الشهادة الطبية كشرط لإبرام عقد الزواج

الشهادة الطبية كشرط لإبرام عقد الزواج في القانون الجزائري

الأستاذ: عامر نجيم .
أستاذ مؤقت بكلية الحقوق بجامعة تلمسان- باحث بصف الدكتوراه-
مقدمة:

إن ظهور بعض الأمراض المُعدية، أو الوراثية التي أصبحت تشكل خطرا على الزواج، أو تتعارض مع أحد أهدافه جعلت المشرع الجزائري يسعى جاهدا للإستفادة من التطور العلمي الهائل الذي مسّ جميع المجالات بما فيها المجال الطبي، وخاصة علم الوراثة وهندسة الجينات، التي أصبح يمكن بواسطتها الكشف المُبكر عن الأمراض المُعدية، ومعرفة الأشخاص الحاملين لجينات الأمراض الوراثية، وخاصة المقبلين على الزواج، من أجل إمكانية تجنب إنتقال هذه الأمراض سواءً إلى الطرف الآخر الذي يُراد الإرتباط به، أو إلى الأطفال الذين سينتجون عن هذه العلاقة المقدّسة، حيث اشترط المشرع على المقبلين على الزواج تقديم شهادة طبية تُثبت خُلوهما من أي مرض قد يشكل خطرا يتعارض مع هذا الزواج.

وعلى هذا الأساس توصلنا إلى طرح الإشكالية التالية:

ماهو النظام القانوني للشهادة الطبية المُشترطة من أجل إبرام عقد الزواج في القانون الجزائري؟

وللإجابة على هذه الإشكالية إرتأينا تقسيم هذا الموضوع إلى فرعين، الأول سنتناول فيه محتوى الشهادة الطبية وإجراءات الحصول عليها، في حين سنتطرق في الفرع الثاني لجزاء تخلّف هذه الشهادة عند إبرام عقد الزواج .

الفرع الأول: مضمون الشهادة الطبية وإجراءات الحصول عليها :

لقد أدى التطور العلمي الهائل الذي شهده المجال الطبي، وخاصة علم الوراثة وهندسة الجينات، الذي أصبح يمكن بواسطته الكشف المبكر عن الأمراض المُعدية ، إضافة إلى معرفة الأشخاص الحاملين لجينات الأمراض الوراثية، إلى دفع المشرع الجزائري للتصدّي للمصابين بهذه الأمراض أو الحاملين لتلك الجينات الذين يرفضون الإفصاح عنها قبل الزواج، محاولا الإستعانة بهذا التطور العلمي عن طريق إشتراطه على الأفراد المقبلين على الزواج تقديم شهادة طبية لا يزيد تاريخها عن ثلاثة (03) أشهر تثبت خلوّهما من الأمراض التي قد تشكل خطرا يتعارض مع الزواج() ، مع العلم أن المرسوم التنفيذي رقم (06 – 154) المتعلق بتحديد شروط وكيفيات تطبيق أحكام المادة (07) مكرر من قانون الأسرة الجزائري قد اشترط أن تتضمن هذه الشهادة الطبية على سبيل الإلزام نتائج فحص عيادي شامل ، إضافة إلى نتائج تحليل فصيلة الدم ()، كما يمكن أن ينصبّ الفحص الطبي على السوابق الوراثية والعائلية من أجل الكشف عن بعض العيوب، أو قابلية الشخص المقبل على الزواج للإصابة ببعض الأمراض، وزيادة على ذلك يجوز للطبيب أن يقترح على المعني إجراء فحوصات بغرض الكشف عن بعض الأمراض التي يُحتمل إنتقالها إلى الزوج الآخر أو إلى ذريتهما، مع وجوب إعلامه بمخاطر إنتقال هذه الأمراض().

وبعد إتمام الفحوصات الطبية يجب على الطبيب تبليغ الشخص المعني بالشهادة الطبية بنتائج هذه الفحوصات التي تم إجراؤها طبقا لنص المادة (03) من المرسوم التنفيذي رقم (06 – 154)، وبملاحظاته ، إضافة إلى وجوب تسليمه شهادة حول ذلك(4)، أما بعد تقديم هذه الشهادة من طرف الشخص المقبل على الزواج إلى الموثق أوضابط الحالة المدنية بهدف إبرام زواجه، فإنه يتعين على هذا الأخير قبل تحرير عقد الزواج التأكد من علم كلا الطرفين المقبلين على الزواج بنتائج الفحوصات التي خضع لها كل واحد منهما ، وبالأمراض أو العوامل التي قد تشكل خطرا على زواجهما، مع وجوب إلتزامه بالتأشير بذلك في عقد الزواج الذي قام بتحريره(5).

الفرع الثاني: جزاء تخلف الشهادة الطبية أثناء تحرير عقد الزواج :

يُستخلص من خلال استقراء نصي المادتين (07) مكررمن قانون الأسرة، و (06) من المرسوم التنفيذي رقم (06 – 154) أن المشرع الجزائري جعل شرط تقديم الشهادة الطبية إجراءً إلزاميا لكلا الطرفين المقبلين على الزواج من أجل إتمام إبرام عقد قرانهما من طرف الموثق أو ضابط الحالة المدنية، في حين ألقى على عاتق هذين الأخيرين واجب قانوني يتمثل في وجوب التأكد من إجراء الشخصين المقبلين على الزواج للفحوص الطبية المشترطة قانونا، ومن علمهما بنتائج تلك الفحوصات، ثم التأشير بذلك في عقد الزواج بغرض تحديد المسؤوليات.

غير أنه إذا تقدم المخطوبان إلى الموثق أو ضابط الحالة المدنية من أجل إبرام زواجهما دون تقديمهما للشهادة الطبية المشترطة قانونا فإنه يجب على هذا الموثق أو ضابط الحالة المدنية الإمتناع عن تحرير هذا العقد، مع ضرورة إعلامهما بأنه لا يجوز له تحرير عقد قرانهما في حالة تخلف شرط إلزامي إشترطه القانون وهو شرط تقديم الشهادة الطبية ، أما إذا تجاهل الموثق أو ضابط الحالة المدنية هذا الشرط وقام بتحرير عقد زواج شخصين دون استلامه لهذه الشهادة فإنه يكون بفعله هذا قد خالف القانون، وبالتالي تقوم مسؤوليته الإدارية ، إضافة إلى إمكانية متابعته جزائيا(6).

في حين يبقى عقد الزواج الذي تم تحريره بالرغم من عدم استلام الموثق أو ضابط الحالة المدنية للشهادة الطبية التي تُثبت قيام طرفيه بالفحوصات المحددة بموجب القانون عقدا صحيحا، بمعنى أن هذا العقد ينعقد صحيحا متى كان طرفاه خاليان من الأمرض التي قد تشكل خطرا يتعارض مع الزواج، أو متى كانا على علم متبادل بشأن إصابة أحدهما أو كلاهما بهذه الأمراض، أما إذا كان أحد طرفي عقد الزواج الذي تم تحريره دون الإلتزام بشرط تقديم الشهادة الطبية أو كلاهما حاملا لإحدى الأمراص المعدية أو الجينات الناقلة للأمراض الوراثية، فإن هذا العقد يعتبر عقدا قابلا للإبطال بسبب اختلال ركن الرضا لدى أحد طرفيه الذي وقع ضحية عيب الغلط أو التدليس(7) .

خاتمة:

إن اشتراط المشرع الجزائري تقديم شهادة طبية من طرف المقبلين على الزواج من أجل إمكانية إبرام زواجهما أمام الموثق أو ضابط الحالة المدنية لا يعني على الإطلاق تقييد حريتهما، لأن دور هذا الموثق أو ضابط الحالة المدنية ينحصر في التأكد من علم كلا الطرفين بنتائج الفحوصات التي خضع لها كل واحد منهما ، وبالأمراض والعوامل التي قد تشكل خطرا يتعارض مع زواجهما، دون أن يكون له أي حق في الأمتناع عن تحرير عقد زواجهما متى إلتزم كلا منهما بتقديم الشهادة الطبية المشترطة قانونا وتأكد بأنهما على علم بمحتواها، وبالتالي تبقى لهما حرية الإختيار بين إتمام إبرام هذا الزواج بعد علمهما بنتائج تلك الفحوصات، أو التراجع عن إبرامه.

الإحالات:

(1)- أنظر، نص المادة (07) مكررمن الأمر رقم (05-02)المؤرخ في 27 فبراير2005 المعدل والمتمم للقانون رقم (84-11) المؤرخ في 09 يونيو1984 المتضمن قانون الأسرة الجزائري.

(2)- أنظر، نص المادة (03) من المرسوم التنفيذي رقم (06-154) المؤرخ في 13 ربيع الثاني عام 1427 الموافق ل 11 ماي 2006 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات تطبيق أحكام المادة (07) مكرر السابق ذكرها.

(03)- أنظر، نص المادة (04) من نفس المرسوم التنفيذي.

(04)- أنظر، نص المادة (05) من نفس المرسوم التنفيذي.

(05)- أنظر، نص المادة (07) من نفس المرسوم التنفيذي.

(06)- أنظر، عبد العزيز سعد، قانون الأسرة الجزائري في ثوبه الجديد، دار هومه، الجزائر2009، ص53.

(07)- أنظر،بلحاج العربي، مجلة المحكمة العليا، العدد01، 2007، ص118.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت