هل الحريات مطلقة؟ .. «تويتر» مثالاً

سلمان الدوسري

هل كانت تغريدات المدعو حمزة كاشغري في الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام حرية فردية؟ وهل توبته “”تجبّ”” ما قبلها؟ هذا باختصار هو العنوان العريض الذي شهده المجتمع الافتراضي في “”تويتر”” ووسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية، وانتقل سريعاً للمجتمع بشرائحه كافة، وكأن الشارع السعودي في حاجة إلى ما يزيد احتقانه، ولا يزال هناك مَن يصر على تعزيز الاحتقان غير عابئ بالنتائج الخطيرة لما وصلنا إليه، حتى لو كان ذلك على حساب استفزاز مشاعر العامة.

وبعيداً عن المعارك المفتعلة التي أطلقها البعض تبريراً لمَن تطاول على سيد الخلق، وبعيداً أيضاً عمّا يمكن لتغريدة واحدة تافهة أن تشعل حرائق الله وحده يعلم كيف تنطفئ، فإن أخطر ما في القضية أن الجرأة في التعدي على الآخرين أصبحت سمة يتباهى بها البعض، هذا البعض الذي بدأت شريحته تتزايد، يظن، خطأ، أن هناك حرية مطلقة لا حدود لها، حتى بلغنا، استهتاراً حيناً وجهلاً أحياناً أخرى، الوصول إلى ما لم يصل إليه أحد بالهجوم والسخرية من الرسل والأنبياء والذات الإلهية، وهو فعل شائن ومجرّم أيضا في أشد الدول تطبيقاً لمفهوم العلمانية، نقول ذلك لمَن يعتقد أن الحريات لا حدود لها، حتى في”” تويتر”” نفسه.

التناقض في مثل هذه القضايا الكبرى يكشف لك كيف أن المواقف لا تتخذ وفقاً للمبادئ، وإنما بحسب الفعل نفسه ومن قام به، فإن كان مَن قام بالفعل، مهما بلغ من فداحة، محسوباً على هذا التيار أو ذاك، فلا بد أن يهب الجميع معه هبة رجل واحد، ولا تسأل عن المبدأ الذي ينعكس خلال أيام، فمثلا، هناك من يطالب بمحاكمة شخص ما لأنه تطاول على أفراد معينين، فتقوم الدنيا ولا تقعد، أما إذا تم التطاول على الرسول الكريم، فإن المعادلة تتغير وتتبدل، وتبدأ نغمة سماحة الإسلام ورحمته تظهر فجأة!

من ضريبة البحث عن الحرية المفقودة في مجتمعاتنا، عدم التفريق بين مكان وزمان التعبير عن الرأي ومساحته وحدوده، فليس كل ما يُقال في المجالس يُنقل إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وما يبث في هذه الأخيرة ربما لا ينشر في بعض الأحيان في وسائل الإعلام التقليدية من صحف وتلفزيون، وهكذا، لكل وسيلة مساحتها من الحرية المسؤولة، ونؤكد على المسؤولة هنا، لكن مع الأسف هناك مَن يريد أن يهدم المعبد بمن فيه، ناهيك عمّن يتعدّى حدود هذه الحرية، فيذهب في الاتجاه الخاطئ، كما في حالة كاشغري، الذي أغواه البعض بقصد أو دون قصد، حتى بلغ من السفاهة والجهالة، التعرُّض للمسلمين جميعاً بشتمه نبيهم، وهو ما لا يرضونه أجمعين، أو على الأقل أغلبيتهم العظمى.

عودة كاشغري عن توبته المزعومة، بحسب ما نقلته مجلة “”نيوزويك””، جعلت مَن برّروا له يُسقط في أيديهم، ومع هذا، لم نجد استنكاراً من أولئك المبررين تجاه مَن غرس خنجراً عميقاً في مبدأ حرية الرأي، ناهيك عن استهانته بمشاعر مليار و٢٠٠ مليون مسلم، وهذا أكبر دليل على أن المعركة هي انتهازية لا دخل لها بأي نوع من الحريات، أو مزاعم الدفاع عنها، لذا لا يزال المبرّرون، يبحثون عن مخرج من الحرج الذي أوقعهم فيه كاشغري، عندما أكد أن ما قاله هو يأتي ضمن “”حرية التعبير والرأي””، فهل ما زالوا عند رأيهم وتبريرهم له؟!