تنفذ حوالة الدين في حق الدائن “المحال له” باقراره لها وإلى ذلك نصت المادتان ( 316) مدني مصري و( 344 ) مشروع مدني فلسطيني على التالي:

1- لا تكون الحوالة نافذة في حق الدائن إلا إذا أقرها.

2- إذا قام المحال عليه أو المدين الأصلي بإعلان الحوالة إلى الدائن وعين له أجلا معقولا ليقر الحوالة، ثم انقضى الأجل دون أن يصدر الإقرار اعتبر سكوت الدائن رفضا للحوالة” (1) أما المشرع الأردني فقد نص بالمادة ( 996/2) مدني “تنعقد الحوالة التي تتم بين المحيل والمحال عليه موقوفة على قبول المحال له” (2). والناظر إلى النصين يرى أنهما اشترطا إقرار الدائن أو قبوله لنفاذ الحوالة في حقه، سيما في الصورة التي تنعقد بها حوالة الدين بين المحيل والمحال عليه، لذا سأدرس أثر هذا النفاذ في حق الدائن وتكييفه القانوني في حال صمته عن تقرير موقفه من الحوالة في القانونين؟ يقصد بنفاذ حوالة الدين في حق الدائن إمكان الاحتجاج عليه بآثارها وإجازة تمسكه بها على طرفيها، بمعنى أن انتقال الدين من المدين الأصلي إلى المدين الجديد يكون ساريا في حق الدائن فتبرأ ذمة الأول ويصبح الثاني وحده المدين للدائن وهو المطالب بقيمة الدين المحال به منه (3) .

والإقرار إرادة منفردة، يجب حتى تنتج أثرها أن تصل إلى علم المدين “المحيل ” أوالمحال عليه، ومتى أقر الدائن الحوالة نفذت في حقه بأثر رجعي، ومنذ انعقاد حوالة الدين فلا يكون لأي من المحيل أو المحال عليه الرجوع بالحوالة، أو التعديل بها بعد وصول الإقرار لأيهما (4)، ولكن قبل وصول الإقرار إلى علم أي منهما فإنه يجوز لهما أن يتفقا معا على أن يعدلا عن الحوالة أو أن يعدلا بها، بما يرونه مناسبًا ومتفقًا عليه بينهما ولا يكون للحوالة بهذه الحالة أثر رجعي حتى لو صدر إقرار الدائن بعد علمه بهذا العدول أو التعديل (5) وإقرار الدائن بالحوالة لا ينشئ عقدا جديدا، باعتباره قبولا ترتب أثره منذ وقت الإقرار بل إن الرأي السائد هو أن للإقرار أثرًا رجعيًا، يستند إلى وقت انعقاد الحوالة (6) ، والإقرار قد يكون صريحا أو ضمنيا ويعتبر من قبيل الاقرار الضمني، قبول الدائن دون تحفظ وفاء بعض . الدين من المحال عليه أو مطالبته بإداء الدين، أو منحه أجلا للوفاء به (7) وبإقرار الدائن بالحوالة تبرء ذمة المدين الأصلي، اعتبارًا من تاريخ الحوالة لا من تاريخ الإقرار فحسب، فإذا صار الدائن في الفترة ما بين الحوالة وإقرارها مدينًا لمدينه الأصلي فلا يجوز له التمسك بالمقاصة لأن الدين الذي نشأ في ذمته بعد الحوالة وقبل الإقرار يعتبر أنه قد نشأ بعد براءة ذمة المدين الأصلي من الدين الذي حصلت الحوالة به، فلم يتقابل الدينان في وقت واحد وتمتنع لهذا السبب المقاصة بينهما (8).

ولم يشترط المشرع المصري لصحة الإقرار أن يكون قد سبقه إعلان بالحوالة بل أنه يجوز للدائن أن يقر الحوالة متى اتصلت بعلمه الشخصي قبل أن يعلن بها، ولا يعدو ذلك كونه قاعدة مفسرة لإرادة الطرفين، فيجوز للمتعاقدين أن يتفقا على أن الدائن ليس له أن يقر بالحوالة إلا إذا أعلماه بها، والغالب أنهما يعلمان الدائن باتفاقهما ليكون على بينة بشأن إقراره بالحوالة إذا كانت مصلحته تقتضي ذلك أم عدم إقرارها، إذا كانت لا تحقق مصلحته أو تلحق به ضررا (9) وليس هناك ميعاد محدد لصدور الإقرار، وليس هناك نهاية لهذا الميعاد، فيجوز للدائن أن يقر بالحوالة في أي وقت بعد انعقادها، ويستطيع المحيل أو المحال عليه أن يضعا حدا لهذا الموقف غير المستقر، بأن يتولى أحدهما إعلان الحوالة إلى الدائن ويعين له أجلا معقولا لإقرارها، يقدره هو تحت رقابة محكمة الموضوع، فإذا انقضى الأجل دون إقرار يعد سكوت الدائن وفقًا للمادة ( 316/ 2) مدني مصري رفضًا وليس قبولا للحوالة(10) ، ومرد اعتبار سكوت المحال له رفضا للحوالة هو أن الحوالة ممكن أن تضر به، فلا يفترض فيه إقرارها ويكون حمل سكوته على أنه رفض أولى من حمله على أنه قبول، أما المقصود بالأجل المعقول فهو تفادي .

تحديد مدة قصيرة لا تتيح للدائن تدبر أمره وإقرار الحوالة، فيعتبر عدم إقراره رفضا للحوالة (11) وإذا تم تحديد مدة معقولة للدائن لإقرار الحوالة وإعلانها فالرأي السائد بالفقه الألماني ومثله القانون المدني المصري، أن العبرة تكون بالمدة التي تنقضي أو لا، فإذا صدر تحديد المدة من المحيل والمحال عليه، وكانت أحد المدتين غير معقولة بأن كانت طويلة جدا، أو قصيرة جدا فهذا لا يمنع المتعاقد الآخر من تحديد مدة جديدة، أما إذا كانت المدتين غير معقولتين بأن كانت أحدهما طويلة جدا والأخرى قصيرة جدا، فيكون الحكم في هذه الحالة كما لو كان الإعلان لم . يصحب بمدة، فيكون للدائن إقرار الحوالة متى شاء (12) ورغم أن سكوت الدائن في حال منحه أجلا لإعلان الحوالة يعد رفضًا لا قبو لا لها، إلا أن المادة ( 322 ) مدني مصري (13)، ذهبت لتخالف هذا الرأي في حالة بيع العقار المرهون رهنًا رسميًا، ففي هذه الحالة لا ينتقل الدين المضمون بالرهن إلى ذمة المشتري إلا بإتفاق خاص على هذه الحوالة (14) والغاية التي هدف المشرع لتحقيقها من المادة ( 322 ) مدني هو تفادي الفصل بين المسؤولية الشخصية والمسؤولية العينية عن الدين، لأن إنشاء رهن رسمي لضمان الوفاء بالدين يجعل عنصر المسؤولية العينية أغلب من عنصر المسؤولية الشخصية، واراد المشرع بذلك تسهيل الجمع بين المسؤوليتين في شخص المكتسب (15)

ولتحقيق هذه المساواة وتطبيقًا لما جاء بالمادة 322 / مدني لم يجز المشرع للمحيل والمحال عليه إعلان الدائن بالحوالة، إلا بعد تسجيل عقد البيع، لأنه لا يتعين العمل على إنتقال الدين إلى ذمة المشتري إلا منذ انتقال ملكية العقار إليه، محملة بالرهن الضامن، فإذا أعلنت الحوالة قبل التسجيل فلا يكون الإعلان باطلا ولكن أثره من حيث سريان الميعاد الذي يجب على الدائن ان يبت فيه، يتأخر إلي حين التسجيل فيبدأ الميعاد من تاريخ التسجيل، وهذا الإعلان اشترط فيه أن يكون رسميًا بخلاف المادة ( 316/ 2) مدني مصري، التي لم تشترط ذلك وعين ميعادًا للدائن لإقرار الحوالة أو رفضها وهو ستة أشهر لا يجوز الزيادة فيه أو نقص، فإذا انقضى هذا الميعاد دون أن يبت الدائن برأيه أعتبر سكوته إقرارًا بالحوالة خلافًا للمادة ( 316/1) مدني مصري حين أقرت أن الأصل أن سكوت الدائن يعتبر رفضًا للحوالة (16) ولم يشر المشرع الأردني إلى حالة سكوت “المحال له” عن تقدير موقفه من الحوالة قبولا أو رفضًا، ولكن وبالرجوع إلى القواعد العامة وخصوصًا المادة ( 95 ) مدني أردني والتي جاء حكمها متفقًا ويجوز تكييفه على حالة سكوت المحال له حيث نصت على أنه:

1. لا ينسب إلى ساكت قول، ولكن السكوت في معرض الحاجة بيان ويعد قبولا. “

2. ويعتبر السكوت قبولا بوجه خاص إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين، واتصل الإيجاب بهذا التعامل، أو إذا تمخض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه”. وبالتالي يمكن قياس هذا النص في حال سكوت “المحال له” عن تقدير موقفه من الحوالة. والاعتماد عليه لتكييف سكوته قبولا أو رفضًا، حسب ما تقتضيه مصلحته باعتباره الأولى بالعناية .

______________

1- المادتان 316 / مدني مصري، و 344 / مشروع مدني فلسطيني/ ص 396

2- المادة 996/2مدني أردني، ص 269

3- مرقس، سليمان، الوافي في شرح القانون المدني، الجزء الثاني في الالتزامات، المجلد الرابع، أحكام الالتزام، ويشمل آثار الالتزام وأوصافه وانتقاله وانقضائه، الطبعة الثالثة، أسهم في تنقيحها وتزويدها بأحدث الآراء والأحكام الدكتور حبيب إبراهيم الخليلي، دار الكتب القانونية، شتات، مصر، المنشورات الحقوقية، 1992 ، ص 661

4- طلبة، أنور، انتقال وانقضاء الحقوق والالتزامات، بدون طبعة، المكتب الجامعي الحديث للنشر، 2006 ، ص 77

5- السنهوري، عبد الرزاق، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الثالث، الالتزام بوجه عام، الأوصاف، الحوالة، الانقضاء، تنقيح أحمد مدحت المراغي، طبعة تحتوي على آخر المستجدات في التشريع والفقه، والقضاء الناشر منشأة المعارف، الاسكندرية، مصر 2004 ، ص 504

6- العمروسي، أنور، حوالة الحق، وحوالة الدين، في القانون المدني، معلقا على النصوص بالفقه، وقضاء النقض، الطبغة الأولى، مكتبة دار الفكر العربية، 2003 ، ص 82

7- سلطان، أنور، النظرية العامة للالتزامات، احكام الالتزام، بدون ط، دار المطبوعات الجامعية للنشر، 1997 ، ص 302

8- مرقس، سليمان، الوافي، المجلد الرابع، مرجع سابق، ص 665

9- يحيى، عبد الودود، حوالة الدين، دراسة مقارنة في الشريعة الإسلامية، القانونين الألماني والمصري، بدون طبعة، دار النهضة العربية للنشر، 1992 ، ص 163

10- السنهوري، عبد الرزاق، الوسيط، ج 3، تنقيح أحمد المراغي، مرجع سابق، ص 505

11- مرقس، سليمان، الوافي، المجلد الرابع، مرجع سابق، ص 663

12- الاهواني، حسام الدين كامل، النظرية العامة للالتزامات، ج 2، أحكام الالتزام، بدون ط، بدون دار نشر، 1996، ص 167

13- المادة 322 / مدني مصري “لا يستتبع بيع العقار المرهون رسميًا انتقال المضمون بالرهن إلى ذمة المشتري إلا إذا كان هناك إتفاق على ذلك. فإذا اتفق البائع والمشتري على حوالة الدين وسجل عقد البيع تعين على الدائن متى أعلن رسميًا بالحوالة أن يقرها أو يرفضها في ميعاد لا يتجاوز ستة أشهر، فإذا انقضى هذا الميعاد دون أن يبت براي اعتبر سكوته إقرارًا”.

14- السنهوري، عبد الرزاق، الوسيط، ج 3، تنقيح أحمد المراغي، المرجع السابق، ص 277

15- يحيى،عبد الودود، مرجع سابق، ص 278

16- مرقس سليمان، الوافي، المجلد الرابع، المرجع السابق، ص 267 ، وسعد، نبيل، إبراهيم، المرجع السابق، ص277.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .