مرحلة التنفيذ :

ان مرحلة التنفيذ هي المرحلة الثالثة من مراحل ارتكاب الجريمة، التي تتلو مرحلة التحضير. وتتكون أيضاً من أعمال مادية خارجية. وبهذا تتشابه مع مرحلة التحضير، غير انها تتميز عنها بان اعمالها لا تمت الى التحضير للجريمة بأية صلة، بل هي تدخل في عداد الأعمال التنفيذية للجريمة. وهذه الأعمال التنفيذية قد يصل الجاني بها، عند ارتكابها، الى النهاية فيتم الجريمة، وعند ذلك نكون امام جريمة تامة DELIT CONSOMME، كمن يطلق الرصاص على آخر بقصد قتله فيرد به قتيلا. وقد لا يستطيع الجاني الوصول بها النهاية، لسبب لا دخل لإرادته فيه (خارج عن ارادته) وعندئذ تكون أمام حالة (الشروع في الجريمة) LA TENTATIVE، كما لو أخطا مطلق الرصاص المجني عليه، او اصابه في غير مقتل فلم يمت. فالمشروع اذن، هو التنفيذ غير الكامل للجريمة. لذلك قيل ان الشروع يبدأ حيث تبدأ الجريمة التامة، اذ يبدأ كل منهما عند البدء بتنفيذ الجريمة، غير انهلا ينتهي حيث تنتهي الجريمة التامة، بل يقف عند حد البدء بالتنفيذ. وقد فكر المشرع الجنائي الحديث في تحديد حالة المشروع وبيان اركانها عندما ظهرت له خطورتها، ووجد ان من اللازم معاقبة صاحبها عنها، كي يدع مجالا للقضاء في التوسع في ذلك ولذلك جاءت جميع قوانين العقوبات الحديثة تتضمن تعريف للشروع يبين الاركان اللازمة لتحققه، وهذا ما سلكه قانون العقوبات العراقي، حيث جاءت المادة (30) منه معرفة الشروع مبينة اركانه بقولها : (الشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية او جنحة اذ وقف او خاب اثره لأسباب لا دخل لارادة الفاعل فيها …)(1).

يظهر لنا من هذا التعريف انه لتحقق حالة الشروع في الجريمة لابد من توافر الاركان الثلاثة التالية، وهي ما تسمى باركان الشروع :-

1.الركن الأول : البدء بتنفيذ الجريمة، وهو الركن المادي الخارجي.

2.الركن الثاني : قصد ارتكاب جناية او جنحة. وهو الركن المعنوي الداخلي.

3.الركن الثالث : عدم تمام الجريمة لسبب خارج عن إرادة الجاني.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1.انظر قوانين العقوبات، المصري (مادة 45) والكويتي (مادة 45) والليبي (مادة 59) والسوري (مادة 199-200) واللبناني (مادة 100 و 102) والفرنسي مادة 2 وانظر كذلك علي بدوي المرجع السابق ص213، وشيرون وبدوي، المرجع السابق ن 27 ص227.

وقف التنفيذ او خيبة اثره :

يراد بوقف او خيبة اثره، عدم تمام الجريمة على النحو الذي قصد إليه الجاني، ويجب ان يكون ذلك وأعني عدم تمام الجريمة لأسباب خارجة عن إرادة الجاني. وعدم تمام الجريمة، في هذ المقام، يكون بأحد امرين مها : اما ان يوقف تنفيذ السلوك الذي هدف به الجاني تحقيق الجريمة، كان يمسك احدهم بيد الجاني أثناء محاولته طعن المجني عليه بسكين، او ان يضبط اللص أثناء دخوله المنزل للسرقة منه، وهذه الصورة تسمى، بالشروع الناقص (او) الجريمة الموقوفة (DELITTENTE). وفيها لا يتم الجاني الأفعال اللازمة لوقوع الجريمة لسبب خارج عن ارادته. او ان يكمل الجاني السلوك الاجرامي اللازم لتحقيق الجريمة ولكنها لا تحقق ويخيب اثر هذا السلوك لسبب خارج عن ارادته. كما لو اطلق شخص على آخر عيارا ناريا قصادا قتله فلم يصبه او اصابه في غير قتل، او يضع له سما في طعامه فيتناوله المجني عليه ولكنه لا يموت لاسعافه بعلاج وتسمى هذه الصورة (بالشروع التام) او (الجريمة الخائبة) DELIT MANQUE- ولا تفرق المادة (30) من قانون العقوبات العراقي في الحكم بين الصورتين، اذ يعد الجاني شارعا في الجريمة متى كان وقف التنفيذ او خيبة الاثر تعود لأسباب لا دخل الارادة الجاني فيها.

العدول الاختياري :-

وقد يكون سبب عدم تمام الجريمة، هو إرادة الجاني ورغبته، كان يمتنع عن اطلاق الرصاص رأفة بالمجني عليه. وفي هذه الحالة، وهي ما سمى بحالة العدول الاختياري، لا وجود للشروع لعدم تحقق شرط عدم تدخل إرادة الجاني في عدم تمام الجريمة ويراد بالعدول الاختياري هو ان يختار الجاني لنفسه وبمحض ارادته ان لا يتم الجريمة بعد ان بدأ بتنفيذها.

والحكمة التي حدت بالمشرع الى عدم العقاب على الشروع، اذا حال الجاني نفسه دون تمام الجريمة، ترجع الى الرغبة في إفساح المجال امام الجناة لمراجعة انفسهم والعدول عما تورطوا فيه بالإضافة الى ان رجوعه عن اتمام الجريمة دليل على عدم خطورته وبالتالي عدم الحاجة الى عقابه. يشترط للاعتداد بالعدول حتى يمنع قيام الشروع قانونا ان يكون راجعا لمحض ارادته الفاعل. ولا عبرة بالبواعث التي تدعو الى العدول. فهو يمنع من قيام الشروع سواء كان الباعث عليه نبيلا كالتوبة او الندم او الاشفاق على المجني عليه او لم يكن كذلك كالخوف من العقاب او خشية الانتقام او الاخفاق. اما اذا كان العدول اضطراريا، فان الشروع يتحقق ويستحق الجاني العقاب عليه، سواء كان هذا العدول ناشئا عن عامل خارجي وجد بالفعل او توهم الجاني وجوده. فلا عبرة بالعدول اذ كف السارق عن الاسترسال في تنفيذ السرقة لاستيقاظ صاحب المنزل او سماعه عواء كلب او وقع اقدام او قدوم احد رجال الشرطة ولو لم يفطن هذا إليه. ولا عبرة بالعدول أيضاً اذا كان راجعا لتوهم الجاني وجود سبب دفعه لهذا بالرغم من عدم وجود هذا السبب فعلا. فلا هرب اللص بعد دخوله المنزل لاعتقاده بوجود بعض رجال الشرطة يترصدون له للقبض عليه وكان هؤلاء غير موجودين حقيقة، وبالتالي يعد شارعا في السرقة؛ لانه كان مضطرا لهذا العدول. ولا يعتمد بالعدول الاختياري، وبالتالي لا ينتج اثره بعدم تحقق الشروع الا اذا حصل قبل تمام الشروع في الجريمة. فان حصل بعد تمامه فلا عبرة له. فمن يطلق رصاصة على آخر بقصد قتله فيخطئه غير انه لا يعيد الكرة فيطلق رصاصة أخرى او ثالثة لا تمام الجريمة بل يعدل عن ذلك بمحض ارادته واختيار شفقة او ندما لا يعتبره ما أتاه عدولا اختياريا معدما للشروع وبالتالي فان الجاني يسال عن جريمة الشروع. ذلك لان عدوله هذا انما حصل بعد تمام واكتمال الشروع في الجريمة الذي تم بعد اطلاق الجاني الرصاصة الأولى. كذلك لا ينتج العدول مفعوله فيما اذا حصل بعد تمام الجريمة واكتمالها وهو ما يسمى (بالتوبة الايجابية)، مما يعني مسؤولية الجاني عن الجريمة كاملة. كما لو اعاد السارق المسروقات الى صاحبها بعد سرقتها او ارجع الموظف المرتشي ما أخذ من رشوة الى الراشي بعد استعلامها منه او اعاد الخاطف الطفل المخطوف او باشر من اشعل النار في المنزل بقصد احراقه اطفاء النار وقضى عليه افعلا (1).

وعدول الجاني باختياره عن تمام الجريمة يكون في الغالب في صورة الجريمة الموقوفة. غير انه قد يكون أيضاً في صورة الجريمة الخائبة بان يعمل الجاني على تخييب اثر فعله بنفسه كما لو حاول شخص قتل اخر عن طريق اغراقه وبعد ان يلقيه في اليم يعدل عن قصده فيبادر الى انتشاله وتخليصه من الغرق، او ان يحاول قتله بدس السم إليه في طعامه وبعد ان يتناول المجني عليه الطعام المسموم يعدل الجاني عن قصده فيبادر بأعطاء المجني عليه ترياقا فيخلصه من اثر السم وبالتالي من الموت. في هذه الحالة يشترط لتحقيق العدول الاختياري المزيل للشروع، ان يكون عمل الجاني في سبيل الجريمة مما يمكن تداركه بعد وقوعه وقبل ان ينتج اثره حتى يكون لسعيه في منع نتيجته اثر وبخلاف ذلك فيما اذا كان الفعل مما لا يمكن تداركه وكان كافيا بذاته لاحداث الجريمة المقصودة ولكن خاب أثره لظرف خارج عن إرادة الفاعل، فان مرتكبه يعد شارعا في الجريمة ولا يجديه في هذه الحالة عدوله عن معاودة الكرة على ارتكابه. كما لو أطلق شخص الرصاص على آخر بقصد قتله فأخطئة غير انه لم يطلق عليه رصاصة أخرى بعد الأول لانه عدل عن اتمام جريمته. في هذه الحال يسال الجاني عن جريمة الشروع في القتل (2).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-ومع ذلك فان بعض قوانين العقوبات كالألماني والتركي والمجري تجعل اصلاح الضرر كله باختيار الجاني بعد وقوع جريمة من جرائم الاعتداء على أموال الغير سببا لمنع المسؤولية. انظر جارو، المرجع السابق، ج1 ص505 – دونديه دي فابر، المرجع السابق (الموجز) ص158.

2-انظر فيدال ومانيول، المرجع السابق، ج1 ن98 ص154 – دونديه دي فابر، المرجع السابق، ص141 – جارسون المرجع السابق، مادة 3ن90.

المؤلف : علي حسين خلف + سلطان عبد القادرالشاوي
الكتاب أو المصدر : المبادئ العامة في قانون العقوبات

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .