القيود الواردة على الاستفادة من صندوق النفقة للمطلقات الحاضنات
الأستاذ: عامر نجيم .
أستاذ مؤقت بكلية الحقوق بجامعة تلمسان- باحث دكتوراه-
مقدمة:
لقد تعزّزت الترسانة القانونية بالقانون رقم (15-01) المؤرخ في 04 جانفي 2015 و المتضمن إنشاء صندوق النفقة للمطلقات الحاضنات، من أجل حماية المرأة المطلقة الحاضنة و الأطفال القصّر عن طريق تخصيص مبلغ مالي يدفع لها من عائدات هذا الصندوق في حالة تخلي المدين عن دفع النفقة لها، و ذلك نظرا لحساسية هاته المسألة أي مسألة النفقة التي لا تحتمل التأخير، و هذا ما جعل المشرع الجزائري يسارع إلى إيجاد آلية قانونية تهدف إلى حماية الأسرة بعد الطلاق و خاصة الأطفال المحضونين رغم تباين ردود الأفعال بين رجال القانون حول دور هاته الآلية، و الآثار التي ستترتب عنها خاصة فيما يتعلق بمساهمتها في تنامي ظاهرة فك الرابطة الزوجية بشتى الطرق، أهمّها التطليق ظنّا من النساء أنّ كل مطلقة لها الحق في الإستفادة من هذا الصندوق، و هذا ما يدفعنا إلى طرح الإشكالية التالية:

ما هي القيود الواردة على الاستفادة من صندوق النفقة للمطلقات الحاضنات؟
و للإجابة على هاته الإشكالية ارتأينا تقسيم موضوعنا هذا إلى مطلبين، الأول نتناول فيه طبيعة النفقة المشمولة بالقانون رقم (15-01) و حالات الاستفادة منها، في حين سنتطرق في المطلب الثاني لحالات سقوط الحق في الاستفادة من صندوق النفقة.
المطلب الأول: طبيعة النفقة المشمولة بقانون (15-01)و حالات الاستفادة منها:
لقد وسع المشرع الجزائري من مجال تطبق القانون رقم (15-01) و جعله يشمل نفقة الطفل المحضون إضافة إلى نفقة المرأة المطلقة (الفرع الأول)، و حدد حالات الاستفادة من صندوق النفقة للمطلقات الحاضنات (الفرع الثاني) كما سنبين ذلك في حينه.
الفرع الأول: طبيعة النفقة المشمولة بالقانون رقم (15-01):
يتضح لنا من خلال استقراء المادة الثانية من قانون رقم (15-01) أن النفقة التي تدخل في إطار صندوق النفقة للمطلقات الحاضنات هي نفقة الطفل المحضون، إضافة إلى نفقة المرأة المطلقة.
نفقة الطفل المحضون:
إن من بين النفقتان اللتان يغطيهما صندوق النفقة للمطلقات الحاضنات نفقة الطفل المحضون المحكوم بها وفقا لقانون الأسرة بعد طلاق والديه([1])، مع العلم أن نفقة الابن تجب على الأب ما لم يكن له مالا، وينوب عنه صندوق النفقة في دفعها – متى امتنع عن اّدائها لأي سبب كان – لصالح الطفل المحضون إذا كان ذكرا إلى غاية إنتهاء الحضانة ببلوغه عشر سنوات ، يمكن تمديدهاإلى حين بلوغه ستة عشر سنة شرط ألا تتزوج المطلقة الحاضنة بعد طلاقها، أما إذا كانت أنثى إلى غاية بلوغها سن الزواج المحددة ب تسعة عشر سنة ([2])،مع العلم أن النفقة تشمل الغذاء، و الكسوة، و العلاج، و السكن و أجرته و ما يعتبر من الضروريات في العرف و العادة([3])، كما تدخل في إطار صندوق النفقة، نفقة الطفل المحضون المحكوم بها مؤقتا لصالحه في حالة رفع دوى طلاق و قبل الفصل فيها، فهي تعتبر نفقة مستعجلة يقضي بها القضاء على وجهه الاستعجال من أجل حماية الطفل المحضون و صون كرامته، وقضاء حاجياته من مأكل و مشرب و مبلس و تعليم …الخ.
نفقة المرأة المطلقة:
إن ثاني نفقة يغطيها – أو يشملها- صندوق النفقة للمطلقات الحاضنات هي نفقة المرأة المطلقة([4])، مع العلم أن المشرع الجزائري لم يحدّد لنا بموجب القانون رقم (15-01) النفقة المقصودة بموجب الشطر الأخير من الفقرة الثانية من المادة الثانية من هذا القانون هل هي نفقة العدّة؟، أم نفقة الإهمال؟،أم نفقة المتعة؟، و بالتالي فإن نفقة المطلقة التي يغطيها صندوق النفقة، هي النفقة التي يحكم بها قاضي شؤون الأسرة بعد حكمه بفك الرابطة الزوجية، بحيث قد تقتصر على نفقة العدة، كما قد تمتد إلى نفقة الإهمال و المتعة ،و يبقى على المطلقة إثبات الحكم لها بهاته النفقة بواسطة نسخة من الحكم القضائي الذي قضى لها بقيمة مالية محددة امتنع طليقها عن الوفاء بها.

الفرع الثاني: حالات الاستفادة من صندوق النفقة للمطلقات الحاضنات:
يستخلص من خلال استقراء نص المادة (03) من القانون رقم (15-01) أن المشرع الجزائري حصر حالات الاستفادة من صندوق النفقة للمطلقات الحاضنات في حالتين هما:

حالة تعذر التنفيذ الكلي للأمر أو الحكم القضائي المحدد لقيمة النفقة سواء كان ذلك بسبب امتناع المدين عن التنفيذ، أو بسبب عجزه عن ذلك، أو نتيجة عدم التعرف على محل إقامته([5])، و بالتالي تحل الدولة في هاته الحالة محل المدين بالوفاء، و تقوم بدفع مبالغ النفقة ثم ترجع بقيمتها على المدين الأصلي نظرا لما تمتاز به من سلطة، ووسائل ضغط من أجل إجباره على الوفاء بالتزاماته اتجاههما (أي اتجاه الدولة باعتبارها مدينا له في هاته الحالة)([6]).

حالة تعذر التنفيذ الجزائي للأمر أو الحكم القضائي المحدد لمبلغ النفقة لأي سبب من الأسباب السابق ذكرها، كأن يتعذر على المدين دفع جميع مبالغ النفقة المحكوم بها، أو أن يتعذر عليه الإستمرار في دفع نفقة الطفل المحضون بسبب فقدانه منصب عمله مثلا، و من ثم تحل الدولة محله فيما يتعلق بالمبالغ المتبقية، أي الجزء الذي تعذرعليه دفعه ، و عليها أن تعود عليه بقيمة هاته المبالغ لاحقا.

المطلب الثالث: حالات سقوط الحق في الاستفادة من صندوق النفقة للمطلقات الحاضنات:
إن إيجاد المشرع الجزائري لصندوق النفقة كآلية لحماية الطفل المحضون و المرأة المطلقة الحاضنة وصون كرامتهما، لا يعني على الإطلاق فتح المجال أمام كل المطلقات و الأطفال المحضونين للاستفادة من هذا الصندوق، بل حدّد حالات لا يمكن لصندوق النفقة تغطيتها كما هو الأمر بالنسبة لحالتي سقوط الحق في الحضانة عن الحاضنة، و انتهاء الحضانة، (الفرع الأول)، إضافة إلى حالتي يُسر الطفل المحضون و التزام المدين بالنفقة -أي أب المحضون- بدفع مبالغ النفقة المحكوم بها (الفرع الثاني).
الفرع الأول: حالتي سقوط حق الحاضنة في الحضانة و انتهاء الحضانة:
لقد اعتبر المشرع الجزائري من بين أهم الأسباب التي تؤدي إلى سقوط الحق في الاستفادة من صندوق النفقة للمطلقات الحاضنات، حالة سقوط حق الحاضنة في الحضانة ، و حالة انتهاء الحضانة.
حالة سقوط حق الحاضنة في الحضانة:
من المتعارف عليه قانونا أن دفع نفقة الطفل المحضون يكون لصالح الحاضن – و هي في غالب الأحيان المطلقة الحاضنة- من أجل استعمالها لمبالغ النفقة في قضاء حاجيات هذا المحضون من غذاء، و ملبس، و مشرب، و تعليم …الخ، و بالتالي فإن تغير صفة الحاضنة عن طريق سقوط حقها في الحضانة لأي سبب من الأسباب المحددة قانونا كزواجها بغير قريب محرم مثلا([7])، أو عن طريق تنازلها عن حقها في الحضانة لصالح من يليها في ترتيب الحاضنين قانونا كالأب، أو الجدة لأم،…الخ([8])، سيؤدي إلى سقوط حقها في الاستفادة من صندوق النفقة للمطلقات الحاضنات نيابة عن الطفل المحضون، و ينتقل هذا الحق إلى الحاضن الذي انتقلت إليه الحضانة بعد ذلك و يصبح في مركز الدائن بنفقة الطفل المحضون و لصالح هذا الأخير باعتباره هو المستفيد منها عن طريق صندوق النفقة للمطلقات الحاضنات.
حالة انتهاء الحضانة:
إن من بين الحالات التي لا يغطيها صندوق النفقة للمطلقات الحاضنات، أي لا يتكفل هذا الصندوق بدفع نفقة الطفل المحضون للحاضنة إذا تحققت، هي حالة انتهاء مدة الحضانة التي حددها المشرع الجزائري ببلوغ الذكر عشر (10) سنوات، مع إمكانية تمديد هاته المدّة إلى ستة عشر (16) سنة إذا لم تتزوج الحاضنة بعد طلاقها، و بلوغ الفتاة سن الزواج أي تسعة عشر (19) سنة كاملة([9])، و بالتالي فإن إنتهاء مدة الحضانة تعتبر سببا من أسباب سقوط الحق في الإستفادة من صندوق النفقة.

الفرع الثاني: حالتي يسر الطفل المحضون و التزام المدين بدفع النفقة المحكوم بها قضائيا:
إضافة إلى الحالتين السابق ذكرهما، فإنه هناك حالتان أخرتان تعتبران من موانع الاستفادة من صندوق النفقة للمطلقات الحاضنات ، و تتمثلان في حالة يسر الطفل المحضون، و حالة إلتزام المدين بدفع النفقة المحكوم بها.
حالة الطفل الميسور ماديا:
يتضح لنا من خلال استقراء نصوص قانون الأسرة الجزائري الخاصة بالنفقة على الأبناء، و خاصة نص المادة (75) منه، أن نفقة الولد تقع على عاتق أبيه ما لم يكن له مال خاص([10])، و بالتالي فإن امتلاك الطفل المحضون لمال خاص يعتبر سببا من أسباب سقوط حقه في النفقة، و من ثم يسقط حقه في الاستفادة من صندوق النفقة للمطلقات الحاضنات بالتبعية لذلك([11]).
حالة التزام المدين بدفع النفقة المحكوم بها قضائيا:
إذا كان الدافع الرئيسي و الجوهري للجوء المرأة المطلقة الحاضنة إلى صندوق النفقة يتمثل في امتناع المدين عن التنفيذ الكلي أو الجزئي للأمر أو الحكم المحدد لمبلغ النفقة، فإن التزام هذا المدين بدفع النفقة المحكوم بها قضائيا يعتبر مانعا لاستفادة المطلقة الحاضنة و الطفل المحضون من هذا الصندوق، بمعنى أنه لا يحق للحاضنة و الطفل المحضون الاستفادة من مبالغ النفقة المحددة قانونا من صندوق النفقة متى التزام المدين بها بدفعها([12]).
خاتمة:
لقد قام المشرع الجزائري باستحداث صندوق للنفقة يتكفل بدفع نفقة المحضونين، إضافة إلى نفقة المرأة المطلقة، من أجل حماية الحقوق الأساسية للطفل المحضون في حالة طلاق والديه، و امتناع المدين عن دفع النفقة لمستحقيها لأي سبب كان، و هذا بغرض تذليل الصعاب و العقبات التي كانت تواجه الحاضنة سابقا من أجل تحصيل مبالغ النفقة المحددة قضاء حفاظا على كرامتها، و حماية للأطفال المحضونين من الحرمان و الإنحراف، غير أن ما يعاب على المشرع الجزائري في هاته الحالة هو عدم مراعاته لحالة الأطفال المحضونين اليتامى لأنهم أولى بالرعاية المادية من الأطفال المحضونين ضحايا الطلاق.
الإقتراحات:
تعديل نص المادة الثانية (02) من القانون رقم (15-01). بما يجعلها تشمل نفقة الطفل اليتيم المحضون.
تعديل نصوص هذا القانون بما يجعله لا يقتصر على المطلقات الحاضنات، لأنه في بعض الحالات تسند حضانة الأطفال للجدة لأم، أو للجدة لأب، و هنا يثار الإشكال بشأن مدى أحقيته الحاضنة (الغير مطلقة) في هاته الحالة بالاستفادة من نفقة الطفل المحضون نيابة عنه و لصالحه عن طريق صندوق النفقة.
1- أنظر، الفقرة الثانية من نص المادة الثانية من القانون رقم (15-01) المتعلق بإنشاء صندوق النفقة للمطلقات الحاضنات الصادر بتاريخ 04 جانفي 2015.
2- أنظر، المادة (65) من الأمر رقم (05-02) المؤرخ في 27 فبراير 2005 المتضمن قانون الأسرة.
1- أنظر المادة (78) من الأمر رقم (05-02) الساق ذكره.
2- أنظر، الفقرة الثالثة من المادة (02) من القانون رقم (15-01).
1- أنظر، نص المادة (03) من قانون رقم (15-01).
2- أنظر، نص المادة (09) من قانون رقم (15-01).
1- أنظر، نص المادة (66) من قانون الأسرة الجزائري.
2- أنظر، نص المادة (64) من نفس قانون.
1- أنظر، نص المادة (65) من قانون الأسرة الجزائري.
2- تنص المادة (75) من قانون الأسرة في فقرتها الأولى على أنه “ تجب نفقة الولد على الأب ما لم يكن له مال، ….”.
3- أنظر، نص المادة (07) من قانون رقم (15-01).
1- أنظر، نص المادة (03) من قانون رقم (15-01).

إعادة نشر بواسطة محاماة نت