قراءة في قانون الانتخابات العراقي

القاضي سالم روضان الموسوي
إن حجر الزواية في عملية الإصلاح في العراق هو وجود قانون انتخابات منصف وعادل يوفر للمواطن فرصة التمتع بحقوقه السياسية الدستورية الواردة في دستور عام 2005 النافذ ومنها (إن الشعب مصدر السلطات تداول السلطة سلمي، توفير المناخ الديمقراطي، والمساواة ، تكافؤ الفرص، والمعاملة العادلة في الإجراءات الإدارية والقضائية، وحق التصويت والانتخاب والترشح وغيرها) لذلك نجد أغلب الدول المتقدمة في مجال الديمقراطية تعتمد على قوانين انتخابات توفر القدر الأكبر من حرية الاختيار والترشح ،

أما في العراق فإن قانون الانتخابات لمجلس النواب لم يستقر على أحكام ثابتة فهو ومنذ عام 2005 ولغاية الآن، أما أن يُلغى كلياً ويحل محله قانون جديد أو تعدل بعض أحكامه وهذا يحصل في كل دورة انتخابية عندما يعلو صوت المواطن العراقي لأنه يرى بأن مخرجات العملية الانتخابية لم تكن على وفق ما يريد، وإنما كانت عبارة عن تدوير الوجوه والفئات السياسية المهيمنة على المشهد في العراق ، لذلك كانت وما زالت طلبات الجماهير التي انتفضت في ما مضى والمنتفضة حالياً تطالب بقانون انتخابات يؤمن لها الفرصة للتعبير عن ذاتها في انتخاب أعضاء مجلس النواب، وعندما اشتد آوار هذه الانتفاضة وزاد لهيبها، ظهر رئيس الجمهورية بمبادرة لتحقيق هذا المطلب بوصفه حامياً للدستور وإنه يملك الحق في تقديم مشاريع القوانين، واستبشرنا خيراً ثم قام بعقد الاجتماعات وشكل اللجان القانونية والسياسية وغيرها، وكان الأمل يحدونا بوجود تعديل حقيقي يعبر عن مطلب الجماهير تجاه عملية الانتخابات الذي يتلخص بتعديل القانون وجعل الترشيح للفائز الأكبر من المرشحين وليس للقائمة، والسبب في ذلك إن هذا المطلب هو المصب الذي تصب في كل الحلول لما عليه الحال ، لأن من عباءة مجلس النواب يخرج كل شيء سواء رئاسة الجمهورية أو الحكومة أو القضاء وغيرها من الأمور بحكم الدستور الذي أخذ بالأسلوب البرلماني في إدارة الحكم، وهذه التعديلات لا تكاد أن تكون في مادة او مادتين يعدل بموجبها النص النافذ حالياً ، لكن الذي جرى على خلاف ما كنا نتمناه ، حيث خرج لنا مشروع قانون يضم أكثر من (120) مائة وعشرون مادة (واسماها المدونة الانتخابية) ودمج فيها قانوني الانتخابات والمفوضية العليا للانتخابات ، وأرسلها الى مجلس الوزراء بدلاً من إرسالها إلى مجلس النواب واختصار الوقت، الذي بدوره قام بتغيير جوهر التعديل فيها وأعاد أسلوب القائمة المغلقة والمفتوحة نسبياً المعمول بها حالياً ولكن بعبارة منمقة، وهذه المسودة ما زالت في طور القراءة الأولى والقراءة الثانية ومن ثم التصويت، وسنرى بان المناقشة الثانية سوف لن تكتمل مهما طال الزمن لأن النواب سوف يجعلون من المواد غير المختلف عليها في القانون سبباً للنقاش والاعتراض من أجل المماطلة حتى يخف الضغط الشعبي ونعود مرة أخرى إلى ما كنا عليه، لذلك أرى بان مشروع قانون الانتخابات الحالي هو وسيلة لامتصاص الغضب الشعبي دون الوصول إلى غاية المطالب الرئيسة، وكان بالإمكان إجراء تعديل لأهم المبادئ الجديدة في قانون الانتخابات الجديد بقانون تعديل لتلك الأحكام والبقاء على المواد السابقة بدلاً من إلغائها ومن ثم إعادة كتابتها في التشريع المقترح، وعند النظر إلى القانون الجديد فإنه لم يأتِ بجديد سوى في بعض الفقرات ومنها الآتي (تحديد عدد النواب ، وجعل الأقضية دوائر انتخابية بدلاً من المحافظات وجعل الفائز الاكبر من المرشحين هو الفائز في نيل المقعد النيابي وتغيير أعضاء المفوضية بالية جديدة) وهذه ممكن صياغتها بمادتين أو ثلاث على أبعد تقدير وبمشروع قانون تعديل قانون الانتخابات النافذ ومن ثم يقدم مباشرة إلى مجلس النواب للتصويت عليه، وجميع هذه الإجراءات لا تأخذ وقتا طويلاً مثلما عليه الآن حيث أن الاحتجاجات ظهرت في الأول من تشرين الأول من هذا العام ونحن الآن في نهاية شهر تشرين الثاني والقانون لم تتم مناقشته وكان الأجدر بمجلس النواب أن يأخذ زمام المبادرة ويقترح تعديل قانون الانتخابات بتشريع تلك الأحكام المشار إليها وينهي كل الجدل لكن كما يقول محمود سامي البارودي (حُبُّ الْحَيَاة ِ، وَبُغْضُ الْمَوْتِ أَوْرَثَهُمْ … جُبْنَ الطِّبَاعِ، وَتَصْدِيقَ الأَبَاطِيل)، لذلك إن ما يعزز من وجهة النظر المبسوطة بأن الغاية من طرح القانون هي كسب الوقت والمراهنة عليه لتخفيف الضغط الشعبي ومن ثم العودة إلى ما كنا عليه، لكن اعتقد أن مَن يؤمن بهذه الوجهة فهو خاسر لأن الأمر يختلف عن سواه لوجود دماء سالت على أرض الاحتجاجات ولا يمكن السكوت عنها دون أن تحقق ما كانت تسعى إليه ويبقى صوت تلك الدماء هادراً وكما يقول أحمد شوقي (وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق) وكما قال الجواهري (أتعلمُ أنّ جِراحَ الشهيد …. مِن الجُوعِ تَهضِمُ ما تَلهم … تَمُصُّ دماً ثُم تبغي دماً …… وتبقى تُلِحُ وتستطعِم) كما أن صرخة الضحايا وأمهاتهم وأزواجهم الثكلى وأبناءهم اليتامى ما هي إلا الصيحة التي تأخذ الظالمين وتجعلهم جاثمين وعلى وفق الآية الكريمة (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ)

إعادة نشر بواسطة محاماة نت