مصدر التعويض المستحق للمشتري حسب القانون الوضعي

مصدر التعويض المستحق للمشتري

أولا: مصدر التعويض المستحق للمشتري حسب القانون الوضعي

يرى جانب من الفقه بأن أساس التعويض المستحق للمشتري المسؤولية التقصيرية، أي خطأ البائع سواء كان حسن النية أم سيئها. فإذا كان سيئ النية اعتبر خطأه مقصودا، وقد يشكل جرم الاحتيال إذا توافرت شروطه، أما إذا كان المشتري حسن النية، فإن خطأه يكون غير مقصود، لعدم تثبته من ملكيته للمبيع قبل إقدامه على بيعه، على أن ذلك لا يعني تشابه حكم البائع حسن النية بالبائع سيء النية من حيث مدى التزامه بالتعويض. ذلك أن البائع حسن النية لا يلزم بتعويض الضرر غير المتوقع، خلاف البائع سيء النية، إذ يلزم بتعويض جميع الأضرار سواء كانت متوقعة أو غير متوقعة.

وقد انتقد هذا الرأي على أساس عدم إمكانية نسبة الخطأ التقصيري إلى البائع حسن النية، وبالتالي لا يمكن أن يقال بأن بيع الشخص لشيء غير مملوك له يعتبر بذاته خطأ تقصيريا يوجب التعويض.

لهذا كان هناك جانب آخر من الفقه يفرق – في صدد البحث عن مصدر التعويض – بين البائع حسن النية والبائع سيء النية. فجعل مصدر التعويض نظرية الخطأ في تكوين العقد عندما يكون البائع حسن النية. إذ لا يصلح العقد بعد إبطاله مصدرا للتعويض، ويرى هذا الفقه بجواز تحول بيع ملك الغير بعد إبطاله إلى عقد صحيح غير مسمى ينشئ التزاما في ذمة البائع بتعويض المشتري عن عدم انتقال ملكية المبيع إليه.

وأرى ترجيح الرأي الثاني، إذ لا يعقل القول بأن مصدر التعويض في هذه الحالة هو المسؤولية التقصيرية، هذه المسؤولية التي تفترض أن هناك خطأ قد حصل في جانب البائع، ونص المادة ( 468 ) من القانون المدني المصري صريح في أن التعويض يستحق للمشتري حتى لو كان البائع حسن النية، بمعنى حتى لو لم يقع في جانبه أي خطأ. لهذا فإنه إن صح جعل المسؤولية التقصيرية مصدرا للتعويض المستحق للمشتري في حالة سوء نية البائع فإنه لا يصح جعل المسؤولية التقصيرية مصدرا للتعويض في حالة حسن نية البائع، وهذا السبب هو الذي جعل المشرع المصري يستند إلى نظرية الخطأ في تكوين العقد لتكون هي المخرج الوحيد له.

علما أن المشرع المصري كان قد رفض الأخذ بهذه النظرية كمبدأ عام.

ثانيا: مصدر التعويض المستحق للمشتري في الفقه الإسلامي

علم من الفرع السابق أن المشرع المصري جعل من المس ؤولية التقصيرية ونظرية الخطأ في تكوين العقد مصدرين للتعويض المستحق للمشتري بعد إبطال بيع ملك الغير . ولأن الفقه الإسلامي لا يعرف نظرية الخطأ في تكوين العقد فإن أساس التعويض عنده سيكون مغايرا لما أخذ به الفقه المصري.

ورأينا أن الحكم في القانون العراقي هو المستقر عليه في الفقه الحنفي وهو استرداد المشتري للثمن إذا كان حسن النية، أما إن كان سيء النية فلا يكون له استرداده إلا إذا وقع من البائع تعد.

أما بالنسبة للبائع سيء النية فلا القانون العراقي ولا القانون الأردني تحدثا عن هذه المسألة، بل إن فقهاء الشريعة الإسلامية لم يتحدثوا صراحة عن مسؤولية الفضولي سيء النية تجاه المشتري حسن النية وما يستحقه من تعويض. ولكن كما يقول الأستاذ الزرقاء فإنه طبقا لقواعد المسؤولية عن الضرر والتسبب فيه يقتضى التعويض.

وإذا ذهبنا إلى قواعد المسؤولية عن الضرر في القانون المدني الأردني لوجدنا أن كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر. فهذه القاعدة تعني أن كل فعل يصيب الغير بضرر يستوجب التعويض. وهذا يتفق مع القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية من أنه “لا ضرر ولا ضرار” و “الضرر يزال”.

إذا متى وقع الضرر من البائع سيء النية، فإنه يوجب الضمان للمشتري، ولكن ما هو مصدر هذا الضمان؟

إن الضمان في الفقه الإسلامي هو ضمان الإتلاف أو بعبارة أعم ضمان الفعل، أي أن يأتي شخص فعلا يلحق الضرر بآخر، كأن يتلف له مالا أو يغصب له مالا. والفضولي يعد في مركز الغاصب وبالتالي فإن أساس المسؤولية في القانون الأردني وبالتالي الفقه الإسلامي هو ضمان الفعل وهو ما يقابله في الفقه القانوني المسؤولية التقصيرية أو كما أسماها المشرع الأردني الفعل الضار.

ولا أعتقد بأن هناك فرق في الحكم بين ما إذا كان البائع حسن النية أو سيء النية لأن القاعدة في الفقه الإسلامي تجعل كل إضرار بالغير يلزم الضمان. لهذا قال الفقهاء أن العمد والخطأ في الأموال سواء.

لهذا إن أساس التعويض في الفقه الإسلامي سواء كان البائع حسن النية أو سيئها هو الفعل الضار لأن المسؤولية عن الفعل الضار في الفقه الإسلامي تقوم على الضرر لا ع لى الخطأ كما هو حال المسؤولية التقصيرية في القانون المدني المصري.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت