هل الوكالات التجارية احتكار؟

إعادة نشر بواسطة محاماة نت 

منذ أن ظهرت إلى الوجود “منظمة التجارة العالمية” وموضوع الوكالات التجارية يشغل بال الاقتصاديين. فهل الوكالات التجارية احتكار؟ وإن كانت بالفعل كذلك، فتحت أي نوع من الاحتكار يمكن تصنيفها؟

وهل يتعارض نشاط الوكالات التجارية مع مبادئ منظمة التجارة العالمية بشكل عام ومع مبادئ اتفاقيات التجارة الحرة التي تعقدها الدول الخليجية اليوم مع مختلف بلدان العالم؟ وهل سيؤثر إلغاء الوكالات التجارية سلباً أم إيجاباً على كفاءة الأداء الاقتصادي في القطاعين العام والخاص؟

وهل سيؤثر إلغاؤها سلباً أم إيجاباً على مستوى رفاهية الفرد وقراراته الاستهلاكية والادخارية والاستثمارية؟

بتاريخ 23 مارس 2005 نظمت غرفة تجارة دبي ندوة حول الوكالات التجارية في ظل اتفاقيات منظمة التجارة العالمية. والحقيقة أنه لو لم يكن لدى الاقتصاديين والتجار هاجس يدغدغ مشاعرهم وأحاسيسهم، سواءً أكان نابعا من ذاتهم أو من مؤثرات خارجية، بأن للوكالات التجارية صبغة احتكارية تتعارض مع ما يشهده العالم اليوم من تحرير للتجارة الخارجية والداخلية معا،ً لما أولوا الموضوع أهمية تذكر.

ولا شك أن الوكالات التجارية بصورتها التي تمارس فيها في دولة الإمارات اليوم هي صورة من صور الاحتكار، ولكنها قطعاً ليست احتكاراً تاماً، بل هي احتكار ناقص. ورغم أن جميع الوكلاء التجاريين يخضعون لمرجعية واحدة وهو القانون الاتحادي رقم (18) لسنة 1981 بشأن تنظيم الوكالات التجارية، إلا أنهم يتباينون في درجة ممارستهم للاحتكار في إطار الوكالة وذلك وفقاً للعقد المبرم بين كل من الموكل والوكيل، حيث يعطيهما القانون مرونة كبيرة في ذلك.

ويعرف قانون الوكالات التجارية في مادته الأولى الوكالة التجارية بأنه “يقصد بها تمثيل الموكل بواسطة وكيل لتوزيع أو بيع، أو عرض، أو تقديم سلعة، أو خدمة داخل الدولة نظير عمولة أو ربح”. ويعرف الموكل بأنه “يقصد به المنتج، أو الصانع في الداخل، أو الخارج، أو هو المصدر أو الموزع الحصري المعتمد من المنتج بشرط ألا يزاول المنتج أعمال التسويق بنفسه”.

ولقد نصت المادة الثانية من القانون على أن “تقصر مزاولة أعمال الوكالة التجارية في الدولة على المواطنين من الأفراد، أو الشركات التي تكون مملوكة ملكية كاملة لمواطنين”.

فهل تختفي كلمة “الوكيل الحصري” وكلمة “تقصر على المواطنين” من كافة القوانين والتشريعات الاقتصادية في الدولة مع مستجدات تحرير التجارة؟

وماذا استفاد المواطنون كأفراد من وجود مثل هذه الكلمات في القوانين الحالية في ظل سيطرة الشركاء الوافدين على نسبة كبيرة من إدارات الشركات، بل وامتلاك الكثير منها ملكية فعلية، واقتصار دور أغلب الشركاء المواطنين على صفة الشركاء النائمين “The sleeping partners” لقاء حفنة دراهم سنوية لا تسمن ولا تغني من جوع مقارنة مع الأرباح الطائلة التي يجنيها الشركاء الوافدون. فضلاً عن المخاطر الأخرى المرتبطة بهروب الشركاء الوافدين في حالة بروز مشكلة مستعصية أو مديونيات مصرفية.

ولو نظرنا إلى الوكيل التجاري وكأنه فرع أو امتداد للمنتج الموكل فهو يدخل في إطار المنافسة الاحتكارية التي تسود عالم اليوم سواء بقي نظام الوكالات التجارية أم تم إلغاؤه. فنظام المنافسة الاحتكارية لا يتعارض مع تحرير التجارة.

حيث أنه في ظل هذا النظام يكون المنتج أو وكيله محتكراً لاسمه التجاري وماركته التجارية إن وجدت، ومحتكراً لكافة حقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع التي تخصه ولا ينازعه فيها أحد، طالما أنه سجلها لدى الجهات الرسمية. ويعتبر ذلك وضعا طبيعيا للغاية وليس هو المقصود في مناقشة الاحتكار الذي يمارسه الوكلاء التجاريون.

فما هو المقصود إذاً بالاحتكار عند مناقشة موضوع الوكالات التجارية؟
لقد نصت المادة الخامسة من القانون على أنه “للموكل الأصلي أن يستعين بخدمات وكيل واحد في الدولة كمنطقة واحدة كما يجوز له أن يستعين بوكيل واحد في كل إمارة، أو في عدد من الإمارات، على أن يكون توزيع السلع والخدمات محل الوكالة مقصوراً عليه داخل منطقة الوكالة”.

والحقيقة أننا لو نظرنا إلى واقع الحال سوف نجد أن أغلب الماركات المشهورة والسلع ذات الجودة العالية لها وكيلان: وكيل لإمارة أبوظبي، ووكيل آخر لإمارة دبي والإمارات الشمالية معاً. وهذه الصورة احتكار بين لا يحتاج إلى من يبرهن عليه. بيد أن هذا الاحتكار إذا كان نابعا من رغبة الموكل ذاته فهو يدخل في إطار المنافسة الاحتكارية التي يقرها النظام الرأسمالي ولا تتعارض مع مبادئ تحرير التجارة سواءً تلك الخاصة بمنظمة التجارة العالمية أو الخاصة بالاتفاقيات الثنائية، طالما أن الموكل لم يمارس صور الاحتكار الأخرى، وطالما أن الوكالات لم تقتصر على المواطنين.

أما إذا كانت الوكالات الحصرية مرتبطة بقانون تنظيم الوكالات التجارية الخاص بدولة الإمارات وخارجة عن رغبة الموكل وإرادته، أي بمعنى آخر إذا كان الموكل لا يرغب باقتصار الوكالة على وكلاء معينين، ويريد أن يوسع من دائرة الوكلاء أو أنه يرغب بتسويق