هل إطالة اللسان تعد جريمة في القانون الاردني ؟

بقلم : أ.د. محمد الحموري – لقد تم استخدام جريمة إطالة اللسان في الأردن عديداً من المرات على مدى السنين الماضية، ضد حالات فردية، لكننا الآن أصبحنا نستخدمها بإفراط في الظروف الحالية، وعلى نحوٍ يخلو من الحكمة، ويقود إلى إساءات للنظام السياسي، كما يصب الزيت على نار المسيرات فيزيدها اشتعالاً.

وأعتقد أن النصاح وكتاب التقارير وحلقات الحكم، لو علموا بطبيعة الأبعاد السياسية لهذه الجريمة، ومدى حرص الملكيات الدستورية على تجنب استخدامها، لما استخدموها في ظل الظروف الحالية أو نصحوا باستخدامها، ودفعوا الشارع الأردني إلى تفاقم حالته الآن.

إن جريمة إطالة اللسان ترتبط بعلاقة الملك بأبناء شعبه، وتتفاوت نوعية هذه العلاقة إيجاباً أو سلباً، تبعاً لمدى الدور الذي يعتقد الناس أن بمقدور الملك أن يقوم به للتجاوب مع مطالبهم. ففي الملكيات الدستورية الأوروبية، نجد أن أبناء شعوبها ينطلقون من أن الحكومات هي صاحبة السلطة والقرار وليس الملك، ومن ثم يوجهون خطابهم للحكومات، لأنها دستورياً وواقعياً هي التي تتخذ القرار في جميع شؤونهم.

أما في الأردن، فإنه رغماً عن وضوح نصوص الدستور، فإن كل وزير ورئيس ومسؤول، يعلن أن ما قام به كان بأمر من الملك، أو برغبة من الملك، أو توجيه من الملك، وجعلت وسائل الإعلام ذلك درساً مكروراً كل يوم وعلى مدى السنين، حتى أصبح الأردنيون على قناعة بأن الملك صاحب القرار الفعلي.

وانتظر الناس في مسيرات الربيع الأردني طويلاً، الاستجابة لشعارهم بإصلاح النظام، ومع التسويف والمماطلة، والشعور بعدم وجود إرادة للتغيير، أخذ الناس بتوجيه خطابهم مباشرة للملك، وتطرف بعضهم على نحو غير مقبول، فحرك النصاح وحلقات الحكم وكتاب التقارير ضدهم جريمة إطالة اللسان، وكانت النتيجة صب الزيت على النار.

ليس من الحكمة استخدام هذه الجريمة في هذه الظروف، وإنما الحكمة تستوجب استيعابهم لا عقابهم، وإلا فإنكم أيها النصاح، تضعون الملك في مواجهة شعبه. أرجوكم أن تفهموا الطبيعة الخاصة لهذه الجريمة، وتعلموا مدى ندرة استخدامها في الملكيات الدستورية.

إننا في الأردن، نكاد نكون من أواخر الدول التي شرعت هذه الجريمة أخذاً لها من موطنها في الملكيات الدستورية الأوروبية. فهذه الجريمة قادمة للعصور الحديثة من العصور الوسطى، عندما كان الملوك يمارسون سلطاناً مطلقاً باسم الحق الإلهي، ويجعلون صاحب الرأي المخالف مقارفاً لجريمة إطالة اللسان. وعندما فرضت شعوب أوروبا مبدأ الشعب مصدر السلطة، وزالت الأنظمة التي عاندت شعوبها، واستمر باقيها عندما تحولت إلى ملكيات دستورية، شرعت نصوصاً عاقلة لتلك الجريمة حماية للملك، باعتبارها خروجاً على مبدأ حرية الرأي فرضته الضرورة، وعدم الإكتفاء بجرائم الذم والقدح والتحقير لتلك الحماية. أما من حيث تطبيق هذه الجريمة، فقد أخذ منحى أكثر عقلانية.

ففي بريطانيا مثلاً، فإن الدعوى بهذه الجريمة لم تحرّك منذ (297) سنة، وفي الدينمارك، تم اكتشاف قيد لاستخدامها عام 1934. أما باقي الملكيات الدستورية، فهناك ندرة في استخدامها. والسبب أنه ليس من مصلحة الملك/الملكة، استخدام نصوص هذه الجريمة المتعلقة بأشخاصهم. ولذلك، فإن بعض الدول، كالنرويج تشترط لتحريك الدعوى بهذه الجريمة أن يصدر لهذا التحريك أمر من الملك نفسه، لأن الموضوع يتصل بعلاقته بمواطنيه، وهو الذي يقدر أثر تحريك الدعوى على تلك العلاقة. وفي دول أخرى مثل الدينمارك، فإن قرار تحريك الدعوى يجب أن يصدر من وزير العدل، من أجل أن يُترك للحكومة تقدير الأثر على علاقة صاحب التاج بمواطنيه. وأضيف وأقول للنصاح وزمرتهم، إن حرص الملكيات الدستورية على العلاقة مع شعوبها، بلغ حداً جعلها ترحب باستطلاعات الرأي العام فيها حول قبول الناس لتلك الملكيات، ولم تعتبر أن في الأسئلة التي توجه للناس وما تتضمنه من إجابات، مساس بالملك، أو جريمة إطالة لسان.

فمن تلك الاستطلاعات عام 2011 ما يلي:

– هل الملك/ الملكة يقوم/تقوم بواجبات الحكم بالشكل المطلوب؟
– من هو الأمير المفضل لديك من أعضاء الأسرة المالكة لتولي الحكم؟
– هل ترى أن على الملك/الملكة التخلي عن الحكم؟
– ما هي درجة ثقتك بالملك/الملكة؟

وقد اشتهرت مثل تلك الاستطلاعات للرأي، ومع الأيام تنوعت أسئلتها وزادت تفصيلاتها، وتفننت وسائل الإعلام في إطرائها حتى أصبح جمهور الناس في انتظار نتائجها، عندما يتم نشر الأسئلة والنسبة المئوية لنوع كل إجابة. ولم يظهر في هذه الدول نصّاح أو بطانات تستخلص من الأسئلة والإجابات، على قسوتها في بعض الأحيان، مساس بالحكم أو جريمة إطالة لسان، بل على العكس، فقد أصبحت وسيلة عند أنظمة الحكم، تدفعها لزيادة عطائها وتلافي ما قد تقع به من أخطاء. ويكفي أن نسوق الواقعة التالية عن أثر البطانات والنصاح في الحرص على شعبية الملك الذي تخدمه عند مواطنيه. فقد حدث في أسبانيا عام 2011، أن نشرت إحدى الصحف عن قيام زوج كريستينا ابنة الملك، باصطناع لنص الفواتير، وقبض قيمتها من المال العام، واستغلت المعارضة وصحفها هذا الخبر، حتى أصبحت سلامة سلوك أعضاء البيت المالك ونزاهتها محل حديث الشعب الإسباني. ولكن بناء على نصيحة البطانة ظهر الملك خوان كارلوس على التلفزيون الإسباني بتاريخ 29/12/2011، ليعلن أن زوج ابنته تم تقديمه للتحقيق، وأنه قرر حذف اسمه من الأجندة الرسمية للقصر الملكي، وأعلن أن المبلغ الذي تدفعه الخزينة للعائلة الملكية مقداره (8) مليون و(400) ألف يورو، وأنه أمر بوضع التفصيلات الدقيقة لأوجه صرف هذا المبلغ على الموقع الإلكتروني للقصر، وأن المواطن الإسباني يستطيع أن يعرف ويراقب الكيفية التي أنفقت فيها الأسرة ما يتحمله كدافع ضريبة عنها ( مع ملاحظة أن عدد سكان أسبانيا 46 مليون نسمة، وأن المواطن يتحمل ما يعادل الـ (20) قرشاً في السنة من نفقات العائلة المالكة )، وأصبح نشر التفصيلات تقليداً سنوياً. لقد كان النصاح والبطانة وكتاب التقارير أمناء مع الملك، إذ رغم أن ما صدر عن قيادات بعض الأحزاب والصحف من إساءات للملك تشكل جريمة إطالة اللسان وفقاً للقانون الإسباني، خاصة وأن الإساءات حدثت قبل انتهاء التحقيق وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، إلا أن حرصهم على الملك وأسرته وعلاقتهم بشعبهم، جعلهم يستبعدون أي تفكير في استخدام جريمة إطالة اللسان تلك، وكانت نصيحتهم هي ما أعلنه الملك على شعبه. ورحبت العوائل المالكة الأوروبية بما فعله الملك، كما حظي ذلك بإطراء وسائل الإعلام.

وفي مقابل الصورة السابقة لأنظمة الحكم وموقفها من جريمة إطالة اللسان، نلاحظ النقد القاسي الذي توجهه مراكز الأبحاث والفكر ومؤسسات حقوق الإنسان، لدولة تايلند ودولة زمبابوي التي تستخدم كل منهما هذه الجريمة بإفراط، حتى أصبحت كل واحدة تشكل المثل السيئ الذي يشجبه ويدينه الكتاب والمفكرين في قارات بشر الجنس الأصفر والأبيض.

وأخيراً أقول، يا أيها النصاح وكتاب التقارير وأعضاء حلقات الحكم، ضيّقة كانت أم واسعة، إنكم بما صدر منكم حتى الآن، تضللون النظام، وتدفعون الوطن إلي مصير مجهول، وفي ضوء المحصلة التي نعاني منها الآن، فإنه من غير الممكن أن يكون توجيهكم للمسار هو في سبيل خدمة الملك، لا يا أيها السادة، إني أتهمكم بأن ما تفعلون هو لخدمة مصالحكم، من خلال إبقاء ما كان على ما كان، وكفاكم ما أوصلتمونا إليه من حال. أرجوكم أن لا تعملوا على تشويه صورة وطننا أكثر. إن واجبكم هو النصح باستيعاب الناس، والبحث عن الأسباب وعلاجها بدلاً من العقاب.