلك، رأى “أن حالات أخرى تحصل فجأة في لحظات الأزمة نتيجة انهيار القدرة على التعامل مع ضغوط الحياة مثل “المشكلات المالية أو انهيار علاقة ما أو غيرها من الآلام والأمراض المزمنة”.

وعلى الصعيد الداخلي، يذهب رسن إلى “ابرز عوامل المساعدة على ارتفاع معدلات الانتحار هي المشكلات التي ظهرت بعد احتلال داعش لبعض المناطق على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية”.

وأعرب عن اسفه كون “هذه المناطق خارج السيطرة الرسمية وبالتالي لا نمتلك إحصاءات توضح معدلات الانتحار فيها نتيجة سياسات هذا التنظيم الارهابي”.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت