هل للموثق دور في البحث عن القانون الواجب تطبيقه على العقود؟

من الثابت فقهيا ان العقد هو “توافق ارادتين على احداث اثر قانوني معين” ، وكما عرفته المادة 147 من القانون المدني المصري ” العقد شريعة المتعاقدين ، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين ، او للأسباب التي يقررها القانون ” وكلها تعريفات اعتمدت على مبدأ سلطان الإرادة شريطة ان تكون متفقه مع الصالح والنظام العام والآداب.

وحيث ان التوثيق اصطلاحا : “علم قانوني يهتم بتحرير ومراجعة العقود والمحررات والشهادات في شكل وثائق ،وفقا لأوضاع وقوالب شكلية وموضوعية معينة ووفقا لأحكام الشريعة الاسلامية والدستور والقانون والنظام العام والآداب وتحوز الوثيقة أو العقد بعد توثيقه وتسجيله أمام موثق عدل حجية كاملة مطلقة في الاثبات، وقد عرف التوثيق بعدة تعريفات تدور حول كونه علما مستقلا قائما بذاته يبحث في كيفية تحرير وإثبات العقود والتصرفات والالتزامات على وجه يحتج به بين اطرافها وامام الغير”.

فـ التوثيق قانونيا هو : “مجموعه الاجراءات القانونية الشكلية والموضوعية التي يقوم عليها الموثق لتوثيق وتسجيل وتحقيق وبحث وصياغة وتحرير وقيد المحررات والعقود بكافة أنواعها وفقا لأحكام الدستور و القانون ، والموثق ملتزم ومسئول شرعا وقانونا وأخلاقيا ببحث الارادة وتلقيها والتحقق من الاهلية وبحث الصفة والسلطة والمراجعة القانونية الكاملة للعقود شكلا موضوعا للعقود المطلوب توثيقها ومدى مطابقتها للدستور والقانون النظام العام والآداب”.

ومن المعروف ايضا ان الموثق مسئول جنائيا ومدنيا وإداريا عن توفير الحماية القانونية الكاملة شكلا وموضوعا لكافة أنواع المحررات والعقود أيا كان نوعها المقدمة إليه لتوثيقها أو شهرها أو صياغتها أو تحريرها أو بحثها وفقا لأحكام القانون لإكسابها ومنحها الرسمية كسند تنفيذي و الحجية الثبوتية المطلقة ليس فقط بين أطرافها بل و أمام الغير وحتى أمام القضاء.

وحيث إن الدور الأساسي للموثق يتمثل في ترجمة إرادة المتعاقدين في إطار ما تسمح به المقتضيات القانونية والشرعية الجاري بها العمل ، وإضفاء الصبغة الرسمية على اتفاقاتهم عن طريق عقد توثيقي يتوفر على القوة الثبوتية كسند تنفيذي والحجية المطلقة كالأحكام القضائية . وبالتالي يصبح هذا العقد حجة قانونية ملزمة لأطراف العقد لما يوفره لهم من عناصر ومفردات الأمن القانوني التعاقدي ،ولا يمكن تغيير بنوده أو مقتضياته أو التراجع عنها إلا بإرادة الأطراف نفسها ، بل وتمتد حجيته الثبوتية للكافة والغير ،بعكس الأحكام القضائية وحجيتها القاصرة على طرفي النزاع فقط ولا تمتد للغير الا في احوال معينة استثنائية .

وبما ان المشرع المصري قد وضع تنظيما عاما للعقود في صورة مبادي عامه تخضع لها كافه انواع العقود ، الا انه قد افرد تنظيما خاصا لبعض انواع العقود المنتشرة وشيوعها بين الناس وسميت بـ “العقود المسماة” ، مثل البيع والايجار والوكالة والهبة والشركة والقرض والصلح، والوديعة والرهن ،،، اما العقود التي ليس لها مثل هذا التنظيم القانوني الخاص فتعرف بـ “العقود غير المسماة ” . حيث لم ينظمها المشرع بقواعد خاصه ، ولم يفرد لها اسما خاصا بها وترك تنظيمها للمبادئ العامة للعقود بوجه عام ، احتراما لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين ومبدأ سلطان الارادة ، مثل عقود المسرح والسينما وعقود العلاج الطبي وعقود الاحتراف الرياضي ، وعقود النشر التأليفي ، وعقود التوريد .

ونظرا لان المشرع قد شرع بعض العقود المسماة فقط لشيوع استعمالها ، والى جانب تطور الحياة العملية للأفراد بصورة تعكس تعقد الحياه العملية وتشعبها وتتعدها ، وتعذر تنظيم كل ما يمكن ان يحدث في العمل من عقود ، ظهرت انواع جديدة من العقود المختلطة ، قد تجمع بين اكثر من عقد مسمى او عقود غير مسماه او خليطا من العقود المسماة والغير مسماه ، فــ الأصل ان للأفراد ان يتفقوا على ما يشاؤون ، بحيث لا تتناهي صور العقود التي تظهر في الحياه العملية .

ومن هنا ظهرت اهمية توضيح القواعد القانونية الواجب اتباعها من الموثق لتطبيقها على العقود المطلوب توثيقها من خلال بحثه القانوني الشكلي والموضوعي للعقود بأنواعها المختلفة .

فالنسبة لـ احكام القانون الواجب التطبيق والتي تحكم العقود المسماة ، فتطبق عليها (اولا بصفة أصلية) القواعد المحددة في التنظيم الخاص بهذا العقد المسمى ، ثم (ثانيا بصفة احتياطية) تطبق القواعد القانونية المحددة في التنظيم العام للعقود بصفة عامه ، اذا لما توجد القاعدة القانونية المطلوبة في التنظيم القانوني الخاص بالعقد المسمى ،، ومقتضى ذلك ان التنظيم العام للعقود تقتصر وظيفته على تكملة التنظيم الخاص بالعقود المسماة عند اللزوم .

اما اذا كان العقد من العقود غير المسماة فتطبق عليه (اولا بصفة اصلية) القواعد الموجودة في التنظيم العام للعقود مباشرة ، لانعدام القواعد القانونية الخاصة المحددة ، ولذلك فالتنظيم العام للعقود يقوم بوظيفة اصلية أولية بالنسبة لهذه العقود غير المسماة ، وتطبيقا لذلك اذا عرض على الموثق عقد مسمى وجب عليه ان يطبق على العقد اولا القواعد الخاصة المحددة لهذا العقد المسمى ، فاذا لم يجد حلا لهذا العقد في القواعد القانونية الخاصة المحددة ، فيلجأ الموثق الى القواعد العامة للعقود ، وإن تعذر عليه ان يستخلص الحل والقواعد الواجب تطبيقها من هذه القواعد العامة ، يمكنه تطبيق القواعد الخاصة بأقرب العقود المسماة عن طريق القياس .

اما اذا تعلق المحرر بعقد مختلط بين عقد مسمى واخر غير مسمى فعلى الموثق ان يبحث عن الحل في القواعد العامة للعقود وذلك بصفة اصلية اولية ، فان لم يجد قاعدة يطبقها ، فيلجأ الى القواعد الخاصة بأقرب العقود المسماة عن طريق القياس .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت